الانسجام بين الموروث اللساني العربي والدرس اللساني الغربي

La concordance par l'héritage linguistique arabe et la leçon linguistique occidentale

Accordance Through Arabic Linguistic Heritage And Western Linguistic Lesson

زميط محمد Zemit Mohamed

p. 143-157

للإحالة المرجعية إلى هذا المقال

مرجع ورقي

زميط محمد Zemit Mohamed, « الانسجام بين الموروث اللساني العربي والدرس اللساني الغربي », Aleph, 7 (1) | -1, 143-157.

بحث إلكتروني

زميط محمد Zemit Mohamed, « الانسجام بين الموروث اللساني العربي والدرس اللساني الغربي », Aleph [على الإنترنت], 7 (1) | 2020, نشر في الإنترنت 20 avril 2020, تاريخ الاطلاع 23 novembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/2477

يهدفُ البحثُ إلى الكشف عن إرهاصات البحث النصي في التراث العربي من خلال الحفريات في كتب البلاغة والأصول والتفسير، خاصة وأن لسانيات التراث، مليئة بأفكار ومفاهيم لغوية صالحة لأن تستثمر كآليات للتحليل، كقضايا الجملة، وقضايا النص والخطاب، وغيرها من المباحث التي اهتم اللسانيون الغربيون بدراستها اعتمادا على جهود العرب القدامى ولعل أهم مبحث هو الانسجام فرغم أنه لم يرد مصطلح بالمعنى اللساني الحديث في الدراسات العربية القديمة، إلا أنه ورد بمعان أخرى، فهو يتردد بكثرة في المؤلفات النقدية والبلاغية القـديمة، ونعني به الطريقة التي يتم بها ربط الأفكار داخل النص، كل هذا محاولة منا لإعادة قراءة التراث العـربي لكشف مكنـوناته، ولا يمـكن الحديث عن لسانيات النص في التراث العربي النقدي أو البلاغي دون الحديث عن بعض الآراء التي ساهمت بشكل كبير في بناء هذا العلم الغربي الحديث تقعيدا وتأصيلا، لذلك سننطلق من إشكالية مفادها : هل يمكن الجزم بأن مفاهيم اللسانيات النصية الغربية(المعايير النصية) ما هي إلا امتداد لجهود العرب القدامى ؟

La recherche vise à mettre au jour les implications de la recherche textuelle sur le patrimoine arabe par le biais de fouilles dans les livres de rhétorique, des origines et d’interprétation, notamment parce que la linguistique du patrimoine regorge d’idées et de théories linguistiques qui peuvent être investies en tant que mécanismes analytiques, tels que les phrases, les textes et les discours, la confusion entre ces deux derniers la cohésion et la cohérence et les autres recherches que les linguistes occidentaux étaient intéressés à étudier sur la base des efforts des anciens Arabes, tout ceci est une tentative de relire l’héritage arabe pour en révéler le sens, et on ne peut pas parler des textes linguistiques de l’héritage arabe critique ou rhétorique sans parler des avis qui ont grandement contribué à la construction de cette science occidentale moderne de façon progressive et approfondie, nous allons donc partir de la problématique : est-il possible d’affirmer que la linguistique textuelle occidentale n’est qu’un prolongement des efforts des anciens Arabes ? Comment peut-on investir ces efforts pour établir la linguistique textuelle arabe ?

The research aims at uncovering the implications of the textual research in the Arab heritage through the excavations in the books of rhetoric, originals and interpretation, especially that the linguistics of the heritage is full of ideas and linguistic theories that are valid to be used as analytical mechanisms such as sentence issues, text and speech issues, This is an attempt by us to re-read the Arab heritage to reveal its meanings. It is not possible to talk about the literatures of the text in the Arab critical or rhetorical heritage without talking about some of the views. Which contributed greatly to the building of this Western science modern progressive and thorough, so we will start from the problem : Is it possible to assert that Western textual linguistics is an extension of the efforts of the old Arabs ? How can these efforts be invested to establish Arabic textual linguistics ?

مقدمة 

لا يختلف اثنان على أن لسانيات النص من المصطلحات الحديثة التي اختلف حولها كثير من اللسانيين، إذ تعددت مفاهيمها بتعدد اتجاهات دارسيها، فكل نظر إليها من زاويته، وعرفها بطريقته، والمشكل قائم في ترجمة المصطلح، إذ ترجم إلى الإنجليزية بـ (Text Linguistics) أو ( Linguistics Of Text)، ولو بحثنا سر الاختلاف لوجدناه يكمن في المصطلح ذاته، كما عُبر عنه في الإنجليزية أيضاً بـ (Grammar Text) وفي الفرنسية (Science de Texte) وليس الاختلاف في التسمية عند الغرب فحسب؛ بل تعداه ليختلف في تسميته العرب أيضا، فمنهم من أطلق عليه اسم نحو النص (جميل عبد المجيد، 1998 : 66)، ومنهم من أطلق عليه علم اللغة (محمد يونس علي، مقدمة « مدخل إلى اللسانيات » 2004)، ومن التسميات أيضا :علم لغة النص، نظرية النص، علم اللغة النصي، لسانيات النص، لسانيات الخطاب (محمد خطابي، 1991 : 5)، وهذا يظهر من خلال المؤلفات التي ألفت لأجله.

رغم الاختلاف والتعدد في مفهوم المصطلح، « إلاَّ أنَّ هناك رابطًا يجمع بين هذه التعريفات، ويصهرها في بَوْتَقة واحدة، و هذا الرابط هو كون موضوعها واحدًا ألا وهو اللغة، وأصبح هدفها هو الوصف والتحليل » ( صبحي إبراهيم الفقي، 2000 : 55 ).

1. مفهُومُ اللّْسانيات النّصيَّة 

من خلال سبق يمكننا أن نحدد مفهوم للسانيات النصية التي تتخذ من النص محوراً للتحليل اللساني، فهو يبدأ من النص وينتهي به، والهدف منها هو البحث في النص كوحدة دلالية، تتشكل من متواليات من الجمل، تربطها عناصر تشكل هذا النص.

فـ« اللسانيات النصية فرع من فروع اللسانيات يُعنى بدراسة مميزات النص من حيثُ حدُّه وتماسكُه ومحتواه الإبلاغي (التواصلي) » (ج يول، وج براون : 30 ).

هذا التعريف يتجاوز النظرة التقليدية في دراسة الجملة وتتعداها، فالجملة « لا تقدم سوى الضئيل بالنسبة لما يقدمه النص، فما الجملة إلا جزء صغير بالقياس بالنص، وما يقدمه النص يمثل المعنى الكلي، على حين الذي تقدمه الجملة يمثل جزءا فقط من المعنى العام » (صبحي إبراهيم الفقي : 49)، فلسانيات النص تهتم بكل ما هو منطوق ومكتوب، وتدرس وسائل التماسك والترابط التي تجعل من النص كلا متكاملا، من خلال البحث عن الأدوات النحوية المحققة للتماسك، والآليات الدلالية المحققة للانسجام، وتركز على ركيزتي العملية التخاطبية المرسل والمرسل إليه.

ويعرفها نعمان بوقرة بقوله :

« تيار جديد جعل من النص مادته الأساسية، اصطلح عليه في البداية بـ «نحو النص » وهو مصطلح يقابل لسانيات النص، حيث حصل نوع من الإجماع على ضرورة التغيير وفق منهجية لا تغفل الجملة ولكنها في مقابل ذلك تعدّها أكبر وحدة قابلة للتحليل اللساني، بل تنظر إليها من زاوية علاقتها ببقية الجمل الأخرى المكونة للنص إضافة إلى علاقتها كذلك بالسياق الذي أنتجت فيه وبمنتجها ومستقبلها » (نعمان بوقرة 2009 : 140).

مما لا يمكن نكرانه أن التراث العربي القديم يحوي كثيرا من القضايا البلاغية والأسلوبية الحديثة، والتي تساعد في فهم النصوص وتحليلها، غير أن هذه القضايا مبثوتة ومتفرقة في هذه الكتب وهي في الغالب تفتقر للمنهج والتأصيل، فنجد آراء هنا وهناك، حتى إن دي سوسير نفسه لم ينكر جهود العرب في هذا المجال (خليفة بوجادي 2009 : 13)، فكانت أعمالهم بمثابة المثير والمحفز الذي أسس عليه المفاهيم الحديثة للسانيات، ولعل أهم هذه المفاهيم :

1.1. الانسجام (Cohérence )

البحث في كيفية تماسك النص لا يقتصر فقط على دراسة وسائل الّربط اللّفظي، بل يتعداه إلى دراسة وسائل أخرى للتّماسك، تتجاوز الوسائلّ الصوتّية، والمعجمّية، والنحوّية إلى مستويات أعلى من التحليل كالمستوى الدلالي، والبرجماتي أوما يطلق عليه « دي بوجراند » و« دريسلر » مصطلح ( Coherence) وهو أحد المعايير السبعة للنصية » (عزة شبل محمد 2009 : 184).

فالانسجام النصّي أحد أهم المعايير الديبوجراندية التي تحقّق استمرارية النصوص، فالانسجام يهتم ببيان الترابط المفهومي في النص، أي إيضاح العلاقات الدلاليّة التي تربط معاني الأقوال. وتكمن أهمية هذا المعيار من حيث بناء النص بناء محكما متماسكا مترابطا.

ترجم مصطلح الانسجام عند كثير من اللسانيين بمصطلحات كثيرة، وهذا ما يجعلنا نصطدم بإشكالية في توحيد المصطلح في الاستعمال اللساني، إذ أصبح الدارس للسانيات النص في غالب الأحيان، يعجز عن التفريق بينهما، لكثرة استعماله بدلالات مختلفة، إلا أنه في المقابل يكثر استعماله بمصطلح الحبك وقد تبنى هذا المصطلح سعد مصلوح ومحمد العبد (سعد مصلوح 1997 : 154 و :287)، وقد أقر سبب اختياره لفظ الحبك كونه يتسم بالإفصاح والإبانة والتساوق، كما أنه أقرب شيء إلى المفهوم المراد وأكثر شيوعا، كذلك نجد أحمد عفيفي يترجم هذا المصطلح و يشير به إلى التماسك الدلالي أو المعنوي (صبحي إبراهيم الفقي، ج 1 : 96)، أما تمام حسان فقد فضل الالتحام (روبرت دي بوجراند، النص والخطاب والإجراء : 103)، وترجمه أبو غزالة وحمد خليل بالتقارن (إلهام أبو غزالة، علي خليل أحمد 1999 : 11)، كما ترجمه فالح العجمي بالتناسق (فولفجانج هاينه من وديتر فيهفيجر 1999 : 141)، وأطلق عليه إبراهيم محمود خليل الاقتران (إبراهيم محمود خليل 2015 : 221 )، ومنهم من يطلق عليه لفط التماسك كسعيد بحيري (سعيد بحيري 1997 : 108)، وأطلق عليه محمد خطابي بالانسجام (محمد خطابي1991 : 5)، ولم يفرق كثير منهم بين مصطلحي الاتساق والانسجام فهو عند بعضهم بمنزلة واحدة (محمد مفتاح 1992 : 100 ). نظرا للتداخل الكبير بينهما، غير أن الصواب أن الاتساق يتعلق بأدوات كالإحالة والحذف والاستبدال...، بينما الانسجام يتعلق بمجموعة من الآليات والعلاقات الدلالية تعمل على تحقيق الانسجام بين تلك العناصر، وقد آثرنا استخدام مصطلح الانسجام لشيوعه عند كثير من اللسانيين.

ورد الانسجام في الدراسات العربية البلاغية بمصطلحات كثيرة، ويطلق عند كثير منهم بالترابط والتلاحم والحبك وغير ذلك مما له علاقة بالنص، وبينوا كيف تترابط النصوص وتتآلف مكونة نصا، غير أنهم لم يُكونوا على قدر من الضبط لنظرية لغوية تعنى بالنصوص، إضافة إلى افتقارهم للمنهج العلمي، فكانت آراؤهم مبثوثة هنا وهناك، وركزت دراساتهم على المستوى المعجمي والبحث عن معنى اللفظة ومرادفاتها، وكانت في الغالب صونا للسان من الوقوع في الخطأ، وحفاظا على النطق العربي نطقا سليما، وحماية للغة من الضياع والاندثار، لكن حاجتهم لتفسير النصوص ألزمهم البحث عن طرق و كيفيات تساعدهم على ذلك.

ورغم أن الدراسات البلاغيَّة العربية القديمة لم تتجاوز المستوى التَّركيبي « إلى النطاق الدلالي للفقْرة الكاملة أو المتتالية النَّصِّية، فضلاً عن أنَّه لم يشمل نصًّا تامًّا في البلاغة القديمة »، (صلاح فضل 1992 : 244)، بيْنما يقوم تحليل النصوص على بناء فقْرة منه أو يشمل النَّصِّ كلِّه، ودراساتهم لم ترْقَ إلى معالجة النَّصِّ معالجة شاملة بوصفه وحدة كليَّة، إلا أن هناك بعض الجهود العربية لتناول مثل هذه المباحث.

2. الانسجام في الدراسات العربية 

ولعل أهم من تناول مصطلح الانسجام في التراث العربي لكن ليس بنفس المصطلح والتسمية لكن بنفس المعنى والوظيفة :

1.2. الجاحظ 

تحدث الجاحظ عن أهمية الانسجام من حيث بناء القصيدة بناء محكما و متماسكا ويؤكد الجاحظ على القيمة الجمالية للانسجام فيقول

« أجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء سهل المخارج، فتعلم بذلك أنه أفرغ إفراغا واحدا وسبك سبكا واحدا. فهو يجري على اللسان كما يجري الدهان.. . وكـذلك حروف الكلام، وأجزاء البيت من الشعر تراها متفقة ملساء، ولينة المعاطف، سهلة خفيفة على اللسان حتى كأن البيت بأسـره كلمة واحدة، وحتى كأن الكلمة بأسرها حرف واحد » (الجاحظ 1985م، ج 1 :67) .

فالانسجام عند الجاحظ يقوم على ربط أجزاء القصيدة بعضها ببعض، فتكون الألفاظ ملازمة للمعاني منصهرة في بوتقة واحدة، فتكون القصيدة كالبيت، والبيت ككلمة واحدة، والكلمة كالحرف، فارتباطها ببعضها البعض جعل منها كلا يصعب الفصل بين أجزائه، وهذا ما سماه النصانيون بالوحدة الكلية المترابطة الأجزاء.

ثم يواصل حديثه فيقول : « ولكن القصيدة إذا كانت كلها أمثالا لم تسر، ولم تجري مجرى النوادر، ومتى لم يخرج السامع من شيء إلى شيء لم يكن لذلك عنده موقع » ( الجاحظ 1985م، ج 1 :206).

ويعني الجاحظ بالأمثال المعاني المكرورة، وقد عاب على كثير من الشعراء هذا الصنيع، لأنه يحدّ من القيمة الجمالية للنص، ويفقد التلاحم بين أجزائه، فإذا كان عكس ذلك فإنه يجعل أجزاء الكلام بعضها متمما لبعض فيكون النص محكما متلاحم الأجزاء وقد أدرك الجاحظ أهمية هذا من حيث الترابط والتآلف لكل عنصر من عناصر النص.

2.2. الجرجاني 

لا يمكن إنكار جهود الجرجاني في نظرية النظم والتي تناولها في كتابه دلائل الإعجاز حيث تُعّدُ النظرية أولى بوادر البحث اللغوي الذي استقى منه اللغويون الغرب كثيرا من دراساتهم وبحوثهم ومنطلقاتهم الفكرية، وهذا التقاطع والتشابه ليس وليد الصدفة بل هو نتيجة لجهود كبيرة أطلقها الغربيون لينهلوا من الثقافة العربية بعد احتكاكهم بها.

والنظم عند الجرجاني هو« أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه « علم النحو »، وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها وتحفظ الرسوم التي رسمت لك، فلا تخل بشيء منها » (عبد القاهر الجرجاني1981 : 81)

فالنظم هنا طريقة تركيب الجمل السليمة بواسطتها يُتوصل إلى التعبير الصحيح عن المعاني وتمييز الجيد من غيره، بالاعتماد على كلام العرب وأشعارهم.

ومن خلال معالجته لمفهوم النظم في « دلائل الإعجاز » يبين الجرجاني أن الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم ديني بحت، يعتمد على إثبات جودة النظم في القرآن، ويسميه « المزية »، وأكدّ أن جودة النظم يمكن أن تعلو فوق قدرة البشر، إذ يقول« وذلك أنه لا يثبت إعجاز حتى تثبت مزايا تفوق علوم البشر وتقصر قوى نظرهم عنها » (عبد القاهر الجرجاني 1981 : 249)

فقد قعّد الجرجاني لنظرية النظم وفرق بين الألفاظ والمعاني، وعن طريق نظرية النظم يمكن لنا فهم النصوص من خلال فهم مبادئ الفصل والوصل والتقديم والتأخير، هذه المبادئ لها دور كبير في انسجام النص.

3.2. السيوطي

يذكر لنا السيوطي فائدة المناسبة -والتي تحمل معنى الانسجام- أي مناسبة الآية لما قبلها وما بعدها، وكذا السورة، فيقول قوله :« وفائدته جعل أجزاء الكلام بعضها آخذا بأعناق بعض فيقوى بذلك الارتباط ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء » (السيوطي 1974، ج :3 : 372- 371 ).

ويضيف في موضع آخر وقال :

«الشيخ ولي الدين الملوي :قد وهم من قال لا يطلب للآي الكريمة مناسبة لأنها على حسب الوقائع المفرقة وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلا وعلى حسب الحكمة ترتيبا وتأصيلا فالمصحف على وفق ما في اللوح المحفوظ مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف كما أنزل جملة إلى بيت العزة ومن المعجز البين أسلوبه ونظمه الباهر والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول كل شيء عن كونها مكملة لما قبلها أو مستقلة ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها ففي ذلك علم جم وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له انتهى » (السيوطي، نفسه، ج 3 : 369- 370 ).

وعلاقة المناسبة بالانسجام كونها وسيلة من وسائله، وبها يتحقق الانسجام والتوافق الشكلي والدلالي بين الجمل وأجزاء النص، أما عن الهدف من الدراسات اللغوية العربية فهو ضبط اللسان من اللحن والحفاظ على النطق السليم ومراعاة البلاغة والبحث في فصاحة الألفاظ والكشف عن جودة هذه الألفاظ وكشف عربيتها وصحيحها من زيفها وما ذكره السيوطي تناوله اللغويون في العصر الحديث، وهدفهم من دراساتهم إيجاد آليات تجعل النص متماسكا.

4.2. حازم القرطاجني 

لقد تحدث حازم القرطاجني في مؤلفه منهج البلغاء عن أوليات الدرس اللساني العربي خاصة ما يتعلق بالتماسك النصي، أو التناسب بين الأغراض والأوزان وبين حالة الشاعر النفسية وبين ما ينظمه من شعر، كما تحدث عن أشكال الترابط المعنوي ضمن أجزاء النص واستخدام عدة مصطلحات تقترب من مفهوم الانسجام كالتناسب والاقتران الذي يعد مطابقا للمفهوم الحديث للانسجام.

يقول عنها القرطاجني معلقا على إحدى قصائد المتنبي

« فاطرد له الكلام في جميع أحسن اطراد وانتقل في جميع ذلك من الشيء، إلى ما يناسبه، وإلى ما هو منه بسبب، ويجمعه إياه غرض، فكان الكلام بذلك مرتبا أحسن ترتيب، ومفصلا أحسن تفصيل وموضوعا بعضه من بعض أحكم وضع، فعلى هذا النحو يجب أن تكون المآخذ في استفتاحات الفصول ووضع بعضها من بعض ».

ويضيف القرطاجني الحديث عن الترابط الذي يكون بين عناصر النص ومكوناته، « فأما المتصل العبارة والغرض، فهو الذي يكون فيه لآخر الفصل بأول الفصل الذي يتلوه علاقةٌ من جهة الغرض، وارتباطٌ من جهة العبارة » (حازم القرطاجني، د.ت : 290)، ففي هذا القول يبين القرطاجني أهمية الربط بين أجزاء النص.

كما تناول تماسك القصيدة وتناسب معانيها، إذ يقول « وينبغي أن تكون النقلة من أحد المعنيين إلى الآخر فيما قصد فيه التفريع متناسبة، وأن يكون ُالمعنى الثاني مما يحسن اقترانه بالأول ويفيد الكلام حسن موقع من النفس » (حازم القرطاجني، د.ت : 54)، والمناسبة هنا نوع من أنواع الترابط سواء أكان شكلا أم مضمونا.

وقد أسهم حازم القرطاجني من خلال مؤلفه منهاج البلغاء وسراج الأدباء في إثراء النقد العربي بالمفاهيم اللسانية الحديثة، كحديثه عن فكرة التماسك النصي، أو كما يسميها التناسب بين الأغراض و الأوزان وبين الإيقاع الشعري والحالة النفسية التي يعبر عنها الشاعر فما سعى إليه القرطاجني يكاد يوصلنا إلى تحديد منهج نقدي دقيق وثيق الصلة بالنص ويساهم في فهم كينونته، خاصة ما يتعلق بالتّناص والنظـم والتركيب والتماسك والتذوق النصي والوزن والإيقاع، باعتبار أن الوزن والتناسب الصوتي بين أجزاء الكلام يلعب دوراً مهماً في جذب النفوس، والنفوس لا تنجذب إلا للمتماسك والمتآلف.

مما سبق ذكره، يتضح لنا أن الانسجام قد وُجد في الدراسات العربية القديمة، حتى وإن اختلفت التسمية فالمضمون واحد، فالتراث اللغوي والبلاغي والنقدي مليء بمثل هذه المفاهيم، التي أرسى دعائمها النحويون والبلاغيون والنقاد العرب في الكشف عن كثير من القضايا اللسانية الحديثة، ولا يمكن الحديث عن المباحث اللسانية الحديثة دون العودة إلى التراث العربي، الذي أكد فيه البلاغيون العرب أن النص يجب أن يكون كلا موحدا متماسك الأجزاء، جود السبك، وحددوا بعض القواعد التي تحكم تماسك النص، اعتمد عليها النصّانيون الغرب في إنشاء نظريات لسانية ذات أصول عربية، فالعرب وإن كان لهم السبق إلا أنهم كانوا يفتقرون للمنهج، فقد كانت أفكارهم مبثوثة في بطون الكتب النحوية والبلاغية والنقدية، وعليه وجب استثمار تلك الآراء المبثوثة في الكتب لإغناء اللسانيات العربية الحديثة.

3. الانسجام في الدراسات الغربية 

يكثر استخدام مصطلح الانسجام لشيوعه عند كثير من اللسانيين، وهو من المصطلحات التي وردت بعدة ترجمات، أشهرها الحَبْكُ، والتماسك الدلالي والاقتران والتلاحم.

ويعرف دي بوجراند الانسجام بقوله : « العمليات الظاهرة والخفية التي تجعل قارئ خطاب ما قادرا على فهمه وتأويله، وهناك مجموعة من المبادئ والعمليات التي تساهم في تحقيق الانسجام والمضامين أو هو مظهر من مظاهر » مقبولية النص « فهو تماسك النص وانسجامه من حيث نقل المعلومات » (Beaugrande 1979 : 490).

وهو أيضا« خاصية دلالية للخطاب، تعتمد على فهم كل جملة مكونة للنص في علاقتها بما يفهم من الجمل الأخرى » )صلاح فضل 1992 :244(.

والانسجام

« جزء أساسي كذلك عند تشكيل الكاتب للنص، فهو ينطلق عند تشكيل النص من موضوع أساسي يتمّ توسعته بطرق شتّى اعتمادًا على المقصد والحالة، وتساعده في ذلك إجراءات التعبير الموجودة في ثقافته، وبهذا المعنى يمكن أن ينظر إلى الحبك (الانسجام) باعتباره ترابطًا معرفيًّا متبادلاً. وإذا كان السبك (الاتساق) ظاهرة مرتبطة بالنص، ف الحبك (الانسجام) ظاهرة مرتبطة بالنص والقارئ معًا » (حسام أحمد فرج 2009 : 128 ).

كما ورد مصطلح الانسجام في المعجم الموسوعي للتداوليّة بأنه :

« يُحيل على خصائص النصّ أو الخطاب التي تضمن قابليّته للتأويل. و كي يكون النصّ منسجما ليس من الضّروري أن تُشير خصائصه الشكليّة صراحة، إلى العلاقات بين الأقـوال، فهذه العلاقات يمكن الحصول عليها عن طريق الاستدلال إمّا بمقدّمة ضمنيّة أو بفرضيّة سياقيّة » (جاك موشلر وآن ريبول 2010 : 500).

فالانسجام يهتم برصد وسائل الاستمرار الدلالي في النص، والمقصود بالاستمرارية هنا هو تجاوز الجانب الشكلي، ويكون متصلا بالمعنى، إذ « هو علاقة معنوية بين عنصر في النصّ وعنصر آخر يكون ضروريا لتفسير هذا النص، هذا العنصر الآخر يوجد في النص، غير أنه لا يمكن تحديد مكانه إلا عن طريق هذه العلاقة التماسيكة » (أحمد عفيفي 2001 90).

يرى محمد خطابي أن الانسجام أعمُّ من الاتساق وأعمقُ؛ « بحيث يتطلب بناء الانسجام من المتلقي صرفَ الاهتمام جهة العلاقات الخفية التي تنظم النص وتُولده » (محمد خطابي، لسانيات النص 1991 : 5)، ويعتبر الانسجام « مفهوما متعلقا بالخطاب، وهو أوسع من الاتساق وأشمل منه » (آزوالد ديكروا، سشايفر، د ط. د ت :541)

ويكون النص منسجمًا ’’عندما يمكن للقارئ أن يتحرك بسهولة من جملة إلى أخرى، ويقرأ النص كوحدة واحدة وليس مجموعة من الجمل المنفصلة، فالانسجام هو الكيفية التي تمكن القارئ من إدراك تدفق المعنى الناتج عن تنظيم النص ومعها يصبح النص وحدة اتصالية متجانسة’’ (عزة شبل محمد 2009 : 184).

لو تأملنا الانسجام عند اللسانيين الغربيين لوجدنا أن الكثير منهم قد تناول الانسجام بالبحث والدراسة والتحليل ضمن تحليل الخطاب، ولعل أهم من تناول الانسجام :

1.3. فان دايك 

من خلال مُؤلفه1، تناول فان دايك في مؤلفه الانسجام في فصل كامل، وتحدث مطولا عن الأبنية الداخلية والخارجية للنصوص، وبحـث عن العـلاقات التي تحكم النصوص، وقد أشار إلى المفهوم الحقيقي لمعنى الانسجام (Coherence)، ذلك أن الانسجام حسب اعتقاده يحتاج لمفهوم دقيق، فهو قاعدة لا يمكن الاستغناء عنها في أي محاولة لبناء أو إنشاء خطاب متكامل، ويتحقق الانسجام عند فان دايك من خلال مبدأ الحوارية والتي في الغالب تجمع فكرة عامة عن محتوى النص الذي نحاول معالجته، كما ركز في حديثه عن الانسجام عن المبادئ الحتمية المحققة للانسجام وتسمى بعمليات التقريب بين النص والمتلقي، وذكر فان دايك أهم العناصر المحققة للانسجام كـ :

  1. المعرفة الخلفية والتي تمثل المخزون الفكري والثقافي الذي يجعلنا نفكك ونؤول المفردات في النص للتوصل إلى مفهومها ودلالتها وأبعادها الفكرية.

  2. الانتقال من العام إلى الخاص وذلك لتنظيم أفكار النص وترتيبها مما يمكّن من خلق إطار مانع لانحراف المعنى الصحيح للمعنى المراد والمقترح.

  3. مبدأ السياق الذي يتشكل من خلال علاقة النص بالقارئ مما يمكنه من تحديد ظرف القضية وزمانها وكل ما يخصها.

  4. مبدأ التأويل المحلي الذي يرتبط بقرائن النص، فمن خلاله يتحقق التعرف على عناصر تشكيل النص.

كما تحدث فان دايك عن مبدأ التشابه، التغريض وغيرهما من مبادئ الانسجام كل هذا يساعد على إنشاء نص متكامل منسجم (Teun A.Van Dijk 1977: 93- 129).

كما يؤكد فان دايك في ختام الفصل المتعلق بالانسجام، أنّ انسجام النصّ لا يتحقق بالوسائل اللغويـّة فقط -(Teun A.Van Dijk 1977: 126-7).

فالانسجام عند فان دايك هو « التماسك الدلالي بين الأبنية النصية الكبرى » ( سعيد حسن بحيري :220) ، وقد ربط بين التماسك الدلالي والبنية العميقة، فالانسجام عنده تحكمه العلاقات الدلالية التي تربط أجزاء النص في بنيته العميقة، وقد :« توصل فان دايك إلى نتيجة مفادها أن تحليل النصوص يعتمد أساسًا على رصد أوجه الربط والترابط والانسجام والتفاعل بين الأبنية الصغرى الجزئية والبنية الكلية الكبرى، )أو الأبنية الكبرى (التي تجمعها في هيكل تجريبي منتظم )سعيد حسن بحيري، نفسه : 131(، وذلك من خلال الوسائل المستعملة لربط أجزاء الخطاب خاصة بالاعتماد على أهم وسائل الانسجام التي تشكل النص ليكون مفسرا ومشيرا إلى العلاقات التي تنشئه.

وتتحقّق وحدة النصّ عندهما بوجود علاقات الترابط التي تحقّقها الأدوات الموجودة داخل النصّ، وإن كانا قد أشارا إلى أَنَّ هذا المفهوم إنما هو مفهوم دلاليّ –كما ذكرنا آنفا- يعنى بالعلاقات المعنويةّ داخل النصّ، الربط، السببية، والعلاقات والإجمال، و التكرار، والترادف.

2.3. براون ويول 

من خلال مُؤلفهما2، لقد تناول الكاتبان الانسجام في فصل كامل، وقد أبعدا العنوان عن مظاهر الانسجام ولا يعتبرانه يشكل أهمية في انسجام النص (Broun, G and George Yule :139 )، غير أن رأيهما فيه شيء من الإبهام، كون النص يفهم من عنوانه، و العنوان هو العتبة الأولى لفهم النصوص، فهو يثير المتلقي.

وقد ركز الكاتبان في حديثهما عن الانسجام عن أهم مبادئه خاصة ما يتعلق بالسياق(See Broun, G and George Yule 1983 : 25-35 ) الذي أولى له الكاتبان جزءا معتبرا في مؤلفهما، إضافة إلى المعرفة الخلفية كون المتلقي لا يتلقى النصوص وهو خالي الذهن، بل هناك مرجعيات تثيره، فيتلقاها بفهم صحيح ويؤولها، ومما أورداه في مبادئ الانسجام منتج النص وترتيب الجمل.

ويرى براون و يول أن النصّية لا تتحقّق فقط بوجود الوسائل الظاهرة أو كما يسميانها بالروابط الأدواتية (النحوية)، ولا يكون النص نصّا إلا بوجود علاقات معنوية ضمنية، ففهم النصوص بتلقائيـّة ليس بالأمر الصعب حسب اعتقادهما، ومن الطبيعي أن تتوالى الجمل لتشكّل نصّا، وإنّ القارئ سيفهم الجملة الثانية على ضوء الجملة الأولى. فهو سيفترض وجود علاقات معنويةّ قائمة بين الجمل (See Broun, G. and Yule G.1983 : 191-9 ).

مما سبق يظهر لنا أن الانسجام لا يتحقق إلا بوجود آليات تختلف من لساني إلى آخر، غير أن براون ويول

« يجعلان المتكلم /الكاتب والمستمع /القارئ في قلب عملية التواصل، وهذه حقيقة لابد من وعيها بدقة لأنها المتحكمة في المؤلف ككل، ويستتبع هذا التذكير التنبيه إلى أن هذيـن الباحثين على خلاف كثير من باحثي الانسجام، لا يعتبران انسجام الخطاب شيئا معطى، شيئا موجودا في الخطاب ينبغي البحث عنه للعثور عليه (على مستجداته)، وإنما هو في نظرهما شيء يبنى، أي ليس هناك نص منسجم في ذاته ونص غير منسجم في ذاته باستقلال المتلقي، بل إن المتلقي هو الذي يحكم على نص بأنه منسجم وعلى آخر بأنه غير منسجم » (محمد خطابي : 51).

فمن خلال هذه التعريفات يمكن القول : « إن الانسجام هو الترابط والتماسك الدلالي، والعلاقات والعمليات الظاهرة الخفية الموجودة في النص، سواء أتعلقت بمعارفنا السابقة، أو بسياق النص، فلكي يتحقق الانسجام في النص يجب أن يتحد الكاتب مع القارئ، فالقارئ » حين يواجه خطابا ما لا يواجهه وهو خاوي الوفاض وإنما يستعين بتجاربه السابقة، بمعنى أنه لا يواجهه وهو خالي الذهن « (محمد خطابي : 51).، فهو « لا يذهب إلى عالم النص وهو عبارة عن صحيفة بيضاء، وإنما تكون له معلومات مختزنة في ذاكرته » (محمد مفتاح 1992 :42) تساعده على سد وملء الفراغات وعن طريقها يتم فهم وتأويل النصوص، فهو من أكثر المعايير النصّيّة ظهورا وضوحًا في النصوص؛ إذ يرتبط بظاهر النص وبباطنه، ويقوم الانسجام على رصد جملة من العلاقات التي تساهم في استمرارية النص، ويكون متصلا بالمعنى، إذ « هو علاقة معنوية بين عنصر في النصّ وعنصر آخر يكون ضروريا لتفسير هذا النص، هذا العنصر الآخر يوجـد في النص، غير أنه لا يمكن تحديد مكانه إلا عن طريق هذه العلاقة التماسكية » (أحمد عفيفي 2001 :90 ).

فعلم اللغة النصي لا يكتفي بوصف المظهر الشكلي للنص، بل يبحث في مكنونات النص ويحلل العلاقات وبنيات النص، فيضع النص في سياقه المقامي لإنجاح العملية التبليغية التواصلية، وفي هذا يختلف الانسجام بين الدرسين العربي القديم والدرس الغربي الحديث، إذ يهتم الانسجام في الدرس اللساني الغربي بالمتلقي أكثر، فنحكم على انسجام النص ’’عندما يمكن للقارئ أن يتحرك بسهولة من جملة إلى أخرى، ويقرأ النص كوحدة واحدة وليس مجموعة من الجمل المنفصلة، فالانسجام هو الكيفية التي تمكن القارئ من إدراك تدفق المعنى الناتج عن تنظيم النص ومعها يصبح النص وحدة اتصالية متجانسة’’ (عزة شبل محمد 2009 : 184)، فالانسجام إذن «هو الكيفية التي تمكن القارئ من إدراك تدفّق المعنى الناتج عن تنظيم النص، ومعها يصبح النص وحدة اتّصالية متجانسة » (عزة شبل محمد 2009 : 184).

خاتمة 

مما سبق يظهر لنا أن المفاهيم اللسانية الغربية الحديثة موجودة في تراثنا على اختلاف استعمالاتها وتوظيفها، فوظيفة اللساني هي إعداد أنظمة و قواعد للسان المدروس أو صياغته صوريا، فكذلك كان عمل النحوي والبلاغي والمفسر والأصولي.

فقد نشأت دراسات اللغة في أول ظهورها عند العرب نشأة وصفية رغم أن الكثير من اللسانيين يعتمدون على المناهج التاريخية لدراسة اللغة، « فتاريخ دراسة اللغة ليعرض علينا في بدايته محاولة جديدة إنشاء منهج وصفي في دراسة اللغة يقوم على جمع المادة وروايتها ثم ملاحظة المادة المجموعة واستقرائـها والخروج بعد ذلك بنتائج لها طبيعة الوصف اللغوي السليم » (تمام حسان 2001 : 22-23).

فجمع اللغة وتدوين الملاحظات والاعتماد على المقابلة المباشرة وغير المباشرة والملاحظة الدقيقة وكذا الآليات الدقيقة كالاستنباط والاستقراء ساعد على وجود هذه المفاهيم في التراث العربي، فالعرب في جمعهم للغة وما يتعلق بها لم يولوا اهتمامهم بالتتبع التاريخي لها، وكانت دراساتهم مبثوثة في بطون الكتب رغم افتقارها للمنهج.

ولا يمكننا فهم أي نظرية لسانية دون ربطها بأسباب نشأتها وظروفها الإبستيمولوجية، فكل النظريات اللسانية تتأثر بما يحيط بها، فتقترض من محيطها المصطلحات والمفاهيم قدر الحاجة، ومع التطور تتكيف هذه المصطلحات مع البيئة الجديدة.

ولقد كان للعرب ممارسات نصية لم يسبقهم إليها أحد، وكانت أولى مظاهر الممارسة مع القرءان الكريم، كل هذا أدى إلى اهتمام النحويين و البلاغيين والأصوليين بهذه الممارسة النصية وإن كانت مبثوثة في بطون الكتب، ولم يفرد لها علم مستقل، أفرزت هذه الممارسات آراء نقدية ساهمت بشكل كبير في إثراء الأرضية اللسانية النصية الغربية، إذ تعد البلاغة العربية القديمة موطئ قدم لهذا العلم الجديد، وقد أخطأ من ظن أن البلاغة العربية القديمة جهاز أو نظام معطل لا يرقى إلى مستوى الممارسة النصية الغربية الحديثة، فنظرية النظم مثلا محاولة من الجـرجاني فهم التراث العربي، فتح به الجرجاني مقفل الإشكالات القائمة بين اللفظ والمعنى، كما كانت آراء السكاكي في مدرسته الشمولية أكبر دليل على تطور الفكر العربي، إذ شبه العلوم اللسانية بالشجرة التي أصلها ثابت في قواعد اللغة وفروعها في السماء تشمل على جميع أنواع الكلام.

ولعل هذه المفاهيم المبثوثة في بطون الكتب التراثية، لم تكن لتنشئ نظرية لسانية عربية محضة كونها تفتقر لكثير من المفاهيم اللسانية الغربية الحديثة، إضافة إلى أن هذه الآراء لم تشكل نظرية متكاملة، وهذا يدعونا إلى أن نحاول التأصيل لهذا العلم، معتمدين في ذلك على ما أفرزته اللسانيات النصية الغربية، ومن هنا نقول بأن التفكير اللساني أو المفاهيم اللسانية النصية موجودة في تراثنا ويمكن لنا أن ننشئ من خلالها ما يمكن أن يماثل اللسانيات النصية الغربية الحديثة.

مما سبق يظهر لنا أن الانسجام يتعلق بربط معاني الجمل في النص، وذلك عن طريق مجموعة من الروابط أو العلاقات، إضافة إلى أنه يعتبر من أهم المعايير المحققة للنصية.

1 Text and Context Explorations in the Semantics and pragmatics of Discourse

2 -Broun, G and George Yule, Discourse Analysis

المراجع باللغة العربية 

إبراهيم محمود خليل، 2015، في اللسانيات ونحو النص؛ دار المسيرة، ط3، عمان، الأردن.

أبو بكر جلال الدين السيوطي، 1974، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط4، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

أحمد عفيفي، 2001، نحو النص، اتّجاه جديد في الدرس النحوي، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، ط1.

آزوالد ديكروا، سشايفر (ج.م) د ط. د ت، القاموس الموسوعي الجديد لعلوم اللسان، تر : منذر عياشي، المركز الثقافي العربي.

إلهام أبو غزالة، علي خليل أحمد، 1999، مدخل إلى علم لغة النص، تطبيقات لنظرية ديبوجراند وولفجانج دريسلر، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

تمام حسان، 2000، اللغة بين المعيارية والوصفية، عالم الكتب، القاهرة، ط4.

الجاحظ، 1985، البيان والتبيين، تحقيق : عبد السلام هارون – مكتبة الخانجي – القاهرة، ط5.

جاك موشلر وآن ريبول، 2010، القاموس الموسوعي للتداولية، ترجمة مجموعة من الباحثين، المركز الوطني للترجمة الناشر، دار سيانترا، تونس، ط2.

ج يول، و ج بـراون ؛ 1997، تحليل الخطاب، ترجمة محمد لطفي الزليطني ومنير التريكي، النشر العلمي والمـطابع، جامـعة الملك سعـود، الريـاض، م.ع.س.

جميل عبد المجيد، 1998، البديع بين البلاغة العربية واللسانيات النصية؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب.

حازم القرطاجني، د.ت، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق محمد الحبيب، تونس، الدار العربية للكتاب، ط2.

حسام أحمد فرج، 2009، نظرية علم النص، رؤية منهجية في بناء النص النثري، مكتبة الآداب، القاهرة، ط2.

خليفة بوجادي، 2009، في اللسانيات التداولية، بيت الحكمة، ط 1 الجزائر.

روبرت دي بوجراند، د.ت، النص والخطاب والإجراء، ترجمة تمام حسان، عالم الكتب، القاهرة، ط1.

سعد مصلوح، 1997، نحو أجرومية للنص الشعري ؛ دراسة في قصيدة جاهلية فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مجلد 16، عدد1.

سعيد حسن بحيري، 1997، علم لغة النصّ، المفاهيم والاتجاهات، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، القاهرة.

صبحي إبراهيم الفقي، 2000، علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق، دار قباء للطباعة والنشر التوزيع، القاهرة، ج1، ط1.

صلاح فضل، 1992، بلاغة الخطاب وعلم النص، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد (164)، أغسطس.

عبد القاهر الجرجاني، 1981، دلائل الإعجاز، تحقيق : رشيد رضا - دار المعرفة - بيروت.

عزة شبل محمد، 2009، علم لغة النص النظرية والتطبيق، مكتبة الآداب، القاهرة، ط2.

فولفجانج هاينه من وديتر فيهفيجر، 1999، مدخل إلى علم اللغة النصي، ترجمة فالح بن شبيب العجمي، مطابع جامعة الملك سعود، ط1، الرياض.

محمد خطابي، 1991، لسانيات النص، «مدخل إلى انسجام الخطاب »، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، ط1.

محمد مفتاح، 1992، دينامية النص، المركز الثقافي العربي، ط 2، بيروت.

محمد يونس علي، 2004، مقدمة « مدخل إلى اللسانيات »، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1.

نعمان بوقرة، 2009، المصطلحات الأساسية في لسانيات النص وتحليل الخطاب، دراسة معجمية، عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، إربد، الأردن، ط1.

المراجع باللغة الأجنبية 

Beaugrande,1979, Text and sentence in discourse planning. In János S. Petofi (ed.), Text vs. Sentence : Basic Questions in Text Linguistics. Hamburg : Buske.

Broun, G and George Yule, (1983), Discourse Analysis ; C.U.P London.

Halliday, M.A.K. (1985), An Introduction To Functional Grammar, (London : Edward Arnold Publishers ,Ltd.

Van Dijk, Teun A. (1977), Text and Context Explorations in the Semantics and pragmatics of Discourse.

1 Text and Context Explorations in the Semantics and pragmatics of Discourse

2 -Broun, G and George Yule, Discourse Analysis

زميط محمد Zemit Mohamed

جامعة الجزائر -2 Alger

مقالات للكاتب نفسه

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article