تكوين المترجم الأدبي بين غياب التخصص ومتطلبات دور النشر والترجمة العربية

Formation à la traduction littéraire entre l'absence de spécialité et les exigences des maisons d'édition de traduction arabes

Literary Translation Training Between The absence of Speciality and Arab Translation publishing Houses Requirements

منال بونقطة et إلهام بزاوشة

Citer cet article

Référence électronique

منال بونقطة et إلهام بزاوشة, « تكوين المترجم الأدبي بين غياب التخصص ومتطلبات دور النشر والترجمة العربية  », Aleph [En ligne], 8 (3) | 2021, mis en ligne le 06 octobre 2021, consulté le 03 décembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/4696

يهدف هذا البحث إلى تقصي واقع تكوين المترجم الأدبي في ظل متطلبات دور النشر والترجمة العربية وذلك من خلال إبراز الأبعاد العملية لتكوين المترجم الأدبي والوقوف على أهم الصعوبات التي تواجه تكوينه باعتباره العصب الرئيس في صناعة ترجمة أدبية عالية الجودة، وبالمقابل محاولة معرفة احتياجات دور النشر والترجمة ومدى توافق هذا التكوين مع متطلباتها.

Cette recherche vise à étudier le statut de la formation de traducteur littéraire à la lumière des exigences des maisons d'édition de traduction arabe en mettant en évidence les dimensions pratiques de la formation de traducteur littéraire et en identifiant les difficultés les plus importantes auxquelles sa formation est confrontée, car il est considéré comme le nerf principal de la fabrication d’une traduction littéraire de haute qualité. En retour, nous essayons de connaître les besoins des maisons d'édition de traduction et dans quelle mesure la formation correspond à ses exigences.

This research aims to investigate the status of literary translator training in the light of Arab translation publishing houses requirements by highlighting the practical dimensions of the literary translator training and identifying the most important difficulties facing his formation as he is considered as the main nerve in the manufacture of high-quality literary translation. In return we try to know the needs of translation publishing houses and to what extent the training matches its requirements.

مقدمة

لا غرو أن الترجمة هي السبيل الأمثل لنقل معارف وخبرات الشعوب بطريقة سلسة، فهي الجسر الذي يربط الأنا بالآخر، والباب الذي يتيح ولوج الثقافات وتآلفها وتلاقحها على تنائي الأمكنة وتباعد الأزمنة، وتأتي الترجمة الأدبية على وجه الخصوص لتغوص في ثقافة الآخر محاولة كشف عوالمه، وسبر أغوار تقاليده وخبراته، لتنقلها إلى متلق في كل مرة يتجدد، مُعرِّفَةً لهذا الإنسان، بصِنوِه "الإنسان الآخر" في قوالبَ "تحف فنية أدبية" تَتَأبَّى على المحو والنسيان.

إن الصورة النمطية عن الترجمة الأدبية كونها فنا لا يلقن وإنما يترك لاستعدادات شخصية وعوامل فطرية حال دون الاهتمام بتكوين المترجم الأدبي وصقل موهبته، عبر مجهودات أكاديمية قائمة على تطوير كفاءات المترجم الأدبي وإضفاء نوع من العلمية على هذا المجال الإبداعي.

هذا الاهتمام من شأنه أن يحسن من جودة الترجمة الأدبية ويُـمـِد دور النشر والترجمة بكفاءات ذات موهبة وقدرة على التكيف مع متطلبات سوق العمل. من هذا المنطلق نطرح السؤال التالي: ما هو واقع تكوين المترجم الأدبي في ظل متطلبات دور النشر والترجمة؟

1. تكوين المترجم الأدبي

1.1. تكوين المترجم الأدبي بين الإمكانية والاستحالة :

في هذا الإطار يتبادر إلى الأذهان سؤال مهم: هل يمكننا حقا تكوين مترجم أدبي؟ إن الإجابة على هذا السؤال تتعلق بطبيعة الترجمة الأدبية التي يرى الكثير من الدارسين أنها عملية فنية إبداعية محضة تتطلب معرفة لغوية وثقافية على حد سواء، بل يذهبون إلى أبعد من ذلك فيرون أن مترجم النصوص الأدبية لا يمكن أن يكون حاملا لصفة المترجم بالمعنى الحقيقي، ما لم يكن أديبا قادرا على التعبير عن أفكاره العميقة بلغته الأم، كما أنه لا يمكن لمترجم الشعر أن يكون مترجما مالم يكن بالأساس شاعرا واعيا بالمفهوم العميق للشعر، ويقول محمد عوض في هذا الإطار: » إن أول شرط يخطر إلى أذهاننا أن المترجم الذي سيكون إنتاجه أثرا أدبيا يحاكي الأثر المترجم، يجب أن يكون نفسه هو أديب راسخ القدم في التأليف الأدبي، ولا يكفي أن يكون ملما أحسن الإلمام باللغتين، فالأدب روح واستعداد وسليقة وهذه الأشياء تستند إلى طبع في النفس ولا تكتسب بالدراسة» (محمد عوض 1969: 29).

بينما يرى فريق آخر أن فعل الترجمة الأدبية يستدعي مترجما متمرسا بجماليات الأدب واستراتيجياته النصية، فليس من الضروري حسب هؤلاء أن يكون المترجم الأدبي روائيا أو شاعرا، وإنما يتطلب الأمر وجود شاعرية وحس لدى المترجم حتى يقدم ترجمة إبداعية. وهذا ما يفسر عدم إمكانية ربط الترجمة الأدبية بالفن وحده دون تحديد الأُطُرِ النظرية والتطبيقية التِّي تُنَظِّمُها، فلا بد إذن من إيجاد فضاءات تسمح بتنظيم دورات تدريبيّة تعمل على تكوين مجموعة من المترجمين الأدبيِّين الأكفاء بشكلٍ دوريّ، لأنَّ نجاح عملية ترجمة الأعمال الأدبية مرهون بمدى كفاءة المترجم ومهارته في نقل أدبه وآداب الضّفاف الأخرى، فهذه الأعمال في حقيقة الأمر تشكل مواريث ثقافية ووسائل نقل للمعارف من المؤلف إلى القارئ في اللغات الأخرى من جيل إلى جيل، ولها دور حاسم في الحياة الفكريّة والثقافية للأفراد والمجتمعات .

وينصب الغرض من هذا التكوين في إكساب المترجم الـأدبي مجموعة من الكفاءات والمهارات تتلخص في ضمان الأمانة في النقل، والحيطة في القراءة، والتسلح بالمعارف التي تضمن التحليل الموضوعي للنص الأدبي، خصوصا وأن بعض المترجمين الأدباء على حد رأي جورج مونان يهددهم خطر الترجمة الانطباعية، أي أنه يغلب على ترجمتهم أسلوبهم الخاص، والمساس بالمعنى الذي يقصده الكاتب، ما يُنتِجُ ترجمات غير أمينة (وداد تميم 2013: 27). إن هذه العملية ليست أمر هينا، لكنها ليس بالمستحيلة أيضا، إذا ما توفرت الموهبة في المترجم ثم يكون التركيز بعد ذلك على الإطار النظري، والتدريب المكثف المستمر، والعرض المكثف لتاريخ الترجمة ونظرياتها وتخصيص المدة الزمنية السانحة لذلك (محمد عناني 2000: 2).

2.1. صعوبات تكوين المترجم الأدبي.

1.2.1. طبيعة الترجمة الأدبية :

تبنثق خصوصية الترجمة الأدبية من طبيعة النص الأدبي الذي يعد نصا مفعما بالشاعرية، بألفاظ ذات أبعاد إيحائية، فخصوصية هذا الخطاب تفتح لنا بابا نلج من خلاله إلى رسم خصوصيات الأدب المترجم.

يختزل الخطاب الأدبي في عدة أنظمة تتمثل في:

  1. الانزياح: فاللغة في الخطاب الأدبي تكسر الدلالة الخطية بين الدال والمدلول فهي تخترق النظام اللغوي، لتتجاوز اللغة الاستعمال المألوف. ويرى رولان بارث » أنّ اللغة ينصرف معناها أساسا في الأدب لأن لغتها انزياحية، في حين أن اللغة العلمية، أو اللغة الوظيفية كلغة أهل القانون، فإنها لا تكاد تخرج عن المألوف، كون دلالة الألفاظ ثابتة لدى المتعاملين بها » (عبد الملك مرتاض 49 ꞉1983).

  2. البنية: وهي بنية لسانية وجمالية في الوقت ذاته، بأبعاد سيميائية.

  3. الإيحاء: يتجلى ذلك من خلال استعمال الألفاظ والعبارات الموحية، لتتخذ اللغة منحا مجازيا مفعما بالخيال والعاطفة.

  4. الأسلوب :لا يبقى أسلوب النص الأدبي على وتيرة واحدة فهو يختلف باختلاف الكتاب والشعراء وطريقتهم في الكتابة و يرى "لندورز" أن الترجمة الأدبية في الدول الناطقة باللغة الانجليزية تواجه صعوبة كون النصوص الأدبية المترجمة لا تلقى رواجا على عكس تلك المؤلفة باللغة الأم، ويرجع هذا الأمر إلى الأسلوب، فالنصوص المتخصصة مثلا لا تأخذ الأسلوب بعين الاعتبار لأن ما يهم هو نقل المضمون و المعلومة مقتضبة من اللغة المنقول منها الى اللغة المنقول اليها، على عكس الأسلوب في الترجمة الأدبية الذي يصنع الفارق بين ترجمة مقروءة ذات بعد جمالي وفني وترجمة مبهمة (Clifford Landers 1986꞉ 92)

من هذا المنطلق على المترجم الأدبي أن يعي أن قراءة النص الأدبي تختلف عن قراءة النص المتخصص، فإن كان الأخير يركز على الرسالة أكثر من الشكل لأن ما يهم هو الفهم، فإن الأول لا يتأتى فهمه إلا من خلال الشكل الذي يحقق أدبية النص) محمد مفتاح (54 1990، الأمر الذي يستدعي أن يعزز المترجم الأدبي مكنته من الثقافة المستمدة من قراءة الأدب وأن يكون قارئا جيدا باللغتين المنقول منها وإليها، وملما بآدابها.

2.2.1. اتساع مجال الترجمة وضيق مدة التكوين

يعد مجال الترجمة الأدبية مجالا واسعا، حيث تتنوع الأجناس الأدبية من رواية وشعر وقصة ومسرح والتي بدورها تتشعب وتختلف في أسلوبها وبنيتها والتحديات التي تواجه ترجمة كل جنس أدبي منها. ويقع عل المكون انتقاء التمارين التي تخدم الأهداف التدريسية، فإذا كان مثلا الموضوع ترجمة الاستعارة فإنه ينتقي نصا يتوافق مع الموضوع مراعيا التدرج في الطرح من السهل إلى الصعب ثم الأصعب، مع المزج بين الجانب النظري والتطبيقي لكي يستوعب الطالب ما الذي يقوم به وما الهدف من وراء ذلك.

3.2.1. الفجوة بين النصوص المنتقاة للترجمة الأدبية والسياق الاجتماعي

الملاحظ أن معظم النصوص التي يتدرب عليها المترجم الأدبي هي نصوص خارج سياقاتها الاجتماعية والاقتصادية، فالمترجم الأدبي يقوم بترجمة مقاطع من قصائد شعرية أو ترجمة أجزاء من رواية دون تحديد الحاجة أو الهدف من الترجمة، أي أنه يقوم بالترجمة بمعزل عن المؤسسات الثقافية والاجتماعية التي تتم فيها هذه العملية، كأن لا يأخذ بعين الاعتبار متطلبات دور النشر والترجمة التي تبحث عن ترجمة جنس معين من الأجناس الأدبية في حقبة زمنية معينة ومن لغة معينة إلى أخرى. بالإضافة إلى نوعية القراء الموجه إليهم ذلك النص والظروف الاجتماعية والاقتصادية.

فالتكوين النوعي للطلبة يمكنهم من وضع الترجمة الأدبية في المضمون الأوسع للسياقات الأدبية والاجتماعية والثقافية، ويهدف إلى توسيع دائرة الممارسة العملية لإنتاج ترجمة كاملة من العمل الأدبي بطريقة مهنية وأكاديمية وعلى الرغم من الصعوبات المذكورة آنفا، يمكن القول أنه إذا ما توفر الأستاذ الكفء والمنهجية الجيدة لتدريس الترجمة الأدبية علاوة على وجود رغبة وإرادة لدى الطالب في تنمية قدراته الترجمية في الترجمة الأدبية سيكون بالإمكان تكوين مترجمين أدبيين أكفاء، كما يمكن إجراء استبيان لطلبة الترجمة عموما، قبل بدء الفصول الدراسي لمعرف احتياجاتهم و توقعاتهم لتكييف الدروس وهذه الاحتياجات ودراسة ميولاتهم الأدبية.

2. واقع تكوين المترجم الأدبي في المؤسسات الجامعية

منذ أن أصبحت الترجمة علما قائما بذاته، أُوكل حسب أنطوان برمان التكوين في الترجمة الأدبية والترجمة العلمية على حد سواء إلى الجامعة: »لأول مرة في التاريخ، الترجمة (بكل أجناسها) أصبحت حقيقة تعلم رسميا، يعني دخلت الفضاء الجامعي المعتبر كمحل أولي (وإن لم يكن الوحيد) لنقل المعرفة، والخبرة، والتجارب المهنية. وأصبح من مهمات الجامعة تدبير في آن واحد تعليم ترجمة النصوص المتخصصة وتعليم ترجمة الأعمال، يعني تحمل عبء في الوقت نفسه دور المشجع على التواصل وحافظ والساهر على التقليدية») محمد عمر أمطوش2015 : .(12-11

والملاحظ في هذا الإطار اختلاف برامج تدريس الترجمة عموما في مختلف المعاهد والجامعات، ويعزى ذلك إلى اختلاف الأنظمة والسياقات الاجتماعية والمناهج التعليمية، ذلك لأنه ينظر إلى الترجمة أحيانا من وجهة ذاتية ناجمة عن خبرات وتجارب الفاعلين في الترجمة والذين يحاولون فرض رؤيتهم الخاصة في انتقاء المواد التدريسية ومقاربات معينة دون غيرها. وبالعودة إلى مختلف المقررات التدريسية في الترجمة في عدد من الجامعات العربية يمكن استنتاج ما يلي:

1.2. فروقات في تدريس الترجمة

ثمة اختلاف كبير في طريقة النظر وتنظيم الترجمة، ففي داخل الدولة الواحدة، تتمثل هذه الاختلافات في:

  • المناهج وطريقة التدريس

  • توزيع المواد التعليمية

  • مدة التكوين

  • انتقاء الطلبة

وكنوع من التفصيل، نجد أن بعض الجامعات لازالت تدرج الترجمة في أقسام اللغات الأجنبية، وتدرّس مادة الترجمة فيها كإحدى المواد ضمن المنهج. كما هو الحال على سبيل المثال في جامعة فاروس أو كلية الألسن بمصر التي تدرج الترجمة كمادة ضمن الأدب الإنجليزي ليتحصل الطالب على ليسانس اللغة الإنجليزية والترجمة أين يتم التكوين فيها لمدة أربع سنوات، بينما هناك كلية اللغات والترجمة في الدولة نفسها تعنى بتدريس الترجمة كتخصص، من جهة أخرى تقوم بعض الجامعات بافتتاح دراسات عليا (ماجستير في الترجمة) كالجامعة الأردنية أين يتم ولوج الطلبة بعد حصولهم على بكالوريوس في اللغة الإنجليزية حيث يمتحن الطالب بترجمة نصين أحدهما من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية والأخر من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية.

أما الجزائر فقد شهدت عدة نقلات في تدريس الترجمة من النظام الكلاسيكي حيث يتم انتقاء الطلبة وفقا لمعدل حصولهم على شهادة البكالوريا بدراسة أربع سنوات تخصص عربي-فرنسي-انجليزي ثم الماجستير على أساس المسابقة، إلى تبني نظام ل م د بانتقاء الطلبة الحاصلين على شهادة ليسانس في الأدب الإنجليزي أو الأدب الفرنسي أو الأدب الاسباني أو وفقا لمسارهم الجامعي ليتخصصوا في الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة التي تخصصوا فيها والعكس، أما ابتداء من سنة 2017 تم اعتماد نظام به (ل م د اي ماستر مدمج)، أي أن الطالب المسجل في السنة الأولى ترجمة يضمن الالتحاق المباشر بالماستر2 دون أي ترتيب أو مسابقة على عكــس ما كان معمول به سابقا.

2.2. غياب الترجمة الأدبية كتخصص

في كثير من الجامعات العربية لا يوجد تخصص الترجمة الأدبية كتخصص قائم بذاته، إنما يدرس كمادة تعليمية في المنهاج، على سبيل المثال نجد مادة الترجمة الأدبية في الخطة الدراسية لطلبة المعهد العالي للترجمة وطلبة الماجستير بالجامعة الأردنية بمعدل ثلاثة ساعات أسبوعيا» تهدف هذه المادة الى استقصاء بعض مشكلات الترجمة الأدبية مثل: دلالات الكلمات وظلال المعاني، التشبيه والاستعارة، المضامين الثقافية للنصوص، الاقتصاد في التعبير والمبالغة فيه، الاطناب واللغة الإنشائية، وسيطلب من الطلبة ترجمة أنواع متباينة من النصوص الأدبية، قديمة وحديثة ليكتسبوا مهارة الترجمة من العربية إلى الإنجليزية ومن الإنجليزية إلى العربية بلغة تناسب المقام » ) ينظر: الخطة الدراسية لبرنامج الماجستير(2012.

بينما لا نجدها تماما في مقررات أخرى بل تعود إلى المدرس الذي قد ينتقي نصوصا أدبية ضمن مادة الترجمة العامة، تكون نصوصا مأخوذة من رواية أو شعر، أي خارج السياق العام لحقبة أدبية معينة، كما لا تحظى بالقدر الكافي من الدراسة والتحليل، ونجد بالمقابل أن معظم مشاريع تخرج الطلبة تكون مواضيعها حول بعض الإشكالات في ترجمة الرواية أو ترجمة الشعر وغيرها من المواضيع التي هي من صميم تخصص الترجمة الأدبية، وهنا تكمن المفارقة. كما يقوم طلبة آخرون كطلبة المعهد العالي للترجمة بترجمة كتب بأكملها في مجال الأدب ضمن مشاريع التخرج، إلا أنها تبقى محصورة ضمن الإطار الأكاديمي دون نشرها لغياب قنوات التوزيع.

3.2. الأبعاد العملية لتكوين المترجم الأدبي

تلعب المؤسسات التعليمية دورا حضاريا رائدا، فهي لا تسعى إلى تكوين مترجم يجيد الترجمة من وإلى اللغة العربية وحسب، إنما تنشأ فردا علاوة على مهاراته الفردية الترجمية، يتسم بالانفتاح الثقافي، إن تراجع الدور الحضاري لهذه المؤسسات أدى إلى ضعف التكوين الأكاديمي وتراجع حركة الترجمة ككل) أماني أبو رحمة2015 : 28).

وعليه فإن إشكالية الترجمة عموما والترجمة الأدبية على الوجه الخصوص، لا ترتبط بالدعم المادي الحكومي لدور النشر والترجمة فقط، إنما تتعداه إلى علاقة هذه الأخيرة بالمؤسسات التعليمية من جامعات ومعاهد ومراكز بحثية التي من شأنها أن تقدم حلولا جذرية لنوعية وجودة الترجمة، فهي التي تعنى بتكوين مترجمين قادرين على الدفع بحركة الترجمة ضمن مجالاتها المختلفة، وهو المجال الذي نلمس فيه الآثار التي يمكن أن تحققها حركية المؤسسات التعليمية على مختلف القطاعات الأخرى الاقتصادية والسياسية والثقافية (عبد الستار جبر 2015: 12-11) .

إننا اليوم نفي حاجة ماسة إلى النظر في أبعاد تكوين المترجم الأدبي ضمن إطار من المهنية والاحترافية بالتركيز على البعد الاجتماعي للترجمة والذي يتوافق مع متطلبات حركة النشر والترجمة الأدبية. فنحن في هذا الإطار ننظر إلى الترجمة في مستواها الواسع الذي لا يأخذ بعين الاعتبار العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فحسب وإنما يتعداه إلى المكانة الاجتماعية للمترجم ضمن المنظومة الأدبية والثقافية والتطرق إلى الضغوطات والاكراهات التي قد يواجهها في الواقع والسبل الكفيلة لمواجهتها حفاظا على هذا الرأس المال الثقافي (علي مناع2013 : 30) .

إن تكوين المترجم الأدبي لا بد أن يراعي مجمل العوامل الإدراكية إلى جانب العوامل ما فوق الإدراكية من أجل تهيئته للولوج إلى البيئة العملية بكل انسيابية وثقة. ونقصد بالعوامل الإدراكية مجمل الكفاءات اللغوية والثقافية، بينما نقصد بالعوامل ما فوق الادراكية بالمعارف التي يكتسبها المترجم خلال مساره التعلمي والذي يسمح له مستقبلا بالإدماج في سوق العمل ضمن مقاربة اجتماعية بنائية تهدف إلى التأقلم مع المتغيرات التي تفرضها التطورات الاجتماعية والاقتصادية) محمد عمر أمطوش2015 : .(25

ويمكن أن نلخص هذه العوامل في جملة من الكفاءات التي يتعين على المترجم الأدبي أو الطالب في الترجمة الأدبية من خلال تكوينه اكتسابها وتطويرها بالممارسة:

  1. كفاء التحويل: يتم التركيز على تطوير القدرات المتعلقة بالإبدال والترجمة باحترام البنى اللغوية والسياق.

  2. الكفاءة الأدبية الثقافية: ترتكز على تنمية مهارات نقل الأسلوب الأدبي، ليحاكي أسلوب الكاتب الأصلي. والقيام بالعمليات الذهنية التي تسمح باستثمار الخلفيات الثقافية عند ترجمة عمل أدبي معين.

  3. الكفاءة البحثية: عند تقديم عمل أدبي لترجمته، يتاح للطالب استثمار البحث الوثائقي للتعرف أكثر على أسلوب الكاتب وبيئته ويمكن الاتصال به لتفسير ما هو غامض، لتكون ترجمته أمينة.

  4. الكفاءة الاحترافية: عند ترجمة العمل الأدبي من قبل الطلبة يتم ربط المنتج بدور النشر والترجمة، أي يقوم الطالب بالبحث عن مدى إمكانية نشره عمله والشروط التي يفرضها الناشر، أي يبني تصورا عمليا لما تم ترجمته.

  5. الكفاءة التقييمية: تقوم على تشجيع الطلبة على التقييم الذاتي بغية تنمية تفكيرهم النقدي، إضافة إلى سرد الصعوبات التي يواجهونها عند عملية الترجمة، ليتم الوقوف عليها بتمارين مكثفة من خلال بروتكولات التحدث بصوت عال (PUNGĂ Loredana and PERCEC Dana 2017꞉ 146-148).

  6. هذه الكفاءات يتم تطويرها من خلال اعتماد جملة من المواد التدريسية أهما:

  • حضارات عالمية

  • نقد الترجمة الأدبية

  • تحليل الخطاب

  • الأدب العربي

  • الأدب العالمي

  • مقاربات الترجمة الأدبية

  • لسانيات

  • البحث الوثائقي

  • ترجمة نصوص أدبية مختارة من اللغة المنقول منها وإليها شعرية ونثرية بعناية بما يتوافق مع مستوى الطالب المترجم وحاجياته.

3. دور النشر والترجمة وعلاقتها بالمترجم الأدبي

1.3. إجراءات الدراسة

1.1.3. منهج الدراسة

اعتمد البحث طريقة الإحصاء الوصفي، واستخدام النسب المئوية والتكرارات وتحليلها في قياس المؤشرات وذلك للتعرف على الخصائص الشخصية لعينة الدراسة، وكذا تحديد استجابات أفرادها اتجاه عبارات محاور الاستبيان.

الأسئلة : مغلقة ومفتوحة وأخرى مزجنا فيها بين الإثنين، واعتمادنا على هذا التنوع في الأسئلة هدفه الحصول على معلومات وافية ونوعية بغية الوصول إلى نتائج علمية.

2.1.3.حدود الدراسة الميدانية

يتطلب أي بحث تحديد الجوانب الأساسية له والتي تتكون من:

  • الحدود المكانية: تتمثل الحدود المكانية في عدد من دور النشر والترجمة في بعض الدول العربية.

  • الحدود الزمنية: إذا ما اعتبرنا المجال الزمني للدراسة ككل يبدأ منذ اختيار الموضوع وجمع البيانات عن الموضوع الدراسة واختيار العينة، لذا استغرقت دراستنا الفترة الممتدة من 2018 إلى 2020 لصعوبة توزيع الاستبيان وعدم تفاعل العديد من دور النشر والترجمة.

3.1.3. مجتمع البحث والعينة

تعتبر دور النشر والترجمة مؤسسات تسهم بشكل كبير في ترجمة الأعمال الفنية، وتتفاوت نسبة الترجمة من الإنتاج الكلي لهذه المؤسسات باختلاف طابع كل دور وسياستها وأولوياتها. في هذا الإطار تخضع الترجمة لعامل الطلب والعرض باعتبار هذه الدور ذات أبعاد اقتصادية وربحية علاوة على عوامل أخرى ترتبط بالمنظومة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لهذه الدول. ولقد قمنا بإعداد استبيان وتوزيعه على عدد من دور النشر والترجمة في بلدان عربية وتم اعتماد 47 استمارة.

4.1.3. خصائص عينة الدراسة

عينة الدراسة قصدية وهي دور النشر والترجمة العربية باعتبارها أحد روافد سوق العمل ولكون نشاطها ذات صلة مباشرة بالمترجم الأدبي، وفيما يلي أهم خصائص هذه العينة.

الجدول 1: توزيع العينة حسب البلد

الاجابة

التكرارات

النسب المئوية

لبنان

13

27.65

الاردن

6

12.76

الجزائر

4

8.51

العراق

8

17.02

سوريا

6

12.76

مصر

8

17.02

فلسطين

2

4.25

من خلال الأرقام المبينة في الجدول يتضح لنا توزيع العينة حسب البلد، حيث تبلغ نسبة لبنان 26,53 بالمئة من العينة الاجمالية، تليها العراق ومصر بنسبة 16,32بالمئة، ثم الأردن وسوريا بنسبة 12,24المئة، وبنسبة أقل لكل من الجزائر ب 8,16 بالمئة وفلسطين ب4,08 بالمئة على التوالي. يرجع هذا التباين في النسب كون العينة عشوائية وكذلك لاختلاف عدد دور النشر والترجمة في كل بلد، فلبنان والعراق ومصر مثلا تتوفر على عدد كبير من دور النشر الخاصة على عكس فلسطين التي لا تحوي الكثير نظرا للاحتلال الإسرائيلي وتقويض الحركة الفكرية والثقافية، بينما تراجعت حركة النشر والترجمة في سوريا والعراق بفعل الحرب.

الجدول 2: توزيع العينة حسب تاريخ التأسيس

الاجابة

التكرارات

النسب المئوية

1980-1950

12

25.53

1990-2000

8

17.02

2000-2010

10

21.27

2010-2020

17

36.17

يتبين لنا من خلال المعطيات في الجدول أعلاه أن دور النشر والترجمة التي تأسست ما بين الفترة 1980-1950 ما نسبته 25,33بالمئة من العينة الكلية، تليها التي تأسست في الفترة الممتدة 2000-2010 ما نسبته 21,27 بالمئة، ثم نسبة 17,02 بالمئة بالنسبة لدور نشر والترجمة لتلك المؤسسة ما بين 1990-2000، و لقد حازت دور النشر والترجمة المؤسسة ما بين الفترة 2010-2020 أكبر نسبة تبلغ حوالي 36,17بالمئة. وبالتالي جمعت هذه العينة بين دور نشر وترجمة لديها خبرة في مجال النشر والترجمة وأخرى فتية، و تفسيرنا لوجود أكبر نسبة بالنسبة لدور النشر المؤسسة ما بين الفترة 2010-2020 للتسهيلات الحكومية في فتح دور النشر والترجمة وتقليل الشروط المتعلقة بها، بإتاحة الفرصة لعدد أكبر من دور النشر للنشاط في مجال الترجمة، يجدر الذكر أن هذه التسهيلات تتباين من دولة إلى أخرى.

2.3. تحليل نتائج الاستبيان

تمثل في جملة من الأسئلة عددها إحدى عشرة سؤالا يتوزعون على شقين.

1.2.3. الشق الأول : توجه دور النشر والترجمة

يتعلق الشق الأول بتوجه دور النشر والترجمة والذي يضم خمسة أسئلة حيث تحصلنا على النتائج التالية:

  1. تقوم 23 دور نشر وترجمة بترجمة أقل من 5كتب سنويا، بينما تقوم 20 دور بترجمة من 5إلى10 كتاب، و تضع10 دور نشر وترجمة ترجمة من10 إلى 15كتابا ضمن خطتها السنوية، بينما تقوم الدور المتبقية والتي عددها 4بترجمة أكثر من15كتاب سنويا.

  2. انحصار الترجمة الأدبية المعاصرة بشكل كبير في ترجمة الروايات من اللغات الأجنبية نحو العربية، لمَا يحظى به هذا الجنس الأدبي من إقبال للقراء- وبتحديد أدَقّ الروايات الحائزة على جوائز حيث أن أغلبية دور النشر والترجمة (47∕40) تعتبر ترجمة الرواية من أولوياتها، يليها إهتمام 4 دور بترجمة الشعر، أما باقي الدور فمنها 2يهتمون بترجمة المسرح وواحدة تهتم بترجمة أدب الطفل .

يخضع انتقاء الكتب المراد ترجمتها إلى عديد المحددات

  • القيام باستبيان في وسائل التواصل الاجتماعي لاقتراح كتب لترجمتها.

  • حسب الطلب وحاجات السوق العربي ومتطلبات السوق.

  • متابعة الإصدارات الجيدة في دول العالم، من حيث الترشح لجوائز أو ترجمتها للغات أخرى

  • . أهمية الكتاب وجودته وأصالة العمل والإضافة التي يقدمها المحتوى للمكتبة العربية ومكانته لدى القارئ

  • تقييم المحتوى الأدبي ومدى ملائمته للقارئ العربي.

  • مراجعة اصدارات الناشرين الأصدقاء ومتابعة مقترحات المراكز الثقافية الأجنبية.
    المعارض الدولية.

  • لجنة الاختيار تقوم بالاطلاع على الكتب المقترحة من قبل اللجنة ذاتها، أو مترجمين، أو اقتراحات قراء، أو متابعة مراجعات الكتب حول العالم.

  • التطورات والأوضاع السياسية والاقتصادية التي شهدتها الدول العربية.

  1. الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية أقل بكثير من الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية مع اقتصار بعض دور النشر والترجمة على الترجمة من اللغتين الإنجليزية والفرنسية، بينما تفتحت أخرى على لغات عديدة كاللغة اليابانية والاسبانية والألمانية ومؤخرا التركية.

  2. أما عن نوعية العراقيل التي تواجهها دور النشر والترجمة لترجمة الأعمال الأدبية، كان الهدف من هذا السؤال محاولة رصد أهم المشاكل، ولقد تعددت إجابات المبحوثين ويمكننا تلخيصها في أهم النقاط التالية :

  • قلة اهتمام القارئ العربي.

  • فقدان النص المترجم للروح وفهم المترجم للأصل.

  • استعمال اللغة العربية المغربية أو المشرقية حسب المترجم والتي لا تتماشى مع اللغة العربية الفصحى.

  • -غياب الدعم المالي وغلاء أسعار الترجمة وعدم وجود جهد جماعي.

  • تغير توجهات القراء وانتشار الروايات المترجمة التجارية ما أدى إلى تراجع ذوق القارئ نوعا ما، وبالتالي أصبحت الكتب الأدبية ذات المحتوى القيم فعلا والراقي غير تسويقية، أما بالنسبة للترجمة فهناك صعوبة في إيجاد المترجم القادر على صياغة جميع التعابير والتشابيه والمشاعر بشكل متناسب وصحيح مع اللغة العربية، غالبا ما يضيع المعنى المقصود أو المشاعر الموصوفة بعد الترجمة

  • موافقة دور النشر الأجنبية في إعطاء حقوق الترجمة، وبعض الدور تطلب حقوقا مكلفة لا يستطيع الدار تحملها فضلا عن عدم وجود مترجمين من لغة أخرى واقتصارها من الإنجليزية والفرنسية

  • عدم وجود سياسة ثقافية داعمة للترجمة، وشح مصادر التمويل وقلة المترجمين المختصين في الترجمة الأدبية.

  • -عدم خبرة المترجم في تعامله مع النص الأدبي الذي له طبيعة خاصة ولغة خاصة.

  • -افتفار المترجم لمعرفة لبيئة الثقافية والشعبية التي يتناولها الكاتب الأصلي و غياب ثقافة المترجم وثراء معجمه اللغوي.

2.2.3. الشق الثاني : استراتيجية التوظيف في دور النشر والترجمة ومتطلباتها

فيتعلق باستراتيجية التوظيف المنتهجة في هذه الدور ومتطلباتها والذي يضم ستة أسئلة نتوعت بين المغلقة والمفتوحة.

  1. أجابت 25 دور النشر والترجمة باعتماد معيار الخبرة لانتقاء المترجمين الأدبيين، يليها 15 دور نشر وترجمة تعتمد معيار الكفاءة، بينما تعتمد 7 منها على معيار التخصص.
    إن تفسيرنا لهذه النتائج أن معظم دور النشر والترجمة التي ركزت على التخصص، هي تلك الدور التي تتنوع ترجماتها من أدبية وتاريخية وسياسية وغيرها كدار العربي بلبنان ودار الفارابي وغيرهما. أما تلك التي ركزت على الخبرة لقناعتها أن ترجمة الكتب الأدبية ترتبط باسم المترجم، ثمة مترجمون أشهر من نار على علم، ولهم صيت في الترجمة الأدبية أمثال صالح نعمان والبعلبكي وغيرهما. تتميز ترجماتهم بالإبداع والجودة، تلجأ دور النشر والترجمة للتعامل مع المترجمين أصحاب خبرة لجلب القارئ وضمان مبيعات أكثر. أما معيار الكفاءة فهو مطلب تنشده أغلب دور النشر التي تبحث عن الجودة وعن الحفاظ على سمعتها ونشر لصيتها في عالم النشر والترجمة.

  2. عبرت28 دور نشر وترجمة عن رفضها عقد اتفاقية مع الجامعة لتوظيف الطلبة بينما أكدت 19 دور عن موافقتها لعقد اتفاقية مع الجامعة في هذا الاطار.

  3. أجابت 27 دور بعدم اشتراط الشهادة الجامعية في اختيار المترجمين بينما أكدت20 منها على ضرورة توفر شهادة جامعية.

  4. تقوم 31دور نشر وترجمة في القيام باختبار للمترجم قبل البدء في العمل الأدبي المراد ترجمته من خلال تقديم مقطع من عمل أدبي اخر للكاتب نفسه لرؤية مدى محاكاة المترجم لأسلوب الكاتب أو من خلال ارسال المترجم نفسه أعمالا قام بترجمتها من قبل، بينما لا تخضع 16دور نشر وترجمة المترجم إلى اختبار بل تقوم بإعطائه العمل مباشرة ليشرع في ترجمته.

  5. أكدت34 دور نشر وترجمة أنها تتعامل مع مترجمين محددين، وقد يرجع ذلك إلى الخوف من القيام بمغامرة التعامل مع مترجمين جدد تجهل عنهم مدى كفاءتهم وجديتهم، بينما تقوم13 دور نشر وترجمة بالتعامل مع مترجمين متنوعين لاختلاف الكتاب وأساليبهم وبالتالي ضرورة انتقاء في كل مرة مترجم أدبي يتوافق مع هذا التباين.

  • أما عن النقائص التي تراها في تعاملها مع المترجم الأدبي فيمكن إيجازها في ما يلي :

  • -عدم الالتزام بالوقت المحدد لتسليم العمل الأدبي المترجم.

  • -نقص الاحترافية.

  • اتسام الترجمة بالحرفية واخلائها بروح النص، ما يؤدي إلى ضعف مستوى الترجمة، ويضطر الناشر بعرضها على أكثر من مدقق لغوي ومراجع وبالتالي زيادة تكلفة الترجمة.

الخاتمة

يمكننا القول أنه ما لم تحدد الترجمة الأدبية كخيار استراتيجي فإننا لن نشهد ازدهارا لها، فرغم تخرج أعداد هائلة من المترجمين من معاهد الترجمة، إلا أننا نلاحظ أن معظمهم لا يعمل في هذا المجال، ومنهم الكثير الذي لم يترجم ولو كتابا واحدا، فبعضهم يعاني البطالة وآخرون توجهوا لوظائف غير تخصصهم. وبغض النظر عن الفوارق في المؤهلات الفردية لهؤلاء المتخرجين، إلا أننا قليلا ما نصادف مترجما شابا أثبت نفسه في المجال المهني للترجمة، لوجود العديد من الاكراهات.

في الختام نورد جملة من النتائج والملاحظات التي تم التوصل إليها من خلال هذه الدراسة:

  • لا يكفي أن يكون المترجم الأدبي متمكِّنا ومتحكِّما بضروب اللُّغة ومراثن الثَّقافة، بل عليه أن يزيد عليهما التسلُّح بالخلفيَّتين النَّظريّة والتَّطبيقيَّة للترجمة حتَّى يستطيع التَّحليل والتّأويل والنقد.

  • لا بد لنا ألا نُضيِّقَ مجال الترجمة الأدبية، بل نحاول قدر الإمكان وضع أطر معرفية ونظرية واسعة تسمح بتكوين مترجمين أدبيين قادرين على إنتاج ترجمة تتسم بالجودة والأمانة في آن واحد إذا ما توافرت الموهبة وإتقان اللغة المنقول منها وإليها.

  • عدم إيلاء أهمية لتكوين المترجم الأدبي يتضح ذلك في غياب تخصص الترجمة الأدبية في عديد الجامعات العربية ومحدودية تدريس الترجمة الأدبية في المقررات التدريسية.

  • -إن توظيف المترجمين في دور النشر والترجمة يخضع بالأساس إلى العديد من الاعتبارات، أولها الخبرة، فالولوج لمجال سوق العمل في هذا المجال أمر صعب خاصة بالنسبة لفئة الشباب الذين لا تقدم لهم الفرصة، ويفضل أصحاب دور النشر والترجمة عدم المغامرة بتقديم الأعمال الأدبية للمتخرجين الجدد والتعامل مع أسماء محددة، لذا نجد المترجمين أنفسهم يتكرر التعامل معهم من قبل هذه الدور عند ترجمة أي عمل أدبي رغم خصوصية كل عمل.

  • إن رفض أغلبية دور النشر والترجمة عقد اتفاقية مع الجامعات يرجع أساسا إلى الفجوة القائمة بين المؤسسات الجامعية وسوق العمل، ليس الأمر منحصرامرأ في تخصص الترجمة وإنما في العديد من التخصصات. يرجع هذا إلى عومل منها: السياسة التعليمية التي تنتهجها غالبية الدول العربية والتي لا تتوافق مع متطلبات سوق العمل في ظل غياب الدراسات الاستشرافية المتعلقة بمتطلبات السوق والتخصصات والطلبة المتخرجين مع تركيز دور النشر على الجانب الكمي وإهمال الجانب النوعي، و قد يرجع الأمر أيضا إلى التكوين الجامعي الذي يتهمه سوق العمل بتدني مستواه واقتصاره على الجانب النظري دون الجانب التطبيقي، هذا ما أدى إلى عدم ثقة دور النشر والترجمة بإمكانيات المتخرجين .كما أن غياب الدعم المالي والثقافي للحكومات العربية للترجمة عموما ولدور النشر والترجمة على وجه الخصوص أدى إلى عدم قدرة هذه الأخيرة لتحمل الأعباء المالية وحدها في توظيف المترجمين الأدبين لما في ذلك من تبعات مالية.

  • العديد من دور النشر والترجمة تشكو من مستوى المترجمين في الترجمة، فهي حسبهم تتسم بالحرفية و غياب روح النص الأصلي، علاوة على عدم قدرتهم العمل تحت الضغط، وعدم القدرة على إيجاد الحلول المتعلقة بمشاكل الترجمة الأدبية. وكمقترحات للخروج من هذه العوائق والصعوبات نقترح ما يلي:

  • ضرورة تضافر الجهود العربية من خلال إنشاء مؤسسات متخصصة في الترجمة الأدبية، وإتاحة الفرصة للمبدعين المترجمين الشباب.

  • ضرورة إضفاء نوع من الاحترافية على تكوين المترجم الأدبي بإدماج مترجمين مهنيين، لتصبح الترجمة الأكاديمية أكثر احترافية مع إعادة

  • النظر في انتقاء الطلبة الذين سيدرسون الترجمة عموما و لترجمة الأدبية على وجه الخصوص وتحديث المناهج التعليمية بما يتوافق مع متطلبات دور النشر والترجمة.

أبو رحمة، أماني. 2015. "حركة الترجمة في الوطن العربي"، مجلة ذوات، العدد8، ص28.

أمطوش، محمد عمر. 2015. رؤية جديدة في تدريس الترجمة. كندا: ألفارو إيشيفيري للنشر، ص ص 12-11.

الخطة الدراسية لبرنامج الماجستير. 2012.جامعة الأردن.

تميم، وداد. 2014. ترجمة الخيال العلمي حسب مبدأ التكافؤ الديناميكي. رسالة ماجستير، قسم الترجمة، جامعة بانتة، ص27.

جبر، عبد الستار.2015." الترجمة بين إشكالية الذات والأخر"، مجلة ذوات، العدد8، ص ص 12-11.

عناني، محمد. 2000. فن الترجمة. ط القاهرة: الشركة المصرية العالمية للنشر، ص2.

عوض، محمد .1969. فن الترجمة. بيروت: دار النهار، ص29.

مفتاح، محمد. 1990. دينامية النص. لبنان: المركز الثقافي العربي، ص54.

مرتاض، عبد الملك. 1983. النقد والحداثة. بيروت: دار الطليعة، ص49.

مناع، علي. 2013.بين تجليات اللغة وفاعلية الثقافة. بيروت: دار ضفاف، ص30.

PUNGĂ, Loredana and PERCEC, Dana. 2017. "An Inquiry into Challenges of Literary Translators for Future Professionals". Professional communication and translation studies, University of Timișoara, Romania, pp146-148.

Clifford, Landers. 1986. Literary Translation, multilingual matters LTD, New Jersy, p92.

Image 1000FF5000003E8300006041BDD63FAE6F702506.emf

منال بونقطة

معهد الترجمة- جامعة الجزائر 2

إلهام بزاوشة

معهد الترجمة- جامعة الجزائر 2

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article