مقدمة
يعتبر الحق في حرية الرأي والتعبير من الحقوق الأساسية للإنسان، والفرد له كامل الحرية في إبداء رأيه والتعبير عن مواقفه وقناعاته الفكرية والسياسية ضمن حدود متفق عليها، ومن تطبيقات حرية التعبير حرية الإعلام والتي تعتبر امتداد لحرية الفكر والرأي، وهو ما دفع المجتمع الدولي للاهتمام بها من خلال المعاهدات والمواثيق الدولية، بحيث أصبحت جزء من قواعد القانون الدولي الملزمة الآمرة، حيث نصت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 1948 : »لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار لحدود « (الأمم المتحدة ، 1948).
ورغم أن حرية الإعلام تنبع عن حرية التعبير وتشكل أهم تطبيقاتها، وجب وضع الحدود الفاصلة بينهما، حيث أن حرية الإعلام قد لاتشمل بالضرورة تعبيرا عن رأي معين يتضمن التصريح بما نفكر فيه حول مسألة معينة، بل يتيح نقل الخبر ليتجاوز شخصا معينا ويصل إلى مجموعة أكبر من الناس، ويتجلى الاختلاف أيضا في أن حرية التعبير تشمل مبدئيا كل الأفراد باعتبارها حق من حقوق الانسان، وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بحق الوصول إلى خدمة الانترنت باعتباره الأداة الأساسية للمشاركة في القضايا السياسية والعامة (قرار المجلس الدستوري الفرنسي في القرار رقم 2018 -773 المؤرخ في 20 ديسمبر 2018)، في حين أن حرية الإعلام تقتصر على من امتهن هذا المجال(شاكر المزوغي ، 2020).
ويمكن القول، أن حرية الإعلام تتمثل في ضمان حق الصحفي في استيفاء المعلومة ونشرها للعموم من خلال كافة وسائل الإعلام المتاحة على أن تمارس في إطار ضوابط محددة (شاكر المزوغي ، 2020)، وبذلك لا يمكن أن تكون الحرية الإعلامية مطلقة حتى في مجتمع ديموقراطي، لأن حرية الإعلام دون تنظيم قد تؤدي للمساس بالمصالح العامة للمجتمع والمصالح الخاصة للأفراد، وهو ما يفرض إيجاد التوازن بين عدم قمع الحرية الإعلامية وعدم المساس بالحريات العامة خاصة أمام ما أحدثته شبكة الانترنت من ثورة في الطرق التي يتم من خلالها نقل المعلومات وتوزيعها وتلقيها، فظهر شكل جديد لممارسة الاعلام ألا وهو النشاط الإعلامي الإلكتروني الذي أضحى المسيطر على السوق الإعلامية (Tessier Marc, 2007, p. 66)
وفي الجزائر، ممارسة النشاط الإعلامي الإلكتروني تجسد بداية في تضمين المواقع محتويات الصحافة الورقية (Dris , 2019)، فتم إنشاء النسخة الإلكترونية لجريدة الوطن سنة 1997، وكان الموقع بمثابة واجهة إلكترونية لعرض الملخص والعناوين الموجودة في النسخة الورقية. وأول صحيفة إلكترونية في الجزائر حقيقة هيAlegria Interface، أنشأها فريق من الصحفيين المنتمين للصحافة الخاصة سنة 1998 بدعم من وكالة « Media Interface ». ورغم توقف التجربة عام 2003، أطلقت نفس الوكالة سنة 2010 الموقع الإخباريMaghreb Emergent، فأصبحت الصحف الإلكترونية وسيلة للهروب من الرقابة المفروضة وتبني أجهزة تقنية جديدة في نشر المعلومات والإعلام لتجاوز القيود المختلفة. (Taiebi Moussaoui , 2016)
إن هذه المعطيات، رافقها بالتزامن ترسانة قانونية معتبرة تتراوح بين التضييق والانفتاح، فصدرت ثلاثة تشريعات إعلامية عضوية (القانون 82-01 المؤرخ في 6 فيفري 1982، قانون 90-07 المؤرخ في 3أفريل 1990، والقانون 12-05 )، كل واحدة صدرت في ظروف معينة مرّت بها البلاد، وبالتالي لم تنجح في رفع القيود عن الإعلام.
وفي ظل انتشار الاعلام الإلكتروني الذي يشترك مع الإعلام التقليدي في الأهداف والمبادئ، وما تبعه من إقبال متزايد للمستخدمين، ظهرت تحديات جدية أمام جرائم التشهير والقذف العلني ونقل الأخبار المغلوطة، وعدم احترام الحياة الخاصة للأفراد، ومن ثم كان من الطبيعي أن تتدخل السلطات العمومية بترسانة قانونية لتأطير الفضاء الإعلامي الالكتروني، فصدر القانون العضوي 23-14 المؤرخ في 27 أوت 2023 المتعلق بالإعلام، تبعه قانون 23-19 المتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية، والقانون 23-20 المتعلق بالنشاط السمعي البصري.
وبلغ النشاط الإعلامي عموما والإلكتروني خصوصا ذروة الضمان، حيث أن المؤسس الدستوري في المادة 54 من المرسوم الرئاسي 20-442 المؤرخ في 30 ديسمبر 2020 المتضمن التعديل الدستوري المصادق عليه في استفتاء أول نوفمبر سنة 2020( الجريدة الرسمية عدد 82 المؤرخة في 30 ديسمبر 2020 )، كفل دستوريا حرية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية والإلكترونية، من خلال الحق في إنشاء قنوات تلفزيونية وإذاعية ومواقع وصحف إلكترونية ضمن شروط يحددها القانون، لاسيما الحق في حماية استقلالية الصحفي والسر المهني، وفي كل الأحوال لا يمكن أن تخضع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية.
رغم هذه الضمانات، لاتزال الجزائر تتذيل المراتب الدنيا في مؤشر حرية الصحافة العالمي لسنة 2023، بحجة التضييق على الصحافة وغلق المواقع الإخبارية (مراسلون بلاحدود ، 2023)، وهو مايثير انتباهنا لإشكالية في غاية الأهمية حول مدى تحقيق المشرع الجزائري التوازن بين حرية الإعلام الالكتروني والضوابط دون ترجيح كفة على أخرى بما يمس حرية الإعلام ويفرغ شعار الضمانات من محتواها، وما يتبعه من تأثير سلبي في إنارة الرأي العام؟.
ويندرج عن الإشكالية الأساسية أسئلة فرعية : ماهي الحقوق والضمانات التي يتمتع بعا الصحفيين في المجال الإلكتروني، وهل هي نفس حقوق الصحفيين في المجال التقليدي أو هي كثر تشددا ؟، وماهي القيود المفروضة على الإعلام الإلكتروني، وهل توجد قيود اخرى تتماشى مع الفضاء الرقمي ؟.
وللإجابة عن الإشكالية، استخدمنا المنهج الوصفي من خلال التعرض لمختلف المفاهيم والإطار العام لممارسة المهنة، وضماناتها وقيودها واستخدام المنهج التحليلي من خلال قراءة والتعمق في دراسة النصوص القانونية التي تضبط وتقيد حرية الصحافة بصفة عامة، وحرية التعبير بصفة خاصة، دون إهمال استخدام المنهج المقارن مع الدول الأوروبية كفرنسا الرائدة في حرية الصحافة.
إن الإجابة عن هذه الإشكالية يقتضي منا التطرق لـــ :
-
ضمانات النشاط الإعلامي الإلكتروني في الجزائر.
-
ضوابط ممارسة النشاط الإعلامي الإلكتروني في الجزائر
1. ضمانات النشاط الإعلامي الإلكتروني في الجزائر
يتميز الإعلام الإلكتروني الذي يعتمد بشكل أساسي على شبكة الانترنت، بتخطيه مسافات جغرافية كبيرة، وبالتالي السرعة في تغطية الأحداث بشكل مستمر وآني، كما يوفر سهولة التصفح والحصول على البيانات أو الأخبار أو المعلومات، كما أن مستخدم الانترنت يصبح له دور إيجابي فيمكنه المشاركة في المحتوى واختيار المقالات الصحفية التي تهمه، والرد المباشر علي المحتوى الذي يقرأه وذلك بكتابة تعليقاته ومعرفة آراء الآخرين.
ونظرا لأهميته من حيث سهولة الحصول على المعلومة والاطلاع عليها في أي مكان تكون فيه خدمة الانترنت، يكون ضروريا التطرق لماهية النشاط الإعلامي الإلكتروني(1.1)، ، وفي مرحلة ثانية طبيعة ضمانات نشاطات الإعلام الإلكتروني (2.1).
1.1. ماهية النشاط الإعلامي الإلكتروني
أحدثت الإنترنت صناعة إعلامية ثقافية جديدة من خلال الصحافة عبر الإنترنت، والتلفزيون على شبكة الإنترنت، والإذاعة الرقمية، وهو ما يقتضي الوقوف عند أصنافه (1.1.1)، ثم تحديد المركز القانوني لممارس نشاط الإعلامي الإلكتروني (2.1.1).
1.1.1. أصناف النشاط الإعلامي الإلكتروني
اكتفى القانون العضوي المتعلق بالإعلام رقم 23-14في الباب الثاني المعنون نشاطات وسائل الإعلام بإدراج أصناف النشاط الإعلامي الإلكتروني مع نشاطات الإعلام التقليدية دون تحديد مفهومها، حتى صدر قانون 23-19المتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية، والقانون 23-20 المتعلق بنشاط السمعي البصري.
-
الصحافة الإلكترونية : يقصد بها كل خدمة اتصال متعددة الوسائط، للإعلام العام أو متخصصة، موجهة للجمهور أو لفئة منه وتنشر بصفة مهنية من قبل شخص طبيعي أو معنوي يخضع للقانون الجزائري ويتحكم في محتواها الافتتاحي (المادة 2من القانون العضوي 23-19 المؤرخ في 02 ديسمبر 2023 المتعلق بالصحافة والصحافة الإلكترونية ).ويتمثل نشاط الصحافة الإلكترونية كل انتاج ونشر متعدد الوسائط لمضمون أصلي موجه إلى الصالح العام، ويجدد بصفة منتظمة ويتكون من أخبار لها صلة بالأحداث الوطنية والدولية وتكون موضوع معالجة ذات طابع صحفي، ويستثنى من هذا النشاط عندما تكون النسخة عبر الانترنت والنسخة الاصلية متطابقتين (المادة 2 من القانون العضوي 23-19 ).كما استثنى المشرع صراحة من نطاق الصحافة الإلكترونية المواقع الإلكترونية للهيئات والمؤسسات والشركات.
ويوجد ثلاثة أنواع من الصحافة الإلكترونية بالجزائر : الصحافة الإلكترونية المتخصصة والتي يتجاوز عددها 60 موقعا كالصحافة الرياضية، أو تلك الخاصة بالهاتف النقال أو السيارات. والصحافة الإلكترونية العامة كالمواقع التي تنشر أخبارا إعلامية في كل المجالات والتي لا تتعدى سبعة مواقع إلكترونية، في حين تبقى باقي المواقع عبارة عن مواقع إلكترونية تابعة للجرائد المكتوبة (زولا سومر ، 2017). -
السمعي البصري عبر الانترنت : يقصد به، كل خدمة اتصال سمعي بصري عبر الانترنت( واب تلفزيون، واب إذاعة ) موجهة للجمهور أو فئة منه، وتنتج وتبث بصفة مهنية من قبل شخص طبيعي أو معنوي يخضع للقانون الجزائري، ويتحكم في محتواها الافتتاحي.ويتمثل النشاط السمعي البصري عبر الانترنت في إنتاج مضمون أصلي موجه للصالح العام، ويجدد بصفة منتظمة ويحتوى خصوصا على أخبار ذات صلة بالأحداث، وتكون موضوع معالجة ذات طابع صحفي، ولا يدخل ضمن هذا الصنف إلا خدمات السمعي البصري التي تمارس نشاطها عبر الانترنت( المادة 03 من قانون 23-20 المؤرخ في 2 ديسمبر 2023 المتعلق بنشاط السمعي البصري ).
إلى جانب القنوات الرسمية المتمثلة في الصحافة الإلكترونية، وخدمة السمعي البصري عبر الانترنت، يمكن للصحفي نشر الأخبار وإيصال المضامين والأخبار بأشكال متميزة ومؤثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات، فهل يدخل نشاطه في نطاق الإعلام الإلكتروني؟.
بخصوص إيصال الاخبار عبر قنوات التواصل الاجتماعي، يشهد القانون الجزائري فراغ قانوني باستثناء العقوبات التي تطبق في حالة الترويج الأخبار الكاذبة والمغلوطة التي سنتعرض لها في حينها، لكن استخدام الصحفيين لوسائل التواصل الاجتماعي في الدول الأوروبية ولو كان بصفة مستقلة عن تنظيمهم المهني، يخضع للمواثيق الأخلاقية وتقع عليه المسؤولية الإجتماعية لأن الصحفي ليس حر في الفضاء الافتراضي، فهو ينتمي إلى مؤسسة حريصة على صورتها في المجتمع ولدى جمهورها. وقد وقعت قضية تتعلق بقيام مجموعة من الأشخاص يطلق عليهم اسم « La ligue du Lol »، بمضايقة العديد من مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي Twitter، وفي جوان 2009 نشر الصحفي Vincent Glad مقال بعنوان :كيف تصبح مشهورا في تويتر، يُظهر في بعض الفقرات كيف ينظر صحفي الويب الصاعد إلى الشبكة الاجتماعية، وبعد عشر سنوات فُصل الصحفي عن منصبه في صحيفة Libération، بعد إعلانه عن مشاركته في المجموعة « La ligue Lol » التي جمعت حوالي ثلاثون شخصا بين صحفيين ومدونين، مارسوا العنف اللفظي اتجاه المستخدمين الناطقين بالفرنسية (Marie Turcan et Perrine Signoret, 2019).
إن مثل هذه الأحداث دفعت بعض المؤسسات الإعلامية إلى وضع مجموعة من المبادئ والقواعد ضمن مواثيقها المهنية بغية استخدام الصحفيين لمواقع التواصل الاجتماعي، من بينها :ميثاق فرانس أنفو (France Info , 2020)، والذي أشار بتمتع الصحفيين بحرية التعبير في الشبكات الاجتماعية مع الالتزام بالضوابط القانونية.
أما عن اكتساب المدون صفة الصحفي في حالة ترويج ونشر صاحب المدونة معلومات وأخبار، القانون الجزائري واضح، حيث تطبيقا للمادة 17 من القانون العضوي 23/14، يعد صحفي محترف كل شخص يمارس النشاط الصحفي ويتخذ النشاط مهنته المنتظمة ومصدرا رئيسا لدخله لاسيما استيفاء الشروط المنصوص عليها في هذه المادة ويربطه عقد عمل مع وسيلة إعلام. وبفرنسا المدون يضفى عليه صفة الناشر سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا مسؤول عن محتوى المدونة، حيث أن نشاطه يندرج في فئة تقديم خدمات الاتصالات للجمهور عبر الانترنت، وهو يكون مسؤول في مدونته عن المحتوى الذي ينشره في صفحته، ومسؤول عن المحتوى المودع من أطراف أخرى ( المادة 06 من قانون الثقة في الاقتصاد الرقمي Hadopi المؤرخ في 21 جوان 2004 ).
وما يميز المدون عن الصحفي، أن هذا الأخير له علاقة عمل تعاقدية بينه وبين الهيئة المستخدمة التي تحدد حقوق الطرفين وواجباتهما وهو مسؤول عن المعلومات والآراء التي ينشرها حتى في مدوناته إزاء الهيئة المستخدمة، وهذا لاينطبق على الهواة والمدونين الذين يستخدمون حقهم الدستوري المتمثل في التعبير عن آرائهم التي تقيدهاضوابط قانونية، كما هو الحال في قرار المحكمة الجزائية لآراس Harass بتاريخ 20 جانفي2006، التي أدانت المدون بـــ 6 أشهر غير نافذ بسبب التشهير بعون شرطة وطلب المساس بحياته (Kokiou Virginia, 2009-2010).
2.1.1. تحديد المركز القانوني لممارس النشاط الإعلامي الإلكتروني
بمفهوم المادة 16 من القانون العضوي 23-14، يعد صحفيا كل شخص يمارس النشاط الصحفي، وتثبت له الصفة بموجب بطاقة يسلمها الجهاز المستخدم. ويقصد بالنشاط الصحفي بمفهوم المادة 15 من القانون العضوي 23-14 المتعلق بالإعلام : »كل بحث عن الخبر وجمعه وانتقائه ومعالجته و/أو تقديمه لفائدة وسيلة إعلام للصحافة المكتوبة أو الصحافة الإلكترونية أو وكالة أنباء أو خدمة اتصال سمعي أو بصري أو خدمة اتصال سمعي بصري عبر الانترنت« . وعلى هذا الأساس، يقوم الصحفي بدور مهم للارتقاء بالوعي العام لدى الجماهير، فهو بمثابة وسيط في نقل الخبر، ونافذة في نقل هموم وتطلعات أفراد الشعوب.
وفي الباب الثالث المعنون أحكام مشتركة لوسائل الإعلام، وتحديدا في المادة 10 من القانون العضوي 23-14 المؤرخ في 27 أوت 2003 المتعلق بالإعلام، يجب على كل وسيلة إعلان أن توظف بالتوقيت الكامل صحفيين محترفين على أن لا يقل عددهم عن ½ طاقم التحرير.
وعرَف المشرع الجزائري الصحفي المحترف في المادة 17 من القانون العضوي للإعلام رقم 23-14 بأنه : ».. كل شخص يمارس النشاط الصحفي بمفهوم القانون العضوي، ويتخذ هذا النشاط مهنته المنتظمة ومصدرا رئيسا لدخله ويثبت حيازته إما على :
-
شهادة في التعليم العالي لها علاقة مباشرة بمهنة الصحفي وخبرة مهنية لاتقل عن ثلاث سنوات في مجال الصحافة.
-
شهادة التعليم العالي في أي تخصص مع تلقي تكوين في الصحافة في مؤسسة معتمدة وخبرة مهنية لاتقل عن خمس (5) سنوات في مجال الصحافة.
-
ويعد صحفيا محترفا كذلك كل مراسل دائم يستوفي الشروط المنصوص عليها في هذه المادة ويربطه عقد عمل مع وسيلة إعلام تحدد حقوق وواجبات الطرفين. ومن هذا المنظور المراسل الدائم يتمتع بنفس الحقوق الممنوحة للصحفي المحترف، وهو عادة يقيم بصفة دائمة في دولة كبرى أين ينشط في صحيفة مكتوبة او الكترونية أو إذاعة أو محطة تلفزيونية.
ويتضح أن المشرع وضع معايير لتحديد الصحفي المحترف والمراسل المحترف حيث يجب التفرغ التام للبحث عن الأخبار وجمعها وانتقائها ومعالجتها، والتعامل مع وكالة إعلامية أو جهاز إعلام بصفة دائمة وفقا لعلاقة تعاقدية، زيادة على ذلك، تعد الصحافة المصدر الرئيسي لدخله فيتقاضى عن ذلك أجرا ثابتا، وبذلك يمكن استبعاد أساتذة الجامعة والأطباء والمحامين الذين يقومون بتحرير بعض المقالات في الصحف بانتظام ويضفى عليهم صفة الصحفي غير المحترف، ويستبعد الصحفي المستقل الذي يعمل لحسابه الخاص ويقدم خدماته لأجهزة الصحافة، كما يسقط من مضمون الإعلام الإلكتروني المدونين والنشطاء الذين يتناقلون الأخبار والمعلومات عبر حساباتهم الإلكترونية وعلى منصات التواصل الاجتماعي.
ويجب التمييز في هذا المقام بين الصحفي المحترف والمسؤول عن جهاز الإعلام عبر الانترنت والذي تضفى عليه صفة مدير النشر في الصحيفة إلكترونية ومدير خدمة الاتصال السمعي البصري عبر الانترنت، فهو تباعا المسؤول الأول والفعلي للصحيفة والأخبار والمقالات المنشورة إلكترونيا، والمسؤول الأول عن خدمة الاتصال السمعي البصري عبر الانترنت، وفي كلا الحالتين يشتركان في إعطاء التعليمات التحريرية للصحفيين أثناء تأدية مهامهم.
ويشترك مدير نشر الصحيفة الإلكترونية ومدير خدمة الاتصال السمعي البصري عبر الانترنت في مجموعة من النقاط المشتركة :
التأهيل من خلال حيازة شهادة جامعية أو شهادة معترف بمعادلتها، والتمتع بخبرة لا تقل عن ثماني (8) سنوات مثبتة بالانتساب في صندوق الضمان الاجتماعي (المادة 9 من قانون 23-19، والمادة 11 من قانون 23-20)، حيازة الجنسية الجزائرية فقط، والتمتع بالحقوق المدنية، عدم الحُكم عليه في قضايا فساد أو أفعال مخلة بالشرف.
والشيء الذي يمكن التماسه من هذه الشروط، رفع معدل خبرة مدير النشر أو مدير خدمة الاتصال السمعي البصري عبر الانترنت من ثلاثة (3) سنوات في ظل المرسوم التنفيذي 20-332 الذي جاء تطبيقا للقانون العضوي 12-05 الملغى إلى ثمانية ( 8) سنوات، وهو أمر إيجابي لأنه لا يمكن إعطاء لقليل الخبرة إمكانية الإشراف على صنع الرأي العام، كما أنه لايمكن أن نصنع مدير نشر مسؤول لعدم قدرته الإلمام بمختلف الجوانب التقنية والقانونية والأخلاقية.
و يمارس نشاط الإعلام عبر الانترنت كل شخص طبيعي يتمتع بالجنسية الجزائرية أو شخص معنوي يخضع للقانون الجزائري ويمتلك رأسماله أشخاص طبيعيون أو معنيون يتمتعون بالجنسية الجزائرية فقط بما فيهم المساهمين والشركاء، وأن يكون الرأسمال الاجتماعي وطنيا خالصا واسميا مع إثبات مصدر الأموال، وبالتالي غلق المجال للصحفيين الأجانب أو المستثمرين الأجانب، لكن ما هو مصير الذين يحملون جنسية مزدوجة؟ إن الإجابة نجدها في المادة 04 من القانون العضوي 23-14 المتعلق بالإعلام والتي جاء فيها : تمارس أنشطة الإعلام من طرف وسائل الإعلام التابعة : « ..... للأشخاص الطبيعية من جنسية جزائرية فقط والأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون الجزائري. ..... »، وهو ما يدل على استثناء مزدوجي الجنسية.
زيادة على الجنسية، قلًص المشرع في نطاق الأحكام القضائية التي يمكن أن تمنع مدير النشر من ممارسة نشاط الإعلام الإلكتروني إلى قضايا الفساد والأفعال المخلة بالشرف (المادة 32 من قانون 23-19)، بعد أن كان نطاقها واسعا في ظل المرسوم السابق 20-332 ليشمل جرائم القذف أو السب أو الشتم أو الهانة أو التمييز أو الكراهية والتحريض عليها.
ومن الشروط التي يتم الالتزام بها بصفة مستقلة : التزام مدير الصحيفة عدم إمكانية تسيير نشرية دورية للإعلام العام عبر الانترنت تصدر بنفس نظام الصدور (المادة 10 من قانون 23-19)، وألا يكون الشخص الطبيعي الذي يتمتع بالجنسية الجزائرية أو الشخص المعنوي الخاضع للقانون الجزائري مساهما في أكثر من دورية واحدة للإعلام العام. أما الشركاء المولودين قبل جويلية 1942 المساهمين في الشخص المعنوي المستغل لخدمة السمعي البصري عبر الانترنت عليهم إثبات أنه لم يكن لهم سلوك معاد لثورة أول نوفمبر.
في الأخير، إن مسألة ممارسة نشاط الإعلام الإلكتروني يشترك فيه أشخاص يساهمون في الصحيفة الإلكترونية أو في بث الاخبار عن طريق خدمة السمعي البصري عبر الانترنت، حيث يمكن ذكر رئيس القسم والذي يعد همزة وصل بين رئيس التحرير والصحفي المحترف، ومعاونو الصحافة وهو كل عون يشغل منصبا في القيام بأعمال لا تنفصل عن الأنشطة الصحفية التي ترتبط مباشرة بالتحرير.
2.1. طبيعة ضمانات النشاط الإعلامي الالكتروني
أحاط المشرع الجزائري على غرار كثير من التشريعات المقارنة النشاط الإعلامي بمجموعة من الضمانات القانونية انطلاقا من الدستور باعتباره القاعدة التي تضع الأساس لمختلف الحقوق والحريات وهي تنطبق على النشاط الإعلامي الإلكتروني (المادة 54 من المرسوم الرئاسي 20-442 المؤرخ في 30 ديسمبر 2020 المتعلق بإصدار التعديل الدستوري المصادق عليه في استفتاء أول نوفمبر سنة 2020 ).
وبذلك، كل التشريعات التي تأتي أدنى في السلم التدرجي من الدستور عليها أن تضمن حرية النشاط الإعلامي المكتوب أو السمعي البصري لاسيما الإلكتروني. ولممارسة مهمة الصحافة، رُصدت مجموعة من الضمانات أرساها الدستور، وتوجّه القانون العضوي 23-14 لتنظيمها بما يتماشى مع الضمان الدستوري، كما يلي :
1.2.1. حق الصحفي في الوصول إلى مصادر المعلومات وعدم الكشف عن مصدرها
يقصد بحق الصحفي للوصول إلى مصادر المعلومة، تمكين الصحفي من مصادر الأخبار والمعلومات، والاطلاع على كافة الوثائق غير المحظورة، وذلك دون عائق يحول بينه وبين حرية تدفق المعلومات (صولي ابتسام ، 2015، صفحة 134). وألزم القانون الجزائري في المادة 32 من القانون العضوي 23/14، كل الهيئات والإدارات والمؤسسات العمومية بتزويد الصحفيين بالحق في الوصول إلى المعلومة دون تحديد طبيعتها ونشاطها لضمان حق المواطن في معرفة الاخبار الخاصة، إلا أن هذا المبدأ ليس مطلقا، حيث وُضعت قائمة من الاستثناءات في المادة 33 من القانون العضوي 23-14 عندما :
-
يتعلق الخبر بسر الدفاع الوطني كما هو محدد في التشريع الساري المفعول،
-
2يمس الخبر بأمن الدولة و/أو السيادة الوطنية و/أو الوحدة الوطنية و/أو الوحدة الترابية، وبذلك الاستمرار في تبني الطبيعة الواسعة وغير الدقيقة لهذه المعايير المرجعية ومن ثم التأثير بشكل غير متناسب على الممارسة السلمية لحرية التعبير.
-
يتعلق الخبر بسير التحقيق الابتدائي والقضائي،
-
يتعلق بالمصالح المشروعة للمؤسسات بحيث يهدد استقرارها، وهو مايثير التساؤل حول حقيقة ضمان الوصول إلى المعلومة باعتبار أن معيار تهديد المصالح المشروعة للمؤسسات معيار فضفاض ومبهم ويثير التساؤل حول طبيعة المؤسسات التي تدخل في هذا النطاق.
-
يتعلق بالحياة الخاصة للغير وحقوقهم، ومصطلح « حقوقهم » يفيد تقييد أكثر للصحفي في وصوله للمعلومة.
والواضح، أن التشريع الجزائري توسّع في فرض السرية على كثير من أنواع المعلومات والوثائق بحجة الأمن القومي والمصالح العليا للبلاد، لذا هناك حاجة ملحة في التشريع الجزائري لإحداث التوازن بين حق الجمهور في المعرفة وحق السلطات في فرض السرية على بعض أنواع المعلومات.
وفي نفس السياق، تعترف المادة 27 من القانون العضوي 23-14 للصحفي بالسر المهني، حيث جاء فيها : « يعد السر المهني حقا للصحفي في إطار احترام التشريع والتنظيم المعمول بهما.ويقابلها المادة 71 في القانون البلجيكي المؤرخ في 07 أفريل 2005 (Henri Maler, 2014).
وتجسيدا لمبدأ حق الصحفي في سرية مصادره وعدم الكشف عنها، قضية Voskuil c. Pays-Bas المؤرخة في 22 نوفمبر 2007، حيثياتها تتعلق بصحفي أجبر على الكشف عن مصدر المعلومات التي استخدمها لكتابة مقالين صحفيين يتعلقان بتحقيق جنائي عن الاتجار بالأسلحة، ونتيجة لذلك قررت المحكمة الأوروبية بانتهاك المادة 10 من اتفاقية حقوق الانسان لعرقلة الصحافة عن لعب دورها الذي لا غنى عنه في » المراقبة « وقد تتضاءل قدرتها على تقديم معلومات دقيقة وموثوقة (Cour européene des droit de l’homme , 1996).
إلا أن مبدأ سرية مصدر الصحفيين له حدوده، فمن التطبيقات القضائية المقارنة التي تتيح وضع الحدود على سرية المصدر، قضية Nordisk Film & TV A/S c. Danemark المؤرخة في 08 ديسمبر 2005 والتي تتعلق بإفصاح عن نتائج بحث أجراه صحفي تسلّل واقتمص هوية مزيفة من أجل إنجاز تقرير عن الاعتداءات الجنسية على الأطفال في الدنمارك، حيث قررت المحكمة الأوربية أن طلب الصحفي غير مقبول وأن الأمر الزجري الصادر عن المحاكم المحلية يرقى إلى مستوى التدخل المتناسب مع حرية الصحفي، وأن هدف السلطات العمومية مشروع يجيز المساس بمبدأ سرية مصدر الصحفيين، لمنع جرائم خطيرة مرتكبة ضد القصر (Cour européenne des droit de l’homme, 2005)
2.2.1. الحق في عدم التعرض لكل أشكال العنف والسب أو الإهانة
تطبيقا لنص المادة 25 من القانون العضوي 23-14 : »يتمتع الصحفي بالحماية القانونية من كل أشكال العنف أو السب أو الإهانة أو التهديد أثناء وبمناسبة ممارسة مهنته، حيث يعاقب كل من أهان بالإشارة المشينة أو بالقول الجارح صحفيا أثناء ممارسة مهنته أو بمناسبة ذلك طبقا لأحكام قانون العقوبات« .
3.2.1. الحق في رفض نشر أي خبر للجمهور
يجب أن يتضمن كل خبر تنشره أو تبثه وسيلة إعلام، اسم صاحبه أو الإشارة إلى مصدره الأصلي في حالة نقله أو اقتباسه من أي وسيلة إعلام أخرى (المادة 21 من القانون العضوي 23-14 ). وتطبيقا للمادة 28من نفس القانون يحق لكل صحفي أجير لدى أية وسيلة إعلام، أن يرفض نشر أو بث أي خبر للجمهور يحمل توقيعه، إذا أدخلت على هذا الخبر تغييرات جوهرية دون موافقته، وهو ما يقابلها المادة 02 مكرر من القانون الفرنسي المعدلة والمتمم بقانون 2016-1542المؤرخ في 14 نوفمبر 2016 (Légifrance, 2016). لكن الملاحظ أن المشرع الجزائري لم ينص في القانون العضوي على حماية الصحفي من التدخلات الخارجية والضغوطات التي قد يتعرض لها وهو من أهم ضمانات حرية الإعلام.
4.2.1. الحق في الأجر وفي اكتتاب تأمين خاص على الحياة
تطبيقا لما نص عليه القانون 90/11 المتعلق بعلاقات العمل، فإن الصحفي وباعتباره عاملا يستفيد من الحقوق التالية :
-
الحق في الأجر والذي يحُدد في عقد العامل مع الهيئة المستخدمة رغم أن قانون23/14 لم ينص عليه صراحة، إنما يفهم ضمنا من خلال محتوى المادة 24 التي نصت أن كل علاقة العمل بين الهيئة المستخدمة والصحفي تخضع إلى عقد مكتوب يحدد حقوق الطرفين وواجباتهم.
-
الحق في الضمان الاجتماعي، والحماية ضد حوادث العمل،
-
الحق في الإضراب عن العمل، والحق في التنظيم النقابي والانضمام للنقابات المدافعة عن حقوقه.
أما عن الحق في التأمين ضد المخاطر، وجب على الهيئة المستخدمة اكتتاب تأمين خاص على حياة كل صحفي يرسل إلى مناطق الحرب أو التمرد أو المناطق التي تشهد أوبئة أو كوارث طبيعية أو أية منطقة أخرى تعرض حياته للخطر، ويحق للصحفي الذي لا يستفيد من التأمين الخاص رفض القيام بالتنقل المطلوب، ولا يمثل هذا الرفض خطأ مهنيا، ولا يمكن أن يتعرض الصحفي بسببه إلى عقوبة مهما كانت طبيعتها (المادة 30 من القانون العضوي رقم23/14 المتعلق بالإعلام).وفي حالة عدم امتثال الوسيلة الإعلامية لاكتتاب تأمين على حياة الصحفي تعاقب من خمسمائة لألف دينار (500.000د ج ) إلى مليون دينار (1.000.000 دج) ( المادة 52 من القانون العضوي 23/14 ).
وإن اكتتاب تأمين خاص على حياة الصحفيين جاء يتماشى مع توصيات الاتحاد الدولي للصحفيين التي تفيد باكتتاب تأمين لجميع العاملين في مجال الإعلام في أي منطقة من العالم بما في ذلك مناطق الحرب( Association des journalistes professionnels, 2017)، بل التوصيات ذهبت إلى عدم اقتصار التأمين على الحياة كما هو الحال في القانون الجزائري، بل قد يشمل التأمين تغطية التكاليف الطبية الطارئة والإخلاء، والحوادث والإصابات، وتأمين المعدات عند السفر (Battelface, 2019).
أما الصحفي الذي يرسل إلى مناطق الحرب ضرورة يفرضها احترام قواعد القانون الدولي الإنساني الذي نص في المادة 79 من البروتوكول الإضافي الملحقة باتفاقية جنيف الرابعة إلى ضرورة حماية الصحفيين الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة أثناء النزاعات المسلحة الدولية ضمن الفصل الثالث المعنون الصحفيون، مُضفية عليهم صفة الأشخاص المدنيين (صولي ابتسام ، 2015، صفحة 142).
5.2.1. الحق في التكوين والتدريب
إن توفير التدريب والتكوين الصحفي يعد ضمانة أساسية، وتزيد في كفاءة ومهارات الصحفيين العاملين في الصحيفة الالكترونية، ونجد القانون العضوي 23-14 كرّس هذه الضمانة في المادة 31، حيث نصت على مايلي :
«على الهيئة المستخدمة أن تضمن عملية التكوين المتواصل وتحسين المستوى وتجديد المعارف للصحفيين ولمهني وسائل الإعلام، وان تثبت سنويا هذه العملية أمام سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية أو السلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري حسب طبيعة النشاط»
6.2.1. حق الصحفي في عدم منع نشر أعماله
اتفقت التشريعات على أن للصحفي الحق في نشر المعلومات والتي يحصل عليها من مصادر موثوقة، وليس من حق السلطات منعه من النشر، لكن وجدت بعض الأحكام التي تقيد أعمال الصحفي إذا ارتبطت الأعمال المنشورة علنيا برؤساء الدول الأجنبية أو رؤساء الحكومات الأجنبية، حيث يقابل المادة 36 من القانون الفرنسي المؤرخ في 29 جويلية 1881 التي وقعت عقوبة غرامة 45 ألف يورو (Legifrance, 2020)، المادة 48من القانون العضوي 23-14 التي لم تقتصر على رؤساء الدول الأجنبية بل توسعت لتطال أعضاء البعثات الدبلوماسية والقنصلية كما يلي : » يعاقب بغرامة من مائة ألف دينار100.000د ج إلى 500.000 د ج كل إهانة صادرة عن وسائل الإعلام تجاه قادة الدول الأجنبية وأعضاء البعثات الدبلوماسية والقنصلية المعتمدين لدى الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية ».
وفي سياق إهانة رئيس دولة أجنبية، قررت محكمة الاستئناف بباريس بموجب المادة 36 من قانون 29 يوليو 1881 إدانة مدير نشر صحيفة وصحفي من صحيفة لوموند Le Monde اليومية عام 1997 لإهانة رئيس دولة أجنبية، واعتبرته جريمة تشهير ضد ملك المغرب الحسن الثاني بعد نشر الصحيفة مقالاً يتضمن تقرير سري يورط حاشية ملك الحسن الثاني بناء على تقرير صادر من مرصد المخدرات الجيوسياسية (OGD)، غير أن المحكمة الاوربية خلصت أن تنظيم جنحة الإهانة لرؤساء الدولة في التشريع الفرنسي ينتهك حرية التعبير، مما يؤدي لانتهاك الحق في حرية التعبير طبقا للمادة 10 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الانسان (Voorhoof D. McGonagle, 2015, p. 102).
7.2.1. حق الصحفي في النقد
لم يتطرق القانون العضوي 12/05 المتعلق بالإعلام الملغى ولا القانون العضوي 23/14 الساري المفعول، لحق الصحفي في النقد شأنه في ذلك شأن قانون الاعلام90/07، وهو ما سيجعل مضمونها لايتعدى حدود النقد المباح، وهو أمر لا يتماشى مع حرية التعبير.
وفي اتجاه مقارن، صدرت عدة تطبيقات قضائية تكرس حرية النقد، فعلى سبيل المثال : لمحكمة الأوربية لحقوق الانسان في قضية Oberschlick c. Autriche المؤرخة في 01 جويلية 1997، أدانت النمسا مؤكدة على حرية التعبير التي كفلتها المادة 10 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الانسان، يتعلق موضوع الدعوى بإلقاء زعيم حزب لبرالي نمساوي سنة 1991خطابا نشر في مجلة سياسية يُمجّد فيه دور جيل جنود الحرب العالمية الثانية، وكان موضوع تعليق نقدي كتبه صحفي ووصفه بالأحمق، مما دفع زعيم الحزب لرفع دعوى أمام المحاكم النمساوية التي أدانت الصحفي بجنحة التشهير.وبعد استنفاد طرق الطعن الداخلية رُفعت دعوى أمام المحكمة الاوربية التي قررت أن إدانة الصحفي من قبل المحاكم النمساوية يشكل تدخلا سافرا وغير متناسب مع ممارسة حريته في التعبير ووصفته أنه غير ضروري في مجتمع ديموقراطي. (Voorhoof D. McGonagle, 2015)
ورغم تكريس القرار حق النقد إلا أن ممارسة الإعلام الإلكتروني يخضع لضوابط قانونية تفرضها المصلحة العامة والخاصة.
2.ضوابط ممارسة الإعلام الإلكتروني في الجزائر
إن الحق في الاعلام وحرية التعبير والنقد من الحريات الأساسية التي تساهم في الديموقراطية والتعددية، بالمقابل تتضمن مهمة الاعلام بالضرورة حدود يفرضها القانون على الصحفيون سواء في الإعلام التقليدي أو في مجال الاعلام الإلكتروني، إلا أنه مع صدور القانون العضوي للإعلام 23/14 والقانون 23/19 المتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية ( الجريدة الرسمية عدد 77 المؤرخة في02 ديسمبر 2023 )، تعزّز تكريس احتكار الدّولة من خلال منح التصاريح، وزادت القيود على حرّيّة الإعلام الالكتروني ما يعيد طرح الجدال بشأن نيّة السّلطة في التّوجّه نحو تحرير القطاع بشكلٍ يحقّق حرّيّة أكبر للتّعبير، تسمح بتأسيس التّعّدديّة والتّنوّع.
ويمكن التمييز في هذا المقام بين الضوابط العامة ( 1.2 ) والضوابط الخاصة (2.2).
1.2. الضوابط العامة لممارسة النشاط الإعلامي الالكتروني
يخضع نشاط الإعلام الإلكتروني لنفس القيود المفروضة على الإعلام التقليدي طبقا لأحكام المادة 03 من القانون العضوي23-14 وإن فرض القيود في القانون الداخلي(2.1.2)، يتماشى مع توجهات القانون الدولي ( 1.1.2).
1.1.2. الضوابط العامة لممارسة النشاط الإعلامي الالكتروني في القانون الدولي
تؤكد المادة19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المؤرخ في 16 ديسمبر 1966 على ما يلي : »لكل انسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة. لكل إنسان الحق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود سواء كان على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ، 1966).
تستبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة، ويجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وضرورية لــــ :
-
احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،
-
حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة أو الآداب العامة.
وتنص المادة 10من الاتفاقية الأوربية لحقوق الانسان (مجلس أوروبا ، 1950) على ضرورة احترام الواجبات والمسؤوليات المفروضة على الصحفي، لذا يجوز إخضاعها لشكليات وشروط وقيود وعقوبات محددة في القانون حسب ماتقتضيه الضرورة في مجتمع ديموقراطي لصالح الأمن القومي وسلامة الأراضي وأمن الجماهير وحفظ النظام ومنع الجريمة، وحماية الصحة والآداب واحترام حقوق الآخرين، ومنع إفشاء الأسرار أو تدعيم السلطة وحياد القضاء. وتضيف المادة 20 من نفس العهد الدولي قيود أخرى، حيث تعتبر ممنوعة بقوة القانون الدعاية للحرب أو الدعوة للكراهية الوطنية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز والدعوة إلى العنف.
وفي إطار الدعوة للعنصرية على المستوى الدولي، تم إدانة عدة صحفيين لرفضهم الاعتراف بجرائم روندا وهو ما حصل للصحفية ناتاشا بولوني التي أُحيلت أمام محكمة باريس الجنائية لاتهامها بإنكار الإبادة الجماعية التي حصلت في رواندا خلال بث على قناة France inter في 18 مارس 2018.وعلى إثر هذه التصريحات وبأمر صادر في 11 ديسمبر 2020، وجّه قاضي التحقيق للصحفية تهمة « الطعن في وجود جريمة ضد الإنسانية بالقول أو الكتابة أو الصورة أو وسائل الاتصال للجمهور، وبالوسائل الإلكترونية » (AFP, 2020).
2.1.2. الضوابط العامة في القانون الداخلي
أضحت الصحافة بصفة عامة والإلكترونية بصفة خاصة قوى جبارة مُشاركة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكر والثقافة، حيث تحولت إلى قوة قادرة على توجيه المواقف والسلوك والأذواق، فنظرية الحرية أعيد النظر فيها في القوانين الداخلية نظير ما صار يميز الفضاءات الإعلامية الحديثة من الانحلال الأخلاقي وقذف وتشويه للسمعة وتهديد للأمن، حيث وضعت ضوابط لحماية رموز الدولة(1.2.1.2) والأفراد والمجتمع(2.2.1.2).
-
الضوابط العامة لحماية رموز الدولة : نصت المادة 03 من القانون العضوي 23-14المؤرخ في 27أوت 2023 المتعلق بالإعلام على مجموعة من المبادئ التي يتعين الاحتكام والتقيد بها عند ممارسة نشاط الإعلام لتفادي المساس برموز الدولة، فيتعين ممارسة هذا النشاط في ظل احترام الدستور وقوانين الجمهورية والسيادة الوطنية، ووحدة التراب الوطني، ومتطلبات النظام العام والدفاع الوطني، ومقومات ورموز الدولة، والمصالح الاقتصادية للبلاد، والامتناع عن الإساءة للذاكرة الوطنية، والامتناع عن المساس بالتاريخ الوطني ورموز الثورة التحريرية، والامتناع عن تمجيد الاستعمار. وفي حالة المساس بهذه الثوابت يمكن أن تلجأ السلطة إلى الجهة القضائية المختصة للتوقيف النهائي للنشاط بقرار معجل النفاذ دون توجيه إعذار ( المادة 70 من قانون 23-19 المؤرخ في 2 ديسمبر 2023 المتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية ).
وفي مجال احترام أمن الدولة والدفاع الوطني، رُفعت قضية أمام المحكمة الأوربية بخصوص صحفي تركي انتقد العديد من الجنود المتقاعدين رفيعي المستوى، حيث استمرت القضية مدة 6 سنوات تقريبا، وهو ما اعتبرته المحكمة الأوربية مساسا بحرية التعبير بما يتعارض مع أحكام المادة 10 من اتفاقية حقوق الانسان، بالمقابل برّرت السلطات التركية الحكم على الصحفي لمساس المقال بثقة المواطن التركي بالسلطات الوطنية، فردّت المحكمة الأوربية أن المواطن لديه اهتمام عند تلقي توضيح بخصوص مؤسسات الدولة، وأن هذه المصلحة تفوق الاهتمام بالحفاظ على ثقة الجمهور بهذه المؤسسات ( Alexandra de Thier, 2016-2017). -
الضوابط العامة لحماية الأفراد والمجتمع : إن سهولة الولوج إلى الفضاءات الافتراضية للاطلاع على الصحف الالكترونية، ساهم في ظهور أخطاء في حق الفرد والمجتمع من قذف وانتهاك الحياة الخاصة للأشخاص والعنصرية، والمساس بقيم المجتمع وعاداته ونشر الرذيلة وإشاعة الانحلال بما يهدد النسق القيمي والوحدة المجتمعية. وتضمن القانون العضوي 23-14 المتعلق بالإعلام مجموعة من المبادئ لحماية الأفراد والمجتمع، حيث أكدت المادة 35 فقرة 10 من قانون23-14 على أنه « يجب على الصحفي الامتناع على وجه الخصوص عن : ». .نشر أو بث صور أو أقوال أو إشارات أو إيماءات غير أخلاقية أو صادمة لمشاعر المواطن « .
-
منع القذف : اتفقت أغلب التشريعات ومنها القانون الجزائري على تجريم القذف لأن فيه مساس بشرف الأشخاص واعتبارهم خاصة الذي يرتكب من طرف الاعلام لأنه يترتب عليه إذاعة الأمور الماسة بالفرد على أكبر نطاق ممكن، وبالتالي يزداد الضرر.
خلافا لأحكام القانون العضوي 12-05 الذي نص صراحة في المادة 92 فقرة 10 على امتناع الصحفي عن القذف، لم ينص المشرع في القانون العضوي 23-14 الساري المفعول على ذلك، فهل يعد ذلك تراجعا ؟ الجواب هو لا، لأن هذا الفعل ثابت وصفه كجريمة في قانون العقوبات الجزائري عند توفر الركنين المادي والمعنوي بالمادة 296 التي جاء فيها : » يعد قذفا كل ادعاء بواقعة من شأنها المساس بشرف واعتبار الأشخاص أو الهيئة المدعى عليها به أو إسنادها إليهم أو إلى تلك الهيئة، ويعاقب على نشر هذا الادعاء أو ذلك الاسناد مباشر أو بطريق إعادة النشر حتى ولو تم ذلك على وجه التشكيك أو إذا قصد به شخص أو هيئة دون ذكر الاسم ولكن كان من الممكن تحديدهما من عبارات الحديث أو الصياح أو الكتابة أو المنشورات أو اللافتات أو الإعلانات موضوع الجريمة « .
لكن الملاحظ من خلال المادة 296 من قانون العقوبات، استخدام مصطلحات عديدة كالمساس بالشرف، والاعتبار، والاسناد، وكلها مصطلحات فضفاضة تفتح المجال للمتابعات الجزائية بطريقة واسعة، وبخصوصها نصت المادة 144 مكرر المعدلة من قانون العقوبات على معاقبة كل من أساء لرئيس الجمهورية بعبارات تتضمن إهانة أو سبا أو قذفا سواء كان ذلك عن طريق الكتابة أو الرسم أو التصريح أو بأية آلية لبث الصوت أو الصورة أو بأية وسيلة إلكترونية أو معلوماتية أو إعلامية أخرى بغرامة من 100.000د ج إلى 500.000دج وتباشر النيابة العامة إجراءات المتابعة الجزائية تلقائيا، وفي حالة العود تضاعف الغرامة.
والملاحظ أنه رغم اختلاف تكييف الأفعال التي تتراوح بين، الإهانة أو السب أو القذف لشخص رئيس الجمهورية، ومهما كانت الوسيلة المستعملة معلوماتية أو إعلامية أو إلكترونية إلا أن المشرع الجزائري أدرجها في بوتقة واحدة، حيث أن صاحب المقال يطبق عليه نفس العقوبة بغض النظر عن الفعل الذي ارتكبه ودرجة تفاوته.
أما القانون الفرنسي، في حالة الإساءة لا تكيف على أنها مخالفة صحفية إذا تمت في مكان غير عام، بالمقابل تقوم أركانها بالنظر إلى معيار الدعاية، حيث يتجلى التشهير والاهانة أو الإساءة من خلال وسائل الاعلام، أو تكون المادة مكتوبة أو مطبوعة أو موزعة أو عرضت للبيع في الأماكن العامة وأو كانت محل لا فتات وملصقات معروضة للعامة (MAOUENE Mostefa, 2009, p. 12).
ومن التطبيقات القضائية المقارنة في مجال الإساءة، قرار محكمة رين Renne رقم 30540 المؤرخ في 13 فيفري 1985، حيث قضت فيه بأنه يمثل قذفا المصطلحات المكتوبة في الصحافة في مواجهة محامية نُعتت بأنها تلعب دور الممسحة، وهي أحد المخلصين للاستمناء القانوني لأنه تمثل إهانة لشخص المعنية (François-Xavier Gosselin, 1988, p. 215). -
عدم انتهاك الحياة الخاصة للأشخاص :إن ما يسري على انتهاك الحياة الخاصة للشخص الطبيعي يسري على الحياة الخاصة للشخصيات العمومية، وهو ما يفرض على الصحفي التحلي بالاهتمام الدائم لإعداد خبر موضوعي، فلايكون مقبولا، نشر معلومات عن خصوصيات المسؤولين بغير موافقتهم إلا إذا وجدت مصلحة عامة مشروعة تفوق أو تتغلب على الحق في الخصوصية.
غير أنه كثيرا ما يصعب وضع الحدود بين الحياة الخاصة والمصلحة العامة، وفي ذلك قضيتان تستحقان الذكر الأولى تتعلق بالصحيفة الإلكترونية Média part التي نشرت مقتطفات سرية سجّلها وحمّلها خادم مليارديرة شهيرة خلال اجتماعات العمل دون علمها، وكشفت عمليات التنصت عن سلسلة كاملة من الحقائق الخطيرة والتي يمكن تكييفها بالجزائية والمرتبطة بالتهرب الضريبي والتمويل غير المشروع لأحد الأشخاص السياسية (CHEVRY Hugo, 2013-2014).
ويمكن الإشارة إلى حكم قضائي يوضح معنى انتهاك الحياة الخاصة للأشخاص، حيث قرّرت المحكمة الجزائية لباريس في تاريخ 25 أكتوبر 1981، أن حرية التعبير لا تتيح للصحفي التدخل في حياة الأشخاص، حيثيات القضية تتعلق بمجلة أمريكية نشرت بفرنسا مقالا يخص ممثلة متزوجة بكاتب فرنسي يتضمن اتهامات تفيد أن الممثلة حامل من غير زوجها، وهو ما تسبب لهذه الأخيرة بصدمة أودت بحياة جنينها، فأدانت المحكمة الجزائية الصحفي بتهمة التشهير باعتبار أن الأمر تجاوز النطاق العام ليدخل في النطاق الخاص (François-Xavier Gosselin, 1988).
وفي القانون الجزائري، المادة 35 فقرة 12 و13 من القانون العضوي 23-14 المتعلق بالإعلام، تحث الصحفي الامتناع على وجه الخصوص : المساس بصورة المرأة وشرفها وكرامتها، والمساس بالحياة الخاصة للأشخاص وبقرينة البراءة، ويحق لكل شخص يرى أنه تعرض لاتهامات كاذبة من شأنها المساس بشرفه أو سمعته أن يستعمل حقه في الرد أو حق التصحيح (المادة 37 من القانون العضوي للإعلام 23-14)، ويجب على الشخص تقديم الطلب التصحيح أو حق الرد برسالة موصى عليها مرفقة بوصل استلام أو عن طريق محضر قضائي تحت طائلة سقوط الحق في أجل أقصاه 30ثلاثون يوما (المادة 63 من قانون 23-19 المتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية). ويجب على مدير النشر عبر الانترنت لما تكون صحيفة إلكترونية نشر الرد أو التصحيح في نفس ركن النشر وبذات الطريقة واللغة فور استلام طلب موضوع الرد أو التصحيح، ولما تكون خدمات السمعي البصري عبر الانترنت، يوجه الطلب برسالة موصى عليها أو محضر قضائي للسلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري والتي تتولى صياغته وتوجهه إلى مدير خدمة الاتصال السمعي البصري عبر الانترنت الذي يتولى بثه مجانا في أجل 48 ساعة من تاريخ استلامه ( المادة 38 من قانون 23-20 المؤرخ في 2 ديسمبر 2023 المتعلق بالسمعي البصري ). -
منع الإشادة بالعنصرية : عملا بأحكام المادة 38من القانون 23-19 المتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية تلتزم المؤسسة الناشرة سواء كان شخص طبيعي أو معنوي اتخاذ التدابير والوسائل اللازمة لمكافحة المحتوى غير القانوني واخطار الجهات المعنية ومنع النفاذ إليها أو السحب الفوري لهذا المحتوى، لاسيما إذا تضمن التحريض على الكراهية أو العنف أو التمييز على أساس الانتماء الجهوي او العرقي أو الديني أو الرأي السياسي أو نوع الجنس. ويجب على المدير المسؤول عن جهاز الإعلام عبر الانترنت إخطار الجهات المعنية بكل محتوى غير قانوني. وهو نفس توجه المادة 24 من القانون الفرنسي المؤرخ في 29 جويلية 1881، التي أدانت التشهير أو الإهانة أو التحريض أو التمييز او الكراهية أو العنف اتجاه شخص أو مجموعة من الأشخاص بسبب أصلهم أو انتمائهم أو عدم انتمائهم على مجموعة عرقية أو أمة أو دين، كما وضع الآليات القانونية لحظر النشر والتعويض عن الضرر. (Legifrance, 2020)
وتضاربت على المستوى الأوروبي الحدود الفاصلة بين الحق في الإعلام والعنصرية، مما يظهر بوضوح إزدواجية المعايير، وهو ماثبت في قضية الرسومات الكاريكاتورية لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث تمسّكت المحكمة بأن فرنسا مجتمع علماني، يسير فيه احترام المعتقدات جنبا إلى جنب مع حرية انتقاد الأديان، وميّزت المحكمة بين الكفر بالألوهية والذي لا يعاقب عليه القانون، بخلاف الإهانة الموجهة لشخص أو مجموعة من الأشخاص بسبب انتماءاتهم الدينية (Camille Viennot, 2015, p. 271). وتضيف المحكمة أن أول وثاني رسم كاريكاتوري يُظهر رجلٍ مُلتحٍ يمثل بوضوح النبي محمد صلى الله عليه وسلم ممسكا رأسه بيده، إلا أنه يشير فقط إلى الإرهابيين، ومن الخطأ تمسك الأطراف المدنية بعدم احترام العقيدة واستهداف المسلمين لأنه لا يمكن الخلط بين الإرهابيين المتطرفين وسائر المسلمين، أما بخصوص الرسم الثالث يمثل قنبلة تشكل عمامة الرسول ترمز بوضوح إلى العنف الإرهابي في مجتمعنا المعاصر، في حين أن تدوين اعتناق الإسلام على القنبلة التي اشتعلت فتيلها وجاهزة للانفجار يشير بوضوح إلى أن العنف الإرهابي متأصل في الدين، وهو اعتبرته المحكمة استهداف للمسلمين جميعا وليس الإرهابيين فحسب (Camille Viennot, 2015, p. 272).
وقد تفاقمت العنصرية مع جائحة كورونا، فأصبح استخدام كوفيد – 19 وسيلة لنشر العنصرية خاصة اتجاه الأجانب والآسيويين سواء في تقارير وسائل الإعلام (Eleanor Cummis, 2020)، وتصريحات بعض السياسيين على غرار ترامب بأن الفيروس صني ( Human Rights Watch, 2020).
أما في القانون الجزائري، في الحالات العادية لا يجوز المساس بالأشخاص لأسباب عرقية ودينية، حيث نصت المادة 298 فقرة 02 من قانون العقوبات الجزائري : <<ويعاقب على القذف الموجه إلى شخص أو أكثر بسبب انتمائهم إلى مجموعة عرقية أو مذهبية أو إلى دين معين بالحبس من شهر (1) إلى سنة (1) وبغرامة من 10.000د ج إلى 100.000د ج أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا كان الغرض هو التحريض على الكراهية بين المواطنين أو السكان، وتضيف المادة 298 مكرر : » يعاقب على السب الموجه إلى شخص أو أكثر بسبب انتمائهم إلى مجموعة عرقية أو مذهبية أو إلى دين معين بالحبس من خمسة (5) أيام إلى ستة (6) أشهر وبغرامة من 5000إلى 50.000د ج أو بإحدى هاتين العقوبتين « .
وفي ظل جائحة كورونا، صدرت أحكام تشدد العقوبات في حالة نشر خطاب الكراهية، حيث بمفهوم المادة 04 من قانون 20-05 المؤرخ في 28 أفريل 2020 المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتهما، لا يمكن الاحتجاج بحرية الرأي والتعبير لتبرير التمييز وخطاب الكراهية، حيث دون الإخلال بالعقوبات الأشد يعاقب بالحبس من خمس (5) سنوات إلى عشر (10) سنوات وبغرامة من 5.000.000د ج إلى 10.000.000دج المروج لأي برنامج أو أفكار أو أخبار أو رسوم أو صور من شأنها إثارة التمييز والكراهية في المجتمع. وذلك بغض النظر عن أشكال التعبير سواء كانت قولا أو كتابة او رسما أو إشارة أو تصويرا أو غناء أو تمثيل أو أي شكل آخر من أشكال التعبير، مهما كانت الوسيلة المستعملة( المادة 34 من قانون 20-05 المؤرخ في 28 أفريل 2020).
وللتصدي لمروجي البرامج أو الأفكار أو الاخبار التي تثير التمييز والكراهية، نُظمت أحكام قانونية لتتبع المروجين، وذلك بالتعاون مع الجهات المالكة للمنصات الإلكترونية ومقدمي الخدمات، حيث تأمر الجهة القضائية مقدمي الخدمات لوضع ترتيبات تقنية تسمح بسحب أو تخزين هذه المحتويات أو جعل الدخول إليها غير ممكن( المادة 24 من قانون 20-05، والمادة 12 من قانون 09-04 المتضمن القواعد الخاصة للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها). -
عدم المساس بقيم المجتمع وتقاليديه : نصت المادة 35 من القانون العضوي 23-14 على مايلي : »يجب على الصحفي الامتناع على وجه الخصوص عن :. ..نشر أو بث صور أو أقوال أو إشارات أو إيماءات غير أخلاقية أو صادمة لمشاعر المواطن« . يتبين أن القائم بالإعلام تقع على عاتقه مسؤولية أخلاقية أمام المجتمع تحيله إلى تجنب نشر مقالات تشجع على ارتكاب الفحشاء وإشاعة الانحلال والخروج عن الآداب العامة، وهو مبدأ ثابت في القانون الجزائري الذي فرض في المادة 03 فقرة 03 من القانون العضوي 23-14 على ممارسة نشاط الاعلام في ظل احترام الهوية الوطنية والثوابت والقيم الدينية والأخلاقية والثقافية للأمة.
2.2. الضوابط الخاصة لممارسة نشاط الإعلام الإلكتروني
تكشف القراءة المتأنية للقانون العضوي للإعلام رقم 23-14، وقانون الصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية رقم 23-19، أنه تم فرض مجموعة من الشروط منها ما يتعلق بالشروط المسبقة لممارسة نشاط الإعلام عبر الانترنت(1.2.2) ومنها ما يرتبط بكيفيات ممارسة نشاط الإعلام عبر الانترنت (2.2.2). إلا أن فتح المجال للمنصات الإلكترونية الخبرية والمتخصصة بالجزائر وتوسيع هامش الحرية الإعلامية، فرض التشديد في القيود لتبلغ ذروة التقييد المفرط بما يهدد رسالة الإعلام الإلكتروني (3.2.2)، وذلك بحجة محاربة الأخبار الكاذبة خاصة في ظل جائحة كورونا بما يُعرض الحريات والمظاهر الديموقراطية للخطر.
1.2.2. الشروط المسبقة لممارسة نشاط الإعلام عبر الانترنت
لممارسة الصحافة الإلكترونية، وبعد أن كان سابقا إيداع التصريح يتم على مستوى السلطة المكلفة بالصحافة الإلكترونية (المادة 22 من المرسوم التنفيذي 20-332)، يتعين على مدير النشر إيداع طلب تصريح موقع أمام الوزير المكلف بالاتصال، حيث أن تسليم وصل إيداع التصريح باسم المؤسسة الناشرة يعد بمثابة الموافقة على الصدور.وفي كل الأحوال وصل إيداع التصريح غير قابل للتنازل (المادة 28 فقرة 3 من قانون 23-19). وهو مايشكل عقبة أمام الاستثمار في قطاع الإعلام والاتّصال لأنها تحول دون بيع عناوين الإعلام، ولا يشجّع أي رجل أعمال في التّفكير لاقتحام هذا المجال. وفي حالة التنازل يمكن أن تلجأ السلطة القضائية المختصة للتوقيف النهائي لنشاط الصحيفة الإلكترونية بقرار معجل بالنفاذ لعدم الامتثال لإعذار سلطة ضبط الصحف المكتوبة والصحف الإلكترونية وتعليق نشر الصحيفة الإلكترونية لمدة 30 يوما(المادة 69 من قانون 23-19 ).
من جانب آخر، يخضع ممارسة نشاط الإعلام عبر خدمة الاتصال السمعي والبصري عبر الانترنت إلى رخصة مسبقة يسلمها الوزير المكلف بالاتصال(المادة 8 فقرة 2 من القانون العضوي 23-19). وتؤكد هذه التدابير التضييق أكثر على الصحافة الإلكترونية، لأنها تجسد مركزية الإنشاء، كما يطرح التساؤل حول فعالية إنشاء سلطات الضبط.
ويتضمن ملف التصريح بنشاط الصحافة الإلكترونية حسب المادة 29 من القانون 23/19 مجموعة من المعلومات كما يلي :
عنوان وموضوع الصحيفة الإلكترونية، لغة أو لغات الصحيفة الإلكترونية، اسم ولقب وعنوان مؤهلات مدير النشر، الطبيعة القانونية للمؤسسة الناشرة، اسم ولقب وعنوان المالك أو المساهمين أو الشركاء في المؤسسة الناشرة، مكونات رأسمال المؤسسة الناشرة ومصدره، واسم المستضيف وعنوانه، مع التراجع عن فرض شرط السند القانوني لشغل المحلات باعتبار أنّ الإعلام الإلكترونيّ ليس بحاجة إلى محل أو مقرّ اجتماعيّ الذي اختصرته التكنولوجيا في هاتف محمول أو لوحة إلكترونية أو جهاز كمبيوتر.
وابتداء من تاريخ التصريح، يجب أن تصدر النشرية الإلكترونية في مدة أقصاها ستة (6) أشهر باللغتين الوطنيتين الرسميتين أو احداهما، ويمكن إصدار النشرية بلغة أجنبية بعد موافقة الوزير المكلف بالاتصال (المادة 11 من قانون 23-19)، وفي حالة عدم الصدور غير المبرر خلال أجل 6أشهر يعتبر التصريح لاغيا(المادة 15و32 من قانون 23/19 المتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية).وقبل استضافة الموقع ونشر الصحيفة عبر الانترنت، يجب على مستضيف الصحيفة الإلكترونية أن يطلب من المؤسسة الناشرة وصل إيداع التصريح الذي يعد بمثابة الموافقة على الصدور. ( المادة 36 من قانون 23/19 )وفي حالة التوقف غير المبرر للصحيفة الإلكترونية لمدة ثلاثة (3) أشهر توجه سلطة الضبط إعذار لوسيلة الإعلام المعنية بغرض الامتثال في الأجل المحدد، وفي حالة عدم الامتثال يعلق نشر الصحيفة الإلكترونية لمدة أقصاها ثلاثون (30) يوما، أو يتم التوقيف المؤقت لنشاط الصحيفة الإلكترونية بقرار معجل النفاذ أمام الجهة القضائية المختصة (المادة 37 من قانون 23/19)، وهو الذي يثير مسألة التوقف الناجم عن الأعطال التقنية والهجمات الإلكترونية التي يجب تبريرها بالوسائل المتاحة، وعدم تنظيم مسألة الانتقال لموقع آخر في حالة أن المستضيف هو مصدر هذا التّوقّف.
2.2.2. كيفيات ممارسة نشاط الإعلام عبر الانترنت
تكشف قراءة أولية لقانون 23-19 المتعلق بالصحف المكتوبة والصحف الإلكترونية واستغلال خدمة السمعي البصري عبر الانترنت، أن كفة الشروط والالتزامات تفوق كفة الحقوق، والتي يمكن تصنيفها إلى شروط ترتبط بوجوب حيازة رأس مال وطني (1) وشروط ترتبط بالموقع الإلكتروني ( 2).
-
وجوب حيازة رأس مال وطني : في الباب الثالث من القانون العضوي 23-14 المعنون الأحكام المشتركة لوسائل الإعلام، تنص المادة 9 على ما يلي : »يجب على كل وسيلة إعلام أن تصرح وتثبت حيازة رأس مال وطني خالص ومصدر الأموال المستثمرة وكذا الأموال الضرورية لتسييرها، وفق الكيفيات المحددة في القانون المتعلق بالصحافة الإلكترونية والقانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري.
علاوة على ذلك، يجب على كل جهاز للإعلام عبر الانترنت مستفيد من دعم مادي مهما كانت طبيعته، أن يكون له ارتباط عضوي بالهيئة المانحة للدعم، ويجب بيان هذه العلاقة. وفي كل الأحوال يمنع الدعم المادي المباشر وغير المباشر الصادر عن أية جهة أجنبية أو تلقي مساعدات من وسائل إعلام لا تكون لها ارتباط عضوي بالهيئة المانحة. وفي حالة ثبوت الاستفادة من تمويل أو مساعدات مالية من هيئة أجنبية أو تلقي مساعدات بصفة مباشرة أو غير مباشرة دون أن يكون لها ارتباط عضوي بالهيئة المانحة يعاقب بغرامة من مليون دينار 1.000.000د ج إلى مليوني دينار 2.000.000 دج مع إمكانية مصادرة الأموال المخالفة بأمر من الجهة القضائية المختصة (المادة 44 من القانون العضوي 23-14 المتعلق بالإعلام).
ويمنع على كل شخص من إعارة اسمه لأي شخص طبيعي أو معنوي سواء بالتظاهر باكتتاب الأسهم أو باقتناء الحصص بهدف إنشاء وسيلة إعلام تحت طائلة العقوبات الجزائية التي تتراوح مابين مليون دينار(1.000.000 د ج )إلى مليوني دينار(2.000.000 د ج) ويعاقب بنفس العقوبة المستفيد من عملية إعارة الاسم مع التوقيف النهائي لنشاط وسائل الإعلام وغلق المقر ومصادرات التجهيزات ( المادة 45 من القانون العضوي 23-14 ). -
وجوب توفر شروط في الموقع الإلكتروني :وضع المشرع الجزائري جملة من الشروط التي يجب أن تتوفر في الموقع الإلكتروني، حيث تفرض المادة33 من قانون 23-19 على أن نشاط الصحافة الإلكترونية يتم استضافته في موقع إلكتروني موطّن حصريًا ماديًا ومنطقيًا في الجزائر بامتداد اسم النّطاق (dz)، وهو تقييد للحرّيّات في زمنٍ كسرت فيه العولمة كلّ الحدود، واختصرت فيه الكرة الأرضيّة في مساحة هاتف نقّال ذكيّ.
ويتعين حسب مفهوم المادة 35 من قانون 23-19، نشر الصحف الإلكترونية بشكل دائم عبر موقعها الإلكتروني : اسم ولقب مدير النشر، عنوان المقر الاجتماعي والغرض الاجتماعي للمؤسسة الناشرة، رقم تسجيل التصريح، البريد الإلكتروني الخاص بالمؤسسة الناشرة، عدد زوار الموقع.
وفي حالة نشر محتوى غير قانوني، يتعين على المؤسسة الناشرة منع النفاذ أو السحب الفوري له(المادة 38 من قانون 23-19 ).أما في حالة وجود محتوى ناتج عن قرصنة أو اختراق للموقع الإلكتروني لا تتحمل المؤسسة الناشرة مسؤولية المحتويات وعليها اتخاذ التدابير الملائمة للتوقيف المؤقت للموقع بهدف تصحيح الاختراق أو القرصنة. وفي حالة عدم التقيد بالتزاماتها القانونية يتعين على المؤسسة الناشرة بإدراج عبر صحفاتها أو موقعها الإلكتروني كل ملاحظة أو بلاغ يصدر عن السلطة المكلفة بالصحافة الإلكترونية(المادة 72 من قانون23-19 ).
وفي آخر المطاف، يوجد توجه إيجابي حيث أضحى التوقيف المؤقت أو النهائي لنشاط الصحيفة الإلكترونية لا يتم إلا باللجوء للجهة القضائية المختصة الضامن الوحيد للحقوق والحريات العامة ( المواد 68و 96 و70 من قانون 23 -19 المتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية ).
وبغض النظر عن هذه الضمانات القانونية، يمارس الصحفي نشاطه الإعلامي والسيف على رقبته، حيث فُرضت قيود بلغت ذروتها في ظل الأزمة الصحة العالمية ليظل يترنّح بين حرية ممارسة الإعلامية الإلكترونية والتضييق على النشطاء الإعلاميين.
3.2.2. فرض قيود وضوابط بلغت ذروتها في ظل الأزمة الصحية العالمية بما يهدد رسالة الإعلام الإلكتروني بالجزائر
في خضم جائحة كورونا، قدمت الحكومة الجزائرية إلى البرلمان في جلسة صباحية واحدة وفي قاعة جلسات شبه فارغة (مراسلون بلاحدود ، 2020)، مشروع القانون رقم 20-06 المعدل لقانون العقوبات، والذي تضمّن في الفصل السادس مكرر أحكام تتعلق بنشر وترويج أخبار أو أنباء تمس بالنظام العام والأمن العموميين.
إن تنظيم بعض الأحكام يثير القلق من عدة نواحي، حيث أدرج قانون العقوبات رقم 20-06، المادة 196 مكرر التي تنص على معاقبة الفاعل بالحبس لمدة سنة إلى ثلاثة سنوات وبغرامة من 100.000د ج إلى 300.000 دج، كل من ينشر أو يروج عمدا بأي وسيلة كانت أخبار أو أنباء كاذبة أو مغرضة بين الجمهور يكون من شأنه المساس بالأمن العمومي أو النظام العام وتضاعف العقوبة في حالة العود.
إن توقيع عقوبات جزائية على نشر أو الترويج لمعلومات بناء على مصطلحات مبهمة وغامضة غير متوافق مع حرية التعبير المضمونة دستوريا لأن أي جريمة يجب تعريفها بوضوح في القانون ليسهل تفسيرها من قبل المحاكم. ويعني شرط الدقة والوضوح تحديد شروط الحرمان من الحرية في القانون، بحيث يمكن لأي شخص أن يعرف الأفعال الإيجابية والسلبية التي يتحمل المسؤولية عنها(MARILLER, 2008, p. 471). وحجتنا المتينة لعدم وضوح القاعدة القانونية بما يتنافى مع تحقيق الأمن القانوني، عدم وجود تعريف واضح للمعلومات أو الاخبار الكاذبة بما يمنح سلطة غير متناسبة وسلطة تقديرية واسعة للجهات المكلفة بالمراقبة ويسمح لها بقمع المحتوى النقدي والمعلومات المثيرة للجدل، كما أن مصطلح الأمن العمومي أو النظام العام معايير مطاطة يصعب تحديدها.
ولوضع الحدود الفاصلة بين الأخبار الصحيحة والكاذبة، أشارت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في القرار رقم 25181/49 المؤرخ في 25 أوت 1998 قضية هيرتل Hertel ضد سويسرا أنه في مجال يكون فيه اليقين غير محتمل، يكون مفرطا بشكل خاص التمسك بحرية التعبير عند نقل الاخبار غير المؤكدة وغير الصحيحة، حيث أن القضية تتعلق بنشر أخبار عن أبحاث متعلقة بمخاطر صحية لاستخدام الميكروويف، حيث أدان الباحث استخدام هذه الأجهزة بعبارات قوية واستفزازية، وهو ما تناقلته بعض الصحف ( Mourron philippe , 2020).
خاتمة
يلعب الإعلام الإلكتروني الذي يجسد المصداقية دورا بارزا للتصدي أمام تداول الأخبار الزائفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال بث برامج توعوية وإعلامية موثوقة خالية من التزييف والتهويل، لكن لا يختلف اثنان بأن ممارسة الاعلام الالكتروني في الجزائر أو في النظم المقارنة ليس مطلقا، وأن ممارسته لا يجوز أن يخلو من الضوابط الذي يخضع له الإعلام التقليدي، بما يضر بمقومات المجتمع والإخلال بمبادئه العليا، ولهذا ينبغي تحقيق التوازن في النظام القانوني للإعلام، فلا ينبغي أن يبْلغ مبلغ التقييد المفرط، ولا يُرخى ليفتح المجال للإعلام الفوضوي، فتصبح مهنة الصحافة مفتوحة الأبواب وغير محمية.
لكن المخاوف تزداد اليوم في اتجاه آخر، حيث أن السلطات في الأنظمة التي لم تنضج فيها التجربة الديمقراطية تميل غالباً إلى إعاقة المسار الديمقراطي وإلغاء مبدأ الشفافية ومبدأ حرية التعبير، فلا يجب استغلال القوانين لقمع حرية الآراء والتعبير وتكميم حرية الإعلام، لأن الصحافة خاصة المستقلة أمر حيوي في المجتمعات الديمقراطية فهي القوة الدّافعة وراء الحق في التماس المعلومات والآراء ونقلها وتلقيها؛ وتسمح بوضع الشفافية والمساءلة في صلب إدارة الشؤون العامة والمسائل الأخرى المتعلقة بالمصلحة العامة؛ وتشكّل العصب الذي يغذي مشاركة الجميع الكاملة والمستنيرة في الحياة السياسية وعمليات صنع القرار.
وبعد دراستنا للترسانة القانونية المرتبطة بالنشاط الإعلامي الإلكتروني، يتبين تخفيف كفّة الالتزامات في ظل القانون العضوي للإعلام 23-14، والقانون 23-19 المتعلق بالصحافة والصحافة الإلكترونية والقانون 23-20 المتعلق بالسمعي البصري مقارنة مع القانون العضوي للإعلام 12-05 والمرسوم 20-323، حيث تكشف القراءة المتأنية توجٌّه إيجابي من خلال تكريس القضاء كضامن وحيد للحقوق والحريات العامة، والدليل أن التوقيف المؤقت أو النهائي لنشاط الصحافة الإلكترونية لا يتم إلا عن طريق القضاء، كما أنه تم إلغاء العقوبات السالبة للحرية، ومع ذلك، يجب ألا يُقرأ النص الجديد بمعزل عن قانون العقوبات، الذي يحتوي على عدة مواد تعاقب على جرائم التعبير غير العنيف، حيث صدر قانون 20-06 المعدل لقانون العقوبات ليدرج في الفصل السادس مكرر المادة 196 مكرر لتسلب الحرية بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، كل من ينشر أو يروج عمدا بأي وسيلة أخبار أو أنباء كاذبة أو مغرضة بين الجمهور تمس بالأمن العمومي والنظام العام، حيث نخشى اتخاذ قانون مكافحة الأخبار الزائفة حجةً ومدخلا للحد من حرية الإعلام من خلال سن تشريعات تقيد الحقوق والحريات، كما أن أغلب مواد القانون العضوي 23-14 والقانون 23-19ورد فيها : « يجبُ »، « يتعيّن »، « يُمنع »، وهي كلها مواد تنظر بعين الريبة والشك إلى مواقع الأخبار الإلكترونية.
وانطلاقا من فكر مفاده بأنّ من يتحكّم في الإعلام يتحكّم في النّظام العام وفي استقراره، تضييق الخناق لازال قائما على كلّ من يفكّر في الاستثمار والمساهمة في إنشاء أيّ موقع للصّحافة الإلكترونيّة، كما يقلّل كثيرًا من المصادر التي يمكنها تمويل المواقع الإلكترونيّة لأنه يمنع تحت طائلة العقوبات الجزائية التمويل و/أو المساعدات المادية المباشرة وغير المباشرة من أيه جهة أجنبية، ما يحكمُ عليه بالبقاء متخبّطا في مصاعبه المادّيّة، ويُعيقه عن التّطوّر.
التوصيات
-
ينبغي مراجعة قانون العقوبات لضمان توافق الإجراءات التي تحكم حرية الإعلام وحرية التعبير ولهذه الغاية، نوصي برفع القيود المفرطة، وإدخال تدابير بديلة لمكافحة المعلومات الكاذبة تكون أقل تقييدًا لحرية التعبير.
-
وضع إطار قانوني يكون راسخاً بقوة ويوفّر حماية متينة لحرية الرأي والتعبير، يتواءم مع المعايير الدولية وضرورة نزع الصفة الجرمية عن الاهانة وإلغاء والترويج لأخبار كاذبة، لأن استخدام هذه القوانين يعد بمثابة إضفاء الشرعية على العنف الممارس في حق الصحفيين الذين يجاهرون بآرائهم سواء على الإنترنت أو في وسائط أخرى.
-
يقع على عاتق الحكومة التزام دولي بتزويد الجمهور بإمكانية الحصول على معلومات دقيقة عن التهديدات الصحية، بما فيها طرق الوقاية منها ومكافحتهاو. قد تؤدي القيود غير المتناسبة على حرية التعبير إلى صعوبة مواجهة المعلومات المُضلِّل.
-
ضرورة نص القانون العضوي 23-14 بصفة صريحة على حق الصحفي في التغطية الإخبارية لمختلف الأحداث والوقائع، مع حق السلطات في فرض السرية على بعض أنواع من المعلومات مع تجنب المصطلحات المطاطة.
-
ضرورة النص على حق الصحفي في النقد الذي يرمي إلى تحسين تنظيم المصالح العمومية دون أن يتعدى النقد البناء.
-
إحلال مواد قوانين الإعلام صراحة محل مواد قانون العقوبات فيما يتعلق بجرائم التعبير غير العنيف، سواء ارتكبها صحفيون أو أفراد آخرون. سيضمن ذلك أن تكون الأسبقية لقوانين وسائل الإعلام ويوفر إطاراً قانونياً يدعم حرية التعبير ويحمي الصحفيين من التجريم أو السجن غير المبرر.
-
أخيرا، يتطلب تطور هذه الصحافة منصة تكنولوجية متطورة للغاية، مما يسهل المعاملات المالية عبر الإنترنت. ومع ذلك، في الجزائر لم يتم تطوير هذه المنصة بشكل كافٍ. بالنسبة لمواقع الأخبار الرقمية وحتى للصحف الورقية، فإن تقديم النموذج المدفوع ليس ممكنًا، على المدى القصير، حتى يتم تطوير الدفع عبر الإنترنت بشكل كافٍ.