مقدمة
شهد عالمنا اليوم تحولات كبيرة بعد ثورة الاتصالات وتكنولوجيات الاعلام والاتصال، والتي غزت حياتنا وبيوتنا ومختلف أنشطتنا، وأصبحنا نعيش في مجتمع المعلومات، الذي تتداول فيه المعلومات والأنشطة والاتصالات بشكل رقمي، وهو ما عزز من نمو بيئة رقمية تحاصرنا في كل مكان وزمان وتتغلغل في استخداماتنا الاتصالية والترفيهية والعملية والاجتماعية، إلى درجة اندماجها بشكل طبيعي في حياتنا اليومية.
ولا شك أن المتأثر الأول بتبعات هذه البيئة الرقمية هو الانسان، حيث أشارت العديد من الدراسات لمخاطر البيئة الرقمية خصوصا في حالات الاستخدام المفرط أو الاستخدام غير الواعي وغير الانتقائي، ومست هذه الاثار مختلف شرائح المستخدمين وطالت تهديدات البيئة الرقمية فئة الأطفال الذين أصبحوا يستخدمون وسائط البيئة الرقمية في مراحل مبكرة جدا، وهو ما يدق ناقوس الخطر خصوصا بعد ظهور العديد من الامراض والمشكلات النفسية المرتبطة بالبيئة الرقمية وعلاقتها بالطفل، ونخص بالذكر طيف التوحد، حيث نجد أن معدلات الانتشار هي في تزايد مستمر من سنة إلى أخرى.
« وكان هذا التزايد ملفتا للانتباه ابتداء من إدخال متلازمة أسبرجر ضمن المتلازمة التوحدية سنة 1990، فعدة تفسيرات جيئت بها لتبرير هذا التزايد الكبير في عدد المصابين بالتوحد، بعض الدراسات أرجعت الأمر إلى العواقب الناتجة عن اللقاح الثلاثي الخاص بالحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، في عام 2019 أكدت دراسة دانماركية جديدة واسعة النطاق، أجراها( Hviid وزملاءه2019) تمت خلالها متابعة جميع الأطفال الدنماركيين المولودين لأمهات دنماركيات بين عامي 1999 و2010 أي (أكثر من 650.000) حتى عام 2013، وقد تم أخذ العديد من البيانات في الاعتبار، لا سيما التاريخ العائلي للتوحد، وعمر الوالدين، والتدخين أثناء الحمل، والولادة المبكرة المحتملة، و معامل Apgar عند الوالدة، تقييم، حيوية الرضيع، ووزن الولادة ومحيط الرأس. أكدت الدراسة أن التطعيم ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية ROR ،لا يزيد من خطر الإصابة بالتوحد، ولا يؤدي إلى التوحد عند الأطفال الذين يعانون من عوامل الخطر، الذي يرتبط بحدوث مجموعات من التوحد في أو قات معينة بعد التطعيم »(,2019 ;p513-520, Hviid. et al (
تفسيرات مختلفة تتراوح بين العوامل الجينية، والعوامل البيئية المحفزة والعوامل البيو كيميائية، غير أنه لحد اليوم لم يتم تحديد سبب محدد ورئيسي لإنتشار هذا المرض، وتبقى تخمينات الباحثين من مختلف التخصصات تحتاج لإجراء دراسات لإختبار علاقة التوحد بمجالاتها، ففي مجال الإعلام والاتصال ظهرت فرضية أن الشاشات ووسائل الإعلام الرقمية والتقليدية تعتبر كأسباب محفزة لظهور هذا المرض، ففي ظل التطور الكبير في عالم التكنولوجيا وظهور العديد من الأجهزة الإلكترونية الحديثة باختلاف أحجامها وأشكالها والتي أصبحت في متناول يد الأطفال في أي مكان وزمان، نشأت هذه العلاقة الوثيقة بين الطفل وجهازه الإلكتروني.
« وأكدت دراسة أصدرتها منظمة اليونيسيف أن 157 ألف طفل يدخلون يوميًّا للمرة الأولى إلى العالم الرقمي؛ أي بمعدل طفل جديد كل نصف ثانية، وقد أصبح هناك طفل بين كل 3 مستخدمين للإنترنت »( اليونسيف،2023، https://sabq.org/stations/hkj823)، وتشمل هذه الاستخدامات وسائل رقمية متعددة تشمل الكمبيوتر، أقراص مضغوطة، أجهزة رقمية أخرى كجهاز الفيديو الرقمي والتلفزيون الرقمي، و 4MP وأجهزة الألعاب الإلكترونية مثل : بلايستيشن Playstation وإكس بوكسXbox، ونينتندو Nintendo وغيرها من أجهزة الألعاب الإلكترونية التي يتصدرها الكمبيوتر والهاتف المحمول »)دياب،2006 : ص93)
وفي ظل هذا التطور التكنولوجي الهائل أخذ يرافقه زيادة عدد الأطفال الذين تم تشخصيهم بالإصابة بطيف التوحد المكتسب في الآونة الأخيرة، يُعد بعض الباحثين أن الأجهزة الإلكترونية ومنها التلفاز محفز للأطفال المهيئين الذين لهم استعداد عضوي لاستقبال اضطراب طيف التوحد، فالتلفاز والوسائط الرقمية يفاقم هذه المشكلة إذ يصنع للطفل عالمه الخاص فيعزله عن العالم المحيط عوضًا عن تحفيزه للتفاعل مع العالم الخارجي، إذ يؤثر اضطراب طيف التوحد في كيفية إدراك الطفل للآخرين والاندماج معهم، ويتجلى هذا الاضطراب في جوانب أساسية من نموه، مثل : التفاعل، والتواصل، والسلوك الاجتماعي.
إلا أن ما هو مؤكد في الدراسات أن الإفراط في استخدام الوسائط الإلكترونية واللوحات الرقمية يحمل مخاطر جسدية ونفسية تحد من تطور الطفل ونموه، فيعاني الطفل من مشكلات نفسية تشمل اضطرابات عقلية أو سلوكية أو عاطفية، فإستخدام وسائط البيئة الرقمية في مرحلة الطفولة المبكرة تصيب الأطفال بمشاكل نفسية تصاحبهم في مختلف مراحلهم العمرية وتعيق نموهم السليم، فكثيرا ما ترتبط تأثيرات وسائط البيئة الرقمية بالمشكلات النفسية العقلية مثل اضطرابات القلق، اضطرابات نقص الانتباه وفرط النشاط، واضطرابات السلوك التخريبي، واضطرابات الأكل والنوم، والاضطرابات العاطفية، أما أبرز الاضطرابات السلوكية فتشمل : اضطرابات السلوك العدواني العنيف، والكذب، والتلاعب، والتقمص، نتيجة الاندماج في البيئة الرقمية ...
حيث
«أكد المختصين في الطب النفسي والعقلي أن أكبر المخاطر التي تهدد تطور البنية الذهنية لدى الطفل، ترتبط بالأجهزة الإلكترونية المزودة بالشاشات التي تستخدم للترفيه، فكلما بدأ استخدام هذه الأجهزة مبكرا تزداد خطورة عواقبها في تطور الوظائف العقلية، ليعاني الطفل من التأخر في تطور الكلام، وتشتت الانتباه وضعف الذاكرة والتفكير، ويظهر تأثيرها بصورة واضحة في قدرة الطفل على استعداده للتعلم والتطور في المدرسة» (مقابلة مع أطباء مختصين،2023)
انطلاقا مما سبق تولد لدينا الحافز لإجراء دراسة ميدانية للتعرف على العلاقة بين البيئة الرقمية وانتشار طيف التوحد من منظور المختصين في الطب النفسي والأرطفونيين، خصوصا بعد الانتشار المتنامي لطيف التوحد بشكل كبير في المجتمع الجزائري «فحسب أخر الإحصائيات ارتفع العدد المصرح به في سنة 2004 إلى الضعف من 40000 حالة إلى 80000 حالة» (حديدان،2020، Asp.dz ,/ar /societe /5689763000 )
وحسب الوكالة الوطنية للأنباء فعدد المصابين لسنة 2019 لوحدها حسب الإحصائيات المصرح بها من الهيئات المعنية بلغ 2963، نسبة 16℅ مرحلة التكفل المبكر» (واج،2019، APS.dz ,/ar /societe /568976300)
» بالنسبة للأطفال ذوي التوحد الذين تم إحصائهم في أقسام الدراسة العادية بلغ عددهم 4778 تلميذ، وفي الأقسام الخاصة 1057 تلميذ خلال السنة الدراسية 2019 – «2020. (بندو،2021، https://alemelahdaf.com/2021/05/02/)
« تُقدر منظمة الصحة العالمية نسبة انتشار مرض التوحد بـ 1 % لدى سكان العالم، يذكر بأنه يوجد في الجزائر التي بلغ عدد سكانها 45.02 مليون نسمة في 1 يوليو ضمن مليون ولادة سنويًّا، أكثر من 450.000 شخص مصاب بالتوحد. تشكل هذه المسألة بذلك مصدر قلق كبير للسلطات المسؤولة عن الصحة والتعليم. يستدعي الأمر أيضًا تحسين الكشف والتشخيص والتكفل بالأشخاص المصابين بالتوحد، بما يتماشى والتوصيات الدولية» (منصة التوحد في الجزائر، 2023، https://autisme.sante.gov.dz)
حيث بناءا على ملاحظاتنا حول الموضوع أردنا التأكد من فرضية أثر البيئة الرقمية كعامل بيئي أساسي مؤثر في زيادة إنتشار طيف التوحد وتعميق حالاته وتعزيزها، وللإجابة عن هذه الإشكالية توجهنا لعينة من المختصين في الطب النفسي والأرطفونيين للتعرف على أراءهم وخبراتهم حول للإجابة عن هذه الإشكالية، لذلك حددنا مجموعة من الفرضيات تفسر هذه العلاقة تتمثل في :
-
فرضية 1: توجد علاقة بين استخدام وسائط البيئة الرقمية وتعزيز طيف التوحد وتعميق مستوياته.
-
فرضية 2: توجد علاقة بين استخدام وسائط البيئة الرقمية وضعف التواصل اللغوي لطفل التوحد.
-
فرضية 3: قد تؤثر وسائط البيئة الرقمية بشكل إيجابي من خلال استخدامها الموجه من طرف الأطباء المختصين والأولياء.
تهدف هذه الدراسة إلى استكشاف العلاقة المعقدة بين البيئة الرقمية وطيف التوحد، من خلال التركيز على الجوانب التي قد تساهم في تعميق حالات التوحد أو تخفيفها. تسعى الدراسة إلى تقديم فهم شامل للمشكلة عبر استقصاء آراء مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك الأولياء والمختصين. وفي هذا السياق، تحددت الأهداف الرئيسية للدراسة كما يلي:
-
اختبار العلاقة بين البيئة الرقمية كمتغير مستقل يؤثر في تعميق حالات التوحد وتعزيزها.
-
التعرف على الأسباب الأساسية في انتشار طيف التوحد.
-
فهم مدى إدراك الأولياء للعلاقة بين استخدام البيئة الرقمية والتوحد.
-
التعرف على رأي المختصين في أثر البيئة الرقمية على التوحد بشكل عام.
-
التعرف على رأي المختصين في أثر البيئة الرقمية على المشاكل اللغوية للطفل.
-
حصر الآثار الإيجابية للبيئة الرقمية في مجال علاج التوحد من طرف المختصين.
1. الإجراءات المنهجية
1.1. نوع الدراسة ومنهجها
تندرج هذه الدراسة ضمن البحوث الوصفية التي تهدف لوصف الظاهرة وتحليلها وتفسيرها واستخلاص نتائج بخصوصها، أما المنهج المستخدم فهو المنهج الكيفي، وهو أسلوب بحث يعتمد على وجود حقائق يتم بنائها من خلال وجهات نظر الأفراد المشاركين في البحث، ويسعى للتعمق في الوصف الشمولي للظاهرة، أدواته هي الملاحظة بالمشاركة والمقابلة الحرة المتعمقة، ومقابلة الخبراء (عرابي، 2007: ص195)
تهدف المناهج الكيفية إلى المساعدة على فهم العالم الذي نعيش فيه، ودائما يسعى المنهج الكيفي للإجابة عن العديد من الأسئلة حول تصرف الناس بالطريقة التي يتصرفون بها، وكيف تتشكل الآراء والمواقف، وكيف يتأثر الناس بالأحداث التي حولهم، كما يصف البحث الكيفي الظواهر الاجتماعية ويحاول فهمها فيصف كل ما يتعلق بها بإستخدام التحليل الكيفي. (نجم، 2015: ص ص28، 29)
تم تطبيق المنهج الكيفي في دراسة موضوعنا لفهم أثار البيئة الرقمية من منظور المختصين في الطب النفسي والأمراض العقلية والأرطفونيين، وعلاقتها بانتشار طيف التوحد وتعميق مشكلاته النفسية واللغوية لدى طفل التوحد، تم الاعتماد على أدوات البحث الكيفي للتعمق في فهم أبعاد وأثار هذا الموضوع، من خلال إجراء مقابلات مع مختصين وأولياء وأرطفونيين.
2.1. مجتمع البحث
يتمثل مجتمع البحث في هذه الدراسة في الأخصائيين في الطب النفسي والأرطوفونيين على مستوى العيادات والمستشفيات والمراكز الخاصة بعلاج اضطراب طيف التوحد على مستوى ولاية سطيف، وهي محدودة من حيث العدد، غير أن المركز الأساسي هو وحدة الطب النفسي والعقلي للأطفال والمراهقين بمستشفى الأمراض العقلية عين عباسة سطيف، بالإضافة لمدرسة خاصة بالطب النفسي للأطفال والمراهقين
-
المؤسسة الاستشفائية المتخصصة في الأمراض العقلية عين عباسة سطيف: بعد إجراء دراسة استطلاعية لميدان الدراسة وجدنا أنه توجد مؤسسة استشفائية وحيدة تخصص قسم للتكفل بأطفال التوحد، وهي المؤسسة الاستشفائية المتخصصة في الأمراض العقلية ببلدية عين عباسة، من خلال قسم الطب النفسي للأطفال والمراهقين، وهو مركز جهوي يستقبل المرضى من عدة ولايات مجاورة، تقوم بضمان تكفل نفسي للأطفال المصابين بالتوحد باستعمال تقنيات العلاج والمتابعة
-
وحدة الطب النفسي للأطفال والمراهقين لولاية سطيف: بعد ما كان مقر هذه الوحدة وهو مدرسة الفنون الجميلة سابقا بولاية سطيف مخصص لمشروع إنجاز مركز يشمل مدرسة لتعليم ورعاية الأطفال المتوحدين والتكفل بهم، تبخر هذا الحلم مع ضغوطات المسؤولين وضعف الإرادة الحكومية لتبني المشروع ليتحول المشروع لوحدة بسيطة لإجراء فحوص طبية خاصة بالمراهقين والأطفال المصابين بالتوحد.
-
العيادات الطبية الخاصة بالطب النفسي والعقلي والأرط فونيين: والمتواجدة على مستوى ولاية سطيف وهي محدودوة جدا.
3.1. عينة الدراسة
تم إختيار المؤسسة الاستشفائية المتخصصة في الأمراض العقلية عين عباسة سطيف، وتحديدا قسم الطب النفسي والعقلي للأطفال والمراهقين، كونها المركز الأساسي لاستقبال وعلاج أطفال التوحد وكونها تعالج أكبر نسبة من الأطفال على المستوى المحلي والجهوي، تم اختيار عينة من الأطباء والمختصين لإجراء الدراسة بلغ عددهم 3 أطباء، وبالنسبة للمختصين الأرطفونيين تم التوجه لعيادة خاصة بالدكتورة بوعنداس أسيا طبيبة مختصة في الأرطوفونيا وتم إجراء مقابلة معها.
4.1. أدوات الدراسة
أداة المقابلة:
« تعتبر المقابلة من الأدوات الرئيسية لجمع المعلومات والبيانات في دراسة الأفراد والجماعات الإنسانية، وتعرف المقابلة بأنها عبارة عن محادثة موجهة بين الباحث وشخص أو أشخاص أخرين بهدف الوصول إلى حقيقة أو موقف معين يسعى الباحث لتعرفه من أجل تحقيق أهداف الدراسة، ومن بين الأهداف الأساسية للمقابلة الحصول على البيانات التي يريدها الباحث، بالإضافة إلى التعرف على ملامح أو مشاعر أو تصرفات المبحوثين في مواقف معينة، ويمكن إستخدام المقابلة بشكل فعال في المجتمعات الأمية وفي الدراسات التي تتعلق بالأطفال. » (عبيدات، أبو نصار،1999: ص55)
بالنسبة لنوع المقابلة الذي تم إستخدامه هي مقابلة مقننة من خلال تحضير أسئلة مسبقة وتحديد موعد من الأطراف الفاعلة في الموضوع
« أطباء ومختصين في الطب النفسي والعقلي بوحدة متابعة أطفال التوحد بمستشفى الأمراض العقلية عين عباسة سطيف، من حيث الهدف تعتبر المقابلة التي سنقوم بإجرائها في إطار « المقابلة التشخيصية » وهي التي تستخدم لأغراض تفهم المشاكل وأسباب نشوئها ومؤشراتها وتوجهاتها المستقبلية ومدى خطورتها.» (فوزي، شوكت،2007: ص ص106، 107)
حيث قمنا بإجراء مقابلة مع عينة من المختصين في الطب النفسي والأرطفونيين، من خلال إجراء مقابلات تشخيصية لعلاقة البيئة الرقمية كسبب محفز لانتشار طيف التوحد، والتعرف على خبراتهم كمختصين في هذا لمجال، وأثار البيئة الرقمية بشكل عام على طفل التوحد، وذلك للإجابة عن فرضية البحث الأساسية .
وفي إطار تثمين نتائج مقابلة المختصين قمنا بإجراء مقابلة مع عينة من أولياء أطفال التوحد الذين صادفناهم في قاعة الانتظار بمصلحة الطب النفسي والعقلي، حول تقييهم لأسباب إصابة أبنائهم بالتوحد، ومدى إدراكهم لتأثير وسائط البيئة الرقمية عليهم، تم إجراء المقابلة بتاريخ 25 جويلية 2023
أيضا تم إجراء مقابلة مع مختصة أرطفونية بعيادة خاصة على مستوى ولاية سطيف، للتعرف على أثار البيئة الرقمية على الجانب اللغوي للأطفال، تم إجرائها بتاريخ 8-9- 2023ٍعلى الساعة 15,00
2. الإطار النظري
1.2. مدخل مفاهيمي
1.1.2.مفهوم التوحد
قد إختلفت التعاريف في تحديده ففي البداية عرف أنه إعاقة انفعالية، ومنذ سنة 1980إعتبرته التصنيفات العالمية على أنه اضطراب شامل في النمو، وفي سنة 1994 إعتبر التوحد أحد أشكال الاضطرابات النمائية، أو متلازمة إسبر وريت. ( نصر، 2002 : ص ص16-19)
التوحد كما
«وصفه عبد المناف الجادري وأسيل الجادري2019، بأنه اضطراب نمائي عصبي تبدأ مؤشراته بالظهور في السنوات الأولى من عمر الإنسان لدى كلا الجنسين، ولجميع الأعراق البشرية في مناطق العالم، ولقد تلقى التوحد اهتماما كبيرا من الباحثُين وقلقا من الأباء ومقدمي الرعاية، ومنذ أن شخصه الدكتور ليو كانر 1943، استمرت الخلافات منذ ذلك العام حتى يومنا هذا حول تصنيف التوحد وتسميته وطبيعته ومسبباته وتشخيصه وكيفية علاجه، ومع أن المصطلحات مازلت متغيرة والفرضيات الجديدة تتطور باستمرار، إلا أنه لم يتوصل إلى إجماع حوله لكن التقدم في علم الأعصاب والدراسات الوراثية، يزيد الأمال حول إيجاد المؤشرات الحيوية التي تفسر الفيزيولوجيا المرضية، وتطور معايير تشخيصه الأفضل إكلينيكيا، وتوفر طرق علاجية أكثر فاعلية، وحتى حصول مثل هذا التطور سيبقى مفهومنا للتوحد وطريقة تشخيصه وكيفية علاجه مثار جدل» ( الجادري،2019 : ص ص 100 ،114)
« وهو نوع من الإضطرابات النمائية المركبة والذي يظهر في السنوات الثلاثة الأولى من حياة الطفل، وينتج عن اضطرابات عصبية تؤثر في وظائف الدماغ، وتظهر على شكل مشكلات في عدة جوانب مثل التفاعل الاجتماعي والتواصل اللفظي وغير اللفظي، ونشاطات اللعب، وهؤولا الأطفال يستجيبون دائما إلى الأشياء أكثر من استجابتهم للأشخاص، ويضطرب هؤلاء الأطفال من أي تغيير يحدث في بيئتهم، لا يوجد سبب رئيسي للتوحد كما لا يوجد علاج شافي من اضطراب التوحد، وقد يكون لدى التوحديين قدرات خاصة والتدخل المبكر من أفضل الطرق لتحسين حالة الطفل» ( سعيد، دس : ص1)
في حين عرفه سارج إيفر
«على أنه خطأ في عملية النمو يتجلى في اختلال عمليتي الإدراك والتواصل، كما عرفه وولتي على أنه ذلك الاضطراب الذي يتميز بإنعدام التواصل اللغوي والإنفعالي، وشذوذ اللعب والسلوك الذي يغلب عليه طابع النمطية، والتقولب والروتين وردود الفعل العنيفة عند أي تغيير مع وجود الكثير من الحركات الآلية العشوائية». (نجوى، 2012: ص295)
تعرفه الجمعية الأمريكية Autism Society of Amirica : « التوحد هو إعاقة في النمو تتصف بأنها مزمنة وشديدة تظهر في الثلاث سنوات أولى من العمر، وهو محصلة لاضطراب عصبي يؤثر سلبا على الدماغ». (القبالي،2008: ص288)« يظهر الاضطراب إكلينيكيا غالبا بين 2-3 سنوات، بظاهرة ثلاثية الارتباط «اضطراب التنشئة، اضطراب التواصل، اضطراب السلوك.» ( نجوى، 2012 : ص ص 296، 297)
ويندرج طيف التوحد ضمن مظلة الاضطرابات النمائية العصبية، والتي تتضمن إلى جانب فئة اضطراب طيف التوحد الاضطرابات العقلية، واضطرابات التواصل وضعف الانتباه والنشاط الزائد، وصعوبات التعلم المحددة والاضطرابات الحركية، وإسقاط متلازمة ريت من فئة اضطرابات طيف التوحد، وهذا يعني أن التقدم الأحدث في الميدان، تمثل في تغيير البنية التي تتضمنها هذه الفئة، ومعايير تشخيصها وفقا لما تم اعتماده في الطبعة الخامسة. ( ذبيحي، خشاب، 2020 :ص137)
هو الاضطراب الذي اقرته كل من التصنيفين العالميين، التصنيف الدولي لمنظمة الصحة العالمية لاضطرابات CIM، الصادر عن منظمة الصحة العالمية OMS DSM الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الصادر عن الجمعية الأمريكية للأطباء النفسانيين، والذي يقصد به اضطراب نمائي عصبي يتسبب في خلل على مستوى جانبين في النمو التواصل والتفاعل الاجتماعيين، والسلوكيات النمطية الشاذة وغير الاجتماعية، مجهول الأسباب والعلاج ( شليحي، 2021 : ص196)
2.1.2. البيئة الرقمية الجديدة
هي كل التحولات التي ظهرت بظهور خدمات الجيل الثاني للأنترنيت، حيث أحدثت هذه التأثيرات تحولات جوهرية في طبيعة الاتصال الإنساني الجماهيري وعلى طبيعة المجتمعات، التي شهدت تغييرا اجتماعيا متسارعا أحدثته تكنولوجيا الاتصال، مست مختلف مجالات الحياة وقيم الأفراد وتمازجت فيه الثقافات وألغيت المسافات والحواجز، وبدأت تظهر مجتمعات رقمية وافتراضية وصولا لجيل رقمي، وهو ما يعبر عن بيئة رقمية جديدة تتمازج فيها مجموعة من المكونات الأدوات التكنولوجية الحديثة، المستخدمين، الممارسات، والفضاءات الرقمية التفاعلية.
« وتعرف البيئة الرقمية أنها البيئة التي يجري تناول المعلومات خلالها في شكل رقمي من خلال وسائل اتصال جديدة، تتيح الوصول المباشر والكامل للمعلومات، فهي إذن بيئة المعلومات في شكلها الرقمي المتاح على الأنترنت، وقد ورد في اتفاقية حقوق الطفل الصادرة سنة 2021 عن الأمم المتحدة، أن البيئة الرقمية تشمل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بما في ذلك الشبكات الرقمية، والمحتوى، والخدمات والتطبيقات، والأجهزة المتصلة والبيئات، والواقع الافتراضي والمعزز، والذكاء الاصطناعي، والتقنيات الروبوتية، والنظم الألية للتشغيل، والخوارزميات، وتحليل البيانات و الاستدلال البيولوجي، وتكنولوجيا الشرائح الدقيقة ». ( بوفلاقة،2023 : ص56)
« وهي جميع التكنولوجيات الحديثة التي تستعمل في الاتصال بين الأشخاص مثل تجهيزات الإعلام الألي، والبرمجيات والتطبيقات والحواسيب، وتجهيزات المكاتب والشبكات، والهواتف المحمولة والثابتة وغيرها، كما أنها ذلك المزيج من تقنية معالجة المعلومات، وحفظها وتقنية نقل وتوزيع المعلومات، وقد عرفت هذه التقنيات تطورا كبيرا وسريعا في هذا العصر، حيث أطلق عليها عصر المعلومات » ( عيواج، بلبكاي،2020 : ص256)
« والبيئة الرقمية يسميها البعض البيئة التكنولوجية وهي مجموعة من العناصر ذات المهام والاختصاصات المتفاوتة، يتفاعل الانسان معها في مختلف المؤسسات عبر تطبيق التكنولوجيا الجديدة، وتعد شبكة الأنترنيت البيئة الأساسية والمناسبة لإحتضان وإتاحة الدخول إلى المعلومات الرقمية، بحيث توفر مصادر المعلومات والوسائط الرقمية المخزنة في قواعد المعلومات، وتمكن الباحث من الحصول على أوعية ومصادر المعلومات في أي وقت ومن أي مكان.
ومن خلال ما سبق يمكن اعتبار البيئة الرقمية عبارة عن مجموعة من الخدمات التي توفرها شبكات الاتصال والمعلومات والشبكة العنكبوتية » ( بولمناخر،2021 : ص112)
تكون متاحة وسهلة الاستخدام عبر الوسائل الاتصالية الرقمية من حواسيب وهواتف ذكية ولوحات رقمية، وتوفر إمكانات التفاعل والتخزين والنشر والحذف وكل العمليات الاتصالية غير الشخصية .
2.2. الإشكالية السببية لاضطراب طيف التوحد
« أجريت العديد من المناقشات ومئات الدراسات حول العالم بهدف فهم سبب الزيادة السريعة للتوحد منذ التسعينيات، وتم تحديد مجموعة من الأسباب المحتملة حيث تغلب على الدراسات الحالية تأكيدها على العوامل الجينية والعوامل البيو كيميائية، التي تؤثر بصورة مبكرة على الجهاز العصبي المركزي، وكنتيجة لذلك تعمل على حدوث أعراض اضطراب طيف التوحد، بالرغم من البحوث لم يتم لحد الساعة النجاح في التوصل إلى سببية واضحة ودقيقة بإمكانها فك لغز الأعراض الخاصة باضطراب التوحد، وفك لغز الملامح العيادية المتنوعة له، فطيلة أربعون سنة كانت النظرية التحليلية هي السائدة، وقد ارتكزت بالأساس على التفاعلات المبكرة بين الرضيع وأمه، وعلى الرابطة الأمومية وعلى مسؤولية الوالدين، وخاصة الأم في حدوث الاضطراب التوحدي لدى أطفالهم. ولكن منذ التسعينيات، تم تقويض هذه المفاهيم، وحظيت اليوم الفرضيات البيولوجية بتأييد العديد من المهنيين : خاصة الفرضيات الجينية والبيوكيمائية.
على العموم تؤكد أغلبية الدراسات الجينية على وجود استعداد وراثي لمتلازمة التوحد. ومع ذلك، لم يتم لحد الآن تحديد أي جين رئيسي، إذ أن التباين الشديد في الاضطرابات من ناحية، والعدد الكبير من الطفرات المكتشفة من ناحية أخرى، وكذلك وجود عدم تجانس النتائج التي تم الحصول عليها، صعب من مهمة الباحثين في تحديد الجينات الرئيسية، وأكد على وجود تباين جيني كبير موجود داخل هذه المتلازمة. » ( زروالي، 2002 : ص485).
« يصبح الأمر أكثر تعقيدا عندما تتضح أن الطفرات الجينية ليست مورثة لدى %20-10 من المصابين لكنها تظهر بطريقة تلقائية، نفس الأمر بالنسبة للفرضيات البيو كيميائية والتي بالرغم من تعدد الدراسات إلى أن النتائج تظل غير مؤكدة ومحل مناقشة، وذلك لوجود عدة مشاكل ذات طابع منهجي بالخصوص، يمكن أن يرجع عدم تجانس في النتائج لوجود تأثيرات متعددة : متغير العمر ومتغير الجنس وتكوين النظام الغذائي، وعدم التقيد بالضوابط بطرقة صارمة والعمل على مجموعات صغيرة جدا من الأطفال لذلك، لا يمكن استبعاد أن تكون بعض النتائج التي يتم إعادة إنتاجها لاحقا عن الصدفة، أو على العكس من ذلك، فإن الاختلافات الصغيرة بين الأشخاص المصابين بالتوحد تمر دون أن يلاحظها أحد، على غرار ذلك فإن التنوع في الحالات وفي المظاهر العيادية، ونظرا لأن التوحد يتم تعريفه على أساس السلوكيات، فإن ذلك لا يسمح بأي تعميم.
إذ يمكن أن تكون المسببات المرضية متعددة : الحوادث أثناء الحمل أو بعده، عند الولادة، القابلية الوراثية، مشاكل التمثيل الغذائي كلها عوامل يمكن أن تؤدي إلى ظهور أ عراض التوحد. في حين أن أقل من ربع حالات التوحد مرتبطة الأن بأمراض محددة، فإن الأرباع الثلاثة المتبقية لا تزال مجهولة السبب » ( زروالي، 2002 : ص486)
« تشير الدراسات إلى أن معدل التوحد آخذ في الارتفاع، ولكن الأسباب ليست مفهومة جيدا. اكتشف العلماء تغيرات جينية نادرة، أو طفرات، بالإضافة إلى اختلافات جينية شائعة صغيرة لدى الأشخاص المصابين بالتوحد، مما يشير ضمنًا إلى مكون وراثي، تركز منطقة البحث المتزايدة على التفاعل بين العوامل الوراثية والبيئية، على سبيل المثال قد يؤدي تعرض المرأة للملوثات الضارة أثناء الحمل إلى حدوث طفرة جينية تؤدي إلى مرض التوحد، كما لم يتم العثور على أي صلة بين مرض التوحد واللقاحات، بما في ذلك تلك التي تحتوي على الثيميروسال وهو مركب يعتمد على الزئبق.
وتم إحراز تقدم نحو فهم عوامل الخطر البيئية المختلفة، وأوضح دليل يتضمن الأحداث التي وقعت قبل وأثناء الولادة، مثل تقدم عمر الوالدين عند حدوث الحمل، والتعرض قبل الولادة لتلوث الهواء أو بعض المبيدات الحشرية، السمنة لدى الأم، أو مرض السكري، أو اضطرابات الجهاز المناعي، الخداج الشديد أو الوزن المنخفض جدًا عند الولادة، أي صعوبة في الولادة تؤدي إلى فترات حرمان الأكسجين من دماغ الطفل، لكن هذه العوامل وحدها من غير المرجح أن تسبب مرض التوحد، بل يبدو أنها تزيد من خطر إصابة الطفل بالتوحد عندما تقترن بالعوامل الوراثية »( (.National institute of environmentale health science.2023
على الرغم من هذا التنوع، استمرت الخلافات بين مؤيدي هذا الأصل المفترض للتوحد
« الجينات، والتسمم، والتلوث البيئي، واللقاحات، وما إلى ذلك حاليا، يبدو من الصعب تحديد ما إذا كانت هناك علاقة سبب أم نتيجة بين الاضطرابات البيولوجية التي تواجه الأطفال المصابين بالتوحد والمظاهر العيادية والمعرفية، أخيرا يمكن اعتبار اضطراب التوحد في مرحلة الطفولة بنية نفسية مرضية يمكن تشكيلها استجابة لعوامل أولية متنوعة للغاية، عضوية ونفسية، إذا تم أخذ هذا الجانب متعدد العوامل في الاعتبار يمكن أن يكون اتخاد منهج متعدد التخصصات جد مفيد في التقصي عن المسببات. »( زروالي، 2022 : ص286 (
« رغم أن المساهمات الجينية تعتبر من مسببات التوحد المعترف بها، إلا أن معدل الانتشار المتزايد والنتائج المتناقضة للدراسات الجينية تشير إلى أن التفاعلات بين الجينات التي تحمل قابلية الإصابة بالتوحد والعوامل البيئية تلعب دورًا، بمعنى آخر يمكن لبعض العوامل البيئية المقترنة بالعوامل الوراثية أن تزيد من خطر الإصابة بالتوحد، حيث يشير عدد متزايد من الدراسات إلى ذلك، بالاستشهاد بعوامل مثل متلازمة التمثيل الغذائي عند الأم، ومساعدات اللقاح القائمة على الألمنيوم، والتطعيمات التراكمية والتعرض للهواء الملوث أو لبعض المبيدات قبل الولادة »(Prévalence de l’autisme et expositions environnementale .2016.PP11-16)
كتعقيب على هذه الدراسات التي تم الاستشهاد بها عن أسباب التوحد، نستنتج أنه إضطراب نمائي عصبي ناتج عن التفاعل بين عوامل جينية وعوامل بيوكيميائية كاللقاحات والتلوث والنظام الغذائي، وعوامل بيئية ناتجة مثيرات ومحفزات خارجية كالولادة وظروف الولادة، إهمال الوالدين، التعرض المبكر لوسائط البيئة الرقمية، ولا يمكن أن نرجع التوحد لسبب واحد فهو خلل وظيفي متعدد الأسباب والظروف، وحسب المقابلة مع المختصين والأولياء نجد أن أسباب التوحد ترجع في اعتقادهم إلى تخمينات وعوامل متعددة غير أن الإستعداد الجيني الوراثي يعد العامل الأساسي لإستقبال هذا المرض وبقية العوامل تحفز وتعزز من ظهور وتطور أعراض المرض
3. الإطار التطبيقي
1.3. التعريف بوحدة الطب النفسي والعقلي بمستشفى الأمراض العقلية سطيف ودورها في علاج التوحد
هذا القسم قسم خاص بعلاج الأمراض العقلية والنفسية للأطفال والمراهقين، وهو جزء من مستشفى الأمراض العقلية لعين عباسة بولاية سطيف، يهتم بعلاج الأطفال الذين يعانون من أمراض عقلية أو اضطرابات نفسية مختلفة، « كالتوحد، التأخر الذهني، الذهان، الإكتئاب، الخوف، فرط الحركة، والإدمان »، التي يكون الطفل والمراهق عرضة لها، هذا القسم تحت إشراف طبيب مختص في الأمراض العقلية pédopsychiatrie للأطفال بالتعاون مع أطباء أخرين، وهو قسم استشفائي جامعي دوره علاجي وتعليمي وتكويني، يتكون أطباء مختصين في الأمراض النفسية والعقلية، يتطوعون من طبيبة رئيسية و2 أطباء مختصين، طبيبة عامة، وأطباء مقييمين يتكونون بهذه المؤسسة، كما يعمل فيهم أخصائيين نفسانيين وأرطفونيين يعملون في عمل جماعي منسجم، 4 أطباء نفسانيين، و10 أرطفونيين، طاقم إداري يتكون من رئيسة القسم، و2 سكرتيرة (مقابلة ،25 جويلية،2023)
1.1.3. إحصائيات عن الحالات التي يتم علاجها
نسبة 38 %من الحالات التي تتعالج في القسم تتعالج بسبب التوحد على مستوى ولاية سطيف وولايات أخرى، النسبة ترتفع سنويا فهي في حالة ارتفاع مستمر، ومن خلال ملاحظات الأطباء المختصين لاحظوا أن سن التقدم للعلاج أصبح في سن أصغر بسبب الوعي الاسري، تتعالج في القسم كل أشكال التوحد العميق الخفيف، المتوسط، العميق بكل حالاته، حيث قد يعالج اضطراب التوحد كإضطراب لوحده، أو قد يعالج مع اضطرابات أخرى مصاحبة، كالتخلف الذهني أو فرط الحركة، وهو ما يؤثر ويعرقل العلاج المتابعة وصعوبة الدمج في المجتمع والمدرسة .
جدول رقم 1- إحصائيات حالات التوحد التي تتعالج بوحدة الطب النفسي بمستشفى الأمراض العقلية عين عباسة سطيف
2017 |
2018 |
2022 |
|||
حالات جديدة |
التوحد |
حالات جديدة |
التوحد |
حالات جديدة |
التوحد |
373 |
160 |
511 |
323 |
414 |
180 |
المصدر: أمانة مصلحة الطب النفسي والعقلي للأطفال والمراهقين، مستشفى الأمراض العقلية عين عباسة سطيف، 25 جويلية 2023، الساعة العاشرة صباحا
2.1.3. كيفية علاج التوحد بقسم الأمراض العقلية والنفسية للأطفال بمستشفى عين عباسة
يتم علاج التوحد عن طريق مجموعة من الخطوات بداية من التشخيص الذي يقوم به طبيب مختص في الأمراض العقلية والنفسية للأطفال pédopsychiatrie، ثم يأتي فريق متشكل من أخصائي نفساني، طبيب أرطفوني وطبيب مختص يقيمون قدرات الطفل، ويوضع برنامج علاجي خاص بكل طفل، هذا البرنامج يشمل علاج جميع المشاكل التي يعاني منها الطفل: « مشاكل التواصل، المشاكل السلوكية، والانفعالات والعلائقية، الحسية. »
ويبدأ تطبيق البرنامج بحصص تحت إشراف فريق طبي وبإشراك الأولياء الذين لهم الدور الأكبر في عملية العلاج نتيجة معايشتهم لحالات أبنائهم بشكل دائم، كما تخصص حصص علاجية وتوجيهية للأولياء، في كل حصة يتم تسطير الأهداف
«تعلم، تغيير سلوكي، إكتساب الطفل عادة معينة،...... بعدها بالتحاور مع الأولياء يتم تدريبهم كيفية التعامل مع الأبناء، فالعلاج يكون داخل العائلة الأولياء هم معالجين لأطفالهم، نظرا لأن الوقت في القسم غير كافي للعلاج حصص العلاج ساعة أو إثنين في الأسبوع غير كافية، لذلك يتم تدريب وإشراك الأولياء في العلاج عن طريق برنامج تدريبات، وتمارين، وإستمرارية العلاج تكون بتدريب الأولياء على التعامل مع السلوكيات والمواقف المختلفة، يشمل العلاج بروتكول علاجي خاص بالطبيب، وبروتوكول خاص بالأولياء. »تحليل المقابلة«
3.1.3. التفاعل مع الأولياء لتطبيق البرتوكول العلاجي إيجابياته وتحدياته
حسب المختصين الأولياء يجدون صعوبة كبيرة خاصة في بداية العلاج بسبب صدمة التشخيص لأنه اضطراب صعب، وبسبب ضعف خبرات الأولياء في التعامل مع الطفل، في البداية الصعوبة تكون كبيرة جدا في تطبيق العلاج خصوصا مع طفل له اضطرابات سلوكية كثيرة، فدور الفريق الطبي هو المتابعة الطبية التي ترافقهم وتشجعهم على تقبل الطفل ومرضه والتكيف مع حالته، وبمرور الوقت يتعلم الأولياء كيف يتعاملون مع هذا الإضطراب بكل حالاته، لأنه متقلب في المزاج والسلوك تصاحبه عدم القدرة على التعبير والتخاطب والتواصل، ويتدرب الأولياء على تجاوز السلوكيات وتفهم الإضطراب وكيفية التعامل مع أطفالهم وطبيعة حالاتهم، مع المتابعة والصبر والتنسيق مع الطبيب المعالج يجدون نتيجة، حيث أكد المختصين أن هناك حالات كثير تحسنت، أطفال تحسنوا لا يفرقون عن أطفال عاديين دخلوا المدارس وتفوقوا في المدارس وحالات وصلت للجامعات، توجد حالات مشجعة جدا بفضل الفريق والأولياء والتشخيص والعلاج المبكر، فالأولياء كانوا في الصدارة في تطبيق البرامج العلاجية، كما توجد حالات لا تستجيب للعلاج بسبب تعقيدها، حيث يكون الإضطراب مصاحب لاضطرابات عقلية أخرى أو عضوية
» كالتوحد وفرط الحركة فعلاجه أصعب، توحد ومشاكل عقلية أصعب لا يوجد تحسن أصلا، الطفل يعالج لكن دائما اضطرابات سلوكية موجودة، خصوصا إذا كان المحيط الأسري ليس داعم ومشجع لتحسن الطفل، مثلا حالة الأسرة مشتتة طلاق هذا الشيء يعمق من المشاكل النفسية للطفل، كذلك عدم الاستقرار في المحيط العائلي تحليل المقابلة »
2.3. تحليل نتائج المقابلة التي تم إجرائها مع الأطباء المختصين في طب الأمراض النفسية والعقلية
-
ماهي أسباب الإصابة بطيف التوحد لدى فئة الأطفال في المراحل المبكرة : حسب نتائج المقابلة مع المختصين والأولياء هناك عدة أسباب تسبب اضطراب طيف التوحد، أسباب جينية، أو عوامل الحمل والمعاناة في الولادة، الالتهابات، الصفير، انقطاع الأوكسجين للطفل أثناء الولادة، النظام الغذائي للأم والطفل والبيئة التي يعيش فيها الطفل، عوامل فطرية وعوامل مكتسبة محفزة من البيئة الخارجية، حسب الأولياء يعتقدون أن السبب في ظروف الحمل والولادة أو تناول أدوية أشعة، ولادة متعسرة، الإهمال بسبب عمل الأم خارج البيت، أو الأشغال المنزلية، الوراثة، التلفاز، الهاتف .....
نستنتج من خلال إجابة المختصين والأولياء أن أسباب التوحد متداخلة بين العديد من الأسباب في الغالب هي أسباب فطرية لها علاقة بالوراثة والجينات، وتتزواج مع عوامل البيئة الخارجية التي تحفز هذا الاضطراب للظهور والوضوح بشكل أكبر كالأسباب الصحية للأم والظروف التي تمر بها أو الإهمال أو الشاشات أو عوامل أخرى. « تحليل المقابلة« -
هل استخدام وسائط البيئة الرقمية له دور في انتشار التوحد وهل هو من بين الأسباب : حسب إجابة المختصين إستخدام وسائط البيئة الرقمية ليست سبب بحد ذاته للإصابة بالتوحد، فوضع الطفل امام التلفاز أو الشاشات الرقمية ليس سبب في التوحد، بل عامل محفز إذا كان الطفل له قابلية جينية للإصابة وتعرضه للشاشات، يزيد من حدة الأعراض ويعمق من الإضطراب، والدليل على ذلك أن ليس كل الأطفال الذين يتعرضون للشاشات بشكل مكثف يصابون بالتوحد، فهناك حالات من الأطفال تأثرت بشكل إيجابي نتيجة إستخدام الشاشات «إكتساب اللغة، تنشيط الذاكرة والذكاء»، وهناك أطفال لا يتأثرون بها، وهناك من ينغمسون لدرجة الاندماج في البيئة الرقمية، إذن تستنتج أن الطفل الذي ليس له استعداد وراثي للإصابة بطيف التوحد لن يصاب به، حتى ولو كان استخدامه مكثف للشاشات، فحسب المختصين أن الطفل الذي له استعداد جيني للإصابة تجذبه الشاشات والأضواء والألوان، وهذه الأخيرة تسرع وتحفز في ظهور الأعراض
-
كمختصين هل تأثير البيئة الرقمية على الطفل المتوحد إيجابي أو سلبي : حسب إجابة المختصين أجمعوا أن تأثير وسائط البيئة الرقمية على الطفل سلبي جدا خاصة في بداية العمر من صفر إلى خمس سنوات «0-5 سنوات»، بسبب عادة وضع الطفل أمام التلفاز والشاشات الرقمية، فعلى العموم تأثير وسائط البيئة الرقمية سلبي بشكل عام على أطفال التوحد، وحتى على الأطفال العاديين إذا لم تستخدم بضوابط، بشكل عام التعرض للشاشة بعمر صغير أقل من خمس سنوات لفترات طويلة، يؤثر تأثير كبير على التواصل بينه وبين أمه بسبب قلة الوقت الذي يقضيه مع أمه، يسبب حرمان عاطفي له تأثيرات نفسية كبيرة على التطور العقلي والنفسي للطفل وعلى التطور الإدراكي، فتصبح له قدرات عقلية محدودة، فالطفل في هذه الحالة له قابلية للتعلق بالشاشات بسبب المنبهات التي تجذبه بسبب الصوت والحركة والسرعة، فالبيئة الرقمية بالنسبة لطفل التوحد شيء يجذب بقوة، للإنغماس الشديد الذي يفصله عن بيئته، وهو ما يجعله ينعزل عن الأم والمحيط الخارجي، وهذا الأمر له أثار مدمرة على الطفل، فقطع العلاقة بين الطفل والأم في مراحل متقدمة من العمر لها تأثير كارثي على التطور العقلي والنفسي للطفل، وتشجع في ظهور الأعراض لدى الأطفال الذين لهم قابلية للإصابة بالمرض، وهذا لا ينفي إمكانات التأثير الإيجابي للبيئة الرقمية في المجالات المستحدثة لعلاج التوحد، حيث ظهرت تيارات علاجية تعتمد على إستغلال وسائط وتطبيقات البيئة الرقمية لتحسين حالات التوحد وعلاجها، فبعض مجالات العلاج تعتمد على تطبيقات علاجية تحت إشراف مختص، لتهيئة الطفل للاندماج في بيئة معينة ومساعدته لتحسين التواصل البصري، وتدريبه على التركيز، التذكر، وتعزيز القدرات العقلية لديه .... »تحليل المقابلة «
-
هل الأطفال الذين يتعالجون في القسم لهم إدمان على وسائط البيئة الرقمية : حسب إجابة المختصين أغلب حالات الأطفال لهم إدمان شديد عليها، ماعدا الأطفال الذين لا يملكونها، حيث أن لهم تعلق شديد بها، ومن أهم الوسائل إدمان الهاتف، الألعاب الإلكترونية، وإدمان مقاطع الفيديو القصيرة باليوتيوب، وتتزايد مدة إستخدامه بشكل كثيف جدا، ومن خلال إجراء مقابلة مع الأولياء في هذا الصدد، نجد أن أغلب الأباء يستخدمونه كمهدئ للأطفال للتحكم في نوبات الغضب والتوتر والانفعالات التي يتعرضون لها، فالوسائل الرقمية مسكنات للطفل، مع الوقت ينعزل الطفل أكثر والاضطرابات تزيد أكثر، وعند محاولة نزع هذه الوسائل منهم يصبح الطفل عنيف أكثر هيجان «عض ضرب، تكسير، عناد» ، وهو ما يجعل الأولياء تحت ضغوط كبيرة جدا نتيجة إدمان هذه الوسائط
-
هل الأولياء على علم بمخاطر البيئة الرقمية، : حسب المختصين الذين يتفاعلون مع الأولياء بشكل دائم في حصص المتابعة والعلاج، نعم أغلب حالات الأولياء على علم بأنها سبب مؤثر يزيد من حدة الأعراض إذا تم استخدامها بكل سلبي وغير متحكم فيه، ومن خلال المقابلة مع الأولياء لاحظنا في الغالب أن هناك وعي عام، نتيجة إطلاع الأولياء والقراءة حول الموضوع، فالثقافة الصحية في هذا المجال متاحة عبر الأنترنيت، وعبر مواقع التواصل، ونتيجة إحتكاك الأولياء فيما بينهم، والإستفادة من تجاربهم وبسبب ملاحظاتهم لأبنائهم ومعايشتهم لهذا الاضطراب، ومتابعة أعراض أبنائهم كعدم التواصل وضعف التواصل البصري الذي يضعف بشكل كبير نتيجة إستخدام وسائط البيئة الرقمية .
-
هل وسائط البيئة الرقمية تستخدم كوسائط مدعمة للعلاج؟ : أكد المختصين عن أهمية وسائط البيئة الرقمية كإتجاه مدعم لبروتكولات العلاج، حيث إستفاد الطب النفسي والعقلي من خصائص التكنولوجيا الرقمية من خلال الطب عن بعد، والمتابعة عن بعد، وعن طريق وسائل التواصل، ومتابعة الأولياء ومرافقتهم وتوجيههم عبر استغلال إمكانيات هذه الوسائط، نظرا لما توفره خصائص البيئة الرقمية من سرعة وتفاعلية، وبفضل تعدد الوسائط أصبحت المتابعة عن بعد تسهل عملية تقييم الفحوص، وإرسال الوصفات الطبية للأولياء وتقديم النصائح، أما بالنسبة لطرق العلاج تعززت بتطبيقات تفاعلية وتعليمية رقمية، حيث توجد عدة تطبيقات من البسيطة حتى المعقدة، تطبيقات بسيطة مثل برامج تحسن لدى الطفل الإدراك والتمييز وفرز الصور، تطبيق التواصل بالصور، طريقة تواصل بديلة عن الكلام، إستغلال الواقع الافتراضي لتعليم الطفل مهارة اجتماعية، أو معالجة مشكلة يعاني منها الطفل في بيئة اجتماعية معينة و يخاف منها، وتسبب له اضطرابات فعوض أن نأخذه للبيئة التي تسبب له عائق، نصنع بيئة افتراضية ونجعله يعيش فيها لتهيئته أولا، قبل العيش في البيئة الواقعية، تعريض الطفل للبيئة الافتراضية قبل تعريضه للبيئة الحقيقية، أشياء تكون تحت إشراف مختص، فالبيئة الرقمية هي قد تكون فرص في مجال التوحد، وقد تكون تحديات، لذلك الرهان الأساسي للأولياء اليوم هو مراقبة وضبط الإستخدام، خصوصا في المراحل المبكرة من حياة الطفل، وعدم ترك هذه الوسائل للطفل لينفرد بها ويفعل بها ما يشاء.
3.3. المقابلة مع المختص الأرطفوني
-
هل هناك علاقة بين إستخدام وسائط البيئة الرقمية وضعف التواصل اللغوي لدى الطفل بشكل عام ؟ حسب إجابة الطبيبة المختصة هناك علاقة وطيدة بين إستخدام وسائط البيئة الرقمية وضعف التواصل اللغوي لدى الطفل، خاصة لو كان إستخدامها منذ الشهور الأولى، فهي تعمل كمثبط للعقل ولأن مهارة التواصل اللغوي تحتاج إلى مهارة التفاعل، أي التأثر والتأثير في الأخر من خلال المبادرة والتفاعل، وهذا ما لا نجده عند إستخدام وسائط البيئة الرقمية، لأنها تقوم فقط بإرسال إشارات وأصوات وأضواء، تحجب العقل لكن دون حدوث عملية تفاعل وتشارك وتبادل لهذه الإشارات، فيقوم الطفل بإستقبالها دون إعادة الإرسال وإحداث التفاعل.
-
هل هناك علاقة بين استخدام طفل التوحد للوسائط الرقمية وضعف التواصل اللغوي لديه؟ حسب الطبيبة المختصة وحسب تجربتها في الميدان ومع أطفال التوحد بالخصوص، إن تم تعريض طفل التوحد ذو العامين أو حتى قبل العامين لهذه الوسائط، فإن عملية التواصل اللغوي ستكون شبه معدومة أو عبارة عن أصوات بسيطة، وترديد لمقاطع صوتية ليس لها معنى لأنه نسبة كبيرة من أطفال التوحد لديهم مشكلات لغوية، فما بالك إذ تم تعريضهم لهذه الوسائط بعمر صغير.
ماهي المشكلات اللغوية الناتجة عن الإستخدام السلبي لوسائط البيئة الرقمية لدى طفل التوحد؟
في الأساس نسبة كبيرة من ذوي اضطراب طيف التوحد لا يملكون لغة، والكثير من هؤلاء الأطفال الذين تعرضوا لهذه الوسائط تكون مشكلة التأخر اللغوي، من أكبر المشكلات التي يمكن ملاحظتها عند هذه الفئة، بالإضافة إلى الأيكولاليا وعدم فهم اللغة بشكل طبيعي. -
هل من الممكن أن تصبح العلاقة إيجابية بين استخدام وسائط البيئة الرقمية وتحسن التواصل اللغوي لدى الطفل؟: نعم يمكن أن تصبح العلاقة إيجابية في حالة إذا تم إدخال هذه الوسائط عند عمر متقدم يتعدى الخمس سنوات، إضافة لضبط وقت الإستخدام لا يتجاوز نصف ساعة كحد أقصى، مع إدخال برامج تعليمية يتم من خلالها إستغلال هذه الوسائط لصالح الطفل.
4. مناقشة وتحليل النتائج
1.4. النتائج العامة للدراسة
أسباب الإصابة بالمرض لم تحدد بشكل دقيق، لحد اليوم لايزال السبب الأساسي غير معروف، فهو خلل جيني بالإضافة لجملة من العوامل المتعددة المتداخلة التي تساهم في ظهوره كالعوامل البيئية، التطعين، صحة وحالة الأم أثناء الحمل والولادة، الإهمال، عدم التواصل مع الطفل، التعرض للشاشات بعمر صغير جدا
-
إستخدام وسائط البيئة الرقمية ليست سبب في إنتشار التوحد فالطفل المصاب له إستعداد وراثي للإصابة به، لكن تبقى الوسائط الرقمية من محفزات البيئة الخارجية التي تساهم في ظهور الأعراض بشكل أوضح، وتعميق حالات التوحد، فالطفل التوحدي له إستعداد جيني للإصابة به، والشاشات الرقمية والأضواء والألوان تجذب الطفل للإنغماس أكثر وبالتالي عدم التواصل.
-
تأثير وسائط البيئة الرقمية حسب المختصين سلبي جدا على الطفل بشكل عام، خاصة في بداية العمر في الفترة من 0-إلى 5 سنوات، تمس هذه الأثار قدرات التواصل اللغوي، وتؤثر على التطور المعرفي والإداركي والنفسي للطفل، حيث ينعزل عن أمه وعن المحيط الخارجي فتصبح قدراته محدودة فالوسائط المتعددة للبيئة الرقمية منبهات شديدة على طفل التوحد تعمق حالاته بشكل سلبي
-
أغلب حالات أطفال التوحد لهم إدمان شديد على وسائط البيئة الرقمية، ماعدا من لا يملكونها فمن خلال مقابلة مع الأولياء إتضح أنهم يستخدمون هذه الوسائط كمسكن للطفل، للتحكم في نوبات الغضب ومزاجه المتقلب والتوترات والإنفعالات التي يتعرض لها، فالوسائل الرقمية مثبطات لها تأثير يشبه المخذر، وهو ما يفاقم من الإضطرابات السلوكية لطفل التوحد خصوصا بعد حرمانهم منها.
-
حسب المختصين أغلب حالات الأولياء يدركون مخاطر البيئة الرقمية ويعتبرونها محفز لتعميق حالات التوحد.
-
من جهة أخرى أكد المختصين أن وسائط البيئة الرقمية تستخدم بشكل إيجابي كإتـجاه مدعم لبروتوكولات العلاج، حيث إستفاد الطب النفسي من خصائص التكنولوجيا الرقمية كالطب عن بعد، والمتابعة عن بعد، كما تدعمت طرق العلاج بتطبيقات رقمية تفاعلية تعليمية تحسن من القدرات العقلية واللغوية للطفل.
-
أما بالنسبة للمختص الأرطفوني فقد وضحت النتائج الأثار اللغوية الناتجة عن إستخدام وسائط البيئة الرقمية حيث بينت النتائج ما يلي :
-
هناك علاقة وطيدة بين إستخدام وسائط البيئة الرقيمة وضعف التواصل اللغوي لدى الطفل بشكل عام، خاصة إذا تم إستخدامها منذ بداية العمر فهي تعمل كمثبط للعقل، كونها تحد من مهارة التفاعل والتأثير والتأثر، هذه المهارة التي بدورها تطور نظام التواصل اللغوي فغياب التفاعل الاجتماعي، يعني غياب اللغة كنتيجة منطقية .
-
تعرض طفل التوحد أقل من سنتين لهذه الوسائط يجعل عملية التواصل اللغوي شبه معدومة، أو عبارة عن أصوات بسيطة جل أطفال التوحد لهم مشكلات لغوية، بعيدا عن تأثير وسائط البيئة الرقمية التي تحد من التواصل اللغوي والإجتماعي
-
بالنسبة للمشاكل اللغوية التي تسببها البيئة الرقمية أهم مشكل غياب اللغة، فجل أطفال التوحد لا يملكون لغة بالإضافة إلى الأيكولاليا وعدم فهم اللغة بشكل طبيعي .
-
قد تصبح العلاقة إيجابية بين وسائل البيئة الرقمية وتحسن المستوى اللغوي لطفل التوحد، إذا تم إدخالها بشكل مخطط ومدروس ومنظم، كضبط الإستخدام من حيث التوقيت لا يتجاوز نصف ساعة يوميا، وضبط التطبيقات والمضامين المستخدمة في التوجه للبرامج التعليمية.
2.4. مناقشة النتائج في ضوء الفرضيات
-
فرضية 1 : توجد علاقة بين استخدام وسائط البيئة الرقمية وظهور طيف التوحد وتعميق مستوياته:لم تثبت كل الفرضية بل تحقق شق واحد منها فالتوحد لم تعرف أسبابه الحقيقية لحد اليوم، بل يرجع لعوامل مختلفة وراثية وجينية وبيئية، لذلك فالتوحد سببه الحقيقي ليس البيئة الرقمية بحد ذاتها، بل لعوامل جينية بالأساس فطفل التوحد له استعداد جيني لهذا المرض، بينما البيئة الرقمية محفز بيئي يساهم في تعميق حالاته وتسريع ظهور الأعراض، وبالتالي فالبيئة الرقمية حسب المختصين تعمق وتعزز من حالات التوحد وتسرع من ظهو الأعراض، وتمس تأثيرات البيئة الرقمية حسب دراسات مختلفة تأثيرها حتى على الأطفال الأصحاء نفسيا ولغويا وإدراكيا فما بالك بتأثيرها على طفل التوحد.
-
فرضية 2 : توجد علاقة بين استخدام وسائط البيئة وضعف التواصل اللغوي لطفل التوحد :تأكدت الفرضية فتعرض الطفل من الشهور الأولى حتى سن العامين لوسائط البيئة الرقمية يثبط عمل العقل، وبالتالي يحدث خلل في الإدراك والتعلم، فتنعدم اللغة، فحسب تجارب المختصين أجمعوا أن اللغة تكون منعدمة لدى طفل التوحد، الذي يتعرض لوسائط البيئة الرقمية في سن الرضاعة، بالإضافة لمشكلة الأكولاليا وعدم فهم اللغة .
-
فرضية 3 : قد تؤثر وسائط البيئة الرقمية بشكل إيجابي من خلال إستخدامها الموجه من طرف الأطباء المختصين والأولياء. تم إثبات الفرضية فوسائط البيئة الرقمية بالنسبة للأولياء والمختصين مكسب إيجابي في مجال التوحد وفي مجال العلاج، والدليل على ذلك تطور ممارسات الطب عن بعد، والعلاج من خلال تطبيقات رقمية وبرامج مخصصة لذوي التوحد، أما الأولياء فيستخدمونها لفهم طبيعة المرض والتواصل مع الأطباء والمختصين، وفي علاج أبنائهم وتعليمهم من خلال برامج وتطبيقات تعليمية خاصة بذوي التوحد، ويتعزز الإستخدام الإيجابي لطفل التوحد بعد سن الخامسة في ضبط الاستخدام من حيث الوقت وتوجيه الإستخدام للتعلم والأنشطة المفيدة التي توفرها تطبيقات خاصة في هذ الصدد.
خاتمة
من خلال هذه الدراسة استطعنا أن نصل لفهم العلاقة بين البيئة الرقمية والتوحد من منظور الأخصائيين، حيث أنه لحد اليوم لم يحدد سبب معين للتوحد بل يرجع لعوامل متعددة جينية وراثية بيوكيميائية وبيئية، أما البيئة الرقمية فهي ليست سبب في التوحد بل هي مثير ومحفز بيئي خارجي يساهم في تسريع ظهور أعراض التوحد وتعميق شدته وحالاته نتيجة الإدمان على هذه الوسائط، وبالتالي تحققت فرضية الـتأثير والتعزيز، وهو ما وضحته الدراسة وتشمل الأثار الخاصة بالبيئة الرقمية لدى طفل التوحد تعميق مشكلات سلوكية معينة، مشكلات نفسية، ومشكلات اجتماعية وبشكل أكبر مشكلات لغوية تحد من التواصل والتفاعل، لذلك حتى نستطيع فهم التوحد نحتاج مقاربة منهجية متعددة التخصصات، ونحتاج لتجارب ميدانية ودراسات معمقة في هذا المجال، على عينات أكبر، والتفاعل مع المختصين في مختلف دول العالم، والتوصل لدراسات مفسرة وحلول وبرامج علاجية أفضل، وبحثنا هذا لا يعد سوى نقطة في بحر من الاحتمالات والغموض الذي لايزال يشوب هذا المرض الذي أصبح يهدد الصحة العمومية.