مقدمة
عرفت الرّواية العربيّة المعاصرة تحوّلات عديدة، فهي ما فتأت تبحث عمَّا يجسّد كيانها كجنس سردي فسعت إلى التّجدّد والانفتاح بتجريب تقانات جديدة، وأبرز تحوّل كان على مستوى طابعها الأجناسي، فتمرّدت على قيودها القديمة وخرجت عن شكلها المعتاد، حتّى أصبحت الكتابة السّرديّة لدى الكثير من الرّوائيّين انزياحًا، فمنحتها رغبة التّجريب الجراءة على اقتحام أسوار الأجناس الأخرى لتصبح عملاً أدبيًّا متداخلاً مع كلّ الأجناس الأدبيّة والفنيّة، وبدا التّجريب بالتّداخل الأجناسي في الرّواية بوضوح في الرّواية الجزائريّة المعاصرة من خلال بحثها الحثيث عمّا يحقّق أدبيّتها ويشكّل خصوصيّتها.
ولتتجاوز الرّواية خرافة النّقاء الجنسي مضت تستلهم الطّرائق التّعبيريّة للفنون وتسترفد محمولاتها الرّمزيّة وتستعير تقاناتها وتصنع أقنعتها، ممّا حوّلها –كما قال « رولان بارت »- إلى « مجرّة من الإشارات » (Barthes, 2002, p. 5)، بل أصبحت تلك الفنون بمحمولاتها الثّقافيّة عنصرًا مكينًا من بنائها السّرد-لغوي بما كثّف من شعريّتها، ومن ذلك نجد فنّ القصاصة، فيلجأ بعض الرّوائيّين إلى توظيف القصاصات الإذاعيّة والإشهاريّة والصّحفيّة، ومن بينهم « واسيني الأعرج » في روايته (ذاكرة الماء)، ومن هنا نتساءل :
كيف استثمر « واسيني الأعرج » فنّ القصاصة ضمن الكولاج الرّوائي في روايته (ذاكرة الماء)؟ وما هي عناصر الكولاج الرّوائي في هذه الرّواية؟ وكيف وظّفها لخدمة إيديولوجيّته الخاصّة؟ هل كان حضورها إثراء لفنيّة كتابته الرّوائيّة أو للتّعبير عن صوته الخاصّ؟
وللإجابة على هذه الأسئلة سنتناول الكولاج والقصاصة بالتّعريف النّظري وحضورها في الرّواية المعاصرة، ثمّ سنتعرّف على مكوّنات الكولاج الرّوائي في الرّواية وفاعليّة القصاصة فيها.
ولقد كان منهجنا في هذه الدّراسة إحصائيًّا وصفيًّا للوقوف على حقيقة هذه الظّاهرة في الرّواية.
1. الكولاج الرّوائي وفنّ القصاصة
ظلّت الرّواية المعاصرة في رحلة بحث دائم عن التّجديد، لذا حاولت الخروج عن حدودها الأجناسيّة باستضافة أجناس فنيّة أخرى مختلفة، منها الّذي هو قريب من طبيعتها الأجناسيّة ومنها ما هو بعيد عنها، ومحاولات الرّواية المعاصرة الانفلات من قيودها الأجناسيّة دافعه الأساس سعيها لتكثيف نصوصها وإغناء خطاباتها، بتحويل مركزيّتها السّرديّة إلى مركزيّات متعدّدة الأبعاد والآفاق، فنبذت عزلتها الأجناسيّة لتفضي إلى فضاء شاسع لتلاقح المعارف والفنون والأجناس وتحاورها، وهو ما بدا واضحًا في كتابات «واسيني الأعرج».
هذا التّلاقح والتّمازج ليس جديدًا ذلك أنّ
«صلات الأدب بالفنون الجميلة والموسيقى متعدّدة الأشكال شديدة التّعقيد، فالشعر يستنزل الوحي أحيانا من الرسم أو النحت أو الموسيقى، وقد تغدو الأعمال الفنية الأخرى موضوعات للشعر، شأنها شأن الأشخاص وموضوعات الطبيعة » (وارين، 1987، صفحة 131)
والرّواية المعاصرة بكسرها للحدود الأجناسيّة بين الفنون المختلفة كأنّها تريد استعادة الوحدة الحواسيّة الفطريّة الأولى الّتي توازي وحدة الوجود، لأنّ « مجالات الفنون كانت متمازجة متلاحمة ومترابطة ببعضها حتى تم تمييزها في القرن السادس عشر الميلادي » (خلف، 2009، صفحة 48)، هذا التّراسل الأجناسي في الرّواية يتطلّب الانفتاح في أشكال تلقّيها بالعدول عن الأعراف القرائيّة البالية الّتي تفصل بين الأجناس والفنون.
وهذه التّقانة الّتي تمزج بين عدّة أجناس في الرّواية يُطلق عليها اسم (الكولاج الرّوائي)، وأوّل من وظّف هذا المصطلح النّاقد «صلاح فضل» في مقاله (تقنيّة الكولاج الروائي) (فضل، 1992)، درس فيه رواية (ذات) لـ«صنع الله إبراهيم»، يقول فيه :
«يزاوج بترتيب صارم بين وحدات السّرد القصصي ووحدات التّوثيق الصّحفي بتقنيّة تشكيليّة وسينمائيّة محدثة يمكن أن نسمّيها (الكولاج)، الّذي يعتمد على إعادة المزق الخشنة لتدخل في تكوين جمالي جديد، حيث يتمّ مسح ما علق بمصدرها من بقايا الاستعمال الأوّل، وتوظيفها في السّياق الكلّي الجديد» (فضل، 1992، صفحة 332)
ولقد وظّفت الرّواية المعاصرة الكولاج كأداة سرديّة، بإقحام مقتطفات من نصوص أخرى متنوعة، مثل القصاصة الصّحفيّة فهو أحد مظاهر التّناص، كما أنّ توظيفه يدلّ على تداخل الحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبيّة في مرحلة ما بعد الحداثة، وللكولاج وظائف سرديّة مختلفة تؤدّي إلى تلوين زوايا السّرد وكسر نمطيّته، وإنشاء دلالات تأويليّة متجدّدة، أو قد تفسّر واقعيًّا وتاريخيًّا النصّ التّخييلي، ومن الرّوائيّين الّذين وظّفوا تقنيّة الكولاج في نصوصهم نذكر : « عبد الرّحمن منيف »، « أحمد عبد الكريم »، « لينة صفدي » وغيرهم.
والكولاج أدبيًّا يُعدُّ «تمازجًا بين اثنين أو أكثر من الخطابات اللغويّة المختلفة» (Bakhtin, 1981, p. 429)، ويمكن عدّ توظيف الشّعر الجاهلي في الرّسائل الدّيوانيّة والإخوانيّة قديمًا أحد إرهاصات هذا التّداخل الأجناسي.
ونُحتت كلمة (كولاج) في اللّغة الفرنسية من مفردتي (kolla, glue) وتعني «غراء»، وظهر الكولاج في محاولة لإلغاء النّمطيّة عن الفنّ التّشكيلي وإخراجه إلى الحياة اليوميّة البسيطة، ولمّا كانت فكرة الكولاج التأسيسيّة هي إخراج الفنّ إلى الحياة اليوميّة فإنّ الرّواية استعارته لإضفاء بعضًا من الواقعيّة على فضائها التّخييلي.
ويعرّف الكولاج وهي كلمة فرنسيّة بأنّه
«عمليّة رصّ وإلصاق –كما يدلّ الأصل الاشتقاقي للكلمة- لمواد غريبة لم يسبق لها الاتّصال في أثر فنّي واحد بطريقة التّباين أو التّجاوز، وهو اختراع ينسب إلى التّكعيبيّة (cubisme)، أنشأه كلّ من بيكا وسووبراك سنة 1912، حيث أدخلا على القماش أوراقًا لاصقة» (الرّياحي، 2009، صفحة 60)
والكولاج (collage) مصطلح ينتمي لعالم التّشكيل والرّسم وهو في جوهره عملية إدماج وتركيب لموادّ واقعيّة متنافرة داخل لوحة فنيّة مازجًا « بين ما ينتمي إلى المتخيّل وما ينتمي إلى الواقع، وقد ظهر هذا المصطلح أوّل مرة سنة 1912 حين أقدم بيكاسو على إقحام أوراق ملصقة في لوحاته » (وآخرون، 2010، صفحة 358)، وسرعان ما تلقّفت هذا المصطلح السّرديّات لتستثمره في الانفتاح على فضاءات جديدة في إبداعها الرّوائي، ويقوم الكولاج في النّصوص السرديّة على توظيف مقتطفات من نصوص مختلفة والّتي قد تكون شعرًا أو رسالة أو مقالاً صحفيًّا أو نصًّا تاريخيًّا أو علميَّا كما قد تكون عناصرًا ميتا لغويّة متمثّلة في الصّور والرّسوم البيانيّة والجداول والخرائط والنّوتات الموسيقيّة، فالكولاج هو أحد مظاهر التّناص في النّصّ الرّوائي.
ولمّا كانت
«الكتابة الإبداعيّة الرّوائيّة اختراقًا لا تقليدًا واستشكالاً لا استنساخًا أو مطابقةً، إثارة لسؤال والبحث لا تقديمًا للحلول والأجوبة، ومغامرة لخوض المجهول، لا اقتناعًا بالذّات بطريقة فيها كثير من الحلم والوهم» (الخرّاط، 1993، صفحة 11)
لذا فإنّ تقنيّة الكولاج المقتبسة من فضاءات الرّسم والتّشكيل تتحوّل إلى فاعليّة سرديّة تُوظّف بإدماج أجناس مختلفة فتصبح الرّواية بواسطتها لوحة سرديّة تركيبيًّا يتمازج فيها المتخيّل بالواقعي، على أنّ مستويات توظيفه وجماليّتها تتباين عند الرّوائيّين.
و« الكولاج اللّصق collage » (الرّياحي، 2009، صفحة 60) في القواميس الأجنبيّة « فنّ بصري يعتمد على قص ولصق العديد من المواد معا وبالتالي تكوين شكل جديد » (Henri, 1985, p. 46)، وهي عندهم مصطلحًا أُلْصِقَ بالفنون التّشكيليّة فيرى « Tamine et Hubert » أنّ « عمل الكولاج الفنّي قد يتضمّن قصاصات الجرائد، الأشرطة، أجزاء من الورق الملوّن الّتي صنعت باليد، ونسبة من الأعمال الفنيّة الأخرى والصّور الفوتوغرافيّة » (Hubert, p. 54)، أي أنّ مجاله يتّسع لكلّ الأنماط والأشكال المستمدّة من واقع الحياة في أبسط صورها، لذا أصرّت الرّواية المعاصرة على الإفادة منه خدمة لجنسها الفنّي ولفاعليّته، « وقد ذهب « أراغون » « Aragon » إلى أنّ الكولاج يترجم عن واقع جديد في الفنّ، أطلق عليه عبارة الواقع الشعري la Réalité poétique » (Henri, 1985, p. 91)، وهي أدقّ عبارة تصف هذا الفنّ لجمعها بين الواقعيّة والشّعريّة أي ثنائيّة الواقع والمتخيّل الّتي يقوم على أساسها الفنّ الروائي.
كما أنّ قاموس (النّقد الأدبي) أشار إلى أنّ الكولاج هو « إقحام لأدوات شاذّة في الأثر الأدبي ... وهو نوع مخصوص من الاستشهاد والاستعارة » (Hubert, p. 54)، فهو متعلّق بنصوص غير أدبيّة وقواميس وموسوعات ولوحات فنيّة وقصاصات صحفيّة و شعارات ولافتات، « والكولاج ليس عملية عشوائيّة، بل هو عمل مدروس يحتاج مراحل كي يكتمل في صورته النهائيّة » (الرّياحي، 2009، صفحة 61)، وجوهر العمليّة الكولاجيّة قائم على مرحلتين؛ أوّلا مرحلة الاختيار والّتي تكون واعية نابعة من خلفيّات الرّوائي ورؤاه، لتليها مرحلة التّركيب وهي الأهمّ والأصعب لكونها ستظهر في العمل الرّوائي وتؤثّر على عمليّة تلقّيه.
إنّ نسج الرّوائي روايته بأجناس لا أدبيّة كالكتابة الصّحفيّة لا ينزع عن الرّواية تصنيفها الأجناسي بل هو دليل على انتمائها الرّوائي، ذلك أنّ الرّواية المعاصرة تصنع نجاحها من خلال نبذها للقواعد واختراقها للحدود.
أمّا القصاصة فهي مصطلح شاع في مرحلة التّسعينات من القرن الماضي في نصوص سعت لتأسيس نصّ هجين ينفي عن الفعل الإبداعي الجمود والقولبة، وهي من الجذر (قصّ) الّذي يحمل سمات الانفصال والانعزال وهي « ورقة صغيرة بيضاء مهملة بسبب انفلاتها من ضوابط المساحة القياسيّة » (الله، 1993)، وغالبًا ما يكون نصّ القصاصة مُوجَّهًا يعبّر عن أفكار وإيديولوجيّات الرّوائي، وفي التّعريف الأدبي لفنّ القصاصة نجده « جزءًا من ورقة أو (كرتون) أو جزءًا من قطعة بلاستيكيّة أو قماشيّة أو حتّى قطعة خشبيّة أو مساحة صغيرة في ذاكرة جوّال أو شاشة كمبيوتر كُتب عليها أو فيها مقطوعات أدبيّة وإبداعيّة » (البطران، 2011، صفحة 128)، هذا تعريف القصاصات الأدبيّة والإبداعيّة.
لكنّ القصاصات الّتي سنركّز عليها في دراستنا هي القصاصات الصّحفيّة والإذاعيّة والتّلفزيّة، وهي القصاصات الّتي يتمّ اقتطافها من الجرائد ورقيًّا أو من المذياع سمعيًّا أو من التّلفاز سمع-بصريًّا، وهي أن يقوم الرّوائي بقص مجموعة من الأخبار من جرائد مختلفة أو من مذياع أو تلفاز ليصنع منها عالمه الرّوائي وينسج من وحيها خيوطه السّرديّة، ويكون توظيفها غالبًا يحمل بعدًا أيديولوجيًّا يدافع عنه الرّوائي أو يحاوره أو يتصادم معه.
وتوظيف فنّ القصاصة في الرّواية العربيّة المعاصرة ارتبط بروايات المرحلة التسعينيّة حين أرادت الرّواية الخروج عن قيودها، نظرًا لهول الأحداث الّتي وقعت في تلك الفترة من حروب أهليّة، وتعاقب التيّارات المتصارعة بداية بالشّيوعيّة الّتي انسحبت لتجعل السّاحة فارغة ليملأها التيّار الإسلامي ثمّ الانقلاب عليه، فظلّت الشّعوب العربيّة تعاني من تعصّب وتزمّت تلك الاتّجاهات على اختلافها، الأمر الّذي ولّد الجماعات المتطرّفة والإرهاب الّذي غذّته السّياسات الحكوميّة لإرهاب الشّعوب الباحثة عن حرّيتها كلّ هذه المضامين السّياسيّة وما تخفيه من خلفيّات فكريّة وما أنتجته من أوضاع اقتصاديّة متردّية وهشّة وأوضاع اجتماعيّة مريضة فاقدة لهويّتها وذاتها الصّادقة وأوضاع سياسيّة خطيرة.
كلّ ذلك حاولت الرّواية المعاصرة التّعبير عنه دون أن تفقد خصوصيّتها الجماليّة، فجاء توظيف القصاصات الصّحفيّة والإذاعيّة والإشهاريّة كلون من التّجديد الفنّي في أشكالها وفضاءاتها، وكمواكبة ومحاورة للواقع الّذي أنشأها بمحاولة الانخراط فيه والتّموقع ضمن إحداثيّاته فأتت تلك القصاصات معبّرة عن ذلك التّمترس، لكنّ الرّوائيّين غالبًا لم ينجوا من التّطرّف بالانتصار لذلك الاتّجاه أو غيره، فنلحظ أنّ ذلك الواقع المؤدلج مارس سلطته عليهم وتجلّى ذلك في طريقة انتقاء وتوظيف القصاصات المعبّرة عن إيديولوجيّاتهم الخاصّة.
2. الكولاج الرّوائي وفاعليّة القصاصة في رواية (ذاكرة الماء)
1.2. مكوّنات الكولاج الرّوائي في رواية (ذاكرة الماء)
جاء الكولاج الرّوائي في رواية (ذاكرة الماء) متنوّعًا وثريًّا، لكنّه على تعدّده لم يكن متنافرًا فتلك الأجناس الحاضرة ضمنه تماهت ضمن كيميائه السّرديّة، ويعود ذلك لأسباب مختلفة؛ أوّلها قدرة الرّوائي الفذّة على اختيار وقصّ ولصق وتركيب وإدماج تلك المكوّنات الأجناسيّة بإتقان بالغ، وثانيها هو أنّ تلك القصاصات والمقتطفات جاءت معبّرة عن صوت واحد هو صوت الرّوائي لذا بدت منصهرة في بوتقة واحدة ضمن البناء اللّغوي الجمالي للرّواية، وثالثها البعد التّداولي الّذي تحظى به روايات « واسيني الأعرج »؛ ذلك أنّ الرّوائي النّاجح يكتسب مكانته عند جمهور القرّاء برواياته الأولى الّتي أكسبته تلك الشّهرة والمكانة، فحتّى إذا تخلّفت إحدى رواياته عن تلك المستويات فإنّ ذلك لا يبدو بوضوح لأنّ البعد التّداولي لسرده يمارس سلطته على قارئه، ونعرض في هذا الجدول الأجناس الفنّيّة الحاضرة في الرّواية ومواضع حضورها :
الجدول 1: الأجناس الفنّيّة الحاضرة في رواية (ذاكرة الماء)
الجنس الفنّي |
مواضع حضوره |
العدد |
النّسبة |
الشّعر |
ص: (23، 141، 214، 229، 236) |
5 |
7,81 % |
الغناء |
ص: (224، 280، 308) |
3 |
4,69 % |
المذكّرات الشّخصيّة |
ص: (20، 24، 141، 175) |
4 |
6,25 % |
الموسيقى |
ص: من (3-39) |
1 |
1,56 % |
الجداريّات (كتابات الجدران) |
ص: (50، 131، 155، 211) |
4 |
6,25 % |
النّصب التّذكاري |
ص: (120) |
1 |
1,56 % |
الرّسائل |
ص: (50-51، 55، 77، 78، 95-98، 176، 179-187، 229) |
8 |
12,50 % |
التّشكيل |
ص: (53، 300) |
2 |
3,12 % |
الإهداء |
ص: (151) |
1 |
1,56 % |
الأمثال الشّعبيّة |
ص: (22، 58، 60، 65، 69، 72، 167، 168، 176، 187، 193، 198، 220، 221، 252، 261، 285، 333) |
18 |
28,13 % |
الصّورة الفوتوغرافيّة |
ص: (110) |
1 |
1,56 % |
الشّعارات |
ص: (139، 283) |
2 |
3,13 % |
الخطب الدّينيّة |
ص: (282) |
1 |
1,56 % |
مقتطفات الكتب |
ص: (275) |
1 |
1,56 % |
القصاصات الصّحفيّة والإذاعيّة والتّلفزيّة |
ص: (18، 21، 25، 39، 47، 47، 61، 72، 134، 135-136، 176، 177) |
12 |
18,75 % |
المصدر: (الأعرج، 2008)
على الرّغم من ثراء وتنوّع مكوّنات الكولاج الرّوائي إلاّ نسب تلك المكوّنات تباينت؛ فنجد نسب فنّي الأمثال الشّعبيّة والقصاصات استحوذت على مساحة الكولاج الرّوائي، تليها نسبة الرّسائل بحضورها الواضح، ليأتي بعدها الشّعر والمذكّرات الشّخصيّة والجداريّات والغناء بنسب متقاربة، ثمّ تتذيّل الموسيقى والنّصب التّذكاري والتّشكيل والإهداء والصّحافة والصّورة الفوتوغرافيّة والشّعارات والخطب الدّينيّة ومقتطفات الكتب نسب الكولاج.
1.1.2. الشّعر
حضور الشّعر في الرّواية هو إحدى الطّرق لكسر روتينيّة السّرد، كما أنّه يُعدُّ أحد مظاهر التّداخل بين الأجناس الأدبيّة « كما يمكنها أن تشكّل ملمحًا ميتاقصّيًّا سواءً كانت منسوبة إلى شاعر آخر كشكل من أشكال التّناص، أو شاعر له حضوره الدّاخلي كشخصيّة من شخصيّات الرّواية » (حمد، 2011، صفحة 140)، ويُوظّف الشّعري في الرّواية لأغراض مختلفة منها توضيح دور الشّخصية الرّوائيّة، أو كمحطّات توقّف تفصل الوحدات السّرديّة ومستويات الحكي، أو قد يأتي كزينة شعريّة لفضاء الرّواية، وقد يكون عاملاً جوهريًّا في التّكوين السّردي، وليكون تحوّل الخطاب الرّوائي من السّردانيّة إلى الشّعريّة مفيدًا ممّا تتيحه الأخيرة من أخيلة وفضاءات جماليّة، ويحضر الشّعر بواسطة أبيات للشّاعر « يوسف » أحد أبرز شخصيّات الرّواية :
« يا صديقي / يا بعض صديقي / يا كلّ صديقي / ضُمَّ البحر بين يديك وارحل / خُذْ لونه في عينيك وهاجر / خُذْ كلّ موجة هاربة منه، واخرج من هذه الدّنيا / وإذا لم تستطع، خذ نحيبه وصراخه وارحل / وإذا لم تستطع، اعشقه وودّعه / رُدَّ له بعض رماله وحجارته، وسافر / وإذا لم تستطع، ضع يديك في جيبك وانتحر ». (الأعرج، 2008، صفحة 236)
فنلحظ الحدّة والعنف اللّذَيْنِ كُتبت بهما لغة الأبيات، لتصل إلى ذروتها في الكلمة الأخيرة (انتحر)، والشّعر هنا يكثّف حالات السّرد وينقلها من التّحليلات النّثريّة إلى الانفعالات الشّعريّة، وللتّخفيف من حدّة الجرائم والدّمويّة الطّاغي على الرّواية ككلّ.
كما أنّ لغة الرّواية كثيرًا ما تتحوّل إلى الشّعريّة في أشدّ حالات السّرد يأسًا أو حبًّا، ومن نماذج اللّغة الشّعريّة إبداع الرّوائي في وصف الحبّ الأبوي الّذي أغدقه على ابنته ريما يقول على لسانها:
«كلّما وَضَعَتْ الحنّاء في كفّيها ورسمَتْ بالشّمع وبحرقته نقاط بيضاء، تشعر بالأمطار تتهاطل في داخلها وبالشّموس تملأ قلبها الصّغير وبالقرية البعيدة، تأتي كالماء، دفعة واحدة» (الأعرج، 2008، صفحة 153)
هذه القطعة تحمل القارئ إلى عوالم شعريّة جميلة، كما يصف تأثّرها بالأحداث المأساويّة في شفقة رقيقة في قوله: « ثمّ تتشظّى في فراشها مُتعبة كنجمة قَطَعَتْ سماءً بكاملها مُفردةً قبل أن تنكسر في الفضاء إلى ملايين القطع الصغيرة المليئة بالنّور » (الأعرج، 2008، صفحة 153)، فالقطعتان تظهران مدى جماليّة اللّغة في الرّواية والّتي ظهرت في مواضع عديدة على أنّها لم تكن طاغية لغلبة الإيديولوجي عليها، وفي مواضع أخرى اتّكأت لغة الرّواية على التّكرار السّطري1 حتّى كأنّها قصيدة من الشّعر الحرّ.
2.1.2. الغناء والموسيقى
ضمن الكولاج الرّوائي يحضر عنصرا الغناء والموسيقى بِعَدِّهِمَا درجة أعلى من الشّعر في السّلّم الهارموني للّغة بما يتميّزان به من تسارع نغمي، فعنصر اللّحن الموسيقي المُضاف للّغة الشّعريّة يبدو بوضوح ضمن الكولاج مقارنة ببقيّة المكوّنات، وفي ذلك يقول « حسن لشكر » :
«تحرص الأغنية -كبعد موسيقي- باعتبارها مَعِينًا سرديًّا أو ملفوظًا يتوالد نصّيًّا عبر مونتاج سمعي-مقروء يهاجم آذاننا بسيل من المؤثّرات الصّوتيّة تعمل على مستوى لاوعي السّارد، إنّ الموسيقى/الأغنية توحي بعواطفه الباطنيّة وتحدّد ملامح شخصيّته » (لشكر، 2011، صفحة 98)
فالسّرعة والخفّة الّتي تميّز الأغنية تنقل بصدق ودقّة المشاعر والعوالم الخفيّة الكامنة في وعي الرّوائي، أو تلك العوالم المتخيّلة والمشاعر الاستثنائيّة الّتي يرجو نقلها إلى قارئ روايته عن طريق بعض شخصيّاته، كما أنّ الأغاني تضاعف من حساسيّة الحدث الدّرامي وفاعليّة السّيرورة السّرديّة، ذلك أنّ « النّسق الموسيقي بامتداداته المختلفة (غناء، أداء، لحنا) رافدٌ من روافد البناء والمعرفة الرّوائيّة ومظاهر الهارمونيّة » (لشكر، 2011، صفحة 105)، فالأغاني بشقّيها العربي والوطني-الشّعبي يشكّل إضاءة للوضع الثّقافي السّائد تلك الفترة.
وقد ورد في ثلاثة مواضع؛ اثنان منها كان من خلال الأغنية الشعبيّة الّتي هي أحد مظاهر «الفنّ الأصيل» (خلف، 2009، صفحة 70)، ففي الموضع الأوّل عبّرت عن البعد الطّفولي للغناء الشّعبي: «يا النّوّ صُبّي./ ما تْصُبِّيشْ عليّ. / حتّى يْجِي خُويَا حَمُّو. / ويغطِّيني بالزّربيّة» (الأعرج، 2008، الصفحات 224-225)، وكأنّ الرّوائي يريد إثبات كم في تراثنا من جمال طفولي حاول الآخر الهمجي حذفه وإلغاءه، كما أورد مقطعًا من أغنية «الشّيخ العفريت»: « إذا نبكي من الهجران / إذا بْكى العاشق يرتاح » (الأعرج، 2008، صفحة 308)، فاختار المقطع الحزين لتلوين المشهد الجنائزي والتّعبير عن الحزن الكبير الّذي يأكل روح الرّوائي بعد دفن صديق روح الشّاعر « يوسف ».
كما وردت ضمن الرّواية إشارات إلى فنّانين وهروبهم من الجزائر في ظلّ الإرهاب وآلة القتل، من بينهم مغنّية قسنطينة « أليس فيتوسي » (الأعرج، 2008، صفحة 167) الّتي صمتت خوفًا حتّى إنّ أغانيها أصبحت تُتداول بسريّة وخفاء، ومثلها المغنّية الشّعبيّة « الرّميتي أورنيت » (الأعرج، 2008، صفحة 168) الوهرانيّة الّتي حُضرت أغانيها لكثرة الإيحاءات الجنسيّة فيها ففرّت إلى وراء البحار.
كما حضرت الأغنية المشرقيّة بأيقونتها المميّزة « فيروز » :
أنا وشادي غنّينا سوى / العبنا بالثّلج / اركضنا بالهوى / وكتبنا على أحجار، قصص صغار / ولوّحنا الهوى ... (الأعرج، 2008، صفحة 314)
فالخروج من المنثور السّردي إلى المنظوم الغنائي يلوّن الرّواية بغنائيّة خفيفة تكسر من حدّة ووطأة الإيديولوجي على الرّواية، واعتماد الأغنية الفيروزيّة لكونها رمز الرّقّة والجمال عند العرب كافّة جاء في الرّواية تعبيرًا عن شدّة التّطرّف السّائد في الجزائر تلك الفترة، فيكفي أن تكون ديانة فيروز المسيحيّة دليلاً على تكفيرها وتكفير غنائها وتكفير من يسمع لها وربط كلّ ذلك بالطّاغوت المتمثّل في السّلطة الحاكمة على زعمهم، فنلحظ الفهم السّقيم للدّين الإسلامي في ظلّ تلك الفوضى المعتقديّة.
3.1.2. المذكّرات الشّخصيّة
كما نجد فنّ كتابة المذكّرات واليوميّات الّتي كانت عنصرًا فاعلاً وأساسيًّا في السّرد وفاعليّتها توازي فاعليّة القصاصات؛ وتمثّلت في مذكّرة الشّخصيّة ريما ابنة الرّاوي الّتي اعتادت كتابة الأحداث اليوميّة في كرّاسها الّذي أسمته (سلطان الرّماد) وهو عنوان يحمل دلالة رمزيّة على طغيان الخراب في واقعهم، من ذلك:
«شيء ما يؤلمني، أجهله تمامًا، في هذا الصّباح لم أقم باكرًا كعادتي حتّى قطّي لم أعد أراه، أشعر بانقباض في قلبي وبألم عميق لا أعلم مصدره، وبتعب لا أدري من أين يتوالد كالمرض» (الأعرج، 2008، صفحة 213)
فالرّوائي حمّل هذه الشّخصيّة على حداثة سنّها مسؤوليّة التّعبير عن حدّة الأزمة الوطنيّة المنعكسة على نفسيّات المواطنين، لذا يأتي تعبيرها غالبًا عميقًا وكأنّها تنوب عن الرّوائي أو ربّما يريد هذا الأخير أن يوصل للقارئ أنّ تلك العشريّة القاتمة جعلت الأطفال يكبرون وينضج وعيهم سريعًا لذا تأتي الكلمات رمزيّة عميقة حادّة.
4.1.2. الجداريّات والنّصب التّذكاري
يعدّ فنّ الجداريّات من أقدم الفنون الّتي ظهرت منذ فجر التّاريخ، حيث ارتبط قديمًا بالإنسان الأوّل وبعمليّة بحثه عن هويّته الاجتماعيّة وتوثيق مسيرته الحضاريّة، وتعرّف على أنّها : « اللّوحات الكبيرة سواء المرسومة أو المحفورة أو المصنوعة بطريقة المرزابيك (الفسيفساء) » (حسن، 2020، صفحة 222)، وهو فنّ عفوي تلقائي لا يحتاج إلى مراسم أو قاعات عرض بل يقع في مجال بصري مفتوح بالنّسبة للمتلقّي، وغالبًا ما يحمل الطّابع الاحتجاجي على الأوضاع السّياسيّة أو الاجتماعيّة أو الدّينيّة السّائدة؛ في طريقة حدوثه المرتبطة بالجانب الشّعبي وفي مضامينه، لذا أصبح هذا الفنّ في العصر الحاضر « يحمل رسالة ثقافيّة أو سياسيّة في المقام الأوّل وأخرى جماليّة » (حسن، 2020، صفحة 223)، هذه الخصّيصة الأخيرة تتعلّق بجوانب مختلفة من الجداريّات سواء على المستوى البصري التّشكيلي المتعلّق باستعمال الألوان ونوع الخطوط والرّموز والأشكال المعبّرة، سواء على المستوى الرّسالي بما تحمله من مضامين مرتبطة بالضّمير الجمعي للمتلقّي، سواء على المستوى الأدبي الجمالي بما يميّز عباراته من سمات الإيجاز والبلاغة والسّجع والجناس والتّشكيل الصّوتي والتّقفوي والإيقاعي والشّعاري وغيرها من الآليّات الجماليّة الّتي تصنع شعريّة الجداريّة.
وقد ورد هذا الفنّ في الرّواية في أربعة (4) مواضع كجداريّة وفي موضع واحد (1) كنصب تذكاري، حيث دارت الجداريّات حول الخطاب الإرهابي الّذي عكفت عليه الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ، وقد وظّفها الرّوائي للتّدليل على حجم الخطر الّذي ميّز خطاب هذا التّيّار وفهمه الخاطئ للدّين ولأحكام الولاء والبراء فيه بنقلها من الكافر وتطبيقها على المسلم، لكنّ هذا التّوظيف لا يخلو من مبالغة خاصّة في الجداريّة الأولى في عبارة : « قُلْ إنَّ الإرهاب من أمر ربّي » (الأعرج، 2008، صفحة 50)، فالتّعبير في جداريّة تمثّل خطاب الجبهة بمفردة الإرهاب أمر مستبعد ذلك أنّ الجبهة استطاعت استمالة نسبة كبيرة من الشّعب الجزائري بخطابها الإسلامي الّذي وجد صدًى في قلوب الجزائريّين، كما يبدو تحامل الرّوائي حين وظّف مصطلح أسلمة (المدن، المؤسّسات، القرى) وكأنّه ينفي عن الجزائر إسلاميّتها، كما يبدو من وصفه للإسلام ولمظاهره بالتّقليد والثّوب البالي الّذي يجب نزعه، ونلحظ أنّ الإسلام الّذي يشير إليه الرّوائي يميل إلى أهل البيت في إشارة إلى البعد الفاطمي المتجذّر في الشّعب الجزائري وذلك حين يستعمل شخصيّة « عليّ بن أبي طالب » و« العبّاس » رضي الله عنهما.
وأشار بجداريّة النّصب التّذكاري إلى جذور الخطاب المتعصّب في الوعي الجزائري حين حطّم رئيس البلديّة تمثال المرأة الّذي كان الرّوائي يعشقه في طفولته، وعدَّ ذلك إشارة مؤكّدة على نبذ الدّولة الجزائريّة المستقلّة كلّ مظاهر الفنّ والجمال والانخراط في التّزمّت والتّقوقع الّذي مُورس عليها طوال المرحلة الاستعماريّة، واتّخاذ رمز الشّهيد حجّة لذلك.
5.1.2. الرّسائل
يحمل فنّ التّرسّل سمات البوح والاعتراف الحميمي المتجرّد من سياقات الموقف وما تفرضه من عراقيل، لذلك عُدّت الرّسالة كاشفًا جوهريًّا لجوانب الشّخصيّة الواقعيّة والدّاخليّة، وتوظّف في الرّواية لكشف بعض أسرار الحكاية السّرديّة أو للكشف عن معلومات تُوظّف لاحقًا في المضمار السّردي، ونجد الرّسالة هنا تتفاعل بعمق مع الوحدات السّرديّة فأشبعت فضول القارئ القصصي.
ولم تكن الرّسائل الموظّفة في الرّواية منغلقة على عاطفة ذاتيّة فرديّة بل تغلّفت بهواجس المأساة الوطنيّة، حتّى تحوّلت المشاعر بين الشّخصيّتين المتراسلتين من حبّ ثنائي مكرّر إلى حبّ متعدّد الأبعاد ضمن بوتقة الوطن الجريح، من ذلك رسائل البطل إلى زوجته مريم ورسائلها إليه (الأعرج، 2008، الصفحات 102-105، 196-206)، على الرّغم من أنّ رسائل مريم كانت حارّة متأجّجة ممّا جعل الرّوائي ينخرط في المنظومة الذّكوريّة الّتي تتسيّد بادّعاء أنّه مرغوب أكثر ممّا هو راغب من ذلك قوله : « بُعدُكِ يرميني إلى بعد آخر، يشبه فراغات الذّاكرة، يملأني في غفلتي هذه » (الأعرج، 2008، صفحة 261)، وقد كانت الرّسائل طويلة تستغرق صفحات كثيرة ربّما لإيمان الرّوائي بوجود ذلك الشّغف الفطري الكامن داخل كلّ قارئ الّذي يتجسّد في فضول يحدوه لقراءة طوال الرّسائل لكون الأخيرة بساط الاعتراف والإقرار عند الذّات الإنسانيّة، ومنه فإنّ الرّسالة أسهمت في نسج خطاب روائي متعدّد الأصوات.
6.1.2. التّشكيل
يُعدُّ التّشكيل من أهمّ أسس الحضارة الإنسانيّة، فلا يستغني عن معرفته أديب ولا فيلسوف ولا شاعر ولا فنّان، لكون المعرفة التّشكيليّة تنمّي الحسّ الذّوقي الجمالي لدى المتلقّي، كما تُعدُّ الإحاطة بها وبأسرارها الدّقيقة دليل على رحابة أفق الرّوائي الجمالي وثراء تجربته الفنّيّة.
وكشف عنصر التّشكيل رغم تراجع مساحته ضمن الكولاج الرّوائي على جانب مهمّ في تجربة الرّوائي « واسيني الأعرج »، فهو استحقّ هذه المكانة الرّوائيّة بحساسيّته الجماليّة الدّقيقة؛ من خلال تعبيراته الواصفة لجمال العمارة التّشكيليّة وتناسق أشكالها وانسجام ألوانها الّذي جاء تحسّرًا على جزائر الماضي، هذا الجمال التّشكيلي الّذي ظلّ يتراجع في جزائر الإرهاب من ذلك قوله :
«ننظر بدهشة المكتشف للمرّة الأولى إلى هندسة بناياتها وزخرفات شرفاتها المذهلة، أو تخطيطات الموزاييك الّتي تعطي مياه الأمطار الّتي تغسلها، إشعاعًا خاصًّا لألوانها الآجوريّة. أقواس البنايات التّركيّة والأوروبيّة، والتّماثيل العارية لملائكة ضائعين، يرفعون بلذّة شرفات تطلّ منها نساء جميلات في مساءات الخريف الّذي دخل هذه السّنة مبكّرًا. ماذا بقي الآن...» (الأعرج، 2008، صفحة 53)
هذه اللّوحة الفنّية الّتي تصف جمال التّشكيل العماري تنقل متلقّيها إلى عالم الخيال والجمال والألوان من خلال التّشكيل الصّوتي النّغمي لمفردات مثل : موزاييك، إشعاعًا، الآجوريّة، ملائكة، لذّة، شرفات، مساءات، فالسّحر الكامن فيها ألقى بظلاله على المقطوعة السّرديّة، حتّى كأنّ قارئها يستمع لسمفونيّة فريدة تنبع من عمق الماضي.
7.1.2. الإهداء
على الرّغم من الخصوصيّة والمقصديّة الّتي تميّز مكوّن الإهداء إلاّ أنّه في أدب الحداثة اكتسب أبعادًا جماليّة وعى لأهميتها الأدباء، و« واسيني الأعرج » الرّوائي المُولع بكلّ مظاهر الجمال استحضره ضمن نسيجه الكولاجي، فجاء الإهداء في ديوان صديقته المغربيّة، والّذي كُتب بخطّ مغربي مستدير : « الحبيب الصّديق ... ها أنا ذي كلّي بين يديك، لقاء مشترك جوهري على أمواج الشّعر، الّتي لا تُؤجّل بتقدير ومحبّة عالية » (الأعرج، 2008، صفحة 164)، وهو يكشف هنا عن ذلك الخيط الرّقيق الشّفّاف الّذي ينسج علاقات الأدباء وخاصّة تلك العلاقة الّتي تقوم بين الشّاعر والسّارد، وهو أمر يُوضع في كفّة الصّراع المضادّة الّتي تحمل التّيّار الحداثي والّتي يقابلها التّيّار المضادّ من إرهابيّين وسلطة متآمرة، كما أنّ إخفاء الرّوائي لاسم الشّاعرة هو محاولة لتحريض ذاكرة القارئ واستحضار وعيها القرائي، أو لإضفاء بعض سمات الغموض الّتي تنسج الكولاج الرّوائي الكلّي.
8.1.2. الأمثال الشّعبيّة
نظرًا لارتباط الأمثال بالثّقافة الشّعبيّة لذا فهو كثير الحضور في الرّوايات لما يكتنزه المثل الشّعبي من معانٍ وإيحاءات موجزة في عبارته، وهو « ضرب من التّعبير عمّا تزخر به النّفس من علم وخبرة وحقائق واقعيّة بعيدة البعد كلّه عن الوهم والخيال » (إبراهيم، 1974، صفحة 147)، ومن هنا تأتي أهمّيته في الرّواية ببعده الواقعي الّذي يصنع لها تكافؤها ضمن معادلة المتخيّل والحقيقي فيها.
ووظّفت الرّواية الأمثال وكانت كلّها أمثال شعبيّة سائدة في المجتمع الجزائري في محاولة من الرّوائي لنقلها من المحليّة إلى العالميّة عبر روايته، وكلّها في مدار اليأس والقنوط الّذي لم يتخلّص منه الجزائري من العهد الاستعماري إلى العهد الإرهابي، من ذلك « سيدي مليح وزاد الرّيح » (الأعرج، 2008، صفحة 252) في إشارة لتأزّم الأوضاع تلك الفترة، و« خلّطها تصفا » (الأعرج، 2008، صفحة 65)، ويرمز إلى العجز على فهم الواقع، و« عاش ما كسب مات ما خلّى » (الأعرج، 2008، صفحة 69)، الّذي يدلّ على الفقر الملازم وتكرّر هذا المثل بشكل فجّ في الرّواية، و« ما بقى للعمياء، سوى الكحل » (الأعرج، 2008، صفحة 70)، الّذي يجسّد السّخريّة من الواقع المقلوب.
9.1.2. الصّورة الفوتوغرافيّة
ونجد إلى جانب بقيّة عناصر الكولاج الرّوائي توظيف الصّورة الفوتوغرافيّة، الّتي تُظهر بشكل فاصل ودقيق الأبعاد الموضوعيّة لتوظيفها؛ فهي ترد في الرّواية كدلالة مباشرة بشخوصها وأدوارهم وغالبًا ما تكون للاستذكار واستحضار الماضي، أو غير مباشرة لأنّ « الوقائع البصريّة في تنوّعها وغناها تشكّل لغة مسنّنة أودعها الاستعمال الإنساني قيمًا للدّلالة والتّواصل والتّمثيل » (بنكَراد، 2003، صفحة 79)، فالدّلالة المرتبطة بالصّورة الفوتوغرافيّة ثريّة وعميقة ومتعدّدة الأبعاد لأنّ مؤثّراتها متنوّعة.
ووردت في الرّواية حين قال الرّوائي: «صورة أُخذت بحمّام الوردة عام (.....) المتصوّرون وهم على التّوالي: لزعر الحمصي، الحاجّة أميزار بنت الصّغير، وبجانبها المرحومة خالتي حليمة طيّابة حمّام الوردة » (الأعرج، 2008، صفحة 150)، وهي صورة تعبّر عن حنين الرّوائي الجارف لمسقط رأسه تلمسان، وإلى ماضي جميل رفقة أمّه أميزار في قريته، ليُظهر الفرق بين الماضي الآمن المضيء والحاضر المخيف القاتم، كما أنّها قرّبت من القارئ الأبعاد التّجسيديّة للمتخيّل الرّوائي وكشفت عن أسرار الشّخصيّة البطل بِعَدِّ الطّفولة مهد أسرار ومفتاح معرفة خبايا كلّ شخصيّة.
10.1.2. الشّعارات
تستمدّ الشّعارات أهمّيتها من تأثيرها الرّمزي الدّعائي، وبما تتميّز به من إيجاز وبساطة تجعل عمليّة تداوله والتّواصل معه ميسورة، فهو بنية لغويّة مكثّفة ومستقلّة تؤسّسها الجماعة الإنسانيّة ضمن ظروف سياقيّة خاصّة، « ومتى راج الشّعار واستمدّ شعبيّته ومشروعيّته من الوقائع الحَدَثيّة، ورديفتها المكانيّة الزّمانيّة، بات متّكأً لغويًّا سائرًا ومرجعَ إسنادٍ واسع الانتشار وسهل الاستحضار، مشافهة أو كتابة » (سراج، 2022، صفحة 66)، وقد استعانت به الرّوايات المعبّرة عن مراحل تاريخيّة واقعيّة من تاريخ الشّعوب، وجاء برهانًا على صدق الأحداث وواقعيّتها لأنّ الشّعارات مثل الأمثال سهلة الاستحضار لاختصار عبارتها وهي أرسخ في الذّاكرة الجماعيّة، وتوظيفها ضمن الكولاج الرّوائي لا يستحضر بنيتها اللّغويّة فحسب بل هو استحضار لمحمولاتها الدّلاليّة والرّمزيّة والتّداوليّة والسّياقيّة في تلك المرحلة الّتي تُدول فيها الشّعار.
ونجدها حاضرة في الرّواية من ذلك: « عليها نحيا، وعليها نموت، لا ميثاق لا دستور، قال الله، قال الرّسول، دولة إسلاميّة .... » (الأعرج، 2008، صفحة 150)، فالشّعار هنا صوت خارجي جماعي يمثّل الأفكار الجاهزة والّتي استغلّها الرّوائي للتّعبير عن إيديولوجيّته تجاه الإسلاميّين في تلك المرحلة.
11.1.2. الخطب الدّينيّة
وُظّفت في موضع واحد (1) من الكولاج الرّوائي، والّذي جاء ترسيخًا للموقف الإيديولوجي والسّياسي من التّيّار الإسلامي المُمثّل في الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ، وذلك حين دار الحوار بين الرّوائي وسائق الأجرة المنخرط في الجبهة والصّدام الّذي حدث بينهما وكأنّه نموذج للحوارات السّائدة في مرحلة العشريّة السّوداء والّتي كانت تدور بين المتعصّبين والمثقّفين، وكان توظيف مقطعٍ من الخطبة الدّينيّة للإمام « كشك » والمتمثّل في : « يا ذرّيّة الرّسول انهضي من سباتك، الطّاغوت يتهاوى... » (الأعرج، 2008، صفحة 282)، مُوفّقًا لأنّ خطاب هذا الأخير استحوذ على الخطاب الدّيني المناهض للسّلطة الحاكمة في تلك المرحلة، ونلحظ تكرارًا لمفردة (الطّاغوت) الممثّل للسّلطة وذلك للبعد التّداولي لهذا المصطلح والّذي تميّز به خطاب الجماعات المسلّحة في كلّ العالم العربي، فرسّخ المقطع موقف الرّوائي من تلك الجماعات في مسار إلحاحه عليه ضمن الكولاج الرّوائي من خلال بقيّة مكوّناته.
12.1.2. مقتطفات الكتب
وحضرت كذلك في الرّواية مقتطفات الكتب من ذلك المقتطف المأخوذ من كتاب (حقيقة التّنظيم الخاص) لـ« محمود الصبّاغ »، دار الإيمان، مليانة، الجزائر، « إنّ خيانة وإفشاء سرّ بحسن قصد أو بسوء قصد يعرّض صاحبه للإعدام، وإخلاء سبيل الجماعة، مهما كانت منزلته ومهما تحصّن بالوسائل، واعتصم بالأسباب الّتي يراها كفيلة له بالحياة » (الأعرج، 2008، صفحة 275)، وكأنّ البلاد أصبحت مرتعًا لحرب العصابات والجماعات المسلّحة وكأنّه لا وجود لسلطة ولا جيش ولا نظام، وهذا المقتطف يُظهر مدى خطورة تأثير تلك الجماعات والّتي لم تكتف بالخطاب الدّيني الوعظي بل جنّدت وحرّفت كلّ تعليماته لتأجيج السّاحة السّياسيّة والاجتماعيّة، ويُدعّم هذا المكوّن الكولاجي موقف الرّوائي ويجلب له تعاطف المتلقّي، فتداول مثل هذه المقتطفات الّتي كانت في الخفاء عند التّنظيمات المسلّحة وتحوّلها إلى خطاب مُشاع لدى العامّة الجاهلة الأمّيّة هو أمر أشبه بقنابل موقوتة.
2.2. فاعليّة القصاصة في رواية (ذاكرة الماء)
استمدّت القصاصة أهمّيتها من قربها من الواقع وهو ما وسمها بالصّدق، وفي ذلك يقول « إدوارد أرمور » : « لكي نقنع الآخرين بما نريد ينبغي أن يصدّقوا حديثنا أوّلاً، ولكي يصدّقوا حديثنا ينبغي أن يكون حديثًا صادقًا، ولكي يكون حديثًا صادقًا، ينبغي أن يكون واقعيًّا » (هاري، 2001، صفحة 14)، ولمّا كان موضوع دراستنا يختصّ بالقصاصات الصّحفيّة الإعلاميّة، والصّحافة تُعنى بتقصّي وجمع الأخبار وتحريرها ثمّ نشرها دوريًّا وهذه الأخبار تتعلّق « بكلّ ما يخصّ الحياة العامّة في أبعادها السّياسيّة والثّقافيّة والرّياضيّة ... لهذا فالصّحافة من أهمّ المقوّمات الّتي تؤثّر في تكوين الرّأي العام وتوجيهه » (صليحة، 2011، صفحة 27)، ومعلوم الرّواية والصّحافة تتداخلان لوظائف عديدة، فالخبر الصّحفي يأتي على هيئة أحداث جديدة، وقد يُضمّنه الرّوائي أفكاره ومواقفه وتحليلاته السّياسيّة، فالصّحافة هي وسيلة الرّوائي لتمرير إيديولوجيّته ومواقفه السّياسيّة النّاقدة.
وردت القصاصات في اثني عشرة (12) موضعًا من الرّواية بما نسبته (18,75 %) وهي نسبة مهمّة تأتي بعد نسبة الأمثال الشّعبيّة، لكنّ نسبة التّواتر لا تُوازي فاعليّة الحضور والتّأثير، ذلك أنّ القصاصة تستأثر بمساحة أوسع في الفضاء الكتابي للرّواية وبخطاب أطول على خلاف المثل، وقد وردت القصاصات ضمن القسم الأوّل من الرّواية المُشكّلة من قسمين، والمُعنون بـ (الوردة والسّيف)، وهناك علاقة رمزيّة تربط بين عنوان القسم الأوّل (الوردة والسّيف) الّذي وظّف فنّ القصاصة، فكأنّ الوردة هي الطّبقة المثقّفة وسيف الإرهابيّين يسعى لقطعها وقطفها، وهو الموضوع الّذي تدور حوله أغلب القصاصات.
وتنوّعت القصاصات بين صحفيّة (من الجرائد) وهي الأكثر ورودًا وإذاعيّة وتلفزيّة في موضعين (2)، فلجأ « واسيني الأعرج » إلى المزاوجة بين وحدات السّرد الروائي ووحدات التّوثيق الصحفي في محاولة للرّجوع بالأحداث إلى مسرحها الواقعي، فحين يسعى الرّوائيّ إلى تدعيم أيديولوجيّته بالحجج الواقعيّة فإنّه يوظّف النّصّ الصّحفي في روايته، « فالرّواية يلتقي فيها الخطاب الصّحفي كعلامة دالّة، وكجانب يدعّم واقعيّة الأحداث وإن كانت من صنع الخيال » (فريزة، 2013، صفحة 157)، لكنّ « الأعرج » فضّل أن تكون قصاصاته نصوصًا حقيقيّة فنزعها من صحف وطنيّة مختلفة ليتّكئ عليها في كتابته الرّوائيّة، واكتفى بالصّحف الوطنيّة فلم نجد حضورًا لصحف عربيّة أو عالميّة ربّما لأنّ أزمة الجزائر لم تلق اهتمامًا أو صدًى عالميًّا وربّما للتّكتّم والتّعتيم الّذي مارسته السّلطة على تلك الأحداث المأساويّة، وكانت مصادر القصاصات هي جرائد : الشّعب، الوطن، المجاهد، المجاهد الأسبوعي، الوحدة، الخبر، وهي مصادر متنوّعة لكنّها تبدو في الرّوايات أحاديّة المنبع لأنّها صوت السّلطة وسوطها الّذي استعملته للتّلاعب بالشّعب.
وتنذر مقدّمة الرّواية بفاعليّة القصاصات فيها حين يقول الرّوائي : « أمام هذه الكومة من الأوراق، والقصاصات الصّحفيّة القديمة » (الأعرج، 2008، صفحة 15)، وهو الأمر الّذي تكرّر في مواضع كثيرة من الرّواية، حيث قامت تلك القصاصات بدور استرجاعي للذّاكرة الرّوائيّة؛ فجمع القصاصات المكوّمة أمام ناظر الرّوائي تستحضر الماضي البعيد الكامن في ذاكرته ليسقطه على حاضره ويستشرف مستقبله « كنت مأخوذًا ببقيّة الكتابات القديمة الّتي كانت، كلّما قرأت حروفها تقذف بي بعيدًا نحو ذاكرة مجروحة وقلقة » (الأعرج، 2008، صفحة 22)، فتقانة القصاصات أيقظت وعي الكاتب والمتلقّي معًا، فتحوّلت من مجرّد كومة أوراق قديمة متناثرة إلى محرّض لذاكرته حيث يصفها قائلاً : « فهي كلّ حياتي وبعض من تمزّقات هذا البلد » (الأعرج، 2008، صفحة 17)، وارتباط الرّوائي بالقصاصات وثيق، فحين غادر بيته للمخبأ الّذي قضى فيه طيلة الزّمن الرّوائي رافقته، بل يعاملها كمكوّن إنساني حين يقول : « أخاف عليها من قسوة هذه المدينة » (الأعرج، 2008، صفحة 18)، ليبدأ سرده كلّما قفزت أمامه قصاصة لينطلق بعدها في استحضار الحدث الكامن فيها، أو في وصف تأثير الخبر عليه.
ويستهلّها بقصاصة خبر تغيير النّظام الأسبوعي وفق العطل الإسلاميّة الوارد في جريدة الخبر العدد 179 :
«ابتداءً من الأسبوع القادم سيشرع في تطبيق النّظام الأسبوعي الجديد، وعليه سيصير يوما الخميس والجمعة هما نهاية الأسبوع، بدلاً من يومي السّبت والأحد، تمّ هذا التّغيير بالاتّفاق بين مختلف الوزارات، والمجلس الإسلامي الأعلى » (الأعرج، 2008، صفحة 18، 25)
ويتكرّر الخبر نفسه في جريدة المجاهد العدد 197، وهي بمثابة تحريك للذّاكرة الجماعيّة والعودة بها إلى بداية أحداث العشريّة السّوداء، فكانت مثل هذه الأخبار مؤشّرًا على النّزوع الإسلامي للسّلطة الحاكمة.
وتُظهر القصاصة الموالية سمة الغدر الّتي تميّز القتلة؛ فقاتل المفكّر « بوخبزة » مدير الدّراسات الإستراتيجيّة « كان قد جاءه قبل أيّام يطلب منه المساعدة للحصول على عمل ووعده .. على بذل مجهود خاصّ للحصول على عمل» (الأعرج، 2008، صفحة 21)، ويدلّ الخطأ اللّغوي في استعمال حرف الجرّ (على) مع الفعل (وعد) المستوى اللّغوي المتدنّي لجرائد تلك المرحلة بما يعكس الانحطاط المستشري في أغلب القطاعات، كما أنّ القصاصة لم تتحدّث عن انتماء القاتل، فالقتلة الّذين تحدّثت عنهم الرّواية مصدرهم إمّا السّلطة الخفيّة السّاعية لتدمير البلاد أو الإسلاميّين الّذين استعملتهم السّلطة.
وكانت القصاصة الموالية مانشيت عنوان قديم « 19 جوان 1965. التّصحيح الثّوري يضع حدًّا للشّعبويّة» (الأعرج، 2008، صفحة 39)، فذكر هنا التّاريخ لأهمّيته في الرّجوع بالذّاكرة إلى مرحلة الاستقلال، واكتفى الرّوائي بالعنوان ولم يرغب في معرفة بقيّة الحدث يقول : « البقيّة كنت أعيشها في هذا الفجر القلق الّذي لم تنسحب ظلمته بعد. كنت أبحث عمّاذا يختفي داخل هذه القصاصات... أينما رحلت، وجدتها تقتفي خطواتي؟ لقد صارت فيّ » (الأعرج، 2008، صفحة 39)، فما حدث بعد تلك المرحلة أظهر مدى الأخطاء المُرتكبة في حقّ البلاد الّتي نالت استقلالاً ظاهريًّا وليس حقيقيًّا وكانت نتيجته مأساة العشريّة، فالرّوائي جعلنا نستشعر مدى يأسه الكامن في أعماقه، وفي المقابل رفضه التّخلّي عن الانشغال بمسبّباته وآثاره، ونلحظ أنّ « الأعرج » بعد وضع القصاصة والتّعبير عن أفكاره ومشاعره ينخرط في سرد قصص وحكايات لأشخاص عانوا من آثار تلك القصاصة فهم بين خارج فارّ منها أو باقٍ ضحيّة لها.
وفي القصاصة الموالية في الجزء الرّابع (4) يمهّد لها بوصف علاقته بالقصاصات قائلاً : « كان تعبٌ ما يعتري مفاصلي ولكنّه لم يكن قادرًا على توقيف رغبتي الملحّة في البحث عن شيء غامض داخل هذه القصاصات الصّحفيّة الّتي جمّعتها طوال السّنوات العديدة الماضية » (الأعرج، 2008، صفحة 47)، فالقصاصات هنا ليست مجرّد أوراق مبعثرة بل هي باعثه الأساس للبحث عن شيء غامض لا يدرك كنهه، ربّما هو شيء قد يفسّر حالة الفوضى الّتي يعيشها بمحاولة استكناه أسبابها والظّروف الّتي أدّت إليها من خلال تلك القصاصات الّتي تنطوي أخبارها القديمة والحديثة على أسرار هذه البلاد، ثمّ تأتي القصاصة الإذاعيّة كمؤثّر صوتي يقطع حبل تأمّلاته بخبر : « لقد تمّ التّعرّف على قاتل الشّاعر والفنّان يوسف، وهو القاتل الثّاني بعد الحلاوجي-الخضّار. ويُعتقد أنّه عضو في فرق القتلة الّتي تقوم بعمليّات الاغتيالات أو بتمويلها. وسنوافيكم بتفاصيل أكثر في أخبار الثّامنة » (الأعرج، 2008، صفحة 47)، وهذه القصاصة قامت بدور سردي استباقي ذلك أنّ مقتل « يوسف » يرد في أواخر القسم الأوّل، ونلحظ أنّ الإعلام الّذي تسيّره السّلطة المتورّطة في تلك الجرائم يقوم بإيهام وخداع الشّعب حين وصفت « يوسف » بالشّاعر والفنّان من باب التّعاطف والأسف على مقتله، كما أنّ القصاصة تُبدي مدى السّخريّة حين يكون قاتل المثقّفين حلاوجي أو خضّار، ففرق القتلة الّتي لا يجرؤ الإعلام على تسمية صانعها ومموّلها تستقطب هذه الطّبقة غير الواعية لتنفيذ مخطّطاتها، أو ربّما أنّ القتلة مجرمين أُخرجوا من السّجون ودُرّبوا للقيام بتلك المهام القذرة أو اُستُوردوا من خارج البلاد، ولم يكونوا من تلك الطّبقة؛ وإنّما كان ذلك من باب اللّعب الإعلامي بعقول المستمعين.
وكانت القصاصة الإذاعيّة السّابقة تمهيدًا للقصاصة الصّحفيّة والّتي وصفها هنا بدقّة: «قصاصة طويلة، كانت عليها صورة الشّاعر «جون سيناك » وتعليق صغير تحت الصّورة. قرأته، رغبة للتّقيّؤ ملأتني من رأسي حتّى أخمص القدم» (الأعرج، 2008، صفحة 47)، فهذه القصاصات أشبه بقنابل موقوتة تحيي جروح الرّوائي وتدخله في دائرة العبث رغم محاولاته تفاديها، وكان نصّ القصاصة «وُجِدَ الشّاعر الفرنسي جون سيناك مذبوحًا تحت طاولة الأكل، وبجانب رأسه، قنّينة نبيذ (سيدي إبراهيم). ويُعتقد أنّ الجريمة هي مجرّد تصفيات خاصّة، خصوصًا وأنّ سيناك كان لواطيًّا.. » (الأعرج، 2008، صفحة 47)، ويحوي هذا النصّ على العديد من الألغام، فطريقة عرضه والمعلومات الّتي أُلحقت بخبر اغتيال الشّاعر تجعل من القارئ يتعاطف مع قاتله، فذكر جنسيّته الفرنسيّة يحرّك الحقد الدّفين عند الجزائري تجاه كلّ ما هو فرنسي، ويوحي ذكر قنّينة النّبيذ بعربدته على أنّ تسميتها بـ(سيدي إبراهيم) فيه كثير من السّخريّة، هذه التّسمية أعتقد أنّها إضافة من الرّوائي حيث وضعها بين قوسين، ويلملم الخبر حدث الاغتيال بعدّه مجرّد تصفيات خاصّة، ليكون اللّغم الأخير الأكثر خبثًا والّذي يمثّل أحد الطّابوهات الأكثر نبذًا عند الجزائريّ، لذا كان تعبير الرّوائي بعد هذه القصاصة منتفضًا وثائرًا ليستغرق بعدها في ذكر خصاله الجميلة.
تمثّل القصاصة الموالية أحد نماذج رمز الوردة الوارد في تسمية هذا القسم من الرّواية، وهي خبر اغتيال الطّالب الجامعي « كمال أمزال » الّذي ضُرب بسيفٍ على رأسه في الحيّ الجامعي (الأعرج، 2008، صفحة 61)، والقاتل هم الإسلاميّين –حسب الرّوائي- الّذين يريدون السّيطرة على الحيّ الجامعي، وذلك بالتّواطؤ مع النّظام الّذي يساند القتلة حين لا تتدخّل الشّرطة في الأحداث والمجازر وتصل متأخّرة بعد انتهائها، وهو الخبر الّذي زاد من خوف ويأس الرّوائي حين يقول : « كنت أبحث عن شيء، لم أكن أعرفه مطلقًا. ربّما كنت بصدد قراءة هذا المساء المتدفّق من الذّاكرة» (الأعرج، 2008، صفحة 62)، فالقصاصات تتفاعل مع ذاكرته وتحرّك مكامنها فتتحوّل إلى سيل جارف يجرفه إلى ثقب أسود لا مكان للحياة فيه.
وترد القصاصة الموالية في بداية الجزء السّادس وذكر أنّها مكتوبة بالأسود البارز الأنيق:
«تكذيب: السّيّد ... وزير الثّقافة والاتّصال يكذّب كلّ الأخبار الّتي تقول بأنّ الأذان في التّلفزيون الوطني سيتوقّف بثّه بعد شهر رمضان، بالمناسبة يُطمئن السّيّد الوزير جميع المؤمنين بأنّ هذه السّنّة الحميدة الّتي أعادت إلى التّلفزة وطنيّتها، وترسّخها الدّيني ستستمرّ بعد هذا الشّهر الكريم» (الأعرج، 2008، صفحة 72)
وتجسّد القصاصة التّلاعب الّذي تقوم به السّلطة متمثّلة في أبواقها الإعلاميّة كالجرائد والتّلفزة والمذياع، وذلك من خلال طريقة نشرها للأخبار بتجاهل تلك الّتي تنذر بالوضع المأساوي للبلاد أو تقزيمها، في المقابل التّركيز على نشر الإشاعات الخادعة، لذا وصل الشّعب مرحلة لم يعد يصدّق شيئًا، وأيقن أنّ الدّين كان مجرّد وسيلة للإفساد والطّغيان، لذلك ابتعد عن تلك المصادر الإعلاميّة مع انتشار الهوائيّات، منغمسًا في ما يفده من الخارج من أخبار وعوالم جديدة.
وتأتي قصاصتا مقتل «يوسف» في الجزء الأخير (11) ولفرط أهمّية هذا الحدث في الرّواية خصّص الرّوائي له قصاصتين، جاءت الأولى في بداية الجزء، ومهّد لها تعبيريًّا بتوظيف رمزيّة البرد والّذي يوحي بالقتل دون ورع أو خوف وبالحزن العميق والمتجدّد ونصّها: «اُغتيل البارحة في بيته الفنّان والشّاعر والإنسان يوسف. لقد وُجد مُقطَّعًا على فراشه وفي يده قلم رصاص يبدو أنّه كان وسيلته الوحيدة للمقاومة. على جسده لوحة : المعدومين لفرانسيس غويا الّتي أعاد رسمها » (الأعرج، 2008، صفحة 134)، وتتكرّر هنا صفات « يوسف » مُضافًا إليها وصف الإنسان، وتصف القصاصة وحشيّة مقتله بفصل رأسه عن جسده، كما تصف بدقّة عجز المثقّفين عن الدّفاع عن أنفسهم، وذُكر قلم الرّصاص كرمز لسلاح هذه الطّبقة والمتمثّل في الفنّ، وتأتي لوحة المعدومين كرمز لغوي من الجذر (ع.د.م) والّذي يمكن تأويله بدلالات كثيرة، كالمذهب العدمي الفلسفي، والإنسان المعدم أي الفقير فـ« يوسف » لا يملك سوى فنّه، والإعدام المتمثّل في مصادرة حقّ الحياة للإنسان.
أمّا القصاصة الثّانية فكانت خبرًا تلفزيًّا على جنريك نشرة الثّامنة والّتي تحوّلت إلى أيقونة في تلك المرحلة امتدّت لعصرنا الحاضر، وجاءت القصاصة بين عارضتين على خلاف القصاصات السّابقة كما يلي : « [امتدّت هذا الصّباح أيدي الإجرام والخيانة إلى الفنّان والشّاعر والأستاذ الجامعي : يوسف ... الّذي اُغتيل في ساعة مبكّرة...] » (الأعرج، 2008، صفحة 47)، وتكرّرت هنا تفاصيل مقتله كما ورد في القصاصة الأولى، ونلحظ أنّ الرّوائي يتحفّظ في كثير من الأحيان على ذكر الاسم الكامل للشّخصيّة المُغتالة كما في اسم « يوسف » أو الشخصيّات السّياسيّة مثل اسم الوزير، على الرّغم من أنّ الرّواية شديدة الوضوح في نقدها للنّظام وفضح سياساته مرحلة العشريّة السّوداء في التّسعينات، فنجده يضع خطًّا صغيرًا في الجزء المحذوف أو نقاط متتابعة، وربّما يفعل ذلك لإضفاء بعض الإثارة والتّشويق على روايته، وتشعيرًا لبعض الجدّيّة المتجمّدة الّتي تتّسم بها الأخبار الصّحفيّة والإذاعيّة.
ويصف الرّوائي في الأخير علاقته الشّديدة والمتناقضة بالقصاصات؛ وعدم قدرته على التّخلّص منها على الرّغم من أنّها أشبه بالموت أو بحفرة مظلمة ليس لها قرار، لكنّه لا يملك جرأة التّخلّي عنها لأنّها زاده في رحلة اللاّيقين؛ فهي ليست مجرّد كلمات مصفوفة وصور وأوراق صفراء بالية، فذخيرته طوال سنوات خلت هي الكلمات والورق « الّذي تحوّل إلى فجوات وشقوق داخل الذّاكرة » (الأعرج، 2008، صفحة 174)، لنجد أنّ القصاصات في النّهاية تمتزج بالخوف واليأس والحزن والغضب والرّفض والتّحدّي والحبّ والموت والشّجاعة والمغامرة، وهي كلّها ثيمات تداخلت وتحاورت معها القصاصات، ثمّ تركن أخيرًا في قاع ذاكرة حالكة.
وكُتبت كلّ القصاصات بخطّ مائل ليكون حضورها في الفضاء الطّباعي راسخًا وبارزًا ويضع أسفلها اسم الجريدة الوارد فيها الخبر يليه قوسان داخلهما ثلاث نقاط ربّما هو تاريخ نشره الّذي فضّل الرّوائي إبهامه كي لا تصبح روايته مسرحًا توثيقيًّا مباشرًا، ثمّ عدد الجريدة، فـ« واسيني » يقتلع النّصّ الصّحفي من موضعه الأصلي في الجريدة ليلصقه في بنية كولاجه الرّوائي دون أن يشير إلى تاريخ نشره أو عنوانه أو اسم المراسل الّذي قام بكتابته، ليُبقي على الرّواية بعدها التّخييلي الجمالي بعيدًا عن عقلانيّة التّوثيق الصّحفي.
وفي طريقة لصق وإدماج القصاصات في الكولاج الرّوائي نجدها تتنوّع، فقد ترد كمؤثّر يقطع فجأة حبل أفكار الرّوائي ثمّ يستمرّ في مونولوجه الدّاخلي حتّى تبدو القصاصة كمكوّن شاذّ مثل قصاصة خبر تغيير العطلة الأسبوعيّة، وقد تكون شديدة اللّحمة ضمن السّرد الرّوائي كما هو الحال في قصاصة خبر اغتيال المفكّر « بوخبزة » وقصاصة اغتيال الطّالب « كمال أمزال »، وقد تأتي القصاصة في مقدّمة الوحدة السّردية وترتبط بما بعدها من محكيّ سرديًّا كما في الوحدة الثّالثة في قصاصة مانشيت عنوان التّصحيح الثّوري والرّابعة في قصاصة مقتل الشّاعر الفرنسي « جون سيناك » وقصاصات الوحدة السّادسة والحادية عشر، وقد تكون القصاصة مؤثّرًا مباشرًا في أحداث الرّواية ووقائعها كما في قصاصة مقتل الشّاعر « يوسف » صديق الرّوائي وابنته « ريما ». (الأعرج، 2008، الصفحات (18، 25)، (21، 61)، (39، 47، 72، 134)، (135-136))
وتكشف القصاصات في مجملها عن حجم الاضطراب والعنف السّائد على المستويات السّياسيّة والإعلاميّة والاجتماعيّة في تلك العشريّة المظلمة، وهو عنف امتزج بلغة الرّواية وأنساقها إلى حدّ « يجرّد القارئ من كلّ نشاط وكذا من أدواته المعرفيّة، ووسائله النّقديّة ليحوّله إلى مجرّد متلقٍّ سلبي » (خمري، 2007، صفحة 405)، لذا تحاول الكتابة الخروج عن الأنساق السّرديّة الجاهزة والطّرائق المكرّسة لتصنع خصوصيّتها ولتترجم الوضع السّياسي والثّقافي العنيف في تلك المرحلة والّذي كان ضحيّته المثقّف، كما نلحظ تناسبًا بين التّجديد والتّجريب بتوظيف الكولاج الرّوائي المتمثّل أساسًا في القصاصات بحضورها العنيف وبين واقع الأحداث المسرودة الّتي تدور حول الإرهاب والأحداث المأساويّة الّتي عاشتها الجزائر تلك الفترة.
كما أظهرت القصاصات ضمن الكولاج الرّوائي بوضوح شديد صوت الرّوائي الدّاخلي وظهر ذلك على لسان كلّ شخصيّات الرّواية الّتي أدّت مهمّة المساندة للرّوائي فلا نجد اتّجاهًا مخالفًا لصوته في الرّواية، وهو ما عاد بالسّلب على روايته، فمعاداته غير المبرّرة أحيانًا للاتّجاه الإسلامي يوحي بانحيازه للاتّجاهات الأخرى على الرّغم من أنّها لم تقدّم شيئًا للبلاد، فصوّر ممثّلي الاتّجاه الإسلامي مجرّد سفّاحين قتلة ليس لهم هدف سوى سفك دماء الجزائريّين، وظهر ذلك بوضوح في موضعين من الرّواية حين حاور الرّوائي زوجته « مريم » وسمّى أتباع هذا الاتّجاه بالفاشية الرّعويّة الدّينيّة يقول : « هكذا الدّين يا مريم. الّذي يملك السّلطان، يملك حقّ التّأويل » (الأعرج، 2008، صفحة 92)، كما يظهر تعصّب الاتّجاه الآخر بوضوح على لسان شخصيّة « فاطمة » حين تقول للرّوائي عن ابنتها : « بدأت تْصلّي. ومن حين لآخر تْسَوَّلني على الحجاب والسَتْرة في العمل في بلد الرّجال فيه بطّالون. وحياتَك. أحيانًا أخاف منها » (الأعرج، 2008، صفحة 178)، وهو توظيف غير مبرّر للدّين على الرّغم من أنّ هذه الوقائع قد حدثت فعلاً في تلك المرحلة، وقد كان كلّ تركيز الرّوائي على أخبار القتل والمجازر ليصوّر الجزائر في روايته كمنتجع للسفّاحين والقتلة، الّذين يستهدفون الطّبقة المثقّفة فقط، على الرّغم من أنّ الشّعب جميعه عانى من ويلات الذّبح والرّعب، بمن في ذلك أفراد الجيش وقادته.
خاتمة
ختامًا نقول إنّه كان للكولاج الرّوائي في الرّواية دورًا فاعلاً في التّلوين الأجناسي فيها بما يمنحها قابليّة امتصاص السّمات الفنيّة لأنواع الكولاج وتوظيفها في الرّواية، كما يمكن القول إنّ « واسيني الأعرج » من خلال كولاجه الرّوائي في (ذاكرة الماء) استطاع أن يسرد جانبًا من ذاكرة الشّعب الجزائري لتلتحق بالذّاكرة الجماعيّة للقارئ المعاصر وبثقافته، وذلك باستغلال القصاصات الصّحفيّة والأخبار المختلفة، فهي نصوص أُخذت من الواقع الجزائري وجسّدت مختلف الإيديولوجيّات والتّيّارات الفكريّة المتصادمة، ليؤسّس بها الرّوائي عالمه السّردي، فتضافرت كلّ تلك التّقانات للتّدليل على الوضع الدّموي الّذي تعيشه جزائر التّسعينات.
كان لتوظيف هذه القصاصات وبقيّة أجزاء الكولاج الرّوائي في رواية (ذاكرة الماء) فاعليّة في ديناميّة السّرد فيها، وذلك من خلال ثنائيّة متناقضة تمثّلت في (الإيقاف-التّحريك) معًا؛ فحين ترد هذه النّصوص في الفضائي الطّباعي لصفحات الرّواية فهي توقف سيرورة السّرد والفعل القرائي، ذلك أنّها تمثّل محطّة استراحة لتنامي الأحداث وذلك بالانشغال بها وبتأويل دلالات حضورها الصّارخ، كما أنّ حضورها يثير لدى القارئ تساؤلات حول مدى واقعيّتها وتأرجحها بين الواقع والمتخيّل، فطبيعتها الواقعيّة تخوّلها بأن تقوم بدور التّوثيق للواقع ممّا يتيح لقارئها الدّخول في علاقة تفاعل معه، لكنّها في الآن ذاته تعبّر عن إيديولوجيا الرّوائي وقناعاته السّياسيّة، كما أنّ المكوّنات الّتي كانت من تأليف الرّوائي حملت أبعادًا سرديّة وجماليّة مختلفة، من ذلك الإثراء الدّرامي لموضوع الرّواية والتّنوّع الحواري فيها، ومحاولة الثّورة على الأنماط السّائدة للرّواية.