تحليل المحادثة : البنية ونظام أدوار الكلام : نموذج للتحليل التداولي للتفاعلات اللغوية

L’analyse de la conversation : la structure et le système de tours de parole – model pour l’analyse pragmatique des interactions verbales

Conversation Analysis: Structure and Turn-Taking System – A Model for Pragmatic Analysis of Verbal Interactions

محمد حمراوي Hamraoui Mohamed

p. 731-748

Citer cet article

Référence papier

محمد حمراوي Hamraoui Mohamed, « تحليل المحادثة : البنية ونظام أدوار الكلام : نموذج للتحليل التداولي للتفاعلات اللغوية  », Aleph, Vol 10 (3) | 2023, 731-748.

Référence électronique

محمد حمراوي Hamraoui Mohamed, « تحليل المحادثة : البنية ونظام أدوار الكلام : نموذج للتحليل التداولي للتفاعلات اللغوية  », Aleph [En ligne], Vol 10 (3) | 2023, mis en ligne le 09 avril 2023, consulté le 25 avril 2024. URL : https://aleph.edinum.org/8814

يعد تحليل التفاعلات اللغوية منعطفا بارزا في الدراسات التي تعنى بتحليل النصوص، باعتبار الخاصية البنوية التي تتميز بها المحادثة عن باقي النصوص. نحاول في هذا المقال تحديد مفهوم إجرائي للمحادثة، لننتقل بعد ذلك إلى دراسة بنية المحادثة من جهة ودراسة الأدوار الكلامية وطريقة ترتيب التدخلات الكلامية التي ينتجها المتخاطبون. بالإضافة تحديد القواعد التي تتحكم في كيفية الاشتغال المتعاقب للأدوار الكلامية التي تنتج بصفة متتالية، وكذا إلى وصف آليات بناء الأدوار في المحادثة. والسؤال المطروح هنا هو : كيف تبنى المحادثة؟ وكيف تتعاقب الأدوار الكلامية في المحادثة دون إعداد مسبق؟

Analysis of interaction is among the most important development in linguistics studies. It deals with this kind of studies produced by more than one speaker text. we will try in this paper to determine the procedural concept of the conversation, then we move to the speech structure on hand and the study of turn talking and how it was the order of the speech interventions which produced by the interlocutors.in addition to the determination of rules the govern the way of the functioning of talking roles that are produced successively.as well as describe the mechanism of building roles the conversation. The question her is how to produce conversation? And how the roles talking to make alternate conversation without preset?

L’analyse des interactions est parmi les développements les plus importants dans les études linguistiques. Il traite d ce genre de texte d’études produites par plus d’un locuteur. On appeler Cette produit « la conversation ». Dans cet article, on essayer déterminer une définition opérateur de la conversation, puis on passe de l’étude de la structure de la conversation, et l’étude de tours de parole et la méthode d’arrangement des interventions. Et on essayer déterminer les principes de fonctionnement des tours de parole, et les procédures d’organisation de la conversation. La question à poser est : comment on construire la conversation ? et comment les interlocuteurs organisons les tours de parole ?

مقدمة

نحاول في هذا المقال تحديد مفهوم إجرائي للمحادثة، لننتقل بعد ذلك إلى دراسة بنية المحادثة من جهة ودراسة الأدوار الكلامية طريقة ترتيب التدخلات الكلامية التي ينتجها المتخاطبون، بالإضافة تحديد القواعد التي تتحكم في كيفية الاشتغال المتعاقب للأدوار الكلامية التي تنتج بصفة متتالية، وكذا إلى وصف آليات بناء الأدوار في المحادثة.

نتطرق في الشق الأول من المقال إلى تحديد المفاهيم الإجرائية، لنتناول في الشق الثاني منه بنية المحادثة ونظام الأدوار الكلامية والقواعد والمبادئ التي تتكفل بتنظيم ترتيب تدخلات شركاء المحادثة.

1. المحادثة

1.1. مفهوم المحادثة

سننطلق في تحديد مفهوم المحادثة من نص لشارودو ومانغينو، وقبل إيراده ننبه إلى أنهما يجعلان لمصطلح (conversation) مقابلا آخر غير المحادثة، وإن كان من الجذر نفسه، هو : التحادث، يقولان : « يستعمل لفظ تحادث في حقل تحليل الخطاب في معنى ضيق يشير إلى نمط مخصوص من التفاعلات اللغوية، أو في معنى أجناسي يحيل على كل نمط من أنماط التبادل اللغوي مهما كان نوعه وشكله » (شارودو و مانغينو، ص139).

ينتقل شارودو ومانغينو من تحديد المفهوم إلى تحديد السمة الأساسية للمحادثة:

«العنصر المركزي في تعريف التحادث بالنسبة إلى أنماط تفاعل أخرى هو هدفها الذي ننعته أحيانا بغيابه ناعتين التحادث بأنه نشاط «مجاني». ولكي نصف هذا النمط من التفاعل الخالي من الفائدة المباشرة والآنية وحيث نتكلم خاصة لمجرد الكلام من باب المتعة أو اللعب أو الآداب، فإنه بإمكاننا أن نختار مفهوم الغائية الداخلية أي المتصلة باللقاء ذاته والعلاقة بين المشاركين في مقابل غائية خارجية من قبيل قرار مقلا أو القيام بصفقة» (شارودو ومانغينو، ص140).

وتتحدث كربرات-أوركيوني في كتابها La conversation عن المحادثة في سياقها العام، حيث أدرجت أنواع التفاعل والتفاعل اللغوي وغير اللغوي إضافة إلى مختلف أنماط التفاعل اللغوي، لتنتهي بعد ذلك إلى ثلاث خلاصات عن المحادثة هي :

  • تشكل المحادثة نمطا مخصوصا من التفاعلات اللغوية.

  • وبصورة أدق، تدرس المحادثة عموما كصيغة نمطية عليا أي الصيغة الأكثر اشتراكا والممثلة للوظائف العامة للتفاعلات اللغوية.

  • التبادلات التواصلية الحقيقية ليست بالضرورة أنماطا عليا بحتة.

نلاحظ غالبا في مجرى تفاعل معين، انزلاق جنس إلى جنس آخر مثلا من ثرثرة غير لطيفة إلى لائحة احترافية في تفاوض تجاري أو استشارة طبية  (Kerbrat-Orechioni, 1996, p. 8).

ويمكن أن نحدد المحادثة بصفة أكثر بساطة من خلال قولٍ لطه عبد الرحمان: «وأن «التخاطب» هو إجمالا عىبارة عن إلقاء جانبين لأقوال بغرض إفهام كل منهما الآخر مقصودا معينا» (طه عبد الرحمان، 1998، ص237).

وينتهي شارودو ومانغينو إلى تحديد المحادثة بأنها «فن الحديث المتحضر»، كما يعد أيضا نمطًا من أنماط التفاعل، ويؤسس كل هذا انطلاقا من أعمال كل من (شغلوف 1968، ولفنسن 1983)» (شارودو و مانغينو، ص140).

2.1. المحادثة نسيج لساني وغير لساني

تولى الوسائل شبه اللغوية والوسائل الحركية أهمية كبيرة في تحليل المحادثة، وهذه الوسائل غير اللغوية تساهم أيضا في بناء المحادثة. «إن المحادثة في جوهرها نشاط لساني وحركي، تؤدي فيه الحركات دورا أساسيا في عملية الترابط» (الميساوي، 2012، ص208).

وذلك أن الطريقة التي يقال بها الشيء، تعد جزءا مما يقال في أثناء عملية التحدث. «وتتفاعل المكونات اللسانية وغير اللسانية، فتنتِج بنية لسانية معينة خاصة بدرجة التفاعل الذي يحدث في كل عملية تلفظ وهو ما يجعل دراسة التسلسل لا تقف عند المظهر اللساني فقط وإن كان يمثل الأساس في نسيج المحادثة» (الميساوي، 2012، 208). ومن ذلك حركة اليد وحركة الرأس وحركة العين وأداءات التلفظ التي قد تكون في بعض الأحيان ذات قيمة تفوق قيمة العناصر اللسانية.

2. بنية المحادثة

1.2. البنية الكبرى للتخاطب

يُفرَّق غالبا في الأعمال التي تعنى بتحليل المحادثة بين مستوى البنية الكبرى ومستوى البنية الصغرى، «حيث يفترض أحيانا مستوى بنية وسطى كذلك. ويلحق بهذه المستويات وحدات تمثيل متباينة مثل، مراحل المحادثة، وخطوات المحادثة والأفعال الكلامية وأوجه الإنجاز وغيرها» (الميساوي، 2012، ص224).

ويفرق في الوقت الحاضر في الأغلب على أساس حصيلة تجريبية غنية على المستوى الأكبر للمحادثة بين افتتاح المحادثة ووسطها ونهايتها أو إنهائها، أو بين مرحلة التصدير ومرحلة تحقيق الهدف ومرحلة الاختتام ويشمل افتتاح المحادثة، متعلقا بهدف الفعل وسياقه على أفعال مثل:

  • التحية والتكلم عن هدف إقامة اتصال.

  • تحديد المشاركين في المحادثة، وكذلك العلاقات بينهم.

  • فهم مقاصد المتكلمين الأساسية.

  • فهم مخططات التواصل.

  • تأكيد الاستعداد للتواصل.

  • الالتزام بكيفية معينة للتفاعل.

وكثير من المنطلقات البحثية تنظر إلى نتيجة النشاط اللغوي التفاعلي على أنه نص، ومع ذلك يوجه أيضا الرأي القائل إن المحادثة توصف أساسا بأنها وحدة من نصين، ينتجها شركاء متباينون في التفاعل (الميساوي، 2012، ص216).

ويمكن توضيح البنية الأساسية للتفاعل اللغوي من خلال المثال التالي:

سآتي إليك اليوم حوالي الساعة الثانية. (مبادرة).

لكني لن أكون في البيت إلا قبل ذلك بوقت قصير. (رد فعل).

ليس في ذلك ضير. (تصديق).

فالاتفاق في هذه الحال يتم بخطوتين، حيث تنجز بذلك عملية التبادل (l’échange)، وإذا لم تقع مبادرة «ب» في نطاق اهتمام «أ»، فإن «أ» يمكنه إما أن يجدد مبادرته، وبذلك يوجد الشرط لرد فعل واقع في نطاق اهتمامه أو يمكنه أن يسحب مبادرته وأن يتم الخطوة الأولى للاتفاق بملائمة رد الفعل الكائن من «ب» ، وإذا لم يحقق أيضا أي اتفاق، فإن هذه العملية يمكن أن تستمر إلى أن يتم الاتفاق أو أن يحقق تفاهم حول عدم إمكانية إتمامه، وبذلك يتوصل إلى الاتفاق بآلية التكرار (هاينة مان، 2004، ص230).

وتحدد المنطوقات اللغوية التي تنجز بها المبادرة و رد الفعل والتصديق من خلال قيود إطار تواصلية لها قداستها. فالسعي إلى تحقيق اتفاق تفاعلي يمكن أن يؤدي إلى أنه يمكن أن تتحقق المكونات (المبادرة، و رد الفعل، والتصديق) من خلال أبنية معقدة للمنطوقات، وأخيرا يمكن أيضا أن تجري عملية مساومة لاحقة أو تابعة (هاينة مان، 2004، ص230).

ويمكن أن يصور نموذج عملية المساومة هذه حسب رأي روليه (Roulet) ومعاونيه على النحو التالي: (هاينة مان، 2004، ص230).

Image 10000201000002800000021A084C2E2A5FD153FF.png

حيث إن:

  • ع ت : عملية تبادل. (échange)

  • إ س : إسهام في الكلام (تدخل) يمكن أن تتم به مبادرة أو رد فعل أو تصديق، الإسهام في الكلام أو حركة المحادثة هي وحدة الحوار الذاتي العليا في محادثة ما.

  • ف إ : فعل إنجازي (فعل كلامي)، يمثل الوحدات الأساس للخطاب.

  • ف إ م : فعل إنجازي مهيمن.

  • ف إ ت : فعل إنجازي مساعد أو تابع.

وتحليل الإسهامات المفردة في الكلام وفق «نموذج جنيف» في مصطلحات الأفعال الإنجازية،

«يفرق في ذلك بين أفعال إنجازية مهيمنة وأفعال إنجازية مساعدة أو تابعة، وينطلق من أن الإسهامات في الكلام تبنى أساسا من فعل إنجازي أو بالأحرى من فعل إنجازي مهيمن وفعل أو عدة أفعال إنجازية مساعدة أو تابعة، ويحدد ذلك النمط من الفعل الإنجاز المهيمن الوظيفية الإنجازية للإسهام الكلي في الكلام، الذي هو مكونه. وتشير هذه المعالجة المنهجية إلى أوجه مشتركة كثيرة مع تحليل بنية الإنجاز للنصوص الذي طوره موتش/فيهغجر (1981) وبراند وآخرون (1983)، وسيرل (1980). وأظهر رولي وآخرون بمساعدة تحليلات كثيرة للأمثلة أن مبدأ التنظيم الجوهري هذا هو مكون أساسي للأبنية المعقدة للحوار أيضا. ويعبر عن الوظائف التي يمكن أن يؤديها إسهام في الكلام في حوار ما من خلال مؤشرات إنجازية (وضع علامة صريحة، أو ضمنية عرفية، أو ضمنية تحادثية، أو صفرية) أو إشارات تقسيم النص ذات طبيعة عامة أو مؤشرات الوظيفة التفاعلية، أي مؤشرات يعبر بمساعدتها عن البنية الداخلة للإسهام في الكلام، وقد ذُكِر نموذج تحليل جنيف هنا نائبا عن نماذج أخرى كثيرة، مثالا لكيفية إمكان تحديد وظائف تتابعات المحادثة وأجزائها من وصف منظم لأبنية المحادثة في مصطلحات كيانات شكلية محددة» (هاينة مان، 2004، ص232).

2.2. البنية الصغرى للتخاطب

تمثل البنية الصغرى للتخاطب تناوب الأدوار الكلامية والإسهام في الكلام. إن الإسهامات في الكلام، هي في العادة كيانات معقدة تتميز بأشكال هيكلية داخلية خاصة، وينشأ الإسهام في الكلام في النشاط التفاعلي من خلال جعل أنظمة المعرفة المتباينة وسيلة تتحقق بطريقة خاصة في بنائها المتعدد الأبعاد.

إنّ الأمر يتعلق في ذلك بالمعرفة اللغوية والمعرفة الإنجازية أيضا اللتين يشكل جعلهما وسيلة مستوى بنية دلالية (موضوعية) وكذلك مستوى بنية الإنجاز أو بنية الفعل في المحادثة. ولا تزيح تحليلات البنية الصغرى الستار فقط عن مبادئ التنظيم والوظائف لوحدات المحادثة ذات التعقيد المتباين، ولا تقدم في تظافرها مع تحليلات البنية الكبرى إيضاحات جوهرية عن الكيفية التي يحاول شركاء التفاعل أن يجلوا بها المطلب المستمر للتواصل بأن يشكلوا منطوقاتهم في سياق الفعل تشكيلا مفهوما بدرجة كافية وجعلها تظهر للجميع مبررة: وبعبارة أخرى:

 «من خلال هذا التحليل ينبغي أن تكتسب إيضاحات حول كيفية إمكان أن يفهم شريك التفاعل في سياق محدد للفعل الشريك الآخر في التفاعل من خلال منطوق قصده، وكيف يكون هذا الأخر بدوره قادرا بعون من محددات كثيرة على أساس بنية المنطوق وكذلك بمساعدة المعرفة المتاحة من قبل على تفسير إسهام في الكلام» (هاينة مان، 2004، ص233).

وبعبارة أخرى:  «فإن الإسهام في الكلام لا يفترض بنية دلالية أو موضوعية مميزة فقط، بل بنية فعل أيضا، يمكن من خلالها أن تقدم الأهداف التي يقصد متكلم في سياق فعل محدد أن يصل بها إلى إفهام شريك التفاعل بمساعدة سمات مميزة للمنطوق»  (هاينة مان، 2004، ص234).

هذا من جهة، ومن جهة أخرى وفيما يتعلق بتكوين بنية الفعل أو الانجاز لإسهام في الكلام فقد وصفت الآليات الأساسية من قبل في سياق عرض نموذج جنيف لتحليل النص،

 «فالإسهامات في الكلام هي في العادة أفعال معقدة، تتكون من خلال أفعال أساسية، وبذلك لا تكون الإسهامات في الكلام بمفهوم وحدات الفعل المدمجة وظيفيا مجرد أوجه مزج للأفعال الأساسية، بل هي على الأرجح تخضع لقيود ربط كثيرة تعكس، قياسا على الربط القضوي، علاقات أساسية بين تلك الوحدات، وهكذا يوجِد فعل إنجازي شرطا لإتمام آخر أو يشترط فعل تالٍ فعلا متقدما مميزا. وبهذه الطريقة تكون أبنية إنجاز متباينة، تدمج الأفعال الإنجازية المميزة في وحدات الفعل، وثمة مبدأ جوهري لبناء المركب على مستوى بنية الفعل هو مبدأ التدرج الإنجازي الذي يبني أفعالا إنجازية متناسبة مع فعل إنجاز مهيمن، والفعل الإنجازي المهيمن هو ذلك الفعل الذي يعبر عن الهدف الجوهري الذي يقصد المتكلم بإسهام في الكلام تحقيقه، بينما تعبر الأفعال الأخرى التابعة للفعل الإنجازي المهيمن عن أهداف وسيلية، توجد بها شروط متباينة الأنواع للإتمام الموفق للفعل المهيمن، فلا تنتج غلبة فعل إنجازي عن تآلف وظيفي للإسهام في الكلام فقط، إذ إنه (أي التآلف) من مكوناته، وهي تتحدد بقدر حاسم للغاية أيضا من خلال تشكيلات شمولية للمحادثة، أي من خلال التنظيم المتتابع للإسهامات في الكلام في مخطط التفاعل»  (هاينة مان، 2004، ص236).

1.2.2. نموذج مدرسة جنيف : التحليل التراتبي الوظيفي

يعدّ نموذج جنيف في تحليل الخطاب في الوقت الحاضر من أكثر النماذج المفصلة بشكل منظم.  

«ويتبع طريقة البحث الخاصة بنظرية الفعل الكلامي التي لا تقصر تحليل نظرية الفعل الكلامي على توضيح الثنائيات الصغرى (Minimal Paire)، بل تتضمن المحادثات كلها في التحليل ينطلق رولي (1980، 1986، 1987) وموشلر (1985) وغيرهما مثل أغلب مقترحات نماذج تحليل المحادثة المتأثرة بالمنهجية العرقية من الفرض القائل إن تصور المساومة تصور جوهري للتفاعل اللغوية، فالتفاعل اللغوي يخدم هدف الوصول إلى اتفاق وهو ما يكفله أن يعقب مبادرة شريك التفاعل (أ) رد فعل من شريك التفاعل (ب) بمفهوم مبادرة (أ)، ويؤكد (أ) هذا في رد فعل آخر»  (هاينة مان، 2004، ص229).

2.2.2. النموذج التراتبي لوحدات التفاعل

واحد من العناصر المهمة في هذا النموذج هو مفهوم الطبقة (Rang) : فكرة الوحدات النحوية التراتبية، أي تدرج هذه الوحدات في الأخرى، من أصغر الوحدات (الفونيم) إلى أكبرها (النص) مرورا بعدد من الوحدات البينية (مورفيم، كلمة، لفظة، جملة).

يعد سنكلار Sinclair وكولثارد Coulthar (1975) من الأوائل الذين حاولوا تطبيق هذا الإجراء لتحليل الخطاب الحواري، وهناك اقتراحات في نفس هذا المعنى أنجزت من طرف عدة باحثين، هذه الاقتراحات متنوعة من حيث عدد الطبقات (Rangs) المدروسة ومن حيث عنونة (Etiquetage) الوحدات، وفي نظر كربرات-أوركيوني الوحدات الأكثر حصافة لوصف تنظيم التفاعل اللغوي عددها خمسة (Kerbrat-Orecchioni, 1990, P213).

جدول تقسيم الوحدات التفاعلية

Interaction
Séquence
Échanges
Intervention
Acte de langage

Unités dialogales



Unité monologales

يتأسس هذا النموذج على فكرة أن المخاطبات مركبة، على المستوى القاعدي، ليست وحدات إعلامية لكن أفعال لغوية وأن المخاطبات تقدم على أنها هندسة مركبة ومتراتبة، ومنتجة انطلاقا من وحدات ترفع الطبقات المختلفة والتي تدمج بعض الوحدات في الوحدات الأخرى وفق مجموعة من قواعد التنظيم.

يمكن أن نقول أن هذا النموذج تراتبي بالنظر إلى المعايير التي تكون فيها الوحدات المختلفة في علاقة التضمن والاندماج والتبعية، ونقول أنه وظيفي بالنظر إلى المعاير التي تكون فيها هذه الوحدات مخصصة للوظائف (اللاقولية والتفاعلية). يتعلق الأمر في تحليل التفاعلات اللغوية:

  • بجرد كل الوحدات الخاصة بكل طبقة.

وبرؤية كيفية ترابطها لبناء وحدات الطبقة العليا (Kerbrat-Orecchioni, 1990, p. 214). وسنتناول الآن الطبقات الأساسية الخمس في تنظيم التفاعل.

3.طبقات التفاعل

1.3. لتفاعل (L’interaction)

  1. المخطط التشاركي: يعرف التفاعل بأنه: «الناتج عن طريق التقاء متخاطبين» (Roulet, 1985, p. 23). وبشكل عام يحصل التفاعل عن طريق: «أفراد مجموعة ما يتواجد البعض منهم مع البعض الآخر في حضور مستمر» (Goffman, 1993, p. 127).
    هذا يعني أن هناك تفاعلا جديدا كلما تغير عدد المشاركين وطبعتهم، لكن هذا المعيار تقليصي جدا: لأنه قد يحصل، في تفاعل بين عدة أشخاص، أن يغادر أحدهم المجموعة أو أن يلتصق (agglutiner) بهم متطفل دون أن يكون هناك بالضرورة تفاعل جديد.

  2. وحدة الزمان والمكان: وهذا المعيار أيضا حاد جدا، إذ يمكن لنفس التفاعل أن يغير الإطار المكاني ويجري في غضون أيام متقطعة.

  3. المعيار الموضوعاتي: بحسب هذا المعار يكون التجانس الموضوعاتي معيارا فاصلا، لكن المخاطبات من قبيل «من كل واد عصا» تتيح القطيعة الموضوعاتية وعليه فإن وحدة الموضوع ليست شرطا كافيا ولا ضروريا.

  4. معيار المقاطع الفاصلة: للمقاطع الفاصلة وظيفة افتتاح واختتام التفاعل، لكن هذه المقاطع لا تنجز دائما فقد يحصل أن يدخل المتفاعلون مباشرة في مقطع المعاملة ثم ينهون التفاعل دون تحية.

ولذلك تقترح كربرات-أوركيوني التركيبة الآتية: «لنكون أمام نفس التفاعل يجب ويكفي أن نكون أمام مجموعة متغيرة من المشاركين لكن دون قطيعة، التي تكون ضمن إطار زماني متغير لكن دون قطيعة، يتكلمون عن موضوع متغير لكن دون قطيعة» (Kerbrat-Orecchioni,, 1990, p. 216).

2.3. المقطع (La séquence)

عن طريق المقطع نتعرف على وحدة بينية : بين التفاعل والتبادل وتعرف كربرات_أوركيوني المقطع بـــ :« مجموعة تبادلات مرتبطة عن طريق درجة من الانسجام الدلالي و/أو التداولي » (Kerbrat-Orecchioni, 1990, P218). وتريد بالانسجام الدلالي أن يكون هناك موضوعا واحدا، وبالانسجام التداولي أن يكون هناك تعاملا واحدا أو هدفا واحدا.

ووفق طبيعة محتوى المقطع يحدد المبدأ الدلالي والمبدأ التداولي، تقريبا وبصفة غالبة، عملية تقطيع التفاعلات إلى مقاطع نموذجيا هو تنظيم ضبابي، وعملية التقطيع ليست سهلة دائما، وبعض الأنماط من المقاطع تكون قابلة للتعميم أكثر من غيرها. للتفاعلات تنظيمات مقطعية جد متنوعة، ويمكن أن تكون المقاطع المختلفة لتفاعل ما تراتبية (Kerbrat-Orecchioni, 1990, p. 220). وكنتيجة يمكن القول: المقطع يكوّن التبادلات.

3.3. التبادل (L’échange)

يعرف التبادل على أنه: «أصغر وحدة حوارية»، وعليه فالتبادل مبدئيا مكون من تدخلين على الأقل بما أنه وحدة حوارية، في هذه الحالة نحن نتحدث عن ثنائية متجاورة. التدخل الأول هو المبادرة والثاني هو رد الفعل، إنها أزواج (تبادلات متماثلة).

ويحدث أحيانا أن يحتوي تبادل ما على تدخل واحد سواء كان السبب أن التدخل الثاني أنجز بوسائل غير لغوية أم أنه ببساطة غائب، ونكون حينئذ بصدد الحديث عن التبادل المبتور.

وفي المقابل وفي حالات التبادل الذي يبدأ بسؤال يكون الجواب وبطيبة خاطر متبوعا بتدخل ثالث منجز من طرف المتكلم الأول أي السائل ولهذا التدخل وظيفة تأكيد استلام الجواب، هذا التدخل يسمى التدخل المثمِّن ونكون بصدد الحديث عن التبادل الثلاثي.

فالتبادل إذن يمكن أن يحتوي على أكثر من ثلاث تدخلات، لكن إذا كان لتبادل ما أكر من ثلاثة تدخلات فهل هو تبادل أم مقطع؟

بحسب كربرات-أوركيوني التبادل هو مجموعة تبادلات متجانسة لكن من طبيعة مختلفة، تبتدأ بأفعال مختلفة، في حين تكون التدخلات في تبادل ما تحت هيمنة التدخل الأولي حصرا.

يمكن هنا أن نتحدث عن سلسلة أو تبادل أكبر ولكن ليس مقطعا. يجب أن نقبل وفي كل الحالات في هذا النموذج بنوع من الطبقة البينية بين التبادل والمقطع.

4.3. التدخل (L’intervention)

بواسطة طبقة التدخل، نستطيع المرور من الوحدات الحوارية إلى الوحدات المونولوجية، الصادرة عن متكلم واحد، ويجب أن لا يختلط التدخل مع دور الكلام، إنه وحدة وظيفية تعرف بواسطة علاقتها بالتبادل مثل مساهمة متكلم في تبادل مخصوص. في كل مرة يكون هناك تغيير للمتكلم، يكون هناك تغيير للتدخل، على العكس في دور الكلام، هناك دائما تدخلان (Sinclair et Coulthard, 1975, p. 21).

5.3. الفعل اللغوي (L’acte de langage)

يعرف الفعل اللغوي على أنه: «وحدة صغرى في النحو التحادثي، والفعل اللغوي أيضا هو الوحدة الأكثر قرابة من اللسانيين، لأنهم قد تبنوا هذا المفهوم منذ زمن، هذا المفهوم الذي ولد، كما نعلم، في حقل الفلسفة التحليلية» (Kerbart Orecchioni, 1990, p. 230).

يعد كتاب أوستين Austin الذي نشر سنة 1962«كيف ننجز الأشياء، بالكلمات» How to do things with words الولادة الحقيقة لنظرية أفعال الكلام «Speech Actes».

وانطلاقا من النظرية الأوستينية تم اكتشاف مفهوم الإنجاز: «الملفوظ الإنجازي هو الملفوظ الذي يكمل الفعل المعين، عن طريق بعض شروط النجاح، أي الفعل الذي قيل أن يُفعل» (Kerbart Orecchioni, 2001, p. 09).

ثم يحدد أوستين درجات في فئة الإنجازيات على شكل سلمي: الإنجازيات الخالصة وشبه الإنجازيات (quasi performatifs) والملفوظات البينية والإنجازيات الضمنية، وتنتهي مسألة الإنجازيات بأن تندرج ضمن إشكالية أعم هي الأفعال اللاقولية.

يؤكد سيرل، عن طريق مؤلفه أفعال الكلام «speech Actes» الذي نشر سنة 1969، مثله مثل أوستين، على أن كل ملفوظ يشتغل مثل فعل مخصوص (أمر، سؤال، وعد، ...إلخ) ويسمي تركيبة الملفوظ التي تعطيه قيمة الفعل قوة إنجازية (illocutionary farce) وعليه فالملفوظ يتكون من: قيمة إنجازية (لاقولية)+محتوى قضوي.

حسب كربرات-أوركيوني يتعلق الأمر بفعل لغوي غير مباشر إذا: «عبّر متكلم بصفة غير مباشرة، أو إذا تكلم فهذا يعني أنه ينجز عدة أشياء دفعة واحدة وبتحديد أكثر إذا تكلم وهو يريد إنجاز شيء عن طريق مظاهر شيء آخر» (Kerbrat-Orecchioni, 2001, p. 34).

بصيغة أخرى يمكن أن نقول أن فعلا لغويا يمكن أن ينجز بطرق عدة : صيغة تقريرية أو استفهامية أو إلزامية أي يمكن أن يكون لنفس القيمة الإنجازية عدد كبير من التحقيقات المختلفة أو إمكانيات التحقيقات المختلفة، يمكن التمثيل لذلك بـ :

  • ألديك قلم؟

  • أيمكنك أن تعطيني قلما؟

  • أعطني قلما.

  • قلم.

وعلى العكس من ذلك يمكن أن تكون لنفس التركيبة اللغوية قيما إنجازية مختلفة ونمثل لذلك بزبون لدى بائع الأزهار يقول :

  • لا يوجد الكثير من الأزهار.

فهذا الملفوظ قد يعبر عن نقد، أو رفض الشراء أو طلب تخفيض السعر أو كل ذلك معا.

4. أدوار الكلام

تؤكد ترافرسو (V.Traverso) على أن للتخاطب خصوصيات داخلية وخارجية. هذه الخصوصيات تجعل من المحادثة نشاطا متميزا عن كل الوقائع اللغوية الأخرى.

«تتمثل الخصوصيات الداخلية في مظهر التبادل على أساس أن كل متكلم يتحول إلى سامع ثم يعود إلى مرتبة المتكلم وهذا التعاقب الذي يختص به المحادثة يميزه عن كل وضعيات الكلام الأخرى مثل المحاضرات أو الخطب السياسية. ويعد تعاقب الأدوار في المحادثة دون إعداد مسبق، سمة تمييزية في تحديدها»(Traverso, 1996, p. 6).

1.4. الإسهام في الكلام

يكمن الإجماع الأساسي في مسألة الإسهام في الكلام أن تناوب المتكلمين هو مبدأ عالمي للتقسيم بالنسبة للمتحدثين،

«وأن المحادثات تظهر تتابعا تبادليا للمتكلمين تتوالى فيه منطوقات المشاركين» دون إبطاء «، هذا المبدأ الجوهري يقنن أي مشارك في الحديث، وفي أي موقع يمكن أو ينبغي أن يرد في أثناء إتمام منطوق ما تاليا في الفعل، وبهذا المعنى يفهم مبدأ تناوب المتكلمين بوصفه آلية التكرار، تعمل مع بداية إسهام في الكلام ويختار مع تركيبها المتكلم التالي، وتحدد مواضع الانتقال وثيقة الصلة لتناوب المتكلمين المحتمل. وينظر إلى إمكان تداخل الإسهامات في الكلام لمدة قصيرة في أثناء المحادثة المتبادلة على أنه حالة خاصة لم يوضع من خلالها الدور الأساسي لتناوب المتكلمين موضع تساؤل» (هاينة مان، 2004، ص237).

أما الأمر البالغ الصعوبة فهو الفصل بين مستويات أخرى للبنية، وإيضاح ارتباطها بهذا المبدأ العلوي،

« ولا يستبعد ذلك أن لكل مستوى للبنية مبادئ تنظيم خاصة، يمكن أن تعرف من خلال آليات مميزة، وحال التنظيم، ومن المفيد لاعتبارات نفسية إدراكية أن تفرض أبنية كبرى للمحادثات، تؤدي في حدث التفاعل وظيفة معينة، وتتكون من خلال الوحدات الأساسية للتفاعل اللغوي وإسهامات الكلام » (هاينة مان، 2004، ص237).

وهكذا تلحق طرائق بحثية كثيرة الإسهام في الكلام أو خطوة في المحادثة بالمستوى الأصغر،

« وعلى النقيض من ذلك يفترض هنه/ريهبوك (1979) لذلك مستوى أوسط، وهو فيما يبدو يحفز بأن الإسهامات في الكلام ذاتها يمكن أن يكون لها تارة أخرى بنية معقدة وذلك يشبه تماما ما فهم مؤخرا على أنه مستوى أصغر : فالأهم على الأرجح هو حقيقة أن تحتوي على تضمينات متتابعة، تحدد بها الإسهام التالي في الكلام، وبهذا لا يكون الإسهام في الكلام أيضا نتيجة بنية وحيدة منظمة للمحادثة فقط، بل نتيجة حاصل التنظيم، فإذا فهم الإسهام في الكلام على أنه كيان تركيبي أصغر فإنه لا يجوز إغفال أنه يحتوي بذلك في الوقت نفسه على البنية الكبرى » (هاينة مان، 2004، ص238).

ويلجأ المتكلم عند ترتيب نظام الأدوار الكلامية في المحادثة إلى المقاصد والأهداف التي يرغب في إيصالها عبر عملية التلفظ فينشئ أدوارا كلامية معينة قبل غيرها حسب استراتيجية التفاعل

«ويمكن أن نعتبر التفاعل في المحادثة تفاعلين: تفاعل داخلي وتفاعل خارجي.» ويقصد بالتفاعل الداخلي تجانس الأدوار الكلامية وحسن ترتيبها وهي عملة يضطلع بها الجانب اللساني، أما التفاعل الخارجي فيقوم على تجانس المجموعة التي تنتج الكلام في أثناء المحادثة وهي عملية يضطلع بها الجانب البراغماتي الاجتماعي» (الميساوي، الوصائل، ص210، 209). وينشأ مجال شامل بين الأدوار الكلامية فتكون عملية التبادل الكلامي محكومة بتجانس من خلاله تتوزع التدخلات (Interventions) بين المشاركين في المحادثة» (الميساوي، 2012، ص210).

وتعد دراسة بنية الأدوار الكلامية في مجال تحليل المحادثة «دراسة أساسية تبحث في ترتيب التدخلات الكلامية التي ينتجها المتكلمون وتحدد القواعد التي تتحكم في كيفية الاشتغال المتعاقب للأدوار الكلامية التي تنتج بصفة متتالية» (الميساوي، 2010، ص213). يمكن وصف آليات بناء الأدوار في المحادثة كالآتي:

  1. بناء الأدوار : « تقدم المحادثة في بنية ثنائية على أساسها يتكلم المشاركون وتمثل الأدوار العنصر الرئيسي في تكوين المحادثة » (الميساوي، 2010، ص213).

  2. تآلف الأدوار : « ويتمثل المكون الثاني في انضمام الأدوار التي تتفق مع مجموعة التقنيات المساعدة على تتابع الأدوار الكلامية، فيتطابق إنتاج الكلام في المحادثة مع تنظيم الأدوار ويبنى كل دور بطريقة تجعل اختيار الدور الموالي ممكن الإنجاز » (الميساوي، 2010، ص214). وهناك «  مواضع في المحادثة يمكن أن تحدد بداية أو نهاية دورها وهي تكوّن المواضع التي تسمح بالتحول في المحادثة، وتتمثل المواضع في إنجاز مقاطع ذات طول معين مثل نهاية السؤال، أو السكوت، للاستزادة حول مسألة توزيع الأدوار » (Levinson, Pragmatics, 1983, p. 296).

  3. الحيز: « يتمثل مفهوم الحيز في الانتقال من فكرة دار حولها الحديث إلى فكرة أخرى بسبب ما، وعادة ما يكون المتكلم في هذا الحيز لا يرغب في مواصلة الفكرة الأولى ولذلك بعملية التحادث في اتجاه آخر »(الميساوي، 2012، ص214).

  4. مفهوم النقطة : « يتمثل مفهوم النقطة في التحول من فكرة إلى فكرة أخرى أو من مجال كلامي إلى آخر وقد يكون هذا التحول، دون سبب يدفع المتكلم إلى تغيير مسار كلامه، بل يكون التحول لمجرد انتهاء الفكرة الأولى » (الميساوي، 2012، ص214).

وواضح أن الفارق الوحيد بين المفهومين هو أن التحول، الذي هو أساس المفهومين معا، يكون سببه في مفهوم الحيز أي عارض من العوارض التي قد تصيب عملية المحادثة عدا أن يكون الحديث عن فكرة ما قد انتهى فعلا. في حين لا يكون سبب التحول، في مفهوم النقطة، إلا كون الحديث عن فكرة ما قد انتهى فعلا.

2.4. نظام أدوار الكلام

تعد القواعد التي تحكم التفاعلات اللغوية قواعد جد مختلفة، إذا نجد ثلاثة أنواع من القواعد وفي مستويات مختلفة أيضا تمثل كل فئة مستوى معينا.

  1. القواعد التي تسمح بتسيير تناوب أدوار الكلام، أي تركيب الوحدات الصورية والتي هي «الأدوار».

  2. القواعد التي تحكم النظام البنوي للتناوب، هذا المستوى يمثله النموذج التراتبي لمدرسة جنيف على سبيل المثال.

  3. ج. القواعد التي تتعلق بمستوى العلاقات البين شخصية، وهذا ما تمثله نظرية التأدب مثلا.

ومهما كان مستوى هذه القواعد «فإنها تخلق نظاما من الحقوق والواجبات بالنسبة للمتفاعلين، إذن نظاما من الانتباه» (Système d’attentes). (Kerbrat-Orecchioni, 1996, p. 28).

3.4. مبدأ التناوب (Le principe d’alternance)

ليكون هناك حوار يجب أن يكون هناك متكلمان على الأقل يتكلمان باحترام الدور. ومن الجانب للتحليلي، كل تفاعل لغوي يمثل على أنه تتابع لأدوار الكلام، أي أن المشاركين في التفاعل يكون في حالة خضوع لنظام الحقوق والواجبات، التي هي:

. 1« للمتكلم الحق والاحتفاظ بالكلام لفترة معينة ولكن له أيضا واجب تركه في لحظة ما.
.2 وللمستمع واجب ترك المتكلم لكمل حديثه، وأن يسمعه في أثناء حديثه، وله أيضا الحق في أن يطالب بأخذ الدور في الكلام لفترة معينة، وله واجب أخذ الدور حين ترك له» (Kerbrat-Orecchioni, 1996, p. 29).

1.3.4. أكثر من متكلم واحد

تؤكد كربرات-أوركيوني على أنه «يجب في أي تخاطب أن يشغل وظيفة التكلم عدة أشخاص بشكل متتابع (Kerbrat- »Orecchioni, 1996, p. 29).

ويجب على أي تخاطب أن يتميز بـ :

  1. التوازن النسبي في طول الأدوار.

  2. التوازن النسبي أيضا في تبئير (Focalisation) الخطابات التي يجب أن تكون متمركزة على المخاطب والمخاطب بشكل تتابعي» (Kerbrat-Orecchioni, 1996, p. 29).

2.3.4. متكلم واحد فقط

حالات تداخل الأقوال ليست نادرة في المخاطبات العفوية طبعا، لكن هذا لا يعني إنتاج هذه التداخلات بكثرة، ويجب أيضا ألا تدوم طويلا. إذ في تحاور ما، يجب أن يبقى متكلم واحد فقط يتكلم من بين كل المشاركين. هذا التفاوض قد يحدث في شكل عنيف أو لطيف، ظاهر أو مضمر.

  1. التفاوض الظاهر: يلتجأ فيه إلى ملفوظ ميتا تواصلي «دعني أتحدث رجاء»، «انتظر لم أكمل بعد»، «عفوا، تفضل».

  2. التفاوض المضمر: وفيه يتنازل أحد المتكلمين لفائدة الآخر وتتمثل إستراتيجيات تفادي التداخل في تكرار مقطع كلامي أو الرفع من حدة الكلام (Kerbrat-Orecchioni, 1996, p. 29).

3.3.4. دائما هناك متكلم

أي يجب تقليل مسافات الصمت التي تفصل أدوار الكلام، ويجب أن تخفض أزمنتها إلى أقل تقدير (Kerbrat-Orecchioni, 1996, p. 29).

هذه المبادئ الثلاثة تعوض مبدأ عاما هو مبدأ التعاون، ويمكن أن يجمع المبدآن الأخيران في الصيغة: تقليل الوقفات بين الأدوار وتقليل التداخلات في الكلام (Minimization of gap and over lap). ولكن «يختلف تطبيق هذه المبادئ من مجتمع إلى آخر» (Kerbrat-Orecchioni, 1996, p. 30).

4.4. ضبط التناوب

ما هي الآليات التي تسمح للمتكلم 1 أن يتخلى عن دوره للمتكلم 2 وكيف تتم عملية التبديل هذه دون تداخل ودون صمت لفترة معينة.

  1. في بعض الحالات تمنح الأدوار عن طريق شخص معين: (رئيس حصة، مدير مناظرة، منشط ملتقى)، ويشغل هذا الشخص، في كل الأحوال، وظيفة «الموزع الرسمي للأدوار».

  2. والتغييرات في الأدوار يتفاوض عليها المشاركون أنفسهم، ففي حالة أنهى المتكلم 1 دوره، يتخلى عن الكلام للمتكلم 2 الذي يأخذ الكلام بدوره. وهذا يطرح مشكلين:

  • في أية لحظة تتم عملية التبديل؟ (مشكل تغيير الدور).

  • لمن الدور؟ (مشكل ذو طبيعة تتابعية) (Kerbrat-Orecchioni, 1996, p. 30).

1.4.4. موضع تغيير الدور

تتم عملية تغير الدور في نظر المختصين في التحليل التحادثي من نقطة انتقال ممكن (Point de transition possible). و«على المتكلم 1 أن يسجل هذا الموضع الانتقالي في الحديث بطريقة ما، عن طريق إشارات نهاية الدور التي يسمح بها النظام» (Kerbrat-Orecchioni, 1996, p. 30).

وهذه الإشارات متنوعة منها ما هو ذو طبيعة لغوية مثل: «طيب»، «جيد»، أو تعابير انتباهية ومنها ما هو ذو طبيعة نغمية مثلا تغيير حدة الكلام، أو التوقف عن الكلام لفترة ومنها ما هو ذو طبيعة إشارية كتقطيب الوجه وغيرها.

2.4.4. طبيعة التتابع

إذا أظهر المتكلم 1 رغبته في التخلي عن الكلام، يجب على أحدهم أن يأخذه، على أساس أنه دائما لابد من متكلم، ولكن من؟ ولكن هذا المشكل لا يطرح إلا إذا كانت المجموعة التحادثية تحوي أكثر من مشاركين اثنين. و يمكن أن نميز بين تقنيتين لاختيار المتكلم الموالي:

  • المتكلم 1 هو الذي يختار المتكلم 2 عن طريق بعض الإجراءات اللغوية آو غير اللغوية.

  • الاختيار الذاتي للمتكلم 2 الذي تنصب نفسه خليفة للمتكلم 1 بإبعاد الأول (Kerbrat-Orecchioni, 1996, p.31).

وتؤكد كربرات-أوركيوني على أن «تناوب الأدوار لا يتم دائما بشكل متجانس» (Kerbrat-Orecchioni, 1996, p. 31).

5.4. إخفاقات نظام الأدوار

تعتبر هذه الإخفاقات غير قابلة للتجنب ومتواترة جدا، وهي محسومة:

  1. سواء في حالة التشوش الذي يصيب الإشارات التي تعيد تطبيق قواعد التناوب، ويمكن أن تعطي مكانا للخطأ: ونكون إذن أمام إخفاق لا إرادي.

  2. أم في حالة توافق الجميع على تأويل الإشارات المرسلة، ولا يكون ضرورة كل الشركاء موجهين إلى الخضوع لهذه الإشارات: فتكون إذن أمام انتهاكات متداولة لقواعد التناوب (Kerbrat-Orecchioni, 1996, p32).

وسواء أتعلق الأمر بالخرق الإرادي أم باللاإرادي، فإن هذه السيرورة الخاطئة ترجع إلى أربع ظواهر:

  1. الصمت الطويل بين دورين كلاميين.

  2. المقاطعة الكلامية.

  3. التداخل في الكلام.

  4. التطفل (Kerbrat-Orecchioni, 1996, p. 32).

خاتمة

عرضنا في الشق الأول من هذا المقال المحادثة ومفهومها وبنياتها، وتطرقنا في الشق الثاني منه لنظام أدوار الكلام. ونأمل أن يتيح هذا العرض آليات لتحليل المحادثات، إذ يمكن أن تستثمر هذه الأدوات الإجرائية في تحليل التفاعلات اللغوية مهما كان نوعها، ومهما كانت طبيعتها. بالإضافة إلى ما يمكن الاستفادة منه من طبيعة تتابع الأدوار الكلامية، وإيجاد تأويل ما لتداخل الأدوار، أو لتوسيع المحادثة، أو لاختتامها في لحظة ما.

خليفة المساوي، (2012)، الوصائل في تحليل المحادثة، دراسة في إستراتيجيات الخطاب، عالم الكتب الحديث، ط1، الأردن.

فولفجانغ هاينة مان ديتر فيهقجر، (2004)، مدخل إلى علم لغة النص، تر: سعيد حسن بحيري، ط1، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، مصر.

طه عبد الرحمن، (1998)، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء.

شارودو باتريك و مانغينو دومينيك، معجم تحليل الخطاب، تر: عبد القادر المهيري وحمادي صمود، مر: صلاح الدين الشريف، المركز الوطني للترجمة، دار سينارتا، تونس، 2008.

Goffman Erving, (1993), Les rites d’interaction, Les éditions de Minuit, Paris.

Kerbrat-Orecchioni Catherine, (2001), les actes de langage dans le discours, Nathan, Paris.

Kerbrat-Orecchioni Catherine, (1996), la conversation, Seuil, Paris.

Kerbrat-Orecchioni Catherine, (1990), les interactions verbales, t1, Armand colin, Paris.

Kerbrat-Orecchioni Catherine, la conversation, Paris, seuil, 1996.

Levinson C. Stephen, )1983 (Pragmatics, Cambridge University Press, New York, USA.

Roulet E. & al. (1985), L’articulation, du discours en français contemporain, Berne/Francfort-sur-main : Peter Lang.

Sinclair J. Mc. H. et Coulthard. R.M, )1975(, Towards an Analysis of Discourse, The English used by Teachers and Puplls, Oxford University Press.

Traverso véronique, (1996) La Conversation Familière, Presses universitaires de Lyon, Lyon.

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article