مقدمة
حرية الصحافة كجزء من حرية الاعلام تعد حرية أساسية وجوهرية، وهي بمثابة الشرط الضروري لقيام الحريات الأخرى، لأن هناك تلازم واضح بين حرية الصحافة وحرية المواطنين،1 فهي تتفاعل مع العديد الحريات الفردية والمجتمعية الأخرى، وهي : *حرية العقيدة، *حرية الفكر، *ديمقراطية الاتصال، *حرية الفكر، *الحق في المعرفة ويشمل حرية المعـلومات، *حرية التعبير، *الحـق في المشاركـة السياسية،2فحيث ما وجد إعلام حر ونزيه، وجد مجال أوسع لحرية الرأي والتعبير، واحترام لحقوق الإنسان، وحين تصادر الحرية الإعلامية تصادر كافة حقوق الإنسان3.
وهو ما حوّلها لأن تكون أقوى صور حرية الرأي والتعبير لا بل وأكثرها أهمية، ولذلك ليس غريبا أن تقوم التشريعات الوطنية في معظم الدول على تأكيد هذه الحرية بصرف النظر عن نوعية النظام الحاكم فيها،4 هذا مع تسليمنا أن الصحافة الحرة تشكل مصدر خطر بالنسبة للأنظمة السياسية لذا تعمد هذه الأنظمة إلى تقييّد هذه الحرية وجعلها تحت رقابتها وسيطرتها، وذلك بفرض رقابة محكمة عليها، وتقييد مجال حريتها وخاصة في مواجهة الهيئات الرسمية، وذلك بالتوسيع من دائرة جرائم الإعلام والتي تعتبر وسيلة هامة للأنظمة من اجل تقييد حرية الصحافة وتضيق مجال نشاطها.
وفي هذا الصدد نجد أن التشريعات الداخلية الحديثة أولت أهمية بالغة لفكرة منح الصحفيين حصانة خاصة، وترجمت هذا الاهتمام إلى نصوص قانونية على اختلاف صيغها وصيغ الهامش الممنوح الذي قررت السلطة في تلك البلدان أن تمنحه للصحفيين.
ومما يعزز من قيمة الفكرة لدى رجال الصحافة هو حرص عدة تنظيمات مهنية للمطالبة به وتعزيزه حتى في الدول المصنفة على أنها من الدول المتقدمة ديمقراطيا.5 وهذا نظرا للأهمية الكبيرة لمهنة الصحافة باعتبارها منبراً للرأي العام تستدعي أن يحاط الإعلاميون بالضمانات التي تجعلهم يعبرون عن آرائهم بحرية واسعة دون خشية أو خوف من ملاحقة أو محاسبة من أحد. ومما لا شك فيه أن تأمين البيئة المناسبة لهذا العمل تكون بتوافر الضمانات القانونية التي تكفل خلق أفضل الظروف لممارسة هذا النشاط.6
ومن بين الضمانات المقررة والهامة والتي لطالما نادت بها المنظمات الدولية المعنية بحماية الصحفيين نجد إجراء رفع العقوبات السالبة للحرية عن الصحفيين، التي تبناها المشرع الجزائري دستوريا وقانونيا.
لذا تأتي هذه الدراسة في إطار محاولة لرسم تصور مناسب لتقييم التجربة الجزائرية في مجال رفع العقوبات السالبة للحرية عن الصحفيين من خلال قراءة تقييمية على ضوء التوجهات التشريعية الحديثة.
واتجه موقفنا أنه لرسم تصور متكامل لهذا الموضوع، علينا المرور بنقطتين رئيستين هما:
-
أولا: فكرة رفع العقوبات السالبة للحرية عن الصحفيين في القانون الجزائري.
-
ثانيا: مدى موائمة هذه الضمانة للتوجهات التشريعية الحديثة.
1. فكرة رفع العقوبات السالبة للحرية عن الصحفيين في القانون الجزائري
يعتبر معظم الصحفيون في الجزائر أن قرار رفع العقوبة السالبة للحرية هو أمر إيجابي من شأنه دعم حرية الصحافة والإعلام بقوة، خاصة بعد أن تأكد ذلك بصدور القانون العضوي للإعلام الذي استبدال السجن بالغرامة هو خطوة إيجابية قامت بها الجزائر.7
وتجسد فكرة رفع العقوبات السالبة للحرية مظهرا من مظاهر منح حصانة للصحفيين، وهو من شأنه أن يمنح مزيد من الحرية وتمكنهم من الوصول إلى المعلومات ونشرها.
وفي المقابل عمل تحقيقات تكشف قضايا الفساد ومرتكبيها، فالصحافة سلاح فعال لا يستهان به في مجال مكافحة الفساد.8
وعلى المستوى العملي، تتجه العديد من التشريعات المقارنة إلى تبني سياسة تشجيع الإبلاغ عن الفساد كإحدى وسائل مكافحة الفساد وحماية المبلغين والشهود مما قد يلحق بهم نتيجة قيامهم بأعمال التبليغ.9
وبالرجوع إلى النصوص القانونية الداخلية، نلاحظ أن المشرع الجزائري خرج –من الناحية الإجرائية-على القواعد العامة في الاختصاص بالنسبة للجنح والجرائم التي تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرف النشر على غير الأفراد. فما هو مقرر أنه يمنع على وكيل الجمهورية في مجال الجنح المتلبس بها أن يصدر أمر بحبس المتهم حبسا احتياطيا إذا كانت الجريمة المتابع من اجلها تعتبر من الجنح الواقعة بواسطة الصحافة.10
وهو الموقف الذي تبناه المشــرع الجزائري من خلال نص المادة 59 من قانون الإجراءات الجزائيـة، حيث استثنى جنح الصحافة والجرائم ذات الطابع السياسي من الجرائم المعنية بإجراء الإيداع رهن الحبس المؤقت.11
كما أن ذات المشرع وفي إطار الإصلاحات المعلن عنها من طرف رئيس الجمهورية السابق عبد العزيز بوتفليقة تقرر الغاء عقوبة الحبس في حق الصحفيين12، التي كانت متضمنة في قانون العقوبات.13
وهو ما تمخض عنه القانون العضوي12/05 المتعلق بالإعلام، الذي حمل الباب التاسع منه بعنوان «المخالفات المرتكبة في إطار ممارسة النشاط الإعلامي »، وفي إحدى عشرة مادة لجميع العقوبات التي يمكن أن تسلط في حالة المخالفات، إلا أن الملفت للانتباه إلغاء عقوبة الحبس التي كانت مقررة في القانون السابق، بالتالي ألغى المشرع التجريم بالنسبة للنشاط الإعلامي.14
بل إن هذه الضمانة سرعان ما تقرر الاعتراف بها دستوريا، حيث نص الدستور الجزائري على أنه: « .. لا يمكن أن تخضع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية....»، وهذا بعد أن اعترف بأن حرية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية وعلى الشبكات الإعلامية مضمونة ولا تُقيد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية.
لا يمكن استعمال هذه الحرية للمساس بكرامة الغير وحرياتهم وحقوقهم. نشر المعلومات والأفكار والصور والآراء بكل حرية مضمون في إطار القانون واحترام ثوابت الأمة وقيمها الدينية والأخلاقية والثقافية. « 15
العلة من ذلك هي حرص المشرع على أن تكون الآراء الصحفية متمتعة بالحرية التي قررها لها الدستور وحتى لا يكون رجال الصحافة عرضة للإجراءات التعسفية أثناء ممارستهم لرسالتهم الصحفية، التي تعتمد بطبيعتها على فن النقد البناء والموضوعي، كما أنه لا يمكن تبرير الحبس المؤقت بالخوف من ارتكاب جرائم أخرى لأن الصحفي يستطيع الكتابة ولو من داخل السجن، وإرسال أرائه بأي طريقة لوسائل الإعلام أما أنه لا خوف من أن يهرب صاحب الرأي، لأنه عادة ما يكون مرتبطاً بمقر عمله، ومعالم الجريمة الصحفية ثابتة وواضحة من خلال الصحيفة فلا يمكن القول بالخشية من العبث بالأدلة.16
2. مدى موائمة هذه الضمانة للتوجهات التشريعية الحديثة
واتفق الكثير على أن حرية الصحافة من السمات المميزة للمجتمعات الديمقراطية، المحكومة بسيادة القانون وعدم وجود أي رقابة على وسائل الإعلام، فالأفراد يجب أن يكون لهم الحق في توجيه النقد، والانتقادات واللوم للحكومة، وأن يباشروا مناقشات وحوارات تتصل بمصالحهم العامة والخاصة.17
يعد التحدي الأساسي الذي يواجه الصحفيين والمؤسسات الإعلامية هو العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر وحرية التعبير، وإثر نضال على مدار سنوات طويلة خاضته نقابات الصحفيين والمدافعين عن حرية الصحافة والاعلام جرى تعديل غالبية قوانين الصحافة والنشر في البلدان العربية واسقاط العقويات السالبة للحرية منها. ولكن لا زال هناك طيف واسع من التشريعات الوطنية الأخرى في غالبية بلدان المنطقة تتضمن عقوبات يمكن توقيف الصحفيين وحبسهم بناء عليها بسبب عملهم المهني منها قوانين العقوبات، قوانين مكافحة الإرهاب وقوانين الجرائم الإلكترونية.18
لأنه مازال العاملون في وسائل الإعلام العربية وفي مقدمتهم الصحافيون، هدفا لملاحقات قضائية متعددة في قضايا الرأي، وصدرت بحق البعض منهم أحكاما قضائية قاسية، وتعرض بعضهم الآخر إلى الاعتداءات البدنية أو الاحتجاز...، وتعرضت صحف عديدة للضغط عليها من قبل السلطة من خلال خفض حصتها من الإعلانات ومنع توزيعها حتى على المشتركين، وتعرضت مقار صحف في عدة من الدول إلى المداهمات، كما تعرضت الفضائيات العربية إلى ضغوط شديدة من جانب دول غربية من أجل تغيير طريقة تناولها للأحداث، وباتت المنطقة العربية توصف وفق تقارير »مراسلون بلا حدود« بأنها أكبر ثاني سجن للصحافيين في العالم..19
والثابت أن هذه الضمانة وهي رفع العقوبات السالبة للحرية عن الصحفيين، كانت موقف تحوّل إلى مطلب لدى المنظمات الدولية المعنية بحرية التعبير، وتلك التي حملت على عاتقها الدفاع عن الصحفيين.20
العلة من ذلك هي حرص المشرع على أن تكون الآراء الصحفية متمتعة بالحرية التي قررها لها الدستور وحتى لا يكون رجال الصحافة عرضة للإجراءات التعسفية أثناء ممارستهم لرسالتهم الصحفية، التي تعتمد بطبيعتها على فن النقد البناء والموضوعي، كما أنه لا يمكن تبرير الحبس المؤقت بالخوف من ارتكاب جرائم أخرى لأن الصحفي يستطيع الكتابة ولو من داخل السجن، وإرسال أرائه بأي طريقة لوسائل الإعلام أما أنه لا خوف من أن يهرب صاحب الرأي، لأنه عادة ما يكون مرتبطاً بمقر عمله، ومعالم الجريمة الصحفية ثابتة وواضحة من خلال الصحيفة فلا يمكن القول بالخشية من العبث بالأدلة.21
ونفس المنحى سلكة المشرع الإماراتي أين تقرر رسميا حظر سجن الصحفيين22، ولكن سرعان ما لاحظ النقاد ان القانون تضمن غرامات مالية هائلة كما تضمنتها المادة 32 من قانون الصحافة الاماراتي، والمتعلقة بالتعرض بالإساءة للمسؤولين الحكوميين أو افراد العائلة المالكة أو الدين الإسلامي.23
أما المشرع المصري فنجده في السابق استقر كما أسلفنا على الأخذ المبدأ العام، وهو حظر الحبس الاحتياطي للصحفيين في الجرائم الصحفية، إلا أنه استثنى من ذلك المادة 179 من قانون العقوبات، والمتعلقة بتقرير جريمة إهانة رئيس الجمهورية بواسطة الصحف أو وسائل النشر.24
وفي المقابل فإن هذه الضمانة نجدها مغيبة وحاضرة عند التشريع اليمني، إذ أن هذا الأخير أدرج عقوبة الحبس للصحفيين في قانون الإعلام، ولكنه استثناها في قانون الإجراءات الجزائية حال ارتكاب جرائم بواسطة الصحف، إذا لم تكن تتضمن طعنا في الأعراض أو تحريضا على إفساد الأخلاق.
ففي الفصل المتعلق بمحظورات النشر من قانون المطبوعات والصحافة عدد مجموعة من العناوين المعنية بهذا الحظر، ومن بينها التعرض بالنقد المباشر لرئيس الجمهورية، ليعود في الفصل الذي يليه ليحدد في المادة 104 الحكم الجزائي المترتب عن ذلك، ويحدده بين الغرامة المالية والحبس لمدة لا تزيد عن سنة واحدة، وبالطبع مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد في أي قانون آخر.25
إلا أن ذات المشرع في قانون الإجراءات الجزائية الخاص به قرر رفع» الحبس الاحتياطي «عن الجرائم الصحفية، اللهم إلا إذا تضمنت طعناً في الأعراض أو تحريضاً على إفساد الأخلاق.26
هذا فيما اتفق التشريع المصري والبحريني على تحديد الجرائم التي يتم فيها التوقيف بخضوعهما لمعياري جسامة العقوبة ومحل الإقامة واستثني من ذلك الجرائم التي تقع بواسطة الصحف.27
وسجل لبنان تطور ايجابي يتعلق بإلغاء عقوبة السجن لبعض جرائم الصحافة. فمنذ1994، حظي الناشرون والصحافيون بالحماية من عقوبة السجن عند مخالفتهم بعض نصوص القيود المحددة في قانون المطبوعات.28
وامتدت الحماية التشريعية في لبنان لتشمل عددا من الجرائم التي تقع عن طريق الصحافة، وهي من منظورنا تعكس هامشا كبيرا من الحرية مقارنة بدول عربية أخرى، على الرغم من خصوصية الدولة اللبنانية ذات التركيبة اللبنانية والطائفية.
وهو ما توج في الإعلان الرسمي عن حظر» الحبس الاحتيـاطي «في قضـايا جرائم المطبوعات، وبالتالي حظي الناشرون والصحافيون بالحماية من عقوبة السجن عند مخالفتهم بعض نصوص القيود المحددة في قانون المطبوعات وهي: نشر أخبار كاذبة، رفض نشر تصحيح من وزير الإعلام، نشر مداولات سرية وجلسات برلمانية.29
وعلى العموم فإن باقي التشريعات العربية من هذه الضمانة الأساسية للصحفيين والتي تدفع عنهم بطش رجال، السلطة وخصومهم السياسيين وتجعلهم في مأمن من استخدام هذا السلاح في مواجهتهم للبطش أو تقييد حرياتهم.30
أما في فرنسا لم تعد إهانة رئيس الجمهورية جريمة يعاقب عليها القانون بعد أن وافق البرلمان الفرنسي على تعديل القانون الذي كان يجرم الإساءة إلى رئيس الجمهورية وإلغاء النص القانوني لهذه الجريمة لصالح حرية التعبير.31
أن الحبس المؤقت إجراء محظور على وكيل الجمهورية بمناسبة الجنح المتلبس بها وذلك في الحالات التي تكون فيها الجريمة ذات صبغة سياسية، ولذلك فالسابق ذكره في شأن جنح الصحافة ينطبق على هذه الحالة. إذن النص في قانون الإجراءات الجزائية على عدم جواز الحبس المؤقت في جرائم النشر والجرائم ذات الصبغة السياسية يتفق مع المبدأ الدستوري القاضي بكفالة حرية الرأي، إلا أن تقرير استثناء على هذا المبدأ وإجازة الحبس المؤقت من قبل جهة التحقيق في بعض الحالات، يشكل نوعاً من التراجع عن الضمانات المقررة آنفاً فلا حبذ لو كان هناك إعادة صياغة لهذه الضمانات، ذلك بترك الحرية لجهة القضاء في تقرير الإدانة.32
فإنه لا يصح القول بأن السلطة التشريعية الغت عقوبة الحبس بالنسبة للصحفيين، فإذا كانت هذه السلطة جادة في إلغاء هذه العقوبة عن الصحفيين فإنه لابد من إلغائها بشكل نهائي من كافة القوانين المنظمة لمهنة الصحافة، أما أن يقتصر إلغاء السلطة التشريعية لهذه العقوبة من قانون المطبوعات والنشر دون إلغائها من القوانين الأخرى ذات العلاقة، فإن هذا الأمر هو بمثابة محاولات من السلطة التشريعية للالتفاف على قانون إلغاء عقوبة الحبس في قضايا الصحافة.33
خاتمة
يسجل للمشرع الجزائري أنه أفرط كثيرا في فرض العقوبات الإدارية والغرامات المالية للمخالفات المرتبة على الجرائم الإعلامية) الباب التاسع(؛ هذا على الرغم من أن قرّر رفع العقوبات السالبة للحرية عن الإعلاميين، إلا أن هذه الخطوة الإيجابية والهامة؛ لم يواكبها فرض غرامات معقولة أو عقوبات إدارية غير مشددّة؛ على أن ترد إلا في حالات محددة. وفي هذا الصدد توصي الدراسة بما يلي :
-
يجب أن تترافق هذه الضمانة بالدعوة إلى توسيع الغاء العقوبات السالبة للحرية لتشمل كل من يدلي بتصريحات لوسائل الاعلام؛ سعيا لتعزيز حرية التعبير والرأي، وتعزيزا للدور الرقابي لوسائل الاعلام، لأنه لا يعقل أن تلغى عقوبة الحبس لصالح الإعلامي، في حين يحرم من هذه الضمانة من يدلي بتصريح أو يقدم شهادته حول موضوع معين.
-
انشاء محاكم خاصة أو أقسام خاصة للنظر في جرائم النشر الإعلامي؛ يشرف عليها قضاة مختصون في قضايا الجرائم الإعلامية؛ ويكونوا على إدراك تام بمقتضيات العمل الإعلامي، من شأنه تعزيز حرية الإعلام في مقابل تحقيق مصلحة المجتمع في محاربة الظواهر الاجرامية، ومن المفيد القول أن الأمر لا يعكس أي مساس بمبدأ المساواة أمام القضاء، مادام أن المحاكم أصلا تتوفر على أقسـام خاصة للنظر في مختصـة في مجالات التجارة والأسرة. والجدير بالتنويه أن تضّم هذه المحاكـم خبراء يتولون التدقيق في المواد الإعلاميـة موضوع التجريم؛ وهذا أسوة بما هو جار عليه الحال في باقي القضايا؛ التي يجاز فيها للقضاء الاستعانة بخبراء.
-
من الإجراءات التي من شأنها التقليل من المتابعات القضائية؛ هو ضرورة إقرار حق الصحفي في النقد وحقه في الطعن في أعمال الموظف العام. لأننا نجد المشرع الجزائري قد حصّن هذا الأخير ومن في حكمه من التعرض لهم حتى ولو قاموا بأعمال غير مشروعة، فليس لأنهم في مناصب سامية فهم معصومون من الانحراف والتسيب. فضلا على أن التوجهات الحديثة للتشريعات الاعلامية استقرت عند فكرة التفرقة بين الحق في الخصوصية للموظف العام ومن هم في حكمه، وباقي أفراد المجتمع؛ ما يعني أن التشريعات وفي مقدمتها الجزائرية مطالبة بالتكيّف مع هذه الإجراءات.
-
تبدو الدعوة ملحة إلى تعديل التشريعات العقابية وضرورة تكييفها مع متطلبات الأخذ بمعيار امتياز التغطية الإعلامية الموضوعية والمتوازنة، والتوسع في الصحافة حسن النية – وجعل عب ء الإثبات دائما على عاتق المدعي وليس الاعلامي. مع منح حرية أوسع عند تغطيتها أخبار الجرائم، ووضع القيمة الاجتماعية للخبر في الاعتبار.
-
ينبغي تعزيز فكرة الحصانة الإعلامية من جهتين الأولى عبر النص عليها صراحة ليس فقط في القوانين الناظمة لحرية الاعلام؛ بل حتى قوانين العقوبات والإجراءات الجزائية، ولما لا النصّ عليها دستوريا. أما الثانية فتمر عبر تعديل النصوص القانونية الخاصة بتوقيف الصحفيين؛ أو تفتيش المقرات والمؤسسات الإعلامية على أن يتعزز ذلك بمنظومتها ضمانات في مقدمتها ضـرورة أن يتم ذلك بإشراف قضائي-أسوة بالمشرع الفرنسي-، وضمانة نرى أنها من الأهمية بمكان أن تجسد وهي ضرورة أن تتم إجراءات التوقيف والتحقيق بحضور ممثلين من المجالس المهنية للإعلاميين.
-
توجيه عبء الاثبـات في قضايا المرفوعـة ضد الإعلاميين على صاحب الشكوى، قطعا للطريق أمام محاولات ارهاق رجال الاعلام والصحافة لاستحضار الأدلة والشواهد على صدق ما جاء في المادة الصحفية. انطلاقا من مبدأ» البيّنة على من ادعى «، لأن ما تظهره حجم المتابعات التي تعرض لها رجال الاعلام خاصة في الجزائر، أن الشاكي يستند في شكواه على تحرير عريضة فقط.
-
الجدير بالإشارة أنه ينبغي تتمة لما سبق اسقاط اجراءات المتابعة القضائية والتأديبية في حال احترام المؤسسة الإعلامية، لشروط »الحق في الرد والتصحيح« ؛ فلا يتصوّر أن تفسح الوسيلة الإعلامية للمعنيين مساحة للرد والتصحيح، ومع هذا يتابع صحفيوها قضائيا أو تأديبيا، وهذا على أن يخضع قرار اللجوء إلى المتابعة القضائية للقضاء؛ في حال طلب التعويض عن الأضرار التي من شأن الحق في التصحيح والرد عدم جبرها.من جهة أخرى فإن أجهزة الدول سواء الرسمية وغير الرسمية مطالبة بالعمل على رفع من قيمة » الرقابة الذاتية الإيجابية«، من خلال تعزيز منظومة الأخلاق المهنية، وإعطاء صلاحيات لمجالس التأديب المهنية التي ينشئها الاعلاميون لفرض وصايتها عليهم، وهذا كبديل عن المتابعات القضائية. علما أن هذه المجالس مخول لها اعداد مواثيق أخلاقيات ومدونات السلوك المهني، وعليه فإنه يقع على عاتقها المطالبة بالبحث عن آليات لتجسيد هذه الأخلاقيات؛ وهو ما يتحقق هو ضرورة أن تحظى بقيمتها الإلزامية من طرف الإعلاميين أنفسهم.
-
و أخيرا : فيما يتعلق بشق المتابعات القضايا الجزائية الذي يثير قلق رجال مهنة الاعلام؛ فإن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على الهيئات الأممية والحقوقية؛ بما فيها تلك المعنية بحقوق الصحفيين سواء التي تنشط على المستوى الدولي أو المحلي؛ بالعمل نحو الضغط على الدول لإجبارها على إلغاء عقوبة الحبس وأي عقوبة سالبة للحرية بالنسبة لجميع فئات الصحفيين، سيما وأن البدائل متوفرة كتفعيل العقوبات التأديبيـة، أو فرض عقوبة الغرامة المالية أو التعويض المدني بالنسبة للجرائم الماسة بالأفراد، وهذا لا يعني أن يكون الإلغاء شاملا لجميع الجرائم الإعلامية؛ بل يستثنى منها جرائم التحريض خاصة تحريض القصر على الفسق والدعارة، أو التحريض على ارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان؛ لأن اعداد مادة إعلامية في هذه المجالات ليس له ما يبرره لا من الناحية المهنية أو الأخلاقية.