الذّات المتكلِّمة ومواجهة الموت في قصيدة «تمّوز جيكور» لبدر شاكر السيّاب

La parole du Soi et la lutte contre la mort dans le poème « Tammuz Jaiqur » d’al-Sayyab

The Speaking Subject and the Defiance Against Death in al-Sayyab’s « Tammuz Jaiqur » Poem

مديحة دبابي Madiha Debabi

Citer cet article

Référence électronique

مديحة دبابي Madiha Debabi, « الذّات المتكلِّمة ومواجهة الموت في قصيدة «تمّوز جيكور» لبدر شاكر السيّاب », Aleph [En ligne], mis en ligne le 09 mai 2025, consulté le 12 mai 2025. URL : https://aleph.edinum.org/14420

تُعدّ التجربة الشعرية لبدر شاكر السيّاب مشبعة بثيمة الموت، حتى غدا الموت خيطًا دلاليًّا يربط معظم قصائده، ولا سيما بعد تجربة المرض التي دفعت الشاعر إلى تأمل الموت بوصفه نهاية حتمية لجسد منهك. في قصيدة »تموز جيكور« ، التي تشكّل corpus هذا البحث، تحضر الذات المتكلمة وقد اعتراها القلق الوجودي والشك والحيرة، في بنية نصية درامية تستحضر الماضي الأسطوري لتواجه الحاضر الواقعي، ضمن صراع جدلي بين الحياة والموت، الوجود والعدم، الأنا والهو، الخصوبة والجدب.

تهدف هذه الدراسة إلى مناقشة القضايا الآتية :

العلاقة بين الجسد والموت بوصفها قضية أنطولوجية تواجهها الذات المتكلمة بشحنة من القلق الوجودي الناتج عن صراع داخلي.

تموضعات الموت الظاهرة والمضمرة في بنية النص.

تكمن أهمية هذا البحث في تقديم قراءة وجودية للشعر العربي المعاصر، تستنطق طاقاته التأويلية، وتفتح أفقاً لفهم جديد للذات والنص والموت، في تجلّياتهم المتداخلة.

L’œuvre poétique de Badr Chaker al-Sayyab est fortement marquée par la thématique de la mort, qui agit comme un fil conducteur dans la majorité de ses poèmes, en particulier après l’expérience de la maladie. Dans Tamouz Jaykour, poème analysé ici, la voix du sujet parlant est traversée par l’angoisse existentielle, le doute et le questionnement. Le texte prend la forme d’une structure dramatique complexe, articulée autour d’un conflit entre vie et mort, être et néant, fertilité et stérilité.

Cette étude explore les axes suivants :

Le lien entre corps et mort comme question ontologique, vécue par une voix lyrique traversée de tensions intérieures.

La configuration des signes visibles et symboliques de la mort dans l’architecture du texte.

L’étude propose une lecture existentielle du poème, qui met en lumière la richesse de la parole poétique arabe contemporaine et sa capacité à régénérer le sens à travers l’expérience de la finitude.

Badr Shakir al-Sayyab’s poetic experience is deeply infused with the theme of death, which acts as a symbolic thread connecting much of his work, particularly after his confrontation with illness. In the poem Tammuz Jaykour, the speaking subject is immersed in existential anxiety, doubt, and introspection. The poem unfolds within a dramatic textual structure marked by tensions between life and death, being and nothingness, fertility and barrenness.

This study addresses the following :

The relationship between body and death as an ontological concern, experienced by a subject overwhelmed with existential conflict.

The visible and symbolic manifestations of death woven into the fabric of the text.

By adopting an existential lens, the study offers a renewed interpretation of contemporary Arabic poetry, uncovering its layered meanings and its engagement with mortality and identity.

مقدمة

انبثقت الحركة الشعرية الحديثة في تلك اللحظة التاريخية التي ميزتها ظروف سياسية أبرزها نكبة فلسطين والاستعمار الأوربي ومخلفاتهما معا على الوعي العربي عامة، وعلى المثقف خاصة؛ وعي حاد بالمأزق التاريخي والأنطولوجي الذي وقع فيه العرب، تلك اللحظة التي شهدت صعود المد القومي، وما صاحبها من تحولات بنيوية اجتماعية، كل هذه الأحداث أسهمت بشكل جذري في إعادة تشكيل الأفق الشعري.

حينذاك تأسّس الشّعر الحرّ في منتصف القرن الماضي، كمحاولة جادة للتّحديث لا على مستوى التشكيل الموسيقي فقط، بل شغل الشعراء العرب سؤال المصير والكينونة، وانهمكوا في قلب وتقليب مواضيع الشعر عن طريق الاستعانة بالرموز، وكل وسائل التشكيل الفني الحديث التي تفجّر هذه المؤسسة الاجتماعية وهذا العقل الكلي/ اللغة من الداخل، معبرين عن روح العصر، متتبعين إيقاعه، متأثرين بالأدب الغربي من جهة وبالتراث العربي من جهة أخرى. يقول أدونيس عن هذه اللحظة التاريخية وأثرها سياسيا وثقافيا :

 «ثقافياً، كانت هذه المرحلة تنهض، بخاصة في جانبها الشعري، على إعادة نظر جذرية في النظام الموسيقي القائم على الأوزان التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي. وكان ذلك يعني إعادة نظر في عالمٍ غنيّ عريق وراسخ من المفهومات والقيم الفنّية - الشعرية، وعيا وتذوقا، فهما وتقويما. أما سياسيا، فكانت تنهض على دعاوى إيديولوجيّة في النّهوض بالحياة العربية، وبنائها على أسس «تقدميّة.»» 1

في تلك اللحظة النشطة إيديولوجيا الحافلة بالآمال، المتخمة بالانتكاسات السياسية لم يُجدِ الهروب للطبيعة والتغني بعالمها البكر، ذلك العالم الذي يسكن إليه الشاعر الرومانسي ويبثه شكواه «إن مرحلة الستينات وهي التي تؤرخ تبلور الحركة الشعرية الحديثة وظهور شعر المقاومة الفلسطيني هي مرحلة تتميز بطغيان بعد الأرض– الطبيعة؛ فالأرض – الطبيعة هنا بيت الكائن وامتداد للإنسان إنها بعده الكوني.»2 فالواقع بكل قضاياه الاجتماعية الشائكة وأوضاعه السياسية المعقدة دفع بالشاعر إلى الانخراط في هذه الحركية، ومساءلة الواقع وأزمة الإنسان العربي فيه.

لقد كان الواقع وما يضطرب فيه من صراع متعدد الرؤوس (سياسيا واجتماعيا وثقافيا) محكا حقيقيا لصقل تجربتهم، وهو ما أوقد هذه الثورة الشعرية التي تحوّلت من الأرض إلى النص، فشهدنا خروج الشعر من وحدة البيت إلى السطر الشعري الحر، متحررا من القالب الجامد المتوارث للقصيدة العربية والذي لم يعد صالحا للتعبير عن روح العصر، وبدأ الانعتاق من النزعة الرومانسية المتعالية على الواقع، وتحول على إثرها الإحساس بمرارة الواقع إلى اغتراب وجودي مصحوبا بحساسية فنية جديدة، ثائرة وناقمة على الواقع، طامحة إلى التغيير الجذري.

يُعد بدر شاكر السياب (1926- 1964) واحدا من أبرز الوجوه الإبداعية في الحركة الشعرية المعاصرة، فهو وحده يعتبر لحظة وحلقة مهمة في تاريخ الشعر العربي3، واعتبره النقاد المؤسس الفعلي للقصيدة العربية الجديدة، والمعبر عن هموم الإنسان العربي وتطلعاته4، خاصة في ديوانه «أنشودة المطر 1960» الذي سجّل فيه أثر معاناته من الظروف الاجتماعية القاسية وأزمته الصحية، وأفكاره السياسية، فمثّل وعيا شعريا مغايرا لحركة الواقع والتاريخ، إضافة إلى قيمته الشعرية العالية5 ، فصاغ فرادته ضمن حقل الشعرية العربية.

وتكمن أهمية البحث في شعر السياب - إضافة إلى ما سبق- تأثيره الكبير في الجيل اللاحق بعد الخمسينيات، ليس فقط من باب حداثة شعره، ولكن نظرا للحمولة الدلالية السياسية والاجتماعية والإنسانية التي حفل بها شعره، يقول محقق أعماله الكاملة :

«لحظة السّيّاب في شعرنا العربي المعاصر، هي لحظة فارقة بلا شك، أحدثت خرقاً أسس لإمكانات قول شعريّ جديد وحرّ، وتركت تأثيراً عميقاً في جسد الأجيال اللاحقة. وبالتالي فإنّ آثاره الشعريّة تظل علامةً يُمكن من خلالها بحث وقراءة ليس شعرنا العربي الحديث فحسب، بل الثّقافة بمجملها في العالم العربي على مستوى الفرد والمجتمع.»6

فقد أصبحت القصيدة نسيجا فنيا مختلفا ينهل من التاريخ والأسطورة ويحفر في الواقع والحياة، يتساءل عن الكينونة والمصير، ما جعل النص كينونة رمزية مشعة بطاقة وجودية ونقدية للمجتمع والعصر.

حُظي شعر السياب بدراسات كثيرة تناولت زاوياه المتعددة بمناهج مختلفة؛ فقد حاولت الدراسات السابقة كل من وجهة نظرها البحث في ظاهرة الاغتراب والغموض، أو التوظيف الأسطوري أو إسقاط حياته ومعاناته الصحية على شعره، ولكن زاوية نظرنا تختلف عن الدراسات السابقة من حيث التوجّه رأسا لقضية الشعر والكينونة، من خلال دراسة نصية الذات المتكلمة speaking subject داخل قصيدة «تموز جيكور» ضمن ديوانه أنشودة المطر؛ بمعنى الاشتغال على الذات المتكلمة بوصفها نصا؛ حيث إن الذات المتكلمة « تنقش ضمن العملية الدالة، لا ككيان مفروض، بل كسمات سيميائية ورمزية، ومعبرة، وهي سمات للعملية الدالة»7. وهو الأمر الذي لفت انتباهنا داخل قصيدة «تموز جيكور» إذ طغى استعمال ضمير المتكلم بصوره المختلفة (المستتر والمتصل والمنفصل) داخل النص ضمن صراع جدلي بين «الحياة والموت»؛ حيث تنكتب تراجيديا الوجود الإنساني في مواجهة الموت ورموزه التي توحي بجبروت القوى الخارجية وتسلطها على الفرد. وهو الأمر الذي دفع البحث إلى صياغة الإشكالية المركزية التالية : من يكون هذا الأنا المتكلم داخل النص الشعري، هل هو الأنا الواقعي التاريخي (المؤلف/السياب) أم هو الأنا السردية التي تروي لنا أحداث هذه القصة شعريا؟ وانبثق عن هذه الإشكالية جملة من التساؤلات الفرعية : ما موقف الذات أمام الألم والمعاناة والموت والعدم؟ كيف يُحمَل الموت شعرا؟ كيف تكتب الذات موتها أم الموت هو من يجعل الذات مكتوبة؟ ما وظيفة الأسطورة في كتابة الذات؟

وتهدف هذه الدراسة إلى كشف نصية الذات المتكلمة في مواجهة الموت ممزقة كل أقنعته، من خلال كشف أثر الأنا السردية ومقاومتها داخل البنية الدرامية التي تشتغل داخل النص الشعري وعلاقتها مع ذات المؤلف. من خلال التحليل السردي للشعر خاصة في أهم مقوماته الشخصية/الفاعل الذي يحرِّك الأحداث /الأفعال السردية.

1. الموقع البلاغي للذّات المتكلِّمة

إن بحثنا عن الذات لا يعني أن الذات لها سلطة على النص، فانطلاقا من الدراسات الحداثية وما بعد الحداثية تم القضاء على الترابط بين النص وما هو خارجه، فالنص لا يحيل إلى الخارج، وإن كان يعيد إنتاجه لحسابه الخاص، فلا تطابق بين النص وبين المرجع الخارجي « فإذا كانت الهرمينيوطيقا تقول إن اللغة تتكلم الإنسان»، فإن السيميولوجية تقول : «إنني متكلَّم (إنني لا أتكلم بل اُتكلَّم) بمعنى أن تركيب اللغة ونسيجها ونظام الاختلافات الذي يؤلف سلسلة دالة هما اللذان يتكلمانني»8 فالذات المتكلمة تتموقع في الاختلاف بين الرمزي والسيميائي، بين لغة مباشرة ولغة غير مباشرة، ذلك أن اللغة لا توصل ولا تنقل المعنى الذي تريده الذات، بل اللغة تقول شيئا غير ما تقوله الذات 

«اللعنة التي تميز اللغة كلها، أنها ما أن تدخل فيها علاقة يتبادلها الأشخاص، حتى تضطر إلى التصرف بهذه الطريقة، ولا تستطيع أبسط الرغبات أن تعبر عن نفسها دون أن تختفي وراء ستارة اللغة التي تكون عالماً معقداً من العلاقات الذاتية المتبادلة التي تخلو كلها ضمناً من الأصالة والموثوقية.»9

فلا تطابق بين الدال والمدلول، ولا تطابق بين العلامة والمرجع، واللغة ليست بحال من الأحوال تعبيرية؛ تعبر عن الذات.

تأسيسا على ما سبق فالذات المتكلمة تعني «الهو»Le ça10 يَتكلّم من خلال اللغة؛ حيث إن الهو مبنين كلغة كما يذهب جاك لاكان (Jacques Lacan) ، فاللاشعور كما يريد لاكان أن يصفه، يؤدي عمله وكأنه لغة بنائية، فهو الذي يتكلّم داخل الإنسان.11 إذا للغة دور هام في تكوين الذات، وتشكيل تجربتنا في العالم حيث تتكون الذات في اشتباكها مع العالم وتفاعلاها مع الآخرين.

وفي هذ السياق نرجع إلى أطروحة هيدغر (Heidegger) الذي يعتبر  «اللغة هي بيت الكون» 12 الذي يسكنه الكائن، فاللغة تكشف عن الوجود  

«إن الكلام ينبغي أيضا أن تكون له من حيث ماهيته طريقة كينونة متصلة بالعالم على نحو مخصوص. إن مفهومية الكينونة في العالم - وفق وجدان ما إنما تفصح عن نفسها من حيث هي كلام» 13

فالكائن يسكن اللغة وهي التي تُفصح عنه وتتكلّمه.

وللكشف عن الهو الذي يتكلّم ينبغي الكشف عن العمليات الأولية  «للهو» ؛ والتي لا تعدو أن تكون عمليات بلاغية هي : الاستعارة والكناية أو التكثيف Condensationوالإزاحة Déplacement، أي الارتباط بالتشابه والارتباط بالمجاورة، وهي من بين أبرز العمليات الأولية التي تجري في اللاشعور أو التي يقوم بها  «الهو»  في سبيل الحصول على الإشباع وسعيا وراء إرضاء الميول الفطرية التي لن تُعدّل، وتظهر هذه العمليات على أخلص أشكالها في الأحلام وهذه العمليات تتجاهل الزمن والواقع ولا تخضع للاعتبارات المنطقية المألوفة14 بناء عليه تُعتبر كل أشكال التصوير (الكناية والمجاز والاستعارة) المنفذ البلاغي الذي تتكلّم عبره الذات - الهو يتكلم- وسنحاول في قراءتنا لتموز جيكور كشف هذه العمليات التي يتكلم من خلالها الهو ونتعرف على صورة الذات المُنتَجَة داخل  «قصيدة تموز جيكور» . ولا يكون هذا ممكنا إلا بتبيان وظيفة الصورة الشعرية التي تستعين بالرمز الأسطوري لأن النص يتقاطع مع أسطورة «تموز».

2. الحضور الأسطوري في الشعر العربي المعاصر

تمثّل الأسطورة (Mythe / Myth.) واحدة من المرجعيات النّصية الرّمزية والفنيّة التي مكّنت الشّعر العربي المعاصر من تحقيق تحديث جوهري على مستوى البنية الدّلالية؛ فوهبت النّص دلالات دينية وسحرية وتاريخية وثقافية، حيث :

 «تشير الأسطورة في أصلها اليوناني إلى ميثوس Muthos التي كانت تقترن في استعمالها الهوميري (نسبة إلى الشاعر اليوناني هوميروس Homere) بالكلام البيّن. ومع أفلاطون Platon أصبحت الأسطورة تتقابل بصورة كلية مع اللوغوس logos، أو الخطاب العقلي، وذلك بوصفها حكاية خرافية، تسرد بدايات الأشياء، وأصولها القصية، وتتحدث عن نهاياتها وغاياتها البعيدة، دونما لجوء إلى تحليل عقلي، أو قيام باستخلاص نظري.  »15

فالأسطورة تعبير فني -لامعقول- عن أحداث ووقائع حياة الإنسان، وتحفل بالأحداث الخارقة للعادة وتجمع بين الأبطال من البشر والآلهة وأنصاف الآلهة. تحاول إيجاد تفسير لكل ما في العالم، وإيجاد إجابات عن أسئلة الإنسان الوجودية والكونية من جهة، وتفسير البنى الاجتماعية والسياسية القائمة، وإضفاء المشروعية عليها من جهة أخرى، وهنا تكمن الوظيفة المزدوجة للأسطورة16 :

  1. الإجابة على نوع الأسئلة المحرجة، ومن الضروري أن تكون الإجابة تصويرية حية وقاطعة، تمنح وتسبغ قوة هائلة على المعبودات المتعددة التي تنسب أو تعزى لها الخليقة والعناية بالأرواح.

  2. تبرير لنظام اجتماعي قائم، ولشعائر وأعراف تقليدية سائدة.

رجع الشعراء للأساطير بوصفها رموزا غنية بالدلالات للتعبير عن حالهم وواقعهم، فكان هذا الرجوع للأساطير مساهما أساسيا في تفجير اللغة وبعث طاقتها الدالة، بتحفيز المخيلة على ابتكار الصور الخلاقة المفعمة بالحياة، بالاستقاء من هذا التراث الأسطوري، والتركيب بين حاضر الإنسان وماضيه للإجابة عن أسئلته الوجودية الحيوية الراهنة  «وإذا كنا نشهد اليوم الأدباء والفنانين يستعيرون من الأسطورة رموزها المجردة في إبداعاتهم الفكرية والفنية والأدبية، فذلك لأن الأسطورة أقدر من أي شيء آخر على الإفصاح العفوي عن مكنونات النفس البشرية والأفكار المجردة « 17

بناء عليه يَهبُ توظيف الأسطورة النصَ بعدا جماليا؛ إذ تقتضي قراءة النص الشعري تأويل الرموز الأسطورية التي يستعيرها الشاعر من الحضارات القديمة وكشف كل دلالاتها؛ حيث تصبح كل كلمة وحرف حاملا لدلالة ما، وينبغي على القراءة الانصات لرنين الكلمات والنصوص (التناص) علها تظفر بإدراك صوت الذات المتكلمة  »فانطلاقا من الكلمة نكتشف إذا أرهفنا السمع، تداعيات الذات ورغبتها اللاواعية«  «18 فتوظيف الأسطورة يضطلع بمهمة فنية وجمالية، معرفية ووجودية، ثقافية وتاريخية.

من هذا المنطلق يعدُّ توظيف الأسطورة في الشعر العربي المعاصر منعطفا نصيّا هاما؛ بواسطتها تمت إزاحة النزعة الغنائية التي أرهقت الشعر الرومانسي ردحا من الزمن’’ القصيدة الغنائية وجدانية تعبر بأسلوب غنائي عن المشاعر والمواقف، وهذا يعني أنّ الذات المتكلمة في القصيدة هي نفسها الذات المحكي عنها، في حين أنّ الذات المتكلمة في القصيدة الملحمية منفصلة عن الذات المحكي عنها، ولذلك كان الشعر الملحمي موضوعيا إلى حد ما’’19 فالذات داخل النص الملحمي هي ذات تقف مقابل الذات الرومانسية، وهو ما يعني أخذ مسافة من الذاتية، الأمر الذي يوفر الطابع الموضوعي في الشعر.

3. نص العنوان «تموز جيكور»: هو(تموز)/ أنا : الخلاص والخصوبة

شمل التحديث الذي طال الشعر العربي في العصر الحديث اللغة والإيقاع والصور، وتتجه قصيدة تموز جيكور للسياب هذا الاتجاه، وتسلك درب التحديث بالاستعارة من الأساطير العراقية القديمة، للتعبير عن وضع الإنسان الراهن ومآزقه، ولعل هذا يبدو جليا من أول عتبة نصية « العنوان » حيث اختار السياب العنوان : « تموز جيكور» فتحليل هذا العنوان في صورته الدلالية نجد رمز تموز؛ وتموز هو إله الخصب والحياة في الأسطورة البابلية والسومرية؛ حيث تجسد إله الخصب في الأسطورة والطقوس السومرية والبابلية في إله شاب وراع سماه السومريون دموزي Dumuzi دمو : ابن، زي : مخلص20 وبموته/حياته تموت/تحيا الطبيعة؛ وإذ ذاك أقام السومريون طقوس العزاء لموته، وطقوس الفرحة لعودته أو لزواجه المقدس من إنانا/ عشتارI/Eshtar الأم الكبرى وسيدة الطبيعة، فكان الربيع موسما للاحتفال ببعث إله النبات والماشية دموزي وزواجه من آلهة الخصب عشتار/إنانا، في حين كان الصيف حيث تختفي الخضرة وتزول كل مظاهر التجدد والعطاء نذيرا بموت الإله دموزي ونزوله إلى عالم الأموات.21 ومن هنا نشأت الدراما السنوية في الاحتفال بموت/بعودة وبعث الإله تموز حيث تموت/تعود معه مظاهر الحياة إلى الأرض، ويجدر التنبيه في هذا المقام أن استدعاء هذا الرمز الأسطوري يجعل النص لا يتوقف عند حد الاستعارة الفنية فقط، بل يمنح النص أبعادا ثقافية وتاريخية ووجودية؛ ذلك أن تموز هذا الرمز كانت تتوقف على حياته وموته حياة أو موت الأرض والجماعةـ

وإن كان تموز يرمز ويجسد قوى الخصوبة أولا، إلا أنه اكتسب دلالة الخلاص لاحقا؛ حيث تشترك الدراسات والبحوث الميثولوجية، خاصة المتعلقة بأسطورة تموز وعشتار على تقرير فكرة جوهرية هي زواج المعتقدات الدينية والسحرية في قصة عشتار وتموز السومرية، فهذه الدراما الدينية والسياسية ترتكز على دلالتين جوهريتين هما : الخصوبة والخلاص من خلال دورة حياة إله الخصب ديموزي

« ورغم أن هذه الديانات قد تركزت حول آلهة الخصب ذاتها، إلا أنها قد جعلت من فكرة الخلاص مركزا لمعتقدها وطقسها، مبتعدة عن معتقد الخصب الذي نشأت عنه، وتحول إله الخصب إلى مخلص للبشر من عالم المادة الفاني إلى عالم الروح الباقي.»22

ففكرة الخلاص والمخلص تتمظهر من خلال قيمة الفداء والتضحية وهو ما قام به تموز/المخلص؛ فعودة الحياة على الأرض مشدودة إلى التضحية بنفسه فداء للبشر.

وفي هذا الإطار وظف السياب رمز تموز، الذي يظهر جليا من خلال العنوان، والسياب محسوب على الشعراء التموزيين؛ نظرا لتوظيفه بكثرة لرمز تموز في شعره؛ حيث استعان الشعراء التموزيون بالأسطورة للتعبير عن الجدب والجفاف، فيصورون الحاضر أرضا خرابا يلوحون بقيم جديدة ولبلوغ عالم جديد لا يكون إلا بالموت الذي يعقب البعث والخصب، أي بعث الإله أدونيس_تموز.23 لكن هل حمل نص «تموز جيكور» هذه الدلالة المتعارف عليها، القارّة في الوعي الجمعي؟ القراءة تكشف أن السياب يوظف تموز على نحو مغاير، إننا نفترض داخل هذه القراءة أن نص السياب يتكلّم ضد تموز، ويمعن في تحطيم هذه الأسطورة بكل موروثها الديني والتاريخي والثقافي الراسخ في الذاكرة الجماعية.

فمن الناحية التركيبية نجد العنوان مركبا إضافيا؛ بإضافة جيكور لتموز الرمز الأسطوري فهو يدل على تموز خاص بجيكور بلد الشاعر ورمز الطفولة والنقاء، بل ستصبح جيكور كونا أسطوريا في شعره.24 وهو ما أنتج دلالة مفادها أن تموز القتيل (الماضي) وعذاباته ومأساته تتكرر في الحاضر في مسقط رأس الشاعر، لكن من هو تموز جيكور؟ المتأمل للعنوان يلاحظ أن التركيب يفتقر لـ(المبتدأ) فتقدير الجملة « أنا تموز جيكور» وحذف المبتدأ أو نقول بشكل دقيق طُوي ذكره، ولكنه ظاهر بدلالة القرائن عليه ضمن المتن؛ حيث يختفي تموز تماما داخل القصيدة ويبرز (الأنا) السارد لأحداث متقاطعة مع أسطورة تموز، إذ نجد تبادلا بين المتن والعنوان؛ فقد ذُكر تموز في العنوان وطُوي ذكره في المتن، وذُكر الأنا في المتن وطُوي ذكره في العنوان، إن حضور أو غياب الأنا/تموز، بين العتبة /المتن يتطلب تأويلا لهذا التناوب والاستبدال، فحضور هذا يقتضي غياب ذاك، مع الاحتفاظ ببنية الحدث الدرامي الأسطوري العام، وان اختلفت صياغته ونتائجه، وللحذف أغراض عند أرباب البلاغة العربية، فقد عدّه ابن جني بابا من أبواب شجاعة العربية.25 فما بلاغة حذف المبتدأ في العنوان؟ إننا نراهن داخل هذا النص الذي يُغرق الذات في الألم، على ضرب من الشجاعة اللغوية حتى في تلك اللحظة الأكثر درامية ومأساوية وسوداوية. فمن تكون الأنا التي طُويَ ذكرها في العنوان؟

4. بلاغة الالتفات/الإفلات : من المتخيل الأسطوري إلى المخيلة الواقعية

موضوع النص يتناص مع الحدث المأساوي لتموز وعذاباته حيث تلاحقه شياطين العالم الأسفل؛ ومهما حاول الإفلات منها، ومن موته المحقق على أيديها إلا أن الشياطين تدركه وتعذبه ثم تسجنه في العالم الأسفل، وفي أيامه ولحظاته الأخيرة تصور الأسطورة تحسسه الموت، ثم بمحاولته الإفلات منه بالهروب إلى المروج، وأخيرا سقط في حظيرة الماشية حيث لاق دموزي مصرعه على يد شياطين العالم الأسفل.26 والنص الذي بين أيدينا يشتغل ضمن هذه الأحداث الأسطورية ولكن في اللحظة الراهنة ؛حيث يعلن النص عن نفسه بوصفه كتابة عن الذات، والذات فيه منصصة تقدّم بضمير الأنا المتكلم. نص مكون من ثلاثة مقاطع، تسرد مأساة تموز/أنا وتصف عذاباته. في قالب موسيقي متحرر من قالب القصيدة العمودية التراثية.

يقول السياب في المقطع 1 :

ناب الخنزير يشقّ يدي/ ويغوص لظاه إلى كبدي/ ودمي يتدفق ينساب/ لم يغد شقائق أو قمحا/ لكنّ ملحا/ عشتار وتخفق أثواب/ وترف حيالي أعشاب/ من نعل يخفق كالبرق/ كالبرق الخلب ينساب / لو يومض في عرقي / نور فيضيء لي الدنيا/ لو أنهض / لو أحيا / لو أسقى آه لو أسقي/ لو أن عروقي أعناب/ وتقبل ثغري عشتار/ فكأن على فمها ظلمة/ تنثال علي وتنطبق/ فيموت بعيني الألق/ أنا والعتمة.27

دون تمهيد يُدخل النصُ القارئَ في حدث درامي مأساوي، بأسلوب خبري تقريري مباشر، وكأن الحدث حقيقي، مبتدئا بطعنة من الخنزير، مشيرا على نحو ضمني إلى أسطورة أدونيس (النسخة الفينيقية لتموز بابل) الذي قتله الخنزير البري، ففاض دمه ملونا مياه النهر بالأحمر القاني، وانبثقت من قطرات دمه المتساقطة على التراب أزهار شقائق النعمان الحمراء.28 لكن النص لا يذكر أدونيس، وإنما يراهن على الذاكرة الثقافية للقارئ، فيحوِّل الأحداث التاريخية الماضية إلى أحداث راهنة خاصة بالذات المتكلمة؛ حيث يلتفت الخطاب من الحديث عن تموز/أدونيس (هو) إلى الحديث بصيغة المتكلم؛ فالقارئ الذي كان يتوقع انطلاقا من العنوان أن يتحدث النص عن مأساة تموز _أدونيس نجده يحوّل الأحداث الأسطورية للتعبير عن مأساة الذات المتكلمة في اللحظة الراهنة؛ إذ يجعل شخصية الإله أدونيس إله الخصب رمزا لشخصه، فجعل الأنا أسطورة قريته التي ترتبط حياة وموتا به. وهنا تتجسد الدّراما داخل النّص الشّعري من خلال استغلال الشاعر وسائل التعبير الدرامي-كالصراع- لكي يجسم التجربة الذاتية الصرف في إطار موضوعي حسي وملموس.29 وتعد البنية الدّرامية من أبرز الخصائص الفنيّة المستحدثة في الشّعر العربي.

من هذا المنطلق تقدِّم القصيدة تجربة ذاتية في عرض موضوعي درامي، تتكئ على صوت واحد هو صوت الذات المتكلمة، بعد أن التفتت من الغيبة (ضمير الغائب هو /أدونيس/ تموز) ليتكلم بضمير المتكلم بكل صيغه وصوره، مما زاد المتلقي يقينا بموضوعية التجربة، وهذه التقنية النصية هي الالتفات :

« وحقيقته مأخوذة من التفات الإنسان عن يمينه وشماله، فهو يُقبل بوجهه تارة كذا، وتارة كذا. وكذلك يكون هذا النوع من الكلام خاصة، لأنه يُنتقل فيه من صيغة إلى صيغة، كانتقال من خطاب حاضر إلى غائب، أو من خطاب غائب إلى حاضر، أو من فعل ماض إلى مستقبل، أو من مستقبل إلى ماض» ويسمى أيضاً «شجاعة العربية».30

وإنما سمي بذلك لأن الشجاعة هي الإقدام، وذاك أن الرجل الشجاع يركب مالا يستطيعه غيرُه، ويتورّد مالا يتورّده سواه.

فالذات التي التفت من خطاب غائب إلى حاضر، من شخصية أدونيس -تموز إلى أنا السارد لأنها لا تعبر عن تموز الماضي ولا تاريخه، بل تعبر عن وجهة نظر السارد الحقيقي ولحظته الراهنة. وهو ما يفسر توارد الأفعال في المضارع الدالة على الحال داخل القصيدة.

وتكمن جمالية هذا السرد الذاتي في إحداث صدمة للمتلقي وتنبيهه كما جاء في بلاغة الالتفات وفائدته31، أضف إلى ذلك لهذا الالتفات دلالة أخرى هي دلالة ثقافية ووجودية تاريخية، فإذا كانت قصة تموز وعذاباته غير محسوسة ولا معقولة، قرأنا عنها في أساطير الشرق القديمة وما فيها من معتقدات دينية وسحرية، لكن النص جعلها مدركة محسوسة من خلال الاستحضار بصيغة المتكلم على أنه مدرك الحضور محسوس؛ حيث يدرك ألمه وموضعه، فاستخدام ضمير المتكلم يتناسب مع حسية الموقف

«وإذا كان هناك من جانب في علاقة السياب شـاعـراً بالأسطورة فهو في أنه أحيا الروح/ الموقف الإنساني فيها، فأعاد هيكلتها، إذا جاز التعبير فأنسنها ونقلها (بل لنقل: حوّلها) من منحاها الميثولوجي إلى منحى آخر له أبعاده الإنسانية والوجودية »32

فالسياب أنزل مضمون الأسطورة من الميثولوجي الخارق إلى الإنساني الواقعي.

ولا شك أن يجد القارئ متعة في إعادة سرد أسطورة تموز- أدونيس بما يتناسب مع خصوصية الأنا، وإعادة تشكيل وبناء أسطورة خاصة بجيكور « لم تعد بلاغة الصورة هي بلاغة المتخيل الأسطوري، وإنما أصبحت هي بلاغة الأسطورة الواقع المسحوق، الذي لم يعد يبعث على الأمل والاشراق.»33 إنها أسطورة خاصة بواقع الذات، فيستمتع القارئ بهذا الايقاع القصصي السردي المختلف داخل هذا النص الشعري، فالبناء السردي الأسطوري في قصيدة السياب تعبير عن الواقع العربي ومأساويته واستبداد السلطة، معتمدا الرمز الأسطوري في استعارة مضادة واستعادة معكوسة لبناء رؤية جديدة مضادة للذاكرة الجماعية « إن الشاعر حين يعبر عن مشكلة جماعية عامة من خلال تجربته الخاصة بحيث يبدو أثر شخصيته يكون قد وفق إلى جعل الشعر حارا نابضا غنيا بالحياة والصدق».34 فالشاعر أعاد بناء الأحداث بدلالات معاصرة مستمدة من روح العصر، وإن كان يستمد لغته من الأساطير، فهي تجربة شعرية ذاتية في قالب درامي موضوعي.

يصوّر النص الصراع بين أنا السارد – الخنزير؛ وهو رمز لكل ما هو شرير (المرض - النظام السياسي - الفقر-إسرائيل حسب تأويلنا) ولتصوير الجرح العميق قال ناب خنزير يشق يدي، ولعلنا نتساءل لماذا اختار هذا العضو(اليد) تحديدا؟ وهل الضربة الموجهة لها قاتلة؟ إن اليد هي رمز للعمل والبناء، آلة دفاع وقتال «واليد ذات معان مجازيّة متشعبة مثل الجاه والقدرة والسلطان وأول الشيء، والأمر النافذ والقهر والغلبة والحفظ والوقاية.»35 ويضيف عبد السلام بن عبد العالي فرقا مهما بين اليد عند الإنسان والقوائم عند الحيوان» اليد تصون وتحفظ، اليد تخط علامات، إنها تبيّن وتدلّ وتشير، اليد تتكلم، اليد تنطق. لكن ما يميزها أساسا هو أنها تعطي وتتلقى،

«تقبض وتنتزع» (...) هذا ما جعل هايدغر ينفي أن تكون للحيوان أيدي، الحيوان يملك قوائم والقوائم لا تصون ولا تشير ولا تدل ولا تتكلم ولا تهب وتعطي لا تأخذ ولا ترد... إنها لا تفكر، «لأن التفكير عمل اليد««36

فاليد هي التي تميز كينونة الإنسان بوصفه كائنا مفكرا، فالطعنة التي وجهت لليد هي طعنة لكينونة الإنسان، هذا الجرح غاص ووصل لظاه إلى الكبد(رمز لكل ما هو عزيز) فهو يعبر عن الجرح العميق الذي تسبب فيه الخنزير، وهنا يمتزج الكَلْم37 والكَلِم  «الكلام بطبعه تكليم أي جرح ونزيف، بدءا بالناطق الذي يتكلم مع (ويجرح) الأنا» 38؛ إنها ذات مجروحة متكلمة حيث  «لا تعبر الأنا عن ذاتها إلا في حالة الجرح» 39 فراح الأنا يسرد عذابه وأحلامه بعودة القدرة والحبيبة إليه، لكن المفارقة داخل هذه القصيدة أن أدونيس الذي قتله الخنزير فسال دمه على الأرض ونبتت شقائق النعمان في الأسطورة، لكن في النص لم تنبت شقائق النعمان، وإنما نبت الملح (الملح رمز القحط والجدب). وأدّت أداة الاستدراك (لكن) كسرا لتوقّع المتلقي؛ بين المتخيل الأسطوري وواقع الأنا السارد داخل النص، فالنص هنا يهدم كل ما هو متوارث أسطوري حول شخصية المخلص، وفكرة الأمل والبعث. وأفاد حرف «لو»  المكرر في المقطع الأول استحالة تحقيق هذه الأمنية (الأمل في العودة من جديد) ويعزز الإيقاع دلالة التحطيم؛ فحرف الروي المكسور في أخر الكلمات (يدي/ كبدي/ عرقي/أسقي) أنتج دلالة الكسر والنزيف التي تخطها اليد المجروحة.

يتقمص الأنا السارد ما حدث مع روح القمح /تموز الذي يطلب الحماية من مصدر القوة عشتار سيدة الطبيعة والأم الكبرى (التي يفترض أن تنعش الابن القتيل) فيتوجه الخطاب إلى عشتار ويتمنى لو أنها تقبله، لكن قبلتها مظلمة، وهنا مخالفة تامة لما ورد في الترانيم البابلية التي قيلت في الآلهة عشتار :

عشتار التي ترفل باللغة والحب
المفعمة بالحيوية والسحر والرغبة
حلوة الشفتين وفي فمها يكمن سر الحياة40

ولكن قبلة عشتار داخل النص مظلمة، إنها صورة تشخِّص السوداوية التي آل إليها؛ فالذات التي يُكتب عذابها ومعاناتها وفرارها من الموت وأمنياتها بالعودة للحياة، فقدت الأم عشتار مصدر الحماية.

في المقطع الثاني يصوّر لنا الأرض وقد عادت إليها الحياة، وبالرجوع إلى الأسطورة تعود الحياة للأرض بعودة تموز من العالم الأسفل، فتخصب الأرض ويكثر القمح، فيفرح العباد ويغنون ويبتهجون، ويعمّ النور، وكلها علامات على الحياة، وهو ما تؤكده المشاهد الوصفية في النص الحاضر، حيث يقول :

جيكور ستولد جيكور/ النور سيورق والنور/ جيكور ستولد من جرحي/ من غصة موتي من ناري/ سيفيض البيدر بالقمح/ والجرن سيضحك للصبح/ والقرية دارا عن دار/ تتماوج أنغاما حلوة/ والشيخ ينام على الربوة/ والنخل يوسوس أسراري/ جيكور ستولد لكنّي/ لن أخرج فيها من سجني / في ليل الطين الممدود/ لن ينبض قلبي كاللحن/ في الأوتار/ لن يخفق فيه سوى الدود.41

يؤكد الشاعر أن «جيكور ستولد» من خلال سلسلة من الصور تجسد عودة الحياة «فسيفيض البيدر، الجرن يضحك» وكلها رغبات لا واعية تمر عبر نوافذ الاستعارة؛ إيمانا بولادة قريبة لجيكور وبعثها من خلال تضحيته (جرحه وناره)، وهو ما أفاده حرف السين المتصل بالفعل المضارع مع التكرار «ستولد»  (3)،  «سيورق»، «سيفيض»،  «سيضحك»  وهو ما يحدث الاستباق في السرد، حيث يستبق منظورا مستقبليا، كل ذلك الأمل والحلم بميلاد جيكور تمهد لتهديمه الحرف المشبه بالفعل  «لكني»  التي تفيد الاستدراك -كما في المقطع الأول- وكأن النص يؤكد على حقيقة جوهرية لا وجود لمخلص ولا أمل في ميلاد للبطل، محطما ما جاء في الأساطير البابلية حول عودة تموز، أعطت الذّات المكلومة/المتكلّمة صورة درامية مأساوية للواقع /الأرض/ المدينة في شبكة رمزية بلاغية أسطورية، وهنا يتجسّد الصّراع بين الجسد وممكناته؛ حيث تكون الأنا خاضعة لفسيولوجيا الجسد، فالنص يهدّم بشكل مزدوج ما يقوله الراوي ويحلم به، وما جاء في الأسطورة.

لكن ما يلاحظ في المقابل هيمنة الفعل المضارع الدّال على الحركة والاستمرارية حتى والراوي يصف حاله بأنه مقعد أسير جسده، إلّا أنّ النّص يواصل حركيته وتدفّقه، حيث يقول النص شيئا مختلفا عما يقوله في الظاهر، فتحولت الجمل الفعلية إلى صور شعرية مفعمة بالحركة والصراع؛ ففي حركة درامية مزدوجة (يثبت وينفي) (يبني ويهدم) يتحرك النص وفق إيقاع الحركة المتصاعدة للألم؛ حيث غلب على الإيقاع حرف الروي المكسور في أغلب أسطر المقطع الثاني، كل هذا ساهم في نقل الحركة الشعورية بتتابع الأفعال المضارعة وهيمنتها (في المقطع2).

ومن المهم ملاحظة المقابلة التي يقيمها النص بين الجسد المحاصر بإمكانيات محدودة والأرض : جسد مظلم – أرض منيرة /قلب لا ينبض كالألحان -القرية مفعمة بالأنغام /سيفضي البيدر بالقمح - يفيض الجسد بالدود.

تكشف هذه المقابلة بين الجسد والأرض اتكاء السياب على البعد الوجودي لمنظور الإنسان القديم للأرض ليس بوصفها موضوعا بل هي أمر حسي يتمتع بوجوده؛ وينطق عن نفسه :

يتوضح الفرق الأساسي بين موقف الإنسان في العصر الحديث وموقف الإنسان القديم بالعالم المحيط به؛ فإذا كان الإنسان العلمي يشير إلى عالم الظواهر بـ (هو)، يٌشار إليه عند الإنسان القديم – وكذلك البدائي بـ «أنت»، والفرق بين الصيغتين يكمن في أن العلاقة بين (أنا) (وأنت) هي علاقة الصنف بالصنف عينه، فالـ  «أنت»  أمر حي تحس بوجوده، يمكن لخواصه وامكانياته أن تنطق عن نفسها، و(الأنت) فضلا عن ذلك، ليس مجرد موضوع للتأمل والفهم، بل إن الإنسان يجربه عاطفياً شاعراً بعلاقة حركية متبادلة. إن  «الأنت»  لا يتأمل فيه هذا الانسان بانفصال ذهني، بل يجربه كحياةٍ تواجه حياة، شاغلا كل قدرة وموهبة في الإنسان بعلاقة متبادلة.42

وهنا يتعين علينا فحص الشخصيات داحل النص وأثرها في تشكيل موقف الذات من العالم؛ فداخل النص نجد شخصية السارد وهي الشخصية الرئيسية، إضافة إلى شخصية كل من جيكور، الخنزير، عشتار، ويتمثل دور الخنزير في قتل الأنا/أدونيس- تموز، وكشف النص بعدا واحدا نفسيا له وهو الحقد (في المقطع الثالث)، وشخصية عشتار الأم والحبيبة التي تحيي تموز بعد موته، فيطلب منها قبلة ولكن يؤكد خيانتها (القبلة برعمة القتل)، في بنية انسيابية تكشف عن صراع دلالي عبر الانساق التالية : أنا _ هو (الخنزير)/ أنا - هي (عشتار) /أنا- أنت (جيكور) /أنت (جيكور)- هم (الجماعة)/ أنا - أنت (جيكور)/ أنت(جيكور)- هو (الخنزير)/ أنا- هي (عشتار)/ أنا- أنت(جيكور)، حيث تكشف الذات عن تحولاتها داخل هذا الصراع المتعدد بين كونها موضوع قتل أو ذات رغبة أو ذات عاجزة خاضعة لسلطة عاتية، بشكل يعبر عن رؤية ذاتية للعالم؛ لذا سينتهي في المقطع الثالث إلى القول بتأكيد الارتباط بين الإنسان والأرض موتا وحياة، فيستبعد عوده الحياة لجيكور ما لم تعد الحياة للأنا ذاتها فعودة الحياة للأرض مشروطه بحياته ذاته؛ حيث يقول السياب في المقطع الثالث :

هيهات أتولد جيكور/ إلا من خضة ميلادي؟ / هيهات أينبثق النور/ودمائي تظلم في الوادي؟ / أيسقسق فيها عصفور/ ولساني كومة أعواد؟ / والحقل متى يلد القمحا/ والورد وجرحي مغفور/ وعظامي ناضحة ملحا/ لا شيء سوى العدم العدم/ والموت هو الموت الباقي/ يا ليل أظلّ مسيل دمي/ولتغد ترابا أعراقي/هيهات أتولد جيكور/من حقد الخنزير المتدثّر بالليل/ والقبلة برعمة القتل/والغيمة رمل منثور/ يا جيكور.43

في المقطع الثالث نلاحظ هيمنة الأسماء والجمل الاسمية الدالة على الثبات والسكون، حيث انتهى النص إلى تأكيد حقيقة الموت بكل رموزه وأقنعته، ويؤكد على ربط ميلاده/موته وميلاد/ موت الأرض_ جيكور وهو ما يعطي القصيدة بعدا دلاليا موضوعيا دراميا، كما أن المفردات (دمي، سجني ميلادي، دمائي، جرحي، دمي) مفردات ملحمية تصور عمق الجراح ومأساة الذات، مؤكدة على المعنى الدرامي داخل هذه القصيدة ألا وهو انتصار الموت وسيادة معاني الظلام والعدم في كل مظاهر هذا الوجود الخارجي؛ والتي لا تعدو أن تكون انعكاسا لموت الذات.

ويبرز التقابل مجددا بين صورة الأرض وصورة الذات، فظهر الترابط بين خصوبة _حياة الذات وخصوبة _ حياة الأرض، أو موته/ها بالمقابل؛ فمعاناة الذات من معاناة العالم، وراح يؤكد عبر التكرار «ولا باقي إلا الموت، ولا شيء سوى العدم العدم» وهو ما ينتج استحالة خصوبة الأرض، وعودة الحياة ليس في الماضي والحاضر فقط بل مستقبلا أيضا، فالغيمة(رمز الحياة) تعد بالرمل المنثور (رمز الجفاف)، والقبلة برعمة القتل فهو يتحدث عن الخيانة، وهنا عود لمأساة تموز؛ حيث إن عشتار هي المتسبب في عذاباته وقتله، فهي التي أرسلته بدلا عنها إلى العالم الأسفل.44

كما أن الالفاظ المتقابلة داخل النص بين الحياة والموت_ الملح والقمح_ الخصوبة والجدب_ الحب والموت استخدمت استخداما دراميا؛ يقول : عظامي تنضح ملحا/ في ليل الطين الممدود لن ينبض قلبي أنا والعتمة/ يخفق فيه الدود/ والغيمة رمل منثور، فالقارئ لهذه العبارات وكأنه أمام مشهد تمثيلي خاصة مع وظيفتي التشخيص والتجسيد التي تقوم بها الصور الجزئية، تصوير وتمثيل معاناته في هذا الوجود وأعطانا صورة عن مرضه؛ عظام تنضح ملحا، دماء مظلمة، لساني كومة أعواد... هذا الجدب الروحي والجسدي يزحف للخارج ينبثق من عتمه القبر إلى الطبيعة، إن الخاتمة الدرامية المأساوية التي انتهى إليها النص خاتمة تؤكد على لغة جديدة هي لغة الألم وصور الخيانة والنفاق والمرض والشلل والظلام والموت، إنه نص الانهيار؛ انهيار الذات الرومانسية الحالمة  «

ينهار الحلم الغنائي ينهار الأمل الواقعي، فنجد أنفسنا وجها لوجه أمام صورة جديدة ولغة جديدة كذلك. إنها لغة الموت، لغة الألم، لغة الوداع، ولغة المرض القاتل وهي الصورة الدرامية الذاتية المعقدة التي كانت تتغذى من المخيلة الواقعية الجديدة، ومن صور المقبرة التي صارت جزءا من المدينة». 45

ومما زاد الموقف الدرامي مأساوية تكرار لفظة هيهات وهي اسم فعل ماض بمعن بَعُد وهي تحمل يقينا؛ تأكيد بعدم بعث جيكور الأرض على نحو مستحيل، وفي هذه الكلمة دلالة الحسرة واليأس، وانعدام الأمل  «إن صوت الهاء المكرر في الكلمة ليدل على الألم والحسرة والتأوه الكبير المستكن بالنفس، وخاصة أن الهاء من أقصى حروف الحلق، فهي تخرج من العمق الإنساني الراجي المستحيل البعيد.»46 ففي انثناء نصي يستبعد المقطع الثالث ميلاد جيكور لأنه لم يُبعث هو فكيف تبعث الأرض؟ تنفجر التساؤلات الداخلية (بين الجسد وإمكاناته المحدودة بالموت الذي يلاحقه) لتنتج دلالة الشك والحيرة والقلق، يحتار القارئ إلى من توجّه الأسئلة : أ للمتلقي أم له هو ذاته؟ إن الحوار الداخلي أو المونولوج الذي يبدو فيه الشاعر هو السائل المستنكر وهو المجيب، إذ نلاحظ في هذا الحوار الداخلي صوتان لشخص واحد؛ السارد السائل وصوت داخلي يستنكر فكرة البعث وعودة الحياة لهذه القرية جيكور (رمز الوطن)، والغاية الدرامية هي التأكيد على انتصار الموت. وقد يكون المراد منها إقناع المتلقي بهذه النهاية الدرامية، فيشارك معه هذه التجربة _الحد ويدرك هذه الاستحالة، بحيث يقضي على كل حلم قد يراود ذهن القارئ بالميلاد والبعث فلا ينتظر المخلص.

وكنتيجة لهذا التحليل نجد الموت زحف وتغلغل حتى للبنية النصية؛ حيث نلاحظ انتقال مواقع الموت من الداخل (تموز/ أنا) إلى الخارج (الطبيعة/ جيكور) إلى النص إلى القارئ

5. انشطار الذات إلى أنوات : الجرح والميلاد

يسرد الأنا تجربته هو معتمدا على شخصيته الساردة للأفعال والأحداث، يتضح صوت السارد ضمنا من خلال بنية الأفعال مثل (أنهض، أحيا، أسقي) والضمير المتصل (يدي، كبدي، دمي، عروقي، ثغري.)، إلا أن الصوت السردي الذي يحكي ويتمنى ويتألم ليس نفسه موقع السياب/المؤلف؛ بل هي الذات المصورة التي يقدمها النص للمتلقي وهي أثر لمن يكتب :

الـ «أنا» الذي يتحدث لـ «نفسه» ليس هو من يكتب السيرة بحد ذاته، بل هو مجرد أثر له. فالـ «أنا» هو المؤلف الذي يعلن نفسه راويا، والذي يستدعي هويتيهما (المؤلف والراوي). ويتكلم الـ «أن» باسم من يكتب السيرة الذاتية، ويستخدم إمضاءه. ومن يشار إليه بالكلمة نفسي (myself)، وياء المتكلم (me) هما ليسا مَنْ تكتبه السيرة الذاتية بحدّ ذاته، مادام من تكتبه السيرة الذاتية يتغلغل بمعنى معين في النصّ السِّيري بأكمله. ومع ذلك فإن myself، وme يفيدان مؤشراً ملائماً على مَنْ تكتبه السيرة الذاتية، ويبيّنان أن تلك الذات مصوّرة ومقدمة بشكل صريح إلى قارئ كما في هذه الحالة»47

تمتد شخصية السارد من بداية القصيدة إلى نهايتها؛ معبرا عن مأساته بالسرد عبر ضمير المتكلم (وبالسرد تفر الذات من الموت كفرار شهرزاد منه عبر السرد) وتكشف عن موقفه الذي انتهى إلى تقرير حقيقة انتصار الموت. وهو ما يكشف ضربا من المراوغة النصية للذات بشكل يضمن دينامية النص هدما وبناء، وهذه واحدة من دلالات اختيار السياب « اليد » كموضع للطعن وهي عينها موضع الميلاد والبناء؛ إن السياب يكتب بيدين يد تهدم ويد تبني .

تنشطر صيغة المتكلم، إلى ثلاث صيغ : ضمير المتكلم المتصل على أنه تابع (مضاف إليه أو اسم مجرور) (دمي -يدي -كبدي- عرقي- لي-عروقي ثغري-عليَّ- عيني) أو ضمير مستتر مع كل من الفعل المضارع (أنهض-أحيا- أسقي) وضمير منفصل(أنا) في الأخير.

إن انشطار الذات إلى ثلاث أنوات تتراوح مواقعها بين التبعية وبين التواري وبين الانفصال يوحي بدلالات كثيرة، وهنا ننتقل من المستوى النحوي إلى المستوى الدلالي، فالضمير المتصل والضمير المستتر الذي يعود على الذات المصورة تجسد ذاتا منتشرة في عالم من الذوات (تموز _ أدونيس) الخنزير، عشتار، جيكور وهنا تختلف حكاية الذات/ الحاضر عن حكاية تموز /الماضي، ذلك أن الذات المتكلمة «هي ذات منتشرة سلفاً في عالم من الذوات. ويفهم هذا العالم بموجب تناصية ينقش فيها نص الذات المتكلمة نفسه نقشاً دالاً سيميائياً ورمزيا»48 إن تنصيص الذات هنا يضارع ما كان يقوم به السومريون من نقش قصص وحيوات أبطالهم في ألوحاهم الطينية؛ هنا ينقش النص صورة مختلفة للذات عن صورة تموز؛ الذي يبعث وبميلاده تعود الحياة للجماعة والأرض. في حين راهن الشاعر هو حاضر الأزمات السياسية، زمن الجدب والقحط الوجودي، زمن أصبح فيه الأمل ضربا من اليأس، لقد أنتج النص صورة مختلفة عن الذات في الواقع؛ بحيث تنتج معرفة جديدة بالأنا من خلال رمز تموز، فبينة النص هي دعامة اللقاء بين « الأنا » وصورتها49. وهنا يكون العذاب الجسدي عذوبة شعرية، حيث تبرز شاعرية الشاعر كما تقول خالدة سعيدة باعتبارها تلك الروح الخفية العذبة التي لا نعرف كيف نمسك بها، وتكمن في مقدرته على الإيحاء؛ أي التقاط الرموز واللفتات التي تومئ إلى القصد وتشد الخيال والحس50.

إن العبارة «أنا والعتمة» عبارة درامية بشراسة؛ لحظة انفصال وميلاد من رحم العالم الأسفل/ القبر/ اللاشعور/ الواقع، إذ ينفصل الأنا عن الأسطورة ويولد من رحم سوداوية الواقع «الجرح يقتضي الألم والمعاناة والنزيف، ولكنه يستلزم أيضا الميلاد والصدور والانبعاث.»51 فجرح اليد التي تكتبت وتشير إلى تموز، في الوقت عينه تدل وتفكر في الواقع والحاضر، هو الموقع عينه الذي يجعل الذات تنبثق وتوجد وتكون، وفي هذا السياق نشير إلى الدلالة اللطيفة التي أعطاها حاتم الصكر -على الطريقة الصوفية - لرسم الأنا يقول :

«فهي مسورة بالألف من جهتيها وكأنه تكرار للأنا أو ترمیز للابتداء به والانتهاء أيضا أما (النون) التي يبدأ بها ضمير الجماعة (نحن) وينتهي أيضا؛ فهي محاصرة بين الألفين وغارقة في منخفض بينهما. فلا وجود للآخر تماما ولا للعالم المرموز إليه أحيانا بالنون، بوصفها الحرف الثاني من فعل الكينونة (كن) أي الخلق والولادة. أو هي نون الوجود»52«

أنا» نون الوجود والكينونة وقد اتكأ على العمودين، (أ) ن (ا) لقد وقف ذلك العاجز الذي حكاه النص وسرد عذاباته، «أنا والعتمة» هي صرخة الميلاد أنا ضميرا منفصلا يحمل حضورا مقاوما للموت، ضد التبعية والتواري والاستتار خلف تموز، قاطعا حبل الإحالة التاريخية لمأساة تموز، وإن كان قد تشرب من دلالتها الإنسانية. وهنا نتبين صوت الذات القائل : أنا والعتمة؛ حيث أدرك أخيرا أنه وحيد بصحبة وفي معية العتمة. حتى العبارة «أنا والعتمة» تؤشر على الوحدة وتتضمن قرارا فكريا في الاختلاف فهي ليس عزلة مفروضة عليه لعجزه بل العكس هي خيار حر. ومن المهم الالتفات إلى مسألة جوهرية أن لفظة «أنا» لم تذكر إلا مرة واحدة في القصيدة وهو يحمل دلالات كثيرة، فالذات ليست مركزية في النص كما كانت في الغنائية الرومانسية، فيما احتل الحدث المسرود المركز؛ حدث القتل وتبعاته على الذات والأرض على مدار المقاطع الثالث، وهنا ينبغي التوقف للجواب على السؤال الذي تركناه في العنوان معلقا من هو الأنا الذي حُذف أو طُوي ذكره؟ إنها الأنا الرومانسية الحالمة المتعالية على الواقع التي قامت على أنقاضها ذات باتت تدرك كينونتها بوصفها في علاقة مع الأرض، أنا واقعية مشتبكة مع العالم.

الخاتمة

انتهى البحث إلى تسطير جملة من النتائج متعلقة بحداثة الشعر العربي عموما، وأبرز خصائصه النصية التي تجلت من خلال قراءتنا لقصيدة تموز جيكور، كما توصلنا لنتائج جوهرية بخصوص الذات المتكلمة واختلافها عن الذات الرومانسية خاصة ومن أبرز هذه النتائج :

  • لقد كان للسياب دور كبير في تحديث الشعر العربي منذ منتصف القرن الماضي، وإنزاله من سماء الأنا الحالمة البعيدة عن الواقع إلى الأنا المشتبكة معه بكل قسوته وألمه، منصتا لنداء الكينونة والكون المتواشج مع ألم الجسد وعذابه، ففعلا كان السياب لحظة فارقة في تاريخ الشعرية العربية بما أسس من حداثة شعرية على مستوى اللغة والصورة والإيقاع.

  • إن الاستلهام من التراث الأسطوري والعودة إلى تجربة إنسانية سابقة تعذبت عذاب الشاعر يعني أنها ذات مرتبطة تاريخيا بمعاناة إنسانية، فيتسع النص ويفيض بدلالة إنسانية وتاريخية وثقافية فقد ناقش قضية تخص الذات المتكلمة كما تخص الجماعة والأرض بلغة تصويرية دالة على الجدب والموت في الواقع الذي تعيشه الذات في زمنها الراهن.

  • التجربة الشعرية للسياب تنساب من الذاتية الغنائية إلى الدرامية، من الوعي الفردي إلى الوعي الجماعي، تمتزج فيها الذات بالتاريخ والزمان والمكان؛ استرجاع للماضي وتقمص شخصية من ماضي الشعب وإعادة إنتاجها في الحاضر، ثم استباق نحو المستقبل استحالة البعث والنهوض؛ حيث ترتكز تجربة الذات داخل النص على عناصر ثلاث :

  1. ارتباط الذات الفردية بالموروث الإنساني

  2. إعادة إنتاج صورة الذات في اللحظة الراهنة

  3. استشراف مستقبل الذات والجماعة.

  • مهمة الشاعر المعاصر ليس التعبير عن الدراما الدينية السياسية القديمة بل مهمته تبيين الوجود الدرامي للذات في هذا العالم، في الحياة، والواقع، لقد شكّل شعر السياب منعطفا لتقويض هذه الذات وكل اليوطوبيا المرتبطة بها، لتقف في مواجهة الواقع بكل سوداويته. فلم يكن شعر السياب متعاليا على الواقع، فيدغدغ مشاعر الجماهير ويلهب وجدانهم حول الذات القومية العربية، خاصة في ذلك العصر الذي كتب فيه الشاعر(الستينيات) وما كان يضطرب فيها على أرض الواقع سياسيا واجتماعيا، وما صاحبها من الإيمان بالبطل الخارق المخلص للأمة.

  • قصيدة تموز جيكور نص يتغذى من اغتراب الذات والقلق الوجودي أمام تجربة الموت والمرض، هي نص الانهيار بامتياز للحلم بعودة المخلص وأسطورة الميلاد والبعث؛ نص يمعن في تحطيم وقتل تموز المتخيل الأسطوري، في جمل شعرية -نتف تنزف بإيقاع مشبع كسرا، بنية نصية تتآكل ويهدم بعضها بعضا؛ حيث يتقدم التعبير في أمل العودة ثم تأتي (لكن) للاستدراك والانقضاض على الأمل، ثم يأتي المقطع الثالث مؤكدا على انتصار الموت والعدم، إنها كتابة نصية مضادة للموروث الأسطوري وللذاكرة الجماعية، في الوقت الذي يبكيه ما شكل مفارقة بين منطق النص وبلاغته : بين سرد حكاية أنا/تموز العاجز، فيما لغته تتميز بشجاعة الالتفات وشجاعة الحذف، وهو ما زاد جمالية النص القائم على هذا التناقض الذي دفع النص إلى أقصى ممكناته في رسم مواقع بلاغية جديدة للذات.

  • الذات المتكلمة ليست هي المركز داخل النص كما كان الشأن مع الرومانسية، بل الأنا منشطرة مشتتة في ذوات ومتمردة على التاريخ والوعي الجمعي ذات تبني أسطورة من الواقع المسحوق ولا تلتفت للخلف والماضي. فتبنين نصا مغايرا بدلالات معاصرة مستمدة من روح العصر، وإن استوحى أحداثه من الأساطير.

1 بدر شاكر السياب، الأعمال الكاملة، تحقيق علي محمود خضير، تقديم أدونيس، العراق: دار الرافدين، والكويت: منشورات تكوين، ط1، 2020، ص.11.

2 خالدة سعيد: حركية الابداع، دراسات في الأدب العربي الحديث، لبنان دار الفكر. ط 3، 1986، ص51

3 ينظر سلمى الخضراء الجيوسي، الاتجاهات والحركات في الشعر العربي، تر، عبد الواحد لؤلؤة، لبنان: مركز دراسات الوحدة، ط1، 2001، ص569

4 ينظر ماجد صالح السامرائي، بدر شاكر السياب، شاعر عصر التجديد الشعري، لبنان: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2012، ص.7. وينظر تقديم أدونيس للأعمال

5 ينظر السامرائي، المرجع نفسه، ص،ص.24، 25

6 السياب، المرجع السابق، (المحقق)، ص.18''

7 هيو.ج. سيلفرمان، نصيات بين الهرمينيوطيقية والتفكيكية، تر، حسن ناظم وعلي حاكم صالح،لبنان/المغرب: المركز الثقافي العربي، ط1، 2002، ص263

8 هيو.ج. سيلفرمان، المرجع السابق، ص43

9 بول دومان، العمى والبصيرة مقالات في بلاغة النقد المعاصر، تر، سعيد الغانمي، الكويت: المجلس الأعلى للثقافة، دط، 2000، ص48

10 الهو أحد أركان الجهاز النفسي يكوِّن قطب الشخصية النزوي، وتكون محتوياته التي تشكل التعبير النفسي للنزوات لا واعية وهي وراثية فطرية في جزء منها

11 جان كلود فيلو، اللاشعور، بحث في خفايا النفس الإنسانية، تر أسعد علي وطفة، سورية: دار معد للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1996، ص 171

12 مارتن هايدجر، كتابات أساسية ج(2)، تر إسماعيل مصدق، مصر: المجلس الأعلى للثقافة .ط1، 2003، ص282

13 مارتن هيدغر، الكينونة والزمان، تر فتحي المسكيني، لبنان. دار الكتاب الجديد المتحدة، ط 1، 2012، ص312

14 ينظر سيغموند فرويد، ما فوق مبدأ اللذة، تر إسحاق رمزي، مصر: دار المعارف، ط5، 1994، ص27

15 محمد سبيلا ونوح الهرموزي، موسوعة المفاهيم الأساسية في العلوم الانسانية والفلسفة، إيطاليا/العراق: منشورات المتوسط، ط1، 2017، ص 41

16 ينظر لطفي الخوري، معجم الأساطير، ج 1، العراق: دار الشؤون الثقافية العامة، ط1، 1990، ص9

17 د. اذزارد و م.ه. بوب و ف. رولينغ، قاموس الآلهة والأساطير في بلاد الرافدين (السومرية والبابلية ) في الحضارة السورية (الأوغاريتية والفينينقية ) ج1،

18 ينظر مصطفى المسناوي، جاك لاكان، اللغة الخيالي والرمزي، الجزائر، منشورات الاختلاف، ط1، 2006. ص، ص10 ،11

19 خليل موسى، قراءات نصية في الشعر العربي المعاصر في سورية، سورية: منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، 2012، ص11

20 فاضل عبد الواحد علي، عشتار ومأساة تموز، العراق: دار الشؤون الثقافية العامة، ط2، 1986، ص34

21 ينظر فاضل عبد الواحد، المرجع نفسه، ص 157

22 فراس سواح، لغز عشتار الأنوثة المؤلهة وأصل الدين والأسطورة، سورية: دار علاء الدين،1985، ط1، ص382

23 ينظر خالدة سعيد، البحث عن الجذور، بيروت: دار مجلة شعر، دط، 1960، ص20.

24 ينظر السامرائي، المرجع السابق، ص، ص 8، 16

25 أبي الفتح عثمان بن جني، الخصائص، ج2 تحقيق محمد النجار، مصر: دار الكتب المصرية، دط، 1957، ص 360

26 فاضل عبد الواحد علي، المرجع السابق، ص، ص 110 ،120

27 السياب: الأعمال الكاملة، ص، ص 324، 325.

28 ينظر فراس سواح، المرجع السابق، ص، ص 301، 302.

29 ينظر عز الدين إسماعيل الشعر العربي، المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، مصر، دار الفكر العربي، ط3. د ت، ص 282.

30 ضياء الدين بن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، قدمه وعلق عليه أحمد الحوفي وبدوي طبانة، ج2، مصر: دار نهضه مصر للطباعة والنشر، 1973، ص،

31 ينظر الزمخشري تفسير الكشاف، اعتنى به وخرج أحاديثه وعلق عليه خليل مأمون شيحا، لبنان: دار المعرفة، ط3، 2009، ص29

32 السامرائي: المرجع السابق، ص14

33 عزيز لعكاشي، مستويات الأداء الدرامي عند رواد شعر التفعيلة، الأردن: عالم الكتب الحديث، ط1، 2010، ص، ص96، 97

34 خالدة سعيد، البحث عن الجذور، ص68

35 عبد السلام بنعبد العالي، الكتابة بيدين، المغرب: دار توبقال للنشر، ط1، 2009، ص 5

36 المرجع نفسه، ص، ص 92، 93.

37 الكلْم الجراحة والجمعُ كلوم، ينظر: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي،مختار الصحاح، لبنان: دائرة المعاجم في مكتبة لبنان 1986، ص 240

38 محمد شوقي الزين، "بركانية النص وأتون المعنى، بركانية النص وأتون المعنى"، مجلة فكر ونقد الالكترونية، العدد 25 (12) يناير 2000، تاريخ الاطلاع 20 أوت

39 رولان بارت، شذرات من خطاب في العشق، تر الهام سليم حطيط وحبيب حطيط، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ط1، 2001، ص58

40 فاضل عبد الواحد علي: المرجع السابق، ص45

41 السياب: الأعمال الكاملة، ص، ص 325، 326

42 ينظر هـ. فرانكفورت وهـ .أ. فرانکفورت و جون . أ. ولسن توركيلد جاكبسون: ما قبل الفلسفة الانسان في مغامرته الفكرية الأولى، تر، جبرا إبراهيم جبرا،

43 السياب، الأعمال الكاملة، ص، ص 326، 327

44 ينظر فاضل عبد الواحد علي، المرجع السابق، ص، ص 110 ، 120

45 عزيز لعكاشي، المرجع السابق، ص 97

46 إيمان بنت محمد المدني: "أسماء الأفعال في العربيّة "دراسة دلاليّة لبعض جوانبها" مجلة الآداب والعلوم الإنسانية عن کلية الآداب بجامعة المنيا مصر،

47 هيو.ج. سيلفرمان، المرجع السابق، ص 156

48 هيو.ج. سيلفرمان، المرجع السابق، ص 263

49 ينظر فانسان جوف، الأدب عند رولان بارت، تر عبد الرحمن بوعلي، سوريا: دار الحوار للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2004، ص 150

50 ينظر خالدة سعيد، البحث عن الجذور ص، ص 22، 23

51 محمد شوقي الزين، بركانية النص وأتون المعنى.

52 حاتم الصكر: كتابة الذات دراسات في وقائعية الشعر، الأردن: دار الشروق للنشر والتوزيع، ط1، 1994، ص 252

قائمة المراجع

أبي الفتح عثمان بن جني.1957. الخصائص. ج2. تحقيق محمد النجار. مصر : دار الكتب المصرية.

إيمان بنت محمد المدني.2019. « أسماء الأفعال في العربيّة دراسة دلاليّة لبعض جوانبها ». العدد 2. المجلد 89، مصر : مجلة الآداب والعلوم الإنسانية.

بدر شاكر السياب.2020. الأعمال الكاملة. تحقيق علي محمود خضير. تقديم أدونيس، ط1. العراق : دار الرافدين. والكويت : منشورات التكوين..

بول دومان.2000 العمى والبصيرة مقالات في بلاغة النقد المعاصر. تر. سعيد الغانمي. مصر : المجلس الأعلى للثقافة.

جان كلود فيلو.1996. اللاشعور، بحث في خفايا النفس الإنسانية. تر. أسعد علي وطفة. ط1. سورية : دار معد للطباعة والنشر والتوزيع.

جان لابلانش وج.ب. بونتاليس.1997. معجم مصطلحات التحليل النفسي، تر. مصطفى حجازي. ط2. لبنان : المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر.

حاتم الصكر.1994. كتابة الذات دراسات في وقائعية الشعر. ط1. الأردن : دار الشروق للنشر والتوزيع.

خالدة سعيد. 1986. حركية الابداع، دراسات في الأدب العربي الحديث. ط3. لبنان : دار الفكر.

خالدة سعيد.1960. البحث عن الجذور. لبنان : دار مجلة شعر.

خليل موسى.2012. قراءات نصية في الشعر العربي المعاصر في سورية. سورية : منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب.

د. اذزارد و م.ه. بوب و ف. رولينغ. د ت. قاموس الآلهة والأساطير في بلاد الرافدين (السومرية والبابلية) في الحضارة السورية (الأوغاريتية والفينينقية ) .ج1. تعريب محمد وحيد خياطة. سورية. لبنان : دار الشرق العربي.

رولان بارت.2001. شذرات من خطاب في العشق. تر. الهام سليم حطيط وحبيب حطيط. ط1. الكويت : المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

الزمخشري.2009. تفسير الكشاف. اعتنى به وخرج أحاديثه وعلق عليه خليل مأمون شيحا. ط3. لبنان : دار المعرفة.

سلمى الخضراء الجيوسي.2001. الاتجاهات والحركات في الشعر العربي. تر عبد الواحد لؤلؤة. ط1. لبنان : مركز دراسات الوحدة.

سيغموند فرويد.1994. ما فوق مبدأ اللذة. تر. إسحاق رمزي. ط5. مصر : دار المعارف.

ضياء الدين بن الأثير. 1973. المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر. قدمه وعلق عليه أحمد الحوفي وبدوي طبانة. ج2. مصر : دار نهضة مصر للطباعة والنشر.

عبد السلام بنعبد العالي.2009. الكتابة بيدين. ط1. المغرب : دار توبقال للنشر.

عز الدين إسماعيل. د ت. الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية. ط3. مصر : دار الفكر العربي.

عزيز لعكاشي.2010. مستويات الأداء الدرامي عند رواد شعر التفعيلة. ط1. الأردن : عالم الكتب الحديث.

فاضل عبد الواحد علي.1986. عشتار ومأساة تموز. ط2. العراق : دار الشؤون الثقافية العامة.

فانسان جوف.2004. الأدب عند رولان بارت. تر. عبد الرحمن بوعلي. ط1. سوريا : دار الحوار للطباعة والنشر والتوزيع.

فراس سواح.1985. لغز عشتار الأنوثة المؤلهة وأصل الدين والأسطورة. ط1. سورية : دار علاء الدين.

ماجد صالح السامرائي.2012. بدر شاكر السياب شاعر عصر التجديد الشعري. ط1. لبنان : مركز دراسات الوحدة العربية.

مارتن هايدجر.2003. كتابات أساسية ج (2). تر. إسماعيل مصدق. ط1. مصر : المجلس الأعلى للثقافة.

مارتن هيدغر.2012. الكينونة والزمان. تر. فتحي المسكيني، ط1. لبنان : دار الكتاب الجديد المتحدة.

محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي.1986. مختار الصحاح. لبنان : مكتبة لبنان.

محمد سبيلا ونوح الهرموزي.2017. موسوعة المفاهيم الأساسية في العلوم الانسانية والفلسفة، ط1. إيطاليا. العراق : منشورات المتوسط.

محمد شوقي الزين .2000. « بركانية النص وأتون المعنى، بركانية النص وأتون المعنى ». العدد 25 (12). مجلة فكر ونقد الالكترونية. تاريخ الاطلاع. 20/8/ 2023 متاح على الرابط <<https://www.aljabriabed.net/n25_12azzin.(2).htm

مصطفى المسناوي.2006. جاك لاكان اللغة الخيالي والرمزي. ط1. الجزائر : منشورات الاختلاف.

هـ. فرانكفورت وهـ.أ. فرانکفورت وجون. أ. ولسن توركيلد جاكبسون.1980. ما قبل الفلسفة الانسان في مغامرته الفكرية الأولى. تر. جبرا إبراهيم جبرا. ط2. لبنان : المؤسسة العربية للدراسات والنش.

هيو.ج. سيلفرمان.2002. نصيات بين الهرمينيوطيقية والتفكيكية. تر. حسن ناظم وعلي حاكم صالح. ط1. لبنان. المغرب : المركز الثقافي العربي.

لطفي الخوري.1990. معجم الأساطير. ج 1. ط1. العراق : دار الشؤون الثقافية العامة.

1 بدر شاكر السياب، الأعمال الكاملة، تحقيق علي محمود خضير، تقديم أدونيس، العراق: دار الرافدين، والكويت: منشورات تكوين، ط1، 2020، ص.11.

2 خالدة سعيد: حركية الابداع، دراسات في الأدب العربي الحديث، لبنان دار الفكر. ط 3، 1986، ص51

3 ينظر سلمى الخضراء الجيوسي، الاتجاهات والحركات في الشعر العربي، تر، عبد الواحد لؤلؤة، لبنان: مركز دراسات الوحدة، ط1، 2001، ص569

4 ينظر ماجد صالح السامرائي، بدر شاكر السياب، شاعر عصر التجديد الشعري، لبنان: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2012، ص.7. وينظر تقديم أدونيس للأعمال الكاملة للسياب حيث اعتبره شاعرا مؤسسا، ص14

5 ينظر السامرائي، المرجع نفسه، ص، ص.24، 25

6 السياب، المرجع السابق، (المحقق)، ص.18''

7 هيو.ج. سيلفرمان، نصيات بين الهرمينيوطيقية والتفكيكية، تر، حسن ناظم وعلي حاكم صالح، لبنان/ المغرب: المركز الثقافي العربي، ط1، 2002، ص263

8 هيو.ج. سيلفرمان، المرجع السابق، ص43

9 بول دومان، العمى والبصيرة مقالات في بلاغة النقد المعاصر، تر، سعيد الغانمي، الكويت: المجلس الأعلى للثقافة، دط، 2000، ص48

10 الهو أحد أركان الجهاز النفسي يكوِّن قطب الشخصية النزوي، وتكون محتوياته التي تشكل التعبير النفسي للنزوات لا واعية وهي وراثية فطرية في جزء منها ومكبوتة، ومكتسبة في الجزء الآخر إنه بالنسبة لفرويد المستودع الأول للطاقة من وجهة نظر اقتصادية كما يدخل في صراع مع الأنا والأنا الأعلى اللذين يشتقان منه على الصعيد التكويني، والهو يعتبر الخزان الأكبر لليبيدو، ويستمد الأنا الطاقة التي يستخدمها من هذا الرصيد خصوصا على شكل طاقة متسامية ومجردة من طابعها الجنسي. ينظر جان لابلانش وج.ب. بونتاليس، معجم مصطلحات التحليل النفسي، تر مصطفى حجازي، لبنان: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، ط2، 1997، ص، ص 570 ،571

11 جان كلود فيلو، اللاشعور، بحث في خفايا النفس الإنسانية، تر أسعد علي وطفة، سورية: دار معد للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1996، ص 171

12 مارتن هايدجر، كتابات أساسية ج(2)، تر إسماعيل مصدق، مصر: المجلس الأعلى للثقافة .ط1، 2003، ص282

13 مارتن هيدغر، الكينونة والزمان، تر فتحي المسكيني، لبنان. دار الكتاب الجديد المتحدة، ط 1، 2012، ص312

14 ينظر سيغموند فرويد، ما فوق مبدأ اللذة، تر إسحاق رمزي، مصر: دار المعارف، ط5، 1994، ص27

15 محمد سبيلا ونوح الهرموزي، موسوعة المفاهيم الأساسية في العلوم الانسانية والفلسفة، إيطاليا/العراق: منشورات المتوسط، ط1، 2017، ص 41

16 ينظر لطفي الخوري، معجم الأساطير، ج 1، العراق: دار الشؤون الثقافية العامة، ط1، 1990، ص9

17 د. اذزارد و م.ه. بوب و ف. رولينغ، قاموس الآلهة والأساطير في بلاد الرافدين (السومرية والبابلية ) في الحضارة السورية (الأوغاريتية والفينينقية ) ج1، تعريب محمد وحيد خياطة، سورية /لبنان: دار الشرق العربي، د ت، د ط، ص16

18 ينظر مصطفى المسناوي، جاك لاكان، اللغة الخيالي والرمزي، الجزائر، منشورات الاختلاف، ط1، 2006. ص، ص10 ،11

19 خليل موسى، قراءات نصية في الشعر العربي المعاصر في سورية، سورية: منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، 2012، ص11

20 فاضل عبد الواحد علي، عشتار ومأساة تموز، العراق: دار الشؤون الثقافية العامة، ط2، 1986، ص34

21 ينظر فاضل عبد الواحد، المرجع نفسه، ص 157

22 فراس سواح، لغز عشتار الأنوثة المؤلهة وأصل الدين والأسطورة، سورية: دار علاء الدين،1985، ط1، ص382

23 ينظر خالدة سعيد، البحث عن الجذور، بيروت: دار مجلة شعر، دط، 1960، ص20.

24 ينظر السامرائي، المرجع السابق، ص، ص 8، 16

25 أبي الفتح عثمان بن جني، الخصائص، ج2 تحقيق محمد النجار، مصر: دار الكتب المصرية، دط، 1957، ص 360

26 فاضل عبد الواحد علي، المرجع السابق، ص، ص 110 ،120

27 السياب: الأعمال الكاملة، ص، ص 324، 325.

28 ينظر فراس سواح، المرجع السابق، ص، ص 301، 302.

29 ينظر عز الدين إسماعيل الشعر العربي، المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، مصر، دار الفكر العربي، ط3. د ت، ص 282.

30 ضياء الدين بن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، قدمه وعلق عليه أحمد الحوفي وبدوي طبانة، ج2، مصر: دار نهضه مصر للطباعة والنشر، 1973، ص، ص167، 168

31 ينظر الزمخشري تفسير الكشاف، اعتنى به وخرج أحاديثه وعلق عليه خليل مأمون شيحا، لبنان: دار المعرفة، ط3، 2009، ص29

32 السامرائي: المرجع السابق، ص14

33 عزيز لعكاشي، مستويات الأداء الدرامي عند رواد شعر التفعيلة، الأردن: عالم الكتب الحديث، ط1، 2010، ص، ص96، 97

34 خالدة سعيد، البحث عن الجذور، ص68

35 عبد السلام بنعبد العالي، الكتابة بيدين، المغرب: دار توبقال للنشر، ط1، 2009، ص 5

36 المرجع نفسه، ص، ص 92، 93.

37 الكلْم الجراحة والجمعُ كلوم، ينظر: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، مختار الصحاح، لبنان: دائرة المعاجم في مكتبة لبنان 1986، ص 240

38 محمد شوقي الزين، "بركانية النص وأتون المعنى، بركانية النص وأتون المعنى"، مجلة فكر ونقد الالكترونية، العدد 25 (12) يناير 2000، تاريخ الاطلاع 20 أوت 2023 ، متاح على الرابط https://www.aljabriabed.net/n25_12azzin.(2).htm

39 رولان بارت، شذرات من خطاب في العشق، تر الهام سليم حطيط وحبيب حطيط، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ط1، 2001، ص58

40 فاضل عبد الواحد علي: المرجع السابق، ص45

41 السياب: الأعمال الكاملة، ص، ص 325، 326

42 ينظر هـ. فرانكفورت وهـ .أ. فرانکفورت و جون . أ. ولسن توركيلد جاكبسون: ما قبل الفلسفة الانسان في مغامرته الفكرية الأولى، تر، جبرا إبراهيم جبرا، لبنان: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، 1980، ص- ص 14-17

43 السياب، الأعمال الكاملة، ص، ص 326، 327

44 ينظر فاضل عبد الواحد علي، المرجع السابق، ص، ص 110 ، 120

45 عزيز لعكاشي، المرجع السابق، ص 97

46 إيمان بنت محمد المدني: "أسماء الأفعال في العربيّة "دراسة دلاليّة لبعض جوانبها" مجلة الآداب والعلوم الإنسانية عن کلية الآداب بجامعة المنيا مصر، المجلد 89، العدد 2، 2019، ص 460

47 هيو.ج. سيلفرمان، المرجع السابق، ص 156

48 هيو.ج. سيلفرمان، المرجع السابق، ص 263

49 ينظر فانسان جوف، الأدب عند رولان بارت، تر عبد الرحمن بوعلي، سوريا: دار الحوار للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2004، ص 150

50 ينظر خالدة سعيد، البحث عن الجذور ص، ص 22، 23

51 محمد شوقي الزين، بركانية النص وأتون المعنى.

52 حاتم الصكر: كتابة الذات دراسات في وقائعية الشعر، الأردن: دار الشروق للنشر والتوزيع، ط1، 1994، ص 252

مديحة دبابي Madiha Debabi

المدرسة العليا للأساتذة مسعود زغار سطيف ENS – sétif

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article