الخطاب التّواصلي الرّقمي؛ طرحٌ جديدٌ أم إخلالٌ بنظام اللّغة؟

Discours communicatif numérique : Innovation ou perturbation du système linguistique ?Digital Communicative Discourse: Innovation or Disruption of the Linguistic System?

عبد القادر كباس Abdelkader Kebas

Citer cet article

Référence électronique

عبد القادر كباس Abdelkader Kebas, « الخطاب التّواصلي الرّقمي؛ طرحٌ جديدٌ أم إخلالٌ بنظام اللّغة؟ », Aleph [En ligne], mis en ligne le 09 mars 2025, consulté le 09 mars 2025. URL : https://aleph.edinum.org/13917

تسعى هذه الورقة إلى تتبع أشكال وصور الخطاب التواصلي في العوالم الافتراضية، وما اعتراه من تلوث لغوي يمزج بين لغتين مختلفتين، أو بين العامية والأرقام، أو كتابة العربية بالحرف اللاتيني، وهو ما أطلق عليه مصطلح (العربيزي) أو (العربتيني). ثم تبحث في الأسباب التي ساهمت في انتشاره، ومدى خطورته على اللغة العربية من جميع الجوانب: الإملائية والصوتية والصرفية والتركيبية والدلالية. وتختتم باقتراح أهم الحلول للحد من هذا الزحف اللغوي الهجين وسلبياته على اللغة العربية.

Cet article vise à retracer les formes et les images du discours communicatif dans les mondes virtuels, ainsi que la pollution linguistique qui s’est produite, mélangeant deux langues différentes, ou entre le familier et les chiffres, ou l’écriture de l’arabe avec des lettres latines, phénomène désigné par les termes « Arabizi » ou « Arabtini ». Il examine ensuite les raisons de sa propagation et l’étendue de son danger pour la langue arabe sous tous ses aspects : orthographique, phonétique, morphologique, syntaxique et sémantique. L'article se conclut par des propositions de solutions pour limiter cette hybridation linguistique et ses effets négatifs sur la langue arabe.

This paper aims to trace the forms and images of communicative discourse in virtual worlds, and the linguistic pollution that has occurred, mixing two different languages, or colloquial language with numbers, or writing Arabic with Latin letters, a phenomenon known as "Arabizi" or "Arabtini". It then examines the reasons for its spread and the extent of its danger to the Arabic language in all its aspects: orthographic, phonetic, morphological, syntactic, and semantic. The paper concludes by proposing solutions to limit this hybrid linguistic encroachment and its negative effects on the Arabic language.

مقدمة

مصير الأمم مرتبط بمدى قدرة لغاتها على الصمود في عالم معلوماتي زاخر بالمعرفة المتجددة؛ ولا ريب أن يرتبط –خصوصا- بالقدرة على التحكم في الاستخدام التّكنولوجّي، والإنتاج الجاد على مستوى شبكة الانترنيت التي لا حدود لها، وهو ما يتطلب جهودا كثيرة على المستوى اللّغوي وعلى مستوى تقنيات المعلومات، ولعل هذا يعد أبرز تحديات المستقبل القريب في ظل الثورة المعلوماتية المعاصرة؛ لتكون اللّغة متجددة محتوية متفاعلة مع المستجدات، وتضمن بذلك-على الأقل- وظيفتها الأولى المتمثلة في التواصل بين الأفراد والجماعات.

واللغة العربية ليست في منأى عن التطور والتقدم التكنولوجي وما يفرزه من تحديات في المعرفة والتواصل والتفاعل، وذلك باعتبارها واحدة من اللغات الأكثر شيوعا واستعمالا، فهي كغيرها من اللغات تواجه الكثير من التحديات في عصر العولمة والتكنولوجيا، خصوصا فيما يتعلق بعملية التواصل الرقمي.

تبرز أهميّة اللّغة العربيّة –عند المسلمين والنّاطقين بها عامة- في كونها تُشكّل هويّة الأمّة الثقافيّة التي تُميّزها عن باقي الأمم؛ فهي إحدى مقومات الهوية الحضارية، وعاملا مهما في التكوين الثقافي للمجتمع، وهي وسيلة التّواصل التي تُعبّر عن تفكير الأمة، ووسيلة نشر ثقافتها بين الأمم المُختلفة حول العالم، كما نلمس ذلك بوضوح في تاريخنا المشرق، من خلال أثر إسهامات العرب والمسلمين في الحضارة الغربية، فالتّواصل الذي تمّ عن طريق هذه اللّغة يعد الأساس المتين في عمليّة النهضة العلمية التي عرفها الغرب منذ عصر الصناعة.

وإذا كانت للغة العربية هذه المركزية بين اللغات في الثقافة التراثية على تنوع أجناسها، واستطاعت أن تثبت حضورها على امتداد قرون، فما حالها، وكيف هو واقعها في عصر العولمة والتواصل التقني وتأثير ذلك على ثقافات الشعوب؟ خصوصا إذا عرفنا أن العولمة تعتمد –بشكل رئيس- على التقنية -بمختلف أشكالها- وسيلة للتواصل بين الشعوب، وأساسا لنشر الثقافة والمعرفة، فما هي التّحديّات التي تواجهها اللّغة العربيّة أمام هذا المد التقني والزحف الهجين على الخصوصيّات اللّسانيّة واللّغويّة والثّقافيّة مع ظهور نظام الكتابة (العربتيني)؟ وكيف يمكننا أن نضبط مسار اللغة العربية لتواكب تحديات العصر دون المساس بخصوصياتها كلغة للحضارة العربية والإسلامية؟

تحاول هذه الورقة البحثية تسليط الضوء على واقع اللغة العربية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والآليات التي تواجه بها التّحدي الإلكتروني المفروض، مع المحافظة على سلامة اللّغة وتهيئتها لتفي بمتطلّبات العصر، وجعلها ملائمة لمواكبة حركيّة التواصل المعاصرة.

اعتمد البحث المنهج الوصفي التحليلي الذي يهتمّ بـوصف الظّاهرة وصفا دقيقا، مع الوقوف على حجمها وقدرتها على التفاعل مع الظواهر الأخرى، ويحاول تحليل واقع اللغة العربية في عصر التواصل الرقمي، والتحديات التي تواجهها أمام زحف التلوث اللغوي الخطير.

1. واقع اللغة العربية في عصر الرقمنة

لا يختلف اثنان في أنّ اللّغة العربيّة –على كثرة انتشارها وذيوعها- لم تَرتَقِ إلى مستوى أن تصبح أحد لغات الثّقافة العالميّة بمفهوم العصر للثقافة؛ فاللغة العربية

« مازالت تحتل مرتبة دنيا بين اللغات المستخدمة على شابكة الانترنيت (المرتبة العشرين)، حيث تبلغ نسبة عدد المواقع التي تستخدم اللغة العربية 3 % فقط على الرغم من توافر تقنيات وأدوات البحث ».(بيومي 2002 : 133)

هذه النسبة الضئيلة جدا في الاستخدام ليس المقصود منها اللغة العربية وحدها، بل

« إن جزءا كبيرا من هذه المواقع يستخدم مع اللغة العربية لغة أخرى وبخاصة اللغة الإنجليزية، وفي هذا تكريس للدونية أمام نماذج اللغات الأجنبية التي اعتادتها ألسنة البعض ».(بيومي 20024 : 13)

إن واقع اللغة العربية في التعامل مع مستجدات التقنية الحديثة، يكاد يكون محصورا في التعامل مع المصطلحات والمفاهيم الوافدة؛ « حيث يستعمل –المصطلح- كما ورد بإجراء تعديل صوتي أو صرفي مناسب، وهو اتجاه يحشو العربية بمفردات أجنبية، ويؤدي على المدى البعيد إلى مسخ هويتها ».(شاهين 1986 : 362)

وإن كان ثمة جهد، فإننا نجده عند بعض المعجميين الذين تعاملوا مع المصطلح الوافد بالسعي « لتعريبه بالبحث عن مصطلح عربي مقابل أو محتمل للتعبير عن مفهومه، ونتج عن هذا خلط المعاني الأصلية مع المستحدثة في استخدام بعض المصطلحات المعربة، وإضفاء المعاني المستحدثة على المعاني الأصلية في بعضها » (شاهين 1986 : 336) 

كما لا يمكننا القول إن هناك صناعة برمجيات عربية، حيث لا يتعدى الأمر بعض مكاتب استشارية لتطوير نظم معلومات لبعض المؤسسات، ومن أبرز التجارب العربية في هذا الشأن، تلك التي قامت بها الشركة العالمية بالكويت والسعودية لتطوير كمبيوتر شخصي عربي، وإقامة وحدة لتطوير البرمجيات العربية، وصل حجم عمالتها في النصف الثاني من الثمانينيات إلى ما يزيد على 300 من الأخصائيين، وقد قامت هذه الشركات بتعريب عدة نظم تشغيل، وتطوير لغات برمجية عربية (بيسك / لوجو)، والعديد من البرامج التعليمية، وقد توجت جهودها بإنشاء وحدة متخصصة في بحوث اللسانيات الحاسوبية في مجال معالجة اللغة العربية آليا. (نبيل علي 1994 : 205-206) 

لعل هذا ينفي مقولة إنّ اللّغة العربيّة لم تواكب تطوّر وسائل التواصل والاتّصال؛ فقد استفادت هي الأخرى كغيرها من اللغات من خدمة الانترنت والفضائيّات، ومختلف إفرازات التكنولوجيا الحديثة كالوسائل السّمعيّة والبصريّة، خاصّة في حقل تعليم اللّغة العربيّة.

وكمثال نجد أن مادّة الإعلام الآلي قد أصبحت ضمن برامج التعليم والتكوين، بل من المواد الإجباريّة على الطّلبة في كثير من المدارس والمعاهد والجامعات العربيّة، وهذا ما ساهم بشكلٍ كبير في حتمية انتشار أجهزة الكمبيوتر ومختلف وسائل وتقنيات التواصل في المدارس والجامعات وحتى في المنازل، وهكذا تحقق شيء من التواصل مع العالم الآخر والاطّلاع على ثقافات الشّعوب الأخرى، والاستفادة من تجاربها الثقافية والأدبية للارتقاء بمستوى الثّقافة العربيّة بما يتناسب مع متطلّبات العصر وحاجيّاته.

كذلك نجد كثيرا من الباحثين والأدباء العرب قد تمكنوا من إنجاز أعداد كبيرة من الكتب والبحوث والدّراسات باللّغة العربيّة، مستفيدين في ذلك من أدوات الطّباعة والمسح والنّسخ السّريع، الأمر الذي ساهم في سهولة تداولها وبسرعة بين أكبر عدد من القرّاء والمتابعين، وأصبحت هذه الإنتاجات الفكرية في متناول الجميع؛ فبكبسة زر يستطيع تحميل ما شاء منها؛ فالعولمة أحدثت ثورة معلوماتيّة جعلت العالم قرية صغيرة، وسهّلت الاتصالات وانتقال المعلومات على نطاق واسع، « وعلى ضوء ذلك يقدم المسلمون مشروعهم الحضاري الذي يعتبرونه صالحا لكل زمان ومكان، ويقدمون عالمية إسلامية لابد أن تتشابك مع عالمية أو عولمة الغرب ». (حيدر إبراهيم 1999 : 111) 

ويعتبر استخدام جهاز الكمبيوتر في تعليم اللغة العربية أحدث صور التعليم عن بعد، وقد انتشر استخدامه بكثافة مع مطلع القرن الواحد والعشرين؛ أي خلال العقدين الأخيرين، من خلال استخدام بعض البرامج المسجلة، أو استحداث منصات إلكترونية لهذا الشأن.

إن استخدام التكنولوجيا بوسائلها المختلفة وشبكة الإنترنت في عالمنا العربيّ قد اتّسع بشكلٍ كبير، وأصبح أكثر من ضرورة بالنّسبة إلى كثير من فئات المجتمع، ولم يعد بالإمكان إتمام كثير من المعاملات إلا من خلال تكنولوجيا الإنترنيت.

« وقد ظهرت محاولات كثيرة لوضع برامج آلية لتحليل اللغة العربية بحيثُ يمكنها التعامل مع المصطلحات وفق مخزون كبير من اللغة، ولكن هذه المحاولات يعترضها العديد من العوائق التي تعود في المقام الأول إلى التركيب الصرفي للغة العربية، بالإضافة إلى العوائق الناشئة عن عملية التعريب نفسها، أي تعدد الطرق المستخدمة في التعريب وتباينها فيما بينها (  القحطاني 2005 : 243)

فالواقع المفروض على اللغة العربية في ظل هذا التسارع أو الزحف المعلوماتي، هو صعوبة احتواء كل ما هو جديد من مصطلحات علميّة وأدبيّة وثقافيّة وتعريبها،

« ولن تستطيع اللغة العربية مواكبة المصطلحات العلمية والتقنية ما لم توظف تقنية الحاسوب في هذا المجال؛ ففي كل يوم ترد المئات من المصطلحات العلمية والتقنية والحرفية، وتبث بنوك المعلومات الدولية عدداً هائلاً من أسماء المنتجات الحديثة كل يوم ».(  القحطاني 2005 : 246)

ولا يزال مطوّرو البرامج والتقنيات المتعلقة باللغة العربية يواجهون كثيرا من الصعوبات التي تتعلق بثرائها المعجمي والدلالي الواسع، نظرا لقلة الأبحاث العلمية الأكاديمية المتعلقة بذلك، بالإضافة إلى غياب التنسيق فيما بينها، والعجز عن مواكبة التطورات العلمية المتصلة بأنظمة المعالجة الآلية للّغة. كل هذه الأسباب جعلتهم يرتكزون على اللغة الإنجليزية، « بإتباع طرق تعسفية لإخضاع العربية للقيود التي فرضها النموذج الإنجليزي »، ».(  حافظ إبراهيم1987  : 253-254) الأمر الذي أنتج قصورا في استيعاب طاقات اللغة العربية وخصائصها.

ولا ضير في أن يستخدم العرب مع لغتهم في تصميم المواقع العربية على شابكة الإنترنيت لغة أخرى يترجم إليها المحتوى المعرفي للثقافة العربية والإسلامية، ولكن أن يقتصروا في إنشاء مواقعهم على لغات أجنبية مهملين اللغة الأم، فهذا هو عين التخاذل، وليس في العالم كله أمة تتعامل مع لغتها بامتهان في مجالات التقنية الحديثة كما يفعل العرب بلغتهم.

فواقع ﺍﻟﻠﻐﺔ العربيّة في ﻇل تحديات العولمة وتكنولوجيات الرقمنة بات مؤسفا مخجلا، وقد ظلمت هذه اللغة بتفريط من أبنائها، مع ما فيها من رصيد معجمي ثري يستوعب كل إفرازات التقدم العلمي بدقّة ووضوح، وصدق حافظ إبراهيم في قوله على لسان اللغة العربية :

رموني بعُقمٍ في الشّبابِ وليتَني
وسِعتُ كتابَ الله لفظا وغـايةً
فكيف أضِيقُ اليومَ عن وصفِ آلة
أنا البحرُ في أحشائه الدّرُّ كــامنٌ

عُقمتُ فلم أجزع لقول عـدَاتي
وما ضِقتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
وتنسـيقِ أسمـــاءٍ لمُختَرعَاتِ؟
كــامنٌ فهل سألوا الغوّاصَ عن صَدفَاتي؟(  حافظ إبراهيم1987  : 253-254)

2. تحديات اللغة العربية عبر وسائل التواصل الاجتماعي

قبل الحديث عن التحديات التي تواجهها اللغة العربية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تجدر الإشارة إلى تحديات أخرى لا تقل شأنا عن تحديات الرقمنة؛ ونركز على الصعوبات التي تواجهها اللغة العربيّة عند الناطقين بها، من تّحطيم وتفكيك لبنيتها، وما واجهته من دعوات هدّامة شنّها عليها التّغريبيّون من أبنائها، تستهدف اغتيال الفصحى واستبدالها بالعامية، وهي نفسها إستراتيجية الاستعمار في حملته المسعورة للقضاء على اللغة الفصحى.

فقد انتشرت العاميّة الدارجة انتشارا رهيبا بين أبناء اللّغة العربيّة، وتنوّعت بين مختلف الأقطار العربية، ففي المغرب العربي عامية تختلف عن عامية المشرق العربي، وتختلفان عن عامية مصر والسودان، فليست تضبطها معايير وقواعد كما نجد ذلك في اللغة الفصحى، وغدت هذه الأخيرة -العربية الفصحى- في مستوى ثانٍ من التفعيل اللغوي في الحياة اليومية، فلم تعد لغة التّخاطب في أيّ بلد من البلدان العربيّة، وبالإضافة لما سبق نجد مزاحمة اللّغات الأخرى لها، والغزو الوافد من الأمم الأخرى، أو ما يسمى بالعولمة التي تريد احتواء ثقافات الأمم والشّعوب، بما في ذلك التّنوّع اللّسانيّ في العالم.

واحتواء العولمة للتنوع اللساني البشري شكّل تحديا كبيرا للغة العربية؛ باعتباره يعطي الأولوية للغات المتحكمة في مجالات التقنية والبرمجيات، ويجعلها مسيطرة على الثقافات الأخرى بلغاتها،

« وثقافة كل أمة كامنة في لغتها، كامنة في معجمها ونحوها ونصوصها، واللغة –بلا منازع- أبرز السمات الثقافية، وما من حضارة إنسانية إلا وصاحبتها نهضة لغوية، وما من صراع بشري، إلا ويبطن في جوفه صراعا لغويا، حتى قيل إنه يمكن صياغة تاريخ البشرية على أساس من صراعاتها اللغوية » (نبيل علي 2001 : 232)

وربما في هذا تهديد لمقومات الهوية والخصوصيات الثقافية ﻟلدول التيﻻ ﺘﺴﺘطﻴﻊ أن تجاري ﺍﻟﻌﻭﻟﻤﺔ، فتذوب ﻓﻴﻬﺎ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻠﻐات ﺍﻷقوى.

هذه السيطرة من اللغات الأقوى هي من أبرز الأسباب التي ولّدت لدى الناطقين بالعربية شعورا بالنقص والازدراء نحو هذه اللغة، وأنها لغة لا تصلح للتواصل الرقمي الحديث، خصوصا إذا علمنا أن البدايات الأولى لاستعمال الدردشة في تسعينيات القرن الماضي، كانت الكتابة فيها مقصورة على الحروف اللاتينية؛ الأمر الذي أرغم الكثير من الناطقين بالعربية على استخدام اللغات المهيمنة؛ الإنجليزية بدرجة أولى، والفرنسية بدرجة تالية، في حين اقتصر استخدام العربية بالشكل التالي : الكتابة بالحروف اللاتينية والنطق عربي، وهذه الظاهرة استفحلت مع مطلع الألفية الجديدة بظهور وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة.

وإذا عرفنا أن اللغة ممارسة اجتماعية ووسيلة من وسائل التواصل بين الأفراد والجماعات، من نفس الانتماء أو مع الآخر المختلف، فإن الإنسان سيسعى لتبليغ مقصوده وتحقيق أهدافه، فإذا عجز ولم تسعفه أدواته اللغوية المتاحة لديه، فلا شك في أنه

« يبحث عن أدوات لغوية أخرى، بغض النّظر عن مدى توافق هذه الأدوات مع الأعراف اللغوية والاجتماعية، وهو ما حصل عند بداية ظهور برامج الدردشة والرسائل القصيرة، مما حدا بكثير من العرب المستخدمين لهذه الأدوات إلى اللجوء إلى استعمال الحروف اللاتينية ». (الشويرخ 2014 : 29)

1.2. ظاهرة العربتيني/ العربيزي

بداية لابد أن نشير إلى أن هذه الظاهرة التواصلية جديدة، ولا توجد دراسات كثيرة تناولتها بالبحث العلمي الدقيق، ولكن هذا لا يعني أنها لم تثر اهتمام الباحثين، بل على العكس؛ نقرأ كثيرا من المقالات التي أشارت إليها ونبهت على خطورتها، وأنها ظاهرة لسانية هجينة تهدد فصاحة اللغة العربية رسما ونطقا.

ويمكن القول إن هذه الظاهرة اللسانية الملوثة ارتبطت ارتباطا وثيقا مع وسائل الاتصال الحديثة والتواصل الرقمي، بداية مع ظهور الهواتف النقالة وبالأخص عند استخدام الرسائل (sms)، ثم ما لبثت تتوسع وتأخذ صورا وأشكالا مختلفة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المعاصرة، خاصة (فايسبوك، وتويتر، وأنستغرام،،،)، وغيرها من الوسائل المختلفة والمتنوعة.

وتشير بعض الدراسات إلى نتائج مخيفة عن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي، وأحدث الإحصائيات توصّلت إلى النتائج التالية   (زغاري 2019 : 162)

  • موقع فايسبوك (Facebook) :

الدولة

عدد المستخدمين

النسبة/السكان

الترتيب

مصر

33 مليون

37 %

01

السعودية

18مليون

58 %

02

الجزائر

16مليون

43 %

03

  • موقع تويتر (Twitter) :

الدولة

عدد المستخدمين

النسبة/السكان

الترتيب

السعودية

1،8 مليون

8،1 %

01

مصر

1،7مليون

1،8 %

02

الجزائر

800ألف

02 %

03

  • موقع لنكدن (Linkdin) :

الدولة

عدد المستخدمين

النسبة/السكان

الترتيب

الإمارات

3 مليون

32،5 %

01

السعودية

2،5مليون

8،7 %

02

مصر

2،4مليون

2،6 %

03

نلاحظ- من خلال هذه الإحصائيات- أن نسبة الاستخدام لوسائل التواصل الاجتماعي الشهيرة مرتفعة جدا بين الشباب السعودي والمصري والجزائري، مقارنة مع الشعوب العربية الأخرى.

وتختلف نسبة الشباب العربي في أشكال استخدام لغة التواصل كما يلي : (زغاري 2019 : 162)

لغة مزدوجة بين العامية والفصحى

56 % - 61 %

اللغة العامية

87 %

الرموز والاختصارات

41 %

نلاحظ طغيان استخدام العامية في التواصل، وربما هذا الذي جعل الشباب يكتبها بالحرف اللاتيني تعويضا للنقص الذي يستشعره إزاء عدم استخدامه للفصحى، فيلجأ للكتابة وفق نظام العربتيني.

وقد حاول كثير من الباحثين والمهتمين بالشأن اللغوي ضبط هذا المصطلح المنحوت (العربتيني)، يقول أحدهم : « هي ظاهرة أسميتها العربتيني (Arabatini)، والكلمة منحوتة من كلمتي (العربي) و(اللاتيني)، وتعني : كتابة العربية بالأحرف اللاتينية، وهي ظاهرة يمارسها –في الغالب- الجيل الرقمي الجديد ». ثم يفرق بين هذا المصطلح (العربتيني) ومصطلح (العربيزي Arab-ez)؛ ويقول عن هذا الأخير إنها ظاهرة تعني الخلط في الكلام أثناء الحديث بين العربية والإنجليزية تحديدا.  (العجمي 2014 : 7)

لا شك في أن هذه الظاهرة اللسانية الغريبة من أبرز أشكال التلوث اللغوي الذي يهدد اللغة العربية ويجعلها لغة هجينة، ويحذر أحد الباحثين من هذا النسق اللساني الشبابي الجديد، ويرى أنه نسق لغوي غير واضح المعالم، لا تحكمه قواعد لغوية، وكل من يستخدم هذا النسق يتصرف فيه بحسب حاجته وهواه، فمرة يكتب اللهجة العامية بالحروف العربية، ومرة يكتبها بحروف أجنبية، ومرة يمزج بين النسقين، وأحيانا يستخدم نسقا أيقونيا في شكل صور، ثم ينتهي إلى أن هذا الواقع اللغوي الهجين شكّل صدمة لغوية مست جانبا مهما من النسق اللساني للغة العربية الفصحى، مما جعل المهتمين بالشأن اللغوي واللسان العربي يدقون ناقوس الخطر. (زغاري 2019 : 163)

ولعل من اللائق بموضوع هذه الورقة البحثية أن نعرج على أشكال هذا التلوث وصوره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ثم نسعى لبحث الأسباب المختلفة التي تقف وراء هذه الظاهرة الغريبة عن فصاحة اللغة العربية.

2.2. صور وأشكال استخدام العربتيني

1.2.2. استخدام الحروف اللاتينية للملفوظ العربي

تكثر هذه الصورة في الرسائل الهاتفية النّصية (SMS)، وكذا في رسائل الدردشة ( سكايب، وتساب، فايبر، ماسنجر،،،). وربما مما أوحى للشباب استخدام هذا الشكل من الكتابة، ما يجدونه في الكتابة السابقة للاسم واللقب في الوثائق الثبوتية، ومن أمثلة ذلك : السلام عليكم ( Assalamo aalikom)، كيف الحال (kif elhal)، الحمد لله (elhamd lilah).

2.2.2. استخدام الأرقام العربية بديلا عن الحروف

هذه الصورة شائعة بكثرة، بل ومستفحلة، ويبدو أن هذا الاستخدام مستوحى من شكل الرقم الذي يقارب شكل الحرف، ولكن هذا التلوث لم يستطع أن يجد شكلا منفردا لكل من الحروف (ذ، ث، ظ)، وبقي الاعتماد على الحرفين (Th) في اللاتينية، والجدول التالي نحاول فيه تتبع نظام كتابة العربتيني كما هو شائع :

الحرف العربي

استخدام عربتيني

الحرف العربي

استخدام عربتيني

أ

A/2

ض

DH

ب

B

ط

6/ T

ت

T

ع

3/ A

ث/ ذ/ ظ

TH

غ

R/ G

ج

J

ف

F

ح

7

ق

8/ K

خ

5

ك

K

د

D

ل

L

ر

R

م

M

ز

Z

ن

N

س

S

ه

H

ش

SH/ CH

و

W

ص

9/S

ي

Y

ما يلاحظ على هذا الجدول أن هناك قصورا وغموضا في نظام الكتابة العربتيني، ويوجد اختلال واختلاف كبير في الرسم بين المستخدمين لهذا النظام اللغوي التواصلي الهجين. ويمكننا أن نفصل الملاحظات كما يلي :

  • الحرف (أ) يستخدم تارة بمقابله نطقا في الحرف اللاتيني (A)، وأحيانا باعتماد الرقم 2، تشبيها بالهمزة أعلاه، وهنا يظهر القصور والاختلال في هذا الاستخدام، مع الألف المكسورة (إٍ).

  • تشابه كلي في استعمال الحروف (ذ، ث، ظ) عربتينيا؛ باستخدام الحرفين اللاتينيين(Th) رغم البون الشاسع في الاستعمال العربي الفصيح من حيث النطق والدلالة والرسم الإملائي ناهيك عن الحمولة الصوتية كل حرف منها.

  • الحرف (ظ) نجد له استخداما آخر في نظام العربتيني وهو الرقم فوقه فاصلة (6‘)، وهو استعمال نادر، فيه تلوث وخلط كبير في المعنى الذي يدل عليه.

  • الحرفان (س، ص) لهما نفس الرّسم (S) في الكتابة اللاتينية، ولكن في النظام العربتيني يتم استخدام الرقم (9) للدلالة على حرف (ص) أحيانا.

  • الحرف (ط) يتشابه مع الحرف (ت) لاتينيا، ويختلفان عربتينيا؛ حيث أن الحرف (ط) يرسم بالرقم (6)، وهنا نجده يلتقي مع الحرف (ظ)، ويفرقون بينهما في الكتابة العربتينية بإضافة فاصلة فوق الرقم للدلالة على الظاء.

  • الحرف (ع) يأخذ شكلين في النظام العربتيني؛ الحرف اللاتيني (A)، والرقم (3)، وهذا للشبه بينهما رسما، فقط الاختلاف حاصل في الاتجاه.

  • الحرف (غ) غير مضبوط عربتينيا؛ حيث يرسم بالشكل (G) والشكل (R) دون ضابط محدد.

  • الحرف (ق) يأخذ شكل الرقم (8)، وأحيانا يكتب بالحرف اللاتيني (K).

3.2.2. استخدام الرموز والإيموجي1 بديلا عن الحروف 

والمقصود بها تلك الصور والرموز التعبيرية التي يستخدمها رواد مواقع التواصل الاجتماعي في المحادثات أو المنشورات، بغرض التعبير عن جملة من المعاني المدمجة في رمز أو صورة، وتختلف هذه الصور والرموز من حالة شعورية إلى أخرى.

إن الرموز التعبيرية هي صور تخيلية رقمية شائعة يمكن أن تظهر في النصوص، الرسائل، البريد الإلكتروني، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، كما أنها شخصيات مصورة أو رسوم توضيحية تحظى بشعبية كبيرة في الاتصالات النصية، وهي أيضا صور يمكن دمجها بشكل طبيعي مع نص عادي لإنشاء شكل جديد للغة) العنزي 2020: 14(

فالرموز التعبيرية - عبر مواقع التواصل- أداة لنقل الأفكار والمشاعر باعتبارها نوعا من أنوع اللغة غير اللفظية، حتى أن بعض الباحثين ذهب إلى أ ن الرموز التعبيرية (الإيموجي) ستكو ن لغة المستقبل مستندين على إحصائية تفيد بأن هنالك(41) مليار رسالة نصية ترسل كل يوم حول العالم منها (6) مليار رسالة تتضمن واحدة من هذه الرموز التعبيرية (العنزي 2020 : 7)

ومن أشهر الرموز التعبيرية وأكثرها انتشارا عبر وسائل التواصل نجد :

  • صورة اليد والإبهام متجه للأعلى تعبيرا عن الإعجاب والموافقة والتأييد، وفي حال عكست الإبهام نحو الأسفل، فتتغير دلالتها إلى الرفض وعدم التأييد، وتعني الامتنان أو الشكر إذا كانت على هيئة التصفيق، وغير ذلك من الأشكال والدلالات.

  • صورة القلب الأحمر فيها دلالة على الحب، وعند اختراقها بسهم تعني شدة الافتتان.

  • صورة الوجه نجدها بأشكال كثيرة ومتعددة؛ تتفق في الشكل العام وتختلف في الجزئيات؛ فترمز للحزن إذا كانت مصحوبة بدموع، وترمز للغضب إذا جاء الوجه مقطب الجبين، وتعني السخرية إذا كانت صورة الوجه بشكل قهقهة، وغيرها من الأشكال المختلفة ذات الدلالات المتباينة، والمتعارف عليها بين مستخدميها، وقدم أحد الباحثين تفصيلا لمعاني ودلالات إيموجي الوجه المستعمل بكثرة كما يلي في الجدول التالي :

الإيموجي

المعنى والوظيفة

😊☺️

وجهان مبتسمان سعيدان : غالبًا ما يستخدمان معًا للتعبير عن فرحة عارمة تغمرها السعادة.

😀

الوجه الضاحك مع الفم المفتوح والعرق البارد : ينقل هذا الوجه أيضًا شعورًا بالسعادة، ولكن مع وجود فارق بسيط، وغالبًا ما يوجد في النصوص التي تصور بعض الأحداث السلبية التي قد تنحو منحى إيجابيا.

😂

وجه بدموع الفرح : هكذا كما ذكرنا عدة مرات، كلمة اختارها قاموس أكسفورد لعام2015؛ يتم استخدامه للتعبير عن الضحك.

😏

وجه يتكلف ويتصنع الابتسامة : ويستخدم في الرسائل الرومانسية، مما يوفر غمزًا غريبًا أو كاشفا عن محتوى الرسالة.

😉

الوجه الغامز : ويشير هذا إلى أن الكلمة أو السطر أو الرسالة بأكملها يجب ألا تؤخذ على محمل الجد؛ إنها رسالة غزلية أو لديها نية روح الدعابة.

😎

الوجه الباسم بنظارات شمسية : ويستخدم هذا الوجه للتعبير عن الانتعاش أو الإحساس بالطمأنينة والثقة بالنفس.

😳

الوجه المحمر يعبّر عن الإحراج أو الارتباك؛ ويمكن أن يستخدم أيضا لإظهار التواضع ردّا على مجاملة ما.

👿 😈

وجها الشيطان : على الرغم من أن هذين الوجهين يُستخدما بالمعنى نفسه، فإن الشخص المبتسم يضفي على الصورة دلالة ماكرة وخبيثة، بينما يضيف الشخص الغاضب دلالة على الأذى، يهدف من اللون الأصفر العام واللطيف، إلى إضافة اللون الأرجواني، بدلا دلالات ضمنية شيطانية وماكرة إلى المعنى.

😍

الوجه المبتسم بعيون على شكل قلب : يستخدم هذا الوجه عادة للتعبير عن المودة أو الحب أو الامتنان.

😓

الوجه بعرَقٍ بارد : ينقل هذا الوجه القلق والإجهاد، ففي البيانات المقدمة من لدن المستجوبين تم العثور عادة على الوجه في الرسائل التي تشير إلى أن مقالا قد تأخر بعض الوقت أو أن الاختبار قادم.

😑😐

الوجهان المحايدان : تستخدمان لإظهار اللامبالاة أو حالة عدم الإعجاب بشيء ما.

😒

الوجه المحبط : ينقل هذا الوجه الشكوك أو الإحباط أو الاستياء.

😥

الوجه الباكي : يشكل هذا الوجه رد فعل « مؤلم » تجاه بعض الرسائل.

😭

الوجه الباكي بشدة : التعرض للأذى أكثر من الوجه المذكور أعلاه.

😟

الوجه القلق : وهو وجه لا يعبّر عن القلق فقط، بل مع الصدمة والخوف.

😠😠

الوجهان الغاضبان والملطخان : غالبا ما يُستخدمان معًا للتعبير عن الغضب، حيث يكون اللون الأحمر هو الأقوى .

😧😦

الوجه العبوس والوجه المعذب : للتعبير عن الصدمة أو خيبة الأمل.) بريمي (2020: 47-49(

https://getemoji.com

على الرغم من المزايا التي تقدمها هذه الرموز التعبيرية في اختصار طريق التواصل، إلا أنها تشكل خطرا يهدد اللغة بالضياع، يقول مارك دايفس أحد مديري منظمة يونيكود : « الإيموجي ليست لغة جديدة، لكنها تحمل في طياتها إمكانية أن تصبح كذلك ». (العنزي 2020 : 7)

ولا شك في أنه إذا أصبحت لغة تواصل بين الأفراد ستحل محل اللغة الأم، وفي ذلك ضياع لهذه الأخيرة،

« وإذا نما هذا الاتجاه، وتطور إلى لغة هجينة كاملة بالصورة والصوت، فإنه يمكن للمرء أن يثبت بالحجة بأنه يضع الأسس لحضارة جديدة، وهي حضارة لغة عالمية مبنية على لغة بصرية مشتركة أو بشكل أكثر دقة، لغة (هجينة) تمزج بين أنظمة الكتابة الكلمة والصور ».  (ةبريمي 2020 : 45)

3. أسباب التلوث اللغوي عبر وسائل التواصل الاجتماعي

بالنظر إلى كافة أشكال وصور التلوث اللغوي، نجدها تجمع بين مستويات مختلفة تهدد اللغة؛ صوتيا وصرفيا وتركيبيا وإملائيا ودلاليا، ولعل أبرز الأسباب التي ساهمت بشكل مباشر وبقدر كبير في تفشي ظاهرة العربتيني عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها، هو أن برامج الدردشة التي ظهرت في التسعينيات كانت باللغة اللاتينية فقط، ولم تتح سوى حروفها للاستعمال، مما أجبر الكثيرين على استعمالها باللغة الأصلية لهذه الحروف؛ إنجليزية كانت أو فرنسية، ولكن الأغلبية الساحقة من رواد قنوات الدردشة لم يكن لديهم رصيد كاف لاستخدم تلك اللغات بسلامة، فلجأوا إلى اعتماد شكل العربتيني للكتابة والتعبير عن أغراضهم، ويمكننا أن نفصل بعض الأسباب التي تختلف دوافعها بين نفسية وتاريخية واجتماعية وتعليمة وتقنية، بالإضافة إلى الدور الخطير الذي لعبه الإعلام في شيوع هذه الظاهرة، ونوردها كما يلي :

  • مخلفات الاستعمار الغربي الذي بذل كل ما استطاع لمحاربة اللغة العربية والقضاء عليها بأي وسيلة ممكنة ومتاحة.

  • انفتاح المجتمعات العربية على الثقافات الغربية، مما أدى إلى دمج بعض المفردات الأجنبية في اللغة العربية بشقيها المكتوب والمنطوق.

  • ضعف الوعي اللغوي لدى الشباب العربي جعلهم يستمتعون بهذا الاستخدام الملوّث للّغة، دون أدنى اعتزاز باللغة كمقوم حضاري.

  • الرغبة في الابتداع والمحاكاة العمياء بالخروج عن المألوف من الأعراف اللغوية تماشيا مع عصر السرعة، وظن ذلك تحضرا وثقافة.

  • غياب الاهتمام باللغة العربية وقلة الثقة بمقدرتها على مواكبة التكنولوجيا الرقمية.

  • كثرة برامج التواصل والدردشة وجعلها في متناول الجميع، فتح الباب واسعا أمام كل الفئات المجتمعية، وحفز على الاستخدام السريع بواسطة أسهل وسيلة تواصل، ولو كان ذلك على حساب فصاحة اللغة العربية.

  • عدم توافر برامج متابعة لغوية لمواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى النقص الفادح في عملية التعريب لكل إفرازات التقنية الحديثة.

4. حلول واقتراحات للحد من الظاهرة

إن الاكتفاء بالتحذير من الزحف اللغوي الهجين متمثلا في ظاهرة العربتيني أو العربيزي سواء على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، أو على مستوى التواصل اليومي، وسلبياتها وآثارها الوخيمة على اللغة العربية لن يحل المشكلة، إذ لابد من التفكير الجاد في حلول ومقترحات تسهم بشكل فعال في القضاء على هذا التلوث اللغوي، أو على الأقل التقليل منه بما يحفظ للغة العربية فصاحتها ومكانتها ومنزلتها بين اللغات.

فمن الضروري -ونحن نحاول بحث أسباب النهوض بلغتنا العربية لتواكب التطور الرقمي الهائل- أن نتوقف قليلا أمام ما حققه استخدام الكومبيوتر في معالجتها التي جاءت متأخرة، وكيف لنا أن نطوع الحاسوب ومختلف وسائل العلم الحديثة لتلبية متطلباتها، مع المحافظة على تماسك الكيان اللغوي.

« فمن العبث أن تتكالب الجهات المعنية بتحويل مجتمعنا إلى مجتمع (معلوماتي)، ونشر وسائل التقنية الحديثة، دون أن يسبق ذلك منهج واضح لكيفية الصمود لغويا أمام تحديات اللسان الأجنبي، وتوفير البنى الأساسية لمعالجة اللغة العربية معالجة آلية، تتيح لها الاستفادة من هذه الوسائل، والإفادة من دنيا المعلومات كوعاء للثقافة العربية والإسلامية »  (بيومي 2002 : 104)

من هنا يتحتم علينا تكثيف الجهود للاستفادة من تكنولوجيا المعلومات في الغرب بطريقة صحيحة وحضارية، تساعدنا في النهوض بلغتنا العربية وتوسيع آفاقها، وجعلها تواكب التطور والتقدم التقني، دون المساس بجوهرها؛ بحيث لا نخضع اللغة للقيود التكنولوجية، بل نخضع التكنولوجيا لخدمة اللغة؛ عبر برمجيات عربية مبنية على أساس معجمي يستوعب مفردات اللغة العربية، ويعبر عن ثرائها الواسع، ويحافظ عليها حية نامية قابلة للتطور، وعدم الارتهان كليا للنماذج الأجنبية؛ لأن « حقيقة الأمر أن كثيرا من تلك البرامج لا تلبي مطالبنا، ولم توجه أصلا لحل مشاكل التنمية في دول نامية مثل دولنا العربية ». (نبيل علي 2001 : 208)

إن تطوير ﺍﻟﻠﻐﺔ وتحديثها ضروري لتطوير جميع شؤون الحياة، ذلك أنها وسيلة التواصل الأولى بين أفراد الجماعة الثقافية الواحدة، وبينهم وبين الآخر المختلف، ﻓﺈﺫﺍ ﺠﻤﺩﺕ ﺍﻟﻠﻐﺔ تعطلت حركية الحياة وضعفت، وجمود اللغة موت وفناء لها وللناطقين بها، يقول ابن حزم :

« إنما يفيد لغةَ الأمة وعلومها وأخبارها قوةُ دولتها ونشاط أهلها وفراغهم، وأما من تلفت دولتهم وغلب عليهم عدوهم، واشتغلوا بالخوف والحاجة والذل وخدمة أعدائهم، فمضمون منهم موت الخواطر، وربما كان ذلك سببا لذهاب لغتهم ونسيان أنسابهم وأخبارهم وبيود علومهم، هذا موجود بالمشاهدة ومعلوم بالعقل بالضرورة (بيومي نقلا عن: ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام2002 : 98)

ﻭكلام ابن حزم هدا يحيلنا إلى مسألة من الأهمية بمكان؛ مسألة العزلة عن العالم والانكفاء والتغني بأمجاد الماضي، وأننا كنا خير أمة أخرجت للناس، ولكن دون أن نحرك ساكنا، وكأن الأمم التي تطورت وطورت لغاتها، إنما حدث لها ذلك التطور بين عشية أو ضحاها ودونما سعي أو اجتهاد، كلا وألف كلا؛ تلك أمم اهتمت بماضيها دون أن تنسى حاضرها، وﻨﺤﻥ أمة نعيش في هذا العالم المتنوع ثقافيا والمتطور تكنولوجيا والمزدحم معلوماتيا، ولسنا في منأى عن هذا كله، لذا يجب علينا أن نندمج فيه ونتفاعل معه تفاعلا إيجابيا.

خاتمة

من خلال ما سبق، وانطلاقا من الواقع الذي نحياه، والمفروض علينا بالمشاهدة، تبدو لنا الأهمية اللازمة التي يجب أن نوليها للغتنا العربية، تدعيما لمكانتها بين اللغات، وحفظا لماء وجهها في عصر الرقمنة والزحف التقني المتسارع، وذلك بالعمل على تطويرها بما يناسب العصر الرقمي، دون الإخلال بخصائصها الأصيلة فيها، لأن في ذلك حماية للأمن الثقافي والحضاري للأمة العربية.

إن ظاهرة العربتيني -عبر وسائل التواصل- تشكل خطرا محدقا باللغة العربية، يمس جوانبها الإملائية والتركيبية والدلالية، مما يجعل ناطقيها أمام تحديات كبيرة تستوجب اليقظة.

والاهتمام باللغة العربية أو عصرنتها، يكمن في الاجتهاد والعمل المتواصل، واستثمار تجارب الآخرين لاستكشاف آليات تساعد على تدارك النقص في مجال رقمنة اللغة، بما يضمن الحفاظ على المحتوى المعرفي والثقافي للتراث العربي.

ولن يكون ذلك إلا باستيعاب التقنيات الحديثة، وتطوير كل ما يسهم إثراء المحتوى الرقمي العربي، لتحقيق صّحوة رقمية إن صحّ التعبير، وإلا فقدنا وجودنا في هذا العصر المعلوماتي.

ولعل من أبرز الحلول التي تقترحها هذه الورقة البحثية لمعالجة الظاهرة هي كما يلي :

  • سن وتشريع قوانين صارمة تجرم العبث والتهاون باللغة العربية، باعتبارها من ثوابت الهوية وقيم الوطنية، فضلا عن كونها لغة الدين الإسلامي.

  • الصرامة والجدية في تطبيق القوانين واللوائح الملزمة باستعمال اللغة العربية، وعدم التهاون في معاقبة المخالفين لها.

  • الحرص على استخدام اللغة العربية من طرف الجهات الرسمية، سواء في تعاملاتها الإدارية الورقية، أو على حساباتها عبر مواقع التواصل، وهذا باعتبارها قدوة للمواطن العادي.

  • تشجيع رواد مواقع التواصل الاجتماعي على استخدام اللغة العربية بشكل صحيح وفصيح، من خلال تثمين أحسن محتوى من حيث اللغة، بتخصيص جوائز رمزية.

  • العمل على إيجاد برامج حاسوبية وتطبيقات علمية تحارب الظاهرة، وذلك من خلال حجب المنشورات التي تكتب بالشكل العربتيني، أو القيام بعملية تنقيح ومراجعة لغوية لها، وبهذا الخصوص، ينبغي الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى في المحافظة على لغاتهم،.

  • تكليف جهات متخصّصة بمتابعة كل ما هو جديد في ميادين تكنولوجيا المعلومات، والقيام بعملية تعريب دقيقة للمصطلحات الجديدة، بالتنسيق مع المجامع العلمية للغة العربية.

1 الإيموجي «Emoji» هي في الأصل كلمة إنجليزية مشتقة من الكلمة اليابانية 絵文字 الحرف الأول منها (E) يعني الصورة، والثاني (moji) يعني طرف أو حرف، وقد تم

الكتب :

إبراهيم، حافظ (1987). ديوان شعر. ضبطه أحمد أمين وأحمد الزين وإبراهيم الأبياري. الهيئة المصرية العامة للكتاب. ط3

بيومي، سعيد أحمد (2002). أم اللغات، دراسة في خصائص اللغة العربية والنهوض بها. كتب عربية. ط1

شاهين، عبد الصبور (1986). العربية لغة العلوم والتقنية. دار الاعتصام. القاهرة. ط2

الشويرخ، صالح بن ناصر (2014)، ظاهرة العربيزي. ضمن كتاب (لغة الشباب العربي في وسائل التواصل الحديثة). مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي، الرياض. ط1

العجمي، سعد بن طفلة (2014). العربتيني؛ الكتابة العربية بالأحرف اللاتينية : ضمن كتاب جماعي (لغة الشباب العربي في وسائل التواصل الحديثة). مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي. الرياض. ط1

العنزي، فيصل (2020). واقع استخدام الرموز التعبيرية في البيئة الإعلامية الرقمية. مكتبة الملك فهد. دط

نبيل، علي(2001). الثقافة العربية وعصر المعلومات (رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي). سلسلة عالم المعرفة. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. الكويت. العدد 265. يناير

نبيل، علي(1994). العرب وعصر المعلومات. سلسلة عالم المعرفة. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. الكويت. العدد 184. أفريل

المقالات :

إبراهيم، حيدر(1999). العولمة وجدل الهوية الثقافية. مجلة عالم الفكر. الكويت. المجلد28. العدد2. أكتوبر/ ديسمبر

بريمي، عبد الله (2020)، سميائيات الأنساق البصرية في عصر الإنترنيت، رموز (الإيموجي) هل هي صيحة عابرة أم أنساق كتابة جديدة؟، مجلة سيميائيات، المجلد 16، العدد02. سبتمبر

زغاري، أحمد فتحي (2019). مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على التلوث اللغوي لدى طلاب عمادة البرامج التحضيرية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من وجهة نظرهم. المجلة الدولية للدراسات التربوية والنفسية. المجلد 5. العدد 2

القحطاني، سعد بن هادي (2005). تحليل اللغة العربية بوساطة الحاسوب. مجلة مجمع اللغة العربية الأردني. العدد68. كانون الثاني/ حزيران

1 الإيموجي «Emoji» هي في الأصل كلمة إنجليزية مشتقة من الكلمة اليابانية 絵文字 الحرف الأول منها (E) يعني الصورة، والثاني (moji) يعني طرف أو حرف، وقد تم ابتكارها في اليابان عام 1995، وشاع استخدامها بكثرة منذ 2015. انظر: العنزي (2020). صص13-14

عبد القادر كباس Abdelkader Kebas

جامعة تيسمسيلت Université de Tismsilt

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article