تاريخ غير مكتوب وهويات متحللة: قراءة تفكيكية في رواية «أنا وحايم» لحبيب السائح

Histoire non écrite et identités décomposées : lecture déconstructive du roman « أنا وحايم » de Habib al-Sā’iḥ

Unwritten History and Disintegrated Identities: A Deconstructive Reading of the Novel “Ana wa Hayim” by Habib al-Sā’iḥ

ليلى بوعكاز

p. 235-244

Citer cet article

Référence papier

ليلى بوعكاز, « تاريخ غير مكتوب وهويات متحللة: قراءة تفكيكية في رواية «أنا وحايم» لحبيب السائح », Aleph, Vol 12 (1) | 2025, 235-244.

Référence électronique

ليلى بوعكاز, « تاريخ غير مكتوب وهويات متحللة: قراءة تفكيكية في رواية «أنا وحايم» لحبيب السائح », Aleph [En ligne], Vol 12 (1) | 2025, mis en ligne le 05 janvier 2025, consulté le 02 juin 2025. URL : https://aleph.edinum.org/13949

تسعى هذه الدراسة إلى تقديم قراءة تفكيكية لرواية « أنا وحاييم » لحبيب السائح، من خلال مساءلة تمثيلات الهوية والآخر ضمن بنية سردية معقدة. تستند القراءة إلى مفاهيم جاك دريدا وبول ريكور حول الاختلاف والهوية السردية، وتكشف كيف يتحول الآخر اليهودي في النص إلى مرآة تعكس أزمة الهوية الوطنية في السياق ما بعد الاستعماري. تتقاطع الرواية مع التاريخ والذاكرة لتعيد إنتاج خطاب إنساني يتأرجح بين الاعتراف والإقصاء الرمزي. وتخلص الدراسة إلى أن النص يحمل طابعًا أخلاقيًا مفتوحًا على تعدد المعاني وأسئلة الكينونة.

Ce travail propose une lecture déconstructive du roman « Moi et Haïm » de Habib Sayah, en interrogeant les mécanismes narratifs liés à la construction de l’identité et à la représentation de l’Autre. À travers une analyse basée sur la pensée de Derrida et de Ricœur, l’article explore comment le récit transforme la figure du Juif algérien en reflet de la crise de l’identité nationale postcoloniale. Le roman déconstruit les frontières entre le réel et la fiction, le passé et le présent, révélant les tensions entre mémoire collective, humanisme et exclusion symbolique. La conclusion souligne la valeur éthique du texte, tout en laissant ouverte la problématique de l’altérité comme défi existentiel et narratif.

This study offers a deconstructive reading of « I and Haim » by Habib Sayah, examining the narrative strategies used to represent identity and the figure of the Other. Drawing on Derrida’s and Ricœur’s philosophical approaches, the article reveals how the novel turns the Algerian Jew into a symbolic mirror of postcolonial identity crises. Through the interplay of memory, history, and fiction, the narrative challenges national myths and highlights the fragile space between exclusion and humanist discourse. The analysis concludes that the novel functions as an ethical project of rethinking identity, while remaining open to multiple interpretations.

المقدمة

تُعدّ رواية « أنا وحاييم » للروائي الجزائري حبيب السائح من النصوص الأدبية التي تسعى إلى مساءلة التاريخ الوطني الجزائري من خلال استحضار الآخر اليهودي، في محاولة لإعادة تشكيل الوعي بالهوية والانتماء. ففي سياق تتقاطع فيه الذاكرة الجماعية مع الرواية الفردية، يبني السائح نصّه على مفارقات سردية تُعيد إنتاج الأسئلة الكبرى حول « الذات »، « الهوية »، و« الآخر ».

تُوظف هذه الرواية شخصية « حاييم » كعدسة تكشف من خلالها الذات الساردة عن توتراتها الداخلية إزاء قضايا التاريخ والانتماء، وتسعى لإعادة رسم معالم العلاقة مع الآخر اليهودي داخل السياق ما بعد الكولونيالي. فالرواية لا تعيد إنتاج سردية التحرير، بقدر ما تُزعزع ثوابتها عبر الانفتاح على خطاب فلسفي، يعيد النظر في مسلمات الهوية.

ينطلق هذا العمل من فرضية مفادها أن الرواية لا تُقدم خطابًا سرديًا محايدًا، بل تعكس صراعًا عميقًا داخل الذات الساردة، يظهر من خلال شخصية « حاييم » اليهودي الجزائري، الذي يُوظف كمرآة لقياس مدى التوتر بين الذات والآخر في الجزائر ما بعد الاستعمار.

تعتمد هذه الدراسة على مقاربة تفكيكية مستندة إلى المفاهيم الفلسفية لما بعد الحداثة، وبخاصة مفهومي « الاختلاف » كما صاغه جاك دريدا، و« الهوية السردية » كما طوّرها بول ريكور. وتستهدف القراءة استكشاف آليات تمثيل الآخر في رواية أنا وحاييم لحبيب السائح، من خلال تفكيك العلاقة بين الذات والآخر، والتوتر بين التاريخ والذاكرة، والهوية والانتماء.

ينطلق التحليل من افتراض مركزي أن الرواية لا تعكس واقعًا تاريخيًا فحسب، بل تعيد بناءه سرديًا ضمن بنية خطابية متشابكة، تُظهر الصراع الداخلي للذات الجزائرية ما بعد الاستعمار، وتجعل من شخصية اليهودي الجزائري نموذجًا للهوية المقموعة.

لتحقيق هذا الهدف، تم اعتماد منهج كيفي تحليلي، يتمثل في تفكيك بنية النص السردي، عبر الاشتغال على المتن الروائي كمادة تأويلية، وتوظيف النصوص النظرية كإطار مفاهيمي يوجه التحليل ويضبط تموقعه النقدي.

في ضوء ذلك، تسعى هذه الدراسة للإجابة عن الإشكاليات التالية :

  • كيف يُسهم السرد في إعادة إنتاج خطاب الإقصاء من داخل خطاب « الاعتراف بالآخر »؟

  • وهل يتحول النص إلى أداة للدفاع الإيديولوجي على حساب الحياد الفني؟

1. تمثلات الآخر زمن الاستعمار : وحي الكتابة أم كابوس الخيال؟

في صمت الكتابة عن الكتابة، تنسج رواية « أنا وحاييم » خدعة سردية مزدوجة، إذ تُخفي خلف حرية الظاهر أزمة هوية ووعياً مأزوماً. يجد القارئ نفسه ضمن فضاء عدائي، تخنقه اللغة المتشبعة بالرمزية، وتُفرغ مفاهيم الحرية والانتماء من مضمونها الحقيقي، حين يحتكر الكاتب فعل القول وتمثيل الآخر.

« ما الذي جعل سنتي الثالثة بما تطلبته مني ومن حاييم من حفر إلى أعمق قدراتنا العصبية... »
(السائح 2018، 44)
« ثم ذات مرة وأنا وحاييم عائدان مساء أحد إلى الثانوية... »
(السائح 2018، 45)
« على أن الذي ازداد عندي عناداً، كما حاييم... »
(السائح 2018، 45)

تنسلّ الشخصيات من سلطة السرد، فيعلو صوتها على صوت السارد المهيمن، ما يخلق توتراً بين الأنا والآخر :

« لأن حاييم لم يقترب من أي واحدة من أولئك الأوانس ... احترق أنت لوحدك في هذه الدنيا وفي الآخرة، رد حاييم »
(السائح 2018، 62-63)
« إنها تراجيديا حقيقية، أنهى حاييم »
(السائح 2018، 255)
« وقال حاييم إن ذلك ليُظهر الغزاة الفرنسيين لمنافسيهم الأوروبيين... »
(السائح 2018، 256)
« أفهم تلميحك كولد، ستظل إحدى أشد خيباتي وأقصاها »
(السائح 2018، 257)

هذه الانفلاتات تنمّ عن أزمة بنيوية في تمثيل الآخر داخل النص، إذ يُختزل التماثل في كلمة « مثل » التي تُكرّر في عدة مواضع :

« انتقلت مثل حاييم إلى سنتنا الثالثة والأخيرة »
(السائح 2018، 45)
« حاييم عفريت لأنه كان مثلي »
(السائح 2018، 47)
« وبالمثل فعل حاييم »
(السائح 2018، 48)

الخطاب إذن « يمارس مراقبة خاصة »

(فوكو 2007، 17)،
حيث تنفلت اللغة من القيود الخطابية، لتُعيد تمثيل الآخر من خلال ذاتٍ مأزومة، وتُحوّل الرواية إلى مسرح لخطاب مكبوت عنوانه : حرية الآخر عبر الذات.

في هذا السياق، تبدو الحرب (الاستعمار) فضاءً شرعيًا للكشف عن المسكوت عنه، أي عن واقع يهود الجزائر، لكن ضمن إطار من التحفظ والانغلاق. إذ يتوقّف السرد فجأة بموت « حاييم »، وتسقط معه محاولة إثبات الهوية :

« هذا اليهودي كان مثله مثل الأقدام السوداء يحمل الجنسية الفرنسية، لماذا لا يرحل مثلهم »
(السائح 2018، 225)

الكاتب هنا يتواطأ مع نصّه ضد مشروعه الإنساني، إذ يُنهي حياة « حاييم »، لا بوصفه خيانة فردية، بل بوصفه إلغاءً لوجود الآخر، وتحوّلاً أخلاقيًا في بنية الرواية يطرح السؤال : كيف يتعامل المسلم مع الآخر المختلف، لاسيما اليهودي؟

يدخل النص بذلك دائرة مغلقة من الشك، حيث يتحوّل « الآخر » اليهودي إلى انعكاس باطني للذات الوطنية، تحديدًا في شخصية أرسلان، ما يجعله صدى للذات الكاتبة، الباحثة عن خلاص.

المفارقة أن النصّ يُجرد القارئ من حريته، ليقع في فخ التأويل والانبهار الزائف، حيث :

« معركة روحية ووجودية ومدنية غير مأمونة العواقب »
(المسكيني 2011، 15)

إن استحضار التاريخ يصبح وسيلة لإعادة قراءة التراث الثقافي والديني، لا من منظور استرداد، بل من منظور تفكيك وتعرية. وهنا يتجلّى الألم كبعد وجودي، والاغتراب كخاصية للذات :

« فبقدر ما تُركّب الأنساق وتُثبت القواعد بشكل منطقي وعقلي، فإن الاغتراب في اللغة هو وظيفة لا شعورية تجتث الذات من أرضيتها الواقعية »
(الزين 2014، دون رقم صفحة)

وتستمر هذه الديناميكية عبر السرد، عندما يُختم النص بنداء جنائزي مبهم :

« السيد أرسلان حنفي. قف. مطلوب حضورك إلى المستشفى عاجلاً... قف »
(السائح 2018، 324)
« أعبر ذاك المسا الذي كان حاييم سلكه بي »
(السائح 2018، 328)

هذا الغموض يفتح الباب لتأويل الهوية السردية باعتبارها عملية تشكيل ذات من خلال السرد، لا الحقيقة التاريخية :

« نراها حين يروي أحدهم قصة حياته... تساعد الذات في فهم نفسها بطريقة أفضل »
(ريكور 2005، 32)

الرواية بذلك تعكس صراع الكاتب مع الذات والآخر، مستخدمًا التاريخ كقناع يمنح الحكاية مصداقية، والخطاب حرية، والذات تفوقًا :

« حدثته عن مقاومة الشاب علي على مراحل التعذيب... هو الذي يصغرني بثلاثة أعوام علمني أن هناك شيئًا أعمق مما يمكن أن تتحدث عنه كتب علم النفس والدين »
(السائح 2018، 145)

لكن يبقى السؤال مفتوحًا :

هل الحرية هي حرية التعبير أم حرية الصمت؟
هل استعادة التاريخ هي مساءلة له أم تشكيك فيه؟

في مواجهة هذه الأسئلة، تنهار المسلّمات، ويدخل النص في فضاء ميتافيزيقي يتقاطع مع مفاهيم مثل « الوهم »، « الفناء »، « اللامعنى »، ليُعيد صدى عبارة هيدغر :

« إننا لم نفكر بعد »
(هيدغر، في الزين 2014، 10)

2. تعدد المعنى وقلق الهوية : تفكيك البنية الخطابية

في ضوء المنهج التفكيكي، يظهر أن رواية أنا وحاييم تتجاوز البنية السردية الكلاسيكية نحو تفكيك المعنى وإعادة بنائه. فالنص لا يُقدّم تأويلاً مغلقًا، بل يشتغل على بنية دلالية مضطربة تُحيل إلى أزمة تأويلية مفتوحة، تضع القارئ في حالة قلق وجودي وتأويلي دائم.

1.2. قلق النص ومقولة الاختلاف

الاختلاف عند جاك دريدا ليس مجرد تمايز أو تغاير، بل هو مبدأ إنتاجي للمعنى يتجاوز الثنائيات التقليدية. يقول دريدا :

« الاختلاف ببساطة لا يعود لا على التاريخ ولا على البنية، فالاختلاف يوجد في اللغة لتكون أول شرط لظهور المعنى »
(علوش 1985، 86)

وهذا ما يتجلى بوضوح في رواية أنا وحاييم حيث يغيب المعنى المستقر، ويتحول النص إلى فضاء تأويلي مفتوح تتصارع فيه الذوات والدوال. يتعمد السارد إرباك القارئ بلغة ظاهرها بسيط لكن خلفها معمار رمزي مزدوج، ليجد القارئ نفسه وسط دوامة من الإحالات والتأويلات المتنافرة، بحثًا عن مركز دلالي مستقر.

يتجاوز النص مفهوم البلاغة السردية نحو شعرية القلق، حيث تختلط الأصوات، وتتعدد المعاني، وتغيب الحدود الفاصلة بين الذات والآخر، بين الواقع والخيال، بين الحضور والغياب.

« فهناك فرق بين الاختلاف والتنوع والتباين المؤدي إلى الانتقاء الأفضل وبين النزاع والصراع المؤدي إلى تشتت الهوية وضعفها... »
(حافظ 2012، 47)

ويبرز في السياق ذاته الخطاب التربوي داخل الرواية :

« المعلم في المدرسة لا يفرق بين تلاميذه ولا يحابي بعضهم على بعض على أساس الدين أو العرق »
(السائح 2018، 17)
« أرسلان ابن القايد وحاييم ابن اليهودي »
(السائح 2018، 17)

غير أن هذا القبول الظاهري للآخر، ينقلب في مواضع أخرى إلى تفكيك للهوية الجماعية وعودة إلى نزعة الإقصاء، كما في المقطع :

« إن حرب التحرير بقدر ما كانت خلاصًا تاريخيًا من الاحتلال، فإنها لم تخلق التركيبة الاجتماعية الجديدة المؤملة... »
(السائح 2018، دون رقم)

2.2. خنق النص والتمركز حول العقل

يتكشف القارئ تدريجيًا أن النص نفسه يمارس نوعًا من التفكيك الذاتي، حيث تتوزع السلطة بين السارد واللغة، وتُترك فجوات تأويلية تنسف المركز الثابت للمعنى.

  • الوعي بحرية الذات من الذات

يغلب على السرد نمط التداعي الحر، حيث تتماهى شخصية « أنا » مع « حاييم » في مستويات متعددة من الحضور السردي والفكري. يتداخل السرد الذاتي بالتاريخي، وتطفو الهوية الساردة كمعمار دائم القلق يسعى لإثبات نفسه عبر نفي الآخر.

« فالذات هي ما نستطيع أن نكون ولكن لم نجرؤ على الاضطلاع به كأفق حر ووحيد لأنفسنا... »
(المسكيني 2011، 11)
« هذا وطني، هنا وُلدت وولد آبائي... فلسطين ليست وطني »
(السائح 2018، 162)

  • الوعي التاريخي

تُوظف الرواية التاريخ كشريك سردي لا كمجرد خلفية. لا يُقدّم التاريخ كوقائع، بل كمادة جدلية تُستحضر لإدانة الحاضر أو مساءلة الماضي.

« ...تلك التي تركت أثرًا لها في وجداني... على بداية سرقة تاريخية... »
(السائح 2018، 19)
« اطلعت من قبل خلال عطلتي غير السنوية... »
(السائح 2018، 102)
« حديث أستاذ التاريخ في ثانوية معسكر... »
(السائح 2018، 255)

يُذكر ريكور هنا بقوله :

« ما يجمع بين التاريخ والسرد هو مساعدتهما للذات على فهم نفسها بشكل أفضل »
(ريكور 2005، 32)

3. إعدام الذات والآخر : التوترات الوجودية في النص السردي

يتجلى في النص السردي لحبيب السائح صراع حاد بين الذات ومرآتها، أي الآخر، يتجسد ذلك خصوصًا في شخصية حاييم التي، وإن ظهرت بوصفها تمثيلًا إنسانيًا منفتحًا في البداية، إلا أنها تنتهي إلى مصير وجودي مأساوي يتمثل في الإقصاء والمحو.

تسير الرواية باتجاه كشف التناقض الداخلي بين التمثيل الإنساني الظاهري وبين البنية السردية العميقة التي تمارس نوعًا من الإعدام الرمزي للآخر :

« من يرقد في ذاك القبر هو الصيدلي حاييم بن ميمون »
(السائح 2018، 333)

هذا الإلغاء النهائي لشخصية محورية يفتح الباب أمام مساءلة عميقة::هل النص يمارس قمعًا سرديًا باسم الهوية؟
أم أنه يكشف عن واقع مجتمعي يلفظ المختلف؟

يُلاحظ أن الرواية تتبنى خطابًا مزدوجًا، فهي في ظاهرها تدافع عن الآخر، وفي عمقها تسحب منه الشرعية، فتجعله كائنًا بلا جذور، متشظي الهوية :

  • فرنسي بالوثائق

  • جزائري بالمشاركة في الثورة

  • مرفوض من الطرفين

  • منفيّ سرديًا في النهاية

هذا التمزق الهوياتي يتجلّى في سؤال وجودي :
كيف يمكن إثبات الذات في مجتمع يرفض التعدد؟

« لماذا مارس النص هذا القمع الوجودي؟ »
« كيف يدافع السائح عن حرية المعتقد والإنسانية وهو يمارس قمعًا ضد الإنسانية؟ »
« لماذا شتت حاييم من حيث جنسيته؟ »

الكاتب هنا، بوعي أو دونه، يُقارب معضلة كبرى :
التوتر بين الطرح الإنساني والواقع الاجتماعي المنغلق.

إن الذات الساردة في أنا وحاييم تُدرك أنها تسرد داخل فضاء مأزوم، فتلجأ إلى التاريخ لا كوثيقة بل كحيلة، وتستعين بالآخر لتعكس مأزق الذات :

« إذن نحن أمام كتابة/الصوت، صوت/النص، صوت/ العقل، صوت الوعي/واللاوعي، صوت الوجود/اللاوجود... »

وهي بنية جدلية تُحيل إلى مفهوم الهوية السردية حسب ريكور، بوصفها هوية تتشكل عبر الزمن والسرد والتأويل، لا عبر الجوهر أو الثبات.

الخاتمة

تشكل رواية « أنا وحاييم » نصًا سرديًا مركبًا لا يُقرأ من سطحه، بل يُفكّك من داخله. فهي لا تكتفي برواية وقائع ثورة أو استحضار شخصية مهمشة، بل تُعيد صياغة علاقة الذات الساردة بالآخر، من منظور فلسفي تفكيكي، يتداخل فيه التاريخي بالرمزي، والواقعي بالمتخيل، والوطني بالإنساني.

من خلال المقاربة التفكيكية، يتبين أن الرواية تمارس نقدًا مزدوجًا : فهي تفضح آليات الخطاب القومي في طمسه للآخر اليهودي، وفي ذات الوقت تُسائل الذات الساردة عن موقعها من الآخر، لتكشف في النهاية هشاشة الهويات المغلقة، وافتقارها إلى التأسيس العقلاني والإنساني.

النص لا يقدم الآخر اليهودي كعدو، بل كمرآة للذات الجزائرية، كاشفًا بذلك عن البنية الصراعية التي تؤسس للهوية من خلال الإقصاء. وهو ما يتجلى بوضوح في انقسام السارد بين الانتماء إلى الواقع والانفصال عنه، بين الرغبة في الدفاع عن حاييم، والاضطرار إلى قبره في النهاية.

بهذا المعنى، تُعد « أنا وحاييم » نصًا سرديًا فلسفيًا بامتياز، لا يكتفي بتمثيل الأزمة، بل يصوغها سرديًا ولغويًا، ويفتح أفقًا نقديًا يُمكّن المتلقي من إعادة مساءلة مفاهيم كبرى كـ : الهوية، التاريخ، الحرية، والإنسانية.

وتبقى الرواية مفتوحة على تأويلات متعددة، تُتيح للقراءة التفكيكية أن تواصل حفرها في طبقات المعنى، وتُعيد اكتشاف الذات من خلال الآخر، والهوية من خلال الهامش، والتاريخ من خلال الخيال.

الحبيب السائح. (2018). أنا وحاييم. تونس : دار مسكيلياني للنشر.

السعيد علوش. (1985). معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة. بيروت : دار الكتاب اللبناني.

أشرف حافظ. (2012). الهوية العربية والصراع مع الذات : دعوة للنهضة الفكرية وإعادة صياغة المفاهيم. عمّان : دار كنوز المعرفة.

إسماعيل مهنانة. (2014). العرب ومسألة الاختلاف : مآزق الهوية والأصل والنسيان. بيروت : منشورات الاختلاف.

فتحي المسكيني. (2011). الهوية والحرية : نحو أنوار جديدة. بيروت : جداول للنشر والتوزيع.

محمد شوقي الزين. (2014). الإزاحة والاحتمال : صفائح نقدية في الفلسفة الغربية. الجزائر : منشورات الاختلاف.

مشال فوكو. (2007). نظام الخطاب (ترجمة محمد سبيلا). بيروت : دار التنوير. (العمل الأصلي نُشر سنة 1971)

منذر العياشي. (1998). الكتابة الثانية وفاتحة المتعة. الدار البيضاء : المركز الثقافي العربي.

بول ريكور. (2005). الذات عينها كآخر (ترجمة جورج زيناتي). بيروت : المنظمة العربية للترجمة. (العمل الأصلي نُشر سنة 1990)

صلاح فضل. (2002). مناهج النقد المعاصر. الدار البيضاء : أفريقيا الشرق.

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article