مقدمة
يدخل المقال ضمن الدراسات التحليلية والنقدية لمضامين الوسائل الإعلامية، ونخص بذلك الصحف، حيث سعى في إظهار كيفية معالجة الصحف الجزائرية جائحة كوفيد 19 في ظرف اتسم بتسويق الإشاعة حولها عبر منصات التواصل الاجتماعي لدرجة أنها أبدعت في نشر، ومشاركة، وتقاسم بما يسمى ب « الأخبار المغلوطة » التي اٌطلق عليها عدة مسميات : « الوباء المعلوماتي »، « التعتيم الإعلامي »، « التضليل الإعلامي ». .. وغيرها من المصطلحات؛ ولم يتوقف الأمر عند المفاهيم، بل اجتهد كثيرون في تفسير مسببات ومنشأ ومآل الجائحة غير المعروفة صِيغت وفق نظريات تتقدمها « نظرية المؤامرة ». وقد شكلت الجائحة محل اهتمام عالمي من المنظورات العلمية والطبية والاجتماعية والسياسية والإعلامية استفساراً عن مسبباتها وطرائق انتشارها أملاً في إيجاد حلٍ لها والحد من تفاقمها.
في ظل الحجر الصحي الذي فرضته الجائحة أضحى الحصول على المعلومات حولها أمر أساسي للفرد، الذي يسعى في البحث عنها عبر عدة قنوات تتقدمها الوسائل الإعلامية كالصحف. إذ تلعب الجريدة بوصفها مؤسسة إعلامية عدة أدوار أهمها الإعلام وتكوين الرأي العام. ارتبط تطورها بتطور فكر وظروف معيش الإنسان في سياق التغيرات التي طرأت على الجريدة والفرد معا في عدة مجالات، التي جعلتها مؤسسة اجتماعية واتصالية وإعلامية تسعى في تنشئة الفرد في عدة مجالات.
بالنظر إلى التطورات التي عرفتها في الشكل والمضمون، وفي الممارسة المهنية وفي أهداف العملية الاعلامية والاتصالية وبخاصة في وسائط نقل المعلومة في ظل التطور التكنولوجي، فإن كثير من الدارسين في الإعلام تنبأوا بزوالها. لكن يبدو عكس ذلك تماما كون الصحف تتسم بمميزات تجعلها صامدة في السوق بالرغم من التغول التكنولوجي وظهور الوسائل الإعلامية الرقمية. كل هذه الرهانات دفعت الباحثة نحو دراسة الصحف الجزائرية التي عايشت عدة أسيقة منذ استقلال الجزائر سنة 1962 آخرها كانت الجائحة بمختلف مظاهرها وتمظهراتها وتداعياتها. إذ عالجت الصحف الجزائرية، سابقا، قضايا سياسية واجتماعية وصحية؛ ومع ظهور جائحة كوفيد19 دفعنا الأمر نحو الاستفسار حول كيفية معالجتها لها وذلك من أجل فهم تكامل العمليتين الاتصالية والمعيش الاجتماعي في ظل أزمة صحية مستجدة فرضت واقعاً جديداً بمفاهيم ومعايير غير مألوفة لدى الفرد داخل مجتمعه، لذلك طرحت الإشكالية التالية: كيف عالجت الصحف الجزائرية جائحة كوفيد19 خلال الفترة الممتدة من 25 مارس لغاية 30 سبتمبر 2020؟
انتهجت الدراسة منهجي التحليل والإحصاء للمضامين المنشورة في جريدتين جزائريتين وطنيتين عمومية وخاصة تنشران مضامينها باللغتين العربية والفرنسية، شكلتا عينة الدراسة، تتمثلان في يومية المجاهد الوطنية العمومية ويومية الخبر الوطنية الخاصة، حيث تم تحليل حوالي 372 عدداً من مجموع أعداد اليوميتان بنسبة 186 عدد عن كل يومية.
خضع اختيار العينة لمعايير متعددة منها : تنوع لغة النشر : فيومية الخبر الخاصة تنشر مضامينها باللغة العربية وتنشر المجاهد الوطنية محتوياتها باللغة الفرنسية، مما يعكس تنوع فئة الجمهور؛ وكذلك تتباين السياسات التحريرية : الوطنية التي تعكس المواقف الرسمية للحكومة الجزائرية والخاصة التي تعكس توجه وسياسات مالكي الصحف، علاوة على معيار تنوع ملكية الجريدة : الوطنية ملك الدولة الجزائرية تعمل في إطار الخدمة العمومية ويتم تعيين مدراءها من قبل السلطات المخولة قانونياً؛ فيما تعكس الصحف الخاصة ملكيه شركة ذات أسهم ويتم اختيار مدراءها عن طريق الاقتراع من طرف الأشخاص المساهمين في ملكية الجريدة.
شملت فترة الدراسة مدة ستة (06) أشهر، بمعنى من فترة تفشي الفيروس مع بداية المعالجة الإعلامية لها عبر الصحف لغاية استئناف النشاط الاجتماعي مع رفع الحجر الصحي في ظل الاحتكام إلى البروتوكول الصحي الصارم، وذلك بدء من 25 مارس لغاية 30 سبتمبر 2020.
1. قراءة إحصائية للمضامين المنشورة حول الجائحة في يوميتي الخبر والمجاهد (يٌنظر إلى المنحنيان البيانيان رقم 1 ورقم 2)
1.1. يومية الخبر
انطلاقاً من تحليل حوالي 186 عدداً من يومية الخبر خلال الفترة الممتدة من 25 مارس لغاية 30 سبتمبر 2020، تم إحصاء حوالي 2110 مضموناً صحفياً حول الجائحة في الجزائر، توزعت كما يلي : 479 خبر بنسبة 22 %، و417 تقرير صحفي بنسبة 19 %، و184 مقال بنسبة 8 %، منها 475 خبر ذٌكرت مصادرها بنسبة 22 %، كما وُقعت كل التقارير والمقالات.
كما نشرت يومية الخبر حوالي 26 مضموناً صحفياً في الفترة ما بين 25 لغاية 30 مارس 2020، توزعت ما بين 10 أخبار بنسبة 3 %، و3 تقارير بنسبة 11 %، وقدرت نسبة المضامين الموقعة ب 50 %.
نشرت شهر أبريل 250 مضموناً تباين ما بين 80 خبر بنسبة 32 %، و46 تقرير بنسبة 18 %، و16 مقال بنسبة 6 %، وقد تم توقيع 74 مضمونا صحفيا بنسبة 29 % و16 مضمون صحفي نقلته عن وكالة الأنباء الجزائرية (واج)، و18 من الوكالات، رويترز والعربية بنسبة 7 %.
نشرت شهر ماي من سنة 2020، حوالي 148 مضموناً توزع ما بين 22 خبر بنسبة 14 %، و52 تقرير بنسبة 35 %، و8 مقالات بنسبة 5 %، أما من حيث ذكر المصادر المعتمد عليها، فلقد تم توقيع حوالي 43 خبر مثل نسبة 29 %، و9 من وكالة الأنباء الجزائرية بنسبة 6 %، و14 عن الوكالات بنسبة 9 %.
شكل كل من شهر جوان، وجويلية وأوت من سنة 2020 مرحلة ذروة انتشار الوباء، حيث نشرت يومية الخبر شهر جوان حوالي 506 مضموناً صحفياً منها 111 خبر صحفي بنسبة 21 %، و64 تقرير بنسبة 12 %، و57 مقال بنسبة 11 %، وقد ذكرت حوالي 186 توقيع صحفي بنسبة 38 %، و17 عن وكالة الأنباء الجزائرية بنسبة 3 % و61 عن الوكالات بنسبة 12 %. وتمثل بذلك مرحلة ذروة الوباء بالنظر إلى نسب الإصابات، والشفاء والوفيات التي عرفت ارتفاعاً تصاعدياً كبيراً، أدى إلى تضاعف النشاط الصحفي الذي تمظهر في كم المضامين المنشورة خلال هذا الشهر.
كما نشرت شهر جويلية من سنة 2020 حوالي 501 مضموناً صحفياً توزع ما بين 122 خبر بنسبة 24 %، و102 تقرير بنسبة 20 %، و43 مقال بنسبة 8 %. ومن حيث ذكر مصادر المضامين المنشورة نجد 192 توقيع صحفي (بالنسبة للأخبار والتقارير) مثلت نسبة 38 %، و2 عن وكالة الأنباء الجزائرية بنسبة 0.3 %، و40 عن الوكالات، والعربية (أخرى) شكلت نسبة 7 %.
ينطبق الأمر نفسه بالنسبة لشهر أوت الذي قدر عدد المضامين المنشورة خلاله حوالي 509 توزع ما بين 99 خبرا بنسبة 19 %، و119 تقرير بنسبة 23 % و42 مقال بنسبة 8 %؛ ومن حيث مصادر المعلومات المنشورة نجد 179 توقيع صحفي بنسبة 38 %، و9 عن وكالة الأنباء الجزائرية بنسبة 1 % و61 أخرى (وكالات، العربية ورويترز) بنسبة 1 %.
عرف شهر سبتمبر من سنة 2020، انخفاضاً كبيراً لكم المضامين المنشورة حول الجائحة تنوع ما بين الأخبار التي قدر عددها ب 37 خبر بنسبة 21 %، و31 تقرير بنسبة 18 %، و18 مقال بنسبة 10 %. أما بخصوص التوقيع الصحفي فلقد تم توقيع 65 مضموناً مثل نسبة 38 % و4 منها أٌسندت إلى وكالة الأنباء الجزائرية بنسبة 2 %، و15 عن الوكالات بنسبة 8 %، وتشكل بذلك مرحلة انتهاء الذروة تزامناً مع رفع الحجر الصحي، والاستئناف التدريجي للنشاطات الاجتماعية لكن في سياق تطبيق البروتوكول الصحي في الجزائر.
2.1. يومية المجاهد
انطلاقا من تحليل 186 عددا من يومية المجاهد، في الفترة الممتدة ما بين 26 مارس لغاية 30 سبتمبر 2020، نشرت حوالي 2167 مضمونا صحفيا حول الجائحة في الجزائر، منها: 1436 خبرا بنسبة 66 %، و648 تقريراً صحفياً بنسبة 29 %، و58 مقال بنسبة 2 %، و19 حوار بنسبة 0.78 %، و3 ربورتاجات بنسبة 0.13 % ومساهمتان بنسبة 0.09 %.
من 26 لغاية 30 مارس 2020 نشرت حوالي 108 موضوعاً توزع ما بين 64 خبر بنسبة 59 % و33 تقرير بنسبة 30 % و11 مقال بنسبة 10 %. أما في مجال ذكر المصادر فلقد تم توقيع خبر واحد فقط بنسبة 0.92 % و3 تقارير بنسبة2.7 % ومقال واحد بنسبة 0.92 %. كما نشرت خلال شهر أبريل 2020 حوالي 823 مضموناً صحفياً توزع ما بين 533 خبر بنسبة 64 %، و264 تقرير بنسبة 32 % و14 مقال بنسبة 1.7 %. بالنسبة للأنواع الصحفية الأخرى نشرت حوالي و9 حوارات بنسبة 1.9 % و3 ربورتاجات بنسبة 0.23 %، أما من حيث المصادر فلقد تم توقيع حوالي 70 خبراً بنسبة 64 %، و65 تقرير بنسبة 7 %، و10 مقالات بنسبة 71 %، مع توقيع الروبورتاجات والحوارات المذكورة.
عرف شهر أبريل ارتفاعاً قياسياً في كم المضامين المنشورة حول الجائحة في يومية المجاهد فخلال هذه المرحلة نشرت مضامين تعريفية عن الوباء وكيفية انتقاله واجراءات الوقاية منه، مع التركيز على الإحصائيات حول نسب الإصابات والوفيات في العالم أولا ثم في الجزائر. كما سعت في تحليل الوضع الوبائي وتفسيره لذلك يٌلاحظ تضاعف كم المضامين المنشورة عدة مرات. فيما نشرت اليومية نفسها شهر ماي سنة 2020 حوالي 190 مضموناً صحفياً توزع ما بين 82 خبر بنسبة 43 %، و89 تقرير بنسبة 46 % و14 مقال بنسبة 7 %. بالنسبة لأخرى: نشرت حوالي 3 حوارات بنسبة 1.5 %و 2 مساهمات بنسبة 1 %؛ وفي مجال ذكر المصادر فلقد تم توقيع 26 خبر بنسبة 13 %، و40 تقرير بنسبة 44 % علاوة على توقيع كل المقالات والحوارات مع المساهمات.
نشرت خلال شهر جوان من سنة 2020 حوالي 279 مضمونا صحفيا منها 148 خبر بنسبة 53 %، و112 تقرير بنسبة 40 %، و11 مقال بنسبة 3.98 %، و5 حوارات بنسبة 1.81 %، وقد تم توقيع حوالي 21 خبر بنسبة 14 %، و78 تقرير بنسبة 69 % إلى جانب توقيع الحوارات والمقالات الواردة. وارتفع كم الأخبار في الشهر الموالي حيث نشرت يومية المجاهد، شهر جويلية 2020، حوالي 346 مضمونا توزع ما بين 256 خبر بنسبة 73 %، و86 تقرير بنسبة 24 %، ومقال واحد بنسبة 0.28 %، وحواران بنسبة 0.5 % وربورتاج واحد بنسبة 0.82 %؛ فيما تم توقيع حوالي 38 خبر مثل نسبة 14 % و31 تقرير بنسبة 36 %. ووقعت كذلك الحوارات والمقال والربورتاج.
عرف شهر أوت 2020 نشر حوالي 257 مضمون إعلامي حول الجائحة، منها 192 خبر بنسبة 74 % و28 تقرير بنسبة 22 % و7 مقالات بنسبة 2.5 %؛ أما من حيث المصادر فلقد وقعت حوالي 34 خبر بنسبة 17 % و26 تقرير بنسبة 44 %.
شهد كل من شهر جوان وجويلية وأوت 2020 ارتفاعاً كبيراً في كم المضامين الصحفية المنشورة لتشكل بذلك مثلها مثل جريدة الخبر مرحلة ذروة الأزمة الصحية، ويعود ذلك إلى تجند الجريدة لإظهار المرافقة الصحية والاجتماعية للسلطات المحلية والمركزية مع مختلف الجمعيات الفاعلة في المجتمع المدني لمحاصرة تفاقم الجائحة، ونقلها إلى جمهورها من خلال معالجة الوباء من مختلف جوانبه. فيما نشرت خلال شهر سبتمبر 2020 حوالي 173 مضموناً صحفياً حول الجائحة منها 167 خبر بنسبة 96 % و6 تقارير بنسبة 3.46 %وقعت منها 24 خبر بنسبة 14 % و5 مقالات بنسبة 83 %.
2. أساليب ومفاهيم المعالجة الصحفية لليوميتين للجائحة
1.2. مضامين متنوعة رافقت القارئ فترة الحجر الصحي
تقوم الصحف بتنويع قوالب معالجة المضامين وفي أساليب تحريرها توافقا مع سياسة الصحيفة وتوجهها الأيديولوجي. كما تضفي قيمة خبرية لمضامينها وتدرجها في صفحاتها المخصصة لمواضيع الساعة التي تتراوح ما بين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.... وبخاصة منها المتعلقة بالأزمات التي تشكل منها الأزمة الصحية نموذجا عنها. لكن معالجتها تتطلب
«الالتزام بالدقة وعرض الحقائق للجماهير بموضوعية دون تهويل، الاهتمام بعرض وجهة النظر الرسمية للدولة التي تساعد على تهدئة الرأي العام، الاعتراف بالأخطاء التي قد تحدث أثناء عمليات الإنذار والإغاثة، سرعة نشر الحقائق اللازمة لخلق مناخ صحي يحتوي أثار الأزمة ويعمل على تخفيف حدتها» (شجيري، 2008، ص 67).
يتم توظيف الأنواع الصحفية بشكل هادف توافقا مع طبيعة الموضوع المعالج. فإذا كان الحدث قصير ولا يحتوي على تداعيات كبيرة غالبا ما تختار الصحف الأنواع الخبرية (الخبر والتقرير الصحفي)، وفي حال انشغال الجريدة بالموضوع بوصفه يشكل محل اهتمام واسع لدى قراءها تسعى في توظيف الأنواع التحليلية (المقالات، الربورتاج، التعليق، والمساهمات)، وفي حال تطلب الموضوع معلومات كبيرة ومن زوايا متعددة فإنها توظف الأنواع الاستقصائية (التحقيق الصحفي والحوارات).
سعت الجريدتان في توظيف الأنواع التحريرية الثلاث وفق مراحل انتشار الجائحة من بدايتها لغاية استئناف النشاط الاجتماعي، حيث بدأت بتوظيف الأنواع الخبرية بأعداد كبيرة (يٌنظر إلى المنحنى البياني رقم 1)، ثم سعت في انتهاج أساليب تحليلية عبر المقالات والمساهمات دعمتها بالحوارات التي تعد جانبا استقصائيا للموضوع.
تتم معالجة الأزمة عبر مراحل تتلخص في بداية الأزمة تتسم بالمتابعة الدقيقة لكل من الصحيفة والجمهور بتفاصيلها المتعددة، مرحلة بلوغ الذروة وهي التي تتوفر الصحف على كم هائل من المعلومات والبيانات حولها؛ ثم مرحلة انخفاضها وأحياناً زوالها حيث تزول في حال توفر الحلول المناسبة، محورها المعلومة الصحية؛ التي ترتبط بعناصر تشد إلى المصداقية والموضوعية وتجنب التهويل أو التحيز أو تعتيم الرأي العام حول الأزمة المطروحة، إلا أنها غالبا ما يصعب التحقق منها. بالإضافة إلى معايير أخرى أكثر أهمية كالمسؤولية الأخلاقية والقانونية التي تقع على عاتق الصحفي في نقل المعلومات حول الوباء، علاوة على رهانات معالجة المعلومة الصحية أوقات الأزمات كتوفر حريات الوصول إلى المعلومات حول الجائحة، مصداقية مصادر المعلومة وكمها ونوعها بمعنى هل هناك كم وفير من المعلومات أم هناك شح فيها؟ فيما تتمثل عوامل المعالجة الإعلامية للأزمة الصحية كالجائحة؟ وما هي الأنواع الصحفية المستغلة؟ وما مدى سلامة وسلاسة اللغة والأسلوب؟ وهل تتمتع الجريدة بسمعة جيدة وهل تحتل مكانة هامة في المشهد الإعلامي؟ إلى جانب ضرورة توفر مصادر المعلومة التي تمثل عادة السلطة أو الحكومة مع مختلف الأجهزة الإعلامية والاتصالية لتفادي التعتيم الإعلامي الذي يدعم ثقافة الشك والريبة وترهيب الرأي العام.
في ظل أزمة جائحة كورونا أضحت الوسائل الإعلامية جزءاً من كيان الفرد الذي يطلع على مضامينها كما يتفاعل معها سواء إيجابيا أو سلبيا، خاصة فترة الحجر الصحي، بوصفها الملاذ الوحيد لتحقيق إشباعاته الإخبارية، والتوعوية، وتعد الصحف الكثيرة والمتنوعة في سوق الإعلام الوطني بمختلف لغاتها وتوجهاتها التي تستهدف تحقيق الرضا العام في العملية الاتصالية في المجال الصحي واحدة منها.
عند التمعن في الإحصائيات المذكورة أعلاه، يتبين أن اليوميتان نشرتا مضامين إخبارية (الخبر والتقرير) وهي غالباً ما تتوفر على معلومات وجيزة لكنها مفيدة بالنسبة للقارئ، علاوة على مضامين تحليلية (المساهمات، المقال والربورتاج) واستقصائية تمثلت في الحوارات التي قدمت معلومات واضحة للقارئ مع تفسيرات علمية للحدث موضوع الساعة.
2.2. مفاهيم وأسلوب المعالجة الصحفية للمضامين المنشورة في اليوميتين
أطلقت يومية الخبر لفظة «الوباء» على الجائحة، وخصصت في معالجتها صفحتان قارتان تحت تسمية «وباء» وهي الصفحة «4» والصفحة «5»، كانتا ركناً قاراً تحت عنوان: «الوطن»، تقوم فيه بنشر الأحداث الواقعة داخل «الوطن»، لذلك نجدها وظفت عدة أنواع صحفية يتقدمها كلا من الخبر الصحفي والتقرير بنسبة كبيرة؛ ويعود ذلك إلى الطابع الإخباري للجريدة الذي يعكسها التسمية التي تحملها.
يبدو أن جريدة الخبر انتقت الكلمة الدالة على الجائحة كأحد معايير الصحف «المتميزة» التي تنتقي الكلمات المناسبة خلال معالجتها الصحفية، وقد عرف «قاموس الأوبئة» الوباء بكونه «مرض سريع الانتشار في المجتمع، مع سرعة انتقال العدوى بين عدد كبير من الأشخاص في المجتمع. وغالبا ما يستخدم هذا المصلح لوصف الأمراض المعدية» (Bertin, Crépey, et autres, 2021, p. 19)
وقد سعت في الإبقاء على كلمتي حجر صحي والعزل الطبي، التي تستقيها من المصادر الرسمية طيلة فترة الدراسة المختارة. وهو ما يعكس الموضوعية في التعامل مع المعلومة باعتبار «الالتزام بتحقيق إعلام نزيه، موضوعي ومسؤول يجنب الصحفي المتاعب مع السلطة» (لحضيري،2017، ص 93). أما الحجر الصحي هو «إجراء وقائي يستهدف العزل المؤقت للأشخاص الذين خالطوا الأشخاص الناقلين للعدوى، هدفه الحد من انتشار العدوى والتعرف على مدى إصابة الأشخاص بالمرض نفسه». (Bertin, Crépey, et autres, 2021, p. 31)
لقد وردت مضامين يومية الخبر بأسلوب تقريري بالتركيز على الأرقام والأماكن في المرحلة الأولى من ظهور الوباء، باعتباره فيروس جديد مجهول المصدر وغير معروف علميا، لذلك نجدها وظفت مقالات صحفية وبخاصة حوارات مع أطباء وبعض مسؤولي قطاع الصحة في الجزائر وأحيانا خارجها، لتستفسر أكثر حول معنى الوباء أولا، فكيفية انتقال العدوى مع تقديم بعض الحلول المتاحة.
من جهتها فضلت يومية المجاهد الإبقاء على التسمية العلمية للجائحة بمعنى «فيروس كوفيد 19»، وأحيانا «كوفيد 19»، مع إضافة كلمة «محاربة»، وهو دلالة على التركيز على مختلف الجهود المبذولة في مواجهة الوباء غير معروف؛ فيما أبقت بدورها على كلمة الحجر الصحي كمفهوم عام للعزل أو التباعد الاجتماعي في ربطه بالصحة العمومية.
يجب التنويه أنه في الوقت الذي سعت فيه يومية الخبر في تسبيق أخبار الجائحة ضمن صفحاتها الأولى بمعنى الصفحات المسماة على الترتيب : « الوطنية »، « الوباء » التي غالبا ما تأتي في الصفحات 2، 3 و4 وحتى الصفحة رقم 5 من اليومية، وبعدها تأتي مضامين أخرى حول الجائحة في تأثيراتها الاجتماعية والرياضية والنفسية مع تداعياتها على الاقتصاد العالمي عامة والجزائري خاصة ضمن صفحات خاصة بكل مجال على حدى، سعت يومية المجاهد في رصد موقع الجزائر في الخريطة الوبائية العالمية وذلك من خلال تسبيق أخبار كورونا عبر العالم في الصفحة 2، وهو ركن أطلقت عليه تسمية « الحدث » تنشر فيه مجموعة من الأخبار المتعلقة بواقع حال كورونا في عدة بلدان عبر العالم تتمحور حول الإحصائيات، والإجراءات الاحترازية الوقائية من العدوى، الكمامات، اللقاح، إلى جانب نشر صفحات توعوية قصيرة تدخل ضمن حملات ذات المنفعة العامة ذات المنفعة العامة حول كيفية استعمال المعقمات والكمامات، مع حرصها على إظهار أهمية النظافة في تجنب العدوى. وقد عكست المتابعة المستمرة لتطورات الجائحة في الجزائر مع الحرص على معالجتها إعلاميا اهتمام الجريدتان بها منذ إعلان السلطات الرسمية عن أول إصابة في الجزائر؛ بالرغم من الفروقات بينهما في كيفيات وطرائق معالجتها لكنهما تقريبا نشرتا المضمون نفسه. إذ تتمثل الفروقات بين الجريدتان في كيفية توزيع المضامين المتعلقة بالجائحة عبر صفحاتها، كتسبيق جريدة المجاهد خبر إحصائيات كورونا عبر العالم عن إحصائيات كورونا في الجزائر، عكس جريدة الخبر التي أولت أهمية لواقع حال الوضعية الوبائية في الجزائر، بالرغم من نشرها خبر إحصائيات كورونا في الجزائر في الصفحة الأخيرة.
كما سعت يومية الخبر في تدعيم مضامينها الخبرية والتحليلية والاستقصائية بالصفحات الدينية رافقت القارئ فترة الحجر الصحي. فيما ركزت يومية المجاهد على المواضيع الاجتماعية ذات البعد الإنساني محورها التعاون والتكافل الاجتماعي وقت الأزمة؛ وفضلت يومية الخبر التركيز على الصحفيين والمراسلين في تحرير مضامينها، فيما عكست جل المضامين المتعلقة بالجائحة المنشورة في يومية المجاهد التوقيع الجماعي (على نهج الافتتاحيات).
عالجت الجريدتان المضامين المتعلقة بالجائحة توافقا مع فترات تطورها الذي شكل منحاً تصاعدياً تدريجياً، ليشهد انخفاضاً كبيراً مع نهاية فترة الدراسة في شهر سبتمبر، الذي شهد عودة الحياة الاجتماعية في إطار تطبيق البروتوكول الصحي الإجباري في كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية والفضاءات العمومية (الترفيهية والرياضية، المدارس، الجامعات، والمساجد... وغيرها)؛ لذلك تعد تطورات الجائحة العنصر المحدد لكم المضامين المنشورة والنوع الصحفي الذي يجب توظيفه، فكلما ارتفعت نسب الإصابات والوفيات مع حالات الاشتباه بالعدوى تضاعف النشاط الصحفي حول الجائحة. (يٌنظر إلى المنحنى البياني رقم 1)
عالجت جريدة الخبر أزمة جائحة كورونا عبر ثلاث مراحل وفق تطورات الوضع الوبائي تمثلت في بدايتها شهري مارس وأبريل وهي فترة التعرف على الوباء والوقوف على أسبابه، كيفية انتشاره والإجراءات الاحترازية المتاحة حيث وظفت الأنواع الصحفية الخبرية والتحليلية (الخبر، التقرير والمقال )؛ وفترة منتصف الأزمة وهي الذروة والتي تم الإعلان عنها بشكل رسمي من طرف اللجنة العلمية لمتابعة الوباء في الجزائر شملت ثلاث أشهر : جوان، جويلية وأوت ومرحلة التراجع التدريجي للأزمة الصحية في ظل فرض مجموعة من الإجراءات : الحجر الصحي الكلي في بدايته (ولاية البليدة)، والحجر الجزئي بالنسبة لباقي الولايات التي عرفت ارتفاعا كبيرا في نسب الإصابات والوفيات؛ لخصتها في الأخبار والتقارير وبدرجات أقل في المقالات والحوارات المنشورة طيلة فترة الدراسة المختارة؛ وأخيرا مرحلة الانصراف عن معالجة الجائحة والعودة إلى قضايا الساعة والتي تحتل الصدارة أجندة الجريدتين الإعلامية بوصفهما يوميتان تهتمان كثيرا ب : « الحدث ».
لا تختلف كثيرا يومية المجاهد عن يومية الخبر من حيث تقسيم فترات معالجة الجائحة، ولأنها جريدة وطنية عمومية وحكومية، فهي تختلف عن سابقتها في كيفية طرح الموضوع على جمهورها، والتي وإن أتت في ثلاث فترات تقريبا متطابقة مع يومية الخبر، لكنها لم تستقر على كم معين من الأخبار فهي بدأت بفترة التعرف على الجائحة وتسليط الضوء عليها من مختلف جوانبها الطبية والاجتماعية والنفسية (شهر مارس، أبريل وماي)، ثم فترة الذروة التي عرفتها الجزائر (جوان وجويلية وأوت) وأخيرا فترة الانصراف نسبيا عن متابعة الوضع الوبائي في الجزائر في شهر سبتمبر بهدف رصد المشهد السياسي الجزائري الذي شهد اقتراح التعديل الدستوري مع استعراض سلسلة المشاورات والمناقشات المتعلقة به؛ مما دفع باليومية إلى تخصيص عدة صفحات لموضوع الساعة، يٌدعى في العمل الصحفي « بالحدث » تلاها التحضير للانتخابات على الدستور شهر سبتمبر الذي شهد جراء ذلك تناقصاً كبيراً في كم المضامين المتعلقة بالجائحة؛ علاوة على الانشغال بإجراءات تنظيم وتطبيق البروتوكول الصحي في ظل الجائحة خلال امتحانات التعليم المتوسط والبكالوريا. لكن ذلك لم يمنع الجريدة من الاحتفاظ بنشر أخبار كورونا عبر العالم وآخر إحصائيات الجائحة في الجزائر، هذا الأخير الذي لم تخصص له ركناً قاراً لتنوع المضامين الصحفية التي نشرتها طيلة فترة الدراسة المختارة التي أخضعتها لمعيار الأولوية في النشر. إلى جانب نشر الجريدتان مقالات وحوارات، نشرت يومية الخبر مساهمات في الصفحة «الدينية» شملت فتاوي حول الحجر الصحي، والتباعد الاجتماعي مع الدعوة إلى التكافل الاجتماعي في أوقات الأزمات وبخاصة وأن الجائحة جاءت في سياق شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى.
لم تخصص جريدة المجاهد صفحة دينية في مضامينها، بل سعت في معالجة بعض المواضيع ببعديها الإنساني والاجتماعي، حيث دعت إلى التكافل الاجتماعي وذلك بنشر مضامين حول الأعمال الخيرية التي قامت بها عدد من الجمعيات الخيرية في مختلف مناطق الجزائر وذلك للتخفيف من عبء العزل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال نشرت أخبار حول المساعدات التي قٌدمت إلى ساكنة ولاية البليدة من مختلف ولايات الوطن، في بداية الحجر الصحي، ثم واصلت في إظهار المساعدات التي تمت في شهر رمضان المعظم وعيدي الفطر والأضحى وكذلك عند الدخول الاجتماعي، فهي مساعدات ارتبطت بجانب اجتماعي وإنساني، وٌجهت للعائلات المعوزة المتضررة خلال المناسبات الدينية، وبمناسبة استئناف الدخول الاجتماعي تزامنا مع الانصراف عن معالجة الجائحة.
تتم المعالجات الإعلامية للأزمة بأسلوبين:
«المعالجة المثيرة: التي تستخدم تغطية تميل إلى التهويل والمعالجة السطحية، والتي ينتهي اهتمامها بالأزمة بانتهاء الحدث؛ وهي معالجة مبتورة تؤدي إلى التضليل وإلى تشويه وعي الجمهور. (و) المعالجة المتكاملة: وهي المعالجة التي تتعرض إلى مختلف جوانب الأزمة (مواقف الأطراف المعنية، الأسباب، السياق، التطورات، الآفاق)» (خضور، 1999، ص 54 55 بالتصرف).
اقتربت الجريدتان كثيرا من المعالجة المتكاملة للجائحة نظرا لحرصهما على تطبيق إلى حد كبير معيار الموضوعية في معالجتهما الجائحة، وذلك بالتركيز على رصد حقائق وبيانات مؤكدة مع تفسيرها من طرف المختصين في المجال حررتها بلغة سليمة وبسيطة لتصل أكبر قدر ممكن من الجمهور وهو أسلوب الصحف «المتميزة» التي
«تعتمد على أساليب المنطق والعقل في معالجتها للموضوعات المختلفة وتشمل مضامينها على أهم الأنباء، وعلى تقديم خلفيات إضافية لها، (و) عرض لوجهات النظر المختلفة وتقوم بالتحقيقات والمتابعات وتجري مقابلات مع المسؤولين من الصفوة (النخبة) الذين يحددون القضايا والموضوعات وتقدم تحليلات وتعليقات تتصف بالمعرفة والذكاء.» (عدلي العبد، عاطف العبد، 2011، ص 161)
تعالج الصحافة «المتميزة» مواضيعها استنادا إلى الموضوعية التي تضمن لها ثقة جمهورها الواعي بوصفه لا يبحث عن آخر الأخبار بقدر ما يستفسر عن كيف ولماذا حدث؟ لذلك نجد يومية المجاهد ابتعدت عن التهويل أو نشر إشاعات باعتبارها جريدة عمومية وطنية وحكومية، تعكس المواقف الرسمية في مختلف قضايا الساعة؛ والأمر نفسه ينطبق على جريدة الخبر الخاصة التي سعت في نشر مضامينها بإسنادها إلى مصادرها من دون تهويل أو ترويع المجتمع.
3. مصادر معالجة اليوميتين للجائحة ومواقفهما منها
1.3. مسألة المصادر المعتمد عليها في اليوميتين: الطاقم التحريري أولا استنادا على الرسمية
منذ إنشاء خلية مكونة من أطباء في وزارة الصحة مكلفة بمتابعة حالات انتشار الجائحة عبر القطر الجزائري، ونشر البيانات الصحفية المتعلقة بالجائحة في موقعها الإلكتروني، أضحت مصدراً للأخبار الرسمية حول البيانات المتعلقة بالجائحة. إذ يعكس الأمر احتكار المعلومة الطبية واصطباغها بالرسمية لمواجهة الإشاعة التي تٌسَوق عبر منصات التواصل الاجتماعي بالرغم من الدور الكبير الذي تلعبه المنصات الرقمية في المجالات الإخبارية والاتصالية والتواصلية لتوفرها على سرعة نقل وانتشار المعلومة مع منح فرص التشارك والمشاركة والتعليق والإعجاب حول المضامين التي تنقلها، إلا أنها استٌخدمت في تسويق الإشاعات و«الأخبار المغلوطة» بحكم «تحولها إلى قناة النشر السريع للأخبار الكاذبة التي تصل أكبر قدر ممكن من الجمهور». (Georges Aoun, Karine Aoun Barakat, 2023, p. 15) التي من شأنها تهويل الرأي العام وتضخيم الأرقام حول مصداقية المعلومة الرسمية؛ محاولة منها منافسة الصحف وبقية الوسائل الإعلامية الأخرى في مجال نقل المعلومات المتعلقة بالجائحة، حيث
«توظف أساليب التهويل والتخويف كما تنسج قصصاً خبرية تدعمها بأرقام مزيفة ومضخمة وذلك بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الانتشار عبر خاصيتي التقاسم، والإعجاب وهو ما يحقق شهرة ومتابعة عريضة لمستخدمي وسائط التواصل الاجتماعي» (لحضيري، مداخلة، 2020)
وغالبا ما يؤدي انتشار الإشاعة وتكراراها إلى تقبلها وتصديقها لتصبح حقيقة لا مفر منها، حيث تضمنت إحصائيات مٌضخمة حول انتشار الجائحة في الجزائر، وحول جدوى الكمامات في تفادي العدوى والتشكيك في تجارب اللقاح التي أٌجريت في عدة دول، الأمر الذي ولّد « الوباء المعلوماتي بمعنى كثرة المعلومات بشكل يمنع التمييز بين المعلومات الصحيحة عن تلك المغلوطة » (Edmond Baranes et autre, 2022, p. 3).
تتضمن الإشاعة في مجملها أخبار مغلوطة لكنها تصاغ بطريقة تؤدي إلى تصديقها، بل تدفع في كثير من الأحيان إلى تكذيب المعلومات الرسمية لذلك تحرص السلطات على محاربتها من خلال خلق قنوات رسمية. ويعود استفحال الإشاعة إلى الظرف الصحي الاستثنائي، وما صاحبه من صعوبات السيطرة على الوضع الطارئ بشكل، حسب ما وصل إليه (Julien Giry)، أظهر « انعدام الثقة بين المواطن والسلطات بوصفها لم تتمكن من الحد من انتشارها ». (Julien Giry, 2022, p. 47)
شكلت الحوارات التي أجراها الرئيس عبد المجيد تبون مع المؤسسات الإعلامية الوطنية مصدرا رسميا لكل ما يتعلق بالجائحة في الجزائر بوصفها ظاهرة وأزمة صحية جديدة ألقت بتداعياتها على مختلف القطاعات التربوية، والتعليمية، والبحثية، والصناعية، والاقتصادية وبخاصة الإعلامية لتشكل موضوع الساعة للصحف لمعالجتها إعلامياً، والتي تعد في الوقت ذاته، من أولويات أجندة الفاعل السياسي (الرئيس الجزائري).
تٌقاس مصداقية الجريدة من خلال ذكر المصادر وتوقيع مضامينها الصحفية (الخبرية، والتقريرية، والتحليلية، والاستقصائية)؛ لذلك فإن كل ما نشر حول الجائحة في الجريدتين جاء من المصادر الرسمية الحكومية مثل آخر إحصائيات كورونا في الجزائر التي سعت يومية الخبر في نشرها في الصفحة الأخيرة مند تنصيب اللجنة العلمية المكلفة بمتابعة الوضعية الوبائية في الجزائر؛ فيما نشرتها يومية المجاهد عبر ثلاث صفحات بالترتيب الصفحة 3 « الوطن »، والصفحة 6 « الوطن » وأحيانا في الصفحة الأخيرة ونادراً في الصفحة 2 « الحدث » التي خصصتها لأخبار كورونا عبر العالم.
أما بالنسبة ليومية الخبر، تصدر توقيع الصحفي ترتيب المصادر المعتمد عليها في معالجة الجائحة من طرف يومية الخبر، حيث جاء توقيع الصحفي على الأخبار من طرف الصحفيين الدائمين والمراسلين، ثم وكالة الأنباء الجزائرية، لتليها الوكالات وبدرجات أقل أخرى : (« رويترز » و« العربية »)؛ وهي غالبا ما تتمحور حول واقع حال الجائحة في دول العالم من حيث الإحصائيات وكل ما يتعلق بها. من جهتها اعتمدت جريدة المجاهد على توقيع صحافييها الدائمين والمراسلين على جل المضامين المعروضة على جمهور القراء حول الجائحة، إلا أن معظم مضامينها وردت دون توقيع الصحفي أو ذكر مصدرها؛ ويعكس ذلك توقيع هيئة التحرير وهي الخطوة نفسها المطبقة بالنسبة للافتتاحيات في الصحف وهي من معايير التحرير الصحفي التي غالبا ما ترد من دون توقيع لكن ضمنيا فهي توقيع جماعي لهيئة تحرير الجريدة. (يٌنظر على المنحنى البياني رقم 2).
يعكس توقيع المضامين الصحفية مسؤولية الصحفي المهنية والأخلاقية ومصداقية المؤسسة الإعلامية التي ينتسب إليها والتي ترتبط آليا بثقة جمهورها؛ كما أن تنويع الأساليب التحريرية لموضوع الجائحة جاء بشكل مكمل ومتباين لتقديم الجوانب المتعددة لها وبخاصة وأن الجائحة وباء جديد انحصر في فترات تجريب بروتوكولات صحية وعلاجية متعددة، سبقه المصدر الرسمي ثم الصحفيين الدائمين فالمراسلين بالنسبة للمجاهد والأمر نفسه بالنسبة ليومية الخبر التي اعتمدت على مصادر أجنبية بدرجات أقل.
2.3. الجائحة وتغيير الموازين: تطابق المواقف حول الجائحة
يبدو أن الأزمة الصحية المتمثلة في جائحة كورونا التي أحدثت شللاً كبيراً على عدة مستويات ألغت فروق المواقف بين الرسمية والخاصة إلى جانب الاختلاف الأيديولوجي، فلقد اتفقت اليوميتان المدروستان مع الحكومة الجزائرية في موقفها حول الجائحة بكونها أزمة صحية ألقت بتداعياتها على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية لكنها فرضت حجراً صحياً أعاد ترتيب أولويات الحياة اليومية للفرد ومؤسسات التنشئة، التي تعد الصحف واحدة منها، المطالبين بالاحتكام إلى التدابير الوقائية لمنع العدوى في بداياتها؛ ثم الالتزام بالكمامات في الفضاءات العمومية المتعددة مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي، تجنباً للعدوى.
قدمت يومية المجاهد الوضع الوبائي، خلال الفترة المختارة للدراسة، تناسقا مع الخطابات السياسية الرسمية من خلال تركيزها على إظهار جهود السلطات العمومية في مواجهة الجائحة، كما كان أسلوب معالجة اليومية لموضوع الجائحة خبري تقريري وتفسيري عكس جلياً الموقف الرسمي للدولة الجزائرية حيث رصدت في مقال مطول شهر جوان « تجربة الجزائر في مواجهة الجائحة »، لتٌظهر الجهود المبذولة والاهتمام الكبير من السلطات العمومية في مواجهتها؛ إلى جانب تظافر الشعب في التعايش مع الوضع الوبائي الجديد بكل تداعياته، والذي يعكس أيضا التأكيد على الاحتكام لإجراءات الوقاية المتعددة الطرائق : فرض الحجر الصحي مع توقيف جل الأنشطة التجارية والعلمية وغلق الحدود ومنع السفر، الذي عكس تعايش الفرد الجزائري مع الحجر الصحي.
المنحنى البياني 2
المصدر: من إعداد الباحثة
خاتمة
فرضت الجائحة تحديان: يتمثل أولهما ضرورة مواجهتها والحد من انتشارها وهو رهان السلطات، أما ثانيهما فيكمن في الحصول على المعلومة الموثوقة والدقيقة، الدور الذي يتقاسمه المواطن والوسائل الإعلامية بشقيها الكلاسيكي والرقمي مع السلطات الرسمية.
لقد شكلت يوميتي الخبر والمجاهد نموذج الصحافة الجزائرية التي عالجت الجائحة في الجزائر بموضوعية كما أفادت القارئ بمعلومات كان قد بحث عنها في قنوات أخرى. عبرت أيضاً عن واقع إعلامي واجه الشائعة، محاولة منها نسج الثقة بين المواطن والسلطات في ظرف اتسم بالحجر الصحي الذي دام فترة طويلة، محورها المعلومة الصحية حول الجائحة، الذي جرى تزامناً مع خلق فضاء استقاء المعلومة الرسمية حولها بالنسبة للفرد والصحف معا.
لم تنتهي الأزمة الصحية مع انتهاء فترة الدراسة بل عالجتها الجريدتين بشكل متواصل وفق تطوراتها بعد شهر سبتمبر من سنة 2020، لكنها لم تشكِل أولوية المضامين المنشورة مقارنة مع بقية المواضيع، بل أبقت كلاهما فقط على أهم الأخبار حول الجائحة ركيزتها آخر إحصائيات كورونا في الجزائر.