مقدمة
يمثل تدريس الظواهر الفنية في المرحلة المتوسطة مدخلا لدراسة البلاغة والعَروض باعتماد النصوص الأدبية تطبيقا لنهج المقاربة النصية، خاصة مع الإصلاحات التي شهدتها المنظومة التربوية في الآونة الأخيرة سعيا منها لضمان جودة التعليم التربوي والبيداغوجي، وقد أُدرجت هذه الموضوعات ضمن عنصر أتذوق النص التابع لتحليل النصوص الأدبية.
وما من شك في أن تخصيص موضوعات في التذوق الأدبي في هذه المرحلة يعد دفعا للمتعلم في إدراك أسباب الجمال في العبارات والكلام، ومن ثَم محاولة النسج على منوالها في إنتاجه اللغوي، إلا أن ذلك لا يكون إلا بعد سبر أغوارها في الأعمال الأدبية المنتقاة في الكتاب المدرسي ودورها في إضفاء الجمالية على المعنى والأسلوب على حد سواء لتنمية ذوقه الفني.
وعليه، فإن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه المنظومة التربوية من إدراج المحتوى البلاغي والعَروضي في المستويات الأولى من المرحلة المتوسطة هو تكوين الذوق والحس الفني عند التلميذ لا الإلمام بالقواعد البلاغية والعروضية، واختيار الطرق والوسائل الكفيلة لتحقيق هذا الهدف، وعلى هذا الأساس جاء موضوعنا في هذا المقال موسوما بـ : «المحتوى البلاغي والعَروضي في كتاب اللغة العربية للسنة الأولى متوسط -قراءة وصفية تحليلية نقدية-»، وقد انطلقنا في دراسته من الإشكالات الآتية :
-
ما مدى مناسبة المحتوى البلاغي والعروضي المقرر في كتاب اللغة العربية للسنة الأولى متوسط لمستوى المتعلمين في هذه المرحلة؟
-
وهل اعتمد مؤلفو الكتاب المدرسي في انتقاء المحتوى البلاغي والعروضي على ما يكفل للمتعلم تنمية الذوق الأدبي لديه؟
-
وهل جاء هذا المحتوى مرتبا ترتيبا منطقيا (من السهل إلى الصعب)؟
-
ولذا، فإننا نهدف في هذا المقال إلى الوقوف على مدى مناسبة المحتوى البلاغي والعَروضي المقرر لمستوى الفئة المستهدفة، وتسجيل أهم الاقتراحات التي تكفل تحسين التعليم في هذا النشاط، وقد ركزنا في عرض هذا المقال على ما يلي :
-
مفهوم مصطلحي البلاغة والعروض.
-
قراءة في المحتوى البلاغي والعروضي في كتاب اللغة العربية للسنة الأولى متوسط، ثم تحليل الاستبانة الموجهة لأساتذة هذه المرحلة.
-
لنسجل في الأخير أهم النتائج التي توصلنا إليها، مع تقديم بعض التوصيات الخاصة بالموضوع.
1. الجانب المنهجي
1.1. مفهوم البلاغة والعروض
1.1.1. مفهوم البلاغة
-
لغة : تعني مادة (ب. ل. غ) في معاجم اللغة الانتهاء والوصول. حيث يقول صاحب المقاييس:
«الباء واللام والغين أصل واحد وهو الوصول إلى الشيء. تقول بلغت المكان إذا وصلت إليه، وقد تسمى المشارفة بلوغا بحق المقاربة. قال تعالى :﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأمسِكُوهُنَّ بِمعرُوف ﴾[الطلاق، 02] ...وكذلك تسمى البلاغة التي يُمدح بها الفصيح، لأنه يُبلِّغ بها ما يريد » (ابن فارس 1979 : 301، 302)
وجاء في اللسان : «بلغ الشيء يبلغ بلوغا وبَلاغا وصل وانتهى [...] والجمع بلغاء وبلغ بلاغة صار بليغا » (ابن منظور دت : 301، 302)؛ فغاية الأديب فيما يكتب أو يقرض من الشعر إيصال المعنى إلى ذهن المتلقي باستخدام القوانين والمعايير البلاغية التي تحكم الأثر الأدبي.
-
أما اصطلاحا: - فقد عرفها الجرجاني (ت471هـ) بأنها:
« وصف الكلام بحسن الدلالة وتمامها فيما له كانت دلالة، ثم تبرجها في صورة هي أبهى وأزين وآنق وأعجب وأحق بأن تستولي على هوى النفس، وتنال الحظ الأوفر من ميل القلوب، وأولى بأن تطلِق لسان الحامد، وتطيل رغم الحاسد، ولا جهة لاستعمال هذه الخصال غير أن تأتي المعنى من الجهة التي هي أصح لتأديته، وتختار له اللفظ الذي هو أخص به، وأكشف عنه وأتم له، وأحرى بأن يُكسبه نبلا، ويُظهر فيه مزية »(الجرجاني عبد القاهر 2004 : 43)
-
ويعرفها أبو هلال العسكري(ت395هـ) بقوله : « كل ما تبلغ به المعنى قلب السامع فتمكنه في نفسه كتمكنه في نفسك مع صورة مقبولة ومعرض حسن » (العسكري أبو هلال 1952 : 10)
-
وجاء تعريفها في كتاب البلاغة الواضحة على أنها : «تأدية المعنى الجليل واضحا بعيارة صحيحة فصيحة، لها في النفس أثر خلاب، مع ملاءمة كل كلام للموطن الذي يُقال فيه، والأشخاص الذين يُخاطبون » (الجارم علي وأمين مصطفى 2015 : 10)
فهذه التعريفات تتفق كلها على أن البلاغة هي التعبير عن المعنى المقصود بعبارة واضحة وإنهائه إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ مع مطابقته لمقتضى الحال ومراعاته لظروف السياق، وبذلك فعناصرها هي : لفظ ومعنى وتأليف للألفاظ يمنحها قوة وتأثيرا وحسنا (ينظر الجارم علي وأمين مصطفى :11)
والبلاغة «من صفة الكلام لا من صفة المتكلم ... وتسميتنا المتكلم بأنه بليغ توسُّع. وحقيقته أن كلامه بليغ» (العسكري أبو هلال :06)، وهي تتطلب من القائل:
-
أن يعرف الموضوع الذي يريد أن يطرقه.
-
أن يراعي المستوى العقلي لمخاطبيه، وأن يراعي ذوقهم، فينتخب من المعاني والألفاظ والتراكيب ما يلائم مخاطبيه ويناسبهم، وأن يوجز حيث يَحسن الإيجاز، وبالعكس (الشيخ غريد 2006 : 07)
2.1.1. مفهوم العروض
لغة: استعملت كلمة عَروض–بفتح العين-في اللغة قبل أن تطلق علما على هذا العلم بمعان متعددة، فقد جاء في معجم المقاييس في مادة (ع. ر. ض) : العين والراء والضاد بناء تكثر فروعه، ومن معانيه :
-
فحوى الكلام، كقولهم: عرفت ذاك في عروض كلامه؛ أي في معاريض كلامه.
-
الطريق الصعب في عرض الجبل.
-
وأما عَروض الشعر فقال قوم : مشتق من العروض وهي الناحية كأنه ناحية من العلم. (ابن فارس :274-275)
أما اصطلاحا، فقد تعرض لتعريف العروض العديد من العلماء منهم :
-
ابن جني (ت392هـ) بقوله:«العَروض ميزان شعر العرب، وبه يُعرف صحيحه من مكسوره، فما وافق أشعار العرب في عدد الحروف الساكن والمتحرك سمي شعرا، وما خالفه ليس شعرا» (ابن جني 1989 : 61)
-
ويعرفه حاجي خليفة: «علم يبحث فيه عن أحوال الأوزان المعتبرة» (خليفة حاجي دت: 1133)
ومن ثم فإن العروض يعد من علوم اللغة العربية الأساسية، إذ يختص بدراسة أوزان الشعر لتمييز صحيحه من فاسده، مثل النحو الذي يختص بدراسة الكلام ليُعرف معربه من ملحونه. (عتيق عبد العزيز 1987 : 07)
ولله در القائل:
وبالعــروض تُعـرف الشَّواهـــد ****** ويَــنــجلــي صحيــحها والفَاسـد
لـــولا قيَــام الوزن بالعَــروض ******* لَمَــا عرفنـا صنعة القَريـــض (ابن عثمان محمد بن حسن 2004: 12)
ويُرجع رجال التراجم الفضل في نشأة هذا العلم إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت175هـ)، فابن خَلِّكان (ت681هـ) يذكر أنَّ الخليل «كان إماما في علم النحو، وهو الذي استنبط علم العروض وأخرجه إلى الوجود وحصر أقسامه في خمس دوائر يستخرج منها خمسة عشر بحرا، ثم زاد فيه الأخفش بحرا آخر سماه الخَبب» (ابن خلكان 1978 : 244)، كما يُذكر أنَّ الخليل كان «له معرفة بالإيقاع والنغم، وتلك المعرفة أحدثت له علم العروض، فإنهما متقاربان في المآخذ »(ابن خلكان : 244)
لكن ما يجدر أن نشير إليه هو أن العرب كانوا على دراية بأوزان الشعر العربي وبحوره من قبل دون معرفتهم بالأسماء التي وضعها الخليل فيما بعد، مثل درايتهم بالإعراب في الكلام حين كانوا عن سليقة يرفعون وينصبون ويجرون من غير علم بالقواعد والمصطلحات الإعرابية التي وضعها النحاة لاحقا. (عتيق عبد العزيز: 8-9)
3.1.1. التعريف الإجرائي للبلاغة والعروض
لا يُستخدم مصطلحَيْ البلاغة والعروض في التعليم المتوسط وإنما يشار إليهما بمصطلح «الظاهرة الفنية» أو «البناء الفني» في مناهج الجيل الأول، ومصطلح «أتذوق النص» في مناهج الجيل الثاني وفيه يتعرف المتعلم على المبادئ الأولية لهذين العلمين، مثل: التشبيه، والطباق، الخبر والإنشاء، الشعر، والنثر، الروي...إلخ (ينظر. وزارة التربية الوطنية 2013: 21)
في حين يُستعمل هذان المصطلحان بلفظهما في التعليم الثانوي، ويُخصص لكل منهما نشاط قائم بذاته (نشاط البلاغة، نشاط العروض؛ ففي هذه المرحلة يكون المتعلم قد وصل إلى حد كبير من النمو الجسمي والعقلي، إلى جانب التحصيل اللغوي والتذوق الفني، ولذلك تتعمق دراستهم الأدبية؛ بحيث يتذوقون ما في النصوص من جمال الأسلوب، وروعة الخيال، ويتعرفون على الوزن والقافية والبحور الشعرية للقصائد، ويحاولون فهمها فهما عميقا بإدراك العلاقة ما بين ألفاظها ومعانيها من صلة وانسجام، وما بين التفكير والتعبير من توافق والتئام، ويستخرجون ما فيها من صور بلاغية وتعبيرات مجازية، وتقطيع الأبيات تقطيعا عروضيا مع تحديد الروي والقافية، وإبراز وقعها على معنى الأبيات الشعرية. وبهذا كله ينكون لدى المتعلمين ذوق أدبي يتمكنون بوساطته من تحصيل المتعة بما يقرأون من روائع الأدب (ينظر سمك محمد صالح 1998: 486)
2.1. قراءة في المحتوى البلاغي والعروضي في كتاب اللغة العربية للسنة الأولى متوسط
يحتوي كتاب اللغة العربية للسنة الأولى متوسط على اثني عشر درسا في الظواهر الفنية، يتعرف المتعلم بوساطتها على المبادئ الأولية للبلاغة والعروض، ويُتخذ النص الأدبي سندا لدراسة الظاهرة الفنية لتمكين التلاميذ من تذوقها في سياقها، والجدول الآتي يبين مجموع دروس الظواهر البلاغية والعَروضية المقررة في المحتوى الدراسي موزعة حسب المقاطع:
المقطع |
1. الحياة العائلية |
2. حب الوطن |
3. عظماء الإنسانية |
4. الأخلاق والمجتمع |
5. العلم والاكتشافات العلمية |
6. الأعياد |
7. الطبيعة |
8. الصحة والرياضة |
الظواهر البلاغية والعروضية (أتذوق النص) |
الشعر والنثر |
البيت الشعري |
المجاز اللغوي |
الطباق |
الأسلوب الخبري |
حرف الروي |
الأسلوب الإنشائي (1) |
الأسلوب الإنشائي (2) |
القطعة الشعرية والقصيدة |
التشبيه |
السجع |
الأسلوب العلمي |
|||||
الجناس |
نلاحظ انطلاقا من الجدول أن هناك تنوعا في المحتوى المقرر في البلاغة حيث شمل علومها الثلاثة (المعاني، البيان، البديع) إضافة إلى تضمنه المبادئ الأولية للعروض، ويتعرف المتعلم على هذه الظواهر في عنصر «أتذوق النص». وإدراج درس الشعر والنثر في مستهل هذه الظواهر شيء إيجابي بالنسبة إلى المتعلمين حيث يتسنى لهم التفريق بين هذين النوعين ومعرفة خصائص كل منهما شكلا وقراءة، وهذا ما ينبغي للمعلم أن يركز عليه أثناء الدرس خاصة في طريقة عرضه للنص النثري والنص الشعري ليدرك التلميذ الفروق التي تميز قراءة كل منهما؛ فقراءة الشعر تتطلب مراعاة الوزن والقافية واحترام مواقع الطول والقصر حسب صوائت الكلمة مع مراعاة السياق الذي ترد فيه، خلاف النثر الذي لا يتقيد بوزن ولا قافية.
ليتدرج المتعلم بعد ذلك إلى التعرف على القطعة الشعرية والقصيدة والتفريق بينهما، وهذه أمور أساسية لا بد من معرفتها وإدراكها حتى يسهل عليه استيعاب ما يورد عليه من دروس في علم العروض مثل حرف الروي الذي تسمى القصائد به، والبيت الشعري الذي يعد بدوره ركنا أساسيا تُبنى عليه القصائد العمودية، وهنا يجب على المعلم أن يشير إلى ما يميز الشعر العمودي والشعر الحر بحكم أن كتاب اللغة العربية احتوى نماذج من هذين النوعين دون التعمق في ذلك مراعاة لقدرة استيعاب التلاميذ.
واحتوى المقرر أيضا بعض الصور البيانية الممَثلة في التشبيه والمجاز اللغوي الذي يمكِّن التلميذ من التفريق بين الأسلوب المباشر وغير المباشر، والوصول إلى مثل هذه الصور الفنية يتطلب فهم النص الأدبي فهما جيدا؛ فالمتعلمون لا يدركون أسرار الجمال المكمونة فيه إلا بعد سبر أغواره وفهم معانيه وتحليلها ثم تذوق مواطن البلاغة فيه. (ينظر زاير سعد علي وعايز إسماعيل إيمان 2014: 472)
وإذا تطرقنا إلى درس الأساليب بأنواعها (الأسلوب الخبري، الأسلوب الإنشائي، الأسلوب العلمي) فهنا يحسن بالمعلم أن يُمكِّن التلميذ من التفريق بينها، وأن يدربه على استعمالها في تعابيره، وأن يستثمر مثل هذه الأساليب في معرفة أنواع النصوص؛ فالأسلوب العلمي يوجد غالبا في النصوص العلمية التي لا يكون للبلاغة محل فيها إلا إذا كان النص علميا متأدبا، ولا ضرر في أن يشير الأستاذ إلى ذلك دون أن يشوش على التلميذ الهدف الأساسي من الدرس، فهو سيتعرف على هذا النوع من النصوص وعلى الخصائص التي تميزه في المراحل التعلمية اللاحقة.
وينبغي للمعلم أن يُنبه التلاميذ إلى تسمية المصطلحات البلاغية بأسمائها حتى لا يخلطوا بينها، فغالبا ما نجد المتعلم يسمي الأسلوب الخبري بالإخباري وهو في الأصل مصطلح يطلق على نمط من أنماط النصوص وشتان بينهما، إضافة إلى عدم تمييزه بين الأسلوبين الخبري والإنشائي، وكذا الخلط بين الطباق والجناس، ولتجاوز ذلك لا بد من تكثيف التطبيقات العملية لترسيخ الفهم ومعالجة الخطأ، والتنويع في تصميم التمارين التي تجعل التلميذ يستحضر مكتسباته القبلية والتدريب على توظيفها، وعدم الاكتفاء بتوجيهه إلى التعريفات النظرية التي يحتويها الكتاب المدرسي، يقول ابن خلدون (ت808هـ) في حديثه عن كيفية تحصيل ملكة البلاغة :
«وهذه الملكة ... إنما تحصل بممارسة كلام العرب وتكرره على السمع والتفطن لخواص تراكيبه، وليست تحصل بمعرفة القوانين العلمية في ذلك التي استنبطها أهل صناعة اللسان، فإن هذه القوانين إنما تفيد علما بذلك اللسان، ولا تفيد حصول الملكة بالفعل في محلها» (ابن خلدون: 387)
فهذا رأي صريح بعدم الاكتفاء بالمعارف النظرية وتدعيمها بالممارسة والاستعمال، إلى جانب وضع المتعلم أثناء الدرس في مواقف تعليمية شبيهة بما درسه ليتمكن من المقارنة بينهما والتكيف مع المعارف التي سيتعلمها. (ينظر بوفاس عبد الحميد 2019: 119)
وما يجدر أن نشير إليه هو أن عنصر التذوق الأدبي في هذه المرحلة لا يشمل فقط العروض والبلاغة، وإنما يضم كذلك قضايا نقدية يحتويها كتاب اللغة العربية منها : أن يستخرج المتعلم المقطع الذي شد انتباهه في القصيدة المدروسة ويعطي رأيه مع التعليل، استخراج الكلمات التي تدل على حقل ما في النص، استنباط قيمة من القيم التي يحتويها النص، المفاضلة بين أبيات القصيدة الواحة وبين القصائد التي تم تناولها في المقاطع، تحديد عاطفة الكاتب أو الشاعر، تكليف التلاميذ بحفظ بعض الأبيات الشعرية ...، وكل هذا يساعد المتعلم على تنمية مقدرته في التفكير الناقد، وإبداء رأيه دون حرج، وإثراء لغته بثروة من الألفاظ والعبارات والأساليب والتراكيب بوساطة تنمية القدرة على حفظ النصوص الشعرية، كما أن تدريبه على استخراج القيم التربوية التي يتضمنها النص شيء إيجابي يساعد على ترسيخها لديه، إذ يعد ذلك أساس العملية التربوية وقوامها، كونها تعكس ثقافة المجتمع وفلسفته في الحياة (ينظر غرارة عمار 2015 : 60)، ومن أبرز القيم التي تحتويها نصوص كتاب اللغة العربية للسنة الأولى متوسط قيم اجتماعية، قيم دينية، قيم أخلاقية، قيم وطنية، وبذلك تكون قد شملت ميادين متعددة من الحياة، حيث شكلت النصوص فضاء مفتوحا يتعرف المتعلمون بوساطته على مختلف هذه القيم التي تحيل إلى نمط معين داخل المجتمع تسعى المنظومة التربوية إلى ترسيخها لديهم.
2. تحليل الاستبانة
نظرا للإصلاحات التي باشرتها وزارة التربية والتعليم في الجزائر في السنوات الحالية سعيا منها لضمان جودة التعليم وتحسين الأداء التربوي والبيداغوجي أعيد تأليف الكتب المدرسية في جميع المواد، ومس هذا التغيير -بداية- المراحل الأولى من التعليم الابتدائي والمتوسط، ولذا وقع اختيارنا في هذا المقال على كتاب اللغة العربية للسنة الأولى متوسط المعد وفق المناهج المعاد كتابتها أو ما يصطلح عليها بمناهج الجيل الثاني، للوقوف عند أهم التغيرات التي جاءت بها هذه المناهج من حيث طريقة التدريس ومدى فاعليتها مع المحتوى المقرر، ولدراسة هذا الموضوع وجهنا استبانة إلى مجموعة من أساتذة اللغة العربية للسنة الأولى متوسط، ويقدر عددهم بستة وتسعين أستاذا (96)، موزعين عبر متوسطات معظم ولايات الوطن : وهران، تلمسان، سيدي بلعباس، الجزائر، برج بوعريريج، معسكر، البويرة، تيندوف ... وقد ركزنا في هذه الاستبانة على المحتوى البلاغي والعروضي المدرج في هذه المرحلة تحت عنصر «أتذوق النص»، ومدى مناسبته مع مستوى الفئة المستهدفة، وعلى هذا الأساس جاء السؤال الأول على النحو الآتي :
هل الدروس المقررة في الظواهر الفنية تتماشى مع مستوى الفئة المستهدفة؟
الاحتمالات |
التكرار |
النسبة المئوية |
نعم |
65 |
67.71 % |
لا |
31 |
32.29 % |
يتبين من نتائج الجدول أن أغلب الأساتذة، والذين قدرت نسبتهم بـ (67.71 %)، يتفقون على أن محتوى الظواهر الفنية من بلاغة وعروض مناسب لمستوى المتعلمين في هذه المرحلة، وهذا يدل على أن المحتوى المقرر وضع وفق معايير مدروسة بما يضمن استيعابها من قبل التلاميذ بالشكل المرغوب، ومن ثم التحصيل الجيد والفعال لمواضيع التذوق الأدبي فيكتسبون بذلك المهارة التي تمكنهم من دراسة النص دراسة فنية جمالية.
إلا أن نسبة (32.29 %) من الأساتذة يرون أن المحتوى لا يتماشى مع مستوى الفئة المستهدفة بحكم أن المتعلم في هذه المرحلة غير قادر على استيعاب الظواهر الفنية منذ الوهلة الأولى، بل يحتاج إلى فترة طويلة لفهمها وتطبيقها في تعابيره، إذ كان يحسن بمؤلفي الكتاب المدرسي عدم إدراجها في المقاطع الأولى، كما أن الحجم الساعي لا يساعد على شرحها والتطبيق عليها كونها تعد عنصرا من عناصر دراسة النص الأدبي، غير أن التذوق الأدبي ركن مهم في دراسة أي نص لا بد للمعلم أن يشير إليه في تحليل النصوص الأدبية،
«وأن يعمل على تبصير المتعلمين بالقواعد التي تقوم عليها أسس بلاغة الكلام وجودة الأسلوب من حيث الوضوح والقوة والجمال وروعة التصوير ودقة التعبير، وتربية الأحاسيس بقيمة اللفظ وأهميته في تأدية المعنى المناسب» (راجع أحمد 2017 : 170)
لتمكينهم من فهم اللون البلاغي وتذوقه في سياقه مع مراعاة مستواهم العقلي والفكري.
هل دروس الظواهر الفنية مرتبة ترتيبا منطقيا؟
الاحتمالات |
التكرار |
النسبة المئوية |
نعم |
42 |
43.75 % |
لا |
54 |
56.25 % |
تظهر نتائج الجدول أن هناك توافقا نسبيا بين الفئة التي ترى أن المحتوى جاء مرتبا وفق نمط وظيفي في صورة مفاهيم مترابطة وفئة ترى خلاف ذلك، وبالعودة إلى توزيع موضوعات التذوق الأدبي نرى أن إدراج دروس مثل الشعر والنثر، القطعة الشعرية، البيت الشعري في مستهل الظواهر الفنية شيء إيجابي بالنسبة للمتعلم كونها بسيطة يستطيع أن يستوعبها ويدركها دون أية صعوبة، بيد أن تأخير بعض الدروس مثل الطباق، السجع، حرف الروي رغم بساطتها مقارنة بالتشبيه والتعبير المجازي أمر لابد من إعادة النظر فيه، يقول ابن خلدون(ت808هـ) :
«إن قبول العلم والاستعدادات لفهمه تنشأ تدريجيا، ويكون المتعلم أول الأمر عاجزا عن الفهم بالجملة إلا في الأقل وعلى سبيل التقريب والإجمال والأمثال الحسية. ثم لا يزال الاستعداد فيه يتدرج قليلا قليلا بمخالفة مسائل ذلك الفن وتكرارها عليه، والانتقال فيها من التقريب إلى الاستيعاب الذي فوقه، حتى تتم الملكة في الاستعداد ثم في التحصيل، ويحيط هو بمسائل الفن» (ابن خلدون: 347)
وبذلك فإن مراعاة التدرج في تقديم المحتوى المقرر بدءا من الأسهل إلى السهل إلى الصعب يُمكِّن المتعلم من استيعاب ما يقدم له من موضوعات في التذوق الأدبي دون أن يشعر بصعوبتها، بل ويعمل على الاستزادة في طلبها خاصة إذا كان هناك ترابط بين الوحدات، كأن تُدرج الموضوعات التي تكون غايتها واحدة مثل الجناس والسجع والطباق التي تؤدي إلى وحدة الانسجام الصوتي (زاير سعد علي وعايز إسماعيل إيمان : 473)، والأمر نفسه بالنسبة للموضوعات المتعلقة بالعروض، فهذا يعد شكلا من أشكال التكامل يعمل على تيسير التعلم ومن ثَم تحقيق الأهداف المنشودة.
هل الأسئلة المرفقة بعنصر «أتذوق النص» كافية لتمكين المتعلم من استنتاج الظاهرة الفنية؟
الاحتمالات |
التكرار |
النسبة المئوية |
نعم |
29 |
30.21 % |
لا |
67 |
69.79 % |
تظهر النتائج أن نسبة (69.79 %) من الأساتذة يتفقون على أن أسئلة التذوق الأدبي التي يحتويها كتاب اللغة العربية للسنة الأولى متوسط غير كافية لتمكين التلميذ من استنتاج الظاهرة الفنية، في حين أن نسبة (30.21 %) منهم من يرى خلاف ذلك، وبالعودة إلى أسئلة الكتاب المدرسي في عنصر «أتذوق النص» ألفينا أن بعضها مناسب لمستوى المتعلم، مثل ما هو موجود في الصفحة (35) الخاصة بدرس «البيت الشعري»، والصفحة (47) الخاصة بدرس «الجناس»، في حين يوجد بعض الأسئلة التي تفوق مستواهم، مثل ما هو موجود في الصفحة (43) الخاصة بدرس «التشبيه» مما يحول دون فهمها، ومن ثم صعوبة استنتاج القاعدة.
لذا ينبغي للمعلم أن يعمل في بادئ الأمر على تبسيط الأسئلة وتيسيرها وجعلها تناسب مستوى المتعلم اللغوي، وأن يتدرج في استعمال أسئلة الكتاب المدرسي ومناقشتها مع المتعلم لاكتشاف واستخلاص القاعدة، وأن يعوده على التفاعل معها؛ وذلك لأن الأسئلة والتدريبات الواردة فيه لها دور مهم في عملية التعلم حيث تساعد على استثارة تفكير التلاميذ، كما أنها مكون أساسي من مكونات الدرس، وتعد وسيلة تقويمية لما يحصل عليه المتعلم من معارف ومعلومات (ينظر جلال محمد كامل 2013 : 1034) شرط أن تكون ملمة بعمليات التفكير المختلفة كأن يحتوي الكتاب في عنصر «أتذوق النص» سؤالا خاصا بتذكر الظاهرة المدروسة سابقا، وسؤالا خاصا بالفهم، وأخر بالتطبيق، ثم التحليل، ثم التقييم وصولا إلى التركيب حتى تثير في المتعلمين الهمة والتفكير الناقد والتقويم الذاتي والمشاركة الفعالة داخل الصف ليتمكن المعلم في ضوء استجاباتهم من معرفة مدى تفاعلهم وتعلمهم وتقدمهم في اكتساب المعارف وتوظيفها في تعابير من إنشائهم. (أبو عواد محمد فريال وعودة عبد الجواد 2014 : 538).
هل يميز المتعلم بين التعبيرين الحقيقي والمجازي؟
الاحتمالات |
التكرار |
النسبة المئوية |
نعم |
59 |
30.21 % |
لا |
04 |
69.79 % |
نوعا ما |
33 |
34.38 % |
نلاحظ انطلاقا من إجابات أغلب الأساتذة الذين قدرت نسبتهم بـ (61.45 %) أن التلميذ في هذه المرحلة قادر على التمييز بين التعبير الذي يؤدي المعنى الذي وضع له في الأصل، والتعبير الذي يخرج عن المألوف، وهذا يكسبه القدرة تدريجيا على تذوق النصوص الأدبية تذوقا فنيا بحكم أن التعبير المجازي يضفي على المعنى نوعا من الجمالية ويزيده عذوبة ووضوحا في إجلاء الأفكار التي يهدف الكاتب أو الشاعر إلى إيصالها إلى المتلقي، وهنا لابد للمعلم أن يستغل مثل هذه الدروس البلاغية في تكوين الذوق الأدبي وإنضاج الحاسة الفنية للمتعلم التي يستطيع بوساطتها سبر أغوار النص والكشف عن الجمال الفني فيه، إلا أن ذلك يتطلب من المدرس مراعاة جملة من المعايير عند تقديمه لدرس البلاغة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
-
مناقشة النصوص الأدبية مع التلاميذ مناقشة تذوقية تُعنى ببيان قيمة النص وقدرة الأديب على التعبير عما في نفسه بأسلوب أدبي رفيع.
-
استثمار لغة التواصل اليومي لاستخراج ما تتضمنه من مجازات وأسجاع وجناسات وتشبيهات وغيرها في درس الظاهرة البلاغية ومقارنتها بنظائرها في الكلام الفصيح، وبهذا يجني المعلم عدة فوائد منها :
-
سرعة الوصول إلى ما يريد إيصاله إلى التلاميذ في يسر وسهولة.
-
فهم المتعلم أن الدرس الذي يدرسه ليس شيئا جديدا بعيدا عن واقعه، ولكنها لغة لم تتغير في جوهرها ولا في طابعها الذي ألفه إلا بالصقل والتهذيب وتحري الفصيح.
-
إثارة المتعلم وبعث شوقه وانتباهه بهذه التراكيب المتصلة بحياته اتصالا وثيقا (إبراهيم عبد العليم 1962 : 311).
-
تدريب المتعلمين على محاكاة النماذج الأدبية وحفظ العبارات الجميلة والأبيات الشعرية ذات المستوى الفني الرائع لصقل موهبتهم وتنمية مهارة التذوق الفني لديهم.
-
إثارة دافعيتهم في التعلم والقدرة على الموازنة بين الأعمال الأدبية الإبداعية والحكم الفني.
-
سوق المصطلحات البلاغية الضرورية بشكل تدريجي حتى لا يظنوا أنها هي الغاية الأساسية في درس البلاغة.
-
أن يترك لهم فرصة استخراج الجوانب الفنية في النص وأن يناقشهم فيها. (صومان أحمد إبراهيم 2013 : 342-343).
وبمراعاة هذه الأمور في درس البلاغة يكتسب المتعلم حينها المهارة لمعالجة النصوص وتذوقها ونقدها وهو في خضم ذلك يستمتع بما يقرأ من الآثار الأدبية الجميلة.
هل يفرق المتعلم بين الأسلوبين الخبري والإنشائي؟
الاحتمالات |
التكرار |
النسبة المئوية |
نعم |
47 |
48.96 % |
لا |
07 |
07.29 % |
نوعا ما |
42 |
43.95 % |
إن نسبة الأساتذة الذين يرون أن تلميذ السنة الأولى متوسط قادر على التفريق بين الأسلوبين الخبري والإنشائي بلغت (48.96 %) مقارنة بنسب باقي الإجابات، علما أن المتعلم يدرس الأسلوب الخبري في المقطع الخامس، أما الأسلوب الإنشائي فقد جاء في حصتين أولهما في المقطع السابع حيث خصصت له مجموعة من الأسئلة دون احتواء الكتاب على القاعدة، والثانية وردت في المقطع الثامن وقد تضمنت قاعدة عامة يتعرف المتعلم بوساطتها على نوعي الأسلوب الإنشائي الطلبي وغير الطلبي، إلا أن المدرسين أشاروا في خضم إجابتهم عن السؤال إلى أن أغلب التلاميذ كثيرا ما يخلطون بين النمط الإخباري والأسلوب الخبري فيسمون هذا بذاك، ولتجاوز ذلك لا بد من تكثيف التطبيقات والتدريبات على ما تعلم من مبادئ بلاغية أولية لها الشأن في ترسيخها وتدعيمها (ينظر حسناوي فاطمة 2015 : 29)، وما من شك في أن إنجاز بعض التمارين داخل الصف وأخرى خارجه له أهداف عديدة نذكر منها :
-
تثبيت المكتسبات ودعمها.
-
الوقوف على مستوى المتعلم وقدراته الفردية.
-
وسد بعض الثغرات التي قد تظهر عند تصحيح التمارين المنجزة في المنزل. (وزارة التربية الوطنية 2013 : 31)
والشيء الإيجابي في كتاب اللغة العربية للسنة الأولى متوسط أنه يحاول في أغلب الأحيان إبقاء المتعلم على صلة بما تعلمه؛ وذلك بتذكيره بدروس سابقة بوساطة تخصيص سؤال في نصوص أخرى بعيدة زمنيا عن زمن تلقي المعلومة لأول مرة، حيث جاء في النص الأدبي «عيد الجزائر» الوارد في الصفحة (122) من المقطع السادس سؤال مباشر عن الأسلوب الخبري مفاده أن يستخرج التلميذ أسلوبا خبريا من النص، والأمر نفسه مع باقي دروس الظواهر الفنية المقررة في المحتوى الدراسي.
هل يستطيع التلميذ تحديد مواطن التشبيه في النص؟
الاحتمالات |
التكرار |
النسبة المئوية |
نعم |
52 |
54.17 % |
لا |
07 |
07.29 % |
نوعا ما |
37 |
38.54 % |
يجمع أغلب الأساتذة الذين قدرت نسبتهم بـ (54.17 %) أن التلميذ يستطيع تحديد مواطن التشبيه في النص، وهذا يدل على فهمه له؛ فالوصول إلى تحديد الظاهرة البلاغية في النصوص الأدبية لا يتم إلا بالفهم الجيد لها وسبر أغوارها وإدراك معانيها.
والتشبيه من الموضوعات البلاغية الأولى المقررة في المحتوى الدراسي للسنة الأولى متوسط حيث ورد في المقطع الثاني، ويتم التلميح إلى هذا الموضوع بطرح أسئلة تشمل النص المدروس ليصل المتعلم إلى استنتاج القاعدة، فجاء في عنصر «أتذوق النص» ما يلي :
-
عد إلى نص «نوفمبر» وتأمل جيدا قول الشاعر : «فكنا كأسد الشرى»
-
عم يتحدث الشاعر في هذه العبارة؟
-
وما دخل كلمة «أسْد» في التعبير؟
-
هل هناك تماثل أو تشابه بين الطرف الأول المفتخر به المشار إليه بالضمير المتصل في عبارة «كنَّا» والطرف الثاني «أُسْد الشرى» أم لا؟
-
كيف تسمي هذه الصورة إذًا؟
-
ماذا تستنتج مما سبق؟ (كحوال محفوظ وآخرون 2016 : 43)
ما يلاحظ ههنا هو أن المقرر رغم أنه لم يقدم التشبيه كخاصية بلاغية إلا أنه قدمها بطريقة سهلة تمكن المتعلم من إيجاد العلاقة التي تجمع بين المشبه والمشبه به، غير أن السؤال الرابع صيغ بأسلوب يفوق مستوى التلميذ، ولذا يحسن بالمعلم إعادة صياغته بطريقة تناسب مستوى التلاميذ كي يتمكنوا من فهم مضمونه ومن ثَم الإجابة عنه.
ولعل الأمر الذي يساعد المتعلم في هذه المرحلة على فهم الظواهر الفنية هو ربطها بالنصوص الأدبية تطبيقا لنهج المقاربة النصية ليتمكن من إدراك تلك الموضوعات وتذوقها في سياقها العام (النص الأدبي) ومن ثَم استيعابها بيسر وسهولة.
هل يفرق المتعلم بين الشعر والنثر؟
الاحتمالات |
التكرار |
النسبة المئوية |
نعم |
96 |
100 % |
لا |
00 |
00 % |
تبين نتائج الجدول أن جميع الأساتذة يتفقون على أن المتعلم يفرق بين الشعر والنثر، كما أشاروا إلى أنه يستطيع كذلك التمييز بين القطعة الشعرية والقصيدة، وكذا بين الصدر والعجز في البيت الشعري، وهذا دليل على أن المادة العروضية المقررة في الكتاب المدرسي مناسبة لمستوى المتعلمين في هذه المرحلة، إذ لا يحتاج في إدراكها إلى إعمال الفكر وإثقال العقل بتَعداد البحور الشعرية، والتقطيع العروضي والزحافات والعلل وغيرها.
وعدد القصائد الشعرية التي يحتويها كتاب اللغة العربية للسنة الأولى متوسط نبينه في الجدول الآتي :
النصوص الأدبية |
العدد |
القصائد الشعرية |
28 |
المقطوعات الشعرية |
01 |
النصوص النثرية |
03 |
ما نلاحظه هو أن عدد القصائد الشعرية يفوق بكثير النصوص النثرية الأدبية المقررة في هذا المستوى، ولذا ينبغي للمعلم أن يستثمر مثل هذه القصائد في تنمية الذوق الأدبي للمتعلم، وإكسابه القراءة الشعرية السليمة؛ لأننا كثيرا ما نسمع المتعلمين في المدارس يقرؤون الشعر مثل قراءتهم للنثر، وعندما يكون بها انفعال وحماس فإن الوزن يغيب تماما، وهذا يستدعي كثرة التدريب والعمل على تشكيل الحس الموسيقي لدى التلميذ حتى يكتسب القدرة على تذوق موسيقى الشعر العربي، ومن ثم قراءته قراءة صحيحة مع مراعاة الوزن والقافية. (ينظر حركات مصطفى : 11)
ما هي أكثر الأنشطة استيعابا بالنسبة للمتعلمين؟
الاحتمالات |
التكرار |
النسبة المئوية |
القواعد اللغوية |
58 |
60.42 % |
الظواهر الفنية |
38 |
39.58 % |
تُظهر النتائج حسب إجابات أغلب الأساتذة الذين قدرت نسبتهم بـ (60.42 %) أن نشاط القواعد اللغوية هو أكثر استيعابا بالنسبة للمتعلمين من نشاط الظواهر الفنية، وربما يعود ذلك إلى أن القواعد تُخصص لها حصة قائمة بذاتها مقارنة بالظواهر الفنية التي تعد عنصرا تابعا لدراسة النص الأدبي، ولكن لا بد من استثمار القواعد في فهم البلاغة التي تعد غير مفصولة عن النحو خاصة علم المعاني الذي ينضوي تحته درس الأساليب الإنشائية؛ فالمتعلم في هذا الدرس يحتاج إلى معرفة بالنحو بحكم أن الأسلوب الإنشائي ينقسم إلى قسمين : «طلبي، مثل : النهي، الأمر، الاستفهام، النداء، التمني. وغير الطلبي، مثل: التعجب، المدح، الذم... » (كحوال محفوظ وآخرون : 163)، فهذه الأمور تستدعي الاستعانة بالقواعد النحوية لتيسير فهمها واستيعابها لدى التلميذ.
أضف إلى ذلك، فإن كلا من البلاغة والقواعد تهدفان إلى تكوين ملكة صحيحة وفصيحة لدى المتعلم يستطيع بوساطتها تحليل النصوص، وإدراك ما فيها من جمال الأسلوب، ومدى قدرة الأديب في صياغة أفكاره بعبارات موحية، كما تمكنه من إنتاج لغة سليمة في المواقف التواصلية المختلفة.
خاتمة
بعد دراستنا لهذا الموضوع خلصنا إلى أنَّ كتاب اللغة العربية للسنة الأولى من التعليم المتوسط المعد وفق المناهج المعاد كتابتها أتى ببعض الإصلاحات التي مست تدريس الظواهر الفنية كاعتماد القصائد مدخلا لسبر أغوارها وتذوقها فنيا مقارنة بكتاب الجيل الأول الذي اعتمد في تدريس الظاهرة الفنية على نصوص أدبية نثرية، وقد خلصنا إلى بعض النتائج نجملها في النقاط الآتية :
-
المقرر البلاغي والعروضي جاء مراعيا لمستوى الفئة المستهدفة، فاشتملت موضوعات علم البيان على التشبيه والمجاز، وهما موضوعان مناسبان لقدرات المتعلمين ومدركاتهم في هذه المرحلة، والأمر نفسه مع علم البديع الذي اشتمل على الطباق والسجع والجناس، وعلم المعاني الذي اقتصر على درس الأساليب الخبرية والإنشائية.
-
التلميذ في هذه المرحلة يكون قادرا على التمييز بين الشعر والنثر، وبين المقطوعة الشعرية والقصيدة، كما يستطيع التفريق إلى حد ما بين المجاز والتشبيه، وبين الطباق والسجع، وبين الأسلوب الخبري والإنشائي.
-
عدم اعتماد مبدأ التدرج من السهل إلى الصعب في ترتيب بعض موضوعات التذوق الأدبي، فكان درس التشبيه مقدما على درسي الطباق وحرف الروي رغم بساطتهما مقارنة به.
-
احتواء كتاب اللغة العربية للسنة الأولى متوسط على أسئلة في عنصر أتذوق النص تفوق مستوى فهم التلميذ في هذه المرحلة، مثل ما جاء في درس التشبيه.
-
عدم إرفاق القاعدة البلاغية والعروضية بتطبيقات تساعد على ترسيخ الفهم.
وهذه بعض التوصيات التي نقدمها لتفادي بعض الجوانب التي تعيق الوصول إلى الهدف المرجو من تدريس الظواهر الفنية في هذه المرحلة :
-
استثمار لغة التواصل اليومي في تدريس الظاهرة الفنية كاعتمادها مثلا في وضعية انطلاق للدرس لتذليل الصعوبات في الفهم بحكم أنها قريبة من واقع التلميذ.
-
إعادة النظر في صياغة بعض أسئلة عنصر «أتذوق النص» بحكم أنها تفوق مستوى فهم المتعلم.
-
العمل على ربط الوحدات البلاغية كالطباق والجناس والسجع، وكذا ربط الوحدات العروضية كالبت الشعري والروي كي يشعر المتعلم بالتناسق والانسجام في المحتوى الدراسي.
-
عدم الاكتفاء بتعريف الظاهرة الفنية وحشو التلميذ بالمصطلحات البلاغية، وتدريبه على كيفية تكوين الذوق الأدبي مع مراعاة مستوى فهمه واستيعابه.