مقدمة
عرفت منطقة وهران خلال القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلاديين انقساما سياسيا وبداية ركود حضاري، وغدت منقسمة على نفسها إلى عـدة إمـارات مفككة ومتناحرة فيما بينها، جعلها محل أطماع غربية على رأسها الإسبان، إذ وجهوا أنظارهم إلى بلاد المغـرب الأوسط الإسـلامي عامة ووهران خاصة وعملوا على احتلالها لدوافع متعددة أبرزها الأطماع الاقتصادية والتجارية ومحاربة الديانة الإسلامية من جهة أخرى والموقع الأستراتجي الهام، الذي جعل حسر تواصل بين الضفتين الشمالية والجنوبية. دام احتلال الإسباني لمدينة وهران مدة ثلاثة قرون، شيدت فيه العديد من المنشات المعمارية، إذ تمثل حاليا المعالم الأثرية التي شيدت في الفترة الإسبانية نسبة كبيرة من التراث المعماري لمدينة وهران، ومن هنا تبرز أهمية البحث في السمات الفنية والمعمارية لهذا الإرث الحضاري في تلك الفترة، والتعرف على الدوافع والأسباب الغزو الإسباني للمنطقة.
وعليه نطرح الإشكال التالي كيف كانت الأوضاع قبل الاحتلال الإسباني وما هي الدوافع الغزو المسيحي للمنطقة؟
ما هي السمات الفنية والمعمارية للمخلفات المادية للاحتلال الإسباني في مدينة وهران؟
للإجابة على الإشكالية المطروحة اعتمدت على مجموعة من المصادر والمراجع التي لها علاقة مباشرة بالموضوع مثل مارمول كربخال، وصف إفريقيا، مزاري بن عودة، طلوع سعد السعود في أخبار وهران والجزائر واسبانيا وفرنسا إلى أواخر القرن التاسع عشر، يحي بوعزيز، مدينة وهران عبر التاريخ، عبد القادر فكاير، الغزو الإسباني للسواحل الجزائرية 1505-1792 م وغيرها.
لدراسة هذا الموضوع ارتأينا إتباع المنهج التاريخي والوصفي، أما المنهج التاريخي للإحاطة بالمعطيات التاريخية لمنطقة وهران قبل وخلال الإحتلال الإسباني، والمنهج الوصفي من أجل التعريف بالمعالم الأثرية المختارة ونقلها بالصورة التي هي عليها من خلال الوصف الأدبي والتصوير الفتوغرافي.
1. أصل تسمية وهران
وهران مدينة قديمة بناها السكان الأصليون على الساحل، تفصلها عن المرسى الكبير مسافة فرسخ واحد من الجهة الغربية، وقد أطلق عليها الرومان اسم أونيكاكولونيا (كربخال، 1988، صفحة 329)، وعلى الأرجح أصل كلمة وهران بربري وهو يعني البلدة الصغيرة التي بنيت سنة 290 هـ / 930 م في المحل الذي استوطنت فيه قبائل ازداجة ونفزاوة وبني مسقن (Abbadie, S. D, pp. 7-8).
ووهران بفتح الواو لا بكسرها وغلط من كسرها هي مدينة من مدن المغرب الأوسط بساحل البحر الرومي (مزاري، 1990، صفحة 50).
أمّا في معجم البلدان ليقوت الحموي جاء شرح كلمة وَهْرَان على النحو التالي: وَهْرَانُ: بفتح أوله وسكون ثانيه، وآخره نون : مدينة على البر الأعظم من المغرب، بينها وبين تلمسان سرى ليلة، وهي مدينة صغيرة على ضفة البحر وأكثر أهلها تجار، لا يعدو نفعهم أنفسهم، ومنها إلى تنس ثماني مراحل، ووهران كذلك موضع في فارس (الحموي، 1997، الصفحات 385-386).
ويشير القرماني وهران: مدينة مسورة ذات أعين، وبها أعمال متسعة، وذلك ببلاد المغرب (القرماني، 1996، صفحة 499)، ويقال في أصل كلمة وهران أن بني يفرن لما أرادوا غزوها لم يتعرفوا على مكانها، وعثروا على رجل من أهلها وبعد تعذيبه أشار بعصاه عن موقعها، ولما سئل: « هي صوب عصاك هذه؟ فقال لهم واه، ثم سمعوا شخصا آخر يقول رآنا، فقصدوه وعثروا على المدينة وقالوا هذه غنيمة واه رانا، وبعد حذف الألف التي بعد الواو والألف الأخيرة بعد النون تألفت كلمة وهران » (بوعزيز، 2008، صفحة 22).
2. نبذة تاريخية عن وهران
1.2. وصف المدينة في القديم
تقع وهران على مقربة من ضفة البحر الملح، وهي مدينة تجارية بها عدة أسواق وصنائع كثيرة، وهي تقابل مدينة المرية من ساحل بحر الأندلس، وسعة البحر بينهما مجريان ومنها أكثر ميرة ساحل الأندلس، وبوهران مراس مشهورة كمرسى الكبير، وبه ترسى المراكب الكبار والسفن السفرية، وهذا المرسى يستر من الريح، وليس له مثال في مراسي حائط البحر من بلاد البربر، وشرب أهلها من واد يجري إليها البر (الإدريسي، 1863، الصفحات 112-114)، يحيط بها سور وهي لطيفة جدا، وسورها مبني من تراب طابية (أبي حوقل، 1992، صفحة 78)، وهي ذات مساحة وفخامة جسيمة، وبساتين، وأشجار، ومياه عذبة، وأطيار، وحبوب عديدة، وفواكه، وخضر جديدة، وبروج مشيدة، وقصور معددة من طبقتين فأعلا بناء التحكيم، وأرحية ماء، ونار، وماء وطحونات...وفنادق، وحمامات، وشوارع ورياضات... وتعتبر من أحسن معاقل المغرب التي تطاع ولا تنازع (مزاري، 1990، صفحة 58)، وفيها قرى كثيرة، وأثار قديمة، وأهلها موصوفون بعظم الخلق، وكمال القامة، والأيد والشدة، يكون الرجل الكامل من غيرهم إلى منكب الرجل منهم .... (محمد الحميري، 1984، صفحة 612).
تعتبر وهران وجهة للعلماء والتجار وسائر أرباب البضائع، لها صيت بالمغرب والمشرق وسائر الأفاق، ويذكر أن لما دخلها ابن الخميس أحد العلماء الكبار، والفقهاء السادات والأخبار في أخر القرن الرابع، فقال : أعجبني بالمغرب مدينتان بثغرين، وهران خزر وجزاير بلكين (مزاري، 1990، الصفحات 58-59).
2.2. نبذة تاريخية عن وهران قبل الاحتلال الإسباني
كانت وهران تحت الحكم الموحدي الذي انتهى مع قيام الدولة الزيانية بتلمسان عام 1236م، ففرضت سيطرتها عليها وعلى المرسى الكبير، وكل مدن وقرى حوض شلف، وإقليم التيطري ومتيجة، ومدت نفوذها حتى إلى مدينة دلس شرق مدينة الجزائر، وعين لحكم وهران ولاة من بني راشد بينهم ابن خالاس الذي حكمها عام 641ه(1242م) (بوعزيز، 2008، الصفحات 30-31).
حكم مدينة وهران في عهد السلطان المريني أبي الحسن البطيوي الذي فتحها وافتكها من الزيانيين عام 736هـ(1335م) (بوعزيز، 2008، صفحة 31)، وأبو الحسن هو الذي بنى البرج الأحمر، وبرج المرسى بثغر وهران سنة784ه (أبي راس الناصر، 2005، صفحة 116).
كان السلطان أبو الحسن بعد وقعة القيروان قد لحق بتونس، ووصله الخبر باستيلاء أبو عنان على المغرب كله، ورجوع بني عبد الواد ومغراوة وتوجين إلى ملكهم بالمغرب الأوسط، ووفد عليه يعقوب بن علي أمير الزواودة، فاتفق مع عريف بن يحي على أن يغرياه ببعث ابنه الناصر إلى المغرب الأوسط للدعوة التي كانت قائمة بأمصاره في الجزائر ووهران وجبل ونشريس، ولحق الناصر ببلاد حصين فأعطوه الطاعة وارتحلوا معه، وبينما الأمير ثابت يريد معاودة الغزو إلى وهران إذ فاجأه الخبر بذلك، فطيّر به إلى السلطان أبي عنان، وجاءه العسكر بن بني مرين مددا صحبة أبي زيان ابن أخيه أبي سعيد، ونهض أبو ثابت من تلمسان أوّل محرم سنة خمسين وسبعمائة ولحق ببلاد عطاف، فلقيه الناصر هنالك في جموعه آخر شهر ربيع الأوّل، فكشفت جموع العرب وانهزموا ولحق الناصر بالزاب، وعاد أبو ثابت إلى تلمسان وبقي بها أياما، ثمّ رجع إلى وهران في جمادى من سنته فحاصرها أيّاما ثمّ افتتحها عنوة واستولى على ضواحي وهران وما إليها (بن خلدون، 2000، الصفحات 156-157)، إلى أن قام أبو عنان المريني بغزو تلمسان عام 753هـ(1352م) وسيطر عليها فغزا وهران كذلك واحتلها وعين أحمد بن علي بن أجانا حاكما عليها، وخضعت للسلطة المرينية عدة سنوات أخرى حتى مطلع الستينات من القرن الهجري، لما ظهر أبو حمو موسى الثاني وأحيى الدولة الزيانية من جديد وطرد المرينين من تلمسان، ودخل في صراع جديد ضد السلطان أبي سالم، وأرسل وزيره الحاج بن علي بن برغوت ليفتح وهران لكنه هزم ووقع أسيرا، وعندئذ خرج أبو حمو موسى الثاني بنفسه إليها، واقتحمها يوم 13 شوال 736ه (7 ديسمبر 1361)، واسترجعها وهدم أسوارها حتى لا يتمكن المرينيون من الاعتصام بها مرّة أخرى (بوعزيز، 2008، الصفحات 30-31).
3. الاحتلال الاسباني لوهران
تمكن الاسبان من الاستلاء على مدينة وهران سنة خمس عشرة من القرن العاشر هجري غدرا بمداخلة يهودي، ونكبوا أهلها بين قتل وأسر، وأمّا برج المرسى فأخذوه قبل ذلك سنة إحدى عشرة (أبي راس الناصر، 2005، صفحة 123)، حيث قام فرناند ملك اسبانيا بإرسال أسطول كبير إلى وهران لمحاربة أهلها وتخليص المسيحيين من مصيبة عظيمة تتكرر بدون انقطاع، لكن الأسطول انهزم، ثم أعاد الملك الكرة بعد شهور، فجمع بمساعدة بعض الأساقفة وكردينال اسبانيا أسطولا أهم من الأوّل، تمكن في يوم واحد من الاستيلاء على المدينة لأنّ السكان خرجوا يقاتلون بغير نظام وتركوا المدينة الخالية، فعلم الإسبان فأرسلوا قسما من جنودهم إلى الجانب الأخر من وهران، فلم يجدوا من خصومهم غير النساء، وقد صعدن على الأسوار، فدخلوا المدينة بسهولة بينما كانت المعركة على أشدها في الخارج، ثمّ غادروها فجأة، ولما أخد المغاربة يتراجعون نحو المدينة لصد العدو عنها أبصروا الرايات المسيحية ترفرف على الأسوار ووقعوا بين الاسبانيين، فضيقوا عليهم حتى لم ينج منهم إلّا القليل، وهكذا استولى الإسبانيون على وهران سنة 916ه (الفاسي، 1983، الصفحات 30-31).
وقد دام واجد الإسباني في وهران أكثر من قرنين، صاحبه تطوّر في اقتصاد البلاد ونموّ حضاري هام (Abbadie, S. D, p. 7).
1.3. عوامل الاحتلال الإسباني لوهران
-
أهمية الموقع الجغرافي لمدينة وهران: تقع وهران في الناحية الغربية من الجزائر ساحل البحر الأبيض المتوسط، وبين رأس إيغيلي في الشرق ومرتفعات مرجاجو بالغرب (حساني، 2007، صفحة 277)، على دائرة عرض35°42’40 «شمالا، وخط طول2 ° 59’39» غربا (Fey, 1858, p. 29)، في منطقة معتدلة على البحر الأبيض المتوسط، بين السفوح الشرقية لجبل مرجاجو غربا، والجروف الصخرية وهضبة بئر الجير شرقا والسبخة الكبرى جنوبا. (مقيبس، 1983، صفحة 31)
-
مكنها موقعها الاستراتيجي من الإشراف على جميع المدن الواقعة في الغرب وكذلك السيطرة على طرق النقل البحري والبري في حركتها التجارية مع الداخل والخارج.
نشأت وهران على الجزء الغربي من الخليج الذي أفادها ملاحيا وطبيعيا ضد الرياّح وأمواج البحر، وعلى الصعيد البشري ضد غارات القبائل البدويّة، أمّا حاليا بعد توسع المدينة فنجدها تتوسط الهضبة التي يحدها جبل مرجاجو غربا، والجروف الصخرية وهضبة بئر الجير شرقا، ويخترقها وادي رأس العين الذي يمر بالمدينة القديمة (مقيبس، 1983، الصفحات 31-33).
ينبسط سطح الأرض في المناطق الوسطى والجنوبية والشرقية، في حين يرتفع في الجهات الغربية والشمالية، وتنحدر الربوات الشمالية نحو ساحل البحر ونحو الجنوب، ويشتد ارتفاعها في الغرب خاصة في جبل مرجاجو مرتفعات بوسفر.
تتمثل المرتفعات في الربوات كريشل، أرزيو وكاناستيل الواقعة في الجهة الشمالية، وجبل مرجاجو وهضاب بوصفر والأندلس الواقعة في الغرب، وأخيرا هضاب مسيلة ومسرقين وبوتليليس جنوبا. أمّا سهول المدينة فيمكن حصرها في سهل المقطع وأرزيو، ووادي تليلات، ووهران، والسانية، والكرمة، ومسرقين، وبوتليليس الممتد إلى نواحي العامرية جنوبا.
وتتميز هذه السهول بكثرة المستنقعات المالحة التي تنصب بها بعض الأودية والمجاري الداخلية، نذكر منها وادي الحي أو ما يسمى وادي العين الذي يشق مدينة وهران، وأودية الهبرة، والمقطع، وتليلات، ومسرقين، وبوسفر، وعيون الترك وبوتليليس (بوعزيز، 2008، صفحة 20).
نظرا لموقع مدينة وهران في حوض البحر الأبيض المتوسط فإتّها تتلقى كميات معتبرة من الأمطار، ولاسيما في المناطق المرتفعة منها، المواجهة للريّاح الغربية مباشرة وذلك بداية من الخريف حتّى نهاية الربيع (مقيبس، 1983، الصفحات 56-57). -
الأهمية الاقتصادية والتجارية: إن موقع وهران الاستراتيجي وطبيعة تضاريسها جعلها محل أطماع الاسبان والبرتغاليين، ولاسيما بعد تعرض اسبانيا إلى انهيار اقتصادي رهيب بعد طرد المسلمين واليهود من أراضيها، الذين كانوا يشكلون العمود الفقري لاقتصاد الأندلس باعتبارهم اليد العاملة، فتوجه ملوك هذه البلد إلى بلاد المغرب وعلى وجه الخصوص السواحل المغرب الأوسط لاحتلالها (فكاير، 1985، صفحة 18). اعتبار وهران والمرسى الكبير بوابة رئيسية نحو الإمارات الإفريقية جنوب الصحراء حيث تعبر منها كميات ضخمة من السلع، ومحطة هامة للتجار القادمين من الجنوة والبندقية، كما أن هذا الاحتلال سيمكن اسبانيا من خلق طريق بحري يرتكز على ذلك الساحل ويمتد من المدينة سيفيل الإسبانية إلى صقلية الغنية بالقمح مصدر غذائها الرئيسي (دكاني، 2001-2002، صفحة 20).
-
الدوافع السياسية والدينية : توحيد إسبانيا سياسيا دفع بملوكها إلى التفكير في إنشاء امبراطورية واسعة الأرجاء خصوصا مع صعود شارل كونيت الذي كان يعتبر نفسه سيد العالم، وأنه مكلف بمهمة ربانية من تكليف الكنيسة، كما أن ابنه وخليفتة فليب الثاني، قاد هو الآخر سياسة عظمة وتوسع هادفا إلى الهيمنة على كل حوض البحر الأبيض المتوسط من خلال وضع أسس استيطانية (دكاني، 2001-2002، الصفحات 19-20).
ساهمت الكنيسة الإسبانية بكل ما لديها من مال وحماس في محاربة المسلمين، فبعد سقوط غرناطة بدأ فرديناند وإيزابيال في إعداد مشروع احتلال المغرب الإسلامي، لكن وفاة هذه الأخيرة سنة 1504م قد عطل تحقيق المشروع، لكنها تركت وصية تدعو فيها إلى مواصلة هذا المشروع جاء فيها :« يجب أن لانوقف غزو إفريقيا، ولا إنهاء الصراع ضد الكفار المسلمين-وهذا كله من أجل خدمة العقيدة ».
احترم الكاردينال خيمينيس دي سيسنيروس Ximénies de Cisneros وصية الملكة، وبرز ذلك في أعماله المخزية ضد المسلمين في الأندلس، وعندما تم احتلال المرسى الكبير سنة 1505م، أقام خمينيس صالة جماعية، وأقيم على إثرها احتفالات دامت 08 أيام (الواعر، مارس 2020، صفحة 38). -
الدوافع العسكرية : احتدام الصراع بين المسلمين والمسيحين ولاسيما بعد قضية طرد مسلمي الأندلس، وقد اصبحت هذه المواجهة تدعى في القرن الخامس عشر بالقرصنة وازدادت شدتها مع توسع النفوذ العثماني في البحر الأبيض المتوسط، وكان النشاط البحري في بلاد المغرب الأوسط نابعا من الدفاع عن المدن الإسلامية من وهران وبجاية ضد الخطر الإسباني، وبالتالي الحصول على الغنائم، ومساعدة الأندلسيين ونقلهم إلى أراضيهم، فأخذت إسبانيا تنظم هجماتها على السواحل المغرب الأوسط واستمر الصراع بين الجزائر واسبانيا طوال ثلاثة قرون (فكاير، 1985، صفحة 21).
2.3. المعالم الأثرية الإسبانية بمدينة وهران: بعض العينات
تزخر مدينة وهران بإرث معماري إسباني هام، يقف شاهدة على مرحلة مهمة من تاريخ المدينة وفي ما يلي بعض المعالم الأثرية التي شيدت في الفترة الاحتلال الإسباني.
1.2.3. قلعة روزال كزار وضعيتها الراهنة
تقع قلعة روزال كزار في حي سيدي الهواري، تطل على شارع مفتاح قويدر، أطلق عليه الإسبان تسمية روزا الكازار Rosalcazar وروزاس كاجاس : Roxas-Cajas وروزالكبير : Rozalcaper وأحدثوا في داخله بعض التغييرات في عهد الملك فليب الخامس (بوعزيز، 2008، صفحة 87).
توجد قلعة روزال كزار شرق وأسفل البرج الأحمر، وهي امتداد لهذا البرج، تمتد على مساحة ستة هكتارات، ويحيط بها سور يصل طوله أكثر من ألف متر مازالت بقاياه موجودة1 (الإدريسي، 1863 (Les Fiches
تعتبر أكبر اسطبلات إسبانية شيدت في وهران، ونموذج للعمارة العسكرية، يحد القلعة في الركن الشرقي الجنوبي قصر الباي، حيث يوجد مدخل يربط بينهما مسدود حاليا، إذ يشكل البرج الأحمر والقلعة وقصر الباي مدينة واحدة، تشهد على تواجد وتعاقب عدة دويلات بداية من الغزو الصليبي إلى غاية الفترة الاستعمارية، وهذا ما لمسناه من خلال الخصائص المعمارية المتنوّعة للمدينة.
ينفتح في الجهة الشمالية للقلعة المطلة على البحر خمسة أبواب ترتكز على أعمدة، وأقواس نصف دائرية، أمّا الجهة الغربية عبارة عن رواق طويل ينفتح على يساره سبعة مداخل ترتكز على أعمدة وأقواس نصف دائرية، وعلى يمينه توجد عشرة قاعات كبيرة متشابهة، وهي عبارة عن إسطبلات.
في الركن الجنوبي الغربي يوجد مدخل يؤدي إلى قصر الباي من خلال درج حاليا مسدود، يقال أنّ الباي كان يستخدمه.
أثبتت المعاينة الميدانية لقلعة روزال كزار تعرضها للعديد من عوامل التلف التي أثرت على الناحية الجمالية والبنية الإنسائية للمعلم.
قلعة روزال كزار عبارة عن مجموعة من الإسطبلات تعود إلى الفترة الإسبانية كما ذكرنا سابقا، وحاليا هي مقفلة لا يزاول فيها أي نشاط مما جعلها عرضة لأخطار التلوّث البيئي وللتخريب العمدي من طرف الأفراد، إذ تجلت المظاهر فيما يلي:
-
حاليا البوابة الرئيسية للقلعة اتخذها بعض المواطنين سكنات لهم، مع تعديل وإضافة بعض الأجزاء حتى تتماشى مع ظروف معيشتهم.
-
عدم وجود نظام صرف صحي خاص محكم بالعائلات القاطنة بالمدخل، تسبب في إلقاء المياه الملوّثة بالفضلات المنزلية داخل وخارج المعلم.
-
-غمقان واسوداد معظم الواجهات الداخلية وخاصة الواجهات الخارجية من الناحية الشرقية والشمالية.
-
تآكل مواد البناء وظهور عليها طبقات بيضاء صلبة سميكة الحجم وأحيانا صفراء اللون.
-
-انتشار واسع للفطريات والبكتيريا في جدران المبنى، ولاسيما في الأسقف وقواعد الجدران.
-
-ارتفاع نسبة الرطوبة في المبنى.
-
-انتشار فضلات الطيور بكثرة وارتفاع نسبة الغبار بسبب إهمال نظافة المعلم.
-
-وجود ثغرات على مستوى الأسقف تسبب في تغلغل مياه الأمطار.
2.2.3. قلعة سانتا كروز وضعيتها الحالية
تظهر قلعة « سانتا كروز » في أعلى قمة جبل « المرجاجو » شامخة، إذ يوجد طريق يربط بينها وبين حي سيدي الهواري العتيق، تغلب عليه الإلتواءات، ويخترق جبل المرجاجو، إلى أن يصل إلى قمة الجبل حيث القلعة.
تدل اللّوحة المثبتة على واجهة المدخل أنّ الحصن بني في القرن السادس عشر وأعيد ترميمه من طرف المستعمر الفرنسي سنة 1860م.
تتضارب الأراء حول تاريخ تأسيس هذا المعلم، إذ يرى كيحل أنّه بني سنة 1567م، أمّا ديدي فذكر أنّه بني سنة 1577م، وأخيرا بييس الذي يرجع تاريخ تشييده إلى سنة 1698 -1708 م، واستعان الإسبان بالحميانيين الذين كانوا ينقلون المياه على ظهورهم، وبعد تمام بناءه أطلق علية تسمية القديس كروز ووضعوا به 300 مدفعا لأهمية موقعه المشرف على المدينة والميناء.
وفي عام 1708 م هاجمه الباي بوشلاغم، وأسر به 106 رجلا و6 نسوة، وفي عام 1732م هدم جزء منه بواسطة النسف قبل أن ينسحب من وهران، لكن الإسبان جددوا بناءه وأتموه عام 1738م بقيادة فالجيو.
وبقي على حاله إلى أن احتله الفرنسيون عام 1831م، فجددوا تحصيناته
ما بين 1856-1860م، وسموه القديسة لاكروا وبنو تحته كنيسة القديسة كروز سنة 1849 بعد أن ظهر في المدينة مرض الكوليرا (بوعزيز، 2008، صفحة 91).
بعد المعاينة الميدانية لقعلة سانتا كروز لاحظنا تعرض المعلم للعديد من الأخطار الطبيعية المتمثلة أساسا في عوامل التلف الفيزيوكيميائية والتلف البيولوجي والتي يمكن حصرها فيمايلي:
-
موقع قلعة سانتا كروز في قمة الجبل جعلها عرضة للرطوبة المشبعة بالأملاح، حيث تلاحظ تكاثف الضباب في أعلى الجبل في الفترات الصباحية الباكرة، وكذلك في الفترات المسائية ولاسيما في فصلي الربيع والشتاء.
-
ظهور طبقات من الأملاح في مساحات كبيرة من الأسطح سواء الداخلية أو الخارجية.
-
انتشار واسع للحزازات والفطريات والبكتيريا ولاسيما على الواجهات الخارجية.
-
-نموّ كثيف للنباتات على الأرضيات.
-
انهيار بعض الحجارة في العديد من الغرف.
-
-تآكل مواد البناء وظهور عليها ثغرات.
-
شقوق وتصدعات في بعض الواجهات.
-
انتشار فضلات الطيّور، والنمل البري، وخيوط العناكب.
3.2.3. باب إسبانيا وضعيتها الحالية
يقع في القصبة القديمة، وباب إسبانيا هو أحد أهم الأثار الباقية من العمارة الإسبانية بوهران. أنشئ عام 1589 بأمر من قائد الجيش الملكي الإسباني دون بيدرو دي باديلا، علم الأسبان أن المدينة كانت محط أنظار، فقرروا بناءه.
يقع الباب في شارع الأخوين داهلي، يتم الولوج إليه من خلال نزول سلم يتكون من 14 درجة، فيقابلك رواق ذو سقف أسطواني يتقدمه مدخل بسيط وينتهي بباب أخر وهو الواجهة الرئيسية لباب اسبانيا، يعلو الباب شعار النبالة الذي تعرض لأضرار غير رجعية.
يزين واجهة الباب ايطار مستطيل يحده من الجهتين اليمنى واليسرى عمودين من الحجر، يتميزان ببدن من الاخاديد ويعلوهما تاجان بسيطان وقاعدة مربعة، أما في وسط الايطار فيوجد شعار النبالة كما ذكرنا، بقي من ملامحه تاج منقوش على الحجر يحمله أسدين نقشا بصفة رائعة وصورة لنسر، تحيط به أربع اسطوانات ذوات نقوش مختلفة.
بعد زيارتنا لباب إسبانيا بمدينة وهران لاحضنا مدى تأثر المعلم بعوامل التلف ولا سيما أن المعلم يقع في مكان مهجور نوعا ما ومعرض للإهمال والتهميش ويمكن حصر عوامل التلف هذه فيما يلي:
-انتشار الفضلات الحيوانية والبشرية بسبب إهمال، وغياب الصيانة الدورية، وأعمال الترميم للمعلم.
-
-اتخاذ المواطنين بعض الباب كمسفترة سابقة.
-
-انعدام قنوات الصرف الصحي وقدم التي كانت موجودة سابقا.
-
-سهولة نفاذية الأمطار من خلال الأسقف الهشة إلى باقي أجزاء المبنى.
-
-سيلان الأمطار على الواجهات مسببة تبقع الأسطح.
-
سقوط كسوة الجدران وتلاشي مواد البناء وقدمها.
-
-ظهور الشقوق والتصدعات على كامل أرجاء المبنى.
-
-تآكل الأسطح، والأسقف، والجدران التي لم تعد قادرة على التحمل.
-
-اسوداد الأسطح الداخلية، والخارجية للمعلم، وظهور طبقات من الأملاح مترسبة.
-
-نموّ مفرط للنباتات، والفطريات، والبكتريا في كامل أرجاء المبنى.
-
-ظهور ثقوب للنمل البري على مستوى العديد من الجدران ولاسيما في القواعد.
-
استعمال الإسمنت في ملئ بعض الفجوات والثغرات.
خاتمة
وهران مدينة قديمة بناها السكان الأصليون للمنطقة على الساحل، بالقرب من المرسى الكبير عرفت مدينة وهران وقائع وأحداث متنوعة خلال فترات تاريخية مختلفة، حيث كانت تجلب أنظار أطماع العديد من الدول المتعاقبة على المغرب لما تتمتع به من موقع استراتيجي ومناخ ملائم للمبادلات التجارية.
إنّ تعدد المحطات التاريخية للمنطقة ولاسيما خلال التواجد الإسباني خلف تراثا حضاريا مهما لا تزال الشواهد المادية في مناطق الإستطان تنطق بتنوعه، من ذلك نذكر قلعة روزال كزار، باب اسبانيا وباي سانتون وسانتا كروز غير ذلك.
شيدت هذه المعالم من المواد المتوفرة في المنطقة على غرار الحجارة الكلسية المشذبة، كما استعمل الملاط الجيري كمادة أساسية لربط المواد.
تميزت المعالم الإسبانية بالصلابة والبساطة والضخامة في البناء، كما أنها بنيت في مناطق اختيرت بعناية، فمعظمها تشرف على الساحل وذلك لدواعي أمنية.