آليات بناء مناهج اللغة العربية في المدرسة الجزائرية

Mécanismes de construction des programmes d'enseignement de la langue arabe dans l'école algérienne

Mechanisms for building Arabic language curricula in the Algerian school

شيباني الطيب

للإحالة المرجعية إلى هذا المقال

بحث إلكتروني

شيباني الطيب, « آليات بناء مناهج اللغة العربية في المدرسة الجزائرية », Aleph [على الإنترنت], 9 (3) | 2022, نشر في الإنترنت 18 juillet 2022, تاريخ الاطلاع 23 novembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/6539

لا فائدة من تعلم أي علم إذ لم يعد بالنفع والفائدة على المتعلم وعلى المجتمع الذي يعيش فيه. فأهمية التفاعل مع المجتمع تعتبر من أهم الأسس التي تقوم عليها المناهج المبنية وفق النظرية الوظيفية في العملية التعليمية.
مناهج اللغة العربية لا بد أن تهتم بجعل المتعلم قادرا على إنجاز المهمات والوظائف التي تتطلبها الحياة اليومية في المجتمع، فتعليم اللغة في مراحل التعليم المختلفة، ينبغي أن يوجه المتعلم إلى ممارسة ألوان النشاطات اللغوية الكتابية منها والشفهية.

There is no use for acquiring any given science if the latter does not offer any value to its beholder and the society, he/she lives in. Thus, interacting with society is one of the most important foundations that the curricula constructed according functionalism in the education process is based upon.
The Arabic language curriculum must be concerned with making the learner able to accomplish the tasks and jobs that he/she faces in the daily within the society. The process of teaching the language at different levels of education should direct the learner towards practicing diverse linguistic activities, both written and oral.

Il ne sert à rien d’acquérir une science donnée si celle-ci n’offre aucune valeur à son utilisateur et à la société dans laquelle il vit. Ainsi, l’interaction avec la société est l’un des fondements les plus importants que les programmes ont construits selon le fonctionnalisme dans l’éducation processus est basé sur.
Le programme de langue arabe doit viser à rendre l’apprenant capable d’accomplir les tâches et les emplois auxquels il / elle est confrontée au quotidien au sein de la société. Le processus d’enseignement de la langue à différents niveaux d’enseignement doit orienter l’apprenant vers la pratique de diverses activités linguistiques, écrites et orales.

مقدمة 

تعتبر المدرسة مؤسسة اجتماعية رسمية تضطلع بمهمة تربية وتعليم النشء وفق مناهج يحددها المجتمع حسب فلسفته، حيث تكمن مسؤولياتها في كل تقدم اجتماعي واقتصادي وعلمي، وهي محطة استثمار واعي لجني الفوائد من خلال تكوين الأطر المتخصصة التي تهتم بمهام المجتمع وتلبية حاجياته في مختلف المجالات وكذلك تربية أجيال وتحصيلها ضد السلوكات المنحرفة.غير أن المدرسة التعليمية في بلادنا لا تزال غير قادرة على مواجهة جملة من التحديات ؛ يأتي في مقدمتها وظيفية التعلمات ودورها في الرفع من مردودية النظام التعليمي الجزائري، وقدرتها على الحفاظ على هوية المجتمع الثقافية وقدرتها على القيام بدورها التربوي والاجتماعي.

كل ذلك يفرض على مسؤولي التربية والتعليم في بلادنا الانكباب على إرساء نظام تعليمي بجعل من المدرسة تسهم في إنتاج مواطن يتوفر على كفاءات عالية ويتحلى بسلوك وقيم تجعله فاعلا رئيسيا في تحقيق التنمية؛ وذلك بإيجاد الآليات المناسبة لتطوير المناهج التعليمية بما يتلاءم مع التطوّر الذي يشهده المجتمع.إذ إن الإصلاح المنشود لا يكتب له النجاح إذا لم ينطلق من قلب الأقسام الدراسية، ويكون له امتداد عملي داخلها.كيف يكون ذلك ياترى؟ وماهي الآليات التي من خلالها يتحقق بناء تلك المناهج؟

1. البناء المنهجي

1.1. أهداف البحث 

  • ربط المناهج ببيئة المتعلم ومجتمعه لمساعدته على التكيف السليم.

  • توجيه المتعلم للاستفادة من مصادر التعلم المتوفرة في البيئة.

  • التفاعل الإيجابي للمتعلم مع المتغيرات السريعة والاتجاهات العالمية.

  • أن يصبح المتعلم عضوا إيجابيا ومشاركا في الموقف التعليمي.

  • تفعيل الحوار بين أطراف العملية التعلمية.

2.1. المنهاج الدراسي: المفهوم والوظائف

1.2.1. مفهوم المنهاج 

المنهج هو الطريق، ومعناه، البيّن الواضح، فالعرب تقول: طريق نهجة، وسبيل مُنهج (ابن منظور. 2003. ص383)، والمناهج: كالمنهج وهو الطريق الواضح قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚﱠ [المائدة 48]

المنهاج مخطط عمل بيداغوجي يشمل عموما، زيادة على مواد المقررات المختلفة، على مرامي التربية المقصودة وعلى تجديد أنشطة التعليم والتّعلم التي تتطلبها المقررات، وأخيرا على معلومات عن الكيفية التي سيتم بها تقويم التلاميذ (المتصدق. 1999. ص136).

وهو بذلك يختلف عن المفهوم التقليدي الذي يحصره في مجموعة البرامج الدراسية التي تقررها المؤسسة التعليمية ممثلة بمجموعة من الدروس ونماذج التعليم، والحصص المقررة، يكون هدفها هو تبليغ المعارف والمهارات ( الفاربي وآخرون. 1994. ص275)

وبذلك يكون المنهاج تخطيط للعملية التربوية والأنشطة التعليمية من بدايتها إلى نهايتها، وهو أكثر اتساعا من المقرر إذ يشمل مجموعة من العناصر المترابطة والمتكاملة وهي:

  • غايات المنظومة التربوية وأهدافها

  • برامج أنشطة التعلم

  • الكتاب المدرسي وما يرتبط به من أنشطة

  • المعلم وممارساته البيداغوجية

  • المتعلم وتفاعلاته داخل القسم

  • وضعيات التقويم

2.2.1. وظائف المنهاج 

إنّ بناء وتطوير المناهج التربوية ينبغي أن ينبع من رؤية استشرافية لتحقيق أهداف قريبة، وأخرى بعيدة المدى من خلال استحضار المقومات والثوابت الوطنية واحتياجات المجتمع. ولعلّ هذه أهمّ الوظائف المنوطة بذلك : (التومي. 2005. ص47)

  • وظيفة بناء الهوية الوطنية : يتم بناء المنهاج بالتمسك بمقومات الدولة وثوابتها وترسيخها وتربية الأجيال عليها وجعلهم يعتزون بهويتهم الوطنية ويندمجون في مجتمعهم ويحافظون على خصائصه.

  • وظيفة التعليم : التعليم وظيفة أساسية للمناهج، إذ من خلاله تسعى المدرسة إلى التنمية الفكرية للمواطن، وتلقنه مهارات تمكنه من فهم العالم الذي يعيش فيه، وتجعل منه فاعلا اجتماعيا ينمي خبرته باستمرار.

  • وظيفة التأهيل : تطوير المناهج بهدف تنمية مهارات المتعلمين، وتأهيلهم للمشاركة في المشاريع الإنتاجية بمراحلها المختلفة، وذلك بتزويد المتحرجين بالمكتسبات القبلية الضرورية لتحقيق اندماج ناجح في عالم المستقبل الذي ستصبح فيه كفاءات السلوك التي تركز على الثقة في النفس وروح الجماعة.

  • وظيفة الاندماج الاجتماعي : الهدف من بناء المناهج التربوية إدماج الأفراد في الحياة الاجتماعية بصفة عامة من خلال ترسيخ قيم المواطنة والتضامن والعدالة واحترام الحقوق والواجبات.لذلك فإن تكفل المناهج بالانشغالات المتعلقة باحترام الغير والاعتراف بحقوقه، لا سيما الحقوق الإنسانية والدفاع عنها بكل مكوناتها، وذلك ما يشكل لديهم ضمانا أساسيا لاكتساب طريق العيش معا.

3.1. منهاج اللغة العربية والمقاربة بالكفاءات 

لماذا المقاربة بالكفاءات؟

قبل التطرق لتعريف المقاربة بالكفاءات التي تبناها منهاج اللغة العربية، وللإجابة على التساؤل السابق لا بد من التطرق للمقاربات السابقة لتبيين مدى فشلها في تحقيق الأهداف والغايات من تعليم اللغة ومختلف نشاطاتها.

1.3.1. مدخل المحتويات

هو نموذج تقليدي لا يزال رائجا في مناهج اللغة العربية رغم محاولة تجاوزه في الخطاب التربوي الرسمي ومن مميزاته: (التومي. 2018.ص77).

  • محور اهتمامه المدرس والأنشطة التي يقوم بها.

  • يعطي للمعرفة اللغوية ممثلة في قواعد اللغة وزنا كبيرا، كونها العامل الأساس في فهم العالم المحيط بالمتعلم.

  • يعتمد في عملية التقويم على حفظ القواعد اللغوية وتذكرها وتحليل كيفية اشتغالها داخل نصوص لغوية مجردة من أي سياق.

وقد وجهت لهذه المقاربة في تدريس اللغة عدة انتقادات نذكرها في ما يلي :

  • الميل إلى اكتساب المعرفة اللغوية خارج سياق استعمالها.

  • تعلم القواعد اللغوية دون ضمان القدرة على نقلها واستعمالها في وضعيات من الحياة اليومية.

  • عدم الاهتمام بالمجالات الكبرى لتدريس اللغة (المهارات اللغوية).

  • اعتماد نظام تقويمي يقوم بالدرجة الأولى على التذكر وإعادة إنتاج المعارف المكتسبة.

  • إنتاج جيل من المتعلمين يتحكمون في القواعد والمعارف اللغوية لكنهم غير قادرين على استثمارها في مواقف الحياة اليومية.

2.3.1. مدخل الأهداف 

يعتمد هذا المدخل على النظرية السلوكية كأساس لبناء المنهاج، بحيث توضع المناهج والبرامج باختيار محاور تعتبر أساسية تبعا لثقافة واضعيها ورؤيتهم التربوية، وتحدد الأهداف المرتبطة بكل محور تبعا لبنيتها من جهة، وبالنظر إلى المميزات الفردية للمتعلمين من جهة ثانية، رغم وجود بعض الإيجابيات لهذا المدخل كاعتبار المتعلم محورا للعملية التعليمية، وانتقال نوعي للتقويم من تقويم يستهدف التذكر والحفظ إلى تقويم الهدف منه تطوير القدرات المعرفية والمهاراتية والسلوكية. إلا أنه سجلت عليه بعض المآخذ لعل أهمها ما يلي :

  • عدم قدرة المتعلم على توظيف المعارف المكتسبة بشكل مفصل وفق وضعيات تواصلية مركبة

  • يحصل التعلم عن طريق الإثارة والتقليد وإعادة نفس النماذج.

  • يقاس حصول التعلم بناء على معايير تم تخطيطها مسبقا بالاعتماد على تمارين لا تحتاج غالبا إلا لقدرات معرفية بسيطة ومجزأة.

  • تحديد المعلم للأهداف التعليمية في شكل سلوكات قابلة للملاحظة بعيدة عن اهتمامات المتعلم.

  • قيام هذه المقاربة على جعل المتعلم عنصرا سلبيا، يقبل كل تعليم مبرمج بناء على خطة واختيار لم يكن شريكا فيهما، فينفذ تعليمات المعلم، مكتسبا في النهاية تعلما محددا ومشروطا وغير نافع.

3.3.1. المقاربة بالكفاءات

تترجم أهمية العناية بمنطق التعلم المركّز على المتعلم وأفعاله وردود أفعاله إزاء الوضعيات المشكلة، وفي مقابل منطق تعليم يرتكز على المعارف التي ينبغي إكسابها للمتعلمين، بحيث يرمي هذا التوجه إلى الارتقاء بالمتعلم إلى أسمى درجات التربية والتعليم؛إذ إن المقاربة بالكفاءات تستند إلى نظام متكامل من المعارف والمهارات والسلوكات المنظمة التي تتيح للمتعلم في سياق وضعية مشكلة، القيام بالإنجازات والأداءات الملائمة التي تتطلبها تلك الوضعية. وهي تعمل على تركيز الأنشطة على المتعلم، حيث تتمحور كل الممارسات والأفعال والأنشطة التعليمية التعلمية حوله باعتباره فاعلا أساسيا (التومي. 2018. ص 80).من مميزاتها مايلي :

  • تعطي معنى ودلالة للتعلمات المكتسبة من خلال توظيفها لحل مشكلات مأخوذة من الحياة اليومية.

  • تعتبر المعلم مسهلا لعمليات التعلم، وذلك بما يوفره من شروط سيكوبيداغوجية تتيح التعلم.

  • تمكن المتعلم من كل الشروط والوسائط التي تتيح له البناء الذاتي للتعلمات.

  • تربط التعلم بمفهوم التصرف الواسع والشامل، الذي يهتم بكل جوانب الشخصية، وليس بمفهوم السلوك الضيق المرتبط بالمعارف البسيطة المجزأة.

  • تعطي على مستوى التقويم، أهمية خاصة للوضعيات المشكلة بدلا من التركيز على المحتوى المعرفي المعزول عن كل سياق.

إن الأهداف العامة لتدريس اللغة العربية وفق هذا المدخل تفرض التعامل مع مجالات ومكونات هذه اللغة ليس باعتبارها غاية مقصودة لذاتها، بل وسيلة أساسية لتلبية جاجات المتعلمين التواصلية، ولأجل ذلك ينبغي أن يتحكم المتعلم ويكتسب كفاءات لغوية بالتوازي مع الكفاءة التواصلية.

  1. الكفاءة اللغوية : تعني من جهة استدخال قواعد اللغة العربية، في نظامها الصوتي، وأنساقها الصرفية، وأنماط نظمها الجملي، وأنحاء أعاريبها ودلالات ألفاظها ووجوه استعمالها، وأساليبها في البيان، وهي تعني من جهة أخرى، القدرة على تركيب عدد غير محدود من الجمل بالعربية وفقا لتلك القواعد (الموسى. 2003. ص85). فهي تعني معرفة القواعد اللغوية الصرفية والنحوية والإملائية والمعجمية، والتحكم في استعمال هذه القواعد في إطار تطبيقات بسيطة مرتبطة بتركيب جمل صحيحة.

  2. الكفاءة التواصلية : هي القدرة على الإبداع اللغوي والتمكن من مواجهة الوضعيات التي تواجه المتعلم في حياته اليومية، أي القدرة على عمل شيء ما بفاعلية وإتقان بأقل جهد(عشير. 2007. ص7) فهي ملكة ذهنية تمثل الجهاز المسؤول عن اللغة في مراحلها الثلاثة: الإنتاج، والفهم، والاستعمال. وتتكون من قدرات ثلاثة هي:

  • قدرة نحوية: تضم المعرفة بالقواعد التركيبية والدلالية والصوتية التي تمكن المتعلم من إنتاج جمل صحيحة ذات دلالة.

  • قدرة سيكولسانية، وهي العوامل النفسية واللسانية التي تؤثر على المتكلم في إنتاج وفهم الخطاب.

  • قدرة سوسيو ثقافية: هي القدرة على إنتاج خطاب يراعي قواعد السياق، وفق مقتضيات المقام المختلفة.

4.3.1. خصائصها 

  • تشتمل على المعرفة اللغوية، بالإضافة إلى المعرفة المكتسبة من خلال توظيف اللغة في سياقات اجتماعية ثقافية.

  • تعتمد على مدى قدرة الفرد على تبادل المعنى مع فرد آخر أو أكثر.

  • تنطبق على كل من اللغة المنطوقة والمكتوبة، في وضعيات تواصلية.

  • تتطلب القدرة على الاختيار المناسب للغة والأسلوب في ضوء مواقف التواصل والأطراف المشاركة.

2. المهارات اللغوية وتدريس اللغة العربية 

للتحكم في اللغة بشقيها اللغوي والتواصلي، ينبغي التحكم في كفاءات أربع مجالات رئيسية: هي الاستماع (فهم المسموع)، والتحدث (التعبير الشفهي)، والقراءة (فهم المكتوب)، والكتابة (التعبير الكتابي). وتكون هذه المجالات منسجمة فيما بينها على مستوى واقع الاستخدام اللغوي، فالاستماع والتعبير يعتمدان الكلمة المنطوقة والقراءة والكتابة يعتمدان الكلمة المكتوبة. ومن جهة أخرى يعتمد الاستماع والقراءة على مهارتي الاستقبال والفهم والتحدث والكتابة على الإنتاج. والتجزيء المعتمد ما هو إلا فصل منهجي بغرض الدراسة والمخطط الآتي يبين العلاقة بين هذه المهارات(التومي. 2018. ص 88)

مخطط العلاقات المتبادلة بين مجالات اللغة الأربعة

Image 1000020100000280000001170A387E0C462DE86A.png

  1. الاستماع والقراءة: يتم من خلالهما توظيف قدرة التلقي لفهم نص مسموع أو مقروء، فالاستماع نوع من القراءة أي فك رموز ملفوظات شفوية، وهو بذلك وسيلة الفهم والاتصال اللغوي بين المتكلم والسامع، وهما مجالان يتلقى عبرهما المتعلم الحدث اللغوي بأبعاد الفهم المختلفة:

  • فهم المعاني الصريحة.

  • فهم المعاني الخفية، الاستنتاج.

  • التفسير، بمعنى دمج وتطبيق الأفكار والمعلومات.

  • تقييم المضمون بتحديد البنيات اللغوية والنصية.

  1. التعبير الشفوي والتعبير الكتابي: التعبير بنوعيه الشفوي والكتابي هو وسيلة إنتاج يحقق بواسطتها المتعلم ذاته، وهو خلاصة ما تعلمه في مجال اللغة؛ فالقراءة والاستماع للنصوص يزودان المتعلم بالمعارف والأفكار والمفردات والتعابير، أما فهم القواعد اللغوية من صرف وتركيب وإملاء وغير ذلك، فيساعده على التعبير شفويا وكتابيا بلغة سليمة.

3.مقاربات تدريس اللغة العربية 

برزت على الساحة التربوية عدة مقاربات لغوية، نتج عنها ظهور طرائق ومنهجيات تنسجم وهذه المقاربة أو تلك.من بين تلك المقاربات نذكر المقاربة البنيوية والمقاربة التواصلية في تعليم اللغات.

1.3. المقاربة البنيوية 

ترى هذه المقاربة أن اللغة ماهي إلا « منظومة من العناصرالمرتبطة بنيويا للتعبير عن المعنى، وأن الهدف من تعليم أي لغة هو التمكن من عناصر هذه المنظومة، تلك العناصر التي تمّ تحديدها في صورة وحدات صوتية، ووحدات نحوية( مثل البنيات اللغوية والجمل)، وعمليّات نحوية( مثل الزيادة، والنقل، والربط أو العناصر التحويلية)، ووحدات معجمية( مثل الكلمات الوظيفية والبنيوية »(مفلح.1990.ص31). فالبنية وفق هذه المقاربة هي أساس القدرة التعبيرية، وتعليم اللغة يجب أن ينطلق من التدريب الشفوي على بنياتها اللغوية، التي تقدم ضمن مواقف مختارة، تسهم في اكتساب المتعلم القدرة على استخدام اللغة.مميزالتها :

  • استقبال المادة اللغوية.

  • تثبيت المادة اللغوية عن طريق التكرار والنسج على المنوال.

  • التدريب على تلك المادة اللغوية في مواقف متنوعة إلى أن تصبح مهارة لدى المتعلم.

  • تقديم القراءة والكتابة بعد إرساء الوحدات المعجمية والنحوية.

2.3. المقاربة التواصلية 

وظيفة اللغة تتجلى في هذه المقاربة من خلال ثلاثة جوانب أساسية : جانب وظيفي، وجانب اجتماعي ثقافي، وجانب تفاعلي. واللغة هي عملية تواصل بين مرسل ومستقبل، بحيث تتم بنجاح باكتساب مهارات التواصل التي تتمثل في مهارتي الاستقبال، وهما فهم المسموع وفهم المكتوب، ومهارتي الإرسال، وهما التعبير الشفوي والتعبير الكتابي. وهي بذلك تؤكد على أهمية البعد الدلالي والتواصلي بدلا من البعد النحوي.

الهدف حسب هذه المقاربة من تعلم اللغة هو توظيف النظام اللغوي بكفاءة وبصورة لائقة في وضعيات تواصلية، بحيث تنتهي إجراءاتها بأنشطة الإنتاج الشفوي وتتدرج أنشطة الإنتاج الموجه إلى أنشطة الإنتاج الحر في وضعيات متنوعة ذات صلة بالهدف التواصلي المدروس.

4. أساليب تطوير منهاج اللغة العربية 

ما من شك في أن الدولة تعرف للغتها مكانتها، وتبذل جهودا غير منكورة في تعليمها والحفاظ عليها، لكن الذي لا شك فيه أيضا أن تعليم اللغة العربية في الجيل الحاضر يعاني أزمة حقيقية لا ينبغي لنا أن نتغافل عنها، وما ينبغي أن يكون علينا من حرج الاعتراف بذلك؛ لأن الاعتراف أول خطوة في طريق العلاج، لأن اللغة العربية لغة طبيعية كأي لغة طبيعية، والأمر فيما نحن فيه أمر تعليم، وليس أمر اللغة في ذاتها.

نحن نؤمن بأن المدرسة مركز إشعاع يمكن أن تحقق رسالتها عن طريق منهاج مبني وفق أسس علمية تربوية مدروسة، يرسم لها المجتمع أبعاده وحدوده، تسير عليه بخطوات ثابتة مستنيرة، وأبرز العناصر المؤثرة في اختيار المنهاج وتحديد مراحله، وتعيين مستواه هو الغاية المقصودة من ورائه، ومعرفة الإمكانات المتاحة لتطبيقه، وهذه الخطوة ذات أهمية بالغة في العملية التربوية التي تحتاج في المقام الأول إلى تخطيط واع مدروس، يحدد الآمال التي يصبو إليها المربون ويضع الخطط المدروسة لبلوغ تلك الآمال، فقد شبه أحد الباحثين هذه الخطوة بقيادة رحلة ما، فالقائد يحتاج إلى وضع مخطط لما ينوي، فيحدد المراحل، ويقدر الزمن ،ويعيّن الوسيلة في الانتقال، ثم يتعرف على عدد الذين سيرافقونه في تلك الرحلة، ناهيك عن حاجته لمعرفة مكان الإقامة، وما تنوي الجماعة ممارسته من نشاطات ونحو ذلك من الأمور التي تتعلق بتنظيم تلك الرحلة، وجعلها سهلة مثمرة، وبالغة أهدافها المرسومة( مبارك. 1999. ص 15).

ترتفع بين الآونة والأخرى شعارات داعية لإصلاح التعليم، وتبدو موحية بالجدّة، حيث يقدمها أصحابها كما لو كانت وصفة سحرية قادرة على القفز على الواقع بمشكلاته المختلفة، وتحقق الأهداف المتوخاة من تطوير مناهج التعليم في مراحله المتعددة.وهم بذلك يغفلون عددا من الحقائق الموضوعية التي تحكم التطوير وتحدد آفاقه وأساليبه. والتحليل الدقيق لهذه الحقائق يمثل نقطة البدء في أي رؤية علمية للإصلاح وفي ما يلي نعرض الحقائق التي من شأنها أن تساهم في إصلاح المناهج وبالتالي إصلاح التعليم:

  • أولا :تخطيط تعليم اللغة العربيةـ إذا ما أردنا أن نصل إلى شيء مخطط علمي ملموس ممثلا بمناهج اللغة العربية، يتجاوز الكلام العام عن اللغة القومية وأهميتها في بناء الأمة، لا بد من وجود بناء هرمي للتخطيط لتعليم العربية يبدأ على مستوى القرارات العليا ثم على المستوى الإداري والفني ،ثم على المستوى التنفيذي، ويكون ذلك وفق خطوات مقولبة في شكل منهاج علمي عام واضح محدد يمكن تنفيذه ومتابعته ومراجعته واختباره، يعتمد في بناءه على تحديد الأهداف والغايات بالاعتماد على جملة من العلوم، أهمها علم اللغة، وعلم اللغة النفسي، وعلم اللغة الاجتماعي، بحيث تتكامل هذه العلوم مجتمعة ومحاطة بالمنهج العلمي الذي يفرض وجود تخطيط حقيقي من شأنه أن يدير تكاملا في مصادر تعليم اللغة فارضا تكاملا بين البحث والمادة، وبين المادة والممارسة.

  • ثانيا :اختيار المحتوى والنمط، يقتضي اختيار المحتوى تكامل العمل المتخصص من علم اللغة وما يقابله في علم اللغة النفسي، وعلم اللغة الاجتماعي، والتربية، وذلك بوجود خريطة واضحة للمقررات من الابتدائي إلى الثانوي فالجامعي، مع اختيار النمط الذي يجب أن يكون مصدر اختيار المحتوى وهو المزج بين الفصيحة المعاصرة وفصيحة التراث. أما الفصيحة المعاصرة فيهمنا منها أولا ذلك النمط العام الذي تمثله لغة وسائل الإعلام. واللغة المستعملة في الخطب العامة، وفي المحاضرات، ثم النمط الفني الذي يمثله الإنتاج الأدبي على مختلف أنواعه، أما فصيحة التراث فهي التي تحمل ثقافة الأمة الإسلامية، بحيث يكون له الاختيار منها بدءا بما هو مألوف للمتعلمين مما هو قريب من الفصيحة المعاصرة وهو كثير جدا.ثم تندرج بعد ذلك خطوة خطوة حتى يصل المتعلم في مراحل تعلمه المتقدمة إلى تمكنه من الفصحى المعاصرة.

  • ثالثا : اختيار محتوى النحو، من البديهي أن ثمة فرقا جوهريا بين النحو وتعليم النحو؛ علم النحو هو علم يقدم وصفا لأبنية اللغة، وهو حين يفعل ذلك إنما يلج إلى عزل الأبنية من سياق الاستعمال، ويضعها في إطار التعميم والتجريد، أما تعليم النحو فشيء آخر، فهو يطوّع النحو لأغراض التعليم ويخضعه لمعايير أخرى تستعين بعلم اللغة النفسي في السلوك اللغوي عند الفرد، وبعلم اللغة الاجتماعي في الاتصال اللغوي، وبعلوم التربية في نظريات التعلم وإجراءات التعليم. لذلك ينبغي مراعاة في اختيار الموضوعات تتناسب مع القدرات المعرفية للمتعلمين، بحيث تكون القواعد النحوية في جمل غير معزولة عن سياقاتها الاستعمالية، وأن تكون النصوص التمهيدية لها نصوصا واقعية، لا نصوص مصنوعة، حتى لا تكون جمل العربية جملا محنطة لا صلة لها بالحياة.

  • رابعا :الاعتماد على التطبيقات الحياتية التي من مهامها ربط التعلم والتعليم بحاجات الفرد والمجتمع، وبتفاعل الفرد مع مجتمعه تفاعلا تعاونيا إيجابيا، فمن خلال تحقيق الفرد لأهدافه الصغرى تتحقق أهداف مجتمعه الكبرى، وبالتركيز على استخدام المعرفة في الحياة والعمل استخداما فاعلا عن طريق ربط المعرفة بالحياة والعمل، واستخدام المنحى التطبيقي والتجريبي في التعليم والتعلم هي من مرتكزات التطوير التربوي المنشودة.لن تتسم أية نظرية بالمنهجية العلمية، ولن يكون لها أثر أو دور منهجي ما لم ترتبط بالتطبيق، فالتطبيق يكشف عن النظرية وعن مدى حضورها والاهتمام بها وتحقيقها. لن يكون التطبيق حيا إلا في مواقف وسياقات حياتية حقيقية لا أن تكون المواقف والسياقات مصطنعة تقتصر على محاكاة مواقف نمطية لا يعيشها المتعلم، بل لا يتمثلها. فلا يشعر بأهمية ما طبق ولن يكون لهذا التطبيق معنى، إلا إذا خرجنا به من القسم إلى الحياة العملية. وبدأ المتعلم بتوظيف كفاءته اللغوية في تواصل اجتماعي حي.(ستيتية.1996.ص126).

  • خامسا : :عدم إغفال الترابط العضوي بين التعليم على اختلاف مستوياته واتجاهاته وأساليبه وبين المجتمع الذي يتم فيه هذا التعليم، والذين يتصورون إمكانية تقديم تعليم رفيع المستوى في مجتمع متخلف يقعون أسرى وهم أن التعليم مجرد صناعة شأنها شأن الصناعات الأخرى، لأن مستوى التعليم يرتبط جذريا بالقدرات العقلية لا اليدوية والقدرات العقلية هي حصيلة الخبرات المنحدرة عن الأجيال السابقة وما تورثه الأجيال اللاحقة من قيم وتقاليد ومناهج لتناول الواقع والأحداث بالتفسير والتحليل(أبو المكارم. 2007. ص16).فالتعليم يبدأ من المجتمع وينتهي إليه، وذلك بتفاعل الفرد مع مجتمعه تفاعلا حياتيا متبادلا يؤدي في النهاية إلى غاية سامية وهي التكيف والانسجام، فيصبح المتعلم عضوا في جسد واحد، ولبنة في بناء مرصوص شامخ.

  • سادسا : الانتباه ومقارنة بين أهداف التعليم على اختلاف مستوياته ومجالاته، وبين الشعارات التي ترتفع في هذا المجال، فأما الأهداف فيجب أن تتسم بالعملية والواقعية وقابلية التطبيق حتى لا تصاب بالقصور بسبب تجاهل الواقع وحقائقه الحاكمة، إذ إن افتراض أساليب لمعالجة مشكلات مفترضة وتقديم قياسات مصطنعة تنتهي إلى نتائج زائفة تفقد أهداف التعليم.

  • سابعا : ضرورة التمييز في التعليم بين الثوابت والمتغيرات، فالثوابت تنحصر في دائرة الحقائق، أما المتغيرات فينبغي أن تساوق النتائج، ومن ثم ترتبط بالتطبيقات، والخلط بينهما يسلم إلى فساد الإدراك وتشويش الرؤية واضطراب التفكير، فالخبرة المقدمة للمتعلم ينبغي أن تتميز بالاستمرارية، كأن تشمله الخبرة التي يمر فيها إلى خبرة جديدة، فينتقل من خبرة إلى خبرة أخرى، ليكون خبرة تراكمية لا تنتهي، فتكون بذلك الخبرات نامية مستمرة، فالعلم تراكمي يبدأ من البديهيات ويمتد مع الظواهر إلى الكليات، ولا مجال فيه للاستغناء، ولا الاستبعاد ولا الرفض.(طعيمة. 1996. ص42).

  • ثامنا :ضرورة الترابط الحيوي بين الكم والكيف في بناء العملية التعليمية، وكل منهما يتّسم بالضرورة والأهمية. الكم ضروري لتوسيع القاعدة الفردية التي يوجه إليها التعليم وزيادة حجمها وتأكيد فاعليتها والتعرف على قدراتها. والكيف يقدم الإضافة في العملية التعليمية، فهما مترابطان ترابطا عضويا،إذ إنّ غاية الكم توسيع القاعدة لاستكشاف العناصر ذات القدرات الخاصة، وهدف الكيف الأساسي يتمثل في بناء هذه العناصر وتنمية قدراتها وتمكينها من استخدامها في الإحاطة والاستيعاب وتدريبها على التعليق في آفاق المعرفة متحررة من قيود التقليد والإتباع.ويتم ذلك بإعداد علمي دقيق لكل منهما بمراعاة اعتبارات جوهرية، أهمها التعرف على الخصائص العقلية المشتركة بين الدارسين وتصنيفهم في ضوئها، ووضع المناهج الملائمة لها. ) بشر. 1999. ص13(

  • تاسعا :ضرورة التواصل بين العملية التعليمية على اختلاف مراحلها، والبحث العلمي على اختلاف موضوعاته، فتطور هذه العملية يجب أن يكون ضمن المحاور الأساسية للبحث العلمي، ولا يتم ذلك بغير إدراك كامل ومفصل للظواهر المحيطة بها من كافة الجوانب وبخاصة من الجوانب السياسية والدينية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

  • عاشرا : يجب أن تكون المعرفة اللغوية على رأس المعارف التي توليها المناهج عناية ورعاية؛ فاللغة أداة تحصيل المعارف الأخرى؛ لأنّها وسيلة تفكير وأداته، فتقصير المتعلم في تحصيل اللغة سينعكس سلبا على تحصيله المعارف الأخرى.

  • حادي عشر : العناية بالتقويم، بحيث لا يمكن إهمال ميدان الطريقة التفكيرية في كل عملية تقويمية والتفريق بينها وبين المضمون التفكيري، ويتم ذلك بمراجعة أسلوب التقويم القديم واستخدام التقويم التكويني البنائي.

خاتمة 

ممارسة اللغة من أنجح الوسائل وأقواها تأسيسا وبناء لمجتمع متماسك يسوده الاحترام والولاء، فلا وجود للفرد دون جماعته، ولن يحقق ذاته إلا من خلاله .تهتم المدرسة وتصبو إلى تلبية الحاجات التعليمية وتحقيق الغايات، بتهيئة المناخ المناسب لتصبح مركزا للحوار وقاعدة للتغيير، فيصبح تعليم المتعلمين كيفية العيش في العالم جزءا من المنهاج اللغوي، وتصبح اللغة وتعلمها في ظل هذا المنهاج المبني على عدة علوم كعلم اللغة الذي يقدم وصفا علميا للغة، وعلم اللغة النفسي الذي يقدم درسا للسلوك اللغوي عند الفرد كما يتمثل في الاكتساب والأداء، وعلم اللغة الاجتماعي الذي يقدم السلوك اللغوي عند الجماعة، وعلم التربية الذي يقدم الإجراءات التعليمية. أداة للتعبير، وفهم المقروء والمسموع، وتصبح ممارسة اللغة ممارسة حياتية في مواقفها الكتابية، والشفهية غاية من غايات المدرسة ووسيلة لتحقيق التكيف والانسجام.

المصادر والمراجع

ابن منظور.2005. لسان العرب. دار الصادر للطباعة والنشر. ط4. بيروت لبنان.

بشر، كمال. 1999. اللغة العربية بين الوهم وسوء الفهم. دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع. القاهرة. مصر.

التومي، عبد الرحمان. 2018. الجامع في ديداكتيك اللغة العربية.مطبعة الأمنية. الرباط.

ستيتية، سمير، شريف. 1996. معايير تحليل مناهج اللغة العربية. دار الأمل للنشر والتوزيع. الأردن.

طعيمة، رشدي، أحمد. 1996.تعليم اللغة العربية للعمال الأجانب بالوطن العربي، المشكلة والمنهج. الدوحة.

عشير، عبد السلام. 2007. الكفاية التواصلية، اللغة وتقنيات التعبير والتواصل، ط1. المغرب.

علي، أبو المكارم. 2008. التعليم والعربية. دار غريب للطباعة والنشر. ط1. مصر.

غازي، مفلح. 1990. اتجاهات تعليم اللغة .جامعة أم القرى، مكة المكرمة.

الفاربي عبد اللطيف وآخرونن. 1994.معجم علوم التربية. دار الخطابي للطباعة والنشر. ط1.

المتصدق، إدريس. 1999. بناء المنهاج التربوي. مجلة النداء التربوي. مطبعة الهلال. وجدة.

الموسى، نهاد. 2003.الأساليب في تعليم اللغة العربية. ط1. دار الشرق. عمان.

شيباني الطيب

المدرسة العليا للأساتذة طالب عبد الرحمان الأغواط

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article