مقدمة
إن الغاية الأساسية من الترجمة كان دوما ولا يزال توصيل رسالة من باعث إلى متلقي لا يفهمان لغة بعضهما البعض، وقد اهتمت الأبحاث النظرية في بدايتها (الستينيات والسبعينيات) بضرورة تحقيق التكافؤ الدلالي بين الأصل والترجمة لأنه الدليل الوحيد على «أمانة» النقل. تبنى هذا المبدأ كل من جون كاتفورد ويوجان نايدا (Wendland 2 012) وجون بول فيني وجون داربلني(Vinay and Darbelnet 1 995). تواصلت الأبحاث بعد ذلك إلى ضرورة تحليل الخطاب في النص الأصلي قبل ترجمته، إذ ثمة معاني ضمنية تُستنبط من سياق التلفظ وليس من السياق الدلالي، ومن أهم الأبحاث في هذا المجال أعمال جون أوسطين وبيرز وبنفينيست (Fournet and Bréal 2 011)، ثم تطورت الأبحاث على يد أساتذة مدرسة باريس1 للترجمة وانتهت إلى ظهور النظرية التأويلية على يد كل من دانيكا سليسكوفيتش وماريان لوديرار(Fiola 2 016) التي تتخذ كمبدأ أساسي لها اختصار رسالة النص الأصلي في اللغة المستهدفة قولا أو كتابة، وانتهت إلى حلول عملية أثبتت فعاليتها على المستوى الأكاديمي والمهني على حد سواء. ركزت مجمل هذه الأبحاث على التكافؤ الدلالي بين الأصل والترجمة لتحقيق أمانة النقل، إلى أن تطورت على يد باحثين ألمان وتحولت من ضرورة تحقيق التكافؤ الدلالي إلى ضرورة تحقيق « التكافؤ الوظيفي »، إذ يرى أنصار هذا التيار ومنهم كتارينا رايس وهانز فيرمير وكريستيان نورد أن الترجمة تستهدف متلقيا « آخر » له لغة وثقافة واحتياجات مغايرة مقارنة بلغة وثقافة واحتياجات متلقي النص الأصلي، وبالتالي ليس هناك من داعي إلى التركيز على هذا الأخير ويجدر بالمترجم النظر في الاتجاه الأخر أي في الغرض من إنتاج النص المنقول في ثقافة المتلقي. وقد كان لرايس وفيرمير السبق في تبني التيار الوظيفي بعد صدور كتاب لهما عام 1 984 بعنوان «الأساس لنظرية عامة في الترجمة »(Reiss and Vermeer 1 984)، وتطورت أبحاثهم التي نتج عنها لاحقا نظرية الهدف(Skopotheory)2 خاصة بعد تبني كريستيان نورد لذات المبدأ، حيث تعتبر الترجمة « فعلا تواصليا (Communicative action)يقوم به خبير/مترجم ضمن تواصل بيثقافي لتحقيق غاية معينة في سياق المتلقي(Nord 1997 : 34). وقد اقترحت نورد نموذجا عمليا في تعليمية الترجمة يتمثل في تحليل دقيق وشامل لعناصر النص الأصلي، وقد اخترناه في عملية تحويل نص إعلامي/إخباري باللغة العربية إلى نص دعائي/وظيفي باللغة الإنجليزية، وسنوضح لاحقا وباختصار وجهة نظر كل من الباحثين الثلاث مع التركيز على نموذج كريستيان نورد تبيانا لأوجه الاختلاف والاتفاق بينهم وتبريرا لهذا الاختيار.
عملا بالمبدأ الأساسي لنظرية الهدف التي تهتم بسياق تلقي النص لغة وثقافة إلى درجة تسمح بتغيير كلي بين وظيفتي النصين(الأصل والمنقول)، ألا يعتبر ذلك تحويرا يناقض أهم مبدأ في الترجمة وهو »أمانة النقل« ؟ هل النظر في احتياجات متلقي الترجمة استثنائيا، بهذه الدرجة من الأهمية التي تُتيح إلغاء احتياجات متلقي النص الأصلي كليا؟ لماذا إذن حققت نظرية الهدف نجاحا في وسط المترجمين والباحثين؟ وكيف يمكن تطبيق نموذج نورد على الترجمة المتخصصة بمختلف مجالاتها وفي المجال السياحي استثناءا؟ ألا يمكننا اعتبار وجهة نظر كريستيان نورد تفكيرا منطقيا واستدلاليا بحثا؟ تبرر نورد وجهة نظرها اعتمادا على ماهية الترجمة في حد ذاتها، حيث تنطلق من مبدأ أن الترجمة فعل تواصل موجه دوما لمتلقي» آخر« لديه ثقافة أخرى ولغة أخرى وفي كثير من الأحيان احتياجات أخرى تختلف عن احتياجات متلقي النص الأصلي، فلماذا إذن نركز على الأصل في حين أننا نترجم للآخر؟ ألا بجدر أن نوجه الفعل التُرجمي إلى سياق» الآخر« اللساني والاجتماعي والثقافي والنفسي، الخ، سواء اتفق أو اختلف مع سياق النص الأصلي؟ :
It seems only logical that the function of the source text is specific to the original situation and cannot be left invariant or “preserved” through the translation process. The function of the target text, on the other hand, is specific to the target situation, and it is an illusion that a target text should have automatically the “same” function as the original (Nord 1997a : 49).
قد نؤيد مبدئيا رأي نورد في ما يتعلق بالترجمة المتخصصة لأنها عملية وتسمح في غالب الأحيان بتكييف السياق الأصلي في سياق التلقي، ولكن هل نستطيع أن نسمي هذا» التكييف «ترجمة؟ ألا يُناقض ذلك مبدأ «أمانة النقل» التي إلى حد ظهور التيار الوظيفي، كان يُقصد بها أمانة «التكافؤ الدلالي» لا غير؟ سنحاول إثبات أو تفنيد هاتين الفرضيتين عبر ترجمة/تحويل نص صحفي في المجال الثقافي إلى مطوية سياحية دعائية من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية.
وفيما يتعلق بأهداف الدراسة فإننا نسعى إلى توضيح طريقة تطبيق مبادئ نظرية الهدف على الترجمة المتخصصة مرحلة بمرحلة باستعمال أحد نماذجها وهو نموذج كريستيان نورد المتمثل في الإجابة على مجموعة من الأسئلة. نسعى أيضا إلى شرح أهم مبدأ للنظرية وهو التركيز على عنصر» المتلقي «استثنائيا في مسار النقل، فما هو الدافع إلى ذلك وما الجدوى منه؟
ثم نحاول تعميم نموذج نورد على مجالات أخرى بإدراج تمرين محاكاة وضع من الحياة المهنية بغرض تهيئة الطلبة لمهنة المستقبل. من جانب، ما فتأت الحاجة إلى الترجمة في تزايد مستمر كماَ وكيفاَ بفضل تطور وسائل الإعلام الاتصال، مما يستدعي نقلا عمليا فعالا، وبالتالي تكمن أهمية الدراسة كذلك في توظيف عملي لنظرية الهدف حتى لا تبقى إنتاجا عقيما، سيما نموذج كريستيان نورد. وكذا تقليص الفارق بين الجامعة والوسط المهني عن طريق استعمال وثائق حقيقية مغفلة الهوية وفي ما يتعلق بالمنهجية المتبعة فسنقوم أولا تحديد معالم النص الأصلي الداخلية والخارجية عبر الإجابة على قائمة أسئلة كريستيان نورد ثم الترجمة على أساسها باستعمال تقنيات مختلفة..... . أما عن حدود هذه الدراسة فتنحصر في تطبيق نموذج كريستيان نورد كون الباحثة أستاذة جامعية ملمة باحتياجات الطلبة في مشوارهم الأكاديمي ثم المهني، وقد اعتمدنا على عينة من النصوص الدعائية في المجال السياحي بغرض تعميمه على مجالات أخرى.
الإطار النظري
1.1. مصطلحات الدراسة (Pym 1 993)
-
المتلقي(Receiver) » : هو العنصر الأساسي في نظرية الهدف لأنه يستقبل الترجمة ويستعملها وفقا لاحتياجاته وثقافته ومبادئه.
-
«احتياجات/توقعات (Needs and expectations) » المتلقي في سياقه الخاص.
-
«الباعث » (Initiator) : يُملي على المترجم ما يجب إضافته أو حذفه في الترجمة.
-
رسالة مختصرة (Brief : تعليمات يُعطيها الباعث للمترجم وفقا احتياجات المتلقي، وهي في مثالنا، دعاية سياحية موجهة إلى القراء الناطقين باللغة الإنجليزية.
-
التكافؤ السياقي(Context-bound equivalence) :للمعنى بين النص الأصلي والمنقول.
-
التكافؤ البيثقافي (Cultural-bound equivalenceبين وظيفتي النص الأصلي والمنقول.
-
قائمة أسئلة(Check-list) : وضعتها كريستيان نورد كنموذج لتحليل النصوص تتضمن الإجابة على 17 سؤالا عن المعالم الداخلية والخارجية للنص الأصلي.
2.1. ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ
وظفت العديد من الأبحاث نظرية الهدف في الترجمة المتخصصة وأخرى اهتمت بنموذج كريستيان نورد على وجه الخصوص، كما كتب باحثون آخرون عن صعوبات الترجمة السياحية عموما وعن ترجمة المطويات الدعائية تحديدا، وتناول كل طرف الموضوع من زاوية مختلفة. قمنا بتصنيف هذه الدراسات إلى فئتين: الأولى تناولت تقنيات الترجمة الإشهارية من وجهة نظر لغوية، خاصة فيما يتعلق بالفراغات اللفظية التي تعود إلى الاختلافات الثقافية. وقد اقترح الباحثون في هذا الصدد حلولا أبرزها تقنية «التكييف»3 و«الإضافة » و« الشرح و »الاقتراض«4، في حين ركز آخرون على الهدف من الترجمة. نستعرض في ما يلي هذه الأبحاث مع تبيين أوجه الإتلاف والاختلاف مع الدراسة الحالية:
3.1. الباحث خليل حداد
رسالة ماستر بعنوان5 Skopos in advertising translation into Arabic تقدم بها الباحث خليل حداد(2 015) إلى كلية الآداب والعلوم بالجامعة الأمريكية بالشارقة، وقد وظف نظرية الهدف في ترجمة ثلاث نصوص : نص صحفي من جريدة ونص بريد إلكتروني ونص مطوية دعائية من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية، بهدف توضيح الإستراتيجيات الدقيقة والاستراتيجيات الكلية6 في النقل، أي التقنيات المستعملة في الترجمة على مستوى الكلمة والجملة والخطاب، لأن تغيير النص الأصلي له حدود لا يجب أن تتعدى محاولة تكييف ثقافي واقتصادي وسياسي في سياق المتلقي. وقد استنتج الباحث أن الترجمة الدعائية تتطلب النظر في وظيفة النص المنقول(إخبارية أواستثارية أو تعبيرية) في سياق التلقي أي في سوق العمل، بحيث يكون له التأثير نفسه على متلقي النص الأصلي، كما استنتج أن نظرية الهدف تستعين بوسائل لسانية في تحقيق الهدف من الترجمة ومنها تقنية التكييف والشرح والاقتراض، مثال : Designed for Driving ترجمها بـ «صممت لعشاق القيادة» بدلا من »صممت للقيادة« . هنا يكمن الاختلاف مع الدراسة الحالية التي تستدعي ليس فقط إضافة كلمات في النص المنقول بل إضافة دلالات لا وجود لها في النص الأصلي بتاتا، على أساس احتياجات المتلقي والهدف من الترجمة. من جانب آخر لم يركز الباحث على مقاربة وظيفية معينة بل تبنى نظرية الهدف عموما، في حين سلطنا نحن الضوء على نموذج تطبيق كريستيان نورد بالتحديد.
4.1. الباحث زين سليمان
دراسة بعنوان Applying the Cultural-Conceptual Translation Model in the Commercial World of Tourism Promotion7 للباحث زين سليمان الذي حاول تبيان مدى فعالية و »استمرارية« النموذج الثقافي عند تطبيقه. وقد استنتج أن المترجم الكفء باستطاعته إدخال التغييرات اللازمة اعتمادا على الاختلاف الثقافي بين الأصل والترجمة وتبعا لتعليمة الباعث في مرحلة ما قبل النقل أو خلاله، مما يحدد سهولة أو صعوبة الترجمة والوقت اللازم لإنجازها والمجهود المبذول فيها، فيصبح التفاوض بين الباعث والمترجم صعبا لأن الأول خبير في الترويج لمُنتجه وفقا لمتطلبات السوق والثاني خبير في المجال اللساني، فيصبح من واجب المترجم إقناع الباعث بأن مهمته ليست مجرد نقل من لغة إلى أخرى بل تتطلب اعتبار العنصر الثقافي فيها والدليل على ذلك يقول الباحث، أن الاستثمار المادي في ترجمة المُنتج السياحي يتطلب تصميم نصوص ترويجية مماثلة موجهة إلى مجموعات لسانية مختلفة اللغة ومؤتلفة القيم، في الأخير يظهر الاختلاف جليا بين هذا البحث الذي اعتمد على تقنية »التكييف« في نقل العنصر الثقافي دون الإشارة إلى المبدأ الوظيفي، وبين الدراسة الحالية التي سلطت الضوء على أهمية الأبحاث الوظيفية في الترجمة مع التركيز على نموذج كريستيان نورد.
5.1. الباحث وونغ باورونغ
دراسة(2 009) بعنوان Translating Publicity Texts in the Light of the Skopos Theory : Problems and Suggestions »8 تطرق فيها الباحث Wang Baorong إلى أخطاء الترجمة معتمدا على تصنيف كريستيان نورد لوظائف النقل الأربعة وهي الوظيفة المرجعية والتعبيرية والدالة والتواصلية9. واختار نصوصا باللغة الصينية من روايةShaoxing mingshi الغنية بذكر المعالم السياحية في الصين. بعد تحليل العينة توصل الباحث إلى أن نظرية الهدف يسهل تطبيقها على الترجمة المتخصصة مهما كان مجالها، وأن كل النصوص الإشهارية تتضمن بالضرورة وظيفة إخبارية وأخرى عملية. كما استنتج أن الأخطاء ذات المرجعية الثقافية ناتجة عن جهل المترجم بالهدف من الترجمة وباحتياجات المتلقي، كما تعود إلى وجود تضارب بين الثقافتين. أما الأخطاء اللغوية والتداولية فتعود إلى عدم كفاءة المترجم وتتجسد إما في تكرار ما يجب إسقاطه أو في عدم تركيز وتجميع ما كان شرحا في النص الأصلي. لذلك، تؤكد كريستيان نورد بأن كل ترجمة لا تتقيد بتعليمات الباعث تنتج عنها أخطاء لأن تلك التعليمات بمثابة لوحة القيادة التي تتضمن أهم عنصر وهو «الهدف » من الترجمة. في الأخير نلاحظ أن هذا البحث يتفق مع دراستنا في ضرورة توجيه الترجمة نحو احتياجات وثقافة المتلقي بإضافة معلومات وتعديل أخرى أو إسقاطها وتعويضها بغيرها، ويختلف في كونه ركز على أخطاء النقل التي صنفتها نورد دون الإجابة على قائمة الأسئلة التي وضعتها والاكتفاء بإجابة ضمنية على أهم الأسئلة وهي من هو الباعث؟ ولمن يوجه ترجمته؟ ولماذا يريد أن يترجم؟ كما أنه على خلاف هذا البحث، لم نتطرق في دراستنا إلى تحليل أخطاء النقل.
6.1. الباحثة لورا كروز قارسيا
دراسة(2 013) بعنوان «Copy Adaptation, or How to Translate a Source Product for a Target Market»10 حاولت فيها الباحثة Laura Cruz García توضيح ضرورة الاهتمام بنوع « المُنتج وبتوقعات التجار والمشترين في الترجمة الإشهارية، واختارت الباحثة كعينة نصوصا متوازية عن إعلانات لمنتجات الإعلام الآلي من مجلات أمريكية مترجمة في ّإسبانيا. ثم درست تأثيرها على متلقيها في سياقين ثقافيين مختلفين بعد إجراء مقارنة للدلالات الضمنية والدلالات الظاهرة في كلا النصين وتبيان الاستراتيجيات المستعملة في ترجمتها. وقد استنتجت مدى فعالية تقنية «التكييف» في إنتاج نص موازي يتناسب واحتياجاته المتلقي(مستعمل الإشهار) إلى جانب تقنيات أخرى مثل الإضافة والحذف والتوطين والتغريب والتطويع11.
نلاحظ أن الدراسة الحالية تتفق مع الدراسات السابقة على فعالية المبدأ الوظيفي الغائي في الترجمة لاهتمامه بسياق التلقي أكثر من السياق الأصلي، كما تتفق في عنصر آخر مهم وهو استعانة المترجم بتقنيات لغوية وأسلوبية لتجسيد المبدأ الوظيفي ينتج عنها بالضرورة توطينا أو تغريبا. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن نظرية الهدف تتسم بالشمولية و» تهدف «إلى تحقيق غاية معينة بكل الوسائل المتوفرة حتى وإن كانت مستمدة من نظريات سبقتها. أما عن جوانب الاختلاف، فقد تجسدت في تركيز الدراسات السابقة على النص الأصلي قدر تركيزها على النص المنقول. من جانب آخر تبنت بعض هذه الدراسات مبدأ كريستيان نورد عموما دون تطبيق نموذج الأسئلة على المدونات المختارة، ربما لأن النموذج صُمم أساسا لتعليمية الترجمة، ومع ذلك فإن نورد تؤكد أنه يمكن تطبيق نموذجها التحليلي على كل النصوص المتخصصة.
2. الإطار النظري
1.2. مقاربة كتارينا رايس Katarina Reiss
هي من رواد التيار الوظيفي التي صنفت النصوص إلى : نص إخباري أو تعبيري أو استثاري أو عملي12 أو نص متعددة الوسائط(Reiss 1989 : 108-110)، بحيث تُنقل هذه الوظائف إلزاميا إلى النص المترجم. ورغم أهمية هذا التصنيف اعتبره بعض الباحثين ومنهم ماندي (Munday 2016 : p. 76) هشا لأنه يأخذ في الاعتبار وظيفة النص الأصلي دون النص المترجم، في حين قد تختلف وظيفة النصين باختلاف المتلقي، وهذا ما سنكتشفه في العينة المختارة المتمثلة في نص أصلي إخباري ثقافي يتحول إلى نص استثاري سياحي عند ترجمته.
2.2. مقاربة هانز فرمير Hans J. Vermeer
يرى الباحث الألماني هانز فيرمير مؤسس نظرية الهدف (1 971) أن الترجمة تتم وفقا لاحتياجات المتلقي ووظيفة النص المنقول في علاقته بالنص الأصلي من حيث الموضوع، فيقوم المترجم بتكييف المرجعيات الثقافية بين النصين بعد تلقي تعليمات الباعث في رسالة مختصرة :
Each text is produced for a given purpose and should serve this purpose. The skopos rule thus, reads as follows : translate/interpret/speak/write in a way that enables your text/translation to function in the situation it is used and with the people who want to use it and precisely in the way they want it to function » (Vermeer 1989 : 29).
3.2. مقاربة كريستيان نورد Christiane Nord
تتفق كريستيان نورد مع فيرمير في كون مسار النقل يخضع «للوظيفة المحتملة» التي تحددها احتياجات المتلقي، ولا يخضع لوظيفة النص الأصلي « التوصيفية »13 التي يحددها الكاتب كما هو معتمد في النظريات اللسانية، فالترجمة عند نورد لا تعدو أن تكون « فعلا تواصليا » يتجسد في اتخاذ القرار المناسب وفقا لغاية محددة. على هذا الأساس صممت نورد نموذجا تحليليا لتدريب الطلبة على الترجمة الوظيفية، غير أنها تختلف مع فيرمير الذي منح «سلطة» مطلقة للمترجم في اتخاذ القرار وترى أن الباعث هو الذي يحدد الهدف من النقل وليس المترجم. لهذه الأسباب أولينا اهتماما خاصا بمقاربة نورد التي تقف حلا وسطا بين ولاء رايس لوظيفة النص الأصلي وبين تخلي فيرمير عنه تماما. والجدير بالذكر أن نموذج نورد أثبت فعاليته على المستوى الأكاديمي والمهني، ويتمثل في تحليل ما أسمته بـ«المعالم الداخلية» و«المعالم الخارجية»14 للنص بعد الإجابة على 17 سؤالا. وتضيف نورد أن الترجمة ليست مسارا خطياا(Linear model) ينطلق من المصدر إلى الهدف مباشرة، بل هي مسار دائري(Looping model) يتطلب العودة إلى نقطة البداية أي إلى النص الأصلي وتحليل عناصره :
Who transmit ? To whom ? What for ? By which medium ? Where ? When ? Why ? A text with what function ? On what subject matter does he say what ? (what not) ? In what order ? In which words ? In what kind of sentences ? In which tone ? To what effect ? Using which non-verbal elements ? In which manner ? (Nord 1991 :36)15.
بعد الإجابة عن الأسئلة تتضح المعالم الداخلية والخارجية للنص الأصلي التي تُسهم في تحقيق وظيفة النص المنقول.
-
المعالم الداخلية (Nord 1991 : 39-78) : الموضوع وبنية الجمل والمفردات والمضمون والافتراضات السابقة لمتلقي النص الأصلي/المترجم والدلالات الضمنية التي تتطلب تصريحا.
-
المعالم الخارجية وهي ذات أهمية بالغة في مسار النقل:
-
« الباعث » أي الشخص الذي يطلب الترجمة ونيته والوظيفة التي حددها للنص الأصلي.
-
« المتلقي وتوقعاته » : هو الموجه الأساسي لمسار النقل ويتوجب على المترجم أن يجمع معلومات عنه وعن وأهدافه.
-
«وسيلة الاتصال » : نص كتابي؟ شفوي(نص عادي أو مطوية)؟ سمعي؟ بصري؟ تواصل اجتماعي؟ الخ. وهي عنصر أساسي لإحداث تأثير متكافئ في السياق الآخر.
-
« عامل الزمن » : مهم للغاية لأن اللغة في تطور مستمر، متى كُتب/نُشر النص الأصلي؟ ما هي صعوبات النقل في حالة وجود فارق زمني كبير بين الأصل والترجمة؟
-
« الفضاء المكاني » للنص الأصلي : أين تم إصداره؟ هل المتلقي لديه فكرة مسبقة عنه؟
-
« الدافع » إلى كتابة النص ووظيفته : هل يظهر في محيط النص؟ وهل المتلقي على علم به؟
-
«الدلالات الضمنية » كنبرة النص المتجسدة في الترقيم والحروف الناتئة والكتابة المائلة.
-
عناصر ما وراء النص16 : أي الحركات والصور وتعبيرات الوجه والرسومات، الخ.
حققت نظرية الهدف بمختلف مقارباتها نجاحا واضحا في الترجمة المتخصصة، خاصة نموذج كريستيان نورد الذي يتسم بالدقة والشمول. ولكن من الانتقادات التي وجهت لها صعوبة اعتمادها في الترجمة الأدبية والدينية التي تطغى عليها الآراء الذاتية، بحيث يتعذر أحيانا إسقاط عناصر من النص الأصلي لأنها تعكس مبادئ وثقافة الكاتب وتعويضها بما يلاءم ثقافة المتلقي وتطلعاته وأذواقه، وسنحاول في ما يلي تأييده أو تفنيده من خلال تحليل مدونة الدراسة :
3. نموذج التطبيق
1.3. النص الأصلي17
مفتاح تحليل النص:
-
نوع الجمل = إثباتيه - نوع النص = إخباري/حجاجي.
-
مصطلحات = تبين المجال التطبيقي للنص.
-
وحدات لسانية ملغاة لأنها لا تخدم هدف النقل الدعائية.
بالصور، قصة قصر الباردو الذي حُول إلى متحف أثري
⌡يعتبر قصر الباردو من بين أجمل وأهم المباني الحفصية بالجزائر العاصمة وهي المنازل التي شيدت خارج أسوار المحروسة لتكون مقرات استراحة لأعيان المدينة وزوارهم. بُني قصر الباردو في أعالي العاصمة في فترة الباشا مصطفى، حيث استقر الأمير الحاج بن عمر في الجزائر العاصمة بعد أن منحه ياي الجزائر حق اللجوء السياسي على خلفية نزاع على الحكم في تونس، وشيد قصره الباردو تيمنا بالطراز الأندلسي الذي يحيل إلى كلمة البارادو الاسبانية التي تعني المكان المغطى بالورود. افتتح القصر المتحف عام 2 013 بعد ست سنوات من عمليات الترميم، وبحسب محافظة التراث بالمتحف⌡...⌠، فان المتحف تخصص في عرض مراحل ما قبل التاريخ والايثنواغرافيا، حيث يحوي قرابة 15 ألف قطعة تعود لفترة ما قبل التاريخ، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من القطع الايثنوغرافية التي تعود إلى القرون الماضية، وفيما يلي بعض الصور التي تجول بنا في إرجاء المتحف⌡...⌠. شهد قصر الباردو آخر أعمال توسعة به في عام 1 879 من قبل صاحبه آنذاك الفرنسي جوري الذي اضاف إلى بنيته اسطبلات وحظيرات للخيول . يجسد الباردو كغيره من قصور جزائر مزغنة ثقافة الانغلاق والاختباء عن أعين المختلسين فنشاهد السلالم الداخلية والغرف تطل بمجملها على فناء أو حديقة من أجل تفادي خروج أسرار أهل المنزل. تم تحويل قصر الباردو إلى متحف عام 1 930 بمناسبة مئوية الاحتلال الفرنسي، ليتم تصنيفه كمتحف وطني عام 1 985، وقد بوشرت في السنوات الأخيرة عمليات ترميم واسعة لاستعادة وجهه الحقيقي وقد تم نقل العديد من القطع الأثرية التي كان يحويها إلى عدد من المتاحف المتواجدة بالجزائر كل حسب اختصاصه. عرف صاحب القصر بايلائه لحريمه عناية كبيرة وقد تجلى ذلك في تخصيصه لأركان متنوعة من تحفته المعمارية لهن، فمن قاعات الخياطة والطرز إلى الحمامات الواسعة إلى الحدائق والأفنية. الديوان وهو صالون كبير كان صاحب البيت يقيم فيه الحفلات والمآدب، ومعلق بالديوان جناح يتيح مزيدا من الراحة والهدوء. الزائر لهذه التحفة المعمارية يلمس الذوق الرفيع لصاحبها الذي ابرز تأثره بالطراز الأندلسي والعثماني، حيث اعتمد مجموعة من العناصر الهندسية التي تبعث على الإحساس بالهدوء وصفاء الذهن. شُيد القصر على مساحة تناهز 1 650 متر مربع خصص منها 550 متر مربع لإنشاء فناء رحب يستقبل فيه كل داخل للمبنى. تعبر هندسة قصر الباردو عن حضارة مغلقة أمام أعين المتطفلين من الخارج السلالم مطلية بخزف أزرق والدخول من باب ضخم، ليتيح الوصول إلى باحة مزينة بحوض من الرخام، ونافورة بمياه نفاثة. لا يزال القصر المتحف مفتوحا إمام الزوار الراغبين في اكتشاف أركانه وهندسته في انتظار استرجاع التحف والقطع الأثرية التي وزعت على مجموعة من المتاحف خلل فترة ترميم الباردو ليستعيد القصر الجميل رونقه وحيوية المتحف من جديد⌠18.
-
سياق الموقف الافتراضي في سوق العمل: يتعلق الأمر بوكالة سياحية جزائرية تسعى إلى الترويج لمعلم سياحي/ثقافي في الجزائر العاصمة وهو متحف « الباردونBardo » عن طريق استقطاب سياح أجانب ناطقين باللغة الإنجليزية.
-
تعليمات الباعث : يطلب رئيس الوكالة من مترجمه نقل النص الصحفي إلى اللغة الإنجليزية مع تحويله إلى مطوية سياحية دعائية تجسد هذه الغاية.
2.3. مسار الترجمة
يتبع المترجم مسار الترجمة المهنية المتخصصة المتكون من ثلاث مراحل: «ما قبل الترجمة» و«إعادة الصياغة» و«ما بعد الترجمة».
1.2.3. مرحلة ما قبل الترجمة (Pre-transfer)
قراءة النص الأصلي قراءة أُولى للإحاطة بالغرض من كتابته ونشره، وقد تبين أن وظيفة النص إخبارية تتضمن معلومات موضوعية وملموسة. ثم قراءة ثانية للنص للتأكد من مقروئيته من الناحية الدلالية، بحيث يستطيع أي قارئ عادي أن يستوعب مضمونه.
الجدول 1 : الإجابة على الأسئلة الواردة في قائمة كريستيان نورد
السؤال |
الجواب |
من هو باعث النص الأصلي؟ |
إعلامي جزائري يعمل بالإذاعة الجزائرية |
من هو صاحب الطلب؟ |
وكالة سياحية جزائرية يعمل لديها المترجم |
من هو متلقي النص الأصلي؟ |
القارئ/السائح العربي/الجزائري |
من هو متلقي النص المترجم؟ |
القارئ/السائح الأنجلوفوني |
ما هو الغرض من إصدار النص الأصلي؟ |
تعريف القارئ بـ « متحف الباردو » |
ما هو الغرض من إصدار النص المترجم؟ |
جلب سياج أجانب ناطقين باللغة الإنجليزية لزيارة المتحف |
ما هي وسيلة التواصل بين باعث ومتلقي النص الأصلي؟ |
الإنترنيت/موقع إلكتروني:https://www.radioalgerie.dz/news/ar/reportage/76375.html |
ما هي وسيلة التواصل بين باعث ومتلقي النص المترجم؟ |
مطوية دعائية على الموقع الإلكتروني للوكالة السياحية |
أين تم إصدار النص؟ |
على الموقع الإلكتروني للإذاعة الجزائرية |
متى تم إصدار النص؟ |
03/مايو/2 016 على الساعة 12 h 11 |
ما هي وظيفة النص الأصلي؟ |
إخبارية/حجاجية = التعريف بـالمتحف |
ما هي وظيفة النص المنقول؟ |
دعائية/استثارية = الترويج للمتحف |
ما هو محتوى النص الأصلي؟ |
الفكرة العامة: نبذة تاريخية عن تحول قصر الباردو إلى متحف. |
ما نوع المصطلحات المستعملة؟ |
أسماء ونُعوت وألقاب تُوحي برُقي المكان ودوره الثقافي/الفني في المجتمع الجزائري، مثال : الحفصية- خارج أسوار- أعيان- الطراز أندلسي- عثماني- البارادو- ترميم- قطعة – توسعة- فناء مزغنة - حريم - ديوان- جناح- تُحف- ذوق- مطلية- باحة - نافورة. |
ما نوع الجمل؟ |
أغلبها فعلية/إثباتيه/حجاجية، مثال : |
ما هي نبرة النص الأصلي وأسلوبه؟ |
أسلوب صريح ونبرة معتدلة |
ما هي دلالاته الضمنية؟ |
تكاد تنعدم في النص بحكم وظيفته الإخبارية ما عدا العنوان الذي تتصدره عبارة «بالصور » التي تدعم الجانب الدلالي جلبا لانتباه القارئ، |
ما هي عناصر ماوراء النص |
تسعة (09) صور فوتوغرافية ملونة من داخل وخارج المتحف |
2.2.3. مرحلة إعادة الصياغة في اللغة/الثقافة الهدف (Transfer)
يعتمد المترجم كليا على هذه الإجابات في توجيه مسار النقل نحو سياق «المتلقي»، متحريا عنصر الانسجام19 والاتساق20 بين مبنى النص ومضمونه، فيشرع في النقل إلى اللغة الإنجليزية ويحتفظ بالعناصر التي تخدم هدف الترجمة (استجلاب سياح أجانب) ويستغني عما سواها. ثم يختصر المحتوى في مطوية سياحية ويضيف كل الدلالات التي يحتاجها المتلقي في سياقه الخاص حتى لو لم تظهر في النص الأصلي، وهي كالتالي:
-
الوجه الأمامي للمطوية:
-
نبذة تاريخية عن المتحف: تؤخذ من جدول الإجابة عن الأسئلة.
-
دعوة الوكالة السياحية لتنظيم زيارة للمتحف/عنوان الوكالة وأرقام الاتصال بها.
-
الوجه الخلفي للمطوية:
-
أوقات زيارة المتحف بالتفصيل (عنصر لم يرد في النص الأصلي).
-
عناوين بعض الفنادق في الجزائر العاصمة 05 نجوم : يدرك كل من الباعث والمترجم ضمنيا أن الزائر(المتلقي) الأجنبي الذي ينتقل من بلده نحو الجزائر يملك بديهيا الإمكانيات المادية التي تخوله النزول في فندق من طراز رفيع (لم يرد في النص الأصلي).
-
الصرف البنكي بالجزائر العاصمة (لم يرد في النص الأصلي).
-
وسائل المواصلات بالجزائر العاصمة: ميترو، حافلات، سيارات الأجرة(عنصر لم
-
يرد في النص الأصلي).
-
الوحدات الدلالية التي تمَ إسقاطها لأنها لا تستجيب لاحتياجات المتلقي/الزائر:
-
«في انتظار استرجاع التحف والقطع الأثرية التي وُزعت على مجموعة من المتاحف خلال فترة ترميم الباردو ». من خلال هذه الجملة قد يفهم المتلقي بأن المتحف غير
-
مكتمل ولا داعي لزيارته، ولكن ليس الأمر كذلك لأن الفترة الزمنية بين كتابة النص الأصلي والترجمة هي04 سنوات (2016-2020) كانت كافية لاسترجاع القطع الأثرية.
-
«... بمناسبة مئوية الاحتلال الفرنسي» = تسترجع الجملة إلى الأذهان عنصرا سلبيا لا يتناسب مع ترجمة دعائية.
-
نوع الجمل يتغير من فعلية طويلة/إثباتيه/حجاجية إلى جمل اسمية إستدعائية في شكل عناوين قصيرة تكتب بالبُنط العريض لجلب انتباه المُتلقي.
-
الوحدات الدلالية التي يُحتفظ بها لأنها تخدم هدف الترجمة واحتياجات المتلقي/الزائر:
-
» ...التي تبعث على الإحساس بالهدوء وصفاء الذهن... «
-
«...على مساحة تناهز 1 650 متر مربع خصص منها 550 متر مربع لإنشاء فناء
-
رحب» = رحابة المكان.
-
«...تم تحويل قصر الباردو إلى متحف عام 1 930» = دلالة على أهمية البناية التي
-
كانت في الأساس قصرا.
-
«...حضارة مغلقة أمام أعين المتطفلين» = استثارة فضول المتلقي الأجنبي لاكتشاف
-
عنصر ثقافي غريب عنه.
-
«...السلالم مطلية بخزف أزرق والدخول من باب ضخم...» = تقديم صورة عن فن
-
البناية العربي الإسلامي الذي يختلف في ثقافة المتلقي.
-
«...لا يزال القصر المتحف مفتوحا أمام الزوار الراغبين في...» = دعوة مباشرة للزيارة ينشرح لها المتلقي الأجنبي.
-
الصور الفوتوغرافية: تنتمي إلى المعالم ما وراء نصية وتلعب دورا جد مهم في الدعاية السياحية ولا يُستغنى عنها. ولكن بحكم المساحة القليلة المخصصة للنص في المطوية السياحية، احتفظ المترجم بصورة واحدة الأكثر تعبيرا وتحقيقا لهدف الترجمة21.
3.2.3. مرحلة ما بعد الترجمة (Post-transfer)
-
مراجعة النص المترجم و«تصحيح» الأخطاء اللغوية إن وُجدت.
-
قراءة أخيرة متأنية للتأكد من تحقق هدف الترجمة وفقا لتعليمات الباعث (رئيس الوكالة).
-
جمع المصطلحات المترجمة في معجم مستقل على برنامج Word أو Excel مع الشرح. يُسهم هذا النوع من المعاجم الفردية في توحيد المصطلحات في نصوص مماثلة. للإشارة، لا جدوى من إجراء ترجمة رجعية22(انطلاقا من النص المترجم إلى النص الأصلي) للتأكد من نقل جميع الوحدات دون إسقاط أو زيادة، لأن الترجمة الوظيفية كما أسلفنا تحتمل الزيادة والإسقاط وفقا لاحتياجات المتلقي.
مناقشة
نلاحظ من خلال الترجمة تغييرا في وظيفة النص من نص إخباري/حجاجي إلى نص دعائي استثاري وفقا لاحتياجات المتلقي الأجنبي إلى اكتشاف ثقافات جديدة وأسلوب حياة مختلف عن أسلوب حياته، فالترويج لمتحف عريق في بلد عربي مسلم يجعله يتوقع بطبيعة الحال هندسة معمارية مختلفة وألبسة وأواني وديكورات لم يتعود عليها، وهذا هو أساس الدعاية التي تعتني بالجانب السيكولوجي للمتلقي وتلعب على هذا الوتر بالذات في استجلاب أكبر عدد ممكن من السياح، كما يحرص المترجم على نقل « المصطلحات » بدقة لأنها أساسية في الترجمة الدعائية أيا كان مجالها. وفي ما يتعلق بدعائم النص، اختار المترجم صورة تُظهر أجمل حجرات المتحف بها أثاث مزخرف يوحي بعراقة المكان ورقي الذوق لدى ملاك القصر آنفا، كما أضاف العديد من الوحدات الدلالية وفقا لاحتياجات المتلقي، كعناوين الفنادق وأوقات الزيارة ووسائل النقل والصرف البنكي، وأضاف أخرى وفقا لتوقعات المتلقي مثل الإشارة إلى فن الطبخ ومختلف الصناعات التقليدية(spectacular collection، Tassili-n-Ajjer، localy made handicrafts، This architecture، الخ. لجأ المترجم أيضا إلى تضمين دلالات أخرى في شكل دعوة غير مباشرة
لزيارة المتحف: « Willing to visit the museum ! »مع علامة تعجب في آخر الجملة تجسد نبرة الحماس والتشويق. وفي ما يتعلق بالفضاء المكاني للنص، يُفترض أن المتلقي الأنجلوفوني يعلم مسبقا بأن المتحف موجود في بلد من شمال إفريقيا قريب نسبيا من بعض الدول الأنجلوفونية، وأن هذا البلد عربي ويدين معظم سكانه بالديانة الإسلامية، مما يُسهل له استيعاب محيط نص المطوية السياحية وهندسته وزخارفه، الخ. أما عن الفارق الزمني بين كتابة النصين الأصلي والترجمة فلا يُعتد به كثيرا في هذا المثال لأنه ضئيل (النص الأصلي عام 2 016 وحُول إلى مطوية عام 2 020)، خصوصا أنه في سياق الحال لم تطرأ تغييرات خلال هذه الفترة الزمنية عدا استرجاع التحف بعد عملية الترميم.
خاتمة
حاولنا من خلال هذه الدراسة إبراز دور الأبحاث الوظيفية في تسهيل مهمة المترجم عبر تطبيق نموذج كريستيان نورد المتمثل في الإجابة على مجموعة من الأسئلة حول النص الأصلي مبنى ومعنى بغرض تحقيق تكافؤ وظيفي. بعد التحليل والترجمة استنتجنا أن نظرية الهدف بمختلف مقارباتها تنطلق من مبدأ منطقي وهو توجيه مسار النقل نحو سياق تلقي النص لغة وثقافة. فعلا، إن علة وجود الترجمة هو وجود «الآخر» ولولا وجود « الآخر » ما كانت هناك حاجة للترجمة. وبموجب هذه النظرية تقع على عاتق المترجم مسؤولية كبيرة في اتخاذ قرارات قد تتفق أو تختلف مع محيط النص الأصلي، بمعنى أن تحليل النص الأصلي وفقا لنموذج نورد ليس غاية في حد ذاته بل هو وسيلة لبلوغ غاية إنتاج نص وفقا لسياق المتلقي.
نعتبر هذا الجانب من إيجابيات نظرية الهدف التي ترتقي بالمترجم من مجرد ناقل إلى خبير يدرك ماهية الترجمة وقيمتها الاجتماعية، لكن بعض النقاد يرى الجانب السلبي للنظرية الذي يكمن في صعوبة تطبيقها على الترجمة العامة (رغم تصريح رايس وفيرمير ونورد بعكس ذلك) بحيث يصبح أي تعديل أو إضافة أو إسقاط مُخلا بأمانة النقل، ونحن نسلم بهذه الحقيقة نسبيا وفي حدود بعض النصوص دون غيرها. أما في الترجمة المتخصصة كما لاحظنا، فلا ضير من تحويل نص صحفي إلى مطوية دعائية طالما أن ذلك لا يخدش مبادئ الكاتب ولا آراءه، الأمر سيان في ترجمة نص عقد ميلاد من العربية إلى الإنجليزية، كأن يسقط المترجم الدلالات الموجودة على الهامش مثل ساعة الميلاد واسم القابلة لأن المتلقي لا يحتاجها، بل قد تكون ترجمتها مدعاة للسخرية.
نستنتج مما سلف أن إسقاط بعض الوحدات من النص الأصلي أو إضافة أخرى في النص المترجم لا يتناقض مع أمانة النقل بل يُكرسها في شكل آخر وهو الأمانة تُجاه احتياجات المتلقي، في ما تسميه نورد بـ«الولاءLoyalty »23، ولكن من الواضح أيضا أن هذا لا يعدو أن يكون تكييفا وظيفيا. لنسمي إذن الأشياء بمسمياتها: الجديد الذي أتت به نظرية الهدف عموما هو «تكييف وظيفي » على عكس «التكييف الدلالي» الذي أتت به النظرية اللسانية وهو تقنية من تقنيات الترجمة، كأن يُحوَل الدينار الجزائري إلى ما يقابله من يورو أو أن يُحول الشاي إلى قهوة في سياق ثقافي من الحياة اليومية، أو أن تُكيف الأحجام والمقاييس من ثقافة إلى أخرى، الخ. لذلك استعمل أنصار نظرية الهدف مصطلحين آخرين بدلا عن «التكييف» لإظهار الاختلاف بينهم وهما «التوطين» والتغريب«، ويبقى القرار في يد المترجم في اختيار أحدهما دون الآخر وفقا لتعليمات الباعث.
عملا بهذه المعطيات نشجع الأساتذة الباحثين والمترجمين المهنيين على اعتماد الترجمة الوظيفية ونظرية الهدف تحديدا، على أن تُستعمل بتحفظ في النصوص العامة كي لا تطغى الآراء الذاتية المُخلة بأمانة النقل. تجدر الإشارة كذلك إلى أننا استفدنا من الدراسات السابقة في تثبيت عنوان البحث تفاديا لتكرار عناوين مشابهة، كما دعمنا توصياتها الخاصة بتطبيق المنهج الوظيفي في الترجمة الإشهارية سواء في المجال السياحي أو في غيره من المجالات، أما الترجمة اللغوية على المستوى المعجمي والتركيبي والدلالي، فتبقى متواجدة في كل أنواع النصوص.