المقدمة
تمر اللغة بمرحلة المشافهة قبل مرحلة التدوين، أي أنها تكون في بادئ أمرها وسيلة للتواصل بين أفراد المجتمع الواحد الناطق بها، لا مسجّلةً في بطون الكتب، والتاريخ يثبت أن هناك لغات نشأت وترعرعت ثم اندثرت قبل أن يعرف الإنسان الكتابة؛ لأنه ليس بمقدور أي فرد أن يحتفظ بكل مفردات لغته، مهما أوتي من حدة الذكاء وقوة الذاكرة؛ فذلك يفوق القدرة البشرية وعليه نحتاج للمعاجم التي تضمن لنا الحفاظ عليها، فوضعت معاجم عدة ومتنوعة حسب الهدف الذي أُلفت من أجله، فما هو دور المعجم في تحقيق التواصل اللغوي؟ وهل يستعمل العربي المعجم من حين لآخر لتحقيق ذلك أم أنه يلجأ إليه إذا ما أشكل عليه معنى كلمة معينة؟ وللإجابة على هذين السؤالين اخترت معجم لسان العرب لابن منظور بصفته عينة للدراسة يتضح من خلالها القيمة التواصلية التي يقدمها للمتكلم العربي بصفة عامة بغض النظر عن تخصصه وتوجهاته العلمية، وعليه يتوجب علينا الوقوف على مفهومي المعجم والتواصل.
1. المفاهيم
1.1. فهوم المعجم
-
لغة : تأتي مادة (عجم) في اللغة العربية للدلالة على الإبهام والغموض وعدم البيان والإفصاح، وهذا ما ذهب إليه « ابن جني » في كتابه سر صناعة الإعراب (جني، 1954، صفحة 40)، ويقول « ابن منظور » : « قال أبو إسحق : الأعْجَمُ الذي لا يُفْصِحُ، ولا يُبَيِّنُ كلامَه وإن كان عَربيّ النَّسب...والأنثى عَجْمَاءُ...فأما العَجَمِيُّ فالذي من جنس العَجَم أفصح آو لم يُفْصِح...وينسب إلى الأَعْجَمِ الذي في لسانه عُجْمَة... » (منظور، 2003، الصفحات 385-386)، ويقول « الفراهيدي » في معجمه العين : «استعجمت الدار عن جواب السائل سكتت » (الفراهيدي، 1980، صفحة 238)، ويقول « الجوهري » في معجمه الصحاح : «صلاة النهار عجماء، لأنه لا يجهر فيها بالقراءة » (الجوهري، 1981).
وإذا تم إدخال الهمزة على الفعل الثلاثي (عجم) ليصبح (أعْجَمَ) فإنه في هذه الحالة يكتسب معنى جديدا وهو إزالة اللبس والسلب والنفي وهذا يتضح من خلال قول « ابن جني » : « ...أعجمت الكتاب إذا بيَّنته وأوضحته، فهو إذا لسلب معنى الاستبهام لا إثباته» (جني، الخصائص، تحقيق : محمد علي النجار، الصفحات 75-76).
ومن هنا أطلق لفظ (الإعجام) على نقط الحروف لأنه يبعد اللبس والغموض والإبهام بين ما تماثل نحو : (ج، ح، خ ) و(ب، ت، ث) و(ر، ز)، ومن هنا جاءت لفظة (معجم) وهي اسم مفعول من الفعل (أعجم) كما يمكن أن يكون مصدراً ميمياً من الفعل نفسه ويكون معناه (الإعجام) أي إزالة العُجمة والغموض والإبهام، وكلمة (معجم) تجمع على (معجمات) جمعا مؤنثا سالما كما تجمع (معاجم) جمع تكسير. -
اصطلاحًا: وردت تعريفات عدة للمعجم من قبل اللغويين وإن اختلفت لفظا فهي تتفق معنى نذكر منها: هو «مرجع يشمل كل كلمات لغة ما أو مصطلحات علم ما مرتبة ترتيبا خاصا مع تعريف كل كلمة أو ذكر مرادفها، أو نظيرها في لغة أخرى أو بيان اشتقاقاتها أو استعمالاتها أو معانيها المتعددة أو تاريخها أو لفظها». (الخولي، 1982، صفحة 74)
ولا يخرج عن هذا المعنى ما أورده « حلمي خليل » مع إضافة نقطة تتمثل في معلومات أخرى لها علاقة بالمادة اللغوية يقول في ذلك : هو« كتاب يحتوي على كلمات مرتبة ترتيبا معينا، مع شرح لمعانيها، بالإضافة إلى معلومات أخرى ذات علاقة بها، سواء كانت تلك الشروح أو المعلومات باللغة ذاتها أو بلغة أخرى » (خليل، 2003، صفحة 14) (عمر، 2003، صفحة 162)، كما يطلق المعجم على « المرجع المتخصص الذي يحوي المصطلحات والتعبيرات والتراكيب التي تدور في فن بعينه، أو تخصص بذاته، أو مجال محدد » (سليمان، 2008، صفحة 59).
ومن خلال ما سبق ذكره من تعريفات يتضح أن المعجم هو: مرجع يضم كلمات لغة ما مرتبة ترتيباً معيناً، مصحوبة بشرحها صوتياً وصرفياً ونحوياً ومعجمياً أو على الأقل جانباً من هذه الجوانب وهذه الشروحات قد تكون من اللغة نفسها أو بلغة مغايرة، كما يمكن أن يكون المعجم عاماً أو متخصصاً وهنا إشارة إلى أنواعه، وغالباً ما يكون المعجم مرتباً ترتيباً هجائياً، وفي وقتنا الحالي مع التطور التكنولوجي لم يعد المعجم مقتصراً على الكتب إذ نجد المعجم الإلكتروني.
2.1. مفهوم التواصل
-
لغة : جاء في لسان العرب من مادة (وصل) : « وصلت الشيء وصلا وصلة وصلة والوصل خلاف الفصل واتصل الشيء بالشيء : لم ينقطع، وتوصل إليه : انتهى إليه وبلغه، والوصلة : الاتصال، والوصل : ضد الهجران، والتواصل ضد التصارم » (منظور، 2003، الصفحات 286-287).
فالتواصل في مفهومه اللغوي لا يخرج عن معنيين ألا وهما : الأول هو الربط والجمع بين شيئين و بهذا يكون خلاف النأي والقطع والهجران، أما الثاني فيكمن في الانتهاء والبلوغ إلى مأرب ما، ومن دون شك الربط بين شيء وشيء آخر والجمع بينهما يكون حتما لغاية معينة ولديدن محدد. -
اصطلاحا : إن أول نقطة يجب الوقوف عندها في المفهوم الاصطلاحي للتواصل هو وجود نوعين له ألا وهما التواصل اللغوي و التواصل غير اللغوي، ويتضح ذلك جليا في المفهوم الذي أورده شارل كولي (C .COOLEY) إذ يرى أن التواصل هو : « الميكانيزم الذي بواسطته توجد العلاقات الإنسانية وتتطور، وإنه يتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال وتعزيزها في الزمان ويتضمن أيضا تعابير الوجه وهيئات الجسم والحركات ونبرة الصوت والكلمات والكتابات والإنترنت وكل ما يشمله آخر ما تم من الاكتشافات في التواصل » (الباحثين، 1991، صفحة 57).
فالتواصل هو أساس العلاقات الإنسانية ونموها وتفاعلها وهذا ما يفرض وجود مرسل و متلق، فهو ينقل الأفكار والمعلومات الموجودة في النفس التي يريد المرسل إيصالها للمتلقي، وذلك باستخدام وسائل مختلفة في مكان وزمان معينين، وهذه الوسائل إما أن تكون لفظية سمعية وتمثلها اللغة المنطوقة (الأصوات)، أو مرئية و تمثلها اللغة المكتوبة، أما غير اللفظية فتتمثل في الإيماءات (تعابير الوجه) وحركات الجسم مثل الأيدي والأرجل (وهي بدورها تندرج ضمن الوسائل المرئية)، « ... كما يمتد هذا الاتصال غير اللغوي ليشمل لغة الألوان والملابس والنقوش والهدايا والعطور و الورود... الخ وقد يتم عن طريق تكرار صوت معين كما هو الحال مع إشارات الاستغاثة من الطائرات والسفن في عرض البحر » (الراجحي، 1972، الصفحات 41-55).
وعليه فإنّ التواصل اللغوي هو الذي يتم عن طريق اللغة منطوقة كانت أو مكتوبة، وذلك باستخدام وسائل مختلفة كالخطابات والكتب، أما التواصل غير اللغوي فهو الذي لا وجود فيه للّغة وإنما يتم عن طريق الحركات والإيماءات، والرموز والإشارات كلغة الصم البكم وإشارات المرور، وهي عبارة عن بدائل للكلام وفي كثير من الأحيان تكون مصاحبة له.
إن الفرد العربي يمتلك معجماً محتشماً يستخدمه في حياته اليومية، فالواقع يثبت أننا نحصر أنفسنا في الكلمات التي نعرفها أثناء تواصلنا أو كتاباتنا أو إنجاز بحوثنا وهي ذخيرة تعلمناها في مسيرتنا التعليمية أو ما اكتسبناه عن طريق المطالعة مستغنيين عن الخدمات التي تقدمها لنا المعاجم بأنواعها سواء كانت عامة أو متخصصة، وهذا ما أدى إلى تقليص المفردات المستعملة في التواصل اللغوي مما جعلها حبيسة المعاجم، ناهيك عن استعماله لمفردات لا تعبر عن المعنى الدقيق أو بالأحرى حمّلها معنى غير معناها.
يعتقد المتعلم العربي أن المعاجم هي مخصصة لشرح المفردات الصعبة فقط، لذلك نجد غياب ثقافة استعمال المعجم لدى المتعلم بصفة خاصة والمؤسسات التعليمية بصفة عامة وعليه لا بد من تشجيع المتعلم العربي على استخدام المعاجم لما لها من دور كبير في اكتساب ثروة لفظية هائلة، إضافة إلى تزويده بمعلومات موسوعية تساعده في تحقيق التواصل في مواقف عدة، كما يضفي على أسلوبه بلاغة جمالية التي سيكتسبها من خلال الشواهد المبثوثة في ثناياه من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأشعار وأمثال وحكم، ويتجلى ما سبق ذكره من خلال التعريف أو الشرح الذي يورده المعجمي في معجمعه، ونظرا لأهميته لا بد من الوقوف على مفهومه وأنواعه.
2. التعريف (Définition)
يعتبر التعريف من أهم العناصر التي يقوم عليها النص المعجمي «إذ يأتي في مقدمة الأشياء التي يهتم بها علماء المعاجم، لأن كثيرا من قرارات المعجمي تتوقف سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الطريقة التي يتعامل بها مع المعنى في معجمه» (خليل، 2003، صفحة 74).
والتعريف هو: «نوع من التعليق على المدخل، تلتقي فيه أنواع من المعلومات الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية، والبلاغية، والأسلوبية في شكل نصوص متتابعة... » (الحمزاوي، 1995، صفحة 339) .إذن التعريف وظيفته بيان دلالة الكلمة باستخدام إحدى طرق التعريف المعجمي .
يعد المعنى نواة العمل المعجمي لذلك نجد « أحمد مختار عمر » يقول في شأنه : « يقع المعنى في بؤرة اهتمام المعجمي؛ لأنه أهم مطلب لمستعمل المعجم » (عمر، 2009، صفحة 117)، فهو يشرح معنى الكلمة بطريقة تجعلها واضحة في ذهن المتلقي، الذي يتفق علماء اللغة قديما وحديثا على أن يكون...واضحا لا لبس فيه ولا غموض (خليل، 2003، صفحة 23)، وقد أطلقت عليه مصطلحات عدة هي : «الشرح والتعريف والإبهام والمراد بهذا الأخير غموض الكلمة المراد شرحها أو شرح كلمة بكلمة أخرى غامـضة (خليل، 2003، صفحة 23)، وكذلك نجد مصطلح المعنى المعجمي والدلالة المعجمية» (ابن حويلي، 2010، صفحة 205).
وتوضيح معنى المدخل المعجمي يكون باستخدام إحدى طرق التعريف الذي وضع له علماء اللغة والمعاجم شروطا لا بد من الالتزام بها وهي :
«إحكام ضبط نطق الكلمة.
ذكر الشائع المشهور من المعاني دون المهجور غير المعروف.
ترتيب المعاني الأصلية قبل المعاني المجازية.
عدم استخدام كلمات لم يسبق شرحها في المعجم.
عدم استخدام التعريف والشرح الدوري بالمرادف» (خليل، 2003، صفحة 24) (القطيطي، 2010، صفحة 190).
«الابتعاد عن السطحية والغموض والإبهام.
أن يكون التعريف قادراً على استيعاب دلالة المدخل، مساوياً للمعرف جامعاً مانعا»ً (الجيلالي، 1999، الصفحات 73-76).
1.2. أنواع التعريف
إن مستعمل المعجم يلجأ إلى المعجم من أجل معرفة معنى الكلمات، لذلك وضع المعجميون التعريف في الاعتبار الأول وقاموا بتصنيفه إلى عدة أنواع كل حسب نظرته إلى المعنى باعتباره قضية شائكة لا يمكننا النظر إليها من زاوية واحدة، وهنا سأعرض لبعض الأنواع التي أوردوها :
-
محمد رشاد الحمزاوي قسمه إلى ثمانية أنواع وهي (الحمزاوي، 1999، الصفحات 19-25) : التعريف الصوتي والصرفي والنحوي والدّلالي والمجازي وبالشاهد والأسلوبي وبالصورة .
-
محمد أحمد أبو الفرج قسمه إلى خمسة أنواع وهي (أبو الفرج، 1996، الصفحات 102-126) : التفسير بالمغايرة وبالترجمة وبالمصاحبة وبالسياق وبالصورة.
-
أحمد مختارعمر قسمه إلى نوعين : النوع الأول سماه (مجموعة الطرق الأساسية) وتتضمن :
«الشرح بالتعريف.
الشرح بتحديد المكونات الدّلالية.
الشرح بذكر سياقات الكلمة.
الشرح بذكر المرادف والمضاد» (عمر، 2009، صفحة 120).
أمّا النّوع الثاني فسمّاه : مجموعة الطرق المساعدة وتتضمن :
«استخدام الأمثلة التوضيحية.
استخدام التعريف الاشتمالي.
اللجوء إلى الشرح التمثيلي أو التعريف الظاهري.
استخدام الصور أو الرّسوم» (عمر، 2009، صفحة 120).
وبإلقاء نظرة متأنية على ما سبق ذكره من التقسيمات يتبين أن التفريعات التي قدمها «محمد رشاد الحمزاوي» أكثر شمولية، لكونه يمس الجوانب اللغوية المختلفة للكلمة من استعمال مفرد وسياقي.
وإذا رجعنا إلى المعاجم اللغوية العربية القديمة نجدها توظف أغلب هذه الأنواع في شرح الكلمات، لذلك سنعرض لأكثرها انتشارا من خلال معجم لسان العرب «لابن منظور» باعتباره من أشهر المعاجم العربية استعمالا، ومن خلالها يمكن للمتكلم العربي أن يعزز مستواه التواصلي من نواحي متعدّدة، لأنها تزوده بثروة لفظية زاخرة من خلال أنواع التعريف المختلفة.
2.2. أنواع التعريف في معجم لسان العرب
-
التعريف بالمرادف: ويكون إما « لفظا مقابل لفظ يراد به تثبيت المعنى المقصود، فيعرف المدخل بكلمة واحدة، أو يكون مجموعة كلمات مترادفة تفسر المدخل تفسيرا كليا أو تقريبيا » (ابن حويلي، 2010، صفحة 173) (أبو الفرج، 1996، صفحة 107).
ومن هنا يتبين أن المعجمي في هذا النوع من التعريف يقوم فيه بتزويد المتكلم بمرادف واحد لكلمة واحدة أو مترادفين أو أكثر وهنا يكون قد زوده بثروة لفظية زاخرة من خلال إيراد مترادفات عدة للكلمة الواحدة.
-
ومثال الأول ما أورده ابن منظور في معنى كلمة (السَّاطِنُ) يقول في ذلك: «السَّاطِنُ :الخَبِيثُ » (منظور، 2003، صفحة 326)،
-
ومثال الثاني قوله في معنى كلمة (اللبق) : « اللًّبَقُ :الظّرْفُ و الرَّفْقُ » (منظور، 2003، صفحة 326).
-
ومثال الثالث ما قاله في معنى كلمة (الأَوْن): « الأَوْن : الدَّعَةُ والسَّكِينَةُ والرٍّفقُ» (منظور، 2003، صفحة 38)، وقد يتجاوز ثلاثة مترادفات مثلما يتضح في معنى كلمة (حفّ) : «حَفَّ القوم بالشيء...أَحْدَقُوا به وأَطَاففُوا به وعَكَفُوا واسْتَدارُوا» (منظور، 2003، صفحة 49).
وفي بعض الأحيان قد يورد معنى الكلمة بعبارة أطول (أبو الفرج، 1996، صفحة 107) كقوله في كلمة السَّحْبُ، «السَّحْبُ : جَرُّك الشيء على وجه الأرض، كالثوب وغيره» (منظور، 2003، صفحة 460).
ويقول كذلك في مادة (برم) : « البَرَمُ الذي لا يَدْخُل مع القوم في المَيْسِر...البَرِيمُ الماء الذي خالط غيره » (منظور، 2003، الصفحات 43-44).
كما يزود المعجم المتكلم بالمعاني المتعدّدة للكلمة الواحدة التي قد تكون من قبيل المشترك اللفظي أو تعدد المعنى، منها معنى كلمة التُّرتُبُ؛ يقول في ذلك : « التُّرتُبُ الأمر الثَابتُ...والتُرتُب : العَبْدُ السُّوء» (منظور، 2003، صفحة 230).
ويقول في موضع آخر في معنى كلمة « اللَّثَقُ » : « اللَّثَقُ : الندى مع سكون الريح...اللّثَقُ بالتحريك : البلل ...واللّثَقُ : الماء والطين يخْتلِطان » (منظور، 2003، صفحة 326).
-
التعريف الصوتي: والمراد به « كتابة المداخل أو المواد المعجمية كتابة صوتية تختلف عن كتابتها الخطية، أو الإملائية » (الحمزاوي، 1999، صفحة 22)، فمن خلاله يتم بيان نطق الكلمة، إذ يعتبر من أهم الوظائف التي يتيحها المعجم للمتلقي، وقد اتبعت المعاجم العربية ثلاثة طرق لتحقيق ذلك وهي : (الخماش، 2008، صفحة 91)
-
ضبط الكلمة بالشكل، ومثاله قوله في معنى كلمة (بَدع) : « بَدَعَ الشيء يَبْدَعُهُ بَدْعاً وابْتَدَعَهُ : أنشأَهُ وبدأهُ » (منظور، 2003، صفحة 6).
-
ضبط الكلمة بشكل حرف من حروفها، وفي بضع الأحيان قد يثبت الحركات عن طريق كتابة الحركة بالحروف ومثاله قوله في معنى كلمة (السِّرْبُ) : « السِّرْبُ بالكسر : القطيع من النساء، والطّيْرِ والظباءِ، والبقَرِ، والحُمْرِ، والشَاءِ...والسِّرْبُ : الطريق، وخلَّ سَرْبَهُ، بالفتح، أي طريقه ووجْهَهُ » (منظور، 2003، الصفحات 459-464)، ويقول في مادة (بَزع ) : » بَزُعَ الغُلامُ بالضّمّ بزَاعَةً، فهو بَزِيع وبُزَاع : ظَرُفَ ومَلُحَ» (منظور، 2003، صفحة 10).كما نلاحظ هنا فقد ضبط الحروف بالحركات إضافة إلى إثبات حركة العين كتابة.
-
ج- ضبط الكلمة بذكر وزنها، ومثاله قول ابن منظور في مادة (بوق): «...البائقةُ الداهيةُ .وداهية بؤُوق :شديدة ...وبَؤُوقٌ على فعُولٌ» (منظور، 2003، صفحة 30). وقوله في مادة (دأم) : «...وتَداءمَت عليه الأُمور والأَهوَال والهُموم والأمواج، بوزن تَفاعَلَتْ...وتَدَأمَهَ الماءُ، غَمَرهُ، وهو تَفَعَّل...» (منظور، 2003، صفحة 195).
-
التعريف الصرفي : قد يزودنا المعجم ببعض المعطيات الصرفية (باي، 1987، صفحة 43)، مثل المفرد والجمع ومثاله ما أورده ابن منظور في شرح كلمة (حَرِبَ) : «حَرِبَ الرَّجُل : بالكسر يَحْرَبُ حَرَبًا : اشتدّ غَضَبُهُ، فهو حَرِبٌ من قوم حَرْبَى...والواحد حَرِبٌ ...» (منظور، 2003، صفحة 303).
ويقول في معنى كلمة (القَسِيُّ) : « القَسِيُّ : الشديد ودِرهَمُ قَسِيٌّ : رديء والجمع قِسْيَانٌ من صَبيٌّ وصِبْيَانٌ، قلبت الواو ياء للكسرة قبلها كقِنْية ...» (منظور، 2003، صفحة 11).
ومن المعطيات الصرفية نجد تحديد القلب المكاني إن وجد في الكلمة إضافة إلى التنبيه إلى المهموز منها والمعتل وموضعه في الكلمة وهو ما يوضحه قوله في معنى كلمة (الوَأَى) : «...وقِدْرٌ وأْيَة ووئيَّةٌ : واسعة ضخمة، على فَعِلية بياءين...وهي فَعِليةٌ مهموزة العين معتلة اللام. قال سيبويه : سألته يعني الخليل، عن فُعِل مِنْ وَأَيْتُ فقال : وُئِيَ، فقلت فمن خفّف، فقال أُوِيَ، فأبدل من الواو همزة، وقال : لا يلتقي واوان في أوّل الحرف ...» (منظور، 2003، صفحة 377).
وكثيرا ما يلجأ المعجمي إلى ضبط عين الفعل المجرد في الماضي والمضارع وتحديد مصدره نحو: « نشأ : أنشأه الله : خَلَقَهُ، ونشأ يَنْشَأُ، نَشْأً ونُشُوءًا أو نَشَاءً ونَشَاءَةً : حيي، وأنشَأَ الله الخَلْقَ أي ابتدأ خَلْقهُم » (منظور، 2003، صفحة 170).
وكذلك قد يورد تصغير الكلمة مثلما ورد في مادة(روأ) : « الراء : شَجر سَهلِيٌّ له ثمر أَبيضُ. وقيل: هو شجر أَغْبَرُ له ثَمر أَحمرٌ، واحدته راءَة، وتصغيرها رُوَيْئةٌ» (منظور، 2003، صفحة 96).
وقد يتجاوز ذلك لذكر الفعل إن كان لازما أو متعديا ومثاله ما قاله في الفعل (ساء) : « ساءَ يَسُوءُ، فعل لازم...، تقول : ساءَ الشيءُ يَسُوءُ سَوْءا، فهو سَيِّءٌ، إذا قَبُحَ...» (منظور، 2003، صفحة 96). -
التعريف بالضد: وهو « التعريف بالمغايرة أو السلب أو بالمقابل، ويجب أن نحترز هنا فنميز بين الضد والتضاد والنقيض؛ فالضد...يعني المخالف كالبياض والسواد...، أما التضاد...فيعني دلالة اللفظ الواحد على معنيين متقابلين، كدلالة السدفة على الظلام والنور في آن واحد أما التناقض فيعني منطقيا أن النقيض ما لا يجتمعان ولا يرتفعان في شيء واحد ....ويتم التعريف بالسلب عن طريق ذكر كلمة مضادة لكلمة المدخل فيتضح الضد بالضد» (الجيلالي، 1999، صفحة 115). وهذا يعني أنه يتم عن طريق ذكر كلمة مضادة لكلمة المدخل، وغالبا ما يكون باستخدام الألفاظ التالية: ضد ونقيض وخلاف، وفيما يلي بعض الأمثلة التي توضح ذلك:
-
التعريف بالضد: ومن ذلك قوله في معنى (الحمق) : «الحُمْقُ ضِدَّ العَقل » (منظور، 2003، صفحة 67).
-
التعريف بالنقيض: يقول في معنى كلمة (حلّ) : «حَلّ بالمكان يحُلُّ حُلولاً ومَحلاّ وحلاًّ وحَلَلاً...وهو نقيض الارتحال » (منظور، 2003، صفحة 163). وقوله في معنى كلمة (الحَقُّ) : « الحَقُّ : نقيض الباطِل وجمعه حُقوقٌ وحِقاقٌ» (منظور، 2003، صفحة 49).
-
التعريف بالخلاف: نحو «...وأَساءَ الرجلُ إِسَاءَة : خِلافُ أَحسَن ...» (منظور، 2003، صفحة 96)
-
أما مثال الأضداد فقوله في معنى كلمة (القلص): «...والقَلْص: كثرة الماء وقِلتُه، وهو من الأضداد ...قَلَصَت البئْرُ إذا ارتفع إلى أعلاها، وقَلَصَتْ إذا نَزَلَتْ» (منظور، 2003، صفحة 80).
-
التأصيل الاشتقاقي: قد يبين أصل الكلمة أي اللغة الأصلية لها، والتغيرات الصوتية أو الدلالية إن كانت قد لحقت بها (عمر، 2009، صفحة 125)، دون إهمال معناها، ومثاله : « البَيْرَمُ : العَتَلَةُ، فارسيٌّ معرب، وخصَّ بعضهم به عَتَلَةُ النَّجار وهو بالفارسيّة بتفخيم الباء» (منظور، 2003، صفحة 45).
-
التعريف بالشاهد: يعرفه «علي القاسمي» بأنه « أي عبارة، أو جملة أو بيت شعر أو مثل سائر، يقصد منه توضيح استعمال الكلمة التي نعرفها أو نترجمها في المعجم » (القاسمي، 2008، صفحة 139)، وهو بهذا يكون « كل نص له مرجعية ثابتة مقيدة بقائل أو غير مقيدة... » (الجيلالي، 1999، صفحة 105)، وقد أطلق عليه «جوزيت راي ديبوف» (J.Rey.Debove) المثال ذو الشفرة وذلك لأنه « مقيد؛ أي منسوب إلى مدونة أو خطاب أو قائل بعينه؛ أي له مرجعية قبلية يعود إليها» (القاسمي، 2008، صفحة 205)، ومن هنا يتضح أن الشاهد ليس من وضع المعجمي، وإنما يَسْتَدِلُّ به على صحة المعنى الذي أورده، إضافة إلى توضيح استعمال الكلمة.
ومثاله من القرآن الكريم ما أورده في مادة (سبح): «سَبَّحَ : السَّبْحُ والسِّبَاحَةُ : العَوْمُ...وقال الأزهري : ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا ﴾ النازعات( آ3، آ4) ؛ قيل السابحات السُّفُنُ، والسابقاتُ الخيلُ...، وسَبَّح الرجلُ : قال سبحان الله؛ وفي التنزيل : ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ النور،(آ41) » (منظور، 2003، الصفحات 470-471).
ومثاله من الشعر ما أورده في معنى كلمة (السُرْبةُ): «...والسُّربة الجماعة من الخيل، مابين العشرين إلى الثلاثين وقيل ما بين العشرةِ والعِشْرِينَ...قال ذو الرمة يصف ماء :
سِوَى ما أصابَ الذِئْبُ منه، وسُرْبَةٍ أطافَت به من أمَّهاتِ الجَوازِلِ» (منظور، 2003، صفحة 463). -
التعريف السياقي : أطلق عليه «حيلام الجيلالي» مصطلحين اثنين وهما : المثال السياقي والسياق اللغوي (القاسمي، 2008، صفحة 742)، ومن خلاله يتم «إيراد سياق يدل على معنى اللفظ» (القاسمي، 2008، صفحة 742)، وما يميز التعريف السياقي عن التعريف بالشاهد هو أن « الأمثلة السياقية في المعجم تدرج في التعريف حرة، غير مقيدة بقائل، سواء أكانت صياغتها قبليا أم بعديا أما الشواهد فأكثر ما تكون مصوغة صياغة قبلية، وذات مرجعية تعود إلى قائل أو مدونة ما » (الجيلالي، 1999، صفحة 188)، أما «علي القاسمي» فلم يفرق بينهما ويتضح ذلك في قوله : كون الشاهد « نصا قصيرا، حقيقيا أو موضوعا، يرد فيه اللفظ المراد تعريفه» (القاسمي، 2003، صفحة 278).
ومثال التعريف السياقي ما أورده في مادة(زكأ) : : « زَكَأَه مائةَ سَوْطٍ زَكْأ : ضربَه. وزَكَأَه مَائةَ درهم زَكْأ : عَجَّلَ نَقْدَه...وزَكَأَتِ الناقةُ بوَلدها ...رَمَتْ به عند رِجْلَيْها» (منظور، 2003، صفحة 90). -
التعريف الموسوعي : يتجاوز هذا النوع من التعريف حدود المعطيات اللغوية، فيضيف معلومات موسوعية، وهي خاصية تتميز بها المعاجم الموسوعية وليس الموسوعة (عمر، 2009، صفحة 160) (القاسمي، 2008، صفحة 742)، وتكون عادة مختصرة، وبما أن معجم «لسان العرب» يعتبر موسوعة لغوية نجد فيه التعريف الموسوعي بكثرة، إذ يقدم للمتلقي كما هائلا من المعطيات التي تساعده في الجانب التواصلي وذلك بتوسيع معلوماته وثقافته وتمكنه من استغلالها في المواقف التواصلية المختلفة، منها ماهو متعلق بالأعلام والحيوانات والنباتات والأحداث التاريخية والاجتماعية والثقافية، ومن أمثلته نجد قوله في مادة (عشر) : «العَشَرة : أول العقود. والعَشْر: عدد المؤنث، والعَشَرةُ عدد المذكر...وعَاشُوراء وعَشُوراء، ممدودان: اليومُ العاشر من المحرم، وقيل التاسع...وروي عن ابن عباس أنه قال في صوم عاشوراء: لئن سَلِمت قابلٍ لأَصُومَنَّ اليوم التاسع؛ قال الأزهري لهذا الحديث عدة من التأويلات أحدها أنه كره موافقة اليهودلأنهم يصومون اليوم العاشر ...» (منظور، 2003، الصفحات 268-270).
معلومات الاستعمال: وهنا يبين المعجم مستوى استعمال اللفظ (عمر، 2009، صفحة 155)، كما قد يثبت نطق الكلمة إن كان لها أكثر من لغة يقول في مادة (بخل): « البُخْل والبَخَل :لغتان...والبَخْل والبُخُول : ضد الكرم، وقد بَخِل يَبْخُلُ بُخْلاً وبَخَلاً، فهو باخل : ذو بُخْل، الجمع بُخَّال وبَخِيل والجمع بُخَلاَء" (منظور، 2003، صفحة 47).
الخاتمة
يمكننا القول إن الوحدات المعجمية هي الحجر الأساس في أي عملية تواصلية، لذلك يجب أن نتجاوز فكرة أن المعجم هو قائمة من الكلمات مصحوبة بشرحها يلجأ إليه المتعلم لشرح الكلمات الصعبة، إذ تعد المعاجم الوعاء الذي يحمل لغة المتكلمين التي يوظفونها في معاملاتهم اليومية الاجتماعية أو العملية، فهي كفيلة بإثراء الحصيلة اللغوية وغناء الرصيد المعجمي وتنمية وتقوية وتعزيز القدرة التعبيرية والتواصلية التي تنقل ثقافتهم في مختلف المجالات المعرفية، وذلك من خلال الخدمات التي يقدمها التعريف المعجمي بمختلف أنواعه، انطلاقا من التعريف الصوتي وصولا إلى الموسوعي الذي يقدم خدمة جليلة للمتلقي، تفتح له آفاق التواصل مع كافة التخصصات.