تبليغ الدّلالة في القواميس بين التّعريف والمثال المشروح

La transmission du sens dans les dictionnaires entre la définition et l'exemple glosé

The transmission of meaning in dictionaries between the definition and the glossed example

صونية بكال وفوزية عزوز

Citer cet article

Référence électronique

صونية بكال وفوزية عزوز, « تبليغ الدّلالة في القواميس بين التّعريف والمثال المشروح », Aleph [En ligne], 9 (1) | 2022, mis en ligne le 30 avril 2022, consulté le 22 décembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/5765

تتقاسم القواميس الحديثة، التعليمية منها خاصة طريقتين في الشرح لتبليغ دلالة المدخل هما التعريف والمثال المشروح، نود في هذا المقال لفت انتباه الدارسين إلى هذه النقطة التي لم تنل حقها من الدراسة في القواميس العربيّة، ما يجعل توظيف الطريقتين في القواميس العربية صناعة متوارثة لم تخضع إلى المفاضلة ولا التقنين. نعرض في هذا المقال الطريقتين، مع محاولة للمفاضلة بينهما لتبيان أيهما أكثر تبليغا للدلالة.

Les dictionnaires modernes, en particulier les dictionnaires pédagogiques, utilisent deux pratiques pour transmettre la signification de l'entrée, qui sont la définition et l'exemple glosé. L’utilisation des deux méthodes dans les dictionnaires arabes est soumise à une tradition héritée des dictionnaires anciens, et elle n'a pas été suffisamment étudiée.
Dans cet article, nous présentons les deux méthodes et essayons de déterminer laquelle peut le mieux transmettre la signification.

Modern dictionaries, especially educational dictionaries, use two practices to convey the meaning of the entry, which are the definition and the glossed example. The use of both methods in Arabic dictionaries is subject to a tradition inherited from ancient dictionaries, and it has not been sufficiently studied.
In this article, we present the two methods and try to determine which one can best convey the meaning.

مقدمة

ظهر في العصر الحديث سجال بين المعجميين الغربيين حول تبني المثال المشروح (l’exemple glosé) أو التعريف (la définition) في شرح المداخل المعجمية في القواميس اللغوية والتعليمية منها خاصة، بينما لا نكاد نسمع عن هذا من المعجميين العرب، ما يدفعنا إلى طرح عدة تساؤلات، نحاول الإجابة عنها في هذا المقال : ما الفرق بين التعريف والمثال المشروح؟ وما حظ القواميس العربية من هذين المفهومين؟ وأيهما أبين وأكثر تبليغا للدلالة، التعريف أم المثال المشروح؟

1. تحديد المفاهيم

بداية نوضح ماهية كل من التعريف والمثال المشروح :

1.1.التعريف

يمثل التعريف ركيزة البنية الصغرى1 للقاموس؛ وهو تفكيك المدخل إلى السمات الدلالية2 المكونة له لتوضيح معناه، وتعتبره دوبوف (Josette Rey-Debove) ملفوظا مكافئا للمدخل ومبلغا لمحتواه (Rey-Debove 1970 : 19)، في حين يرى ألان ري (Alain Rey) أن التعريف هو وضع مجموعة من الوحدات الموافقة لوحدة معجمية تفترض مجهولة أو غير واضحة كليا (Rey 2008 : 101).نمثل للتعريف من القواميس بمدخل « سفط » :

سَفَط : وعاء مصنوع من أغصان الشجر أو القصب تُوضع فيه الفاكهةُ ونحوُها (مختار عمر، 2008). فهذا تعريف احتوائي لكلمة سفط بوضعها في محتوٍ (وعاء) ثم تمييزها عن بقية الأوعية بسمة دلالية وصفية (مصنوع من أغصان الشجر أو القصب) وسمة دلالية وظيفية (تُوضع فيه الفاكهةُ ونحوُها).

2.1. المثال المشروح

أما المثال المشروح فهو طريقة لتبليغ دلالة المدخل تعتمد على وضع الكلمة المدخل في سياق ثم إتباعه بشرح، ونمثل له من القواميس بمدخل « خاتلَ » :

«  خاتل الصيَّادُ فريستَه » خدعها وغافلها، ومشى قليلاً قليلاً وراءها لئلاّ تحسّ به (مختار عمر، 2008). يُجَسِّد المثال المشروح المدخل في سياق أو مثال (خاتل الصيَّادُ فريستَه) ثم يتبعه بشرح (خدعها وغافلها، ومشى قليلاً قليلاً وراءها لئلاّ تحسّ به).

2. التمييز بين التعريف والشرح الذي يلي المثال

ليس التمييز بين التعريف والشرح في المثال المشروح بالأمر العسير، ومع هذا سنظهر بعض العناصر التفريقية التي تنماز بها كل طريقة تبليغية للمعنى عن الأخرى.

إن أهم عنصر تفريقي بين التعريف والشرح الذي يلي المثال هو أن التعريف يبلغ دلالة المفردة ولا يشرح معنى جملة، ويمكن أن نستدل على ذلك بعدة أدلة منها :

  1. التقسيم الأرسطي القديم للتعريف الذي يظهر نوعين من المعرَّف : الكلمة والشيء؛ يقول أرسطو في كتاب أنولوطيقا الأواخر3 : « الذي يحد4 يبين بيانا إما ما هو، وإما على ماذا يدل عليه اسمه » ( أرسطوطالس، صفحة 449)، فالتعريف يكون للكلمة أو الشيء ولا يكون للجملة.

  2. كما نستنتجه من حصر مفهوم التعريف في مصطلح « الإرداف » (périphrase) بدل « الوجه التعبيري » (paraphrase) كما كان متداولا، باعتبار أن هذا المصطلح الأخير يقترن استعماله بالملفوظ (l’énoncé) بينما يستعمل الإرداف للكلمة (Rey-Debove 1971 :192)، فاعتبار التعريف إردافا هو تسليم بأنه يعرف الكلمة لا الجملة.

  3. ويتجلى مفهوم التعريف أيضا من توسيع دوبوف لمفهوم الترادف ليشمل الكلمة والعبارة بدل الكلمة والكلمة؛ إذ تقول « فالترادف بين الكلمة والجملة هي الحالة الأكثر تواترا في القواميس »(Rey-Debove, 1971 : 203)، وتعني بها الترادف بين المدخل والتعريف، وتضيف بأن هذا التكافؤ يفتح مجال استبدال أحدهما بالآخر في الخطاب إلا في حالات خاصة هي التعريف باللغة الواصفة، ونوضح قولها بالمثال السابق؛ سَفَط : وعاء مصنوع من أغصان الشجر أو القصب تُوضع فيه الفاكهةُ ونحوُها. ففي جملة : ذهب إلى السوق واشترى سفطا، يمكننا استبدال سفط بتعريفه فنقول : ذهب إلى السوق واشترى وعاء مصنوعا من أغصان الشجر أو القصب تُوضع فيه الفاكهةُ ونحوُها.

وتمايز أليس ليهمان (Alise Lehmann) بين الشرح والتعريف بحمل الشرح لعلامات خطابية (marques discursives)؛ وأفعال متصرفة وأدوات التعريف والعائدات، في حين يكاد يخلو التعريف منها (Lehmann 1993 : 69-70).

ومن الفروق أيضا بين التعريف والمثال المشروح نجد أن العلاقة بين المشروح والشرح متغيرة فقد يعود الشرح على كلمة، مجموعة كلمات، أو على جملة (Lehmann 1993 : 69-70). بينما هي ثابتة بين المدخل والتعريف، وسيتضح هذا في عنصر لاحق.

نلخص في ختام العنصر الفروق بين الشرح والتعريف في النقاط الآتية :

  1. التعريف هو إرداف (périphrase) يلي كلمة، ولا يلي جملة أبدا.

  2. الشرح هو وجه تعبيري (paraphrase) يلي الجملة، ويشرح الكلمة أو الجملة أو جزءا من الجملة.

  3. لا يحمل التعريف علامات خطابية كما يحملها الشرح.

3. المثال المشروح في القواميس العربية

تعتبر الدراسات الغربية الحديثة المثال المشروح ثورة في الصناعة المعجمية، وارتبطت أساسا بالقواميس المدرسية يقول ألان ري : « قد يحدث أن تقلب المتوالية : تعريف/ مثال من أجل غايات بيداغوجية، فقد اندلعت ثورة بيداغوجية حقيقية فيما يخص تبنيها في قاموس الطفل » (Rey 1995 : 108)، وارتبط ظهور هذا المفهوم بالنظرية السياقية التي جاء تجسيدا لها، فقد ظهر هذا النوع من الشرح في « قاموس الفرنسية الحية » 1972 إذ اعتبره م. كوهن في مقدمته واحدا من عناصر التجديد في هذا القاموس (Lehmann, 1993 : 64)، ليدخل المعجميون في سجال حول جدوى هذه الطريقة من عدمها.

في حين لا نكاد نلحظ نقاشا أو سجالا فيما اطّلعنا بين المعجميين العرب حول مسألة تبني التعريف أو المثال المشروح في القواميس، وإن كان المتأمّل في أمهات القواميس العربية ليظهر له جليا تبني المثال المشروح منذ تأليف أول قاموس عربي « العين » ( الفراهيدي، د. ت) ففي شروحاته نجده يزاوج بين التعريف والمثال المشروح فنذكر على سبيل التمثيل للتعريفات :

  1. المِرْوَبُ : وعاءٌ أو إناءٌ يَرَوَّبُ فيه اللَّبَن، وهو تعريف احتوائي.

  2. الرّابِيةُ : ما ارتفع من الأرض. وهو تعريف علاقي

  3. والمُرُوءةُ : كمالُ الرُّجوليّة. وهو تعريف تحليلي.

ونمثل لاعتماد المثال المشروح في العين بمدخل : « روّل »، « نوار »، « رئم »، « وري » :

  1. روّل : رَوَّلْتُ الخُبزَ بالسَّمْن والوَدَكِ تَرويلاً إذا دَلَكْته به. 

  2. نوار : وامرأة نَوارٌ وهي العَفيفةُ النّافرةُ عن الشَّرِّ والقَبيح.

  3. رئم : ورَئِمَ الجُرحُ رِئماناً، إذا انضمّ فوه للبُرْء.

  4. وري : والثور يري الكَلْبَ إذا طعنه في رِئته.

لقد توارثت القواميس الحديثة الصناعة المعجمية القديمة، بما فيها المزاوجة بين التعريف والمثال المشروح لتبليغ الدلالة لكن دونما وقوف واضح عند الإشكالية، بل ولا نكاد نعثر على إشارات صريحة في مقدمات القواميس لتفضيل أحدهما أو للمزاوجة بينهما. فمن الأمثلة المشروحة في القواميس الحديثة :

نذكر مدخل « رَقص » و« صاك » في معجم الوسيط (مجمع اللغة العربية، د ت) :

  1. يقال : سمعت رقص الناس علينا : سوء كلامهم. ويقال : له رقص في كلامه : عجلة وسرعة.

  2. صاك به المسك ونحوه صوكا : لزق.

ومدخل « شِرك » و« شطَبَ » في قاموس اللغة العربية المعاصرة (مختار عمر، 2008) :

  1. رغبنا في شرككم وجهركم : مشاركتكم في النسب.

  2. شطب الكاتب الكلمة : خطّ عليها أو طمسها.

ومدخل «  فَاخِر » و« فَادٍ » في قاموس الغني (أبو العزم، 2013) :

  1. « أَكَلَ طَعَاماً فَاخِراً » : طَعَاماً مُحَضَّراً بِعِنَايَةٍ وَذَوْقٍ.

  2. « جَاءَ الْفَادِي لِيُخَلِّصَ الأَسْرَى مِنَ الأَسْرِ » : مَنْ يُخَلِّصُ الأَسْرَى بِالْمَالِ أَوْ سِوَاهُ.

فصار من الملحّ فتح باب المفاضلة بين التعريف والمثال المشروح وتحديد أيهما أكثر تبليغا لدلالة الكلمة.

4. بين التعريف والمثال المشروح

نحاول في هذا العنصر المفاضلة بين التعريف والمثال المشروح بالاستناد إلى بعض الدراسات الغربية السابقة وإلى بعض الملاحظات التي لفتت انتباهنا أثناء اشتغالنا في ميدان الصناعة المعجمية؛ ولهذا نحتاج في البداية إلى إظهار خاصية مهمة تفصل بين التعريف والمثال وهي خصوصية المثال وعمومية التعريف وهذا توضيح للمقصود :

1.4. خصوصية المثال وعمومية التعريف

تسم الدراسات الحديثة التعريف بكونه عاما، وذلك من جهتين : الأولى أنه يحاول أن يجمع كل السمات الدلالية التفريقية الأساسية التي تحدد المُعَرَّف في محاولة لتمثيل كل المعنى، والثانية أن هذه السمات الدلالية تنطبق على كل فئات المُعرف، بينما تُدرج هذه الدراسات المثال ضمن الخاص ونوضحه بكلمة ملعقة في المعجم الوسيط (مجمع اللغة العربية، د ت) : فالمِلعَقَةُ : أداةٌ يُتناوَلُ بها الطَّعامُ وغيرُه.

عرفت الملعقة في الوسيط تعريفا احتوائيا حيث وُضعت ضمن الأدوات، ثم فرقت عن باقي الأدوات بسمة دلالية وظيفية عامة تشمل كل الملاعق (يتناول بها الطعام وغيره) أما السمات الدلالية الخاصة (ملعقة صغيرة، كبيرة، من معدن، من خشب، من بلاستيك) أو (نتناول بها الكسكسي، الحساء، الدواء) فيستحسن وضعها في أمثلة لأنها لا تنطبق على كل الملاعق، فلو أوردنا للملعقة هذا التعريف : الملعقة : أداة من خشب يتناول بها الحساء.

فسيفقد التعريف عموميته ولن يضم فئة الملاعق المعدنية مثلا، أو أننا نتناول بها الدواء. بينما لو أوردنا لمدخل ملعقة هذا المثال : تناول الحساء بملعقة معدنية.

فسمة معدنية تشير إلى الفئة الأكثر انتشارا من الملاعق، كما جاء المثال في شكل سيناريو يجسد قطعة من الواقع؛ فالتخصيص يُصلح المثال ويُفسد التعريف.

وينجرّ عن خصوصية المثال وعمومية التعريف اقتصاد التعريف مقارنة بالمثال وهذا بيانه :

2.4. اقتصاد التعريف قياسا بالمثال

التعريف اقتصادي مقارنة بالمثال وبالتالي نحتاج إلى عدد كبير من الأمثلة لنعيد بناء التعريف، إذ « لا يمكن لمثال وحيد ذي مضمون خاص أن يشكل معنى الكلمة المعرَّفة، وبالمقابل يمكن لمجموعة من الأمثلة المختلفة والتي يبني كل واحد منها جزءا من المحتوى، أن تدل على محتوى الكلمة المعرفة » (Rey-Debove 1971 : 300/ 301).

فتعريف بسيط من قبيل : الفنك : حيوان ثديي وهو نوع من الثعالب يعيش في الصحراء له أذنان طويلتان، ويتميز بفروه الجميل. يحتاج إلى مجموعة من الأمثلة لإعادة تشكيله حيث يركز كل مثال على سمة دلالية معيّنة مثل :

  1. عند زيارتي لحديقة الحيوانات رأيت الفنك (سمة حيوان)

  2. تقوم أنثى الفنك بإرضاع صغارها (سمة ثديي)

  3. لا يشرب الفنك الكثير من الماء لأنه يعيش في الصحراء (سمة يعيش في الصحراء).

  4. يصطاد الناس الفنك من أجل فروه (سمة الفرو الجميل)

  5. يُلقب الفنك بثعلب الصحراء ( سمة نوع من الثعالب). (بكال 2017)

يتضح لنا من هنا اقتصاد التعريف مقارنة بالمثال، فحذف التعريف من القاموس وتعويضه بالمثال المشروح هو مغامرة بالدلالة قد تكون وخيمة النتائج، وسيتأكد هذا تدريجيا فيما يأتي من عناصر، لأن الكلمة في التعريف ذاتية الإحالة (autonyme) ويحاول التعريف تفكيكها إلى السمات الدلالية المكونة لها بينما يتعامل الشرح مع سياق تحيل فيه الكلمة على العالم فيرتبك الشرح في تحديد الدلالة المداخل.

3.4. .ارتباك في القراءة واستخراج الدلالة

ينجرّ عن المثال المشروح ارتباكا في القراءة من وجهين :

1.3.4. ا محدودية المشروح

يتعامل التعريف كما وضحنا مع كلمات، بينما المشروح في المثال المشروح كما أشرنا سابقا، غير ثابت فقد يكون كلمة، جزءا من جملة أو جملة، إن أشبه الشروح بالتعريف هي تلك التي تعود على كلمة نمثل لها بمدخل « صابون » :

« تُنَظِّفُ مَلاَبِسَهَا بِالصَّابُونِ » : مَادَّةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الزَّيْتِ وَالقِلْيِ (صُودَا) وَهُوَ أَنْوَاعٌ : جَامِدٌ وَدَقِيقٌ وَعَجِينٌ، غَاسُولٌ (أبو العزم 2013).

كما قد يكون الشرح لجزء من التعريف نمثل له بمدخل « جأش » :

  1. « عَلَى الرَّغْمِ مِنَ الكَوَارِثِ الَّتِي تَعَرَّضَ لَهَا ظَلَّ رَابِطَ الجَأْشِ » : قَوِيّاً، شُجَاعاً، ثَابِتاً، هَادِئاً (أبو العزم 2013).

  2. فالشرح هنا يتناول جزءا من المثال وهو « رابط الجأش ». وقد يكون الشرح للجملة ونمثل له بمدخل « تأتّى » و« سائس » :

  3. « تَأَتَّى لَهُ الأَمْرُ » : تَهَيَّأَ لَهُ وَصَارَ سَهْلاً.(أبو العزم 2013)

  4. « سَائِسٌ لِلأُمُورِ عَنْ تَجْرِبَةٍ وَحُنْكَةٍ » : قَائِمٌ بِهَا كَمَا يَجِبُ وَعَنْ دِرَايَةٍ.(أبو العزم 2013)

ففي المثالين كان الشرح للجملة كاملة، والمُعرّف في التعريف ثابت ومحدود وهو في المثال المشروح متغيّر ومائع.

2.3.4. مخالفة العُرف

لقد أنتجت الممارسة المعجمية عبر الزّمن تقاليد ومن بينها غلبة الابتداء بالتعريف ثم توظيف المدخل في مثال، فصار للمتلقي أفق توقع موافق لهذا العرف ترسّخ بالاستعمال، وإن استعملت القواميس القديمة المثال المشروح، إلا أن أمثلتها كانت محيّدة5 ما جعلها لا تشوش كثيرا على القارئ، في حين لاحظنا في الاستعمالات المعاصرة للمثال المشروح أن بعض المداخل تبعث على شيء من الارتباك في القراءة واستخراج دلالة المدخل ونمثل لها بمدخل « باب » و« دائن » « أثير » :

  1. « أغْلَقَ بَابَ الدَّارِ » : سَدَّ مَدْخَلَهَا، أيْ فَتْحَتَهَا، خَشَبٌ يُصْنَعُ منهُ رِتَاجٌ لِلْبُيُوتِ وَالغُرَفِ وَالدَّكَاكِينِ، ... إلخِ (أبو العزم، 2013).

  2. اِسْتَمَعْتُ إِلَى صَوْتِهِ عَبْرَ اَلأَثِير«  : عَبْرَ الْمِذْيَاع، أيْ حَمَلَتْ صَوْتَهُ الموْجَاتُ الصَّوْتِيَّةُ (أبو العزم، 2013).

  3.  »فرَضَ عَلَيْهِ الدَّائِنُ شُروطاً مُجْحِفَةً«  : مُقْرِضُ المالِ لأَجَلٍ(أبو العزم، 2013).

قد يؤدي المثال المشروح إلى ارتباك في تلقي الدلالة؛ ففي مدخل  »باب«  ورد شرح للجملة متبوعا بشرح للكلمة ما يشوش على استنتاج معنى الباب، وكذا في المثال الثاني حيث شُرح جزء من المثال وأُتبع بشرح للجملة مما يُصعّب استنتاج معنى الكلمة، في حين ورد في المثال الثاني شرح لكلمة دائن ومع هذا فإن بعض التفاصيل الواردة في المثال تشوش على تلقي الشرح، لذا لاحظنا في مداخل كثيرة تحاشي هذا الارتباك بالاقتصار على إيراد المرادف كما يتبين في العنصر اللاحق.

4.4. اقتصار الشرح على المرادف

إن اعتماد المرادف في تبليغ الدلالة هي ممارسة وجدت منذ أولى القواميس وتناولتها أقدم الدراسات التي أسست للتعريف عند العرب والغرب على حد سواء، يطلق عليه الكفوي الحد اللفظي ويعرفه « ما أنبأ عن الشيء بلفظٍ أظهرَ عند السائل من اللفظ المسؤول عنه، مرادف له كقولنا : الغضنفر : الأسد، لمن يكون الأسد عنده أظهر من الغضنفر« (الكفوي، 1998 : 392) وأُدرج ضمن التعريف اللفظي لأنه لا يفكك الدليل إلى السمات الدلالية المشكلة له ما جعله حسب  »واينر«  لا يستهوي المناطقة والمعجميين المتطلبين، ولا يشكل تعريفا بمعنى الكلمة، بل مجرد مكافئات اسمية (Wagner, 1967 : 138) لذا فقد نُبذ منذ القدم يقول أرسطو « من غيّر كلمة بكلمة فإنه لم يحد، ومثال ذلك أن نجعل بدل الثوب رداء »(Aristote, Topiques).

يظهر من ملاحظة الشرح في القواميس الإكثار من المرادف المتبوع بعائد، فوضع المدخل في سياق يستدعي شرح المثال لا المدخل، فيُستثقل عندها تفكيك المدخل إلى السمات الدلالية المكونة له التي قد تحدث ارتباكا في القراءة، كما رأينا في العنصر السابق فيلجأ المعجمي إلى وضع شرح مكون من مرادف الكلمة مع العائد فيصير المرادف على قصوره هو المدخل الوحيد للدلالة، نمثل له بمدخل  »داء« ،  »سائر« ،  »دأب« ،  »شاجرَ« ،  »شاجن« ،  »شاحن«  من قاموس الغني (أبو العزم، 2013) :

  1.  »دَاءٌ فَتَّاكٌ«  :عِلَّةٌ، مَرَض

  2.  »اِلْتَقَيْتُ بِهِ سَائِراً عَلَى الأقْدَامِ«  :مَاشِياً.

  3.  »اُتْرُكْهُ وَدَأْبَهُ«  :وَشَأْنَهُ.

  4.  »شَاجَرَ جَارَهُ«  : نَازَعَهُ، خَاصَمَهُ.

  5.  »رَجُلٌ شَاجِنٌ«  : حَزِينٌ.

  6.  »شَاحَنَ مُنَافِسَهُ«  : بَاغَضَهُ.

5.4. إهمال السمات الدلالية النواتية وإظهار السمات السياقية

تميز الدراسات النظرية بين نوعين من السمات الدلالية : النواتية والسياقية؛ فالسمات الدلالية النواتية (Sèmes nucléaires) هي السمات الثابتة التي تحدد دلالة الكلمة، بينما تُظهر السمات السياقية (Sèmes contextuels) المعاني التي تكتسبها الكلمة في سياقات معيّنة « فيظهر بهذا السيم النووي في الكلمة مهما كان السياق الذي ترد فيه، بينما يظهر السيم السياقي في سياقات للكلمة ويختفي في أخرى » (Hénault, 1979) .

إن المهمة الأساسية للتعريف المعجمي هي إظهار السمات النواتية الثابتة في الكلمة قبل السمات السياقية، إلا أن المعجمي قد يحيد عندما ينطلق من المثال لبناء الشرح، فيهمل سمات أساسية ويظهر سمات سياقية، ففي مثالي  »زائف«  و »سُؤْر« ؛

 »أَعْطاهُ دِرْهَماً زائِفاً«  : أَي غَيْرَ صالِحٍ للتَّداوُلِ. (أبو العزم، 2013)
 »سُؤْرُ الإِنَاءِ«  : مَا بَقِيَ فِيهِ مِنْ مَاءٍ. (أبو العزم، 2013)

نلاحظ إهمال سمة دلالية أساسية لكلمة زائف وهي مغشوش، والاكتفاء بسمة  »غير صالح للتداول«  وهي سمة دلالية سياقية تداولية ناتجة عن السمة الدلالية الأساسية؛ فهو غير صالح للتداول لأنه مغشوش، ويظهر في المثال الثاني أن سُؤر هو بقية الماء دون غيره، إلا أن السؤر في القواميس هو بَقِيَّة الشيء... ويستعمل في الطعام والشراب وغيرهما (ابن منظور ، بلا تاريخ). إلا أن تخصيصه للماء دون غيره نتج عن شرح المثال (سؤر الإناء).

5. انتقال سمات من المثال التعريف

قد تنجرّ عن عمومية التعريف وخصوصية المثال، صعوبة الفصل بين السمات المشتركة للدليل وعناصر سياقية لا تقبل التعميم، وقد يؤدي الالتباس في التمييز بين السمات الثابتة التي تشكل سمة دلالية للمدخل، والعناصر السياقية التي هي جزء من المثال دون التعريف، مغالطة المتعلم فيعمم سمة وردت في المثال على دلالة المدخل، نوضحها من خلال الأمثلة الآتية :

مدخل  »صاح«  و »داهن«  و »سائح«  :

 »صَاحَ الرَّجُلُ مِنْ شِدَّةِ الأَلَمِ«  : صَوَّتَ بِشِدَّةٍ، أَيْ بِأَعْلَى صَوْتِهِ. (أبو العزم، 2013)
 »دَاهَنَ خَصْمَهُ«  : خَدَعَهُ، أظْهَرَ لَهُ عَكْسَ مَا يُخْفِي، صَانَعَهُ. (أبو العزم، 2013)
 »اِلْتَقَى بِسَائِحٍ أَجْنَبِيِّ«  : الزَّائِرُ الَّذِي يَتَفَقَّدُ البِلاَدَ وَيَقِفُ عَلَى مآثِرِهَا وَيَقْضِي بِهَا أيَّاماً بِقَصْدِ الرَّاحَةِ. (أبو العزم، 2013).

في المثال الأوّل ورد في المثال  »من شدة الألم«  فقد تلتبس الأمور على المتلقي ويتوهم بأن الصياح يكون من ألم ما يدفع إلى التساؤل إن كان الصياح من ألم فقط أو لا، وقد يصير تعريف صاح في ذهن المتلقي  »صوّت من ألم« ، ونتساءل في المثال الثاني هل المداهنة إظهار عكس ما نخفي للخصم فقط دون الزميل والابن والمدير وغيرهم، وهل السائح شخص أجنبي، فقد تنتقل بعض العناصر الموجودة في المثال إلى التعريف وتترسخ في ذهن المتعلم على أنها سيمات أساسية.

6. إشكالية تعميم الدلالة

من مزايا التعريف تعميم الدلالة على كل فئات المعرف أو أنواعه، ومن ذلك تعريف  »طائر« 

طائر : حيوان فقاري بيوض، جسمه مغطى بالريش، له منقار ويستطيع الطيران غالبا.

فهذا التعريف يسمح بضمّ النسر والحمامة والدجاجة إلى فئة الطيور ووسمها بأنها طائر.

إلا أن أمثلة مشروحة من قبيل :

  • وَسَقَتِ النِّخلةُ : حَمَلَت. (مجمع اللغة العربية، د ت)

  • سَائِسٌ لِلْخَيْلِ : الَّذِي يُعْنَى بِهَا وَيُدَبِّرُ أُمُورَهَا. (أبو العزم، 2013)

  • استبقى الضَّيفَ : أراد بقاءَه. (مختار عمر، 2008)

  • ارتَجَعَ الناقةَ : اشتراها بثمن أُخرى مثلِها.(مجمع اللغة العربية، د ت) 

تَطرح إشكالية التعميم، فالابتداء بالخاص (المثال) والذي هو  »وسقت النخلة«  ثم شرح الخاص  »حملت«  يجعلنا نتساءل عن توسيع الاستعمال، فهل  »وسقت«  خاصة بالنخلة دون غيرها من الأشجار؟ وهل يمكننا أن نقول وسقت شجرة الزيتون أو شجرة البرتقال؟

وفي المثال الثاني كذلك استعمل سائس في مثال  »سائس الخيل«  تلاه شرح  »الَّذِي يُعْنَى بِهَا وَيُدَبِّرُ أُمُورَهَا«  فهل السائس خاص بالخيل دون غيره من الحيوانات وهل يجوز تعميم الخيل إلى الحيوانات الأليفة أو المفترسة فنقول سائس الفيلة مثلا؟

وهل يجوز تعميم ارتجع على حيوانات أو جماد، أم هي خاصة بالنوق دون الجمال والفرس وغيرهم؟

يظهر من خلال الأمثلة عجز المثال المشروح عن إعطاء المعنى الموسع الذي يرشدنا إلى تعميم المعنى واستعمال الكلمة في سياقات أخرى، خاصة إذا كان مستعمل القاموس متعلما يصادف الكلمة لأول مرة، أو أجنبيا، أو كان من زمن غير زمن كتابة المعجم.

خاتمة

تشكل المعجمية ميدانا تطبيقيا للسانيات، إذ يحاول المعجميون الاستفادة مما استجد في اللسانيات النظرية، في محاولة لجعل القاموس أكثر نجاعة في تبليغ الدلالة لمستعمليه، والمثال المشروح هو تجسيد للنظرية السياقية في محاولة لاستثمار السياق وقدراته في تبليغ الدلالة.

يعد مفهوم المثال المشروح من المفاهيم التي استجدت في الصناعة المعجمية الفرنسية وهو ممارسة غارقة في القدم في القواميس العربية ظهرت مع ظهور التأليف المعجمي وتحولت إلى تقليد توارثته القواميس العربية، وإن كانت له إيجابيات عديدة إلا أن استعماله يشكل مجازفة بالدلالة قد تحد من استيعاب القارئ وقد تخطئه، ويظهر المشكل أكثر عند تلقي القاموس في زمن لم تعد تلك الكلمات موجودة في الاستعمال. فقد أظهرنا في هذه الدراسة المقتضبة بأن التعريف عام ويفتح إمكانية التعميم واستعمال المداخل في سياقات أخرى، في حين قد يعيق المثال المشروح التواصل على المستوى الآني لأسباب عدة أهمها :

  • عدم ثبات المعرف الذي يتراوح بين الكلمة والجملة.

  • ارتباك في القراءة لمخالفة العرف المعجمي وأفق التلقي.

  • حصر الدلالة في المرادف.

  • صعوبة الانطلاق من الخاص لتعميم الدلالة.

كما قد يعيق التواصل على المستوى الزماني؛ فقد وجدنا القواميس الحديثة تكرر الأمثلة القديمة خشية التعميم الخاطئ؛ فنجد مثلا في لسان العرب وَسَقَت النخلةُ إذا حملت، فإذا كثر حملها قيل أَوْسَقَتْ (ابن منظور ، بلا تاريخ) وفي الوسيط؛ وَسَقَتِ النِّخلةُ : حَمَلَت(مجمع اللغة العربية، د ت)، فتعميم معنى وسقت على باقي الشجر المثمر كأن نقول وسقت شجرة الزيتون يتطلب منا إعمال النظر بتتبع السياقات التي ورد فيها المدخل، بل وقد نحتاج إلى الخروج من القاموس والبحث عن الدلالة في الاستعمالات القديمة، وما كان الإشكال ليطرح لو اعتمدنا التعريف ففي تعريف  »العش" : ما يجمعه الطَّائر من حُطام العيدان وغيرها يجعلُهُ في شجرةٍ، فإِذا كان في جبل أَو جدارٍ ونحوهما، فهو وَكرٌ ووَكْن. لا تطرح إشكالية التعميم فنقول عش البلبل وعش الحمام ..

فالتعريف في القواميس أبين وأكثر تبليغا للدلالة من المثال المشروح على المستوى الآني والزماني، وتبين من هذه الأمثلة أن حدود الدلالة في المثال المشروح مائعة والوصول إلى المعنى الدقيق للمدخل أمر نسبي.

1 - تضم البنية الصغرى مجموعة من المعلومات كالكتابة الصوتية، والفئة النحوية، التأصيل المرادفات، الأضداد لكن أهم عناصرها هما التعريف والمثال اللذان

2 - السمة الدلالية في هذا البحث يقصد بها "السيم" وهي ترجمة لـ (sème) أو (trait sémantique).

3 - يعرف هذا الكتاب بكتاب البرهان.

4 - يستعمل الحد غالبا مرادفا للتعريف، وإن كان الحد أخص من التعريف وفق دراسة: حميدي بن يوسف، 2012، التعريف في المعاجم اللسانية العربية الحديثة: دراسة

5 - التحييد هو اختزال في المثال باستنباط الجزء المشترك والثابت.

الكفوي, أ. ا. أ. ب. م. ا. (1998). الكليات (2 ط). بيروت : مؤسسة الرسالة.

حميدي, ب. ي. (2012). التعريف في المعاجم اللسانية العربية الحديثة : دراسة وصفية تحليلية في ضوء المصطلحية الحديثة (أطروحة دكتوراة). جامعة الجزائر.

بكال, ص. (2017). البنية الصّغرى في القاموس المدرسي، دراسة لسانية تداولية للتعريف والمثال (أطروحة دكتوراة). جامعة الجزائر2.

مجمع اللغة العربية, م. المعجم الوسيط. دار الدعوة.

أبو العزم, ع. ا. (2013). معجم الغني الإلكتروني. / : /.

الفراهيدي, ا. ب. أ. العين. دار ومكتبة الهلال.

مختار عمر, أ. (2008). معجم اللغة العربية المعاصرة (1 ط). القاهرة : عالم الكتب.

أرسطو, ط. (1980). أنولوطيقا الأواخر. في منطق أرسطو (1 ط). الكويت، بيروت : وكالة المطبوعات، دار القلم.

Rey-Debove, J. (1970). Le domaine du dictionnaire. Langages, 3-34.

Rey, A. (2008). De l’artisanat du dictionnaire à une science de mot. Paris : Armand Coline.

Aristote, /. Topiques. Lieux communs de la définition. استرجع في 22 أبريل، 2021, من remacle.org

Lehmann, A. (1993). L’exemple et la définition dans les dictionnaires pour enfants. Repères, 63-78.

Rey, A. (1995). Du discours au discours par l’usage : pour une problématique de l’exemple. Langue française, (106), 95-120.

Wagner, R. (1967). Les vocabulaires français : définitions – les dictionnaires. Paris : Didier.

Hénault, A. (1979). Les enjeux de la sémiotique : introduction à la sémiotique générale. Paris : Presses universitaires de France.

Rey-Debove, J. (1971). Etude linguistique et sémiotique des dictionnaires français contemporains. Paris : mouton the Hague.

1 - تضم البنية الصغرى مجموعة من المعلومات كالكتابة الصوتية، والفئة النحوية، التأصيل المرادفات، الأضداد لكن أهم عناصرها هما التعريف والمثال اللذان يشكلان أساس البنية، ما قد يسمح باختزال العناصر الأخرى.

2 - السمة الدلالية في هذا البحث يقصد بها "السيم" وهي ترجمة لـ (sème) أو (trait sémantique).

3 - يعرف هذا الكتاب بكتاب البرهان.

4 - يستعمل الحد غالبا مرادفا للتعريف، وإن كان الحد أخص من التعريف وفق دراسة: حميدي بن يوسف، 2012، التعريف في المعاجم اللسانية العربية الحديثة: دراسة وصفية تحليلية في ضوء المصطلحية الحديثة، أطروحة دكتوراه، جامعة الجزائر.

5 - التحييد هو اختزال في المثال باستنباط الجزء المشترك والثابت.

صونية بكال وفوزية عزوز

مركز البحث العلمي والتقني لتطوير اللغة العربية

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article