مقدمة
يقوم تخطيط العولمة على منطق اختفاء الخاص لصالح العام بفعل القوة، وباسم المثاقفة يتم انحسار الهويات الثقافية الخاصة في الثقافة المركزية وما يحمله ذلك من دلالة سلبية تتضمن القضاء على ثقافة لصالح أخرى وابتلاع ثقافة الأطراف داخل ثقافة المركز. التي تعد ثقافة نمطية ممثلة في ثقافة عالمية مادية استهلاكية على كل ثقافات العالم احتذاؤها.
وبطريقة لاشعورية وتحت أثر تقليد المركز والانبهار بثقافته يتم استعمال طرق تفكيره ومذاهبه كإطار مرجعي للحكم دون مراجعة أو نقد. وتتبنى ثقافة الأطراف كل ما يصدر عن المركز من أحكام خاصة: ثنائيات الحس والعقل، وتعارض المثالية الواقعية الكلاسيكية والرومانسية، وتعارض الدين والعلم، والفصل بين الدين والدولة، والانقطاع مع القديم. وكلها أحكام صدرت في المركز بناءا على ظروفه الخاصة، التي يتم تعميمها على غيره من ثقافات الأطراف التي تصبح تفكر بمقولات المركز، وتعمم أحكامه، ويقع في خطأ الانتقال من الجزء إلى الكل دون أن يرد هذه الأحكام إلى ظروفها التي نشأت فيها ويتحرر منها ويقيم أحكامه الخاصة بناء على ظروفه الخاصة التي قد تختلف مع ظروف المركز وأحكامه.
ونتيجة لذلك انقسم الفضاء السوسيو-ثقافي لثقافات الأطراف بين توجه فكري يقوم على منطق الانبهار بثقافة المركز وتقليدها وتبنيها وإطلاقها واعتبارها الثقافة العالمية الممثلة لجميع الثقافات، والتجربة النموذجية التي تحدو حدوها كل التجارب الأخرى. وتوجه آخر يرفض التوجه الأول باعتباره مانعا لإبداعات الأطراف الذاتية والتفكير المستقل، والانعكاف على الذات وممارسة قوى التنظير الطبيعية في كل عقل بشري، واستنفار كل الاجتهاد الكامن لدى كل الشعوب. فالغرب ليس بدعة، ولا نسجا عبقريا على غير منوال، ولا يتمتع بقدرة فريدة على التنظير دون غيره. وليس هناك ما يمنع أية ثقافة من التحول الطبيعي من التقليد إلى الاجتهاد واعتمادا على الجهد الإنساني سواء على نفس نمط المركز أو على أنماط أخرى، فتتعدد الإبداعات البشرية، ولا يتم إيقافها أو إجهاضها بتقليد نموذج واحد في إبداع المركز.
من هذا المنطلق صارت أهمية دراسة أثر العولمة كتحول فكري على الفضاء السوسيو-ثقافي للمجتمعات النامية خاصة تتعاظم باستمرار نتيجة التغيرات التي تحدثها آلياتها المتمثلة في تكنولوجيات الاتصال الحديثة في هذا الفضاء باعتبارها مصدر من مصادر بناء ثقافة الشعوب خاصة فئة الشباب.
وتأسيسا على ما سبق، هدفت هذه الورقة البحثية إلى التعرف على أثر العولمة على الفضاء السوسيو-ثقافي بالمجتمع الجزائري وأبرز التحديات التي توجدها بهذا الفضاء خاصة بالنسبة للشباب الجزائري كأهم مورد للتنمية الاجتماعية.
بناءا عليه، تكون الاشكالية التي تطرحها هذه الورقة البحثية كالتالي : كيف انعكست تحديات العولمة بالفضاء السوسيو- ثقافي الجزائري؟
وللإجابة عن هذا التساؤل تم صياغة التساؤلات الفرعية التالية:
-
ما هي التحولات العالمية التي أنتجتها العولمة؟
-
ما هي التحديات التي فرضتها العولمة على الفضاء السوسيو-ثقافي للبلدان النامية؟
-
ما هي انعكاسات تحديات العولمة على الفضاء السوسيو-ثقافي الجزائري؟
1. مدخل مفاهيمي
1.1. مفهوم العولمة
شاع استخدام لفظ العولمة في السنوات العشر الأخيرة، وبالذات بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، متمثلة في جملة من العناصر الأساسية تنظم حدودها وهي: ازدياد العلاقات المتبادلة بين الأمم سواء المتمثلة في تبادل السع والخدمات أو في انتقال رؤوس الأموال، انتشار المعلومات والأفكار، تأثر أمة بقيم وعادات غيرها من الأمم.(جلال. د.س: 13)
ويمكننا هنا أن نورد مجموعة من التعريفات التي حاولت تحديد هذا المفهوم وضبط دلالته كالتالي:
-
العولمة لفظة مشتقة من كلمة Global اللاتينية ومنها جاء مصطلحGlobalisation أي الكونية أو العولمة.
-
العولمة لغويا تعني جعل الشيء عالميا، أي توسيعه على نطاق عالمي وتسهيل حركته بدون عوائق أو حواجز. (عبد،اللطيف.2001: 11)
-
ولمصطلح العولمة عدة مدلولات مثل الكونية والكوكبة والأمركة والغربة. وهذه المفردات مشتقة في عمومها من الانجليزية والفرنسية، ففي الانجليزية نقول Global وGlobalisation كما نقول Worldو universal وبالفرنسية نقول Monde وMondialisation، بمعنى الكون والكونية. (مبروك.2001: 35)
-
كما يمكن تلخيص العولمة في كلمتين: كثافة انتقال المعلومات وسرعتها إلى درجة أصبحنا نشعر أننا نعيش في عالم واحد وموحد. (برهان وسمير. 2002: 21)
-
يعرفها محمد عابد الجابري على أنها: « نظام يقفز على الدولة والأمة والوطن وفي مقابل ذلك يعمل على التفتيت والتشتيت، إن إضعاف سلطة الدولة والتخفيف من حضورها لفائدة العولمة يؤديان حتما إلى استيقاظ أطر للانتماء سابقة على الدولة، أعني القبيلة والطائفة والجهة والتعصب المذهبي والنتيجة تفتيت المجتمع وتشتيت شمله ». (محمد. 1998: 149)
-
كما يعرفها صادق جلال العظم: « العولمة هي وصول نمط الإنتاج الرأسمالي عند منتصف هذا القرن تقريبا إلى نقطة الانتقال من عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول إلى عالمية دائرة الإنتاج وإعادة الإنتاج ».(مالك.1999: 48)
ومن التعريفات الواردة يمكننا تمييز موقفين من العولمة الأول؛ يرى فيها نظاما للتعايش الثقافي بين مختلف الثقافات في تفاعل ايجابي ومنافسة شريفة تعرض فيها كل الثقافات منتجاتها بهدف خدمة الانسانية والتواصل العالمي، في حين يذهب أنصار الموقف الثاني، إلى أن هذا التوجه إذا ماطابقناه بالواقع نجد خلافه تماما ، فالصراع هو السمة الواضحة والجلية للعيان، والمنافسة لا تبدو شريفة، وكل ما تحققه هذه العولمة هو تحقيق مركزية أحادية تذوب فيها كل المراكز، حيث يكون المستفيد الوحيد هي الثقافات القوية التي تمتلك المعرفة، أما الضعيفة ففي أحسن حالاتها تدعي التزام الحياد، وبذلك تكون العولمة تفرض نظاما يسعى إلى عكس إرادة الأقوى وتهميش الأضعف.
2.1. مفهوم الهوية
حظيت مسألة الهوية والهوية الثقافية بالخصوص باهتمام الكثير من المفكرين في مختلف الثقافات، ومن بين الدلالات التي أخذها هذا المفهوم في نختلف الأدبيات العلمية ما يأتي:
-
الدلالة النفسية لمفهوم الهوي : يعرف إريكسون الهوية، بأنها « المجموع الكلي لخبرات الفرد وتتكون من عنصرين هما: هوية الأنا وهوية الذات وترجع هوية الأنا إلى تحقيق الالتزام في بعض النواحي كالعمل والقيم الإيديولوجية والسياسية والدين وفلسفة الفرد لحياته، أما هوية الذات فترجع إلى الإدراك الشخصي للأدوار الاجتماعية ويذكر كذلك أن للهوية بعدين هما: البعد الإيديولوجي والبعد الاجتماعي ».(طلال. 2002: 79)
في حين يحدد جيمس إ. مارشيا دلالة العولمة بأنها تنظيم داخلي معين للحاجات والدوافع والقدرات والمعتقدات والإدراكات الذاتية بالإضافة إلى الوضع الاجتماعي السياسي للفرد.(طلال. 2002: 82) -
الدلالة القانونية لمفهوم الهوية : تنص القوانين عادة على إثبات صفة الفرد بمقتضى بطاقة شخصية تساعد هذه البطاقة الفرد في تسهيل معاملاته المختلفة مع الجهات التي تطالب بإثبات شخصيته، أما مبدأ الهوية المقصود به أن الموجود هو ذاته أو هو ما هو ويهيمن هذا المبدأ على الأحكام والاستدلالات الموجبة، ومن شأنه أن يجعلنا نحرص على ألا نخلط بين الشيء وما عداه، وأن لا نضيف للشيء ما ليس له.(خليل ومحمد.2001: 203)
-
الدلالة السوسيولوجية لمفهوم الهوية: شخصها إليكس ميكشيللي بأنها عبارة عن « مركب من العناصر المرجعية المادية والاجتماعية والذاتية المصطفاة التي تسمح بتعريف خاص للفاعل الاجتماعي ».(نور،الدين.2001: 212)
ويرى تركي الحمد أن الهوية مركب من عناصر ذو بعدين الأول ديناميكي يسمح للهوية بمواكبة التحولات الاجتماعية المختلفة والثاني؛ ستاتيكي يمنح الهوية قدرا من الثبات الذي يعطيها تميزا بين غيرها من الهويات.(نور،الدين.2001: 212)
وقد ارتبط المفهوم السوسيولوجي للهوية ببعدها الاجتماعي-الثقافي فعرفت الهوية الثقافية وفقا لهذا المدخل بأنها « ما يمنح الناس مشاعر الانتماء والأمن والاندماج بالجماعة، حيث تزودهم بالمعايير المشتركة التي تمكنهم من التواصل والتفاعل وتزودهم بالقيم والطموحات المشتركة وبإمكانيات التوقع بسلوك الآخرين، مما يساهم ببناء شعور الثقة بين الناس. ومكونات الهوية تشير إلى ما يمكن تسميته بالرأسمال الاجتماعي، حيث تساهم الهوية الثقافية إلى درجة كبيرة في التمييز بين الجماعات ». (سمير. 2007: 432)
تأسيسا على ما سبق يمكننا القول أن الهوية الثقافية تتضمن منظومة القيم أو المعايير القياسية التي تتميز بها جماعة أو مجتمع بين ما هو جيد وما هو سيئ، بين ما هو مرغوب وما هو غير مرغوب، ويمكن فهمها باعتبارها كيان تاريخي خاضع للتغير والتطور، ولا يمكن فهمها خارج التاريخ، لذلك فغالبا ما يتم الحديث عنها بربطها بالحداثة والأصالة والمعاصرة وكذا الحديث عن الخصوصية والعالمية، المحلي والكوني، وثنائية أعمق هي ثنائية الأنا والآخر. إذ لا تمثل العلاقة بين هذين الطرفين.
3.1. مفهوم القيم
-
جاء في المعجم الوسيط: أن قيمة الشيء هي قدره، وقيمة المتاع هي ثمنه، ويقال ما لفلان قيمة، أي ماله ثبات ودوام على الأمر.(ابراهيم. 1979: 768)
-
وجاء في لسان العرب: القيمة واحدة القيم، والقيمة ثمن الشيء والتي تقوم مقامه. (ابن، منظور.1956: 500)
ويرى حميد خروف أنه على الرغم من اختلاف الباحثين في تحديد مفهوم القيم بسبب ارتباطه بجوانب نفسية، اجتماعية واقتصادية، فإنه يمكن رصد ثلاثة منظورات رئيسية هي:
-
المنظور الفلسفي: الذي يؤكد أصحابه على أن للقيم وجودا مستقلا خارج العقل الإنساني، تتصف بمطلقية، فهي ناجمة عن طبيعة الأشياء.
-
المنظور السيكولوجي: فإن أصحابه يؤكدون على الصفة الفردية للقيم والتعبير عنها، وبالتالي فهي تفصح عن نفسها في أنماط من السلوك الإنساني التي تنشأ عن ذات فاعلها وتخضع للتعبير المستمر، بينما أصحاب.
-
المنظور الاجتماعي: ينظرون للقيم باعتبارها تقديرا للأشياء والموضوعات، وهي تنشأ نتيجة التفاعل الاجتماعي بين الأفراد والبيئة المحيطة بهم، وهي إحدى محددات السلوك الإنساني، متداخلة في كل مجالات الحياة بالنسبة للفرد والمجتمع على حد سواء.(حميد.2001: 196)
ومن التعريفات التي أعطيت لمفهوم القيمة من هذا المدخل ما يأتي:
يعرف الجوهري القيم بأنها:
« التفضيلات الإنسانية والتصورات، كما هو مرغوب فيه على مستوى أكثر عمومية، كذلك تشمل القيم كل الموضوعات والظروف والمبادئ التي أصبحت ذات معنى خلال تجربة الإنسان الطويلة، إنها باختصار شديد، الإطار المرجعي للسلوك الفردي ».(عبد،الهادي.1996: 169)
ويذهب علي عبد الرازق جلبي لاعتبار القيمة أنها
« المرغوب فيه Desideratum بمعنى أي شيء مرغوب من الفرد أو الجماعة الاجتماعية، وقد يكون موضوع الرغبة مادي أو علاقة اجتماعية، أو أفكار،أو أي شيء يتطلبه ويرغبه المجتمع… واستخدمت القيمة لتشير إلى بعض المعايير أو المقاييس التي تستمر خلال الزمن وتمدنا بمعايير يستخدمها الناس لتنظيم وترتيب رغباتهم المتنوعة ولذلك نقول أنه طالما أن الناس يغفلون أو يقيمون الأشياء والأفعال والأفكار طبقا لمقياس المسموح والمرفوض، فإن هذا يشير إلى أن هؤلاء الناس يستجيبون إلى نسق قيمي ».(علي.2000: 139، 140)
كما يمكن تعريفها على أنها « معيار عام ضمني أو صريح فردي أو جماعي يعتمده الأفراد والجماعات في الحكم على السلوك الاجتماعي قبولا أو رفضا ».( D.A.mitachell. 1973:P218)
وجاء تعريفها أيضا على أنها:
« مقاييس اجتماعية وخلقية وجمالية تقررها الحضارة التي ينتمي إليها أفراد المجتمع وفقا لتقاليد المجتمع واحتياجاته وأهدافه في الحياة….و هي مجموعة مبادئ وضوابط سلوكية وأخلاقية تحدد تصرفات الأفراد والجماعات ضمن مسارات معينة إذ تصبها في قالب ينسجم مع عادات وتقاليد وأعراف المجتمع ».( J.Nobbs. 1980 :P298)
كما يعرفها مقدم عبد الحفيظ على أنها
« كل ما يعتبر جديرا باهتمام الفرد وتفضيله مقارنة بما هو غير مفضل وغير جدير بالاهتمام وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من اختلاف المنظرين في العلوم الاجتماعية في تعريف مصطلح القيمة إلى أنهم متفقون على أن القيم تقوم مقام المعايير في توجيه السلوك لتحقيق عدة أهداف في حياتنا اليومية ».(مقدم. 2003: 196)
2. العولمة ومظاهر التحولات العالمية
على الرغم من ارتباط العولمة في أصل ظهورها بالبعد التجاري والاقتصادي إلا أن تأثيرها في النظام الاجتماعي للمجتمعات تجاوز ذلك إلى الأبعاد السياسية، الاجتماعية، الاعلامية والثقافية، ويمكن توضيح جملة التحولات العالمية التي نتجت عن ظاهرة العولمة في مختلف هذه الأبعاد كالتالي:
1.2. التحولات العالمية السياسية
عملت العولمة كسياسة ليبرالية حديثة على تجاوز الأفكار الاشتراكية وما تقوم عليه من مبادئ تحدد القوانين التي تحكم وتسير الأنظمة الاجتماعية بالمجتمعات بكافة تصوراتها للديمقراطية ومبادئ العدالة الاجتماعية، إلى قوانين جديدة ترسم صورة المستقبل بالرجوع إلى جذور الأفكار الرأسمالية.(جلال أمين. د.س:14، 15)
2.2. التحولات العالمية الاقتصادي:
العولمة ظاهرة قديمة حديثة عمرها خمسة قرون على الأقل، وبدايتها ونموها مرتبطان ارتباطا وثيقا بتقدم تكنولوجيا الاتصال والتجارة، منذ اختراع البوصلة وحتى الأقمار الصناعية، ومن المهم إدراك هذه الحقيقة والتأكيد عليها، ولكن من المهم أيضا الاعتراف بأن أشياء جديدة ومهمة قد طرأت على ظاهرة العولمة في الثلاثين سنة الأخيرة، منها: (محمد سيد فهمي. د.س:176)
-
ساعدت المبادئ التي تقوم عليها العولمة خاصة الدعوة الي حرية التجارة والأسواق على ايجاد نمط مختلف من العلاقات الدولية بين المجتمعات العالم حتى المعزولة منها في أوربا الشرقية والصين، حيث بدأت الحدود الاقتصادية ومن ثم الحدود الثقافية تختفي سواء باختيار هذه المجتمعات أو أجبرت عليها طريقة أو أخرى.
-
الزيادة الكبيرة في درجة تنوع السلع والخدمات التي يجرى تبادلها بين الأمم، وكذلك تنوع مجالات الاستثمار التي تتجه إليها رؤوس الأموال المتنقلة من بلد إلى آخر. لم تعد صادرات دولة « أقل نموا »تكاد تنحصر في مادة أولية واحدة، ولا وارداتها في عدد محدود من السلع، كما كان الحال في ظل الاستعمار التقليدي، والاستثمار الأجنبي يكاد ينحصر في إنتاج تلك المادة الأولية وتطوير البيئة الأساسية اللازمة لهذا الإنتاج، بل تعددت هذه الصادرات وتنوعت، وكذلك الواردات، كما تعددت وتنوعت المجالات التي ينتقل إليها رأس المال الأجنبي بحثا عن فرص الربح.
-
ارتفعت بشدة نسبة السكان داخل كل مجتمع أو أمة، التي تتفاعل مع العالم الخارجي وتتأثر به.
-
في ظل تبادل السلع ورؤوس الأموال هو العنصر المسيطر على العلاقات بين الدول حتى وقت قريب للغاية، ثم بدأ تبادل المعلومات والأفكار يصبح هو العنصر الغالب على هذه العلاقات.
-
أصبحت الوسيلة الأكثر فعالية ونشاطا في تحقيق هذا الانتقال للسلع ورأس المال والمعلومات والأفكار، بل المهيمن على هذا الانتقال هي الشركات المتعدية الجنسيات.
-
من السمات الجديدة نسبيا أيضا لظاهرة العولمة، ما طرأ خلال العقود الأخيرة من تغير ملحوظ على مركز الدولة من هذا النمو في العلاقات بين المجتمعات.
فالعولمة إذا حاولت فرض نوع من الحتمية الاقتصادية والتكنولوجية على كافة المجتمعات من خلال مفاهيمها ومنطلقاتها بالاعتماد على جملة من الآليات والوسائل سواء منها المعنوية كالقيم والمبادئ الاقتصادية التي حملتها مثل قيمة الحرية، أو المادية كالوسائل التكنولوجية والاتصالية الحديثة التي ساهمت في نقل وترسيخ مبادئها ضمن البناء والنظام الاجتماعي لهذه المجتمعات.(كامل.2001: 289)
3.2. التحولات العالمية الاجتماعية
تعددت الآراء حول ظهور مصطلح مجتمع الإعلام والمعلومات بعصر العولمة، إذ يشير عدد من الباحثين إلى أن مصطلح مجتمع الإعلام والمعلومات ظهر في مطلع الستينات على يد مارشال ماك لوهان في كتابه « هجرة غوتنبورغ »، وعلى الرغم من أن هذه العبارة دخلت النسيان، إلا أنها عادت إلى الظهور في بروكسل عام 1994 عندما عرض المحافظ الأوربي مارتن بن جامان تقريره حول الطرق السريعة للإعلام والمعلومات.ويرى بعض الباحثين أن مصطلح مجتمع الإعلام والمعلومات، بدأ في الظهور في الخمسينات من القرن العشرين على يد فرتز ماتشلب الذي قام بتصنيف ثلاثين صناعة وتقسيمها إلى فئات أساسية هي: الأبحاث والتطور (التعليم)، وسائل الاتصال(المعلومات).(محمد. 2003: 67، 68)
ـ ومجتمع المعلومات هو المجتمع الذي تستخدم فيه تكنولوجيا المعلومات وأجهزة الكمبيوتر ووسائل الاتصال عن بعد على نطاق واسع وبتكلفة منخفضة لتسهيل الاتصالات على المستوى القومي والدولي ولتوفير فرص الحصول على خدمات المكتبات وأرشيفات المعلومات وغيرها من المصادر التي تملكها المنظمات الخاصة أو التي تملكها الحكومة. وهناك من يرى أن هذه التسهيلات المتعاظمة الاتصال والتيسيرات المتزايدة للحصول على المعلومات، قد خلقت مجتمعا مختلفا اختلافا نوعيا، تلازمه مشكلات جديدة خاصة به مثل العبء أو التحميل الزائد للمعلومات والحاجة إلى أشكال جديدة من القواعد والتنظيمات التي تحكم تدفق المعلومات بين الأشخاص والشركات والدول.
وفي الوقت الذي تتطلع فيه اقتصاديات السوق التقليدية إلى حل مشكلات الندرة، فإن المعلومات سوف تؤدي بشكل عملي إلى مشكلات الوفرة وتثير بالتالي تساؤلات حول كيفية تطوير أدوات للسيطرة على هذه الوفرة. (جوردون.2001: 1297،1298)
برز مجتمع المعلومات نتيجة لظهور اقتصاد المعرفة الذي نتج عن تشابك أصيل لظواهر مختلفة مثل ثورة الاتصالات وظاهرة انفجار المعلومات وانتشار استخدام تكنولوجيا المعلومات، مما سمح ببناء اقتصاد المعرفةknoubage based economy وهو مجتمع يشق طريقا جديدة في التاريخ الإنساني ويجعل المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات.
والمعلومات (ICT) جزء لا يتجزأ من معظم الفعاليات الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية ويحقق تغيرات بنيوية عميقة في مناحي الحياة جميعا. (بشار.2001: 19، 20)
ويرى جلال أمين أن العولمة قامت على اعادة تنظيم البناء والنظام الاجتماعي للمجتمعات بصورة تلغي المكتسبات التي حققتها الطبقة العاملة والوسطى في هذه الفترة (جلال. د.س: 14، 15)، ما يؤدي إلى تدهور مستويات المعيشة وتفاقم التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين المواطنين وغيرها من المظاهر التي تعبر عن العودة لنفس الأوضاع التي ميزت البدايات الأولى للنظام الرأسمالي إبان مرحلة الثورة الصناعية.
وبالتالي، فالعولمة كظاهرة انسانية نابعة من ارادات سياسية حرة وواعية عملت بوسائلها المختلفة على تطبيق القوانين الليبيرالية الجديدة بإلغاء الحدود والحواجز أمام حركات تنقل السلع ورؤوس الأموال وسحبت المكاسب التي حققها العمال والطبقة الوسطى والتوقيع على اتفاقية منظمة التجارة العالمية التي تتولى توقيع العقوبات على من لا يدعم سياسة حرية التجارة.
و« مع نمو العولمة يزداد تركز الثروة وتتسع الفروق بين البشر والدول اتساعا لا مثيل له، حيث تستأثر قلة من السكان بالشطر الأعظم من الدخل الوطني والثروة القومية، في حين تعيش أغلبية السكان على الهامش داخل كل دولة واستحواذ قلة من الدول على أغلبية الناتج العالمي الإجمالي من التجارة العالمية والذي يعبر عن التفاوت بين الدول ».(كامل.2001: 289).
4.2. التحديات العالمية الثقافية
إن المدخل الطبيعي للعولمة هو مدخل ثقافي قبل أي شيء آخر، فالعولمة هي موقف من الهوية الثقافية قبل أن تكون هيمنة اقتصادية أو تبعية سياسية هي جزء من آليات الدفاع عن الذات في مواجهة الآخرين إثباتا للأنا ضد سيطرتهم. (عبد،اللطيف.2001: 72)
وبالتالي تقوم العولمة الثقافية على تعميم أزمة الهوية، حيث يتضاءل مع تزايد الثقافات الأقوى في فضاء مفتوح وزن الثقافات الوطنية ونفوذها...
« وتسعى العولمة الثقافية إلى نخر الهوية القومية الوطنية عبر الاستلاب والتهجين وفرض نسق واحد من القيم والتي من جرائها شهد العالم انفجارا ضخما للانفعالات المستقبلية من أي عقال ضابط إلى حد إعادة الاعتبار المعرفي إلى كلمة »قبائل« ،التي تعد كلمة مفتاحية في فهم حروب الهويات والإثباتات والطوائف المشتعلة بؤرها في آسيا وافريقية بوجه خاص وكذلك في قلب أوروبا حتى بتنا أمام تجزئة العالم الوجه الآخر للعولمة ».(حسن. 2004: 111)
وفي سياق تأثيرات ثورة تقنية المعلومات وارتباطاتها الوثيقة بالتحديث والابتكار وانتشار وسائل الاتصال والمعلومات بشكل واسع، بما تحمله من نقل للقيم الثقافية يرى البعض أن العولمة تختص في مجال التحديث بالثقافة وهي تهم علماء الاجتماع إذ يتحدثون عن الثقافة العالمية ومفهومها وفي ذلك يقول فيدرستون أنه: « من الصعب الحديث عن ثقافة عالمية لكنه يشير إلى أن هناك عمليات تحول نحو التكامل والتشابه من جهة ونحو التشرذم والتفكك الثقافي من جهة أخرى ». (فضيل وآخرون. 2002: 118)
5.2. التحولات العالمية الاتصالية
وتتمثل في تكثيف البث التلفزيوني وفق شبكات الأقمار الصناعية من خلال شبكة الانترنت. إذ يستخدم المجتمع نظامه الإعلامي كمعلم لنقل التراث الاجتماعي والثقافي من جيل لآخر وتؤثر تقنيات تكنولوجيا الإعلام والاتصال المختلفة بما تنشره وتعرضه من معلومات وحقائق وأخبار ووقائع وآراء وأفكار لتحيط الناس عامة والشباب خاصة بموضوعات معينة من السلوك مع إتاحة فرصة الترفيه والترويح وقضاء وقت الفراغ.
ومن مميزاتها أنها غير شخصية تعكس جوانب عدة من الثقافات المتباينة ويزداد أثرها تعاظما وأهمية في المجتمع، إذ تعمل على إشباع الحاجات النفسية والاجتماعية إلى بعض المعلومات ودعم الاتجاهات وتعزيز القيم والمعتقدات أو المساهمة في تعديلها بهدف تحقيق عولمة الاتصال والتي تعني:
« الامتداد أو التوسع في مناطق جغرافية مع تقديم مضمون متشابه، وذلك كمقدمة لنوع من التوسع الثقافي يهدف عادة من العولمة الاتصالية العولمة الثقافية والاختراق »المدروس« لبقية الثقافات الأخرى، ويقوم ذلك على تخطيط محكم لغزو النفوس وكسب العقول وتكييف أذواق الناس ومداركهم. وتتجه العولمة ثقافيا وإعلاميا نحو تكييف الوعي وتكييف النظرة إلى الأمور عن طريق السيطرة على الأقمار الصناعية والهوائيات وتكنولوجيا البث التلفزيوني وإنتاج الأفلام والمسلسلات ».(فضيل وآخرون.2002: 137)
وبالتالي تأتي تكنولوجيا الاتصال كمظهر من مظاهر العولمة مع التزايد الشديد في سرعة تطورها واتساع دائرة انتشارها وارتباطها الوثيق بتكنولوجيا المعلومات لتؤثر في الهوية الثقافية للمجتمعات لدرجة جعلت المحافظة على هذه الهوية وحمايتها واحدة من قضايا العصر ودفعت الكثيرين للحديث عن « غزو ثقافي » تحمله تكنولوجيا الاتصال والمعلومات للدول والمجتمعات. (محمد، سيد.1995: 154)
كما تبرز العلاقة بين تكنولوجيا المعلومات والثقافة من خلال دور التكنولوجيا عامة وتكنولوجيا المعلومات خاصة في عملية التغيير الثقافي وما تحمله هذه التكنولوجيا من مضامين ثقافية، حيث مثلت تكنولوجيا الطباعة عاملا أساسيا في محو الأمية وكسر احتكار المعرفة، ما انعكس على الحرية السياسية وزيادة الحضرية، كما ساعد التلفزيون وبرامجه على تقارب الشعوب من خلال انتشار المسلسلات والأفلام التي تعكس واقع المجتمعات وثقافتهم.
وتمثل شبكة الانترنت كأحدث تقنية معلوماتية وظيفة تكاد تماثل الإعلام ووسائل الثقافة، بما تحمله من محتويات ثقافية، إذ تشترك معها في قدر كبير من القواسم، « ويوكل إلى كل منهما مهمات التثقيف والتربية والنهوض بالإنتاج الفكري، وحماية الهوية الثقافية، والارتقاء باللغة القومية، والحوار مع الثقافات الأخرى، وتحقيق التواصل داخل فئات المجتمع وأفراده والقيام بمهمة الترفيه والترويح ».(حسين.1997: 34)
وإذا كانت الدول المتقدمة بحاجة إلى الثقافة بمعناها الواسع لتسريع عملية التقدم والتطور، فإن الدول التي تسعى إلى التقدم وتسير نحو التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والفكري بحاجة أكبر إلى الثقافة كوسيلة لمواجهة ظاهرة التخلف والجمود والبطالة... ولمواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد الأمة.
وبهذا تشكل العولمة تحديا كبيرا للمجتمعات الإنسانية عامة وللمجتمعات النامية على وجه أخص، خاصة منها الدول العربية وعلى جميع الأصعدة: الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية والثقافية.
3. تحديات العولمة على الفضاء السوسيو- ثقافي بالبلدان النامية وآليات مواجهتها
يتحدث حسن حنفي عن تحديات ثقافية للعولمة تفرضها على الهوية الثقافية للبلدان النامية ويؤكد أنها مقدمة لمخاطر أعظم على الدولة الوطنية والاستقلال الوطني والإدارة الوطنية والثقافة الوطنية.إلا أنه بمقدار ما يزداد التغريب في المجتمع، وتنتشر فيه القيم الغربية، والعادات الغربية وأساليب الحياة الغربية خاصة عند الصفوة التي بيدها مقاليد الأمر مع شريحة كبيرة من الطبقة المتوسطة، يزداد تباعد الجماهير عنها واتجاهها إلى ثقافتها وتمسكها بتقاليدها فالفعل يولد رد الفعل المضاد، ليس المساوي له بل الأعنف منه، فينشأ مبدأ الدفاع عن الأصالة والتمسك بالهوية.
ويرى أن من أبرز التحديات الثقافية التي تفرضها العولمة على البلدان النامية ما يأتي: (حسن.2004: 526-529)
-
أن العولمة تعني مزيدا من تبعية الأطراف للمركز وتجميعا لقوى المركز وتفتيتا لقوى الأطراف، بما في ذلك الدولة الوطنية التي قامت بدور التحرر الوطني وتحديث المجتمع والتي قاومت شتى أشكال الهيمنة القديمة والجديدة حتى انهيار المعسكر الاشتراكي.
-
أنها تقذف بمفاهيم جديدة أشبه بالسوط على ظهر من لا يدخل بيت الطاعة في نظام العالم الجديد، مثل؛ حقوق الإنسان، حقوق الأقليات، حقوق المرأة. وقوى الدعم الغربي لمراكز حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي الفردي دون مراعاة لحقوق المواطنة وحقوق الشعب.
-
انتشار البحوث عن الأقليات العرقية والطائفية من أجل إبراز الخصوصيات والهويات والتعدديات الثقافية للقضاء على وحدة الثقافة، وحدة الوطن، وحدة التاريخ ووحدة المصير وانتشرت مشاريع دراسة المرأة وجمعياتها، وأدخل مفهوم النوع في كل شيء، في ثقافات لم تعرف بعد مفهوم المواطنة التي لا تفرق بين ذكر وأنثى. وغاب النضال الوطني بخلق عدو وهمي للمرأة هو الرجل بينما المرأة والرجل كلاهما ضحيا عدو مشترك هو التقاليد والتخلف والقهر والفقر والاستبعاد.
وكل هذا يمهد للتحديات الاقتصادية والسياسية التي تريد العولمة فرضها على هذه البلدان والمتمثلة في فتح الدولة الوطنية لحدودها الاقتصادية والسياسية، والسير في نهج الخصخصة، والتحول من القطاع العام الذي تبنته بعد تحررها الوطني إلى القطاع الخاص الذي يساهم فيه رأس المال الأجنبي ويزاحم رأس المال الوطني.بصورة يتحول معها الاقتصاد الوطني إلى جزء من الاقتصاد العالمي، من خلال رفع الدعم عن المواد الأولية، وترك كل شيء لقانون العرض والطلب، في الغذاء والإسكان والتعليم والخدمات العامة. وتعميم قيم الاستهلاك والمتعة بالحياة، ولا تنظر الأمم إلى مشاريع قومية وخطط إستراتيجية بعيدة المدى، فذلك من اختصاص المركز.
4. انعكاسات تحديات العولمة بالفضاء السوسيو- ثقافي الجزائري
1.4. انعكاسات تحولات الفضاء السوسيو- ثقافي عل المجتمع الجزائري
عندما نتحدث عن التحولات السوسيو-ثقافية بالمجتمع الجزائري في عصر العولمة وجب أن نضع في الاعتبار مخلفات 132 سنة من الاستعمار كانت انعكاساتها ثقافية أكثر منها اجتماعية، سياسية واقتصادية. وما الأزمة التي يعيشها المجتمع الجزائري في العشرينيات الأخيرة سوى إفرازات لتلك الحقبة (حسين. 1997: 34)
فقد شهد البناء الاجتماعي في الجزائر في النصف الثاني من القرن الماضي تغيرات على جميع المستويات، كما أن مسارات التغير لا تزال سائدة حاليا وسوف تتواصل وإن كان بوتيرة أقل من السابق على اعتبار أن نقطة التحول الأساسي كانت في الفترة الاستعمارية وبالضبط مرحلة حرب التحرير من 1954 –1962.
وعلى الرغم من أن التغيرات في المجتمع الجزائري بدأت تبرز منذ دخول الاستعمار الفرنسي للجزائر سنة 1830، الذي عمل على مصادرة الأراضي وتجهيل الشعب وغلق كل فرص التطور والتقدم أمامه فإن الحديث عن التحول في المجتمع الجزائري يتحدد بمعلمين يعتبران شاملين للتغير في المجتمع الجزائري بنيت على أساسهما الملامح الأساسية للمجتمع الجزائري وهما: حرب التحرير الوطني 54-62، والمسار التنموي بعد الاستقلال 1962-2021، وهما مترابطان يؤثر الأول في الثاني.
فالمجتمع الجزائري كأي مجتمع بشري عرف العديد من التغيرات الاجتماعية عبر مختلف الحقب التاريخية، وعند معالجة التحولات الاجتماعية في الجزائر المستقلة نجدها قد مرت ولا تزال بمرحلتين يمكن القول بأنهما متناقضتان: المرحلة الأولى؛ والممتدة من 62 – 88 والمرحلة الثانية؛ من 88 إلى حد الآن ولكل مرحلة خصائصها وملامحها الخاصة كالتالي:(صالح.2000: 123).
-
المرحلة الأولى (62-88): أبرز التحولات بهذه المرحلة هو اندلاع ثورة التحرير وحصوله على الاستقلال الذي كان بمثابة تغيير جذري في الأوضاع الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية والسياسية في الجزائر، ومن آثارها:
-
إنشاء قاعدة صناعية وفتح العديد من المدارس والجامعات للقضاء على البطالة والجهل والأمية.
-
انقسام العائلة الكبيرة التي كانت تضم مجموعة من الأفراد لتصبح أسرة نووية، كل هذه النتائج المتعلقة بالتغير الاجتماعي في الجزائر.
-
إعادة توزيع الأدوار والمراكز الاجتماعية بما يتفق مع الوضع الجديد وتماشيا مع الأدوار والمراكز الاجتماعية التي تحدد مكانة كل فرد داخل البناء الاجتماعي ونحاول في العنصر اللاحق معرفة التغير الذي طرأ على مكانة الشباب الجزائري والأدوار التي أسندت إليه.
-
المرحلة الثانية (88- يومنا): إذا كانت آليات الاستراتيجية التنموية في الجزائر في المرحلة الأولى ترتبط ارتباطا وثيقا بحرب التحرير الوطنية، وبالتحديد بالفترة الاستعمارية، فإنها ترتبط في المرحلة الثانية بمجموعة من المؤثرات لعل أبرزها تحولات نهاية القرن الماضي على الصعيد العالمي، كذا أحداث 5 أكتوبر 1988، فقد كان للتغيرات العالمية السريعة الآثار البارزة للبناء الاجتماعي للمجتمع الجزائري، منها:
-
اضمحلال وتلاشي الحرب الباردة وبروز القطب الواحد
-
التحول في بنية النظام العالمي وآلياته وتطوير شبكات الاتصال والمعلوماتية.
-
تشريع قوانين دولية لضبط الحركة الاقتصادية العالمية، وظهور أفكار وثقافة غربية يريدها الغرب أن تكون موحدة لشعوب العالم في إطار ما يعرف بالعولمة.
وقد انجر عن التغيرات الحاصلة في البناء الاقتصادي للمجتمع الجزائري وأحداث 5 أكتوبر 1988، وما حدث فيها من تقتيل وتخريب العديد من التغيرات على جميع الأبنية الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية والثقافية ما أوصل الجزائر إلى ما يعرف بـ أزمة المجتمع الجزائري. (العياشي.1996: 184)
ولعل أهم ما يميز هذه الأزمة على المستوى الثقافي هو الاختلال الحادث في سلم القيم والمعايير التي تحكم وجود المجتمع، العاجز عن تحقيق الانتقال من وضعية تقليدية متميزة بسيطرة بنى اجتماعية قائمة على روابط الدم والعرق والانتماء إلى مجموعات تضامنية محدودة في الزمان والمكان تحدد هويتها عوامل مثل الدين واللغة، في عزلة عن التفاعل مع المحيط ومواجهة التحديات والضغوط التي يفرضها وسط ثقافي متنوع ومتجدد في بنائه وتعابيره ودلالاته القيمية والمعيارية، ذلك أن المجتمع العصري يقوم على أساس التنوع والتعدد المستند إلى خاصيات: مهنية، مهارية، وعقائدية مرتبطة بدور الأفراد والمجموعات ودورهم ومكانتهم في البناء الاقتصادي.(العياشي. 1996: 184)
وعند الحديث عن الأزمة الجزائرية في بعدها الثقافي، لا نغفل إحدى القضايا الهامة التي تنعش الجانب الثقافي للأزمة، وهو ما يتعلق بمسألة الهوية والتي تطرح اليوم في صورة نقاش حاد بين تصورين يرى كلا منهما أن تصوره يحدد هوية الجزائري الثقافية:
التصور الأول، الذي يتبناه دعاة الأصالة والحفاظ على الثوابت، والتصور الثاني يدعو إليه أنصار التحديث والتفتح على العالمية.
كما لم تنتج اللغة من هذا النقاش، فقد طرحت المسألة اللغوية للنقاش (مكانة كل من العربية، الأمازيغية، الفرنسية) في الحياة العامة، في المدرسة وعالم الشغل والإعلام حيث تحول الاختلاف اللغوي إلى خلاف وأزمة من أزمات الثقافة الجزائرية. (علي وعبد،الناصر.1996: 220)
غير أن بعض المفكرين يرون أن
« الحديث عن أزمة الهوية هو في الحقيقة حديث عن أزمة مفتعلة وليست حقيقية توجد في الذهن أكثر مما توجد في الواقع. فالأزمة ليست في الهوية ولكن كما يقول تركي الحمد في العقل المأزوم غير القادر على استيعاب المتغيرات وإنتاج عقل جديد وثقافة جديدة في ظل التغيرات والتحولات التي تشهدها الخريطة الجيو-سياسية والاقتصادية على الصـــــــــــــعيد العالمي بوجه عام والعالم العربي بوجـه خاص ». (نور،الدين.2001: 213)
2.4. انعكاسات تحولات الفضاء السوسيو- ثقافي بالجزائر على الثقافة الشبابية
الثقافة الشبابية إحدى الثقافات الفرعية في المجتمع الجزائري، وتنفرد بمجموعة من الخصائص والسمات العامة، التي تختلف عن سمات الثقافة الشبابية في المجتمعات الأخرى تبعا لإطار الثقافة العامة، وما يتبع ذلك من وسائل وأساليب اتصال ثقافي بالشباب.
وتظهر ثقافة الشباب الملامح العامة لثقافة المجتمع الجزائري، من خلال ما تبرزه مشكلات الشباب الثقافية من أزماته التي يواجهها والمتعلقة بأزمة الهوية، أزمة الثقة وأزمة الانتماء والفاعلية. ونوضح فيما يلي موجز لما تعنيه هذه المشكلات، ومدى تأثيرها على البناء الثقافي، الاجتماعي، النفسي والعاطفي للشاب:(نور،الدين.2001: 208)
-
أزمة الهوية: حيث يعاني كثير من أبناء الأمة من فقدان الهوية الثقافية، وهي أساس ما يعانيه الشباب من أزمات ثقافية، حيث ضعف الانتماء، وعدم الثقة بالذات والقدرات الثقافية، وما يتصل بذلك من حيرة وتجاذبات ثقافية بين الرغبات، والواقع الاجتماعي، والانتماء الثقافي العاطفي، والانجرار السلوكي المقلد للآخرين.
-
أزمة الثقة: وتتراوح بين حالة الإحباط واليأس من إمكانية النهوض الثقافي وتشكيل الذات، إلى حالة التشكك في مدى القدرة على مواجهة التحدي الثقافي (غزوا كان أو غير ذلك)، وتمتد إلى حالة الشعور بالعجز عن الوصول إلى الآخر والتأثير فيه.
-
أزمة الانتماء: وهي ناجمة بالضرورة عن الأزمتين السابقتين، ففقدان الهوية، وضعف الثقة في الثقافة يحول بين الشباب والتحيز باتجاه فكرة أو جماعة أو أمة على أساس فكرة أو ثقافة جامعة، ويحول كذلك دون التواصل المطلوب مع مصادر الثقافة، وتحديدا: القرآن والسنة والتراث الإسلامي.
-
أزمة الفاعلية: إذ كيف لمن فقد الثقة بنفسه وأمته وثقافته أن يكون إيجابيا، وفاعلا ثقافيا؟ فلا هو قادر على التفاعل مع نفسه وبناء ذاته ثقافيا، ولا هو قادر على التعامل مع التحديات الثقافية المعاصرة
-
هذه المشكلات الثقافية التي يواجهها الشباب هي نتيجة إفرازات جملة من العوامل الداخلية والخارجية: (كامل.2001: 293)
العوامل الداخلية وتتجسد العوامل الداخلية المباشرة في:
-
ضعف الثقافة الأسرية، وبالتالي ضعف بناء الحصانة والمناعة الثقافية لدى الأبناء.
-
قصور المناهج التعليمية المدرسية والجامعية، وعدم قدرتها على تعزيز الانتماء الثقافي، وبناء ثقافة الجيل.
-
قصور الخطاب الثقافي الإسلامي الموجه، وسيادة لغة المنع والتحريم على لغة الحوار والإقناع والتأثير.
-
عدم إعطاء الثقافة الشبابية القدر الكافي من اهتمام الحركات الإصلاحية في المجتمع.
-
ضعف البؤر الثقافية في المجتمع من روابط واتحادات وجمعيات، وتأثرها بالواقع السياسي، وعدم الاهتمام بالفجوة بين الحكام والمثقفين، والدوران في حلقة مفرغة، دون المساس بالحلول الجذرية في مواجهة الأزمات والتحديات.
-
عدم التواصل الفعال بين الخطاب الإعلامي والأزمات الثقافية للشباب.
-
العوامل الخارجية:
-
ويمكن إجمال أهم عوامل المشكلات الثقافية للشباب الخارجية في:
-
الغزو الثقافي الغربي، وما صاحبه من مظاهر الاستشراق، وحملات التبشير، والاستعمار العسكري والسياسي الذي رافقه فرض أنماط ثقافية واجتماعية غريبة على مجتمعاتنا، وتأثيرات سلبية على شبابنا قادتهم للتقليد لما عند الغرب في مجال القيم والأنماط الاجتماعية في المأكل والمشرب والملبس،...
-
تيار العولمة، أو بالأحرى تيار الأمركة الذي تقوده أمريكا وله آثار ثقافية لا تقل عن آثاره الاقتصادية، السياسية والعسكرية السلبية على أمتنا العربية الإسلامية وثرواتها الطبيعية، حتى غدت أمريكا تشير علينا بما يجب أن تكون عليه مناهجنا التعليمية في الدين والتاريخ، ...
-
الانفجار المعرفي في سائر العلوم، مما جعل المسافة تتسع يوما بعد يوم بين مجتمعاتنا التي لا تزال في بداية الثورة الصناعية، والدول المتقدمة التي قطعت أشواطا بعيدة في السير نحو مجتمع المعلوماتية والمعرفة، فالقرن الحالي يشهد رأس مال معرفي هو رأس مال حقيقي، لتقدم الأمم وتنمية المجتمعات.
وقد كان للتحولات بالفضاء السوسيو-ثقافي بالجزائر والأحداث التي مر بها الأثر الايجابي والسلبي على وضع الشباب ومكانتهم في المجتمع الجزائري، تباينت عبر مراحل تاريخية مختلفة هي:(العياشي.1996: 184)
-
المرحلة الأولى (1962-1988): وفرت هذه المرحلة فرص للشباب من أجل إبراز مكانتهم بفتح المجال أمامهم للتعليم والتكوين في الخارج والعمل في مختلف القطاعات العسكرية والمدنية مع الحصول على مرتبات وامتيازات وحوافز مادية ومعنوية فتحت لهم أفقا واسعا في حياة اجتماعية واقتصادية كريمة.
-
المرحلة الثانية (1988-2021) : لم تكن إفرازات هذه المرحلة ايجابية خاصة على فئة الشباب، الذي عرف تهميشا وإقصاء في هذه المرحلة بدءا بأزمة البطالة الخانقة التي يعيشها شباب المجتمع الجزائري وما انجر عنها من سلبيات وانحرافات تتمثل في:
-
تفاقم مشكلة التسرب المدرسي خاصة بين فئة الذكور بحثا عن فرص للكسب والعيش مبررين ذلك: « اللي قرا واش دار » بسبب تزايد ظاهرة البطالة بين حاملي الشهادات.
-
الإقبال المتزايد على الوظائف العسكرية، وان كانت في بعض الأحيان شروطها تعجيزية.
-
ظهور المشكلات الاجتماعية كالسرقة، القتل، المخدرات، المسكرات...
-
أزمة العشرية السوداء والناتجة عن تصاعد موجة من التطرف في أوساط الشباب بعد أحداث أكتوبر 1988، حيث أن أغلب العمليات الانتحارية التي حدثت في الجزائر منفذوها شباب في مقتبل العمر.
-
كما أن الشباب الجزائري كان عرضة للأعمال الإرهابية سواء من خلال استغلاله في الأعمال أو كضحية التفجيرات أو الاعتداءات، مثل ما حدث بمجزرة الثلاثاء 19 أوت 2008 بيسر ولاية بومرداس والتي راح ضحيتها 44 شابا من مختلف ولايات الوطن خريجي جامعات كانوا بصدد إجراء مسابقة للدخول لمدرسة الدرك الوطني بيسر.
-
بروز أزمة السكن بالمجتمع الجزائري وما لها من دور في زيادة حدة المشاكل بالنسبة للشباب الجزائري والمتمثلة في:
-
العزوف عن الزواج وتأخر سن الزواج، مما تسبب في ظهور ظاهرة العنوسة من جهة، والعلاقات غير الشرعية من جهة أخرى.
-
الهجرة غير الشرعية نحو الدول الأوربية خاصة، بحثا عن الرفاهية المادية والنفسية.
-
زنا المحارم والتي تحدث عادة بين الشاب وشقيقته أو ابنة الأخ أو الأخت...
-
الهروب من المنزل الأسري والبحث عن متنفس غالبا ما يكون وكر المخدرات أو الدعارة.
كما أن التزاوج بين الأزمتين (البطالة -السكن) خلق شابا فاقدا للأمل، يائسا، لا يشعر بالانتماء لبلده، مضطربا نفسيا،. ..ولا ننسى من جهة أخرى أن الشباب الجزائري كان عرضة للأعمال الإرهابية سواء من خلال استغلاله في الأعمال أو كضحية التفجيرات أو الاعتداءات، ويكفي هنا التذكير بالمجزرة التي حدثت يوم الثلاثاء 19 أوت 2008 بيسر ولاية بومرداس والتي راح ضحيتها 44 شابا من مختلف ولايات الوطن خريجي جامعات كانوا بصدد إجراء مسابقة للدخول لمدرسة الدرك الوطني بيسر.
الخلاصة
تبين من خلال هذه الورقة البحثية أن ما يشهده العالم من تحولات سوسيو-ثقافية عالمية بفعل ما عرف بالعولمة أوجد بصورة موازية تحولات عميقة بالفضاء السوسيو-ثقافي للمجتمع الجزائري من خلال ما سببه من تناقضات كبيرة بالنظام القيمي للمجتمع الجزائري، نتيجة التعارض بين الثقافة الاستهلاكية النفعية التي روجت لها العولمة وثقافته الأصلية، وهو ما كان له أثر كبير في ظهور تناقض بين عالم الدلالة والممارسة للمعايير الاجتماعية عند فئة الشباب خاصة، عززه مفهوم عولمة وسائل الاعلام والاتصال الذي جعلها غير قادرة على التأسيس لمناعة ثقافية عند الأجيال الجديدة باعتبار استلاب دورها من الثقافة الاستهلاكية الدخيلة التي صارت توجه الفكر والعمل بها.