إفتتاحية مجلة ألف

سهيلة مريبعي

p. 5-8

Citer cet article

Référence papier

سهيلة مريبعي, « إفتتاحية مجلة ألف », Aleph, 7 (1) | -1, 5-8.

Référence électronique

سهيلة مريبعي, « إفتتاحية مجلة ألف », Aleph [En ligne], 7 (1) | 2020, mis en ligne le 23 juin 2020, consulté le 21 décembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/2387

تصدر مجلة « ألف » (Aliph) هذه المرة على غير عادتها عددا خاصا يعنى بالترجمة وقضاياها، الترجمة ذلك العلم والفن الذي لطالما أثار الكثير من التساؤلات وفضول الكثيرين.

فعلى كثرة ما تعج به الساحة العلمية والأدبية والثقافية في الجزائر من إصدارات دورية لا نجد الكثير من المجلات التي تولي عنايتها للترجمة، وهنا لا نقصد مجلة متخصصة، وإنما مجلة يقرؤها المثقف العام والمتخصص على السواء فيجد كل منهما ما يمتعه ويفيده.

حاولتْ مجلة ألف منذ بداياتها الأولى أن تشكِل منبراً مفتوحا لجميع الباحثين والدارسين من مختلف الأجيال والأماكن والتخصصات والتوجهات الفكرية لعرض أفكارهم في فضائها الرحب الذي شكل خارطة متضمنة التناقضات الحميدة، والاختلافات الرحيمة.

وقد تضمن هذا العدد مجموعة من المقالات لباحثين من مختلف جامعات الوطن وجامعات أجنبية، مما يدل على ما تتمتع به المجلة من مقروئية واسعة وسمعة وطنية ودولية.

لقد عالج الباحثون المساهمون في تحرير مواد هذا العدد في قسميه العربي والأجنبي دراسات الترجمة الحديثة في أشكالها المتعددة. إيمانا من القائمين على المجلة بأنه لابد للترجمة أن يكون لها حضور في أي تقدم للمجتمع وتطوره، حيث تعد وسيلة فعالة لامتلاك العلم والمعرفة والتكنولوجيا والانطلاق نحو بناء المستقبل والتفوق في جميع المجالات بترجمة العلوم والفنون والآداب، كما تعد أداة أساسية للمثاقفة والتواصل بين شعوب العالم والمساهمة بالتالي في الانفتاح البناء والملاءمة مع اللغة والثقافة الهدف. وهذا مما تم تناوله في هذا العدد حول تسويات الترجمات من أجل إثراء حوار الثقافات، فلا يحتاج المترجم إلى تفعيل معرفته بلغتين فقط، بل هو في حاجة أيضا إلى استحضار معرفته بثقافتين مختلفتين وتقريب الثقافة الأجنبية ليسهل التعرف عليها من قبل المتلقي العربي. والترجمة ليست تماسا بين لغتين فقط، بل هي أيضا تماس بين ثقافتين مختلفتين. ويمكن أن نقول بأن المترجم وسيط بين ثقافتين .حيث جاء الاهتمام الثقافي كمنعطف يلغي النظرة إلى الترجمة من حيث العلاقات بين النصوص، أو بين الأنظمة اللغوية. ليُنظر إليها بعد ذلك على أنها صفقة معقدة تجري في سياق تواصلي اجتماعي ثقافي. وهذا يتطلب أن نضع المترجم ككائن اجتماعي في الصورة تماما.

لقد شكلت الترجمة الأساس الفكري والعلمي الذي تبني عليه الدول نهضتها وتقدمها. فإن أي مجتمع يريد تحقيق النهضة العلمية والتقدم، مطالب بتوفير الإرادة الفعلية للتغيير الإيجابي نحو المستقبل وفق إستراتيجية شاملة تكون الترجمة إحدى ركائزها، وذلك لتدبير الاختلاف الثقافي مع الثقافات الأخرى والتواصل من أجل تطوير مشروعه الفكري والعلمي والمعرفي واستدراك التأخر التاريخي.

يرى أمبرتو إيكو أن الترجمة عملية تفاوض وحوار مع النص للوصول إلى ترجمة مضمونه مساهمة في إغناء اللغة والثقافة، وتعبير عن قدرتها على التواصل والحوار. فالمترجم ينطلق من لغة النص الأصلي للوصول إلى لغة النص الهدف مستعملا آليات الفهم والتفكيك وإعادة صياغة معنى النص الأصلي في لغة أخرى لبناء نص جديد في لغة وثقافة مختلفة. ومن خلال مثل هذا التفكير في ماهية الترجمة أصبح التفكير الجاد بالبحث في آلياتها ومسائلها.

وفي مقال آخر نرى جانبا مختلفا من الدراسات الترجمية ألا وهو الترجمة التأويلية أو علاقة الترجمة بعلم التفسير أو الهيرمينوطيقا عند الغرب من خلال كتابات بن عربي المليئة بالإيحاءات والتأويلات فمثل هذه الترجمات تحتاج من المترجم تشغيل المعرفة الضمنية، فالعمل الأدبي عندما يفسر خارج لغته وثقافته يختلف جذريا عن تفسيره داخل ثقافته الأصلية، وهنا نرى ضرورة استعانة الترجمة بهذه الدراسات الأخرى كالفلسفة والتاريخ من الاكتمال.

وتناول العدد أيضا مقالات عن الترجمة الآلية هذه الترجمة التي لم يعد المترجم قادرا على الاستغناء عنها لاسيما وأننا نعيش عصراً تتحدد فيه أهمية الأمم بقدر ما تنجزه في مجال العلوم وتطبيقاتها التقنية, ولكي نجد مكاناً تحت شمس هذا العصر لابد أن تتوجه خطوتنا الأولى - بجدية وتخطيط علمي - نحو ترجمة العلوم.

هذه الترجمة الآلية التي تعمل من خلال الشبكات العصبية الاصطناعية في تطوير تصميماتها وتبني تقنيات التعلم العميق في تحسين أداء خوارزمياتها. وكغيرها من لغات العالم، لم تكن اللغة العربية في معزل عن هذا التغير، بل استفادت من هذه الأدوات التكنولوجية في إنعاش ميدان الترجمة العامة والمتخصصة. جاء المقال ليتحرى طبيعة أدوات الترجمة الآلية العصبية وتلك المعتمدة على المناهج الإحصائية، ومدى تأثير كل منهما على جودة النص المتخصص المترجم للخروج بجملة من النتائج مفادها أن الترجمة الآلية العصبية قدمت نتائج واعدة من حيث سلامة اللغة المتخصصة ودقة جهازها المصطلحي، ولكنها لم تصل بعد إلى مستوى الترجمة البشرية.

الترجمة النسوية أيضا حاضرة في هذا العدد وما تحويه من مقاومة وتفكيك الهيمنة البطريركية (النظام الأبوي) على الترجمة، بشكل خاص، واللغة بشكل عام واستخدام كل الآليات المتاحة لجعل المؤنث متواجد وظاهر في النص. وتسعى إلى إعادة النظر في تاريخ الترجمة، لإلقاء الضوء على دور النساء المترجمات وحضورهن الفعال الذي تم تهميشه بشكل ممنهج. وتناول المقال قضايا في الترجمة من بينها : العلاقة بين الأيدولوجيا والترجمة، وطبيعة دور المترجمة وضرورة حضورها الواضح في النص، والترجمة كفعل سياسي وإبداعي، وتجليات خصوصية الخطاب النسوي.

وقد شهدت دراسات الترجمة تقدمًا كبيرًا منذ سبعينيات القرن الماضي، وهو ما تجلى عبر الاهتمام المتزايد بما يُعرف بـ« خريطة هولمز»، التي يرى البعض أنها بمثابة بيان تأسيس لعلم دراسات الترجمة.

هذا التنوع أنتج مشكلة كبرى، تتمثل في ظهور العديد من الاتجاهات البحثية والفروع المعرفية في دراسات الترجمة، ومن ثمَّ إنتاج الكثير من الكتب والمجلات والموسوعات المعنيَّة بالترجمة من الناحية النظرية والعملية، حاولت جمع المفاهيم الرئيسية وتقديم صورة توصيفية لهذا الفرع الجديد من الدراسات، وأشهرها موسوعة روتليدج لدراسات الترجمة.

ها هي إذن مجلة ألف تضع بين أيديكم هذه المجموعة من المقالات وهي توصيف موجز للإشكاليات التي يعاني منها الباحث في دراسات الترجمة تحديدًا، والتي تتلخص برأيي في عدم القراءة والاطلاع على أدبيات هذا الحقل المعرفي الواسع، ولا الدراية بالاتجاهات الجديدة فيه. المشكلة ليست في كثرة الكتب وتنوع المؤلفين وزيادة الاتجاهات؛ بل في منهجية القراءة عند الباحث نفسه.

إن المقالات والأوراق البحثية هي خلاصة فهم الباحث ونتاج لقراءته وتفاعله مع نصوص عديدة، ربما تستخلص منها بعض المعلومات أو تساعدك على فهم بعض الإشكاليات، لكنها لن تُشكِّل بنيتك الفكرية وقاعدتك المعرفية التي تجعلك قادرًا على الكتابة إلا بالقراءة المستمرة والدائمة.

سهيلة مريبعي

جامعة الجزائر Alger 2

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article