مقدمة
لا يختلف اثنان على أهمية فكر التبسيط العلمي في عصرنا الحالي وأدواره الرائدة في حياة الأفراد والمجتمعات، فقد بات تيسير العلوم للجميع ضرورة لابد منها لمواكبة عصر التكنولوجيا والمعلوماتية ومتطلباته الكثيرة، ونظرا لتزايد الاهتمام بالعلوم وبكل ما تقدمه من جديد أصبح الطلب على النصوص العلمية التبسيطية في ارتفاع مستمر، وحظيت هذه الأخيرة بانتشار واسع بين القراء، وبقسط وافر من الاهتمام عند الباحثين كونها أداة للتنوير ووسيلة لنشر العلم والمعرفة على كل الأصعدة، وهذا ما أوقع على كاهل المترجمين واجب نقلها إلى مختلف اللغات لتعميم الفائدة على الجميع.
ولكن الكم الهائل من المستجدات العلمية التي يشهدها العالم اليوم، والذي يصدر معظمه باللغة الانجليزية لا يترك المجال أمام المترجم العربي لمواكبة ركب العلم بشكل آني، لذلك فهو يحتاج إلى وسائل تعينه على تخطي عقبة هذا السيل الغامر من المفاهيم والمصطلحات الجديدة، ما يضطره غالبا إلى اللجوء إلى ما توفره تكنولوجيا الحاسوب ووسائل الاتصال الحديثة من أدوات مساعدة للارتقاء بمستواه إلى مستوى زملائه عبر العالم، ومن هنا جاءت فكرة توظيف الترجمة الآلية واستغلال قدراتها الهائلة لترجمة نصوص التبسيط العلمي إلى اللغة العربية، فمن المعروف أن الترجمة الآلية توفر الوقت والجهد بسرعتها الفائقة وذاكرتها المخزنة القياسية وقدرتها على تحمل ساعات العمل الطويلة، على عكس المترجم البشري الذي يعد بطيئا ومحدود الذاكرة وعاجزا عن مقاومة التعب مقارنة بالآلة، وفي الوقت الذي يحاول البعض إثبات كفاءة الآلة في الترجمة، يسعى البعض الآخر إلى التقليل من شأنها والتمسك بالكفاءة البشرية في الترجمة، بينما تسعى هذه الدراسة إلى المقارنة بين أداء كل منهما وتحديد أيهما أكفأ في ترجمة نصوص التبسيط العلمي.
1. تحديد إشكالية الدراسة، وأهميتها
1.1. الإشكالية الرئيسية للدراسة
لقد زاد اهتمام المترجمين في السنوات الأخيرة بنصوص التبسيط العلمي لما تحمله من شحنات علمية تثقيفية وتربوية تمس جمهورا واسع النطاق، وتبنى على أساسها سلوكات وثقافات المجتمعات الواعية والمتقدمة، وقد شد ذلك انتباهنا ودفعنا إلى التفكير في ضرورة إعطاءها حيز من الاهتمام ووضعها تحت عدسة مجهر الترجمة من الانجليزية إلى العربية، من خلال دراسة وصفية تحليلية مقارنة فحواها إشكالية ترجمة نصوص التبسيط العلمي والصعوبات التي تطرحها أمام كل من المترجم البشري والمترجم الآلي، فبالرغم مما قيل وما يقال عن قدرات الآلة المترجمة وعن ميزاتها تبقى التساؤلات مطروحة حول جودة ترجمتها ومقبوليتها وعن إمكانية تعويضها للمترجم البشري في يوم من الأيام وهذا ما سنستطلعه عبر التساؤلات التالية.
2.1. التساؤلات الفرعية للدراسة
ومن أجل تبسيط إشكالية الدراسة وبلوغ الأهداف المسطرة سنحاول الإجابة عن التساؤلات الفرعية التالية :
-
ما الذي يعنيه فكر التبسيط العلمي وكيف نشأ وتطور عبر الزمن؟
-
ما الذي يميز نصوص التبسيط العلمي؟ وما هي الإشكالات التي تطرحها عند الترجمة؟
-
ما هو الفرق بين أداء المترجم البشري والمترجم الآلي في ترجمة نصوص التبسيط العلمي؟ ومن منهما يعد أكثر تأهيلا لترجمتها؟
-
كيف يتم الحصول على نص علمي تبسيطي مترجم بجودة عالية؟ هل بتنافس المترجم البشري مع الآلة أم بتضافر قدرات كل منهما؟
3.1. الدراسات السابقة
ظل الغرب سباقا في اهتمامه بنصوص التبسيط العلمي وبمؤلفيها ومترجميها وذلك منذ بزوغ شمس التنوير في أوربا وإلى يومنا هذا، حيث ظهرت المئات من الدراسات والأبحاث المهتمة بهذا النوع المستحدث من النصوص الموجه لفئات واسعة من المجتمع، وقد أدى اطلاعنا الدقيق على ما تم نشره من أدبيات في سياق موضوع ترجمة نصوص التبسيط العلمي إلى حصر أهم الدراسات السابقة محاولة منا لتوضيح الفجوة العلمية التي يسعى البحث إلى استدراكها، والتعرف على ما ستضيفه هذه الدراسة إلى ما سبق رغم صعوبة حصر كل الدراسات السابقة، وعليه سنكتفي بالإشارة إليها بشكل عام ومختصر.
تأتي الدراسات الأجنبية على رأس الدراسات التي تطرقت إلى موضوع ترجمة نصوص التبسيط العلمي، حيث تابع الباحثون في الغرب مبكرا مختلف الإشكاليات التي يطرحها هذا المجال الحديث نسبيا، ورصدوا التطورات التي طالته عبر الزمن ما أدى إلى تركيز بعض الأبحاث على الجانب التاريخي لتطور فلسفة التبسيط العلمي ومختلف المساهمين في التأليف لها وترجمتها، كما ركزت أبحاث أخرى على تطور فحوى نصوص التبسيط العلمي وتغير خصائصها وصعوبات ترجمتها، بينما برزت دراسات عديدة عبر العالم تناولت أهمية هذه النصوص ودورها في منظومات الإعلام وبناء المستوى الثقافي للدول، حيث ركزت أغلبية هذه الدراسات على اللغات الأوربية وأهملت موضوع ترجمة نصوص التبسيط العلمي من وإلى اللغة العربية نظرا للركود العلمي والثقافي الذي يشهده العالم العربي والتراجع الملحوظ لدور اللغة العربية على مستوى العالم، بسبب عجز العرب عن الانخراط في حركة العلم سواء عن طريق التأليف أو الترجمة.
وبالمقابل للإنتاج الأجنبي الغزير الصادر عن الباحثين في الغرب، لاحظنا أنه على المستوى العربي تبقى الدراسات الخاصة بنصوص التبسيط العلمي وترجمتها شحيحة وغير كافية، حيث أن هذا النوع من النصوص ورغم استخدامه المكثف على الصعيد الإعلامي والتربوي والثقافي، إلا أنه لم يحظى بالاهتمام الأكاديمي اللازم ولم يعطه الباحث العربي حقه، مما جعل من الصعب التحصل على مراجع عربية حول هذا النوع من الترجمة، وقد دفعنا قلة الاهتمام بترجمة نصوص التبسيط العلمي وإهمالها على مستوى الدراسات العربية، إلى التفكير في ضرورة تعزيز ساحة الترجمة العربية بهذه الدراسة التي ستكون مستقبلا مرجعا مهما للباحثين خاصة وأنها ستدرس وجهين اثنين لترجمة نصوص التبسيط العلمي البشري والآلي معا.
4.1.أهمية الدراسة وأهدافها
لقد حظيت ترجمة نصوص التبسيط العلمي باهتمام كبير من طرف الباحثين في مجالات اللغة والترجمة حول العالم منذ أن اجتاح فكر التبسيط بأهدافه السامية المجتمعات بكل فئاتها، وعلى الرغم من تطور هذا النوع من الترجمة البطيء والمحتشم في البداية، إلا أنه اكتسب مع الوقت قيمة بالغة تفوق أهمية الترجمة العلمية المتخصصة الموجهة عادة إلى نخبة محدودة من العلماء والمتخصصين، بمقابل نصوص التبسيط العلمي التي تخص فئة واسعة من الجمهور ذا الثقافة العلمية المحدودة والمتعطش إلى اكتساب المزيد العلوم، وقد أدت زيادة كمية الطلب غير المسبوق على نصوص التبسيط العلمي وعلى المعلومة التي تنقلها في عصر العلوم والتكنولوجيا، إلى تثمين كتابة نصوص التبسيط العلمي وترجمتها وجعلها الأكثر تداولا واستعمالا بصفتها جزءا لا يتجزأ من المنظومات التربوية والثقافية والإعلامية للدول.
ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة التي سنحاول من خلالها تعزيز ميدان الترجمة العربية بتسليط الضوء على مميزات نصوص التبسيط العلمي ودورها الرائد في المجتمعات المتقدمة، ومحاولة إيجاد أفضل السبل لزيادة وتيرة ترجمة هذه النصوص إلى اللغة العربية، بهدف تنشيط حركة الترجمة العلمية في البلاد العربية، والعمل على استغلال ما يمكن استغلاله من تكنولوجيا الترجمة الحديثة لتدعيم جهود تعريب العلوم، وجعل نصوص التبسيط العلمي الصادرة حديثا في متناول القارئ العربي البسيط.
2. فلسفة التبسيط العلمي الماهية والتطور
1.2. ماهية التبسيط العلمي
تعتبر صعوبة التعامل مع النصوص العلمية المتخصصة وانحصارها في النطاق الضيق للحقل المتخصص الدافع الأساسي لظهور فكرة كتابة النصوص العلمية بشكل جديد ومغاير يسمح بإعادة صياغة المفاهيم العلمية المعقدة والمصطلحات المتخصصة بطريقة أبسط، وبالتالي الانتقال بالنص من المستوى المتخصص صعب المراس، إلى المستوى العام للغة أي المستوى المتاح لعامة الناس، وعليه جاءت فكرة اختزال العلوم Scientific Reduction أوتعميم العلوم العلوم Popularization of Science التي تهدف في الأساس إلى تسهيل وطأة العلوم والتخصصات التقنية المعقدة عن طريق توظيف خطاب علمي بسيط وميسر يكون في متناول الجميع.
ولكن متى وكيف برزت فكرة التبسيط العلمي وما هي المبادئ الأساسية التي تقوم عليها؟
تدل كلمة التبسيط في اللغة العربية طبقا لما جاء في معجم «مقاييس اللغة» على التوسع والاتساع، وهي كلمة مشتقة من الفعل الثلاثي « بسط» الذي يعني الامتداد والتوسع، فالبساط ما يُبسط والبِساط هو الأرض وهي البسيط ويقال « مكان بَسيط وبَساط أي واسع، ويد فلان بَسط تعني كثير الإنفاق، والبَسطة في كل شيء السعة، وبسيط العلم يعني واسع العلم» (بن زكريا 1979 : 247).
كما يرتبط التبسيط في اللغات الأخرى بِـفكرة « التعميم» أو ما يسمى في اللغة الفرنسية بـِ : la Vulgarisation وفي اللغة الانجليزية بالجمهرة Popularization، حيث تدل كل هذه التسميات على مفهومي البساطة والتبسيط من جهة ومفهومي التوسع والانتشار من جهة أخرى، أما عبارة »تبسيط العلوم« فتعني تسهيل وتيسير العلوم لتصير في متناول عامة الناس.
يعرف التبسيط العلمي اصطلاحا على أنه « عملية شرح المبادئ الأساسية والاكتشافات العلمية والانجازات التقنية بأسلوب مفهوم لغير المتخصصين... وهو تسهيل عملية نقل المواد العلمية المتخصصة ونشرها بشكل موجه لطبقة معينة، وهو ترجمة سجل تقني مشفر إلى سجل آخر عام» (Merhy 2010 :29-30).
كما عرف معهد البحث من أجل التطور VRD التبسيط العلمي على أنه تعميم للعلوم من خلال ممارسات تنشر المعارف العلمية وتنقلها من المتخصصين إلى المبتدئين (Yves de la Croix 2005 : 10) وهذا يعني أن التبسيط هو أداة توظف في عملية نقل العلوم من لغة التخصص التي يشوبها الانحصار ومحدودية القراءة إلى اللغة العامة التي يفهمها القارئ البسيط والمبتدئ في العلوم.
كان أول تجسيد لفكرة التبسيط العلمي في القرن الثامن عشر، على يد الفيلسوف الفرنسي بيرنار فونتونال Bernard Fontenelle أحد أهم أوجه التنوير في أوربا، والمفكر الذي أسس لفلسفة التبسيط العلمي، حيث لاحظ فونتونال عند تردده على الصالونات الباريسية ومخالطته للأدباء والبرجوازيين في المدينة، افتقار معظمهم وخاصة فئة النساء إلى الثقافة العلمية والفلسفية، وهذا ما دفعه إلى نشر مجموعة من المؤلفات عن العلم والفلسفة طبق فيها المنهج العلمي الديكارتي Cartesian scientific method الذي أخرجه عالم الرياضيات والفيلسوف روني ديكارت René Descartes حيث حاول المزاوجة في مؤلفاته بين الأدب والعلم، مبتكرا أساليب جديدة لتبسيط المفاهيم العلمية والفلسفية، ومؤسسا لشكل جديد من النصوص (Baudouin 1973 : 9-10).
وقد تزامنت أعمال فونتونال الثورية مع تطور نشاط العلموية Scienticism في أوربا، حيث فجر عصر الأنوار Age of Enlightenment اهتماما منقطع النظير بمختلف الأشكال الأدبية والعلمية داخل المجتمعات الأوربية، وجعل من اكتساب المعارف مطلبا اجتماعيا واضحا ومُلِحًا، وكانت دول مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا رائدة في اهتمامها بنشر العلوم عبر تطبيق سياسات تدعم مبادرات التبسيط العلمي، خاصة بعد تحقيق العلماء والباحثين في تلك الفترة لإنجازات عظيمة جعلت مفهوم المعرفة ينتقل من مجرد تخمينات ونظريات فلسفية وآراء تسودها الذاتية، إلى مظاهر علمية عقلانية وثابتة يتم إثباتها علميا، وكان هذا العامل الأساسي الذي أدى إلى ظهور العلموية التي تجسدت أكثر بعد فصل العلوم عن الفلسفة وظهور مختلف التخصصات العلمية والتقنية والمهنية ومنها حقل الترجمة الذي تأسس كتخصص مستقل سنة 1953 (Baudouin 1973 : 9-10).
2.2. التبسيط العلمي المعاصر
كانت أعمال فونتونال وعلى رأسها كتابه « حوارات حول تعدد العوالم » الذي صدر سنة 1686 رائدة في مجال التبسيط العلمي، إلا أنها لا تنطبق تماما على مفهومه الحديث لسببين اثنين، أولهما أن نصوص فونتونال كانت موجهة إلى جمهور محدد وهو الجمهور المثقف الذي يرتاد الصالونات الاجتماعية الراقية، ولم يكن الهدف منها نشر المعرفة لدى الجماهير العريضة، أما السبب الثاني فهو أن فلسفة فونتونال تبادرت إلى الظهور خلال القرن الثامن عشر أي قبل موجة العلموية التي شهدتها أوربا لذلك اختلطت فيها التوقعات الميتافيزيقية مع الخطاب العلمي العقلاني (Rollet, 1994 : 13) وهذا ما يجعلها تختلف تماما عن المفهوم العصري للتبسيط العلمي الذي يعتمد على الحقائق العلمية المؤكدة لا غير.
برز المفهوم الحديث للتبسيط العلمي في سنوات الخمسينات من القرن التاسع عشر، وقد سبقه قبل ذلك حدث مهم سنة 1825 وهو ظهور عمود جديد في جريدة « العالم » أو « le globe » الفرنسية تحت عنوان : « تقرير حول أعمال أكاديمية العلوم » لصاحبه ألكسندر برتران « Alexandre Bertrand » وهي المبادرة التي قامت بتقليدها عدة جرائد أخرى في وقتها، وفي سنة 1851 نظمت مدينة باريس أول تظاهرة علمية عالمية، تبعتها عدة إصدارات تدعم انتشار العلوم ومنها كتاب « عرض وتاريخ لأهم الاكتشافات العلمية » للمفكر لوي فيقيي« Louis Figuier » ومجلة كوسموس « Comos » التي اختصت في نشر العلوم، ثم توالت الإصدارات العلمية التبسيطية بعد ذلك إلى أن تم إنشاء دائرة خاصة بالصحافة العلمية في فرنسا، والاعتراف بالتبسيط العلمي كشعبة أدبية جديدة (Rollet 1994 : 13-14).
ورغم التطور السريع والهائل الذي عرفته موجة التبسيط العلمي، والازدهار الذي شهدته أثناء الثورة الصناعية إلا أن فلسفة التبسيط عانت تراجعا ملحوظا في نهاية القرن التاسع عشر، بسبب وفاة أغلب المفكرين المساندين لها من جهة، واختفاء أغلب المجلات والدوريات التي اهتمت بالتبسيط في الفترة ما بين 1850 و1910، ولكن فكر التبسيط سرعان ما عاد إلى الظهور إلى الواجهة بقوة، مستعينا بتقنية الصورة وذلك عن طريق توظيف الحجم الصغير للكتب، والألوان الملفتة كعامل جذب للجمهور، وكان من أشهر الإنتاجات في تلك الفترة، كتاب « ما تقوله الأشياء » « Ce que disent les choses » (1912) الذي كان« هانري بوان كاري » Henri Poincaré الرائد في مجال التبسيط أحد مؤلفيه، وكذا صدور «جريدة العلم والحياة » Rollet 1994 : 15-16). (1913) La science et la vie )
وعلى إثر ذلك اتجهت الكثير من المنظمات والهيئات المحلية والعالمية إلى توظيف فلسفة التبسيط من أجل تعزيز أهدافها التنموية والوصول إلى جمهور أكبر، ومنها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو Unesco التي بادرت بتقديم جائزة «كالينجا» Unesco Kalinga Prize لتبسيط العلوم عام 1950 وإصدار مجلة فصلية تحت اسم «عالم العلم » «A World of Science » سنة 2002، ترمي من خلالها إلى تبسيط أنشطتها في ميدان العلوم والتكنولوجيا، وتشجيع روح المبادرة والابتكار (منظمة اليونسكو. 2018).
وبالمقابل للاهتمام الكبير الذي أبدته البلدان المتقدمة لفلسفة التبسيط العلمي، لم تلتفت بلدان العالم الثالث للأهمية التي تمثلها الثقافة العلمية في حياة الأفراد إلا مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، أي بعد مرور سنوات طويلة من خروج الاستعمار من أراضيها، حيث أدركت في وقت متأخر ضرورة نشر المعرفة بشكل مبسط لضمان وصول الرسالة للمتلقي ذا المستوى العلمي المحدود أو المنعدم، وعليه باشرت هذه البلدان حملات لمحو الأمية مست القرى والمداشر التي تسود فيها نسب أمية عالية كخطوة أولى، مصحوبة بحملات تحسيسية يتوجه فيها المتخصصون مباشرة إلى السكان لتمرير رسائل تبسيطية تمس حياتهم اليومية وتوعيتهم بأهمية تطعيم الأطفال وتعليمهم على سبيل المثال، وتلقينهم سبل الوقاية من الأمراض ومنع انتشارها، وطرق التعامل مع الكوارث الطبيعية كالزلازل والحرائق والفيضانات، ولكن مع انتشار أجهزة التلفاز في البيوت صار نقل المعلومة أقل عناء وتم اعتماد الصوت والصورة كوسيلتين فعالتين للوصول إلى الجماهير العريضة بشكل أسرع وأسهل، بينما مع تطور تكنولوجيا الحاسوب وبظهور شبكة الانترنيت ألغيت حدود الزمان والمكان، وأزيحت كل الحواجز السابقة وأصبحت المعلومة تصل بشكل آني وتطال جماهير المعمورة كلها.
3. العناصر الأساسية في عملية تبسيط النصوص العلمية
لقدت تطورت لغة التبسيط عبر الزمن، وتحولت من أسلوب يختلط فيه العلم بالأدب والفلسفة وتوظيف الحوار بين شخصيات تطرح بعضها تساؤلات وتجيب أخرى، في عهد »فونتونال"، إلى لغة علمية تبسيطية واضحة ودقيقة ترد على تساؤلات كل الفئات دون استثناء وتحاول التماشي مع احتياجات الجمهور وتزويده بكل أخبار العلم ومستجداته لتحقيق هدفها الأساسي وهو نقل الرسالة التبسيطية، حيث تكون خطوات العملية التبسيطية شبيهة بل متطابقة مع النموذج التواصلي وبإسقاط عناصر النموذج التواصلي على عملية التبسيط العلمي نجد أنها ترتكز على عناصر أساسية تتحرك ضمن نسق معين يمكن تلخيصه عبر المخطط التفصيلي التالي :
وبالتالي فإن كل عنصر من عناصر التبسيط السالفة الذكر (المادة العلمية - المبسط-القناة-المتلقي) يمتلك أهميته المثبتة ودوره المهم ضمن العملية التبسيطية، وانطلاقا من هذه العناصر الأربعة يتعين على المبسط سواء كان عالما متخصصا أوصحفيا أومترجما، طرح عدد من الأسئلة المهمة والإجابة عنها بدقة ليضمن فاعلية العملية التواصلية قبل الشروع في مهمة التبسيط أوترجمة نص تبسيطي، حيث تكون الإجابات بمثابة خريطة طريق يعتمد عليها لاتخاذ قراراته عند تحرير النص التبسيطي، وهي تتلخص في محتوى الجدول التالي:
الجدول1 : أسئلة وأجوبة تتعلق بعملية التبسيط العلمي.
السؤال |
الجواب |
من هو المرسل؟ |
المبسط (عالم - متخصص – مترجم – صحفي...) |
من هو المتلقي؟ |
عالم – متخصص- مثقف- مبتدأ- طفل...(الفئة العمرية والمستوى العلمي من أهم العوامل التي تتحكم في نوعية النصوص) |
ما هو نوع الرسالة ؟ |
مقال علمي- مقال أكاديمي-نص تثقيفي-نص تعليمي.... |
ما محتوى الرسالة؟ |
نص علمي بمستوى تبسيط (متدني-متوسط-عالي) |
ما هي الأهداف المرجوة من الرسالة؟ |
الإعلام- التثقيف- التعليم- التوعية- الترغيب - التحذير... |
ما هي الطريقة المناسبة لبلوغ الأهداف المرجوة؟ |
اختيار اللغة المناسبة- الاستعانة بوسائل مساعدة (الصورة- الرسومات البيانية- الجداول..) |
المصدر : Régane، د.ت : 24.
ومتى تمت الإجابة على هذه الأسئلة سَهُل على المبسط اتخاذ القرارات الصحيحة المتعلقة بتفاصيل العملية التبسيطية، ومن ثمة يمكنه الانطلاق في صياغة النص العلمي التبسيطي.
4. مستويات اللغة الخاصة بنصوص التبسيط العلمي
من خلال دراستنا لخصائص النصوص العلمية التبسيطية اتضح لنا وجود عدة مستويات لغوية في الخطاب العلمي التبسيطي، حيث تختلف هذه اللغة باختلاف العوامل المتعلقة بالوضعية التواصلية التي تعتمد على أركان أساسية ثلاث هي المرسل(المؤلف) والمتلقي (القارئ) والرسالة أو المعلومة (النص العلمي التبسيطي)، وأيما تغيير أو تعديل يمس أحد هذه الأركان يؤدي بشكل آلي إلى اختلاف في مستوى اللغة العلمية الموظفة في العملية التواصلية.
ورغم أن التصنيفات العديدة التي تم اقتراحها نسبية وغير مطلقة إلا أنها تنطلق جميعها من نفس المبدأ، فكلما كان الجمهور المتلقي متدني المستوى علميا أو كانت المفاهيم العلمية معقدة وغامضة، كان لا بد من رفع جرعة التبسيط واعتماد أقصى درجات الوضوح في الكتابة، وأما إذا كان النص موجها لجمهور مثقف نسبيا، فهذا يسمح بإدخال بعض المصطلحات والعبارات التقنية توسيعا لثقافته، وتعزيزا لمستواه العلمي، وبذلك تختلف اللغة وتنتقل إلى مستوى أدنى من التبسيط تتناسب واحتياجات المتلقي.
ويمكن تلخيص مستويات اللغة في عملية التبسيط العلمي من خلال الجدول التالي :
الجدول 2 : مستويات اللغة في نص التبسيط العلمي
مستوى اللغة |
نوعية المرسل والمتلقي |
نوع النص |
مثال حول مرض «اللوكيميا» |
المستوى الأول: اللغة ذات المستوى التبسيطي المتدني. |
النصوص التي يكتبها العلماء أو المتخصصون والتي يستهدفون من خلالها علماء مثلهم من مختلف التخصصات، والجمهور المتمكن من العلوم (ومن بينهم المترجمون المتخصصون). |
مجلات علمية متخصصة توظف المصطلحات العلمية وتقدم تعاريف محددة ودقيقة، باستعمال لغة حيادية وموضوعية. |
«اللوكيميا...هو مرض اضطراب نمو الخلايا الجذعية المتواجدة في النخاع الشوكي، والتي تنتج مجموع خلايا الدم.» لور شالشلي «شفاء اللوكيميا»، مجلة «البحث» رقم 254، ماي1993: 542. |
المستوى الثاني: |
موجهة من علماء أوكتاب متخصصون إلى فئة واسعة من الجمهور المهتم بالعلوم، وهم قراء يحملون اهتماما بالعلوم وبالنصوص التبسيطية على العموم. |
توظيف مصطلحات علمية، وتقديم تعاريف محددة ودقيقة مع إضافة شرح للمصطلحات غير المتداولة والجديدة بين مزدوجتين. |
«سرطانات اللوكيميا هي سرطانات تصيب نخاع العظام. تخضع الخلايا المدعوة «الخلايا الجذعية» عادة لعملية نضوج معقدة ... ويمكن أن يبطل عمل واحدة من هذه الخلايا وتبدأ في التكاثر بشكل مريع لدى الأشخاص المصابين بمرض اللوكيميا فتتكاثر بصفة عشوائية. » ميشال قر و«حكاية فيليب»، مجلة «كيبك للعلم» م33، رقم3، نوفمبر 1994 : 27. |
المستوى الثالث: اللغة ذات المستوى عالي التبسيط. |
علماء أو متخصصون في كتابة النصوص التبسيطية ومن بينهم المترجمون المتخصصون في الترجمة التبسيطية أو ترجمة النصوص التبسيطية. |
استخدام أقصى أساليب التبسيط الممكنة ومنها توظيف الأسلوب السردي (القص) والحوار بالإضافة إلى تقديم الأمثلة والشرح المبسط واستخدام المجاز أحيانا. |
تتكاثر خلايا نخاع العظام عندما تكون جديدة، ثم تتوقف عن التكاثر وتنتقل من نخاع العظام لتتمركز في الأوعية الدموية، أين تؤدي مهامها، إلى أن تشيخ وتموت بعد فترة معينة. ولأسباب نجهلها كما توضح الدكتورة ديمرز يمكن أن تخالف هذه الخلايا الأوامر الموجهة لها فتتوقف عن الشيخوخة كما في العادة، وتبدأ في التكاثر بشكل مريع سارة بيرولت، إيزابيل تقاوم «سرطان اللوكيميا»، «مجلة الشاطر»، ع114، ماي 1992 : 16 |
المصدر : Régane، د.ت : 24.
يوضح لنا هذا الجدول مستويات لغة التبسيط العلمي، التي يختلف فيها كل مستوى عن الآخر في نوعية المرسل والمتلقي والرسالة وكذا الهدف من العملية الاتصالية، حيث أن اللغة الموجهة للمتخصصين في المستوى الأول، توظف المصطلحات دون شرح وهي مختصرة ومباشرة لأن القارئ المتخصص يمكنه البحث وفهم المصطلحات والعبارات المتخصصة بكل سهولة معتمدا على الخلفية اللغوية والعلمية التي يمتلكها، أما المستوى الثاني من النصوص فهوموجه لعامة الناس المهتمين بالعلوم والذين يحتاجون إلى توسيع ثقافتهم العلمية بالتعرف على مصطلحات ومفاهيم علمية جديدة، يقوم بتوفيرها النص العلمي ذا المستوى التبسيطي المتوسط، أما المستوى الثالث والأخير فيخص النصوص عالية التبسيط وهي النصوص الموجهة إلى المبتدئين في العلوم وذوي الثقافة العلمية المحدودة كالأطفال مثلا الذين يحتاجون إلى التعرف على أبسط المفاهيم العلمية وحتى البديهيات منها.
5. إشكالات ترجمة النصوص العلمية التبسيطية ومصطلحاتها
تنطوي ترجمة النصوص العلمية التبسيطية رغم نعتها بالبساطة واليسر على صعوبات جمة، فهي كالسهل الممتنع تحتاج في ترجمتها إلى قدرات لغوية خاصة تجمع بين اللغة المتخصصة والعامة، وإلى ثقافة تتداخل فيها عدة حقول معرفية، ولذلك يُعد تحديد نوع النص وأهدافه أمرا أساسيا بالنسبة للمترجم، يرسم الطريق أمامه واضحا ويحدد الاختيارات التي -وكما يقول جين ريني لادميرال « Jean-René Ladmiral»- تقوده إلى أقل الأضرار الممكنة : حيث يتعين عليه أن يميز بين ما هو أساسي وما هو ثانوي في اختياراته، كما يجب أن يقود اختياراته عوامل أساسية تتمثل في الغاية المنوطة بالترجمة أو الهدف الذي تمت من أجله، والجمهور المعني ومستواه الثقافي (رضوان 2010 : 39) وهذا ينطبق تماما على مترجم النصوص العلمية التبسيطية الذي يضع صوب عينيه كل هذه التفاصيل بغية ترجمة النص بشكل احترافي.
إن ترجمة النصوص التبسيطية ترجمة وظيفية وتواصلية قبل كل شيء، لذلك فإن أول تحدي يواجهه المترجم هو تحديد نوعية المتلقي واحتياجاته، مما يتطلب منه أحيانا الاستعانة بعلم النفس وعلم الاجتماع لمساعدته على حصر مواصفات الجمهور من حيث العمر والمستوى اللغوي والعقلي والمعرفي، ثم انطلاقا من نوعية الجمهور والأهداف التي يصبو إلى تحقيقها يحدد المترجم اختياراته.
كما يشكل المصطلح تحد آخر أمام مترجم النصوص التبسيطية التي تحتوي على المصطلحات بنسب متفاوتة تتماشى مع مستوى التبسيط، وغالبا ما يكمن الإشكال في إيجاد ما يقابل المصطلحات في اللغة العامة، حيث أن المكافئات في اللغة البسيطة ليست متوفرة دائما، لذلك يستعين المترجم أحيانا بالشرح كبديل عن إيجاد المصطلح المبسط، وقد يضطر إلى استحداث مصطلح جديد إن لزم الأمر، وذلك بالاعتماد على جملة من المعايير والشروط التي تختلف من لغة إلى أخرى، وهنا قد يصطدم مثلما هو الحال بالنسبة للمترجم إلى اللغة العربية بمشاكل عديدة منها معضلة ترجمة السوابق واللواحق، وترجمة المصطلحات المركبة والعبارات المصطلحية والرموز... وغيرها.
وإضافة إلى معضلة المصطلح يبرزعدد من الصعوبات التي يتعين على المترجم إلى اللغة العربية -على وجه الخصوص- تخطيها عند ترجمة النصوص العلمية التبسيطية ومن أهمها نذكر :
-
غياب منهجية موحدة لترجمة أسماء الأعلام وأسماء المواد.
-
غياب منهجية موحدة لكتابة الحروف والأصوات الأوربية بالحروف العربية.
-
صعوبة ترجمة المختصرات والرموز.
-
مشكل عدم تحيين المعاجم .
-
مشكل المعاجم التي لا تقدم شرحا ولا تفسيرا لمعاني المصطلحات.
-
مشكل الترجمة الحرفية الذي تنتهجها القواميس والمعاجم.
-
الصعوبات المتعلقة بالقواعد أو المستوى النحوي والتركيبي للنصوص.
-
عائق استعمال اللهجات العامية في بعض النصوص التبسيطية.
ومع ذلك يمكن أن يصادف المترجم مشاكل أخرى كثيرة تختلف باختلاف نوع النص العلمي التبسيطي والمستوى الثقافي للمتلقي وكذا الغاية من كتابته (تعليمية أو تثقيفية أو تجارية أو غيرها)، فلكل نص لغته وخطابه وجمهوره الخاص به.
6. النص العلمي التبسيطي بين الترجمة البشرية والترجمة الآلية
من المعروف أن ترجمة النصوص العلمية التبسيطية تهدف كغيرها من أنواع الترجمة إلى إعادة صياغة النصوص الأصلية بأرقى مستويات المهارة في اللغة والأسلوب والفكر، مع احترام النص المصدر ومحاولة نقل محتواه بأكبر قدر من الالتزام والأمانة العلمية وضمان التلقي الجيد للرسالة التبسيطية وهذا ما يشكل مجموعة من التحديات أمام المترجم سواء كان إنسانا أم آلة.
وقد برهنت الدراسات التي تم إجراؤها في حقل علم الدماغ إلى جانب علم الأعصاب وعلم النفس على التشابه بين طريقة عمل الدماغ البشري وطريقة عمل الحاسوب في بعض النواحي، حيث أثبت قي لازورت (Guy Lazorthe 1989) في كتابه الموسوم بـ : « الدماغ والآلة » أن كل من الدماغ والحاسوب يعتمد في إدخال المعلومات على وحدات إدخال، وفي إخراجها على وحدات إخراج، وفي معالجتها على وحدات معالجة مركزية وفي تخزينها على وحدات تخزين بالإضافة إلى التشابه الملاحظ من الناحية البنيوية كما يوضح الجدول التالي (منعم 2015 : 75-80) :
الجدول3 : عناصر المنظومة اللغوية عند الإنسان والآلة.
عناصر المنظومة اللغوية عند الإنسان |
عناصر المنظومة اللغوية عند الحاسوب |
الدماغ البشري |
الجهاز المادي « hardware » |
سمع ونطق |
إدخال وإخراج |
نظم التقعيد اللغوي |
نظم التشغيل |
استرجاع من الذاكرة البشرية |
استرجاع من الذاكرة الآلية |
الأساليب اللغوية(لغة العلم –لغة الخيال...) |
لغات البرمجة |
المعجم الموسوعي |
قاعدة المعطيات |
الاستخدامات اللغوية |
التطبيقات |
المصدر : منعم 2015 :81
وبالمقابل لأوجه التشابه التي ذكرناها في الجدول توجد أوجه اختلاف عديدة بين طريقة تعاطي كل من الإنسان والحاسوب مع اللغة، فبينما يتفوق الإنسان بقدراته العقلية المميزة كقدرته على اكتساب المعارف والخبرات وقدرته على الفهم والتفكير والتحليل والخيال والإبداع، يتميز الحاسوب على البشر باتساع ذاكرته المدمجة التي يمكنها تخزين ملايين الكلمات والتراكيب اللغوية والنصوص بعدة لغات، كما يتميز بسرعته الفائقة عند القيام بالعمليات المختلفة كالترجمة والحساب وغيرها، بالإضافة إلى قدراته الهائلة في ترتيب البيانات وإحصائها وكذا تحمله لظروف العمل الصعبة والمهام الشاقة، وقد تم استغلال هذه الإمكانيات بشكل عملي في عدة حقول متعلقة باللغة منها ميدان المعالجة الآلية للغات الطبيعية واللسانيات الحاسوبية والترجمة الآلية بكل أنواعها.
ولكن بالرغم من كل ما توصلت إليه برمجيات الترجمة الآلية من شهرة وصيت ذائع، إلا أن الشك مازال يحوم حول إمكانية ترجمتها لأنواع النصوص ترجمة تامة دون تدخل الإنسان، وقد دفعتنا هذه الشكوك إلى محاولة استكشاف هذه الجزئية باحثين عن تفاصيل تعامل الآلة مع نصوص التبسيط العلمي وعن الصعوبات التي تواجهها لدى الترجمة مقارنة مع تلك التي يواجهها المترجم البشري عادة، وعن الحلول التي يمكن اتخاذها لتلافي الأخطاء وتخطي عقبات ترجمة هذا النوع الخاص من النصوص.
وإن كانت النصوص العلمية التبسيطية تتميز بأسلوب المباشرة والبساطة في التعبير وابتعادها غالبا عن الجمل الطويلة والمعقدة وتجنبها للإيحاءات وظلال الكلمات، إلا أن ترجمتها ليست بالمهمة السهلة أبدا، وذلك بسبب انطوائها على إشكاليات عديدة تأتي على رأسها إشكالية ترجمة المصطلح العلمي (رغم قلة توظيفه نسبيا في النص التبسيطي مقارنة مع النص المتخصص) وكذا الصعوبات المتعلقة بترجمة أسماء الأعلام والرموز والمختصرات، وكل العقبات التي تندرج تحت المستويات اللغوية الأخرى كالمستوى الصرفي والنحوي والمعجمي والسياقي والمقامي وغيرها، إضافة إلى معضلة تحقيق الهدف الوظيفي التواصلي للتبسيط العلمي، وهي الجزئية الأبرز والأهم في كل ترجمة.
ونظرا لصعوبة حصر كل هذه الإشكاليات وإعطاء أمثلة عنها في دراسة واحدة بسبب محدودية الفضاء المتاح، فقد فضلنا التركيز على الإشكاليات الأكثر إلحاحا، أوتلك التي تميز ترجمة النصوص العلمية التبسيطية عن غيرها من أنواع الترجمة.
كما كان لابد من اختيار مترجم آلي للحصول على عينات للترجمة الآلية وقد وقع اختيارنا على أحد أهم المواقع العربية للترجمة وأبرزها وهو الموقع العربي المتخصص في الترجمة الآلية من الانجليزية إلى العربية « المسبار » الذي أنتجنه وتسعى لتحديثه شركة « أي تي أي » للبرمجيات المحدودة « Software Ltd ATA »، وهو الآن متوفر مجانا على شبكة الانترنيت، حيث يوفر هذا الموقع خدمة ترجمة الكلمات من الانجليزية إلى العربية والعكس وترجمة النصوص في اتجاه واحد من الانجليزية إلى العربية كما توضحه الصورة التالية :
وقد شجعنا على اختيار « المسبار » بالذات تخصصه في الترجمة من الانجليزية إلى العربية، وتوفره على خدمات إضافية يمكن أن تخدم ترجمة نصوص التبسيط العلمي، حيث يحتوي الموقع على مجموعة كبيرة من القواميس المتخصصة يمكن انتقاءها حسب الحاجة ومنها القاموس العام والقاموس العلمي والقاموس الطبي والسياسي والقانوني وغيرها، كما أنه يتيح للمستخدم خدمة ترجمة المختصرات وترجمة أسماء الأعلام (الأشخاص والمدن والأماكن) وترجمة النصوص مع إظهار الحركات أوعلامات التشكيل.
وبعد اختيار المترجم الآلي تم تحديد أهم الإشكاليات التي تطرحها ترجمة نصوص التبسيط العلمي، ومقارنة طريقة تعامل كل من المترجم البشري والمترجم الآلي معها وكانت النتائج كمايلي :
1.6. إشكالية ترجمة المصطلحات
تختلف نوعية المفردات التي يتم توظيفها في نصوص التبسيط العلمي مقارنة بأنواع النصوص الأخرى، حيث تتكون هذه النصوص من مزيج من اللغة العامة واللغة المتخصصة وتحتوي على نسبة متفاوتة من المصطلحات تتناسب مع درجة التبسيط المقصودة، فكلما زاد عدد المصطلحات في النص قلت جرعة التبسيط والعكس صحيح، لذلك فإن ترجمة المصطلحات تمثل أحد أهم التحديات التي يواجهها المترجم البشري والآلي معا،
فالكثير من المصطلحات تكون مشتركة بين عدة حقول معرفية وهي تُغير مفاهيمها بتغير السياق والحقل المعرفي الذي وظفت فيه، وإن لم يتم التعرف على السياق والمجال الذي وردت فيه يكون من الصعب تحديد معناها الدقيق، وكمثال على ذلك نذكر مصطلح « conjugate » الذي يمكن ترجمته حسب التخصص، إما إلى « صرّف » الفعل الشائع في لغة علم الصرف أوإلى « إجهاد » في لغة الطب، وهنا يمكن لأي مترجم بشري حتى وإن كان مبتدِئا تحديد المعنى المناسب واختيار الترجمة الصحيحة عن طريق الاستعانة بالسياق والتعرف على الحقل المعرفي.
بينما وبالمقابل لذلك لا يمكن للمترجم الآلي غالبا التعرف على معنى المصطلحات ضمن سياقها الصحيح، وهذا ما يؤدي إلى خلط بين المفاهيم وإخفاق في الترجمة، حيث لا حظنا أنه رغم توفر موقع « المسبار » على خدمة اختيار القاموس الطبي إلا أنه ترجم المصطلح « conjugate » الوارد في سياق طبي إلى كلمة « صرفي » أي أنه ترجمها في غير سياقها الصحيح، وهذا ما يدل بوضوح على عجزِه عن تحديد السياق والحقل المعرفي للمصطلح، ولحل هذا الإشكال الملح تسعى أنظمة الترجمة الآلية المتطورة إلى استبدال الترجمة الحرفية بالترجمة السياقية أو الترجمة الإحصائية القائمة عل الأمثلة والتي يستفيد فيها المترجم الآلي من الملايين من النماذج الجاهزة المترجمة آنفا، بحيث تنصب مهمة الآلة على استظهار الأمثلة الأقرب للسياق أوأكثرها تكرارا واستعمالا.
وفي حالة توفر عدة مصطلحات للتعبير عن مفهوم واحد كما هو شائع في اللغة العربية على غرار المصطلح الطبي المركب « Polysaccharide » مثلا الذي يقابله في العربية مصطلح « السكر العُدادي » حسب قاموس المورد الحديث (البعلبكي 2008 : 892) ومصطلح « عديد السكاريدات » حسب ما ورد في المعجم الطبي الموحد لمنظمة العالمية للصحة (الخياط، 2009 : 1648)، يمكن هنا للمترجم البشري توظيف معارفه اللغوية وتجربته الخاصة لاختيار الترجمة الأحدث والأكثر انتشارا وتداولا، بينما يتعذر ذلك على الآلة إما لأنها لم تتعرف على المصطلح باللغة الانجليزية لعدم توفره في ذاكرتها المخزنة أو لأنها محصورة بترجمة واحدة لم يتم تحيينها منذ زمن.
أما في حالة انعدام المصطلح المكافئ في اللغة العربية فيمكن للمترجم البشري خلق مصطلح جديد وفقا لقواعد التوليد المتاحة، أو محاولة استبدال المصطلح بشرح مفهومه باستعمال كلمات اللغة العامة لتبسيط المعنى، وهذا يخدم أهداف التبسيط بشكل مباشر، بينما يستحيل على المترجم الآلي خلق مصطلحات جديدة في اللغة العربية أو شرحها إن لم يتم إدراجها مسبقا في ذاكرته المخزنة، وهذا ما يؤدي بالمترجم الآلي إلى خطأ شائع في الترجمة الآلية ألا وهو الاستنساخ.
ولكن التحدي الأكبر عند ترجمة نصوص التبسيط العلمي ليس فقط مسألة البحث عن مقابلات المصطلحات العلمية المتخصصة في اللغة الهدف، وإنما في محاولة إيجاد البديل المبسط لها في اللغة العامة بما يتماشى مع مستوى المتلقي كما تبينه الأمثلة التالية :
الجدول4 : أمثلة عن تبسيط المصطلحات.
المصطلح العربي |
المقابل في اللغة العامة |
المصطلح الإنجليزي |
المقابل في اللغة العامة |
احتشاء عضلة القلب |
أزمة قلبية |
Myocardial infarction |
Heart attack |
الأرق |
عدم النوم |
Insomnia |
Sleeplessness |
حرقة المعدة |
ارتداد |
Reflux |
Heartburn |
وهذا يتطلب من المترجم التحكم في مهارات لغوية وتواصلية خاصة تمكنه من تحديد نوع الجمهور ونوع الرسالة والهدف من الترجمة، وهي إمكانيات لا تتوفر في المترجمات الآلية كما لا تتوفر في موقع « المسبار » وهذا ما يزيد من صعوبة المهمة بالنسبة للآلة.
2.6. ترجمة الرموز والمختصرات وأسماء الأعلام :
تشكل ترجمة الرموز والمختصرات وأسماء الأعلام تحديا أمام المترجم البشري بسبب عدم توحيد منهجية نقلها إلى اللغة العربية (الكتاني، 1997 : 23)، لذلك فهو غالبا ما يعتمد على مهاراته اللغوية والمعرفية معا لفك هذا اللبس، ولكن نظرا لعدم وجود المختصرات والرموز في اللغة العربية، يقوم المترجم البشري باستنساخ الحروف اللاتينية والرموز الرياضية مع توفير المكافئ اللغوي لها مثلما هو الحال في الرموز الكيميائية التالية : عناصر الأكسجين « O » والهدروجين « H » والماء و« H2O » مثلا، أو قد يلجأ إلى الترجمة اللفظية المصحوبة بالشرح على غرار ترجمة المختصر الطبي الانجليزي المعروف « AIDS » إلى « أيدز » المصطلح المتداول والمعروف لدى العامة والذي يعني « متلازمة نقص المناعة المكتسبة » (Aquired Immino Defficiency Syndrome).
وبالمقابل لذلك يواجه المترجم الآلي صعوبات من نوع آخر عند ترجمة الرموز وهي تظهر خاصة عند نقل الرموز المركبة بترتيب خاطئ، حيث حول مترجم « المسبار » الرمز الطبي « O139 » الوارد في نص بالانجليزية إلى « O -139 »، كما حول العدد « 000 222 » إلى « 222 000 » وهي أخطاء ترجع إلى صعوبة تعامل الآلة مع الرموز والأعداد المركبة وإلى اختلاف اتجاه الكتابة في اللغة العربية عنها في اللغة الانجليزية، فقد تعدل هذه الأخطاء محتوى الرسالة الأصلية وتمس بمبدأ الأمانة العلمية، مما يتطلب العمل على تصويبها.
أما فيما يخص الترجمة الآلية للمختصرات فقد تبين لنا صعوبة تعرف المترجم الآلي على المختصرات وعدم قدرته على التفريق بينها وبين المفردات العادية حيث يمكنه أن يعتبر المختصر الطبي « AIDS » مثلا، فعلا مضارعا ويترجمه على هذا الأساس إلى الفعل « يساعد »، ونفس الإشكال تطرحه ترجمة أسماء الأعلام التي تعتبرها الآلة في غالب الأحيان كلمات وتحاول ترجمة معناها بدل نقلها لفظيا كترجمة اسم العلم « Mr Brown » إلى « السيد بُنّي » مثلا.
3.6. المستوى الصرفي
يتعلق المستوى الصرفي للغة ببنية الكلمة وهيأتها بما في ذلك تصريف الأفعال وأوزان الكلمات عموما (الراجحي، 1993 : 7)، وهو يطرح إشكالا أمام المترجم البشري الذي لا يملك المعارف اللغوية اللازمة في اللغتين المصدر والهدف، فقواعد تصريف الأفعال مثلا تختلف اختلافا شاسعا بين اللغتين الإنجليزية والعربية التي ينحصر التصريف فيها في صيغ الماضي والمضارع والأمر بمقابل كثرة الصيغ في اللغتين الانجليزية والفرنسية على سبيل المثال، وفي هذه الحالة يستخدم المترجم البشري معارفه اللغوية لتصريف الأفعال وفق متطلبات السياق ومبتغى النص.
بينما يجد المترجم الآلي نفسه أمام معضلة كبيرة سببها كثرة الاحتمالات والمعاني المصاحبة لتغيير صيغ الأفعال من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف، بالإضافة إلى إشكال آخر يتعلق بالعدد والجنس وعدم التوافق بين الفعل والفاعل في حالات معينة من ضمنها وجود المثنى في اللغة العربية وغيابه في اللغات الأخرى، وكذلك إشكال استعمال صيغة المبني للمجهول مثلما تبينه الأمثلة التالية :
الجدول5 : صعوبات الترجمة الآلية للنص العلمي التبسيطي على المستوى الصرفي.
الإشكال |
العبارة الأصلية |
ترجمة موقع « المسبار » |
الترجمة البشرية |
عدم التوافق في الجنس |
Cholera affects children |
يؤثّر الكوليرا على الأطفال. |
تؤثّر الكوليرا على الأطفال. |
عدم ترجمة الفعل |
The doctor and his assistant work together. |
الدكتور وعمله المساعد سوية. |
يعمل الدكتور ومساعده سوية. |
صيغة المبني للمجهول غير مناسبة |
The contagious virus is spread by coughing and sneezing. |
إنّ الفيروس المعدي يُنْشَر بسعال والعطس. |
ينتشر الفيروس المعدي بالسعال والعطس. |
حيث نلاحظ أنه ورغم بساطة الجمل الواردة في الجدول وسهولة فهم معانيها إلا أن موقع « المسبار » أخفق في اختيار الأفعال المقابلة لها في اللغة العربية ما أدى إلى ترجمات خاطئة وخالية من المعنى أحيانا.
4.6. المستوى النحوي/ التركيبي
يتعلق المستوى النحوي بتكوين الجملة وبنيتها التركيبية بالإضافة إلى ترتيب مكوناتها، وهو يطرح إشكالات جمة أمام المترجم البشري ترجع إلى اختلاف نظام القواعد من لغة إلى أخرى، فاللغة العربية مثلا تتميز بمرونتها التركيبية وتوظيفها لصيغتي الجملة الاسمية والفعلية، مع إمكانية تقديم وتأخير بعض العناصر حسب الحاجة، أما اللغة الإنجليزية فتلتزم بصيغة واحدة ثابتة هي : فعل + فاعل+ مفعول به أو شبه جملة حيث تؤثر الطريقة التي يتم بها ترتيب الكلمات تأثيرا مباشرا على المعنى، لذلك فإن المترجم البشري يحتاج إلى توظيف معارفه اللغوية وفهمه للنص المصدر لنقل الجمل من لغة إلى لغة بشكل يحترم قواعد النحو في اللغتين المصدر والهدف دون إهمال المعنى.
أما المترجم الآلي فيجد صعوبة كبيرة في ترجمة العبارات الطويلة والجمل المتداخلة والتنسيق بين مكوناتها المختلفة، وخاصة التوفيق بين ثنائية المبتدأ والخبر وثنائية المعطوف والمعطوف عليه وثنائية الجار والمجرور، وهي ثنائيات تعتمد على قواعد ثابتة في اللغة العربية من حيث التعريف والتنكير والتأنيث والتذكير والعدد ( زهرة العلا، 2008)، كما تواجه الآلة صعوبات على مستوى التركيبي للنص ككل، تتجسد في غياب أدوات وعبارات الربط بين الجمل والفقرات وهذا ما ينتج نصا مفككا وتعبيرا ركيكا في أغلب الأحيان، يرجع إلى اعتماد المترجم الآلي على نسخ الجمل من النص المصدر دون تفكيك أو تحليل ونقلها إلى اللغة الهدف دون احترام نظام القواعد كما تبينه الأمثلة التالية :
الجدول6 : صعوبات الترجمة الآلية للنص العلمي التبسيطي على المستوى النحوي / التركيبي.
الإشكال |
العبارة الأصلية |
ترجمة موقع « المسبار » |
الترجمة البشرية |
بنية تركيبية خاطئة نحويا واستعمال غير مناسب للضمير المتصل « الهاء » |
Two typhoid va ccines are currently recommended for use by WHO |
لقاحا تيفوئيد أوصيا به حاليا للاستعمال من قبل الذي. |
تنصح منظمة الصحة العالمية « WHO » حاليًا باستخدام نوعين من لقاحات حمى التيفوئيد. |
خطأ نحوي في ترجمة كلمة « علاجا » التي جاءت منصوبة وهي مضاف إليه مجرور. ونسخ خاطئ للبنية التركيبة للعبارة الانجليزية . |
Left without treatment, the majority of people infected with HIV will develop signs of HIV |
تُرك بدون علاجا، أغلبيّة الناس مصابة بفيروس نقص المناعة البشري سيطوّر إشارات مرض ذو العلاقة بفيروس نقص المناعة البشري |
تظهر على معظم حاملي الفيروس، إذا ما بقوا بدون علاج، أعراض مرضية لها علاقة بالفيروس |
حيث تدل هذه الأخطاء على عدم توفر المترجم الآلي على نظام يسمح له بتحليل القواعد النحوية التركيبية للنص المصدر وإعادة بنائها بشكل صحيح في اللغة الهدف، لذلك فهو يلجأ غالبا إلى استنساخ الجمل وإعادة كتابتها بنفس الترتيب دون العناية بخصوصيات اللغة العربية.
5.6. المستوى الوظيفي
وأما الصعوبات التي تظهر على المستويات الأخرى لترجمة النصوص العلمية التبسيطية كالمستوى الوظيفي والتواصلي فلا يمتلك المترجم الآلي الحلول لها، لأن تحديد ما يهدف إليه النص المصدر والهدف وتوظيفه في الترجمة ليس دائما بالمهمة السهلة حتى بالنسبة للمترجم البشري، كما أن النجاح في تبسيط الرسالة العلمية واستعمال المستوى اللغوي المناسب للمتلقي يعد عقبة حقيقية تتطلب تمرسا وخبرة لدى المترجم، وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا بالممارسة والعمل المتواصل والمتكرر على نفس النمط من النصوص، أي التخصص في ترجمة نصوص التبسيط العلمي لفئات معينة لها مستواها ومتطلباتها الخاصة.
وبالمقابل لذلك لا يمكن للمترجم الآلي تخطي عقبة المستوى الوظيفي لنصوص التبسيط العلمي لأنه لا يستطيع تحديد أهداف الترجمة ومتطلبات الجمهور ولا يمتلك بعد الآليات المناسبة للتواصل مع المتلقي أثناء عملية الترجمة، وعليه فهو يعجز عن اختيار اللغة المناسبة، ويحتاج غالبا إلى تدخل البشر لتفادي الأخطاء إما بواسطة تعديل النص المصدر أي التحرير السابق، أو عن طريق تصحيح النص الهدف أي التحرير اللاحق، أو باستعمال الترجمة التفاعلية التي تسمح بتدخل الإنسان أثناء عملية الترجمة الآلية.
7. نتائج ومقترحات الدراسة
من خلال دراستنا المستفيضة لنصوص التبسيط العلمي وخصائصها المتعددة تبين لنا أن هذا النوع من النصوص، وبالرغم مما يبدو عليه من بساطة في التراكيب ووضوح في الأسلوب، إلا أنه ينطوي على إشكاليات كثيرة تقف حجر عثرة أمام المترجم البشري والآلي على حد سواء، أهمها إشكالية ترجمة المصطلحات العلمية وإشكالية ترجمة الرموز والأعداد والمختصرات بالإضافة إلى إشكاليات عدة متعلقة بالمستوى الصرفي والنحوي والوظيفي للغة التبسيط العلمي.
وقد استنتجنا من المقارنة التي قمنا بها بين ترجمة المترجم البشري والمترجم الآلي للنص العلمي التبسيطي أن لكل منهما عيوبه ومحاسنه والصعوبات التي يصادفها في الترجمة وقد قمنا بتلخيص النتائج فيما يلي :
-
الإنسان يمْتلك عقلا يسمح له بفهم النصوص وتحليلها والتدبر في معانيها، بينما يعجز المترجم الآلي عن الفهم والتفكير رغم توفره على نظام معقد مبني على الذاكرة المدمجة وعلى القواعد المخزنة في نظامه الداخلي ورغم كل التطور الذي وصل إليه الذكاء الاصطناعي اليوم.
-
المترجم البشري قادر على التصرف وإيجاد الحلول للإشكاليات المختلفة التي يواجهها أثناء ترجمة النصوص كاستحداث المصطلحات في حالة عدم توفرها مثلا، بينما لا يمكن للآلة التصرف أمام المشكلات المستجدة لأنها تسترجع فقط ما خزنه فيها الإنسان من معطيات لا غير.
-
المترجم البشري يتميز بقدرته على التكيف مع أنواع النصوص المختلفة بينما تعجز الآلة عن ذلك.
-
المترجم البشري يعمل على تقديم ترجمة دقيقة وخالية من العيوب عن طريق النقد الذاتي لترجمته وتعديلها، بينما لا يمكن للمترجم الآلي توفير ترجمة دقيقة لأنه يعجز عن تحديد أخطائه وتصحيحها.
-
المترجم البشري يعتمد على الإبداع في الترجمة، بينما المترجم الآلي يبني ترجمته على التكرار.
-
المترجم البشري رغم بطئه النسبي يتفوق بنوعية الترجمة وجودتها، بينما المترجم الآلي يبنى عمله على الكم ويتميز بسرعة فائقة في الأداء.
-
المترجم البشري لا يتقن في أغلب الأحيان سوى لغتين أو ثلاث بالإضافة إلى لغته الأم بينما يمكن للمترجم الآلي الترجمة من وإلى مئات اللغات في نفس الوقت.
-
المترجم البشري يتعب ويمل من الترجمة أحيانا فيحتاج إلى أوقات للراحة، بينما يعمل المترجم الآلي لساعات طويلة دون توقف ودون ملل.
وخلاصة القول هو أن المترجم الآلي لا يمكنه أن يحل محل المترجم البشري بالرغم من كل المزايا التي يملكها، فقد تبين لنا استحالة الاعتماد الكامل على المترجم الآلي في ترجمة نصوص التبسيط العلمي، لأنه يفتقر للأدوات اللازمة التي تسمح له بالتعامل مع لغة التبسيط العلمي وتحقيق أهدافها الوظيفية، لكن هذا لا يعني الاستغناء التام عن المترجم الآلي بل بالعكس، حيث أن برمجيات ومنظومات الترجمة الآلية في تطور مستمر والأمل فيها واعد، لذلك يجب استغلال قدراتها الفائقة من حيث السرعة والذاكرة والقدرة على التحمل لتسريع عملية الترجمة أي الانتقال من الترجمة الآلية التامة إلى ما يسمى بالترجمة الآلية بمساعدة البشر (Human Aided Machine Translation -HATM) لتعويض النقائص التي تعاني منها الآلة وللحصول على أفضل النتائج نقترح اتخاذ أحد الطرق التالية في الترجمة :
-
الترجمة الآلية بتحرير سابق (pre-editing) : وتتم عن طريق تعديل الإنسان للنصوص قبل ترجمتها آليا من أجل تلافي وقوع الآلة في الخطأ، حيث يقوم المستعمل باجتناب الكلمات التي لها أكثر من معنى وتبسيط الجمل الطويلة والمعقدة، وبذلك يقوم بإعداد نص « يتقبله » الحاسوب ويتمكن من برجمته بصعوبات أقل، وتسمى اللغة التي يتم توظيفها باللغة المقبولة للآلة (Machine Acceptable Language - MAL) (صالح، 2013)
-
الترجمة الآلية بتحرير لاحق (post-editing ) : يقوم المترجم البشري في هذه الحالة بالتدخل وإحداث التغييرات المناسبة على النص المترجم آليا بغية الحصول على نص مقبول ومقروء، يرقى إلى الترجمة البشرية وقد أثبتت التجارب أن الترجمة الآلية تتطلب غالبا المراجعة بنسب متفاوتة، حتى تصبح الترجمة مقبولة، حيث يشمل هذا التنقيح تعديلات على كل مستويات اللغة الصرفية والنحوية والدلالية والنصية (صالح، 2013).
-
الترجمة التفاعلية (interactive) : وهي الترجمة الآلية التي يتدخل فيها الإنسان في مراحل عدة من عملية الترجمة ليساعد الآلة في مهمة التعامل مع النصوص باختلافها(Hutchins, Somers 1992 : 153) ، حيث يرافق المترجم البشري الآلة خطوة بخطوة ويتدخل خلال ترجمة التفاصيل بالتعديل والتوجيه لغاية الوصول إلى النتيجة المرجوة، ويستحسن في هذا النوع من الترجمة بقاء المترجم أمام الشاشة للتدخل عند الحاجة على عكس الترجمتين الآليتين السابقة واللاحقة.
خاتمة
إن ميدان ترجمة النصوص العلمية التبسيطية لا يزال خصبا، والاهتمام بها في بلادنا العربية لا يزال في بدايته، وهذا ما دفعنا إلى خوض غمار هذه الدراسة التي ارتأينا من خلالها التعرف على خصائص نصوص التبسيط العلمي وعلى السبل الأجدى كما وكيفا لترجمتها إلى اللغة العربية بغية استغلالها كقناة للتنوير ونشر العلوم في البلاد العربية.
إن الكم الهائل من المستجدات العلمية الواردة إلينا بلا هوادة من الغرب والتي لا يتسنى ترجمة إلا القليل منها، جعلت البعض يلجأ إلى تكنولوجيا الترجمة الآلية أملا في بلوغ المعلومة بشكل أسرع، ولكن نتائج المقارنة التي قمنا بها سمحت لنا بحصر أهم عيوب ومميزات كل من المترجم البشري والمترجم الآلي وأكدت لنا فيما لا يدعو للشك على عجز الآلة لوحدها عن ترجمة نصوص التبسيط العلمي، وإلى الحاجة الملحة لتدخل الإنسان للحصول على أفضل النتائج.
وفي انتظار تطوير أنظمة ترجمة آلية أكثر احترافية، لا بد من تضافر الجهود العربية لتخطي العقبات التي تطرحها ترجمة النصوص العلمية التبسيطية إلى العربية ومحاولة إيجاد الحلول لها من أجل تمكين القارئ العربي البسيط من الاطلاع على آخر مستجدات العلم بالتزامن مع القارئ الأجنبي، وذلك من خلال استعمال تكنولوجيا الحاسوب بالشكل الصحيح، واستغلال إمكانياتها لسد ثغرات الترجمة البشرية، وكذا تجديد ذخيرتنا اللغوية وتحيينها لتتماشى مع متطلبات العصر.
وأخيرا نؤكد على أن اهتمام الشعوب بالترجمة العلمية التبسيطية يعد أحد المقاييس الدالة على التطور والرقي، واقتران الترجمة بالآلة في عصرنا الحالي يحتم على العرب الانتقال إلى عصر الترجمة الآلية لمجاراة الغرب واللحاق بالركب، وبما أن لغتنا العربية أثبتت إمكانية حوسبتها بما لا يدعو لأي شك، فلا بد من الأخذ بالأسباب لتطويرها وجعلها في مصاف اللغات المهيمنة، ولن يتم ذلك إلا بإدخالها في معترك العلم والتكنولوجيا من بوابة تبسيط العلوم التي ستفتح لها آفاقا واسعة وستجعلها تستعيد مجدها الضائع.