مقدمة
تحتل الترجمة حيزا كبيرا في مجال التواصل الإنساني، حيث استطاعت منذ ظهروها، تقريب المسافات وتضييق الفجوات التي أحدثها تعدد اللغات واختلافها؛ وحتى بعد الصراعات التي عاشتها في ظل القول بتعذرها من الناحية النظرية، استطاعت أن تثبت مشروعيتها كي تكون سفير اللغة والثقافة، والوسيط الناقل لرسالة الشعوب إلى بعضها البعض.
وبعد أن كانت سابقا مقتصرة على نقل مضامين نصية دون غيرها، أصبحت تلج كل الميادين دون استثناء، ولا سيما ما يتعلق منها بالنصوص ذات الطبيعة التقنية والفنية، وتضاعفت المصطلحات، وتزايدت الحاجة إلى الاطلاع على ما توصل إليه العقل البشري في مجال العلوم والتكنولوجيات والنظريات الاقتصادية الحديثة، وكان لابد للترجمة أن تواكب مثل تلك الهبة فظهر ما يسمى بالترجمة المتخصصة، التي تهتم بنقل نوع خاص من النصوص، يحمل مضامين يقتصر إدراكها على أصحاب الميدان الواحد، ويستعمل رطانة خاصة يستعصي فهمها على من لا يتقاسم التجربة العلمية والعملية ذاتها.
فرضت الترجمة المتخصصة نفسها بقوة في عصرنا الحاضر، وذلك راجع إلى اعتبارات كثيرة من بينها التطورات التي شهدتها ميادين البحث العلمي، إضافة إلى توسع سوق الترجمة عموما وتعدد مصادر المعرفة قياسا مع سرعة التداول المعرفي.
لذلك يسعى بحثنا إلى الحديث عن الترجمة المتخصصة والمكانة التي اكتسبتها في سوق الترجمة، محاولا التطرق إلى وضعية من وضعيات ممارسة الترجمة المتخصصة، والمتمثلة في الترجمة المتداولة في مكاتب الترجمة الرسمية، منطلقين أولا من القوانين التي تنظم مهنة المترجمين والتراجمة في الجزائر، منتقلين بعدها إلى شروط الالتحاق بالمهنة، والمهام المنوطة بهؤلاء الممارسين، ليتم التطرق إلى أهم نقطة تتمثل في طبيعة النصوص الموضوعة أمام قلم الترجمة الرسمية، وأهم الصعوبات التي يواجهها العاملون في الميدان ونوعية الكفاءات الواجب توفرها في هؤلاء النقلة.
1. الترجمة المتخصصة ولغات التخصص
لعل أبسط تعريف للترجمة المتخصصة، هو تلك الممارسة التي تهتم بنقل نصوص ذات طبيعة متخصصة على غرار النصوص التقنية أو التكنولوجية أو العلمية، وبعبارة أخرى، النصوص التي تخرج عن الإطار الأدبي أو التي لا تصنف ضمن خانة النتاجات الأدبية؛ على أن هناك من يقول إن الترجمة المتخصصة هي الترجمة التي تعنى بالنصوص الموظفة للغة الاختصاص أو التخصص، أو ما يسميها بعضهم بلغة الأغراض الخاصة، التي يراد بها ذلك التوظيف "المقنن والمنمط للغة في سياق حقيقي، من أجل إيصال معلومات معينة ودقيقة تخص حقلا من حقول المعرفة بنية نشر مصطلحاته وحقائقه العلمية، بين أهل ذلك الحقل، وغايتها في ذلك الإيجاز والدقة والوضوح"1.
تشهد الترجمة المتخصصة تطورا متزايدا فهي تمثل نسبة تسعين في المائة (90%) من عدد الوثائق المترجمة في العالم2، وهذا ما جعل الاهتمام بها يتنامى يوما بعد يوم، إن على الصعيد التعليمي عن طريق محاولة اقتراح برامج تكوينية فعالة تسعى إلى إعداد مترجمين موجهين أساسا إلى العمل في مختلف تخصصات البحث العلمي، أو على الصعيد المهني، بفتح مناصب عمل للكوادر الشابة المؤهلة للعمل في مجال الترجمة عموما والترجمة المتخصصة بصفة أدق، خاصة بعد انفتاح الجزائر على اقتصاد الأسواق العالمية، وولوج الشركات الأجنبية للاستثمار في البلاد مع حاجتها الدائمة إلى الوسطاء الذين يتولون مهام التواصل الدائم مع الممثلين المحليين.
2. المترجم المتخصص: حالة الترجمان الرسمي
هذا ويمثل الترجمان الرسمي نموذجا عن الوسطاء الذين يمارسون مهام ربط حلقة التواصل الدائم بين المتعاملين مع اللغات، ويؤدي دوار بارزا في مجال التعامل مع الترجمة المتخصصة.
ويتمتع المترجم- الترجمان الرسمي بصفة ضابط عمومي، ويحمل ختما رسميا يضعه على الوثائق التي يترجمها ويصادق على ترجمتها، وتحظى الوثائق المترجمة من قبله بقوة ثبوتية بموجب القانون ما لم يثبت تحريفها بشهادة ثلاثة مترجمين وتراجمة رسميين يتم تعيينهم من الجهة القضائية التي يعرض أمامها النزاع؛ وبحكم المكانة التي يحتلها، والسلطات المفوضة له، فإنه يلتزم بالسر المهني في تأديته لمهامه، ويرتدي الزي الرسمي في نفس شروط كاتب الضبط عندما تتم دعوته للقيام بمهام الترجمة الفورية أثناء الجلسات القضائية.
1.2. النصوص القانونية المنظمة لمهنة المترجم- الترجمان الرسمي
لقد تم إحداث وظيفة المترجم الترجمان الرسمي في الجزائر بمقتضى الأمر رقم 95 – 13 المؤرخ في 10 شوال عام 1415 الموافق لـ 11 مارس سنة 1995 والمتضمن تنظيم مهنة المترجم – الترجمان الرسمي، والذي جاء على خلفيته المرسوم التنفيذي رقم 95- 436 المؤرخ في 25 رجب عام 1416 الموافق 18 ديسمبر سنة 1995 الذي يحدد شروط الالتحاق بمهنة المترجم- الترجمان الرسمي و ممارستها و نظامها الانضباطي و قواعد تنظيم المهنة وسير أجهزتها3؛ بحيث تقرر أن فتح وإحداث مكاتب الترجمة الرسمية يكون بيد وزير العدل بعد استشارة الغرفة الوطنية للمترجمين، وأن الالتحاق بمهنة المترجمين والتراجمة الرسميين يكون على أساس مسابقة وطنية تحدد كيفية تنظيمها وإجرائها كذلك بقرار من وزير العدل بعد استشارة الغرفة الوطنية للمترجمين، وأنه يجب على المترشح للمسابقة أن تتوفر فيه شروط معينة حددتها المادة التاسعة من الأمر السابق والمتمثلة في النقاط الآتية.
2.2. شروط الالتحاق بمهنة المترجم- الترجمان الرسمي
-
أن يكون جزائري الجنسية.
-
أن يبلغ عمره 25 سنة على الأقل.
-
أن يتمتع بحقوقه المدنية والوطنية وأن لا يكون محكوما عليه بعقوبة جنحة أو جناية مخلة بالشرف.
-
أن يكون حاملا دبلوما في الترجمة من معهد الترجمة أو شهادة معترف بمعادلتها لها.
-
أن يكون قد مارس مهنة المترجم – الترجمان مدة لا تقل عن خمس (5) سنوات في مصلحة للترجمة لدى جهة قضائية أو إدارة أو هيئة أو مؤسسة عمومية أو خاصة أو منظمة أو مكتب عمومي للترجمة الرسمية أو مكتب أجنبي للترجمة.
-
أن تكون له إقامة مهنية.
-
أن ينجح في المسابقة الخاصة بممارسة مهنة المترجم-الترجمان الرسمي.
وبعد النجاح في المسابقة، يؤدي المترجم – الترجمان الرسمي اليمين حسب الأشكال والشروط المنصوص عليها في المادة 10 من الأمر رقم 95 – 13 المؤرخ في 11 مارس سنة 1995 والمذكور أعلاه في الشهر الذي يصدر فيه تعيينه بقرار من وزير العدل وقبل تنصيبه. و يحرر محضر بذلك و يدون في محفوظات المجلس القضائي المختص وتسلم نسخة منه إلى المعني بالأمر.
3.2. مهام المترجم- الترجمان الرسمي
يمارس المترجم-الترجمان الرسمي مهام الترجمة الشفهية والتحريرية ضمن لغات اختصاصه، وهو الوحيد المؤهل للمصادقة على ترجمة كل وثيقة أو سند كيفما كانت طبيعته، إضافة إلى قيامه بأعمال الترجمة المألوفة في الاجتماعات والندوات والملتقيات أو المؤتمرات، عندما يطلب منه ذلك، وفي حدود اختصاصاته وصلاحياته.
وأهم من ذلك كله، أنه يتولى شخصيا مهمة تسيير مكتبه لحسابه وتحت مسؤوليته، بما في ذلك التواصل مع المتعاملين الذين يطلبون خدماته الترجمية بشتى أنواعها، وتنظيم العمل داخل المكتب بين الأعوان والمساعدين، وتحديد آجال التسليم وترتيب أرشيف المكتب، مع السهر على السير الحسن للعمل وحفظ السر المهني.
3. الترجمة المتخصصة في مكاتب الترجمة الرسمية
لقد رأينا سابقا أن الترجمة المتخصصة تعنى بنقل النصوص التي تدخل ضمن مجالات تخصصات معينة، والحال نفسه أن النصوص التي تعرض أمام مكاتب الترجمة الرسمية لا تخرج عن هذا الإطار بل تحمل كلها مضامين خاصة تدرجها في مجال معين دون غيره، وبصيغة أخرى، فإن المترجم الرسمي لا يواجه في إطار مهمته سوى النصوص المتخصصة، التي تفرض عليه وجوبا الاطلاع على مجالات معرفية متعددة، ومقاربة مسارد اصطلاحية أكثر تعددا، علما أنه ليس متخصصا بطبيعته بالنظر إلى الطابع العام لتكوينه، وهذا ما يجعله في تحد دائم مع النصوص المختلفة التي تتعقبه، وتكوين ذاتي يجعله يعيش حالة تدريب مستمر.
ولو عملنا على تصنيف النصوص التي تعرض على قلم الترجمة الرسمية4 بحسب المجالات والحقول المعرفية، فإننا سنميّز بين:
1.3. مجال الترجمة القانونية والإدارية
ويمثل نسبة ستين في المائة (60 %) من نسبة الوثائق المترجمة ويترتب ضمن هذا النوع من النصوص:
-
سندات الملكية والحيازة.
-
الدفاتر العقارية.
-
مواثيق وملفات تأسيس الشركات.
-
عقود العمل والتوظيف والإقامة.
-
عقود الميلاد والزواج والوفيات وأحكام الطلاق.
-
شهادات الجنسية وصحيفة السوابق العدلية.
-
بطاقات الهوية، والبطاقات المهنية.
-
المحاضر القضائية ومحاضر الاجتماعات.
-
عقود البيع والشراء والرهن. (وعادة ما تكون تلك الوثائق قديمة، وبعضها محرر بخط اليد راجع إلى الحقبة الاستعمارية أبرمت أمام ضباط عموميين فرنسيين، وهذا ما يصعب عملية قراءتها وتفسيرها ومن ثم نقلها، وتكون تلك الترجمات مطلوبة أساسا بغرض التقاضي في إطار نزاعات حول الأراضي وملكيتها السابقة واللاحقة.)
-
خبرات مضاهاة الخطوط.
-
الشهادات المدرسية والشهادات الجامعية في كامل الأطوار الأكاديمية.
-
كشوف النقاط وكشوفات الراتب (الشهرية والسنوية) .
-
شهادات العمل وسندات العطل.
-
السجلات التجارية والتصريحات الجبائية، وشهادات عدم الخضوع للجباية.
2.3. مجال الترجمة التقنية
الذي يمثل نسبة عشرين في المائة (20 % ) من الوثائق المترجمة وتتمثل في النصوص التي تحتوي مضامين تقنية على غرار:
-
الخبرات التقنية للمركبات.
-
المناقصات والعروض، والصفقات، والاتفاقيات.
-
سندات الطلب والتسليم، وفواتير الشراء والتوريد.
-
الاتفاقيات الخاصة بالتوريد ومختلف أشغال الصيانة، و الخردوات، والتعمير والبناء.
-
عقود التأمين بأنواعها.
-
كتيبات التعليمات ودلائل استعمال الأجهزة وتشغيلها.
3.3. مجال الترجمة الطبية
إذ يمثل نسبة عشرة في المائة (10 %) من الوثائق المترجمة، ويعد من بين أصعب أنواع الترجمات؛ لأنه يتطلب اطلاعا واسعا في مجال الطب العام والمتخصص، وكذا تعريب المصطلحات الطبية، وتندرج ضمنها:
-
الشهادات والتقارير الطبية (التي عادة ما ترد مكتوبة بخط يد الطبيب الممارس، وهو الأمر الذي يقف عائقا أمام قراءة وإدراك خطوط هذا النوع من الوثائق بغرض تحليل مضامينها).
-
الخبرات الطبية التي يحررها الأطباء الشرعيون المحلّفون (على إثر حادث معين أو تلك التي تدخل في إطار الطب النفسي العصبي وتحديد قدرة المريض على تسيير شؤونه الخاصة من عدمها ضمن ما يسمى بمبدأ الوصاية الشرعية.
-
التقارير الطبية التي تحرر بعد إجراء فحص بالأشعة (السكانر – التصوير بالرنين المغناطيسي، تخطيط الصدى وغيرها من الوثائق التي تعج بالمصطلحات الطبية؛ بحيث يصعب في غالب الأمر إيجاد المقابل العربي لها، إلا من خلال عملية البحث التوثيقي ومقاربة المعلومات والغوص في المفاهيم الطبية التي لم يتكون لها المترجم أساسا) لذلك تجد المترجم يختم عملية النقل غالبا في إطار ترجمته لمثل هذا النوع من النصوص، بملاحظة يذكر فيها تحفظاته لخصوصية وصعوبة المصطلحات الطبية.
-
خبرات الحمض النووي الموجهة لتحديد النسب.
4.3. مجال الترجمة الاقتصادية
الذي يمثل نسبة عشرة بالمائة (10 % ) من الوثائق المترجمة وتضم:
-
الدراسات الاقتصادية.
-
مطويات التعريف بالشركات ونشاطاتها.
-
التقارير الاقتصادية.
-
التسويق والدعاية.
-
العقود البنكية، والتقارير المالية.
-
كفالات الضمان والقروض بأنواعها.
وتجدر الإشارة إلى أن طلبات الترجمة ترتبط بالحاجة إليها بالدرجة الأولى، فهناك طلبات تتعلق بنقل النصوص إلى العربية بغرض التقاضي في المحاكم الجزائرية التي تعتبر العربية اللغة المحلية والرسمية التي تودع بها العرائض والعقود ومختلف المواثيق تشجيعا لحركة التعريب، ونذكر من تلك الوثائق: العقود التوثيقية، والخبرات الطبية والتقنية والعقارية، والعقود التجارية والإدارية، إلى جانب العقود والأحكام الأجنبية بغرض إمهارها بالصيغة التنفيذية.
وفي المقابل هناك وثائق يركز طالبوها على ترجمتها إلى اللغات الأجنبية بغرض الحصول على تأشيرات السفر وشهادات الإقامة بالخارج، أو التسجيل ومواصلة الدراسة بالجامعات والمراكز التكوينية بمختلف البلدان الأجنبية، وعليه تندرج ضمن تلك الوثائق: الشهادات المدرسية والجامعية، كشوف النقاط، شهادات الحالة المدنية، الشهادات الإدارية، السجلات التجارية، التصريحات الجبائية، وشهادات إبراء الذمة المالية، البطاقات المهنية، وبطاقات الهوية، رخص السياقة، شهادات العمل وسندات العطل.
يضاف إلى ذلك نوع آخر من الأعمال المتمثلة في النسخ الحرفي لبعض العقود العرفية القديمة، الذي يتطلب درجة تركيز كبيرة وتمييز شديد للخطوط، في ظل رداءة النسخ والخط تارة وصعوبة قراءة تلك النصوص بفعل تمزق بعض الوثائق لقدمها تارة أخرى.
4. طبيعة الصعوبات التي يواجها المترجم-الترجمان الرسمي
تتعلق الصعوبات التي تواجه المترجم-الترجمان الرسمي بطبيعة النصوص التي يترجمها والتي يسمها الطابع التخصصي، إذ يتمتع هذا المترجم، كما سبق أن قلنا، بتكوين عام في الغالب أثناء تدرجه الأكاديمي، لم يحضره مسبقا لمجابهة مثل تلك التخصصات، ليجد نفسه بعد تعيينه مترجما رسميا أمام عدة تحديات نذكر من ضمنها فتح وتسيير مكتب، بما يترتب على ذلك من مسؤوليات متعلقة بطبيعة التسيير، والتنظيم والإدراة، والتعامل مع الزبائن ومتعاملي المكتب الذين ينتمون، بطبيعة الحال، إلى فئات عمرية وتعليمية وثقافية متفاوتة، تقتضي تعاملا خاصا مع كل واحدة منها، يضاف إلى ذلك كله التعامل مع مختلف الإدارات والسلطات العمومية على غرار مفتشية العمل، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للعمال الأجراء وغير الأجراء، ومصلحة الضرائب المختلفة، وشركات التأمين، ومصلحة طب العمل، ووكالة التشغيل.
وأهم صعوبة ترتبط بطبيعة النصوص المعروضة للترجمة، والتي تتنوع بتنوع مضامينها ومحتوياتها الموضوعاتية، وبتحديد الآجال المناسبة التي تخدم مصالح المتعاملين وتحترم رغباتهم، وتناسب متطلباتهم. وبرجوعنا إلى أنواع تلك الصعوبات يمكن لنا تصنيفها ضمن:
-
صعوبات معجمية، متعلقة بطبيعة المفردات اللغوية الموظفة التي تدخل في إطار اللغات المتخصصة، ولغة أصحاب الاختصاص، بما في ذلك التعدد الاصطلاحي لنفس الكلمة الأجنبية، وشيات المعاني، وضرورة ملاءمة السياق، مع احترام دلالة المصطلح المتخصص.
-
صعوبات تركيبية، متعلقة بتعقب تركيب الجملة في اللغة المصدر بغرض الإدراك والتفسير، والعمل على التوصل إلى جملة مماثلة مع احترام التركيب السياقي في اللغة الهدف.
-
صعوبات موضوعاتية، متعلقة بطبيعة النصوص المعروضة للترجمة والمحتوية على مضامين معقدة غالبا يصعب على المترجم التعامل معها دون اللجوء إلى البحث التوثيقي المعمق، وعند التعذر، يتم اللجوء إلى أصحاب التخصص ذاتهم بغرض مقاربة المضامين والمعلومات ومعاينة مدى نقلها للدلالات المصدرية.
-
صعوبات إدراكية (تأويلية)، تتعلق بمدى تقبل وإدراك المترجم للنص الموضوع أمامه، والصعوبات التي تترتب عن سوء تأويله لمقطع معين يمكن أن يصل إلى حد منحه معنى معاكسا تماما، وربما يرجع ذلك إلى عدم إلمام المترجم الكامل بعبقرية اللغة التي ينقل منها وإليها، وكذا تطور اللغات ومعها دلالة المفردات، ولا سيما المتخصصة منها؛ تضاف إلى ذلك المشاكل المتعلقة بترجمة المختصرات بتعددها، والتي يمكن أن تكون غير شائعة؛ بحيث تضع المترجم في حرج وضيق لعدم إيجاده لدلالتها أولا ولمقابلها ثانيا، ونستشهد على ذلك بالمختصرات التي توضع في مراجع المراسلات الإدارية، وبعض الوثائق المالية والبنكية، وحتى في الخبرات المتعددة والأحكام الأجنبية.
-
صعوبات شكلية، ترتبط بضرورة احترام شكل الوثيقة الأصلية، وطريقة الكتابة، والصياغة الأنموذجية للنص المصدر بغرض التوصل إلى الصيغة الشكلية نفسها للنص في اللغة الهدف لإكساب المتعامل طالب الترجمة ثقة أكثر بمعاينته الشكل نفسه من إطار ورقن وكذا لون الوثيقة المترجمة، ليحس شكلا بأنه مع النص نفسه.
-
صعوبات متعلقة بالمعلوماتية، وذلك عندما لا يكون المترجم متمكنا بالقدر الكافي من وسائل وأدوات البحث المعلوماتي، إن على صعيد رقن وصب الترجمات على الحاسوب، أو على صعيد امتلاك مفاتيح البحث في الشبكة العنكبوتية عن مسارد المصطلحات وموسوعات البحث الرقمية، وبرامج الترجمة المتخصصة.
5. المهارات الواجب توافرها في المترجم – الترجمان الرسمي
-
المهارة اللغوية: تتعلق تلك المهارة بالمعرفة الميدانية والمعمقة بلغات العمل، أي: اللغات التي ستتم الترجمة منها وإليها، مع الحرص على تطوير وتحسين تلك المهارات عن طريق التدريب المستمر والمطالعة في مختلف المجالات5.
-
المهارة الترجمية: تكون عبر امتلاك المترجم الأساليب والتقنيات، والمناهج والطرق لإجراء عملية النقل من لغة إلى أخرى مع احترام معايير الممارسة، والتركيز على دراسة أنماط النصوص المختلفة، بغرض اختيار أنسب المناهج والإجراءات الترجمية.
-
المهارة التحريرية: إن أهمية لغة التبليغ في الترجمة تفرض على المترجم التمكن والتحكم في أدوات صياغة النص وتحريره سواء أكان عاما أم متخصصا، ومؤهلاته التحريرية هذه مكمّلة لمؤهلاته اللغوية؛ إذ تسمح للمترجم بالتعبير بوضوح ودقة وإحكام عن معاني النص الأصلي في لغة الوصول )الهدف( محترما في ذلك خصوصيات النص واللغة.
-
المهارة الموضوعاتية: تتمثل في الاطلاع على أهم المجالات المعرفية ولاسيما: القانون، والاقتصاد، وعلم الاجتماع، والعلوم، والطب...إلخ و كذا التعامل المستمر مع مسارد المصطلحات المتخصصة بغرض اكتساب تجربة واسعة تضاهي معرفة أصحاب التخصص أنفسهم.
-
مهارة البحث: على المترجم المتخصص التمكن من تقنيات وأساليب و منهجيات البحث الضرورية للحصول على المعلومة أو المصطلح الذي هو في حاجة إليه لترجمة نص في مجال معين، وتلك المؤهلات أساسية في عمل المترجم؛ لأنها تضمن له جودة الترجمة.
-
المهارة المعلوماتية: تتم بتطبيق مبدأ المعلوماتية في خدمة الترجمة، وهي ذات أهمية كبرى بالنسبة لتكوين قاعدة معرفية لدى المترجمين بدءا باستعمال برامج المعلوماتية، وبرامج الترجمة والمصطلحات؛ والقواميس والموسوعات الرقمية، فضلا عن برامج تسيير قاعدة المعلومات المصطلحية، وبنك المصطلحات.
خاتمة
إنّ العمل في مجال الترجمة الرسمية يفرض على المترجم أن يكون متسلحا بشتى المهارات التي تمكنه من مواجهة مختلف النصوص المتخصصة المعروضة للترجمة، التي تُدخِله في تحد مستمر ودائم مع المصطلحات التي توظفها، ويبقى دوره متمثلا في تذليل الصعوبات، ومنح المفردات والمصطلحات المقابلات الدقيقة، كلما كان ذلك ممكنا، على أن يتوخى الأمانة العلمية والمهنية قدر استطاعته لتكتسب ترجماته مصداقية أكبر، ولأجل ذلك ينبغي عليه أن يستعين بأدوات البحث التوثيقي العلمي، ويلجأ عند الضرورة إلى أصحاب الاختصاص، وأن لا يعطي تفسيرا لنص ما دون أن يكون متأكدا من سلامته، لكي لا يمس بمصلحة من يطلب خدماته، ولكي يحافظ على الرسالة السامية ألا وهي: الترجمة.