مقدمة
يُعدّ عمار بلحسن واحدًا من الأسماء البارزة التي أحدثت تحولًا معرفيًا في مسار النقد الأدبي الجزائري، وبخاصة فيما يتصل بالفكر النقدي السوسيونصي للرواية. ورغم تصنيفه الغالب ضمن مجال علم الاجتماع نظراً لتخصصه الأكاديمي، فإنّ مراجعة دقيقة لكتاباته تكشف عن امتلاكه مشروعًا نقديًا متكامل الأبعاد، يتجاوز حدود الانتماء التخصصي الضيق، انطلقت إرهاصاته الأولى من بحثه في مرحلة الليسانس سنة 1976 حول رواية الزلزال للطاهر وطار، وتواصلت في رسالته للماجستير التي أنجزها بمعهد علم الاجتماع بجامعة وهران سنة 1982، بعنوان: الإيديولوجيا الوطنية والرواية الوطنية في الجزائر: دراسة سوسيولوجية لحالة الرواية الثلاثية للكاتب محمد ديب. كما يتجلى هذا المشروع في كتابه أنتلجانسيا أم مثقفون في الجزائر، الذي يطرح رؤية تأسيسية لإمكانية بلورة مشروع نهضوي نقدي وطني، قابل للتطوير ضمن الحقلين الثقافي والاجتماعي، ومنفتح على الرهانات الفكرية الكبرى.
تُضاف إلى هذه الملامح خلفيته الأدبية، إذ يُعد بلحسن كاتبًا وقاصًا ملمًّا بأصول الفن الأدبي وبموقع الأديب في الحقل الثقافي. انطلاقًا من هذا التصور، تسعى هذه الدراسة إلى مقاربة جانب دقيق من إسهاماته النقدية السوسيونصية، بوصفه أحد الرواد الذين تناولوا الثقافة والأدب والرواية الجزائرية برؤية نقدية اجتماعية مبكرة، انفتحت على الفكر السوسيولوجي الغربي واستثمرت مقولاته بما يتناسب مع خصوصيات السياق الجزائري، من دون الوقوع في إسقاط ميكانيكي للنظريات الغربية.
وتحدد هذه الورقة إطارها التحليلي عبر طرح الأسئلة التالية:
-
• ما المقصود بالمقاربة السوسيونقدية في السياق النقدي؟
-
• وما الأدوات المنهجية التي اعتمدها عمار بلحسن في تحليل الرواية الجزائرية من منظور سوسيونصي؟
-
• وإلى أي مدى نجح في الكشف عن جماليات النصوص الروائية واستبطان مضامينها الاجتماعية وأنساقها الدلالية، ضمن أفق نقدي يتعامل مع النص بوصفه منتجًا ثقافيًا مشروطًا بسياقاته؟
1. ماهية السوسيونقدية وأهم محطاتها التاريخية
تُعد السوسيونقدية (Sociocritique) مقاربة نقدية معاصرة ظهرت مطلع السبعينيات مع الناقد الفرنسي كلود دوشي (Claude Duchet)، الذي يُعتبر أول من استعمل هذا المصطلح نظرياً سنة 1971 (Duchet, 1971 : 5–14)، إلى جانب مساهمة بيير زيما (Pierre Zima) سنة 1978 (Zima, 1978). وقد شكّل صدور الكتاب الجماعي Sociocritique عام 1979 بإشراف دوشي (Duchet, 1979 : 3–8) لحظة تأسيسية بارزة، حيث تمت بلورة معالم هذا التوجه النقدي بصورة أكثر وضوحاً من خلال إعادة التفكير في العلاقة بين البنية النصية والتمثلات الاجتماعية.
عرفت السوسيونقدية تطورات ملحوظة خلال العقود اللاحقة، متأثرة بانفتاحها على ميادين معرفية مجاورة كالسيميائيات، التداوليات، البلاغة والحجاج. وقد خُصص العدد 140 من مجلة Littérature سنة 2005 لموضوع (تحليل الخطاب والسوسيونقدية) (Analyse du discours et sociocritiques, Littérature, n°140, 2005)، مما شكّل علامة على دخول هذا التوجه في حوار مع علوم اللغة وتحليل الخطاب، متضمناً دراسات وحوارات عمّقت فهم العلاقة بين التحليل النصي والبعد الاجتماعي.
في سنة 2011، نشر بيير بوبوفيتش (Pierre Popovic) مقالاً بعنوان La sociocritique : Définition, histoire, concepts, voies d’avenir في مجلة Pratiques (Popovic, 2011 : 7–38)، استعرض فيه أربع لحظات مفصلية في تطور السوسيونقدية (1979، 1989، 2005، 2008)، وأبرز كيف توسعت لتلامس قضايا النشر، التسويق الثقافي، السلطة، الهوية، الإقصاء الاجتماعي، وديناميات التمثيل الثقافي. وقد أكد في أعماله اللاحقة (Popovic, 2021) أهمية تجاوز النزعة الشكلية والانفتاح على حقل التمثيل الإيديولوجي في الأدب المعاصر.
تُظهر هذه المسارات أن السوسيونقدية لم تتجمد عند حدود النقد السوسيولوجي الكلاسيكي، بل تجاوزته نحو مقاربة مركبة للنص الأدبي باعتباره فضاءً لإعادة إنتاج الصراع الاجتماعي في صيغ رمزية وجمالية، وإطارًا معرفيًا لفهم اشتغال الخطاب الأدبي بوصفه ممارسة لغوية ذات وظائف تمثيلية ونزاعية في آنٍ واحد.
2. المنطلقات التحليلية في المقاربة السوسيونقدية
ترتكز السوسيونقدية على مبدأ أساس قوامه الجمع بين التحليل الداخلي للنص الأدبي ودراسة بنيته الدلالية من جهة، واستكشاف الأبعاد الاجتماعية والإيديولوجية المضمرة فيه من جهة أخرى. فهي تعتمد مقاربتها انطلاقاً من التصورات الشكلانية للنص، ولكن بمنظور وظيفي مغاير، يجعل البنية وسيلة للكشف لا غاية في ذاتها، وتسعى إلى استعادة المحتوى الاجتماعي المسكوت عنه داخل التشكيل النصي (ساري، 2009 : 103).
في هذا الإطار، تعوّل السوسيونقدية على الأنظمة اللغوية والرمزية للكشف عن الوقائع الاجتماعية المتوارية خلف الأنساق الجمالية. وقد وصف Adama Samake السوسيونقدية بأنها "تحليل سوسيوسيميائي للنصوص الأدبية" (Samake, 2013 : 21)، بما يكشف عن تداخل البعدين الجمالي والاجتماعي في صوغ الدلالة.
ينطلق دوشي من تصور الإبداع الفني بوصفه سيرورة جمالية ذات طابع اجتماعي (ساري، 2001 : 21)، تتجلى عبر شبكات رمزية معقدة تترجم ديناميات الواقع في أنساق متخيلة. لذلك، فإن مفهوم مجتمع النص (sociotexte) يشير إلى البناء الداخلي للنص بوصفه مجتمعاً لغوياً دلالياً قائماً بذاته، يُعاد فيه بناء العالم من خلال تنضيد الخطابات وتفاعلها النصي.
يرى روجيه فايول (Roger Fayolle) أن هدف السوسيونقدية ليس دراسة النظام الاجتماعي الواقعي، بل تفكيك النظام الاجتماعي كما يتموضع داخل النص (Fayolle, 1979 : 215)، حيث يشكل النص خيالاً اجتماعياً يُعيد صياغة التجربة التاريخية عبر وسائط أدبية معقدة.
في هذا السياق، تسعى السوسيونقدية إلى تجاوز سوسيولوجيا الأدب التقليدية دون القطيعة معها، بل تُعيد تفعيل منطلقاتها ضمن رؤية نقدية جديدة. لذا لا يتردد دوشي في تكييف بعض مفاهيم غولدمان (Lucien Goldmann)، مع تفضيله لمقاربة سوسيونقدية تُعلي من شأن الأدبية والجمالية بوصفهما حوامل دلالية لا يمكن إغفالها، وتعيد التفكير في العلاقة بين الشكل والمحتوى من منظور تداولي وإيديولوجي.
تُقدّم القراءة السوسيونقدية النص الأدبي كمجال تنازعي، تصطدم فيه المشاريع الإبداعية بالمقاومات الاجتماعية والثقافية والمؤسساتية، مما يخلق ديناميات نصية تتطلب تحليلاً يتجاوز الثنائية التقليدية بين النص والمرجع. وقد شددت دراسات حديثة (Popovic, 2021) على ضرورة إعادة تأويل هذا التنازع ضمن مقاربات نقدية منفتحة على ما بعد الكولونيالية.
ويذهب Samake إلى اعتبار السوسيونقدية توليفة نظرية منفتحة على جميع مظاهر النشاط الإنساني والثقافي (Samake, 2013 : 11)، مما يُضفي عليها طابعًا تركيبياً يُمكّنها من استيعاب التعقيدات الاجتماعية والرمزية الكامنة في الأدب.
في هذا المنظور، تصبح العلاقة بين النص والتاريخ علاقة جدلية معقدة: النص لا يُختزل إلى وثيقة، بل يمثل قراءة جديدة للواقع، وإعادة بناء لحقائقه عبر تمثيلات جمالية وإيديولوجية متشابكة (بولكعيبات، 2015، 2016 : 343).
بناءً على ذلك، تتحدد المبادئ التحليلية الأساسية للسوسيونقدية وفق ثلاث مرتكزات كبرى، ستكون محور دراستنا لتطبيقات عمار بلحسن، وهي: (بولكعيبات، 2015، 2016: 345، 346، 347). (وينظر، بولكعيبات، 2010، 2011: 96).
-
السوسيونص (le sociotexte)؛
-
السوسيوكتابة (le sociogramme)؛
-
مجتمع المرجع أو الإيديولوجيا (la société de référence).
3. المقاربة السوسيونقدية للرواية في كتابات عمار بلحسن
يشكل عمار بلحسن مشروعًا معرفيًا ونقديًا لم يكتمل، إذ حالت وفاته المبكرة دون استكمال مساره الفكري (فاسي، 1993 : 110؛ صغير وشيخي، 2018). ومع ذلك، فإن إرثه العلمي المتنوع في مجالات التأليف والإبداع والنقد والأبحاث الأكاديمية، قد منح خطابه النقدي طابعًا تأسيسيًا في الحقل السوسيولوجي الأدبي الجزائري، ورسّخ مكانته بين النقاد الجزائريين والعرب في مجال سوسيولوجيا الثقافة والأدب (مخلوف، 2012 : 148).
في مجال النقد الروائي تحديدًا، راكم بلحسن جملة من الدراسات النظرية والتطبيقية التي تناول فيها الرواية الجزائرية من منظور سوسيولوجي متعدد المقاربات. وقد كان لحضوره السوسيونقدي دور بارز في هذا السياق، رغم أن رؤيته المنهجية لم تكن دائمًا واضحة أو مصرحًا بها بشكل صريح بالانتماء إلى تيار السوسيونقدية كما صاغه كلود دوشي، الأمر الذي يدعو إلى إعادة تفكيك مقارباته بغرض الكشف عن البنية المعرفية التي تستبطن هذا التوجه النقدي.
غير أن قراءته للنصوص الروائية تكشف عن استيعابه العميق للفلسفات الاجتماعية والنظريات النقدية الغربية، ولا سيما الماركسية، ونظريات أنطونيو غرامشي، وبيير ماشري، وجورج لوكاتش، ولوسيان غولدمان، وميخائيل باختين، وبيير زيما. هذا الانفتاح المعرفي يشير إلى وعيٍ نظري مركّب، لا يقتصر على استدعاء المفاهيم، بل يسعى إلى تبيئتها داخل النص النقدي المحلي.ويكفي في هذا السياق استحضار شهادة الناقد مخلوف عامر، الذي أشار إلى أن عمار بلحسن كان يمتلك حسًا نقديًا وفلسفيًا نادرًا، جمع بين العمق الفلسفي والذائقة الأدبية، وسعى إلى تقديم مساهمة حقيقية في بناء مشروع ثقافي نهضوي جزائري (مخلوف، 2012 : 146–147).
لقد كان بلحسن أكثر من مجرد باحث أكاديمي؛ كان مثقفًا ملتزمًا بقضايا المجتمع، يحمل رؤية تغييرية ومشروعًا معرفيًا يتجاوز الأطر التقليدية للبحث الجامعي. ولهذا، فإن قراءة منجزه النقدي تكشف عن شخصية مثقف عضوي بالمعنى الغرامشي للكلمة، كان يحلم بإحداث تأثير حقيقي في الواقع الثقافي والسياسي والاجتماعي للجزائر.
رغم ذلك، فإن اسم عمار بلحسن ظل مهمشًا نسبيًا في الدراسات النقدية الجزائرية، إما بسبب انتمائه التخصصي إلى علم الاجتماع، أو نتيجة لتوزع اهتماماته الفكرية خارج نطاق الدراسات الأدبية الصرف. غير أن إعادة فحص منجزه تظهر أنه كان من الأوائل الذين سعوا إلى بلورة رؤية نقدية تتجاوز سوسيولوجيا الأدب إلى سوسيولوجيا النص، أي نحو أفق سوسيونقدي متكامل.
على هذا الأساس، تهدف هذه الدراسة إلى إعادة قراءة إسهامات عمار بلحسن من خلال مقاربة سوسيونقدية، بالتركيز على المبادئ التحليلية الثلاثة التي حددناها سابقًا: مجتمع النص، السوسيوكتابة، والإيديولوجيا، وذلك عبر تحليل نموذجي لروايتي الزلزال للطاهر وطار، والثلاثية لمحمد ديب، باعتبارهما مثالين دالين على حضور البنية الاجتماعية في التخييل الروائي الجزائري.
1.3. مجتمع النص أو الرواية
يقوم مبدأ « مجتمع النص » أو « السوسيونص » على مقاربة المجتمع كما يتمثل في النص الروائي، أي الكشف عن تمثلاته الاجتماعية والتاريخية والثقافية والإيديولوجية كما تُعاد صياغتها عبر الخطاب الأدبي. فالكاتب، كما يرى عمار بلحسن، لا يكتب نصه خارج الإطار المرجعي الاجتماعي والثقافي الذي ينتمي إليه، بل ينطلق من مخزون لا واعٍ، يُعيد استثماره بوعي أو من دونه في بناء عوالمه التخيلية واللغوية (بولكعيبات، 2015–2016 : 346). إنه يشتغل على بنية رمزية تُكثف الذاكرة الجماعية في صورة سردية مشحونة.
بهذا المنظور، يعمد بلحسن إلى تحليل رواية الزلزال للطاهر وطار (بلحسن، 1989: 130–143؛ 1993: 110–135)، مستندًا إلى ما أسماه «سوسيولوجية القص»، ومستلهماً في ذلك المفاهيم التي بلورها بيير زيما في كتابه (Zima, 1985: 117–138) Manuel de sociocritique. إذ يرى بلحسن أن سوسيولوجيا النص عند زيما ليست سوى تطوير للسوسيونقدية كما صاغها دوشي، مما يجعل النص الأدبي محورًا أساسًا لكل قراءة نقدية (بلحسن، 1989 : 131). وتتأسس هذه المقاربة على فرضية مفادها أن الأدب لا يعكس الواقع، بل يُعيد إنتاجه من خلال آليات لغوية ورمزية ذات حمولة إيديولوجية.
وفقًا لهذا التصور، يعرض بلحسن جملة من المبادئ المنهجية التي توضح كيفية اشتغال البنية النصية على امتصاص وتحويل المجتمع والإيديولوجيا إلى أنساق سردية ودلالية داخل النص الأدبي. ومن أبرز هذه المبادئ (بلحسن، 1989: 131):
-
تستجيب النصوص المتخيلة لمتغيرات المجتمع والتاريخ عبر مستويات اللغة والخطاب، بحيث تحيل الجمل والتراكيب والأساليب إلى اختيارات دلالية مشحونة بإحالات اجتماعية وإيديولوجية.
-
يتولد النص ضمن وضعية سوسيو-لغوية مشبعة، حيث يتفاعل الكاتب مع منظومات لغوية وإيديولوجية جماعية، يمتصها ويعيد إنتاجها عبر عمليات السخرية والمحاكاة والتمثيل المجازي.
-
ترتبط البنية السردية بالبنية الاجتماعية على مستوى إنتاج المعنى، حيث يعكس السرد أنماط الصراع الإيديولوجي والاجتماعي من خلال بناء الحبكة وتوزيع الأدوار الفاعلة.
-
تحدد القاعدة الدلالية المسارات السردية للنص، من خلال اختيار معارضات دلالية ورموز محورية تمثل شبكة العلاقات الاجتماعية والطبقية.
-
ينخرط النص الأدبي في شبكة تناصّية مع الخطابات الجماعية، مما يفرض قراءة للنص بوصفه فضاءً للتفاعل بين الأصوات المختلفة والصراعات الإيديولوجية.
هذه المبادئ تُبرز أن البنية السردية ليست مجرد شكل تعبيري، بل هي بنية تداولية تعكس علاقات قوى رمزية في الحقل الأدبي والاجتماعي.
انطلاقًا من هذه الرؤية، يقرأ عمار بلحسن رواية الزلزال بوصفها استجابة سردية للحظة اجتماعية وسياسية محددة في الجزائر، تتجسد في الصراع الذي فجرته الإصلاحات الزراعية مطلع السبعينيات. فالخطاب السياسي السائد آنذاك، بما يتضمنه من طموحات لبناء مجتمع اشتراكي، وجد تمثله الجمالي داخل رواية وطار التي لا تقدم مجرد مرآة للواقع، بل تؤسّس لقراءة رمزية للمجتمع من منظور طبقي نقدي (شريبط، 2012 : 182).
يرى بلحسن أن الزلزال لا يقدم رواية توثيقية للأحداث، بل يسعى إلى إعادة كتابة التاريخ من منظور إبداعي، عبر بناء عالم لغوي يعبر عن الهشاشة الاجتماعية والتحولات الإيديولوجية العميقة (رابحي، 2016 : 15–16). وهنا تبرز قيمة العمل بوصفه "إنتاجًا سرديًا للتاريخ البديل"، يشتبك مع المرجع من دون أن يتماهى معه.
في هذا السياق، يُظهر بلحسن أن رواية الزلزال تمتص النموذج الإيديولوجي السائد وتعيد إنتاجه نصيًا، مبرزة التحولات الاجتماعية التي عرفتها الجزائر، وخاصة تفكك النظام الإقطاعي التقليدي في مواجهة مشروع الثورة الزراعية (بلحسن، 1989 : 132).
كما يكشف التحليل عن انخراط الرواية في سياق ثقافي أوسع، يتفاعل مع خطابات معاصرة في مجالات السينما والمسرح والصحافة، مما يعزز وظيفتها الاجتماعية بوصفها جزءًا من المشروع الاشتراكي العام.
على المستوى الجمالي، يستند وطار إلى تقنيات السرد الواقعي المتأثر بأعمال محمد ديب وكاتب ياسين ونجيب محفوظ، مما يضفي على روايته بعدًا تناصيًا مع نماذج أدبية عربية وعالمية مماثلة (بلحسن، 1989 : 133).
يبني وطار عالم روايته على شخصية «عبد المجيد بو الأرواح»، التي ترمز إلى الإقطاع المتحالف مع قوى الاستغلال والتمييز الطبقي. وتعمل الرواية على فضح هذا النظام من خلال سرد متوتر يكشف عن تصدع المنظومة القيمية التقليدية تحت ضغط التحولات الاجتماعية.
يبرز بلحسن، في تحليله، كيف يشتغل النص على تفكيك الخطاب الإقطاعي من داخل اللغة، عبر تقنيات فنية تستبطن الخطاب الاشتراكي السائد، مما يجعل النص نفسه ساحة صراع بين الرؤى الإيديولوجية المتصارعة، حيث تتحول البنية اللغوية إلى فضاء لتجاذب الرموز والقيم المتعارضة.
هكذا، يظهر مفهوم «مجتمع النص» عند بلحسن بوصفه أداة تحليلية فاعلة لكشف كيفية اشتغال البنيات السردية والدلالية بوصفها تمثيلات رمزية للصراع الاجتماعي والإيديولوجي داخل النص الأدبي الجزائري المعاصر.
2.3. السوسيوكتابة
تمثل السوسيوكتابة مبدأً أساسياً في المقاربة السوسيونقدية، إذ ترتكز على تحليل كيفية تشكل الرؤية الإيديولوجية للعالم داخل النصوص الأدبية. ويعرّفها كلود دوشي بأنها: «مجموعة من التمثلات المتناقضة وغير المستقرة، تتصارع فيما بينها وتدور حول نواة نزاعية مركزية» (Duchet, in : https://fr.sociocritique.com/sociocritique). ومن هذا المنظور، تصبح السوسيوكتابة أداة لتحليل البنى التخييلية التي تنتجها الإيديولوجيات المتنافسة داخل العمل الأدبي (بولكعيبات، 2015–2016 : 346–347)، وذلك من خلال رصد الكثافة الرمزية والدلالية التي تتوزع على مستوى الخطاب والشخصيات والمواقف.
في هذا السياق، يقارب عمار بلحسن رواية الزلزال للطاهر وطار بوصفها نموذجاً لتجلي السوسيوكتابة، حيث يشكل الزلزال نفسه تيمة مركزية تهيمن على بناء الرواية وتوجه دينامية الشخصيات والأحداث. إن «الزلزال» ليس مجرد حدث طبيعي ضمن الحبكة، بل يتحول إلى رمز للصراع الإيديولوجي والاجتماعي بين البنى التقليدية المتآكلة ومشروع التحول الاشتراكي الجديد، ليغدو علامة سردية تُمثّل الانهيار الرمزي لنظام اجتماعي ماضوي.
من هذا المنطلق يتأسس الحكي في الزلزال، رغم اتسامه بالتشظي، على مركزية دلالية ثابتة، وعلى نواة محورية وموضوعاتية تغدو مجالاً للتفكير في الصراع الإيديولوجي القائم، والنزاع الفكري بين بوالأرواح، بوصفه شخصية تحمل فكر الرجل الإقطاعي، وتسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى الدفاع عنه، لكنه يصطدم بزلزال فكري عنيف يمثل الوعي الجماهيري المتجدد. ويُقدَّم النص كمونولوج داخلي مكثف، ينكشف من خلاله تصدع بنية الذات الإقطاعية في مواجهة الواقع الجديد.
يجد بوالأرواح نفسه تائهاً في وساوسه، «داخل شبكة أفكار ثابتة وصورة مركزية هوامية هي زلزال قسنطينة... [وبهذا] تتحقق وحدة الرواية في كونها مناجاة مهووسة... أمام مدينة تنمذج مجتمعا متغيراً...»، حيث يظهر السارد كشاهد عيان يلاحق تمزقات الذات ويعيد تركيبها في ضوء خطاب جماعي مناهض للإقطاع (بلحسن، 1989 : 134–135).
بهذا يكون بلحسن قد تمكن من القبض على سيرورة "النواة النزاعية" في نص الزلزال على حد تعبير دوشي، وأمسك بالدلالة المركزية التي تبلور الصراع الإيديولوجي بين الإقطاعية ممثلة في بوالأرواح، وبين القوى المضادة التي يجسدها الزلزال باعتباره «أيقونة التحول» ومرآةً لوعي جماهيري جديد.
يشكل عبد المجيد بوالأرواح الشخصية المحورية التي تتمحور حولها السردية الروائية، ليس فقط كممثل للطبقة الإقطاعية، بل كتمثيل لنمط فكري عاجز عن التأقلم مع متغيرات الواقع التاريخي. ومن خلال هذه الشخصية، تتمفصل الرؤية الإيديولوجية للنص، حيث تُجسد مختلف أبعاد التحول الاجتماعي في الجزائر السبعينيات.
في تحليله السيميائي والدلالي لشخصية بوالأرواح، يعتمد بلحسن على مقاربة متعددة المستويات تشمل: (بلحسن، 1989: 136)
-
البعد الرمزي للاسم والكنية: حيث يحيل لقب «بوالأرواح» إلى مدونات ميثولوجية وشعبية ترمز إلى العنف والمكر والفساد الأخلاقي، بما يجعل الاسم نفسه دالاً على «طبيعة متعددة» تُمكّن الشخصية من التلون الإيديولوجي حسب المصلحة.
-
البعد الجسدي: يجسد بوالأرواح صورة الغني الطفيلي ذي المظهر المتناقض، الذي يجمع بين هندام أرستقراطي وسلوك شعبي، في دلالة على تنافر رمزي داخل بنيته الطبقية.
-
البعد النفسي: تُبرز الرواية شخصية موسوسة وسادية تعاني من عقم رمزي، يرمز إلى انسداد الأفق التاريخي للخطاب الإقطاعي.
-
البعد الفكري والإيديولوجي: يتمثل بوالأرواح كرجل دين محافظ ومراوغ، يعيد تأويل الخطاب الديني لتكريس مصالح طبقية، مستخدمًا لغة تُخفي التواطؤ السياسي خلف تأويلات دينية منحرفة.
هذا التحليل المركب يسمح لبلحسن بفك شفرات الرؤية الإيديولوجية للنص، حيث يظهر الصراع بين الطبقة الإقطاعية المنهارة والقوى الاجتماعية الصاعدة، معبراً عنه بلغة رمزية مشحونة بالمتخيل الاجتماعي. إنه صراع رمزي على مشروعية الوجود، يمرّ عبر الجسد والخطاب والذاكرة.
إن التركيز على الكنية «بوالأرواح»، التي ترمز في الذاكرة الشعبية إلى من يمتلك أرواحًا عديدة أو من يتسبب في هلاك الآخرين، يضفي بُعداً إضافيًا على شخصية بوالأرواح، بوصفه تمثيلاً حياً لتحولات القيم الاجتماعية، وكأن تعدد الأرواح يعكس تعدد الأقنعة التي تسمح للشخصية بالإفلات من التحول الجذري.
من خلال هذه القراءة الدقيقة، يتمكن بلحسن من تفعيل السوسيوكتابة في النص، حيث تصبح شخصية بوالأرواح نقطة تقاطع للخطابات المتناقضة التي تكشف تحولات المجتمع الجزائري في سبعينيات القرن العشرين. وهكذا يتحول النص إلى حقل نزاع دلالي يعكس جدلية الصراع الاجتماعي والإيديولوجي، بما يتجاوز التمثيل الواقعي البسيط إلى بناء رمزي مركب يستبطن أبعاد التحول التاريخي.
3.3. الإيديولوجيا
تُعد الإيديولوجيا محورًا مركزيًا في الفكر النقدي لعمار بلحسن، إذ تتقاطع مع مختلف انشغالاته السوسيولوجية والنقدية (عيلان، 2008 : 15–45؛ عيلان، 2008: 06؛ شعلان، 2013 : 130). ولا يتناولها بلحسن كمفهوم مجرد أو ثابت، بل كشبكة دلالية ديناميكية تتفاعل مع السياق النصي والتاريخي على حد سواء. فقد نظر بلحسن إلى الأدب بوصفه وسيطًا إيديولوجيًا بامتياز، لا ينعزل عن السياق الاجتماعي والسياسي، بل يتماهى معه ويعيد إنتاجه برؤية تخييلية (عبد العزيز، 2015 : 120).
ذلك لأن «النص بوصفه إنتاجًا يملك، إضافة إلى الصفة الأدبية، صفته الإيديولوجية؛ فكل نص أدبي هو نص إيديولوجي، وإن كان هذا النص مترفعًا أصلاً على أن يكون دعاية لإيديولوجيا ما، كما أنه لا يتنكر لها، ولا يستطيع أن يستقل عنها تمامًا؛ كونها الأسبق تشكيلاً» (بردي، 2018: 137). وبذلك، تصبح الإيديولوجيا بنية تحتية غير مرئية تسهم في تشكل البنية الرمزية للنص.
ولهذا، احتلت الإيديولوجيا حيزًا كبيرًا من اهتمامات بلحسن البحثية، حيث خصص لها أطروحته لنيل شهادة الماجستير وكتابه الأدب والإيديولوجيا، الذي تناول فيه جدلية العلاقة بين الرواية والإيديولوجيا بوصفها علاقة معقدة تتطلب تحليلًا سوسيولوجيًا ودلاليًا دقيقًا (بن مالك، 2019 : 298–306).
يتبنى بلحسن موقفًا وسطًا في مقاربته لهذه الإشكالية، بعيدًا عن الطروحات المثالية التي تفصل الأدب عن الواقع، وعن الرؤى التقليدية التي تختزل الأدب في مجرد انعكاس آلي للظروف الاجتماعية. فهو يدمج الجمالي بالدلالي، والتخييلي بالاجتماعي، ليعيد فهم الأدب بوصفه ممارسة رمزية ذات طابع إيديولوجي مركب.
يرى أن النص الأدبي ممارسة إيديولوجية مشروطة بالسياق الاجتماعي–التاريخي الذي ينتجه، كما أنه نتيجة لتحولات لغوية ودلالية تدمج الواقع والمتخيل الثقافي داخل بنية جمالية مركبة (بلحسن، 1991 : 42). بهذا التصور، يغدو النص الأدبي فضاءً لإعادة تشكيل الوعي الجمعي من خلال استراتيجية لغوية تخييلية.
يؤكد بلحسن أن الأدب ليس إنتاجًا مباشرا للإيديولوجيا، بل هو إعادة تشكيل لها داخل أنساق لغوية وجمالية. فالكاتب، بوصفه «عاملًا لغويًا»، يعيد صياغة التجربة الاجتماعية عبر تقنيات التعبير والرمز والانزياح، مما يجعل النص مجالًا ديناميكيًا لصراع الإيديولوجيات وتفاعلها (بلحسن، 1991 : 53).
من هذا المنطلق، حدد بلحسن ثلاث فرضيات أساسية لفهم العلاقة بين الأدب والإيديولوجيا:
-
النص الأدبي يُنتج الإيديولوجيا، لا فقط يعكسها، من خلال تشكيلها داخل بنيات لغوية تُولّد دلالات جديدة.
-
النص يحول الإيديولوجيا ويعيد إنتاجها، مما يكشف عن الرؤية الخاصة للكاتب تجاه العالم، حتى وإن كانت هذه الرؤية مخفية ضمن البنية السردية والرمزية.
-
يمثل النص الأدبي الواقع، لكن تمثيله قائم على إعادة بناء رمزية لا تُطابق التمثيل الواقعي أو التوثيقي، مما يُمكّن من تعددية القراءات للواقع الاجتماعي.
يرى بلحسن أن فهم هذه العلاقة يقتضي تحليل النصوص الروائية من الداخل، بالتركيز على بنياتها اللغوية والسردية بوصفها حوامل للإيديولوجيا، مع ضرورة تفكيك آليات الترميز التي تُخفي البعد الإيديولوجي داخل الجمالية النصية.
لتجسيد هذه الرؤية التطبيقية، اختار بلحسن رواية الثلاثية لمحمد ديب (الدار الكبيرة، الحريق، النول) بوصفها نموذجًا لتحليل دينامية الإيديولوجيا في النص الأدبي الجزائري. وقد سمحت له هذه الرواية بإبراز كيف تتحول اللغة الأدبية إلى أداة تفكيك لبنية الاستعمار.
في تحليله لهذه الثلاثية، يكشف بلحسن عن:
-
استثمار الثلاثية للتراث الثقافي الوطني، والاعتماد على الواقعية الاجتماعية كأداة نقدية للبنية الكولونيالية؛
-
تصوير الصراع الإيديولوجي بين الإيديولوجيا الكولونيالية والإيديولوجيا الوطنية التحررية؛
-
إبراز التداخل بين الرواية والواقع الجزائري من خلال بنية سردية توحد الذاتي بالجماعي.
يشدد بلحسن على أن محمد ديب، من خلال الثلاثية، جسد دور «المثقف العضوي» بالمعنى الغرامشي، المنخرط عضوياً في معركة الوعي الوطني، مستخدمًا الأدب كوسيلة لإعادة تشكيل الهوية، وتوحيد الخطاب السياسي والاجتماعي في مواجهة الاستعمار (بلحسن، 1986 : 36–38).
من خلال هذا التحليل، يتمكن بلحسن من إبراز الوظيفة الإيديولوجية العميقة للأدب، لا كمجرد انعكاس، بل كفعل رمزي يعيد بناء العالم الاجتماعي داخل بنى لغوية مشحونة بالمعنى. وهكذا، يُعيد بلحسن تعريف الإيديولوجيا في النص الأدبي بوصفها ممارسة رمزية تُضمر داخل الجماليات، وتُفكك عبر التأويل النقدي المعمق.
الخاتمة
تكشف هذه الدراسة عن المكانة المفصلية التي يحتلها عمار بلحسن في تاريخ النقد الأدبي الجزائري المعاصر، لا سيما في حقل التحليل السوسيونقدي، حيث بيّنت أنه كان من أوائل النقاد الذين سعوا إلى تجاوز سوسيولوجيا الأدب التقليدية نحو بلورة قراءة سوسيونقدية تدمج الجمالي بالاجتماعي، والتاريخي بالنصي، في مقاربة النصوص الروائية الجزائرية. ورغم أن منجزه النقدي ظل محدودًا بفعل وفاته المبكرة، فقد تميز بجرأة منهجية ونضج فكري يضاهيان تجارب أكثر امتدادًا زمنياً.
من خلال تحليله لروايتي الزلزال للطاهر وطار والثلاثية لمحمد ديب، جسّد بلحسن مقاربة تطبيقية دقيقة للمفاهيم السوسيونقدية، مركّزًا على ثلاثية مفاهيمية أساسية هي: مجتمع النص، السوسيوكتابة، والإيديولوجيا. وقد كشفت قراءاته عن قدرة تأويلية بارزة على تفكيك البنى السردية والإيديولوجية، واستكشاف التوترات الطبقية والثقافية التي تنطوي عليها النصوص الأدبية، مع الحفاظ على توازن دقيق بين البعد المرجعي والأنساق الجمالية للنص.
أكدت هذه الدراسة كذلك أن بلحسن لم يكن مجرد ناقل أو مروج للفكر السوسيونقدي الغربي، بل كان من السبّاقين إلى تبيئة هذا الفكر ضمن السياق الجزائري، مستثمرًا عناصره النقدية في ضوء تعقيدات الواقع المحلي وتعالقات الخطاب الأدبي مع السلطة والتاريخ والهوية. وقد تميزت مقارباته بقدرة على الجمع بين الصرامة المنهجية والمرونة التأويلية، مما يُبرز مشروعه بوصفه لبنة أساسية في تلقي السوسيونقدية في الجزائر.
إن إحياء تجربة بلحسن ودراستها في ضوء مستجدات البحث النقدي الراهن يمثل ضرورة علمية وثقافية، تسهم في توسيع أفق الدراسات السوسيولوجية للنص وتدفع باتجاه نقد أدبي أكثر انخراطًا في أسئلة الثقافة والمجتمع. فمشروعه، على الرغم من الانقطاعات التي رافقته، يشكّل نداءً مُلحًا لإعادة التفكير في موقع الناقد داخل الحقل الأدبي العربي، وفي أدواره الممكنة كمثقف عضوي منخرط في معارك المعنى والذاكرة والهوية.
وبهذا، لا تقتصر أهمية تجربة عمار بلحسن على بعدها التأريخي أو التجريبي، بل تمتد إلى كونها نموذجًا أوليًا لإمكانية تأسيس نقد أدبي عربي جديد، متفاعل، سياقي، ومرتبط بالتحولات الكبرى للواقع العربي، دون التفريط بأدوات التحليل الأكاديمي الرصين.
فتح آفاق بحث جديدة
انطلاقًا من هذا الإطار التحليلي، نُقَدِّم جملة من المحاور البحثية التي تستحق مزيدًا من الدراسة والتأصيل، بوصفها امتدادات ممكنة لمشروع عمار بلحسن، وفرصًا لتطوير المقاربة السوسيونقدية في السياق العربي المعاصر:
-
ضرورة إعادة تأريخ التلقي السوسيونقدي في الحقل النقدي العربي، ليس فقط بوصفه حركة ترجمة أو استيراد مفاهيمي، بل كمجال تفاوض معرفي وثقافي، تشكّل فيه المفاهيم الغربية مادة لإعادة التأويل والمساءلة.
-
استكشاف التفاعل الممكن بين السوسيونقدية والنقد ما بعد الكولونيالي، نظرًا لتقاطع الحقلين في تحليل علاقات السلطة، وأنماط التمثيل، وشروط الإنتاج الخطابي في السياقات الثقافية المأزومة.
-
تحليل آليات توسيع أدوات السوسيونقدية لتشمل أشكالًا أدبية جديدة مثل السرد النسوي، والرواية الرقمية، والنصوص الهامشية، التي تطرح تحديات منهجية جديدة تتطلب تكييفًا نظريًا يتماشى مع تحولات الكتابة.
-
وأخيرًا، اقتراح دراسة إمكانات التقاطع بين السوسيونقدية والمقاربات التداولية العربية (مثل البلاغة الجديدة، وتحليل الخطاب القرآني)، بما يفتح المجال لبناء نقد عربي بديل، منبثق من الداخل، وقادر على مساءلة البُنى الرمزية بلغة نابعة من البيئة الثقافية المحلية.