مقدمة
يعدّ المنهج السيميائي من أبرز المناهج النقديّة الإجرائيّة التي تعرف حضورا في الممارسات النقديّة خاصّة في النصوص السرديّة، والرواية جنس أدبي سردي استطاع تشكيله الفني استيعاب آليات هذا المنهج كون التصور السيميائي مفتوح ويعمل على إضاءة مناطق العتمة داخل النّص ويستمد معانيه من الأيقونات التأويليّة والشفرات الدلاليّة والتركيبيّة والثقافة المكتسبة والتي ساهمت في تشكيل العمل الروائي، والسيميائية السردية تهتم بدراسة هذا الخطاب الأدبي على أنّه علامة، لأنها تنظر إلى النصوص الأدبيّة بعدّها نسقا من العلامات وعليه جاء المقال بعنوان : في السيميائيّة السرديّة -مقاربة سيميائيّة لرواية بعد 00 :00 للكاتبة لعيدودي هاجر- حيث سار العمل فيه وفق خطّة العمل الآتيّة :
1.السيميائيّة السرديّة
للتعرف على مفهوم السيميائيّة السرديّة نقف قبل ذلك عند حدّ كل من مصطلح السيميائيّة ومصطلح السرد باختصار فيما يأتي :
1.1. تعريف السيميائيّة
لتحقيق فهم دقيق لمفهوم السيميائية، لا بد من الوقوف بداية عند تحديد دلالاتها اللغوية والاصطلاحية، بالنظر إلى الأهمية التي تكتسبها في تحديد أطر المقاربة النقدية المعتمدة. وفي هذا السياق، سنتناول تعريف السيميائية من الجانبين اللغوي والاصطلاحي كما يلي :
-
لغةً : تعود كلمة سيميولوجيا (sémiologie) » إلى الكلمة اليونانية (sémeion) التي تعني العلامة و(logos) والتي تعني الخطاب والتي تدخل في تركيب العديد من الكلمات (sociologie) علم الاجتماع...و(biologie) علم الأحياء...امتداد أكبر كلمة (logos) تعني العلم فتصبح السيميولوجيا علم العلامات. « (توسان برنار 2000 : 09)
إذا مصطلح السيميائية في حده اللغوي مركب من كلمتين في جمعهما يصبح علم العلامات مقابلا لغويا لها وهذا ما تتفق فيه السيميائية كعلم مع مختلف العلوم. -
اصطلاحًا : يعرّفها أمبرتو إيكو (Umberto Eco) : »هي علم الأدلة وقد وضعت مدرسة باريس تعريفا مغاير يهدف مشروع السيميائية إلى إقامة نظرية عامّة للأنظمة الدلاليّة. « (إينيو آن 2008 : 265).
ويعرفها بورس بأنها : »العلم الذي يدرس وظائف العلامات التي تقوم على المنطق والظاهراتية والرياضيات. « (مرتاض عبد المالك 1983 : 216).
مصطلح السيميائيّة عرف اختلافا على الصعيد المفاهيمي باختلاف مرجعيات النقاد، ولكن منطلقه الأساسي يبقى مشتركا وهو الكشف عن الأنساق الدلالية الكامنة في الخطابات الأدبية.
2.1.تعريف السرد
لضمان الإحاطة بمفهوم السرد الذي يشكل عنصراً مركزياً في الدراسات السيميائية والنقدية الحديثة، من الضروري التوقف أولاً عند دلالاته اللغوية والاصطلاحية، بهدف تحديد أبعاده المفاهيمية وتطوره داخل الحقول الأدبية والثقافية. وفيما يلي توضيح لمفهوم السرد من الناحيتين اللغوية والاصطلاحية :
-
لغةً : ورد بمعنى : »تقدمة شيء إلى شيء تأتي به مشتقا بعضه في أثر بعض متتابعا، وسرد الحديث ونحوه يسرده سردا إذا تابعه، وفلان يسرد الحديث سردا إذا كان جيد السياق له، وفي صيغة كلامه صلى الله عليه وسلم : لم يكن يسرد الحديث سردا؛ أي يتابعه ويستعجل فيه وسرد القرآن تابع قراءته في حذر منه. « (ابن منظور دت : 165).
إذا الحدّ اللغوي لمصطلح السرد يصبّ في معنى التتابع والتناسق والترابط. -
اصطلاحًا : يعرّفه سعيد يقطين : »بأنه فعل لا حدود له يتسع ليشمل مختلف الخطابات سواء كانت أدبيّة أو غير أدبيّة يبدعه الإنسان أينما وجد وحيثما كان. « (يقطين سعيد 1997أ : 19)، وعند رولان بارث : »إنه مثل الحياة عالم متطور من التاريخ والثقافة. « (الكردي عبد الرحيم، دت) ونلاحظ في الدلالة الاصطلاحيّة أنّ مصطلح السرد اتسع ليصبح عالما متطورا يتجاوز كونه تقنية إلى عالم يشمل كل إبداع إنساني.
3.1. تعريف السيميائيّة السرديّة
يعدّ ألجير داس جوليان غريماس أحد المنظرين للسيميائيات السرديّة وذلك من خلال كتابه الدلالة البنيويّة فهو يرى أنّ : السرديات هي مجموع الآليات التي تحكم شبكة من العلاقات والعمليات المنظمة للنّص السردي هذا التنظيم يبنى على أساس الحالات والتحولات المتمظهرة في البرنامج السردي. ( ينظر : بنكراد سعيد 2003 : 12). إذا يُخضع غريماس البرنامج السردي إلى مجموع الآليات النقدية التي تنظم وتتحكم في سير العلاقات بين مختلف الأنظمة السردية.
كما نجد جوزيف كورتيس في منهجيته السيميائيّة يعتمد على المقاربة الوصفيّة العلميّة التي تتكئ على الاستقراء والاستنباط، منتقلا من مستوى إلى آخر جامعا بين التصور المنهجي والتحليل التطبيقي بشكل تعليمي بيداغوجي؛ أي يهتم بدراسة المحتوى أو المدلول عن طريق شكلنته أي دراسة شكل محتواه...(ينظر : كورتيس جوزيف2007 : 11)
بينما كورتيس يضفي الصبغة المنهجيّة والعلميّة والبيداغوجية للمقاربة السيميائيّة للنصوص.
2. قراءة سيميائيّة في رواية بعد 00 :00 للكاتبة لعيدودي هاجر
1.2.قراءة سيميائيّة للشكل الخارجي (الغلاف والعنوان)
1.1.2. سيميائيّة الغلاف في الرواية
يعتبر الغلاف الخارجي للرواية واجهة للكتاب وأولى العتبات التي تحمل أهم المعلومات المتعلقة بالكتاب، والتي تمثل هوية العمل سواء فيما تعلق بعنوان الكتاب أو اسم المؤلف أو معلومات أخرى من شأنها تحقيق ملكيّة فكريّة وأدبيّة للكاتب، وعليه سأقوم بمقاربة سيميائية لصورة الغلاف .
وقد عبّر ميشال بورتو في السياق ذاته على ضرورة استفادة الأديب والناقد من الرسم بقوله : »
إن الرسم ليتدبر أمره بدوني، أما أنا فلا يمكنني أن أتدبر نفسه بدونه وإذا كان بعض الرسامين يجيدون فيما أكتبه حلا لبعض صعوباتهم وإذا كانوا يشعرون أنني أساعدهم فأنا أرى في ذلك علامة مشجعة أشكرهم عليها. « (بورتو ميشال 1986 : 150)
وغلاف الرواية يتكون من وحدات غرافيكيّة تحمل إشارات دلاليّة تشمل الصورة واللون :
-
الصورة : جاء غلاف الرواية ككلّ عبارة عن صورة لسماء صافية وقت الليل تزيّنها نجوم يعلوها تقابل للقمر وقت اكتماله وهو بدر مع القمر وهو هلال، وفي أسفل الصورة جبل شامخ يعانق النجوم يغطيه سحاب خفيف زاد الصورة تألقا، قد تكون الصورة من اختيار المؤلف لتعكس مضمون عمله وانعكاسا لتجربة الكاتب داخل تضاريس عمله.
الصورة في مجملها بسيطة غير مركبة أو معقدة تُنّم عن هدوء وسكينة، وهذا ما يرتبط غالبا بدلالة الليل خاصة الليالي التي تكون صافية، وربما هذا يعكس أيضا صفاء ذهن الكاتب وهو يخطّ بأنامله هذا العمل وينسج أحداثه، أو ربما الصورة من اختيار دار النشر والتي دائما ما يكون غرضها دعائي، ولكن عند ربط الصورة ودلالتها بعنوان الرواية نجد أنه في كلا الحالتين هي انعكاس واضح المعالم لعنوان العمل، فالعمل جاء تحت عنوان بعد 00 :00؛ أي بعد منتصف الليل لذا فالصورة عكست العنوان بشكل واضح يتجلى للقارئ لا يحتاج تأويلا أو تفسيرا، فقط اللافت للنظر في الصورة هو الجزء العلوي حين جمعت السماء بين شكلين أو مرحلتين للقمر بين اكتماله ونقصانه، وهذا ما يفتح باب التأويل عند ربطه بمضمون الرواية الذي يوحي بقراءات أخرى تخرج عن النطاق المألوف للدلالة العامة لليل من سكون وغيره وتفتح المجال لأحداث وأمور أخرى لها علاقة بمضمون الرواية.
فالصورة حقّقت تناغما كبيرا مع العنوان ليضيف المضمون دلالات أخرى نستشّفها عند تصّفح ثنايا العمل، بحيث نجد أن الكاتبة تروي تجربة أليمة لفتاة عاشت محطة كئيبة في حياتها ذاقت فيها ألم الفقد والخيانة ودخلت حالة اكتئاب فظيعة حاولت فيها الانتحار ووضع حدّ لحياتها، فكان الليل أو فترة منتصف الليل كما حدّدتها الروائية المهرب والملجأ لعالم نسجته الفتاة بخيالها وعاشته بألمها، فرسمت معالمه واختارت شخصياته وجوّه وزمنه وجعلت الليل والظلام عالمها في قولها : »لنمشي في هذا الطريق الطويل الذي تضيئه الشموع، وعليه كما ترى عالمي عبارة عن ليل أي سماء سوداء وقمر وهلال.) « لعيدودي هاجر 202011 :)
حتى أنها عاشته بأحاسيس جديدة حتى تفرّ من واقعها الأليم، لتكون بذلك دلالة الصورة معبّرة عن حزن وألم كبيرين وعميقين ووحدة قاتلة اختارت الفتاة أن تشاركها مع شخصيات عالمها الخاص بعيدا عن الواقع، أما عن الجمع بين صورتي القمر والهلال فقد صرّحت بذلك الكاتبة على لسان البطلة حين قالت : »القمر على اليمين واسمه نور إن اتبعته ستخرج من هذا العالم، ولكن الطريق صعب جدا وطويل، أما إن ذهبت باتجاه الهلال؛ أي على اليسار فستذهب إلى الكآبة فهو طريق يأخذك لأعماق الكآبة في هذا العالم اللعين« (لعيدودي هاجر 202011 :) وهذا تصريح واضح من الكاتبة للغاية من صورة القمر والهلال على صفحة الغلاف، حين راحت تضع القارئ بين اختيارين لدخول عالمها، وطبعا يتضح الطريق الصواب في آخر الرواية. -
اللون : شبّه أرسطو تناسق الألوان بالأنغام : »إنّ الألوان ربما تتواءم الأنغام بسبب تنسيقها المبهج. « (مختار عمر أحمد 1997 : 136) ربط تناسق الألوان بتناسق الأنغام وانسيابها لتحقيق تأثير فني لدى المتلقي.
وفي الرواية تتشكّل الصورة من لونين حيادين هما : الأسود والأبيض، فالأسود شكّل ظلمة الليل، واللون الأسود يشير في الغالب في الأنساق اللغوية (النصوص) إلى دلالات غائبة لا تتأتّى إلاّ بالتعمّق، بغض النظر عن كونه يمثل أيقونة ترمز لدلالات عديدة كالحزن، الانكسار، وخاصة إذا ارتبط بفترة الليل الذي يوحي بالوحدة والسكون والهدوء؛ أي أن هناك تداخلا وترابطا وثيقا في الدلالات التي توحي بهذا اللون عند اقترانه بالليل، ونجد الكاتبة تؤكده بعنوانها الذي يشير إلى الساعة بعد منتصف الليل، فيتقاطع هنا الزمن والذي يشكل التركيب اللغوي للعنوان مع التشكيل البصري الذي يشكل الصورة لنضيف لهما البناء الفني للرواية، والذي يؤكد هذه الدلالات وهي تروي أحداث أليمة بلسان الفتاة (رتيل) كلها تدخل بمعجم لغوي واحد دلالته الحزن والوحدة والانكسار.
أما اللون الأبيض فغالبا ما يوحي بالنقاء والاتساع وهذا في حالة انتشاره في الفضاءات الضيقة، وفي المقابل يتجلى في الصورة مقترنا بالنور والضوء، فنجده ينعكس في ضوء النجوم والقمر بصورتيه والسحاب وحتى في اسم المؤلفة وعنوان المؤلَف، ليضيء عتمة هذا الليل ويوحي برمزية تدل على الإشراق والتجدّد والأمل المنبعث، وهكذا نستشف الثنائيّة الضديّة التي قام عليها العمل الروائي وتجلت في أولى عتباته ألا وهي الغلاف، فجمعت بين الأبيض والأسود كأيقونتين لونيتيّن لهما رمزيتهما في ارتباط وثيق بالعنوان.
وكذا بالمضمون الذي جاء مشحونا بكلّ هذه الدلالات التي تُرجمت في مشاعر الفتاة وما عاشته من انكسار ومنعرج غيّر مجرى حياتها بالكامل لتجد نفسها تقف على هاوية الحياة لتتوالى عليها الصدمات من الحبيب ومن الصديقة ومن الأهل، فأضاف كلّ هذا أوجاعا فوق وجع فقدانها لأهلها الذي رأت نفسها أنها السبب فيه، فعاشت أزمة نفسيّة حادّة بين شعور الفقد والذنب جعلها تُقدم على وضع حدّ لحياتها، ولكن حصل معها موقف جعلها تسترجع نفسها وتستيقظ من عالمها الكئيب حين رجعت إلى كلام الله وتصفحت آياته والذي مثّل شعاعا ونورا أنار ظلمة أيامها، وهذا التفسير يعكس الثنائية التي أقامتها الكاتبة في عملها بداية من الغلاف الذي قام تشكيله على ثنائية الأبيض والأسود.
إضافة إلى الصورة التي شكّلت واجهة الكتاب فهناك أيضا عتبات أخرى بداية باسم الكاتبة الذي جاء في قمّة الواجهة إلى الوسط بلون أبيض رفيع لعيدودي هاجر يتوسط القمر بصورتيه كامل وناقص، بعدها يتوسط عنوان الرواية غلاف الكتاب مركّب من كلمتين : (بعد) و(00 :00) للدلالة على وقت منتصف الليل وكلها بخط غليظ بارز مشعّ، ليُكتب جنس العمل وهو رواية وسط أسفل الغلاف بخط أبيض رفيع يليه اسم دار النشر وهي دار المثقف.
أما خلفية الكتاب فقد جاءت هي الأخرى باللون الأسود يعلوها اسم الكاتبة في الوسط تحته عنوان الرواية يليه تجنيسها (رواية) ثم مقتطف من الرواية في وسط الخلفية لتذيل الخلفية بذكر لاسم دار النشر والعنوان ورقم الإيداع القانوني.
2.1.2. سيميائية العنوان
يعتبر العنوان أول لقاء للقارئ مع النص والكلام فيه يطول من ناحية ضبطه وتشكيله ورسمه وتموقعه، لأنه يسجّل أول انطباع لدى القارئ وعلى أساسه تنفتح شهية القارئ للاطلاع وشغف الاستمرار أو ينطفئ ذلك، والعنوان حسب النقاد هو : »مقطع لغوي أقل من جملة يمثل نصا أو عملا فنيا ويمكن النظر إلى العنوان من زاويتين (أ) في سياق (ب) خارج السياق. « (فكري الجزار محمد 1998 : 20)، وهو أيضا : »مجموع العلاقات اللسانية التي يمكن أن ترسم على النص من أجل أن تعينه ومن أجل أن نشير إلى المحتوى العام وأيضا من أجل جلب القارئ. « (التجاني حلومة 2013 : 73)
إذا العنوان عتبة بارزة ولها موقع مهم في تشكيل الخطابات السردية، وكذا كعامل في التأثير والتشويق بالنسبة لذائقة المتلقي، ومفتاح بيد الناقد لسبر أغوار النص الأدبي واستنطاقه.
بالنسبة للرواية ورد عنوان بعد 00 :00 بخط عريض وسط الغلاف حتى يتمكّن القارئ من تمييزه عن باقي عناصر الواجهة، وبالموازاة وردت لفظة جنس العمل (رواية) في الأسفل في محاولة من الكاتبة تجنيس عملها الأدبي، وحتى تُبعد أيّ لبس قد يقع فيه القارئ سواء كان عاديا أو متخصصا (ناقدا).
ورد العنوان بصيغة اسمية مركبا من ظرف زمان (بعد) وتوقيت يشير إلى منتصف الليل (00 :00) وكأنه يتجلى للقارئ ساعة إلكترونية تشير أرقامها إلى منتصف الليل، والاختيار هنا موفق يوحي بالكثير فرمزية الأرقام هنا استوعبت الزمان والشعور وكلّ الدلالات، ربما أكثر من كتابة العنوان بشكل حرفي (منتصف الليل)، وهذا فيه تحقيق لعامل استقطاب القراء وشدّ انتباههم، ليشكل بذلك العنوان عنصرا بصريا (على مستوى الخط واللون والحجم)، ولغويا (على مستوى التركيب)، وفنيا (على مستوى تخاطب خيال الكاتب وذائقة القارئ)، وفكريا (على مستوى مكتسبات الكاتب وتضاريسه المعرفية).
وعند ربط العنوان بمضمون الرواية نجده يمثل حبكة العمل الروائي وعقدته كون فترة بعد منتصف الليل هي رحلة الفتاة (رتيل) إلى عالمها، ذلك العالم الذي هو أساس بناء باقي الأحداث فهو محور الحدث وَصفته الكاتبة على لسان الفتاة وصفا دقيقا أنارت كل زاوية فيه للقارئ رغم عتمته، وسافرت بذهن القارئ في كل ليلة إليه وهي تقول في كل مرة (ها هي 00 :00) وبهذا نقول أن العنوان ترجمة حقيقيّة لمضمون الرواية، وحقّقت بذلك الكاتبة الوظيفة الوصفيّة للعنوان وكذا الوظيفة الإيحائيّة، فرمزية العنوان توحي بمضمون العمل وبهذا نقول أن العنوان حقّق قيمة إيحائية.
2.2. قراءة سيميائية لشخصيات الرواية
تعتبر الشخصية عنصرا مهما وديناميكيا في العمل الروائي فهي محرك للأحداث وحاملة لرسائل متعدّدة للمتلقي، ومنها الشخصيات الرئيسيّة والشخصيات الثانوية، و »الشخصية الروائية هي نقطة تقاطع والتقاء مستويين سردي وخطابي، فالبنى السردية تصل الأدوار العاملية ببعض وتنظم الحركات والوظائف والأفعال التي تقوم بها الشخصيات في الرواية بينما تنظم البنى الخطابية الصفات والمؤهلات التي تحملها هذه الشخصيات. « (وهيبة مجدي المهندس كامل 1984 : 90)
فهي
»تعد أهم ركائز العمل الأدبي ومركز استقطاب ومجمل أبعاده الفنية وذلك لاعتماد كل عنصر فيه بشكل أساس على فاعلية نشاطها الحيوي عبر ما تصدره من أقوال وأفعال تتبلور على إثرها أحداث الرواية المرتبطة. « (حسين شريف سحر 2011 : 104)
وقد تضمّنت رواية بعد 00 :00 شخصيات ثانوية وشخصّية رئيسيّة واحدة انقسمت هي الأخرى إلى شخصيتيّن خلال مرحلة مهمّة عاشتها الشخصية الرئيسيّة، وعليه نحصي الشخصيات وتقسيمها الرئيسي والثانوي في الجدول الآتي :
1.2.2. تقسيم الشخصيات
الشخصيات الرئيسية |
قراءتها |
1 .رتيل |
شخصية رئيسيّة فاعلة وهي المحرك لكلّ مجريات أحداث الرواية وكل منعطفاتها ،سواء بمنحى تصاعدي وصولا إلى ذروتها أو منحى تنازلي، حيث شكّلت شخصية رتيل في بداية الأحداث فتاة عادية تعيش حياة مستقرة بعدها، حصل منعرج في حياتها وهو حادث فقدانها لأهلها وتوالت بعدها أحداث أخرى جعلتها تعيش بشخصية جديدة منكسرة إلى حدّ دخولها دوامة الاكتئاب، هنا ظهرت شخصية رئيسيّة جديدة هي نفس رتيل والملقبة بالبلهاء وهي التي تعايشت مع رتيل معظم الأحداث وخاصة فترة دخولها لعالمها بعد منتصف الليل، فكانت أحيانا تسايرها وأحيانا تنصحها وأحيانا أخرى تعاتبها، حتى يذهب ذهن القارئ إلى أن هناك شخصية أخرى تتحدث مع رتيل وتتشارك معها النقاش والأحداث، ولكن ماهي إلا حديث نفس، فرتيل عانت من اكتئاب وهو حالة مرضية ينعزل فيها الانسان ويعيش مع نفسه في حالة هذيان وتشتت، تقول في الرواية : »أخذت نفسي تكلمني كل يوم بحيث تخبرني بأنني غبية وأنا أسمعها....تتكلم وتتكلم إلى أن أصرخ فتسكت بعد أن تخبرني بأنها معي وستساعدني« (لعيدودي هاجر 202021 :) |
الشخصيات الثانوية |
قراءتها |
الوالدين (أم وأب رتيل) |
فقدتهما رتيل في حادث انفجار للغاز ذكرتهما في بداية وصفها للحادث الأليم، وكذا عندما كانت تستذكر أيامها معهما خاصة عند رجوعها لبيتها »هذا كتاب القرآن الذي قد أهدتني أمي إياه في عيد ميلادي استهزأ مني أصدقائي الأغبياء...ولكن أبي أقنعني بأن أقرأه« (لعيدودي هاجر 202040 :) فأصبحت تعيش على ركام ذكرياتها معهما فتتذكر أمها وهي تنظف البيت »وأخذت أنظف البيت لعل أمي تأتي وتجده نظيفا« (لعيدودي هاجر 202026 :) أو حين تشعر بالذنب تستذكرهما طالبة الصفح : »أمي أنا آسفة لقد تسببت في موتكم. « (لعيدودي هاجر 202026 :) »أبي أفتقد حضنك وكلماتك الجميلة...أفتقد حتى غضبك وقلقك...رائحتك وحبك وصوتك...وأنت يا أمي لماذا تركتني؟« (لعيدودي هاجر 202026 :) أو حين راحت تتخيلهما في عالمها الكئيب وهي تعي أن لقاءهما ضرب من الخيال ولكن تواسي نفسها لفقدهما : »أمي أبي أعلم أنكما تحبانني ولكن غبائي جعلني أفقدكما أعلم أنكما غاضبان لأنني لم أزر قبركما من يوم الجنازة ولكن كيف لقاتل أن يسير في جنازة المقتول. « (لعيدودي هاجر 202026 :) |
الأخت الصغرى |
ذكرتها مرارً وهي تتذكر والديها وذكرياتها مع عائلتها وخاصة حين رجعت تسكن ببيتها المحترق وهي تحضر كل يوم وجبة لأختها الصغرى، وتحضر ملابسها وهي تنتظر رجوعها من المدرسة »مرّت الأيام وأنا أطهو الطعام بكميات كبيرة لعل أختي تدق الباب وتأتي من المدرسة جائعة فتجد ما تأكله... « (لعيدودي هاجر 202015 :) وحين ذهبت إلى عالمها بعد منتصف الليل التقتها عند قمة الجبل »آه ها هي مرحبا صغيرتي حبيبتي ابتني المدللة...أختي أريد أن أعانقك...أتمنى أن أسمع صوتك ولو كلمة واحدة...لا أزال أحضر محفظتك وملابسك... « (لعيدودي هاجر 202029-28 :) وكذا حين تشعر بالذنب لأنها السبب في فقدها لأختها »أختي أنا آسفة على ما حدث لم تعد الدنيا جميلة كما كنا نظن أنت كنت تجمّلينها ولم يعد من نصيبي السعادة لقد أخذتها نفسي عندما هجرتني. « (لعيدودي هاجر 202029 :) الملاحظ على شخصية الوالدين والأخت الصغرى أنهم شغلوا حيّز الشخصيات الغائبة في الواقع، والحاضرة في خيال الفتاة رتيل، فعلى طول الخط السردي وحواراتها نجد أن هذه الشخصيات غير فاعلة ولم تتجاوب معها، بل كل الأحداث والحوارات كانت الفتاة هي الشخصية الحاضرة والفاعلة والمحركة وحضور هذه الشخصيات كان متخيّلا. |
العم وزوجته |
شخصيتان ثانويتان شغلتا حيزا صغيرا في أحداث الرواية، ولكن فاعلان في باقي مجريات الأحداث التي مرّت على الفتاة رتيل كونها بقيت معهم لمدة ثلاثة أيام بعد فقدانها لأهلها، ولكن تذمر عمّها من المصاريف وكذا تحميلها ذنب موت أهلها هو ما جعل رتيل تقرر الرجوع لبيتها »وبعد مرور ثلاثة أيام سمعت عمي يخبر زوجته أن مصاريف البيت زادت لأنني معهم...كما أنه أخبرها أنني كنت السبب في موت عائلتي...ما جعلني أتأكد أني قاتلة. « (لعيدودي هاجر 202015 :) فالتصرف الذي قام به عمها وزوجته من الأسباب التي دفعت برتيل إلى دخول دوامة الوحدة والاكتئاب بعد رجوعها للسكن وحدها، وعمّق شعور الذنب داخلها بدل احتوائها، وكذا حين باع عمّها بيتها حتى يأخذ حصّته من الميراث فزاد ذلك من ألم فقدها لرائحة عائلتها. |
الطبيب |
شخصية ثانوية مساعدة لرتيل لعب دوره في تشخيص حالتها المرضية، ولكن لم يقدم حلاّ فعليّا يخرجها من حالتها، بل كانت رتيل تلجأ إليه فقط لتجديد وصفة الدواء »بدأت آخذ علاجات نفسية بعد أن تم تشخيصي أخبرني الطبيب بأنني أصبت باضطراب الذهان ويمكن معالجته بالأدوية وأيضا عليّا أن أساعد نفسي... « (لعيدودي هاجر 202016 :) |
1.الحبيب |
ذكرته الكاتبة على لسان رتيل بلقب الحبيب أو بضمير الغائب كونه تخلى عنها وهي في أمس الحاجة إليه ليشاركها حزنها، بعد أن فقدت كل عائلتها، فذكرته مرات عديدة بنبرة عتاب أو شوق ومرات انتظار ومرات أخرى بنبرة حادّة تلعن فيها الحب والعشق، حواراتها معه لم يكن هو فاعلا فيها وردوده كلها ذكرتها رتيل في عبارة (هاتف مراسلك مشغول حاليا)، فنجدها تلعن التسجيل بصوت المرأة التي تجيب بعبارة هاتف مراسلك مشغول حاليا وجعلت الكاتبة منها شخصية تفرغ فيها رتيل غيضها وغضبها وعتابها للحبيب الخائن الغائب تقول : »اتصلت بك ليلا لأخبرك بأن الليل أصبح صباحي وأخبرتني اللعينة بأنك مشغول أيضا. « (لعيدودي هاجر 202018 :) |
1 .صديقة رتيل 3. أمها |
صديقة رتيل كانت شخصا قريبا منها افتقدتها عند فقدانها لعائلتها وتساءلت كثيرا عن غيابها وعدم مواساتها لها »لطالما أخبرتني بأنك أختي التي لم تلدها أمي. « (لعيدودي هاجر 202019 :) |
بائع الخبز (الطفل قدير) |
هو الشخصية الوحيدة التي كانت تكسر وحدة رتيل وكانت تؤنس وحدتها رغم رفضها ولكنها اعتادت زيارة بائع الخبز كل يوم في قولها : »فلم يدق الباب أحد منذ فترة سوى بائع الخبز الذي يدقها الساعة 11 :45 فأفتح له الباب وأخبره أن ينصرف. « (لعيدودي هاجر 202022 :) |
أكرم-كنان-سمراء-إيناس |
شخصيات وهميّة كانت رتيل قد التقتهم في احتفال رأس السنة الجديدة داخل عالمها الخيالي، وراحت تستمع إلى قصصهم الأليمة »اسمي أكرم قتلت حبيبتي-اسمي كنان هاجرت البلد وتوفت أمي-اسمي سمراء تركني أبي في دار الرعاية-أنا إيناس مدمنة كحول.... « (لعيدودي هاجر 202039 :) |
النادلة |
ذكرتها رتيل وهي تجوب عالمها بعد منتصف الليل »دعونا ننسى أحزاننا لنطلب من النادلة عصير الدموع. « (لعيدودي هاجر 202039 :) |
القارئ |
هو شخصية وظفتها الكاتبة في روايتها وكانت حاضرة من خلال خطابها المباشر مع رتيل من بداية الرواية ، وهي تدعوه لدخول عالمها بعد منتصف الليل عالم الكآبة والحزن وصولا إلى مشاركته لكل تفاصيل زيارتها لهذا العالم وما التقته، وكل الأحداث والحوارات والمشاعر التي عرفتها، والمعروف أن لكل كاتب قارئ مفترض يختلف الكتّاب في طريقة استحضاره في أعمالهم، فمنهم من يجعله ضمنيّا ومنهم من يوجه له الخطاب مباشرة، ومنهم من يجعله جزء من الرواية وشخصية تساير الأحداث وتتقاسم مع الشخصيات مختلف المحطات، والكاتبة هنا استحضرته باسمه مباشره في قولها : »حسنا يا عزيزي القارئ اليوم حظك سأذهب اليوم باتجاه القمر... « (لعيدودي هاجر، 202038 :)، »انظر إلى طريق تزيّنه الشموع-هيا تعال فوق النفق-لنذهب للحديقة-لننزل السلم هذا-أتمنى أن تكون قد استمتعت. « (لعيدودي هاجر 202038 :) |
الدمية(دلال) |
هي دمية أخت رتيل الصغرى ذكرتها وهي تبكي أختها الصغرى وتفتقدها حين التقتها في عالمها الخيالي، وهي شخصية وظفتها الكاتبة كمعادل موضوعي لأختها فهي تهتم بها كاهتمامها بأختها أو كتكفير عن ذنبها في حق أختها، بسبب إهمالها الذي أودى بحياة أختها تقول مستذكرة : »هل تتذكرين دميتك التي تسميها دلال، أنا أنومها كل يوم وأحكي لها من قصصك التي تحبينها، أذهب لأغطيها ليلا وأطمئن عليها حتى أحيانا أتسامر معها. « (لعيدودي هاجر 202029 :) |
أدهم |
شخصية أضافتها الكاتبة في آخر الرواية ليظهر أنه هو من حقّق حلم رتيل وطبع روايتها التي وجدها في محطة الحافلات، ونشرها على أمل أن يكون حقّق حلمها وأصبح واقعا، وأن ترى يوما هذا العمل على شكل رسالة يفصح فيها عن اسمه وكذا أنه الشخص الذي كان يهتم بنظافة قبور أهلها والذي تساءلت عنه رتيل حين زارت المقبرة وهي تعلم أنه لا أحد يزورهم من غيرها. |
2.2.2. البنية العاملية
احتوت الرواية على مواضيع القيمة الآتية : الفقد، الخيانة، الاكتئاب، التغيير، وفيما يلي نماذج للبنى العاملية لهذه القيّم :
1.2.2.2.الفقد (الموت) :
-
النموذج العاملي الأول :
-
النموذج العاملي الثاني :
2.2.2.2الخيانة
-
النموذج العاملي الأول :
-
النموذج العملي الثاني :
3.2.2.2. محور الاكتئاب
-
النموذج العاملي الأول :
-
النموذج العاملي الثاني :
4.2.2.2. محور التغيير
3.2.2. المربع السيميائي
قام البناء السردي للرواية على ثنائيات ضديّة نستخرجها في المربعات السيميائيّة الآتية : الفقد ≠ اللقاء، الخيانة ≠ الوفاء، المرض ≠ الصحة، التغيير ≠ الجمود
العلاقات المقولاتية لثنائية : الفقد ≠ اللقاء |
|
علاقة تضاد : أ /ب، ب’/أ’ |
|
علاقة تكامل : أ =ب’، ب =أ’ |
|
علاقة تناقض : أ+أ’، ب+ب’ |
العلاقات المقولاتية لثنائية : الخيانة ≠ الوفاء |
|
علاقة تضاد : ج/د، ج’/د’ |
|
علاقة تكامل : ج =د’، د =ج’ |
|
علاقة تناقض : ج+ج’، د+د’ |
العلاقات المقولاتية لثنائية : المرض ≠ الصحة |
|
علاقة تضاد : ه/و، ه’/و’ |
|
علاقة تكامل : ه =و’، و =ه’ |
|
علاقة تناقض : ه+ه’، و+و’ |
العلاقات المقولاتية لثنائية : التغيير ≠ الجمود |
|
علاقة تضاد : ح/ط، ط’/ح’ |
|
علاقة تكامل : ح =ط’، ط =ح |
|
علاقة تناقض : ح+ح’، ط+ط’ |
3.2. قراءة سيميائية للزمن
يقول سعيد يقطين : »إن مقولة الزمن متعددة المجالات ويعطيها كل مجال دلالة خاصة، ويتناولها بأدواتها التي يصوغها في حقله الفكري والنظري. « (يقطين سعيد 1997ب : 7)ويضيف محمد زغلول : »والزمن ضابط الفعل به ليتم وعلى نبضاته يسجل الحدث ووقائعه، ونحن وإن كنا لا نستطيع أن نفصل بين الحدث والزمن، إلا أننا نتبين أثر الزمن عاملا فاعلا في كثير من القصص الطويلة والروايات. « (زغلول محمد دت : 13)
1.3.2. زمن القصة
هو الزمن الذي تبنى عليه أحداث الرواية وقد عرفت رواية بعد 00 :00 انكسارات زمنية عديدة جالت بذهن القارئ بين استباقات واسترجاعات أو استذكارات، كتقنية تتيح للروائي التلاعب بالنظام الزمني، وهو من الأغراض الفنيّة الجماليّة، فالملاحظ على الرواية أنّ الخط الزمني لسرد الأحداث ابتدأ من الوسط، حيث افتتحت الروائية على لسان البطلة روايتها بخطاب موجه للقارئ تدعوه فيه إلى دخول عالمها الكئيب، وهذا العالم لم تعرفه البطلة رتيل إلا بعد حادث فقدان أهلها، بعدها توالت الأحداث محدثة انكسار داخلها وعمّقت شعور الوحدة والذنب، لتصل إلى قرار وضع حدّ لحياتها في عديد المرات تقول : »كان كل شيء جميلا إلى أن انقلبت حياتي رأسا على عقب حاولت النجاة من تلك الحالة، ولكن لم تكن لدي القوة الكاملة لأتغلب على الظلام ففقدت نفسي ولم أتذكر منذ ذلك اليوم من أنا. « (لعيدودي هاجر 202009 :)، وتضيف : »دخلت إلى عالم خيالي أعيش فيه بعد منتصف الليل، أما الآن يا عزيزي القارئ سآخذك في جولة لأعرفك بعالمي. « (لعيدودي هاجر 202009 :)
بعدها تعود إلى زمن الواقعة التي غيّرت مجرى حياتها فتروي بنفسٍ قصير وقائع الحادثة بشكل توضح فيه سبب الحادث وكيف فقدت والديها وأختها الصغرى، تحت عنوان (فقدت عائلتي) محدّدة الزمن الحقيقي وهو الأول من نوفمبر تقول : »الأول من نوفمبر...اندلاع الثورة...ولكن كانت ثورتي هي من اندلعت ذلك اليوم. « (لعيدودي هاجر 202014 :)، ذكرت زمن الحادثة واختصرت وقائعها لتنتقل مباشرة إلى زمنها الخيالي حيث عالمها الخيالي، ثم تعود وتسترجع غياب الحبيب الذي افتقدته حين فقدت أهلها واتصلت به وانتظرت أن يشاركها ألمها، ولكن لا مجيب تقول : »بعد أن أخبرني الطبيب أنه علي أن أتواصل مع من أرتاح معه...أعدت الاتصال بك للمرة 50 فبعد الجنازة لم تعد موجودا حولي اتصلت لأخبرك بأنني انتهيت أردتك أن تخبرني أنك معي في كل مرة أتصل ينتهي الاتصال بقول : إن مراسلك مشغول حاليا. « (لعيدودي هاجر 202018 :)
ثم تُكمل مسار الاسترجاع وتعود لفترة الجنازة وكيف قضتها لوحدها بدون صديقتها التي كانت تعتبرها أختها، فتتساءل أين أنت تقول : »سألت عنك يوم الجنازة فأخبرتني أمك بأنك مشغولة ولكن ستمرين إليّ بأقرب وقت ممكن، أين أنت...؟؟ « (لعيدودي هاجر 202019 :)، لتعود إلى واقعها الأليم ولكنها لا تعيش الزمن الحقيقي، بل ترحل في خيالها وتسافر إلى زمن عالمها الخيالي، حيث تهرب من كل شيء واقعي، فكانت تزاوج بين زمن حاضر وزمن خيالي مستبق تتمناه، يبدأ على الساعة بعد 00 :00 يدوم لأربع ساعات ينتهي بانطفاء شمعتها تقول : »كنت أعيش أجمل اللحظات معه إلى أن تنتهي شمعتي اللعينة بعد أربع ساعات ويختفي كل شيء وأعود إلى سريري اللعين. « (لعيدودي هاجر 202021 :)
لقد غلب على زمن الرواية التذبذب وهذا يعكس حالة الاضطراب والهذيان اللذان كانت تعيشهما رتيل، كل شيء يبدو جامد وثابتا وهي لا تغادر مكانها، ولكن اضطرابها أحدث خلخلة للزمن بين زمن حقيقي وزمن آخر خيالي وبين استرجاع واستباق، حتى يكاد الزمن يكون زئبقيا للقارئ يصعب أن يمسك به، وهكذا نجد أن الروائية جسدت الشخصية المضطربة التي تعاني من الاكتئاب تجسيدا حقيقيا يجعل القارئ يعايش ذلك.
ويستمر زمن القصة المتذبذب على طول الخط السردي للرواية ويتوقف عند استرجاعها لنفسها بعد رجوعها للقرآن ما جعلها تتمسك بالحياة، وهنا ترجع عقارب الزمن تدق في وقتها حين تخلصت من العالم الكئيب وحققت ذاتها ووجودها.
2.3.2. زمن الحكاية
الرواية ككل بُنيّت على أحداث خياليّة فحتى لو كانت الواقعة حقيقية وهي ما مرّت به بطلة الرواية من فقد للأهل وخيانة الأحبة والأصدقاء، ولكن لا تُظهر الروائية شيئا يوحي أنها قد عاشت هي الحادثة أو يمكن أن تكون عاشتها أحد معارفها، خاصة حين فاجأت القارئ في آخر الرواية برسالة أدهم الشخص الذي وجد دفتر يوميات البطلة وأراد تحقيق أمنيتها في نشرها على أمل لقائها، وهنا أحدثت الروائية تحركا كبيرا في الإيقاع الزمني من نقطة النهاية إلى نقطة البداية، فمع أن رسالة أدهم هي نقطة نهاية في الرواية ولكن فعليا هي نقطة بداية، فلولاه ما كان لدفتر رتيل أن ينشر وهذا طبعا كلّه تخييل وهو تقنية سردية وظفتها الروائية لتجسد قضية التجريب في السرد.
3.3.2. تقنيات زمن السرد
-
الإيجاز (الخلاصة) : وظفت الروائية نوعين من الإيجاز في الإيقاع الزمني الخاص بسرد الأحداث فنجدها اختزلت أحداثا عن طريق السرد السريع، وعليه نجد :
-
إيجاز خاص بالماضي : يظهر عندما سردت رتيل حادثة فقدانها لأهلها إثر حادث الانفجار فنجد أن السرد هنا جاء متسارعا، ويلاحظ القارئ ذلك بشكل جليّ كيف أن النفسَ السردي كان سريعا كونها لا تركز على الحادثة وحيثياتها بقدر ما تركز على أثرها وما تركه ذلك في نفسها وكيف غيّر حياتها، فنجد سرد الحادثة لم يتجاوز الصفحة الواحدة في حدود 13 سطرا تقول مختصرة : »ابتعدت عن البيت حوالي خمسين مترا وإذ بي أسمع صوت انفجار في بيتي كان البيت يحترق...كنت نسيت أن أطفئ الغاز وكان آخر يوم مع عائلتي...نعم ذهب الجميع ويا ليتني ذهبت معهم لأنه كان آخر يوم لي في عالم الحقيقة. « (لعيدودي هاجر 202014 :)
ذكرت عبارات كثيرة تُنّم عن الاختصار وكذا نقاط حذف حذفت فيها تفاصيل الحادثة وذكرت أنه آخر يوم لها في عالم الحقيقة وكأنها تسارع الزمن للدخول إلى عالمها الخيالي الكئيب، الإيجاز الآخر الخاص بالماضي تمثّل في سرد قصة زواج صديقتها من حبيبها وكيف اكتشفت خيانتهم بمحض الصدفة، فكانت لا تتحدث إلا باختصار حتى وهي داخل عالمها تشير إليهم إشارات فقط حين تعود لعالمها الخيالي حيث كانت تهرب إليه من واقعها، وطبعا كل هذه الأحداث تعتبر ماضي رتيل لأن حاضرها كان عالمها الخيالي الكئيب، تقول : »لعنة عشق كانت سببا من أسباب دخولي إلى هذا العالم التعيس. « (لعيدودي هاجر، 202017 :)، » نعم يا عزيزي هذا ما كان سببا في دخولي إلى هذا العالم التعيس، فبعد أن فقدت عائلتي وأقاربي فقدت أيضا صديقتي ومن أحببت وهنا انتهت حياتي في عالم الحقيقة وأصبحت لا أغادر البيت« (لعيدودي هاجر 2020 : 21)
وهذا يدل على نفسها المتسارع في سرد هذه الأحداث ووضحت سبب ذكرها لهم فقط لتبرر سبب دخولها هذا العالم التعيس، وهي تلقي عليهم اللوم؛ أي أن هدفها لم يكن تقديم هذه الأحداث بشكل دقيق فمحور الرواية ككل هو العالم الذي أصبحت تعيشه وكيف تخرج منه.
-
إيجاز خاص بالحاضر : نستشفه في المرحلة الجديدة في حياة رتيل، حيث رجعت لكلام الله واسترجعت نفسها فنجد سرد الأحداث هنا جاء أيضا متسارعا مختصرا لم تفصّل فيه، بل ذكرت فقط كيف وجدت هدية أمها وهي عبارة عن مصحف وكيف ساعدها كلام الله على الاستيقاظ من عالمها، فمع أن الاكتئاب حالة مرضيّة صعبة خاصة أنها ذكرت أنها حاولت الانتحار أربع مرات، فخروجها من هذه الحالة أكيد ليس بالأمر الهيّن ويستغرق وقتا، ولكنها اختصرته كثيرا وركزت فقط على المرحلة الانتقالية وكيف تجاوزت كل شيء.
سردت الأحداث بتسارع تقول : »سأذهب لأتوضأ سأقرأ الكتاب من الصفحة الأولى...نهضت مسرعة صليت ركعتين...أدركت في تلك اللحظة غلطتي الحقيقية، دعوت الله أن يسامحني...وفرحت لأنه لم يأخذ روحي...لم أعرف المدّة التي بقيت فيها وأنا ساجدة...، حسنا إنه أذان العشاء... « (لعيدودي هاجر 202041-40 :)
نلاحظ هنا السرد المتسارع وأيضا عندما اختصرت كل ما مضى في عبارة (مرت سنتان) وهي تتحدث عن زيارتها لقبر عائلتها.
ثم راحت تسرد ما ستفعله »أريد أن أسجل في الجامعة...سأذهب لقبر والديّ وأختي...سأقوم بتحقيق حلم أبي وأقوم بطباعة كتاب...سأذهب للطبيب النفسي...سأهتم بنفسي. « (لعيدودي هاجر 202041 :)
كل هذه الأحداث والمحطات اختصرتها في فقرة وكأنها على عجلة لأنها تركز فقط على نقطة التغيير في حياتها، وهي أنها عادت كما هي وهذا كله اختصار وإيجاز تقول : »مرّ أسبوع وأنا أدرس بالجامعة سأتخرج العام المقبل... « (لعيدودي هاجر 202045 :)
-
الوقفة : وهي المحطة التي يتنفس فيها الروائي ويتوقف عن السرد ليرتاح في مقاطع وصفيّة كما فعلت الكاتبة وهي تأخذ القارئ إلى عالمها الخيالي، وهي تصف كل جزء فيه وهذه التقنية تعتبر متنفسا للقارئ بعد تصاعد الأحداث وتأزمها من أمثلة ذلك : »لنمشي في هذا الطريق الطويل الذي تضيئه الشموع وعليه كما ترى عالمي عبارة عن ليل أي سماء سوداء وقمر وهلال... « (لعيدودي هاجر 202011 :) »لنذهب في طريق الهلال بحيث يوجد كهفي أي بيتي ها هو على حافة الهاوية تفضل بالدخول لا تخف...وهذا سريري المريح وهذا مكتبي كما ترى وهذه خزانتي... « (لعيدودي هاجر 202011 :)، »انظر إنه طريق تزينه الشموع بألوان رمادية وسوداء... « (لعيدودي هاجر 202038 :)، »لتنزل السلم هذا انظر لجمالها هي عبارة عن أرض خضراء تزينها ورود سوداء اللون وورود رمادية وبنية... « (لعيدودي هاجر 202039 :)
إضافة إلى هذه الأزمنة هناك أزمنة حقيقية وظفتها الروائية والتي كانت تمثل الروتين اليومي لرتيل وذكرتها مضبوطة مثل : »أصحو على الساعة 11 صباحا- أبقى أنتظر إلى الساعة 14 :00- 7 :00 سأنظف البيت- هي الساعة 4 :00- إنها 3 :55- إنها 23 :00.... « (لعيدودي هاجر 2020 :21-28-29-39-40) -
المشهد : وهو يمثل المقاطع الحوارية في الرواية وقد اشتملت رواية بعد 00 :00 على مشاهد حوارية كان أغلبها حوار البطلة رتيل مع نفسها مع مشاهد أخرى، ولكن كلها كانت على لسانها نذكر منها :
-
-حوار الروائية التي لعبت مرّة دور الراوي ومرّة تركت الكلام لرتيل بطلة الرواية في حوارها مع القارئ وهي تأخذه إلى عالمها كل ليلة مثال : »يا عزيزي القارئ اليوم يوم حظك« (لعيدودي هاجر 38 :2020)، »نعم يا عزيزي هذا ما كان سببا في دخولي هذا العالم« (لعيدودي هاجر202021 :)
ولكنه حوار غير فعّال ولا يوجد فيه تجاوب لأنّ الطرف الوحيد الذي كان يحاور هو رتيل، والشيء نفسه في حديثها مع حبيبها، وكذا مع صديقتها، ومع والديها وأختها الصغرى في عالمها الخيالي، كلها شخصيات موجودة ولكن الحوار من طرف رتيل فقط مثال : تحاور والديها في عالمها الخيالي : »ها هي الشمعة اللعينة تكاد تنطفئ حان موعد الذهاب سأعود غدا هل يمكنكما زيارتي؟« (لعيدودي هاجر، 202027 :) -
-تحاور أختها الصغرى : »آه ها هي مرحبا صغيرتي حبيبتي ابنتي المدللة.. « (لعيدودي هاجر 202028 :)، »أختي إنها 3 :55 لتزوريني في حلمي وأخبري أمي وأبي أيضا أن يزوراني أيضا أحتاجكم كثيرا حقا. « (لعيدودي هاجر 202029 :)
-
-تحاور حبيبها : »لطالما أخبرتني أنك تحب فرنسا، هل كنت تقصد البلد أم تسكن فيه. « (لعيدودي هاجر 202018 :)
» مرحبا يا خائن، أظن أنك كنت معها لهذا تأخرت...لا داعي للسؤال حسنا أخبرني كيف تعيش معها هل أنتما بخير؟؟ كيف تمكنتما بفعل هذا بي؟« (لعيدودي هاجر 202033 :)
-
-تحاور صديقتها : »لم تأت إلى الجنازة...لماذا؟؟ هل أنت بخير، سمعت أنك قد خطبت، أين أنت...؟؟ « (لعيدودي هاجر 202019 :)
-
وهناك حوار وقع بين شخصيات في عالمها حين كانوا في جلسة تعارف : »اسمي أكرم : قتلت حبيبتي...، أنا كنان : هجرت البلد وتوفت أمي...، أنا إيناس : مدمنة كحول... « (لعيدودي هاجر 202039 :)
-
وهناك حوار داخلي مونولوج أجرته رتيل مع نفسها مثل : »-عليك أن تبدئي حياة جديدة
-
وما دخلك أنت هذه الحياة تناسبني
-
لا تكذبي يا غبية حتى أنك لا تنامين بما فيه الكفاية... « (لعيدودي هاجر 202036 :)
»ومن سيتذكر بائسة مثلك تبا لضعفك لتتألقي وتشرقي.
لا يشرق القاتل.
أنت تعلمين أن ذلك كان من دون قصد.
نعم ولكن...
ماذا؟؟
لتتركيني وشأني.
نحن صديقتان.
لا أريد. « (لعيدودي هاجر 202037-36 :)
إضافة إلى حوارات أخرى مع الطبيب وبائع الخبز وحوار عمها وزوجته.خأخبرني
-
الحذف : يصرّح به أحيانا في عبارات وجمل محدّدة زمنيا مثل : »وبعد مرور ثلاثة أيام-لقد مرت سنة -مرت الأيام-مرت سنتان-مرت خمسة أشهر ولم أخرج من بيتي-ها هو العام الثاني. « (لعيدودي هاجر 202036-33-15 :)
أو حذف باستعمال النقط الثلاثة وهو كثير وتردد في الرواية مثل : »نعم ولكن...-أحاول التشبث ولكن كالعادة...-احتراق، انفجار فوضى وبداية نهايتي...-لتذهب لا أريدك بعد الآن...-لنجلس ونرى من سيأتي الآن... « (لعيدودي هاجر 202037-35-28-20 :)، وأمثلة عديدة حذف منها الكلام ووضعت نقاط للدلالة على الحذف، وهي أغلبها مشاعر مسكوت عنها عاشتها رتيل وأبت التعبير عنها ترجمتها الروائية في ثلاث نقاط لتترك للقارئ حرية التأويل والقراءة.
أما الحذف غير المصرّح به وهو المضمر والذي يتجلى في أفعال وأحداث يذكرها الروائي فقط على لسان الشخصيات دون تحديد زمني مثل : »لم أعرف المدة التي بقيت فيها وأنا ساجدة وأدعو في الله كل ما شعرت بأنني بين أيد آمنة-سمعت أنك خطبت قبل فترة من موت عائلتي-ها هو العام الثاني. « (لعيدودي هاجر 202040-19 :)
4.2. سيميائية المكان (الفضاء)
هو الفضاء الذي تدور فيه أحداث الرواية، قد يكون حقيقيا أو خياليا بمكوناته الطبيعية أو البشرية وهو ينقسم إلى فضاءات مفتوحة وأخرى مغلقة، فالأدب
» ليس مجالا هندسيا تضبط حدوده أبعاد وقياسات خاضعة لحسابات دقيقة كما هو الشأن بالنسبة للأمثلة الجغرافية ذات الحضور الطوبوغرافي، وإنما يتشكل في التجربة الأدبية انطلاقا واستجابة لما عاشه وعايشه الأديب على مستوى اللحظة الآتية ماثلا بتفاصيله ومعالمه وعلى مستوى التخيل بملامحه وظلاله. « (فوغالي باديس 2005-2006 : 38)
أي الفضاء في العالم الروائي يتجاوز المفهوم الواقعي ليتسع ويستوعب الخيال ومعالمه التي تصعب على الرسم والتحديد.
والجدول الآتي سأفصل في الأمكنة الموظفة داخل رواية بعد 00 :00
اسم المكان |
مفتوح خيالي |
مغلق خيالي |
مفتوح حقيقي |
مغلق حقيقي |
التفسير |
العالم المظلم |
+ |
+ |
هو مكان لا وجود له في الحقيقة بل موجود في خيال البطلة فقط. |
||
مكان هادئ |
+ |
+ |
هو جزء من العالم المظلم الذي رسمته البطلة في خيالها. |
||
الطريق الطويل |
+ |
+ |
هو جزء من العالم المظلم الذي رسمته البطلة في خيالها. |
||
بيتي على حافة الهاوية |
+ |
هو جزء من العالم المظلم الذي رسمته البطلة في خيالها. |
|||
سريري المريح |
+ |
هو جزء من العالم المظلم الذي رسمته البطلة في خيالها. |
|||
مكتبي |
+ |
هو جزء من العالم المظلم الذي رسمته البطلة في خيالها. |
|||
نافذتي |
+ |
هو جزء من العالم المظلم الذي رسمته البطلة في خيالها. |
|||
المقبرة |
+ |
+ |
هو جزء من العالم المظلم الذي رسمته البطلة في خيالها. |
||
سريرك اللعين |
+ |
ذكرته البطلة وهي تتحدث مع القارئ. |
|||
قبري |
+ |
هو جزء من العالم المظلم الذي رسمته البطلة في خيالها. |
|||
سريري اللعين |
+ |
هو مكان حقيقي وهو سرير البطلة رتيل. |
|||
فرنسا |
+ |
المكان الذي كان يريد أن يذهب إليه حبيب رتيل |
|||
قمة الجبل |
+ |
+ |
هو جزء من العالم المظلم الذي رسمته البطلة في خيالها. |
||
البيت |
+ |
منزل رتيل. |
|||
بيتي الجديد |
+ |
المكان الذي انتقلت إليه رتيل. |
|||
الحائط |
+ |
+ |
جزء من العالم المظلم الذي رسمته البطلة في خيالها. |
||
فوق النفق |
+ |
+ |
جزء من العالم المظلم الذي رسمته البطلة في خيالها. |
||
دار الرعاية |
+ |
جزء من العالم المظلم الذي رسمته البطلة في خيالها. |
|||
الخزانة |
+ |
ذكرتها حين وجدت هدية والدتها وهي مصحف ثم أعادتها إلى الخزانة. |
|||
الجامعة |
+ |
مكان دراسة رتيل. |
|||
قبر والديها وأختها |
+ |
ذكرته عند زيارتها لقبورهم بعد خروجها من حالة الاكتئاب. |
|||
المطعم |
+ |
المكان الذي كانت تذهب إليه مع حبيبها. |
|||
كرسي الانتظار |
+ |
+ |
جزء من العالم المظلم الذي رسمته البطلة في خيالها. |
||
الابتدائية |
+ |
مكان دراسة أختها الصغرى. |
|||
منزل عمي |
+ |
مكان إقامة رتيل بعد الحادثة. |
|||
غرفة أمي وأبي وأختي |
+ |
ذكرتهم رتيل بعد رجوعها لمنزلها المحترق. |
|||
محطة الحافلات |
+ |
المكان الذي وجد فيه أدهم دفتر يوميات رتيل. |
الملاحظ في الجدول أن الأمكنة منها ما كان حقيقيا بناء على التشكيل السردي للرواية ونسج أحداثها، ومنها ما هو خيالي وكله يتعلق بالعالم المظلم الذي كانت تعيش فيه رتيل بعد منتصف الليل فكل جزء منه هو خيال في واقع رتيل وحقيقة في عالمها المظلم ككل بكل جزء فيه وكل مكون هو قابع في عقلها ومخيلتها، وهكذا نلاحظ أن الفضاء أو الحيز المكاني لا يشترط أن يكون مكانا واقعيا، فالروائية جعلت من خيال البطلة هندسة شكّلت داخله عالما بملامح حقيقية تكاد تلامس واقع القارئ وتصحبه بين زواياه، حتى يخال أنه واقع، بينما هو في الحقيقة تجسيد لحالة الهذيان والاكتئاب اللذين عانت منهما رتيل ما جعلها ترسم هذا العالم وتهرب إليه وكأنها تهرب من نفسها لنفسها.
الخاتمة
وفي الختام توصلت إلى النتائج الآتية :
-
-جاءت السيميائية السردية على اختلاف منظريها ومرجعياتهم لتوفير الآليات المناسبة لمختلف القوالب السردية في سبيل استنطاق دلالاتها الكامنة ولتجعل من المتلقي قارئا منتجا.
-
-ساهم المنهج السيميائي بقدر كبير في تجديد الوعي النقدي من خلال إعادة النظر في طريقة التعامل مع أشكال المعنى وقضاياه.
-
-لم يلتزم الخط السردي في الرواية بتسلسل زمني للأحداث، بل عرف خلخلة واسترجاعات واستباقات كثيرة تماشت وأحداث الرواية وحركية الشخصيات وديناميكيتها.
-
-وظفت الروائية أغلب التقنيات الزمنية للسرد وهي من التقنيات التي تدخل في نطاق التجريب السردي.
-
-برعت الروائية في استخدام الخيال الفني في رسم وتشكيل الفضاء السردي داخل الرواية، فرسمت عالما خياليا يكاد يجزم القارئ أنه واقع من خلال تصوير دقيق يحاكي الحقيقة.
-
-استطاعت الروائية على مستوى بناء الشخصيات تصوير حالة مرضية وهي الاكتئاب المتمثلة في الشخصية الرئيسية، حيث جعلت من خيال البطلة هندسة شكّلت داخله عالما بملامح حقيقية تكاد تلامس واقع القارئ، بينما هو في الحقيقة تجسيد لحالة الهذيان والاكتئاب اللذين عانت منهما البطلة.