مقدمة
خلق الله عزو جل الناس وجعلهم شعوبا وقبائل وأمم ليتعارفوا منذ ان وجد الانسان على هذه الأرض، هذا التعارف قام على أسس واليات تطورت بمرور الزمن اين اصبح الاعلام احد اهم حلقات التواصل والتعامل بين الدول والشعوب المختلفة خاصة مع تطور وسائل الاتصال والتواصل وزيادة درجات الانكشافية الإعلامية في زمن العولمة بحيث اصبح العالم فعلا قرية صغيرة.
من جهة أخرى انتجت هذه التفاعلات الإعلامية والتواصل الافتراضي إشكالية أخرى تتمثل في صراع بين الأفكار التي تنامت خاصة بعد احداث 11 سبتمبر اين تمت تغذية هذه الأفكار بعد تزايد تأثير نظرية صراع الحضارات لصمويل هنتغتون التي تفسر العلاقات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة على الصراع في الأفكار والحضارات بين الغرب المسيحي والحضارة الإسلامية وأيضا اقتصاديا مع الحضارة الكونفشيوسية ولقيت هذه النظرية صدى كبير خاصة لدى الغرب وصانعوا القرار وتحديدا في الولايات المتحدة الامريكية ورغم بروز تيارات واتجاهات تؤكد على ضرورة التلاقي والتأخي بين الشعوب والحضارات الا ان التسويق الإعلامي لعب دورا أساسيا خاصة الاعلام الجديد.
رغم ان الاعلام التقليدي تراجع اما تدفقات الاعلام الجديد الا انه لعب دورا أساسيا في تزايد درجات الحدية بين الشعوب خاصة انها تتناول موضوعات تمس الهوية تحديدا الدين والعادات وبالتالي تزايدت درجات الاستقطاب بين المجتمعات خاصة المسلمة والمسيحية مما ادخل الكراهية بين مكونات المجتمع الواحد واحدث خللا في المكون الهوياتي ومن هذا المنطلق نطرح إشكالية أساسية وهي ما هي حدود تأثير الاعلام التقليدي والجديد في الهوية وزيادة درجات الكراهية؟
و يعتبر المثال الفرنسي احسن مثال على ذلك حيث لعبت جريدة ايبدو الفرنسية ذات الطابع السخري ان تتناول المعتقدات الإسلامية بشكل هزلي على صفحات مجلتها من منطلق حرية الاعلام والتعبير وقد سبقتها من قبل دانمارك ولكن ما قامت به دفع الى زيادة درجات الكراهية داخل المجتمع الفرنسي تحديدا وبين الغرب والمسلمين عموما عبر مواقع التواصل الاجتماعي اين ادي الى اعمال قتل.
ومن هذا المنطلق قمنا بدراسة ميدانية عبر توزيع استبيان على عينات في المجتمع الفرنسي بين مكون مسلم وغير المسلمين في فرنسا حول الخطاب الإعلامي والكراهية بهدف تحليل ميداني واستقراء لمدى تأثير وسائل الاعلام الجديد والتقليدي على خطاب الكراهية بين المجتمعات وداخل المجتمع الواحد وأيضا دراسة كيف يساهم هذا الاعلام في نشر قيم التسامح والسلام في العالم.
1. الإطار العام للدراسة
1.1. مفهوم الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي
قبل التطرق للإعلام الجديد لا بد ان نقدم مفهوم الاعلام بشكل عام حيث يعرفه العالم الألماني اتو جروت «بانه التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير ولروحها وميولها واتجاهاتها في الوقت نفسه» ( عوفي 2010 : 5) ومن خلال هذا التعريف نجد ان الباحث ركز على جزئية انعكاسية الاعلام لواع الناس ومجتمعاتهم بمعني انه يعطي تصورا على البيئة التي يتفاعل فيها الناس الناس.
وفي تعريف اخر للإعلام
«هو كل نشاط او فعل اتصالي مدروس ومخطط وموجه يسعى الى تحقيق اهداف القائم بالاتصال ويشكل مزيجا مركب من الأيديولوجيا والدعاية والعلاقات العامة والتسويق ويهدف الى تحقيق مصالح محددة» (صرايرة 2013 أ: 16)
فهذا التعريف يتحدث عن امر اكثر تخصصا للإعلام وتفكيك مكوناته والمتمثلة في ابعاد الاعلام كالتسويق والدعاية وغيرها لخدمة العملية الاتصالية بمعني ان هذا التعريف يتحدث على ان الاعلام هو موجه للمجتمع وليس انعكاسا له فقط.
من خلال التعريفين السابقين يتبين ان تعريف الاعلام ارتبط بتحول وسائل الاعلام من التقليدي والمعروفة بالتلفزيون والإذاعة والجرائد الى الوسائل الجديدة كمواقع التواصل الاجتماعي والصحف الرقمية، فمنذ عقد التسعينات أعطت الانترنت دفعا غير محدود حيث اثرت الانترنت على الخريطة الاتصالية الحالية والتي تبنت وسائل جديدة تعبر عن ملامحها كالمدونات والمنتديات وهذا اعطى مجالا جديدة واكبر للحرية والتعبير عن الراي.
وهنا ظهر مصطلح اخر او مفهوم اخر وهو الاعلام الالكتروني والذي يمكن ان نعرفه «بانه مزيج بين المواد المنتجة بتكنولوجيات النص والصوت والصورة ولقطات الفيديو في المجتمع الواحد وهذا عبر مواقع شبكة الانترنت» ( فندوشي 2010 : 128) . فالإعلام الالكتروني اصبح يعتبر اكثر الفضاءات استخداما من طرف الناس والأكثر انتشارا وهذا ما تعبر عنه الأرقام حيث بدأت سنة 1990 10 صحف الكترونية لتبلغ سنة 2000 الى 4500 صحيفة ( فندوشي 2010 : 131 ) وهذا يعبر عن حقيقة التطور والانتشار والتأثير للإعلام الالكتروني .
وظهرت العديد من الاشكال للإعلام الالكتروني خاصة مواقع التواصل الاجتماعي حيث قدم مفهوم مواقع التواصل الاجتماعي بأشكال عديدة، فلقد عرف السون وبويد الشبكات الاجتماعية بأنها
« مواقع تتشكل من خلال الإنترنت، تسمح للأفراد بتقديم لمحة عن حياتهم العامة، وإتاحة الفرصة للاتصال بقائمة المسجلين، والتعبير عن وجهة نظر الأفراد أو المجموعات من خلال عملية الاتصال، وتختلف طبيعة التواصل من موقع لآخر. » ( صفاء2016 ).
وفي تعريف أخر لمعروف عبد الرحماني « بأنها المواقع التي تقوم على واقع افتراضي يسمح بالتواصل بوسائل الكترونية لأغراض متنوعة وعديدة » ( معروف 2013 ب : 15)
و بالتالي نجد ان هذه المواقع أعطت تصورات جديدة لما يعرف بالديمقراطية الرقمية ولكن قبل التطرق لهذا المفهوم والمتغير الجديد سنقدم تفصيلا لهذه المواقع والمفاهيم القريبة منها.
و يمكن تلخيص أهم أنواع المواقع التواصل الاجتماعي حسب الدكتورة صفاء زمان : (صفاء2016) :
• المدونات (Blogs) :
هذا الموقع مثال لمدونة شخصية، كما يوجد العديد من أنواع المدونات، بعضها يختص بتناقل معلومات عن الأخبار بكل أنواعها، أما الآخر فيختص بأمور شخصية ويومية. ومن أهم برامج المدونات: Blogger, ExpressionEngine, LiveJournal, Open Diary, TypePad, WordPress, Xanga
فكلمة بلوغ BLOG فهي اختصار WEB.LOG والمقصود بها سجلات الويب وجاء هذا الاختصار على أي موقع ينشئه ويديره شخص مستقل ليس تابع لاي جهة وعرفت انتشارا كبيرا بعد احداث 11 سبتمبر 2001 (غطاس2009 :85)
-
مواقع الترابط الشبكي الاجتماعي او شبكات التواصل الاجتماعي: لعل من أشهر هذه المواقع هو موقع فيس بوك ولينكيدان وهي مواقع تمكن المستخدمين من التواصل المباشر يبعضهم ومشاركة الاهتمامات والفعاليات، كما يمكن استخدام تلك المواقع للبحث عن أصدقاء الدراسة أو البحث عن عمل جديد أو حتى التعرف على كل ما هو جديد في حياة من تعرف من دون الحاجة للسؤال المباشر، فهذه المواقع توفر العديد من الفوائد للمستخدمين. ومن أهم مواقع الترابط الإجتماعي : ( صفاء2010)
ASmallWorld, Bebo, Diaspora, Facebook, Hi5, LinkedIn, MySpace, Ning, Orkut, Plaxo, Tagged, XING , IRC, Yammer
من خلال التعاريف السابقة نصل الى أحد مخرجات هذه التطورات الكبيرة للإعلام الجديد والرقمي الا وهي الديمقراطية الرقمية هذا الذي ارتبط لدى ذهن وفكر الفرد العربي بالربيع العربي الذي بدا سنة 2011 ويمكن ان نقدم تعريفا للديمقراطية الرقمية
«هي توظيف أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرقمية في توليد وجمع وتصنيف ومعالجة وتداول كل البيانات والمعلومات والمعارف المتعلقة بممارسة قيم الديمقراطية والياتها المختلفة بغض النظر عن نوع هذه الديمقراطية»
وبالتالي نجد ان الديمقراطية الرقيمة ليست شكل جديدا او نوعا حديثا من الديمقراطية بقدر ما هي الية تسمح للأفراد والمجتمعات بممارسة العمل الديمقراطي كالاحتجاج والتعبير عن الراي وتفعيل دور المجتمع المدني واستطلاع الراي ونشر الصور والمعلومات وغيرها من مظاهر العمل الديمقراطي دون مراعاة طبيعة النظام السياسي القائم.
2.1. محددات خطاب الكراهية
من الضروري ان نقدم تعريفا للكراهية ومحدداتها حتى نتمكن من ضبط حدود متغيرات الدراسة التي تقوم على ثنائية خطاب الكراهية وإشكالية توظيف الإعلام في بناء قيم التسامح داخل المجتمع وبين الشعوب.
فالكراهية لغة يقول ابن عاشور «الكره: الكراهية ونفرة الطبع من الشيء ومثله الكره على الأصح » . (مسفر 2006: 231 )
اما اصطلاحا فهي عديدة ونقدم تعريفا من باب التبسيط «الكراهية هي حالة انفعالية سلبية لتعارضها مع حاجات الفرد ودوافعه ومعتقداته ويمكن ان تتحول الى سلوك موجه ضد الموضوع المكروه»
فجل الدراسات الاكاديمية تقر بانه لا يوجد تعريف موحد مقبول عالميا لخطابات الكراهية يضع ضوابط لماهيتها ويتم اعتماده عالميا ويمكن ان نقدم تعريفا لخطاب الكراهية حسب مركز هردو لدعم التعبير الرقمي
«بانه أي نوع من الحديث او الخطابات يتضمن هجوما او تحريض او انتقاص او تحقير من شخص او مجموعة من الأشخاص بسبب ان احدهم او بعضهم او جميعهم يحملون صفة إنسانية مميزة مثل العرق او الدين او النوع الاجتماعي او الإعاقة او الراي السياسي او الطبقة الاجتماعية حيث يستخدم هذا الخطاب لنشر الكراهية ضد حاملي تلك الصفات» ( هردو 2016 : 6)
اين نجد ان هذه المؤسسة عرفت خطاب الكراهية من منظور التميز بين المجموعات الإنسانية اين تقوم مجموعة بتوجيه خطاب كراهية ضد الأخرى بما يتنافى عنهم بصفات مختلفة.
و حسب تعريف المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان لخطاب الكراهية كما يلي «هي الكراهية الموجهة ضد اشخاص او مجموعات من الأشخاص على خلفية انتمائهم العرقي او أسس دينية او لمجرد آرائهم» (بوجلال 2020: 283) وبالتالي نجد ان المحكمة الأوروبية ركزت على أساس التميز العرقي او الديني او السياسي أي حصرتها في هذه الحالات وتركت باب التأويل مفتوح للمحاكم الوطنية لتحدد نطاقها.
اما المعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية فإنها تعرف الكراهية حسب المادة 20 بانها «أي عملية تحريض على التمييز او العداوة او العنف» (هردو 2016: 9) وبالتالي فالمعهد الدولي جعل الكراهية في الدعوة أي الفعل في حد ذاته.
وبالتالي نجد الكراهية وخطاب الكراهية له محددات عديدة يمكن حصرا في ما يلي حسب خطاب الأمين العام للأمم المتحدة : (غوتيرش 2019) :
-
التعصب للراي
-
العنف في التعبير والتعبير المضاد
-
مصادرة راي الاخرين
من ناحية أخرى حدد مركز هردو خصائص خطاب الكراهية كما يلي: (هردو 2016: 11)
-
حجم التعبير وقدرته على الانتشار حيث يجب ان يكون قد تم توجيهه علانية للجمهور مع اخذ بعين الاعتبار الوسيلة التي تم بها.
-
محتوى التعبير أي ماذا يحتوي ولمن هو موجه.
-
نية قائل التعبير حيث تؤكد على ان النية مهمة فهي تدل على ان المحرض يهدف الى إقامة عداوة وكراهية ام لا.
من خلال ما سبق نستنتج ان الكراهية وخطاب الكراهية له محددات تدل على زرع الشقاق والخلاف وإلحاق الضرر بكل أنواع اتجاه طرف اخر عبر وسائل عديدة وأهمها الاعلام.
2. مستويات تأثير الاعلام على خطاب الكراهية من خلال حالة شارلي ايبدو
يعتبر الاعلام محور أساسي في الحياة العامة بل يعتبر اهم وسيلة في الوقت الحاضر تسمح ببناء اليات التلقي بين مختلف المكونات المجتمعية والأنظمة السياسية وحتى الدولية وبالتالي مستويات التأثير ما بين الاعلام وعمليات التأسيس لخطاب الكراهية كما يلي :
-
استراتيجية التوجيه : يقوم الاعلام على التأثير على الأصعدة المختلفة والممارسات اين نجد مثلا خلال الحروب والصراعات تكون التغطية الإعلامية اقرب الى الفعل الدعائي وفي نفس الوقت بعيدة كل البعد عن المهنية واخلاقيات العمل الإعلامي بحيث تتحول وسائل الاعلام الى أدوات لتنفيذ سياسات الدولة واستراتيجياتها والعمل على ترسيخ أفكار معينة لدى عقول الافراد. ( بلعربي 2018 : 151)
و يمكن ان نلاحظ بان الإسلام يعتبر من بين المواضيع المهمة في الاعلام الفرنسي خاصة ان فرنسا تركز على علمانية الدولة من خلال استبعاد أي يرمز يبين هوية المكون الديني لمواطنيها خاصة انها ذهبت الى حد منع ارتداء الحجاب في المدارس وأماكن العمل وبالتالي نجد ان الإسلام يعتبر محور النقاشات السياسية والإعلامية في الوسط العام الفرنسي .
و لهذا تتجه بعض الدوائر السياسية الى توظيف الاعلام لخدمة بعض التيارات السياسية او حتى الفكرية من خلال توجيه الافراد نحو سياقات فكرية لخدمة بعض التيارات السياسية وهذا ما تم فعلا حيث يتخلى الصحفي هنا عن خدمة القضية الكلية ويتجه الى الفعل بما يهدد اخلاقيات المهنة. -
استراتيجية التعبئة يقوم الاعلام بتعبئة الراي العام اتجاه قضية معينة وهذا ما يحدث عموما حسب القضية اما سياسية او اقتصادية او اجتماعية وهذا ما حدث بعد وقع حادثة الاعتداء على جريدة شارلي ايبدو الذي وقع بتاريخ 7 جانفي 2015 بالعاصمة الفرنسية باريس حيث وقع هجوم مسلح من طرف ملثمين يرفعون شعارات تنادي بالانتقام للإسلام حيث خلفت هذه الاعتداءات 12 شخصا من بينهم شرطي مسلم وبعدها تم الاعتداء على متجر يهودي وهذا الهجوم طبعا جاء بعد نشر جريدة شارلي ايبدوا رسوما مسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام وهي صحيفة ذات توجه يساري . (الجزيرة 2015 )
و بعد هذا الهجوم بدا الاعلام الفرنسي في توجيه الراي العام الفرنسي وحتى العالمي للخطر كما تسميه التيار السلفي الجهادي واهم جريدة تناولت موضوع الاعتداءات هي جريدة لموند الفرنسية حيث خصصت 46 بالمئة من صفحات عددها الصادر خلال شهر فيفري 2015 لأحداث شارلي ايبدو وخصصت الصفحة الأولى والأخيرة للموضوع ( بلعربي 2018 : 157)، وبالتالي عمل الاعلام على توجيه الراي العام نحو هذه القضية التي زادت من حدة الاهتمام بل حتى الكراهية اتجاه المسلمين خاصة التيار السلفي الجهادي وزاد معها معدل الاسلاموفوبيا ومعاداة المسلمين في فرنسا وأوروبا عموما.
من جهة أخرى لعب الاعلام الجديد خاصة اليوتيوب على تأثير كبير لقضية الاعتداء حيث تم تداول الفيديو عبر اليوتيوب وهذا ما دفع الى دور هذه الوسيلة في بناء الكراهية فنسبة متابعة اشرطة عبر المحرضة ضد الجريدة بعد النشر كان ضعيفا من حيث اليوتيوب بل كان نشطا عبر صفحات الفيسبوك والاعلام التقليدي والمتمثل في القنوات الفضائية ولكن بعد الاعتداء على الجريدة كان اليوتيوب هو الأكثر استقطابا للمشاهدة والتأثير خاصة عند الغرب وهذا ما عزز من درجات الكراهية خاصة بعد نشر القاعدة لبيان يثبت فيه تبنيه الهجوم . ( الجزيرة 2015) . -
استراتيجية تكييف المحتوى والمقصود هنا ان القيم التي يحملها الغرب والتي تتمثل في الديمقراطية وحرية التعبير المكفولة دستوريا أصبحت هي نفسها محتوى للتحريض على الكراهية خاصة ان الاعلام الفرنسي ولكن ليس بالشكل الظاهر انما من خلال تكييف المحتوى الإعلامي لإعادة تقييم الوضع الداخلي من خلال وضع مساقات لتوجيه قيم الإسلام في المجتمعات الأوروبية بحيث يتماشى مع القيم الغربية خاصة ان الاعلام الغربي والفرنسي يركز على ضرورة محاربة الإسلام المتطرف او الجهادي داخل الأراضي الفرنسية بدل من محاربتها في الخارج ( بلعربي 2018 : 160 )
-
استراتيجية تحويل النقاش والمقصود بها ان الاعلام يعمل على تقسيم المجتمعات وهذا حدث في فرنسا والتقسيم يعود حسب مستوى تجانس المجتمع وتزايد حدة الاستقطابات داخله خاصة ان فرنسا عرفت جدلا واسعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي المقابل عبر الفضائيات الفرنسية خاصة ان بعض اللاعبين رفضوا حمل شارات داعمة للمجلة الساخرة ( بلعربي 2018 : 162 ) وهذا أوقع جدلا في المواقع خاصة ودفع الى تحويل النقاش الى تعزيز القوانين اكثر اتجاه مسائل التطرف والإسلام وهنا يقع النقاش الذي يغذي الكراهية والكراهية المضادة.
وبالتالي نجد ان الاعلام عمل تأثيرات كبيرة على زرع الكراهية سواء بشكل مباشر ومنظم او غير مباشر مما أدى الى تزايد درجات الاستقطاب بل هدد تماسك المجتمع الفرنسي خاصة مع تزامن صعود تنظيم داعش وزيادة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي من طرف هذه المنظمات الإرهابية لهذه المواقع والخطاب المعادي للإسلام في الغرب مما يجعل الاعلام أفضل لوسيلة لهذا التنافر.
3. قراءة في نتائج الدراسة الميدانية
قامت دراستنا الميدانية على توزيع استبيان على عينات من المجتمع الفرنسي في شهر مارس 2015 على مستوى العاصمة الفرنسية باريس من خلال اختيار عينية واحدة من مسلمي فرنسا أي من ولدوا وعاشوا في فرنسا سواء اصولهم عربية ام أوروبية وعددها 100 شخص استرجعنا 81 استبيان والعينة الثانية من فرنسين لا ينتمون للدين الإسلامي وعدد العينة 100 استرجعنا 93 استبيان وقمنا بتفريغ النتائج التي جاءت كما يلي علما بان الاستبيان احتوى على 30 سؤال ما بين المفتوح والمقيد.
-
اول سؤال طرحناه ما رايك في ما نشرته جريدة شارلي ايبدو الفرنسية اتجاه المسلمين؟
نلاحظ ان هذا السؤال كان موجه لمسلمي فرنسا حيث عبر الأكثرية منهم على ان الامر مرفوض وغير مقبول تماما في حين ان 18 بالمئة منهم اعتبروا عن استنكارهم الشديد ومنهم من اعتبره حرية راي وان الامر لا يستحق كل الضجة التي أقيمت.
وبالتالي هناك رفض كبير لدى مسلمي فرنسا لما تنشره هذه الجريدة الساخرة خاصة ان ما تنشره يمس قيم المسلمين.
نفس السؤال طرح على الفرنسين من ديانات أخرى غير الإسلام فكانت النتائج كما يلي:
من خلال هذه الأرقام نجد ان الفرنسيين يعتبرون ان ما تنشره الجريدة يدخل ضمن حرية التعبير خاصة ان الجريدة تنشر أشياء تمس الدين المسيحي أيضا وبالتالي لماذا يستثني الدين الإسلامي.
و هذا يدفعنا الى طرح سؤال اخر على الفرنسيين من غير المسلمين حول فهم الدين الإسلامي رغم تعايش المسلمين منذ سنين عديدة من خلال سؤال ما نظرتكم لرفض المسلمين للرسومات المسيئة للإسلام؟
فنجد من خلال هذه النتائج ان الفرنسيين لا يعلمون عن الإسلام الكثير بحيث 20 بالمئة منهم لا يعلم شيء عن الإسلام بشكل نهائي في حين ان نظرة 43 بالمئة أي ما يقارب النص تعتبره دين متشدد و16 بالمئة دين يحرض على الإرهاب وبالتالي هناك صورة مشوهة للإسلام عند الفرنسيين.
في سؤال اخر ما هي مصادر التعرف على الإسلام من طرف الفرنسيين سواء المسلمين او غير المسلمين
من الملاحظ ان الاعلام الجديد والانترنت هي المصدر الأول للتعرف على الإسلام ثم يأتي الاعلام التقليدي والمتمثل في المنشورات والجرائد المحلية والإذاعة وغيرها وبعدها الكتب واقل نسبة 1 بالمئة والمتمثلة في الجانب الرسمي وبالتالي الراي العام الفرنسي يتحكم في الاعلام الجديد والذي يخضع لتوجهات متعددة
ونفس السؤال بالنسبة للمسلمين الفرنسيين جاءت النتائج كما يلي
من خلال هذه النتائج نجد ان الاسرة هي الرابط الأساسي والأول للأجيال المسلمة في فرنسا بحكم أصولها المسلمة في حين يبقى الاعلام الجديد والانترنت مصدر ثاني للتعرف للإسلام وهنا تظهر اشكالية التعرف والبناء المعرفي حول الإسلام ككل وملاحظة هنا فقط ان المسجد اعتبر مكملا لدور الاسرة.
بعد حادثة شرلي ابدوا اردنا ان نفهم رؤية كل ما يتعلق بنظرة الفرنسيين اتجاه الاعلام وخاصة الجريدة حيث جاءت كما يلي:
طبعا الاعتداءات المسلحة اعتبرت عملا إرهابيا وغير مقبول ويخالف القانون والأعراف وتعاليم الدين
بالنسبة للمسلمين في فرنسا رؤيتهم للاعتداءات على صحيفة شارلي ايبدوا كانت كما يلي
نجد ان مسلمي فرنسا يعتبرون هذه الاعتداءات عمل اجرامي وغير مقبول وهم الأغلبية لكن نجد أيضا من يؤيد هذا العمل او يعتبره رد فعل طبيعي لما تنشره هذه الجريدة من سخرية على الإسلام وبالتالي هناك جزء لديه نظرة أخرى تختلف عن الأغلبية.
سؤال اخر طرح أي اعلام تعتبره مصدرا للكراهية اكثر لدي مكونات المجتمع الفرنسي وجاءت النتائج كما يلي
من خلال هذا المخطط البياني نجد ان كل مكونات المجتمع الفرنسي تعتبر ان الاعلام مصدرا للكراهية بسبب الخطاب المتشدد من طرف هذه الوسائل وهنا اعتبرت النتائج مغايرة للخطاب الرسمي الفرنسي خاصة ان الاعلام الجديد هو المصدر الأكثر ترويجا للكراهية وهذا يدفعنا لتناول أي المصادر الأكثر ترويجا للكراهية في الاعلام الجديد داخل المجتمع الفرنسي
من خلال هذا المخطط البياني نجد ان الفايسبوك هو الأكثر ترويجا للكراهية من وجهة نظر مسلمي فرنسا لأنه غير متحكم فيه وينشر مقاطع كما يشاء أي فرد والأخطر هو الصفحات التي توجه هذا الخطاب.
من خلال الدراسة السابقة أجرينا استبيان اخر بعد حوالي 14 شهرا من الاستبيان الأول أي في ماي 2016 من خلال استهداف عينة مكونة من 50 شخص في كل مجموعة بهدف معرفة التحولات التي حدثت بعد احداث السابقة اين كانت كما يلي:
حيث اول سؤال طرحناه هل تعتبر وسائل الاعلام مصدرا للكراهية مقارنة ما بين 2015 و2016؟
نجد من خلال هذه النتائج ان نسبة الاعتقاد بان وسائل الاعلام هي مصدرا للكراهية داخل المجتمع الفرنسي قد تناقصت سنة 2016 مقارنة بسنة 2015 وهذا من خلال تراجع وسائل الاعلام التقليدية والجديدة على تناول مواضع تمس بالمشاعر الدينية.
الخاتمة
من خلال ما سبق نجد ان الاعلام بقدر ما هو وسيلة للتواصل والتقارب وجعل المجتمعات تتفتح على بعضها البعض بقدر ما تسبب الاعلام في بناء جدران من الانقسام وزرع للكراهية خاصة مع تزايد الاحتكام لنظريات تؤسس للتصارع وخلقة مشكل الهوية داخل المجتمع الواحد.
و ليس معناه ان الاعلام كله سلبيات فهو أيضا يضم خطابا متوازنا يعمل على تقريب وجهات النظر والعمل على اذابة الخلافات والاختلافات.
و لهذا اردنا تقديم مجموعة من التوصيات في هذا المجال لخصناها في النقاط التالية :
-
تثمين دور وسائل الاعلام في خلق تقارب بين وجهات النظر من خلال طرح خطاب متوازن وعقلاني.
-
تبني استراتيجية استباقية ووقائية لمواجهة التهديدات الأمنية خاصة في ما يتعلق بإشكاليات الهوية التهديدات المجتمعية.
-
وضع استراتيجيات فعالة لمواجهة خطاب الكراهية عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال وضع صفحات متخصصة موجهة لبث قيم التسامح وتقارب المجتمعات والعمل على ما يجمع.
-
وضع خطاب ديني متوازن يعمل على جمع كل مكونات المجتمع
-
تفعيل دور اقسام الاعلام بالجامعة من اجل وضع خرائط إعلامية تقوم برسم محتوى اعلام يشجع على التسامح ونبذ العنف والكراهية
-
ضرورة مواكبة الاعلام الجديد وتطوير محتواه من طرف الحكومات لكي تستطيع وضع أسس الامن المجتمعي.