الكراهية والكراهية المضادة في أوروبا بين استقطاب مواقع التواصل الاجتماعي وخطاب الإعلام التقليدي: جريدة شارلي ايبدو انموذجا

La haine et la contre-haine en Europe : le rôle de la polarisation sur les réseaux sociaux et du discours des médias traditionnels – Le cas de Charlie Hebdo

Hatred and Counter-Hatred in Europe: The Role of Social Media Polarization and Traditional Media Discourse – The Case of Charlie Hebdo

فؤاد جدو

p. 287-301

Citer cet article

Référence papier

فؤاد جدو, « الكراهية والكراهية المضادة في أوروبا بين استقطاب مواقع التواصل الاجتماعي وخطاب الإعلام التقليدي: جريدة شارلي ايبدو انموذجا  », Aleph, Vol 11 (4-2) | 2024, 287-301.

Référence électronique

فؤاد جدو, « الكراهية والكراهية المضادة في أوروبا بين استقطاب مواقع التواصل الاجتماعي وخطاب الإعلام التقليدي: جريدة شارلي ايبدو انموذجا  », Aleph [En ligne], Vol 11 (4-2) | 2024, mis en ligne le 25 novembre 2024, consulté le 12 décembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/13333

يعتبر الاعلام من بين اهم الوسائل التي تمكن من التواصل والاتصال بين مختلف مكونات المجتمع وقطاعات الدولة ومع التحولات التي يعرفها العالم اصبح هذا الفضاء الإعلامي مكانا لطرح الأفكار والتوجهات المختلفة ومن بينها الأفكار المتطرفة والتي تجد انتشارا واسعا في فضاءات الاعلام الجديد الذي لا يخضع لا لرقابة ولا لضوابط وبالتالي سقف التعبير كبير ومفتوح ونجد في المقابل الاعلام التقليدي لم تستطع مواكبة عمليات الاستقطاب الإعلامية في مواقع التواصل الاجتماعي خاصة في المجتمعات الغربية التي أصبحت تتبنى خطابات تبين الكراهية ضمن تصاعد اليمين المتطرف في هذه الدول خاصة ضد الجاليات المسلمة وهذا لاعتبارات سياسية وامنية واقتصادية وهنا وجدت ثنائية مزدوجة للكراهية والكراهية المضادة والتي تولد العنف كمنفذ لها وهذا ما سنتناوله في هذه الورقة البحثية من خلال التطرق لحادثة شارل ابدوا بفرنسا وكيف تبنت هذه الجريدة خطابا ونسقا مستفزا لمشاعر المسلمين مما خلق خطابا اخر على مستوى الاعلام الجديد يهاجم فيه المجتمع الغربي واستخدام العنف وبالتالي استخدام التطرف لدى جميع الأطراف كنمط وسياسة مجتمعية ثابتة .

Les médias sont parmi les moyens les plus importants de communication entre les différentes composantes de la société et les secteurs de l’État. Avec les transformations que le monde sait, cet espace médiatique est devenu un lieu pour mettre en avant différentes idées et tendances, y compris les idées extrémistes qui trouvent une large diffusion dans les nouveaux espaces médiatiques qui sont incontrôlés et non contrôlés et donc le plafond d’expression est grand et ouvert.

En revanche, les médias traditionnels n’ont pas été en mesure de suivre le rythme des polarisations des médias sur les sites de médias sociaux, en particulier dans les sociétés occidentales, qui sont devenues des discours haineux dans la montée de l’extrême droite dans ces pays, en particulier contre les communautés musulmanes, en raison de considérations politiques, sécuritaires et économiques.

Nous avons trouvé une double dichotomie entre la haine et la haine qui engendre la violence en tant qu’exécuteur testamentaire. C’est ce que nous aborderons dans ce document en abordant l’incident de Charles Hebdo en France et comment ce journal a adopté un discours provocateur et format pour les sentiments des musulmans, créer une autre rhétorique au niveau des nouveaux médias qui attaque la société occidentale et l’utilisation de la violence et donc l’utilisation de l’extrémisme de toutes les parties comme une politique sociale constante.

Media is among the most important means of communicating and communicating between the various components of society and the sectors of the State. With the transformations that the world knows, this media space has become a place to put forward different ideas and trends, including extremist ideas that find a wide spread in new media spaces that are uncontrolled and not controlled, and therefore the ceiling of expression is large and open.

In contrast, the traditional media has not been able to keep pace with media polarizations on social media sites, especially in Western societies, which have become adopting hate speeches with the rise of the far right in these countries, especially against Muslim communities, due to political, security and economic considerations.

We have found a double dichotomy of hatred and anti-hatred that generates violence as an executor. This is what we will address in this paper by addressing the incident of Charles Hebdo in France and how this newspaper adopted a provocative speech and format for the feelings of Muslims, creating another rhetoric at the new media level that attacks Western society and the use of violence and therefore the use of extremism of all parties as a constant societal policy.

مقدمة

خلق الله عزو جل الناس وجعلهم شعوبا وقبائل وأمم ليتعارفوا منذ ان وجد الانسان على هذه الأرض، هذا التعارف قام على أسس واليات تطورت بمرور الزمن اين اصبح الاعلام احد اهم حلقات التواصل والتعامل بين الدول والشعوب المختلفة خاصة مع تطور وسائل الاتصال والتواصل وزيادة درجات الانكشافية الإعلامية في زمن العولمة بحيث اصبح العالم فعلا قرية صغيرة.

من جهة أخرى انتجت هذه التفاعلات الإعلامية والتواصل الافتراضي إشكالية أخرى تتمثل في صراع بين الأفكار التي تنامت خاصة بعد احداث 11 سبتمبر اين تمت تغذية هذه الأفكار بعد تزايد تأثير نظرية صراع الحضارات لصمويل هنتغتون التي تفسر العلاقات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة على الصراع في الأفكار والحضارات بين الغرب المسيحي والحضارة الإسلامية وأيضا اقتصاديا مع الحضارة الكونفشيوسية ولقيت هذه النظرية صدى كبير خاصة لدى الغرب وصانعوا القرار وتحديدا في الولايات المتحدة الامريكية ورغم بروز تيارات واتجاهات تؤكد على ضرورة التلاقي والتأخي بين الشعوب والحضارات الا ان التسويق الإعلامي لعب دورا أساسيا خاصة الاعلام الجديد.

رغم ان الاعلام التقليدي تراجع اما تدفقات الاعلام الجديد الا انه لعب دورا أساسيا في تزايد درجات الحدية بين الشعوب خاصة انها تتناول موضوعات تمس الهوية تحديدا الدين والعادات وبالتالي تزايدت درجات الاستقطاب بين المجتمعات خاصة المسلمة والمسيحية مما ادخل الكراهية بين مكونات المجتمع الواحد واحدث خللا في المكون الهوياتي ومن هذا المنطلق نطرح إشكالية أساسية وهي ما هي حدود تأثير الاعلام التقليدي والجديد في الهوية وزيادة درجات الكراهية؟

و يعتبر المثال الفرنسي احسن مثال على ذلك حيث لعبت جريدة ايبدو الفرنسية ذات الطابع السخري ان تتناول المعتقدات الإسلامية بشكل هزلي على صفحات مجلتها من منطلق حرية الاعلام والتعبير وقد سبقتها من قبل دانمارك ولكن ما قامت به دفع الى زيادة درجات الكراهية داخل المجتمع الفرنسي تحديدا وبين الغرب والمسلمين عموما عبر مواقع التواصل الاجتماعي اين ادي الى اعمال قتل.

ومن هذا المنطلق قمنا بدراسة ميدانية عبر توزيع استبيان على عينات في المجتمع الفرنسي بين مكون مسلم وغير المسلمين في فرنسا حول الخطاب الإعلامي والكراهية بهدف تحليل ميداني واستقراء لمدى تأثير وسائل الاعلام الجديد والتقليدي على خطاب الكراهية بين المجتمعات وداخل المجتمع الواحد وأيضا دراسة كيف يساهم هذا الاعلام في نشر قيم التسامح والسلام في العالم.

1. الإطار العام للدراسة

1.1. مفهوم الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي 

قبل التطرق للإعلام الجديد لا بد ان نقدم مفهوم الاعلام بشكل عام حيث يعرفه العالم الألماني اتو جروت «بانه التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير ولروحها وميولها واتجاهاتها في الوقت نفسه» ( عوفي 2010 : 5) ومن خلال هذا التعريف نجد ان الباحث ركز على جزئية انعكاسية الاعلام لواع الناس ومجتمعاتهم بمعني انه يعطي تصورا على البيئة التي يتفاعل فيها الناس الناس.

وفي تعريف اخر للإعلام

«هو كل نشاط او فعل اتصالي مدروس ومخطط وموجه يسعى الى تحقيق اهداف القائم بالاتصال ويشكل مزيجا مركب من الأيديولوجيا والدعاية والعلاقات العامة والتسويق ويهدف الى تحقيق مصالح محددة» (صرايرة 2013 أ: 16)

فهذا التعريف يتحدث عن امر اكثر تخصصا للإعلام وتفكيك مكوناته والمتمثلة في ابعاد الاعلام كالتسويق والدعاية وغيرها لخدمة العملية الاتصالية بمعني ان هذا التعريف يتحدث على ان الاعلام هو موجه للمجتمع وليس انعكاسا له فقط.

من خلال التعريفين السابقين يتبين ان تعريف الاعلام ارتبط بتحول وسائل الاعلام من التقليدي والمعروفة بالتلفزيون والإذاعة والجرائد الى الوسائل الجديدة كمواقع التواصل الاجتماعي والصحف الرقمية، فمنذ عقد التسعينات أعطت الانترنت دفعا غير محدود حيث اثرت الانترنت على الخريطة الاتصالية الحالية والتي تبنت وسائل جديدة تعبر عن ملامحها كالمدونات والمنتديات وهذا اعطى مجالا جديدة واكبر للحرية والتعبير عن الراي.

وهنا ظهر مصطلح اخر او مفهوم اخر وهو الاعلام الالكتروني والذي يمكن ان نعرفه «بانه مزيج بين المواد المنتجة بتكنولوجيات النص والصوت والصورة ولقطات الفيديو في المجتمع الواحد وهذا عبر مواقع شبكة الانترنت» ( فندوشي 2010 : 128) . فالإعلام الالكتروني اصبح يعتبر اكثر الفضاءات استخداما من طرف الناس والأكثر انتشارا وهذا ما تعبر عنه الأرقام حيث بدأت سنة 1990 10 صحف الكترونية لتبلغ سنة 2000 الى 4500 صحيفة ( فندوشي 2010 : 131 ) وهذا يعبر عن حقيقة التطور والانتشار والتأثير للإعلام الالكتروني .

وظهرت العديد من الاشكال للإعلام الالكتروني خاصة مواقع التواصل الاجتماعي حيث قدم مفهوم مواقع التواصل الاجتماعي بأشكال عديدة، فلقد عرف السون وبويد الشبكات الاجتماعية بأنها

« مواقع تتشكل من خلال الإنترنت، تسمح للأفراد بتقديم لمحة عن حياتهم العامة، وإتاحة الفرصة للاتصال بقائمة المسجلين، والتعبير عن وجهة نظر الأفراد أو المجموعات من خلال عملية الاتصال، وتختلف طبيعة التواصل من موقع لآخر. » ( صفاء2016 ).

وفي تعريف أخر لمعروف عبد الرحماني «  بأنها المواقع التي تقوم على واقع افتراضي يسمح بالتواصل بوسائل الكترونية لأغراض متنوعة وعديدة » ( معروف 2013 ب : 15)

و بالتالي نجد ان هذه المواقع أعطت تصورات جديدة لما يعرف بالديمقراطية الرقمية ولكن قبل التطرق لهذا المفهوم والمتغير الجديد سنقدم تفصيلا لهذه المواقع والمفاهيم القريبة منها.

و يمكن تلخيص أهم أنواع المواقع التواصل الاجتماعي حسب الدكتورة صفاء زمان : (صفاء2016) :

• المدونات (Blogs) :

هذا الموقع مثال لمدونة شخصية، كما يوجد العديد من أنواع المدونات، بعضها يختص بتناقل معلومات عن الأخبار بكل أنواعها، أما الآخر فيختص بأمور شخصية ويومية. ومن أهم برامج المدونات: Blogger, ExpressionEngine, LiveJournal, Open Diary, TypePad, WordPress, Xanga

فكلمة بلوغ BLOG فهي اختصار WEB.LOG والمقصود بها سجلات الويب وجاء هذا الاختصار على أي موقع ينشئه ويديره شخص مستقل ليس تابع لاي جهة وعرفت انتشارا كبيرا بعد احداث 11 سبتمبر 2001 (غطاس2009 :85)

  • مواقع الترابط الشبكي الاجتماعي او شبكات التواصل الاجتماعي: لعل من أشهر هذه المواقع هو موقع فيس بوك ولينكيدان وهي مواقع تمكن المستخدمين من التواصل المباشر يبعضهم ومشاركة الاهتمامات والفعاليات، كما يمكن استخدام تلك المواقع للبحث عن أصدقاء الدراسة أو البحث عن عمل جديد أو حتى التعرف على كل ما هو جديد في حياة من تعرف من دون الحاجة للسؤال المباشر، فهذه المواقع توفر العديد من الفوائد للمستخدمين. ومن أهم مواقع الترابط الإجتماعي : ( صفاء2010)
    ‏ASmallWorld, Bebo, Diaspora, Facebook, Hi5, LinkedIn, MySpace, Ning, Orkut, Plaxo, Tagged, XING , IRC, Yammer

من خلال التعاريف السابقة نصل الى أحد مخرجات هذه التطورات الكبيرة للإعلام الجديد والرقمي الا وهي الديمقراطية الرقمية هذا الذي ارتبط لدى ذهن وفكر الفرد العربي بالربيع العربي الذي بدا سنة 2011 ويمكن ان نقدم تعريفا للديمقراطية الرقمية

«هي توظيف أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرقمية في توليد وجمع وتصنيف ومعالجة وتداول كل البيانات والمعلومات والمعارف المتعلقة بممارسة قيم الديمقراطية والياتها المختلفة بغض النظر عن نوع هذه الديمقراطية»

وبالتالي نجد ان الديمقراطية الرقيمة ليست شكل جديدا او نوعا حديثا من الديمقراطية بقدر ما هي الية تسمح للأفراد والمجتمعات بممارسة العمل الديمقراطي كالاحتجاج والتعبير عن الراي وتفعيل دور المجتمع المدني واستطلاع الراي ونشر الصور والمعلومات وغيرها من مظاهر العمل الديمقراطي دون مراعاة طبيعة النظام السياسي القائم.

2.1. محددات خطاب الكراهية 

من الضروري ان نقدم تعريفا للكراهية ومحدداتها حتى نتمكن من ضبط حدود متغيرات الدراسة التي تقوم على ثنائية خطاب الكراهية وإشكالية توظيف الإعلام في بناء قيم التسامح داخل المجتمع وبين الشعوب.

فالكراهية لغة يقول ابن عاشور «الكره: الكراهية ونفرة الطبع من الشيء ومثله الكره على الأصح » . (مسفر 2006: 231 )

اما اصطلاحا فهي عديدة ونقدم تعريفا من باب التبسيط «الكراهية هي حالة انفعالية سلبية لتعارضها مع حاجات الفرد ودوافعه ومعتقداته ويمكن ان تتحول الى سلوك موجه ضد الموضوع المكروه»

فجل الدراسات الاكاديمية تقر بانه لا يوجد تعريف موحد مقبول عالميا لخطابات الكراهية يضع ضوابط لماهيتها ويتم اعتماده عالميا ويمكن ان نقدم تعريفا لخطاب الكراهية حسب مركز هردو لدعم التعبير الرقمي

«بانه أي نوع من الحديث او الخطابات يتضمن هجوما او تحريض او انتقاص او تحقير من شخص او مجموعة من الأشخاص بسبب ان احدهم او بعضهم او جميعهم يحملون صفة إنسانية مميزة مثل العرق او الدين او النوع الاجتماعي او الإعاقة او الراي السياسي او الطبقة الاجتماعية حيث يستخدم هذا الخطاب لنشر الكراهية ضد حاملي تلك الصفات» ( هردو 2016 : 6)

اين نجد ان هذه المؤسسة عرفت خطاب الكراهية من منظور التميز بين المجموعات الإنسانية اين تقوم مجموعة بتوجيه خطاب كراهية ضد الأخرى بما يتنافى عنهم بصفات مختلفة.

و حسب تعريف المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان لخطاب الكراهية كما يلي «هي الكراهية الموجهة ضد اشخاص او مجموعات من الأشخاص على خلفية انتمائهم العرقي او أسس دينية او لمجرد آرائهم» (بوجلال 2020: 283) وبالتالي نجد ان المحكمة الأوروبية ركزت على أساس التميز العرقي او الديني او السياسي أي حصرتها في هذه الحالات وتركت باب التأويل مفتوح للمحاكم الوطنية لتحدد نطاقها.

اما المعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية فإنها تعرف الكراهية حسب المادة 20 بانها «أي عملية تحريض على التمييز او العداوة او العنف» (هردو 2016: 9) وبالتالي فالمعهد الدولي جعل الكراهية في الدعوة أي الفعل في حد ذاته.

وبالتالي نجد الكراهية وخطاب الكراهية له محددات عديدة يمكن حصرا في ما يلي حسب خطاب الأمين العام للأمم المتحدة : (غوتيرش 2019) :

  • التعصب للراي

  • العنف في التعبير والتعبير المضاد

  • مصادرة راي الاخرين

من ناحية أخرى حدد مركز هردو خصائص خطاب الكراهية كما يلي: (هردو 2016: 11)

  • حجم التعبير وقدرته على الانتشار حيث يجب ان يكون قد تم توجيهه علانية للجمهور مع اخذ بعين الاعتبار الوسيلة التي تم بها.

  • محتوى التعبير أي ماذا يحتوي ولمن هو موجه.

  • نية قائل التعبير حيث تؤكد على ان النية مهمة فهي تدل على ان المحرض يهدف الى إقامة عداوة وكراهية ام لا.

من خلال ما سبق نستنتج ان الكراهية وخطاب الكراهية له محددات تدل على زرع الشقاق والخلاف وإلحاق الضرر بكل أنواع اتجاه طرف اخر عبر وسائل عديدة وأهمها الاعلام.

2. مستويات تأثير الاعلام على خطاب الكراهية من خلال حالة شارلي ايبدو

يعتبر الاعلام محور أساسي في الحياة العامة بل يعتبر اهم وسيلة في الوقت الحاضر تسمح ببناء اليات التلقي بين مختلف المكونات المجتمعية والأنظمة السياسية وحتى الدولية وبالتالي مستويات التأثير ما بين الاعلام وعمليات التأسيس لخطاب الكراهية كما يلي :

  1. استراتيجية التوجيه : يقوم الاعلام على التأثير على الأصعدة المختلفة والممارسات اين نجد مثلا خلال الحروب والصراعات تكون التغطية الإعلامية اقرب الى الفعل الدعائي وفي نفس الوقت بعيدة كل البعد عن المهنية واخلاقيات العمل الإعلامي بحيث تتحول وسائل الاعلام الى أدوات لتنفيذ سياسات الدولة واستراتيجياتها والعمل على ترسيخ أفكار معينة لدى عقول الافراد. ( بلعربي 2018 : 151)
    و يمكن ان نلاحظ بان الإسلام يعتبر من بين المواضيع المهمة في الاعلام الفرنسي خاصة ان فرنسا تركز على علمانية الدولة من خلال استبعاد أي يرمز يبين هوية المكون الديني لمواطنيها خاصة انها ذهبت الى حد منع ارتداء الحجاب في المدارس وأماكن العمل وبالتالي نجد ان الإسلام يعتبر محور النقاشات السياسية والإعلامية في الوسط العام الفرنسي .
    و لهذا تتجه بعض الدوائر السياسية الى توظيف الاعلام لخدمة بعض التيارات السياسية او حتى الفكرية من خلال توجيه الافراد نحو سياقات فكرية لخدمة بعض التيارات السياسية وهذا ما تم فعلا حيث يتخلى الصحفي هنا عن خدمة القضية الكلية ويتجه الى الفعل بما يهدد اخلاقيات المهنة.

  2. استراتيجية التعبئة يقوم الاعلام بتعبئة الراي العام اتجاه قضية معينة وهذا ما يحدث عموما حسب القضية اما سياسية او اقتصادية او اجتماعية وهذا ما حدث بعد وقع حادثة الاعتداء على جريدة شارلي ايبدو الذي وقع بتاريخ 7 جانفي 2015 بالعاصمة الفرنسية باريس حيث وقع هجوم مسلح من طرف ملثمين يرفعون شعارات تنادي بالانتقام للإسلام حيث خلفت هذه الاعتداءات 12 شخصا من بينهم شرطي مسلم وبعدها تم الاعتداء على متجر يهودي وهذا الهجوم طبعا جاء بعد نشر جريدة شارلي ايبدوا رسوما مسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام وهي صحيفة ذات توجه يساري . (الجزيرة 2015 )
    و بعد هذا الهجوم بدا الاعلام الفرنسي في توجيه الراي العام الفرنسي وحتى العالمي للخطر كما تسميه التيار السلفي الجهادي واهم جريدة تناولت موضوع الاعتداءات هي جريدة لموند الفرنسية حيث خصصت 46 بالمئة من صفحات عددها الصادر خلال شهر فيفري 2015 لأحداث شارلي ايبدو وخصصت الصفحة الأولى والأخيرة للموضوع ( بلعربي 2018 : 157)، وبالتالي عمل الاعلام على توجيه الراي العام نحو هذه القضية التي زادت من حدة الاهتمام بل حتى الكراهية اتجاه المسلمين خاصة التيار السلفي الجهادي وزاد معها معدل الاسلاموفوبيا ومعاداة المسلمين في فرنسا وأوروبا عموما.
    من جهة أخرى لعب الاعلام الجديد خاصة اليوتيوب على تأثير كبير لقضية الاعتداء حيث تم تداول الفيديو عبر اليوتيوب وهذا ما دفع الى دور هذه الوسيلة في بناء الكراهية فنسبة متابعة اشرطة عبر المحرضة ضد الجريدة بعد النشر كان ضعيفا من حيث اليوتيوب بل كان نشطا عبر صفحات الفيسبوك والاعلام التقليدي والمتمثل في القنوات الفضائية ولكن بعد الاعتداء على الجريدة كان اليوتيوب هو الأكثر استقطابا للمشاهدة والتأثير خاصة عند الغرب وهذا ما عزز من درجات الكراهية خاصة بعد نشر القاعدة لبيان يثبت فيه تبنيه الهجوم . ( الجزيرة 2015) .

  3. استراتيجية تكييف المحتوى والمقصود هنا ان القيم التي يحملها الغرب والتي تتمثل في الديمقراطية وحرية التعبير المكفولة دستوريا أصبحت هي نفسها محتوى للتحريض على الكراهية خاصة ان الاعلام الفرنسي ولكن ليس بالشكل الظاهر انما من خلال تكييف المحتوى الإعلامي لإعادة تقييم الوضع الداخلي من خلال وضع مساقات لتوجيه قيم الإسلام في المجتمعات الأوروبية بحيث يتماشى مع القيم الغربية خاصة ان الاعلام الغربي والفرنسي يركز على ضرورة محاربة الإسلام المتطرف او الجهادي داخل الأراضي الفرنسية بدل من محاربتها في الخارج ( بلعربي 2018 : 160 )

  4. استراتيجية تحويل النقاش والمقصود بها ان الاعلام يعمل على تقسيم المجتمعات وهذا حدث في فرنسا والتقسيم يعود حسب مستوى تجانس المجتمع وتزايد حدة الاستقطابات داخله خاصة ان فرنسا عرفت جدلا واسعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي المقابل عبر الفضائيات الفرنسية خاصة ان بعض اللاعبين رفضوا حمل شارات داعمة للمجلة الساخرة ( بلعربي 2018 : 162 ) وهذا أوقع جدلا في المواقع خاصة ودفع الى تحويل النقاش الى تعزيز القوانين اكثر اتجاه مسائل التطرف والإسلام وهنا يقع النقاش الذي يغذي الكراهية والكراهية المضادة.

وبالتالي نجد ان الاعلام عمل تأثيرات كبيرة على زرع الكراهية سواء بشكل مباشر ومنظم او غير مباشر مما أدى الى تزايد درجات الاستقطاب بل هدد تماسك المجتمع الفرنسي خاصة مع تزامن صعود تنظيم داعش وزيادة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي من طرف هذه المنظمات الإرهابية لهذه المواقع والخطاب المعادي للإسلام في الغرب مما يجعل الاعلام أفضل لوسيلة لهذا التنافر.

3. قراءة في نتائج الدراسة الميدانية

قامت دراستنا الميدانية على توزيع استبيان على عينات من المجتمع الفرنسي في شهر مارس 2015 على مستوى العاصمة الفرنسية باريس من خلال اختيار عينية واحدة من مسلمي فرنسا أي من ولدوا وعاشوا في فرنسا سواء اصولهم عربية ام أوروبية وعددها 100 شخص استرجعنا 81 استبيان والعينة الثانية من فرنسين لا ينتمون للدين الإسلامي وعدد العينة 100 استرجعنا 93 استبيان وقمنا بتفريغ النتائج التي جاءت كما يلي علما بان الاستبيان احتوى على 30 سؤال ما بين المفتوح والمقيد.

  1. اول سؤال طرحناه ما رايك في ما نشرته جريدة شارلي ايبدو الفرنسية اتجاه المسلمين؟

نلاحظ ان هذا السؤال كان موجه لمسلمي فرنسا حيث عبر الأكثرية منهم على ان الامر مرفوض وغير مقبول تماما في حين ان 18 بالمئة منهم اعتبروا عن استنكارهم الشديد ومنهم من اعتبره حرية راي وان الامر لا يستحق كل الضجة التي أقيمت.

وبالتالي هناك رفض كبير لدى مسلمي فرنسا لما تنشره هذه الجريدة الساخرة خاصة ان ما تنشره يمس قيم المسلمين.

نفس السؤال طرح على الفرنسين من ديانات أخرى غير الإسلام فكانت النتائج كما يلي:

Image 100002010000028000000179552FDF64352FD1D1.png

من خلال هذه الأرقام نجد ان الفرنسيين يعتبرون ان ما تنشره الجريدة يدخل ضمن حرية التعبير خاصة ان الجريدة تنشر أشياء تمس الدين المسيحي أيضا وبالتالي لماذا يستثني الدين الإسلامي.

و هذا يدفعنا الى طرح سؤال اخر على الفرنسيين من غير المسلمين حول فهم الدين الإسلامي رغم تعايش المسلمين منذ سنين عديدة من خلال سؤال ما نظرتكم لرفض المسلمين للرسومات المسيئة للإسلام؟

Image 100002010000028000000175BD981BA5B31DB6AE.png

فنجد من خلال هذه النتائج ان الفرنسيين لا يعلمون عن الإسلام الكثير بحيث 20 بالمئة منهم لا يعلم شيء عن الإسلام بشكل نهائي في حين ان نظرة 43 بالمئة أي ما يقارب النص تعتبره دين متشدد و16 بالمئة دين يحرض على الإرهاب وبالتالي هناك صورة مشوهة للإسلام عند الفرنسيين.

في سؤال اخر ما هي مصادر التعرف على الإسلام من طرف الفرنسيين سواء المسلمين او غير المسلمين

Image 10000201000002800000017B289CC24363B9CC4B.png

من الملاحظ ان الاعلام الجديد والانترنت هي المصدر الأول للتعرف على الإسلام ثم يأتي الاعلام التقليدي والمتمثل في المنشورات والجرائد المحلية والإذاعة وغيرها وبعدها الكتب واقل نسبة 1 بالمئة والمتمثلة في الجانب الرسمي وبالتالي الراي العام الفرنسي يتحكم في الاعلام الجديد والذي يخضع لتوجهات متعددة

ونفس السؤال بالنسبة للمسلمين الفرنسيين جاءت النتائج كما يلي

Image 1000020100000280000001776DD24F5D17347A5E.png

من خلال هذه النتائج نجد ان الاسرة هي الرابط الأساسي والأول للأجيال المسلمة في فرنسا بحكم أصولها المسلمة في حين يبقى الاعلام الجديد والانترنت مصدر ثاني للتعرف للإسلام وهنا تظهر اشكالية التعرف والبناء المعرفي حول الإسلام ككل وملاحظة هنا فقط ان المسجد اعتبر مكملا لدور الاسرة.

بعد حادثة شرلي ابدوا اردنا ان نفهم رؤية كل ما يتعلق بنظرة الفرنسيين اتجاه الاعلام وخاصة الجريدة حيث جاءت كما يلي:

Image 10000201000002800000017A5BA04CF86661E24E.png

طبعا الاعتداءات المسلحة اعتبرت عملا إرهابيا وغير مقبول ويخالف القانون والأعراف وتعاليم الدين

بالنسبة للمسلمين في فرنسا رؤيتهم للاعتداءات على صحيفة شارلي ايبدوا كانت كما يلي

Image 100002010000028000000177619750012CDB7C43.png

نجد ان مسلمي فرنسا يعتبرون هذه الاعتداءات عمل اجرامي وغير مقبول وهم الأغلبية لكن نجد أيضا من يؤيد هذا العمل او يعتبره رد فعل طبيعي لما تنشره هذه الجريدة من سخرية على الإسلام وبالتالي هناك جزء لديه نظرة أخرى تختلف عن الأغلبية.

سؤال اخر طرح أي اعلام تعتبره مصدرا للكراهية اكثر لدي مكونات المجتمع الفرنسي وجاءت النتائج كما يلي

Image 100002010000028000000175D31C69802A7F5464.png

من خلال هذا المخطط البياني نجد ان كل مكونات المجتمع الفرنسي تعتبر ان الاعلام مصدرا للكراهية بسبب الخطاب المتشدد من طرف هذه الوسائل وهنا اعتبرت النتائج مغايرة للخطاب الرسمي الفرنسي خاصة ان الاعلام الجديد هو المصدر الأكثر ترويجا للكراهية وهذا يدفعنا لتناول أي المصادر الأكثر ترويجا للكراهية في الاعلام الجديد داخل المجتمع الفرنسي

Image 10000201000002800000017AAE5216265A3E773F.png

من خلال هذا المخطط البياني نجد ان الفايسبوك هو الأكثر ترويجا للكراهية من وجهة نظر مسلمي فرنسا لأنه غير متحكم فيه وينشر مقاطع كما يشاء أي فرد والأخطر هو الصفحات التي توجه هذا الخطاب.

من خلال الدراسة السابقة أجرينا استبيان اخر بعد حوالي 14 شهرا من الاستبيان الأول أي في ماي 2016 من خلال استهداف عينة مكونة من 50 شخص في كل مجموعة بهدف معرفة التحولات التي حدثت بعد احداث السابقة اين كانت كما يلي:

حيث اول سؤال طرحناه هل تعتبر وسائل الاعلام مصدرا للكراهية مقارنة ما بين 2015 و2016؟

Image 10000201000002800000017B1D165E1AF9406D1F.png

نجد من خلال هذه النتائج ان نسبة الاعتقاد بان وسائل الاعلام هي مصدرا للكراهية داخل المجتمع الفرنسي قد تناقصت سنة 2016 مقارنة بسنة 2015 وهذا من خلال تراجع وسائل الاعلام التقليدية والجديدة على تناول مواضع تمس بالمشاعر الدينية.

الخاتمة

من خلال ما سبق نجد ان الاعلام بقدر ما هو وسيلة للتواصل والتقارب وجعل المجتمعات تتفتح على بعضها البعض بقدر ما تسبب الاعلام في بناء جدران من الانقسام وزرع للكراهية خاصة مع تزايد الاحتكام لنظريات تؤسس للتصارع وخلقة مشكل الهوية داخل المجتمع الواحد.

و ليس معناه ان الاعلام كله سلبيات فهو أيضا يضم خطابا متوازنا يعمل على تقريب وجهات النظر والعمل على اذابة الخلافات والاختلافات.

و لهذا اردنا تقديم مجموعة من التوصيات في هذا المجال لخصناها في النقاط التالية :

  • تثمين دور وسائل الاعلام في خلق تقارب بين وجهات النظر من خلال طرح خطاب متوازن وعقلاني.

  • تبني استراتيجية استباقية ووقائية لمواجهة التهديدات الأمنية خاصة في ما يتعلق بإشكاليات الهوية التهديدات المجتمعية.

  • وضع استراتيجيات فعالة لمواجهة خطاب الكراهية عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال وضع صفحات متخصصة موجهة لبث قيم التسامح وتقارب المجتمعات والعمل على ما يجمع.

  • وضع خطاب ديني متوازن يعمل على جمع كل مكونات المجتمع

  • تفعيل دور اقسام الاعلام بالجامعة من اجل وضع خرائط إعلامية تقوم برسم محتوى اعلام يشجع على التسامح ونبذ العنف والكراهية

  • ضرورة مواكبة الاعلام الجديد وتطوير محتواه من طرف الحكومات لكي تستطيع وضع أسس الامن المجتمعي.

مصطفى، عوفي .2010. الاعلام المفهوم والتصورات. ادرار: منشورات جامعة ادرار، 2010 .

محمد نجيب، صرايرة. قضايا في الاعلام الدولي. عمان: الرائد للنشر والتوزيع، 2013 .

ربيعة، فندوشي . الاعلام الالكتروني والفضاء الرقمي لحرية الراي والتعبير. ادرار: منشورات جامعة ادرار، 2010 .

صفاء، زمان. «الشبكات الاجتماعية». 2010. مأخوذ من موقع http://kse.org.kw/Al-Mohandesoon/issue/113/article/365 بتاريخ 22.05.2016

معروف، عبد الرحماني.2013. «المجتمع والتواصل الافتراضي» . مجلة علوم الانسان. 2013، العدد 5، جامعة بسكرة، ص 15

جمال، غطاس .2009. الديمقراطية الرقمية. القاهرة: الهيئة المصرية للكتاب، 2009 .

مسفر، بن عبد الله البشر.2006. «دور وسائل الاعلام في مواجهة ثقافة الكراهية». مجلة الدراسات العقدية ومقارنة الأديان، 2006، العدد 1، جامعة قسنطينة، ص 231 .

خطابات الكراهية وقود الغضب. 2016. مركز هردو لدعم التعبير الرقمي، القاهرة، 2016، ص 6

بوجلال، صلاح الدين .2020. «مقاربة المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان في التوفيق بين حرية التعبير ومكافحة خطاب الكراهية»، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية، العدد 03، 2020، الجزائر. ص 283

أنطونيو، غوت يريش. 2019. «خطاب الكراهية نار سارية في الهشيم»، تقرير الأمم المتحدة، مأخوذ من موقع الأمم المتحدة www.un.org/sg/ar

سميرة، بلعربي. 2018. «صورة الإسلام من خلال الخطاب الإعلامي الغربي»، مجلة الحكمة للدراسات الإعلامية والاتصالية، ، العدد 4، 2018، جامعة البويرة، ص 151

شارلي ايبدو تتعرض لهجوم مسلح. 2015. موقع الجزيرة الاخباري، www.aljazeera.net/events/2015 بتاريخ 25.05.218

فؤاد جدو

جامعة محمد خيضر بسكرة

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article