مقدمة
تُدرس الهوية عادة كمشكلة سيكولوجية واجتماعية وحتى تاريخية ومن النادر أن نجد لها دراسات تعالجها من وجهة نظر ثقافية أو حضارية، لأنها أولا متعددة فهناك هوية عرقية بمعنى إثنية وهناك هوية سياسية وهناك هوية دينية كما توجد هوية جغرافية حيث يلعب المناخ والمكان بتضاريسه دورا هاما في تشكيلها وبلورتها وأخيرا هناك هوية ثقافية حضارية الأمر الذي سيتم التركيز عليه من خلال أعمال ومؤلفات المستشرق مزدوج الهوية برنارد لويس1 وخاصة من خلال عمله البارز The Multiple Identities of the Middle East « التعدد الهوياتي للشرق الأوسط » الذي أوضح من خلاله تأثير الهوية في تشكيل مجتمعات الشرق الأوسط وتأثرها بالمحيط الجغرافي كالأنهار الكبرى والصحارى وكذلك الدين والتاريخ والثقافة والحضارة وأخيرا السياسة. ومنه سيركز البحث على سؤال: ما مفهوم الهوية في مجتمعات الشرق الأوسط؟ وما هو العامل الذي يحددها هل القانون المدني أم المعتقد الديني؟ وكيف يؤثر هذا في دول ومجتمعات المنطقة؟ وأخيرا كيف تؤثر الهوية في تطوير العلاقات الدولية والروابط الثقافية والحضارية بين الشرق والغرب؟ ومنه سنعرض وجهة النظر هذه المتمسكة بمبدأ الهوية على ذلك الموقف المعادي لهذا المبدأ المنادي باللاهوية أو ما يسمى بالهجنة الثقافية وكيف ساهمت وجهة النظر هذه في تجاوز صراع الهويات وتقاتلها. ومنه يهدف البحث إلى دعوة المثقفين والدارسين عموما للشأن الثقافي إلى استثمار الجوانب الايجابية في الثقافات والحضارات واستثمارها على المدى المتوسط وكذلك البعيد بغية بلورة هوية إنسانية للثقافة لا صناعة هوية ثقافية للإنسان.
1. الشرق الأوسط والعلاقات الدولية
ساهمت الأبحاث والدراسات الاستشراقية في بلورة وصياغة وتحديد مفهوم الشرق الأوسط، نظرا لأهميته الجيوسياسية بالنسبة للغرب من حيث هو ظاهرة امبريالية وكولونيالية يهتم بالانتفاع من المقدرات المادية والبشرية وحتى الثقافية والحضارية لهذه المنطقة، إن ما يريده الغرب من الشرق الأوسط بحسب برنارد لويس هو ثلاثة أشياء تتمثل في:
-
أن يظل سوقا للمنتجات والسلع الغربية.
-
أن يبقى موردا ومصدرا آمنا للطاقة.
-
أن يحترم المعاهدات والمواثيق الدولية وخاصة حدود الدول والمقصود إسرائيل. (Lewis, 1997, p424)
ومنه ندرك الأهمية القصوى التي يحتلها الشرق الوسط في العلاقات الدولية، ويعتبر يرنارد لويس احد أكبر واعظم المستشرقين والخبراء الجيواسترتيجيين الذين كتبوا حول منطقة الشرق الأوسط، فقليلا ما لا قت كتبه الاهتمامات الأكاديمية، لكنها لاقت رواجا منقطع النظير من طرف الأوساط السياسية والعسكرية والخبراء الجيواستراتيجيين، فقد اشتكى هو نفسه من أن أحد كتبه تُرجم إلى العبرية من قبل وزارة الدفاع الإسرائيلية ونفس الكتاب ترجم إلى العربية من قبل حركة وتنظيم سياسي إسلامي في مصر ألا وهو : تنظيم الاخوان، وتُوزع وتباع نسخا منه أمام المساجد. (Lewis, 1995, p09) لكن لا يعني هذا أن كتبه ومقالاته ودراساته لا تحمل الطابع الأكاديمي. بل بالعكس لم تنضج افكاره ومواقفه إلا في الوسط الجامعي كما أن أغلب كتاباته ومقالاته صدرت عن دور نشر ومطابع جامعية ومجلات اكاديمية راقية، أما التأويل السياسي الزائد لكتبه في الأوساط الشرق أوسطية فيعود بحسب رأيه إلى طبيعة المنطقة وما تعانيه من سعار محموم ضد الغرب والاستشراق خصوصا. ولكي ينأى بنفسه عن تهمة الاستشراق نجده ينعت نفسه بالمؤرخ وهو لا يطيق سماع تلك الكلمة ولا يريد استخدامها لأنه جرى تلويثها وتسميمها من قبل ناقدي ودارسي الاستشراق الشرق أوسطيين وعلى الخصوص المثقفين العرب. (Lewis, 2005, p1055) فبرنارد لويس تخصص في تاريخ المنطقة انطلاقا من دوافع لا تخلو من الذاتية والطموح الشخصي للتفوق وخاصة ان الدراسات الاسلامية من حيث هي أحد أهم التخصصات الاستشراقية واقعة تحت سيطرة اليهود لأنهم الأقرب والأكفأ في فهم الاسلام مقارنة بزملائهم المسيحيين وهذا باعتراف برنارد لويس نفسه. (Lewis, 2005, p1074) فما خصصه برنارد لويس من كتب ومقالات من أجل دراسة الشرق الأوسط لا لشيء إلا لمعالجة قضايا ومشكلات هذه المنطقة من العالم لأهميتها بالنسبة لأعماله الأكاديمية ولعلاقاته السرية والمعلنة بأوساط القرار في كل من بلده الأصلي بريطانيا العظمى أو في بلده الثاني الولايات المتحدة الأمريكية أم في الدولة المتعاطف معها والتي كان قبل مماته يرتادها بشكل منظم. حيث كان يلقي المحاضرات في اسرائيل ومن يشاهدها على اليوتوب سيشاهد مدى الحفاوة والاستقبال والتكريم والتبجيل الذي وجده هناك بل إن محاضراته تتخذ في كثير من الأحيان طابع المهرجان الشعبي والسياسي يستمع إليه في صورة أحد الخطباء المفوهين والزعماء القوميين أو في صورة الدعاة ورجال الدين كما هو الحال في البلدان العربية والاسلامية، يستمع إلى محاضراته ليس فقط أساتذة وباحثون من الجامعات بل كذلك رجالات السياسة والمخابرات والجيش. ليس هذا وحسب بل كذلك عندما تقرا لأي كاتب في عالم اليوم سواء اكان صحفيا أو مؤرخا أو سياسيا أو خبيرا أمنيا وعسكريا بل وحتى اديبا أو فيلسوفا يحيلك لا محالة إلى برنارد لويس لهذا سالت الأقلام وكثرت وتعددت لوصف ودراسة وتحليل وتفسير وتأويل آراء ومواقف هذا الرجل.
2. هويات الشرق الأوسط عند برنارد لويس
الشرق الأوسط عند برنارد لويس عبارة عن: كيان تاريخي وجغرافي وثقافي متميّز كليا عن الغرب ويعرف ويحدد بالطريقة نفسها التي يحدد ويعرّف بها الغرب. (Lewis, 1995, p07) اخترع هذا المصطلح من قبل المؤرخ الأمريكي والخبير الاستراتيجي ألفريد ثاير ماهان (1840-1914) Alfred Thayer Mahan سنة 1902، استخدمه للدلالة على المنطقة التي تفصل الجزيرة العربية عن الهند وذلك من منظور الاستراتيجية البحرية الأمريكية، ويعد الخليج العربي الذي يسميه برنارد لويس الخليج الفارسي مركز ومحور هذه المنطقة، في البداية وعند ظهوره تضمن المصطلح وحمل الدلالة الجغرافية فقط، ليطلق على المنطقة فيما بعد أيضا مصطلحا آخر قريب وجنيس ألا وهو : الشرق الأدنى Le proche orient. وبنفس الطريقة والأسلوب الذي أطلق به الشرق الأوسط حيث يكرر برنارد لويس ويؤكد أن الغرب هو الوحيد الذي يسمي مناطق العالم ويحددها ويستثمرها وبطورها وكأن الدارس والباحث الذي لا يرى العالم بعيون غربية سيضل أعمى لا يعرف شيئا هذه الفكرة يكررها كثيرا برنارد لويس في كل كتبه موحيا لقارئه أن الجغرافيا والتاريخ لا يمكن أن تكون صحيحة وعلى صواب إلا عندما نراهما بعيون غربية أوروبية وفقط. ولقد غدا مصطلح الشرق الأوسط وكذلك الشرق الأدنى مستخدما ومستعملا من طرف الروس والأفارقة والهنود والصينيين ومنه لم يبق شائعا في الغرب فقط.
البديهي حسب برنارد لويس ان هذه المنطقة تقع شرق أوروبا لكن المشكلة هي تقع جنوب من؟ وغرب من؟ وشمال من؟ وبالتالي كثيرا ما انتقد امتداد واتساع هذا المصطلح وكذلك استخدامه جغرافيا، فهو بالتأكيد يشمل المناطق الواقعة على ضفاف الخليج العربي ليمتدّ ويتسع حتى ضفاف البحر الأسود شمالا وصولا إلى افريقيا الاستوائية جنوبا والتخوم الشمالية الشرقية للهند شرقا وسواحل المحيط الأطلسي غربا هذا جغرافيا، أما تاريخيا فيمكن القول أنها المنطقة التي تمتلك أقدم وأعرق الحضارات في العالم. وبالتالي الشرق الأوسط تحديد ونحت غربي بامتياز عندما نقارنه بمصطلح آخر ألا وهو «غرب آسيا» لأنه يعرف بالطريقة التي يعرف بها الغرب الأوروبي، لا على الطريقة التي تعرّف بها قارة آسيا، حيث لا نستطيع ان نستخدم مصطلح غرب آسيا للدلالة على الشرق الأوسط فنستثني بذلك مصر وهذا يتنافي مع ماصدق المفهوم، وعليه تمّ تحديد هذا الشرق كـ «أوسط» وكـ «أدنى» بالنسبة للأوروبيين وفقط الأوروبيين لا غيرهم. إنه أوسط وأدنى بالنسبة إلى موقعهم الجغرافي.
وتاريخيا هذه المنطقة منذ آلاف السنين هي: الشرق الكلاسيكي القديم الأصيل والعريق في القدم، المجاور والغريم التاريخي والمزاحم لأوروبا الإغريقورومانية ثم أوروبا النصرانية أي المسيحية. أي منذ أن غزت جيوش ملك بلاد فارس أرض اليونان وصولا إلى الفترة التي غزت فيها الجيوش العثمانية التركية قلب أوروبا وبالضبط فيينا عاصمة النمسا، وحتى عهد قريب أي القرن التاسع عشر «الشرق الأوسط» هو ما يطلق عليه الأوروبيون «الشرق» الذي يشمل مناطق غرب آسيا وشمال إفريقيا بكل بساطة. ووفقا لمقاربة أخرى هو المنطقة التي طرحت على الأوروبيين تحديات وتدخلات سياسية اختصرت ضمن مصطلح سياسي هو : «المسألة الشرقية» ، ففي نهاية القرن التاسع عشر شرع الشرق الأقصى في فرض قنصلياته وبعثاته وممثلياته الدبلوماسية عبر كامل ارجاء أوروبا تقريبا، لهذا ظهرت الحاجة إلى اختراع مصطلح «الشرق الأدنى» للدلالة بداية على جزء من أوروبا الا وهو الجنوب الشرقي الذي لا يزال خاضعا للسيطرة والهيمنة التركية، وبالتالي فهو أدنى أي قريب ولأنه كذلك « مسيحي» و« أوروبي» لكنه شرقي لأنه بقي في قبضة جيوش الامبراطورية العثمانية البلد الإسلامي والشرقي. (Lewis, 1995, p14) مع مرور الوقت اتسع مفهوم الشرق الأدنى ليشمل مناطق أخرى من ناحية الشرق خاصة في مفهومه الأمريكي وهي المناطق الواقعة تحت سيطرة الامبراطورية العثمانية الواقعة ليس فقط في أوروبا بل وكذلك آسيا وافريقيا. لكن في الاستخدام البريطاني اختفى تقريبا مصطلح الشرق الأدنى ليبقى مصطلح الشرق الأوسط فقط للدلالة على مناطق شاسعة جدا نشمل جنوب شرق آسيا وشمال إفريقيا، وعل الرغم من المؤاخذات والشكوك التي تثيرها دلالة المصطلح وعلى المناطق التي تشملها تلك الدلالة إلا أن الشرق الأوسط حسب برنارد لويس يدل على منطقة ذات خصائص وسمات محددة ومميزة، وعلى هوية يمكن التعرف عليها بسهولة وعلى شخصية واضحة المعالم ومختلفة ومحددة وفقا لخصائص جغرافية وايضا بتاريخها العريق والغني والثري والمتنوع.
فالسمة الجغرافية المميزة للشرق الأوسط هي القحط والجفاف حيثما التفت أو ألقيت نظرك ستشاهد الأراضي القاحلة والصحراوية الشاسعة الغير مزروعة، نظرا لندرة سقوط الأمطار والعدد المحدود من المروج والغابات، لكن مع ذلك لا يعني هذا عدم وجود أراضي خصبة وممتازة مأهولة مسقية ومزروعة تقاوم قسوة الظروف الطبيعية والبشرية. فشبه الجزيرة العربية وباستثناء المناطق الجنوبية الغربية والشرقية منها والباقي تقريبا عبارة عن صحراء، أما الهلال الخصيب فليس إلا مجرد شريطا مسقيا بأدوات ووسائل الريّ لأنه عبارة عن حواف وضفاف مغروسة ومزروعة، الأمر نفسه الذي ينطبق على مصر والتي هي في الحقيقة ليست إلا مجرد منطقة صحراوية لولا الشريط الأخضر على ضفاف نهر النيل ليتسع عند نهايته مشكلا دلتا تعتبر من اغنى وأجود مناطق العالم فلاحيا وزراعيا وهذا بالقرب من سواحل البحر الأبيض المتوسط. فاستثناء الشريط الساحلي مع بعض الواحات هنا وهناك فإن منطقة شمال إفريقيا أغلبها أراضي صحراوية تفتقد إلى الخصوبة. (Lewis, 1995, p15)أما في تركيا وبلاد فارس تحوز الصحراء وخاصة التبت على أكبر المساحات الوسطى للبلدين، بينما في الشمال نجد جبال التبت الهائلة والضخمة لأوراسيا. فبعض الصحاري كالرّبع الخالي في شبه الجزيرة العربي أو الصحراء الغربية في مصر هي خالية من الإعمار بشكل كلي تقريبا. وأخرى مأهولة ببعض السكان الموزّعين والمشتتين هنا وهناك ولكنهم تاريخيا مهمين، فهم بدو أو رعاة رُحّل يربون الحيوانات من أجل لحمها ولبنها واستخدامها بغرض الحل والترحال أي التنقل والسفر وكذلك لمآرب أخرى وخاصة عبور الطرق والمسالك التجارية الوعرة عبر الصحراء، لكن حديثا فقد هؤلاء البدو أهميتهم التجارية والاقتصادية عندما حل محل الجمل والحصان الشاحنة والسيارة والقطار. لكنهم في الوقت نفسه ينامون على احتياطي ضخم وكبير جدا من النفط والغاز الثروة الاقتصادية التي كانت ولا زالت العامل الأهم في احداث تغييرات اجتماعية واقتصادية وحتى ثقافية مهمة، فمداخيل وعوائد هذه الثروة يكاد يعجز المرء عن عدها وإحصاءها وتقديرها. (Lewis, 1995, p16) أما التاريخ الثقافي والسياسي للشرق الأوسط فيراه برنارد لويس مطبوع بطابع قصة الصراع بين قابيل وهابيل أي بين الراعي البدوي والفلاح المزارع المتمدن والحضري وكل تاريخ الشرق الأوسط هو تاريخ غزوات البدو للمناطق الزراعية والحضرية أو صراع بين البدو والمزارعين، وجرت العادة في الشرق الأوسط أن البدو الرعاة يقتلون الزُّرّاع والفلاحين. فمراقبة حدود الصحراء وتأمين الطرق التجارية من السلب والنهب والسطو شكلت تحديا مليء بالصعوبات والمخاطر بالنسبة للدول والحكومات الامبراطورية القائمة والكائنة في المناطق المأهولة بالسكان والمواطنين، ونادرا ما شكلت المناطق الصحراوية عامل دعم سياسي وعسكري لكنها كانت دائما حيوبا وجحورا ومأوى لعصابات السلب والنهب والسطو والفتك. لهذا تعودت كلا من امبراطوريتي بيزنطة وفارس لبسط ظل سيطرتهما على المنطقة الصحراوية استخدام الهدايا والعطايا والاغراءات الثمينة لشيوخ وزعماء القبائل والعشائر فهي وسيلة اقتصادية آمنة وذكية عوض استخدام سطوة اليد المليئة بالمخاطر وغير مأمونة العواقب مع اناس من الشراسة والقوة بمكان، لكنّ العرب خلال القرن السابع الميلادي انطلقوا من غير رجعة ولا مهادنة في مهاجمة وفتح أقاليم وبلدان تلكما الامبراطوريتين حتى اسقاطهما واقعا وفعلا. (Lewis, 1995, p17)فالإغارة انطلاقا من الصحراء ظاهرة متكررة واعتيادية عبر تاريخ الشرق الأوسط، حيث ان العديد من موجات الغزو والهجرة والاستيطان تدفّقت نحو الأراضي والأماكن المزروعة والمغروسة، ومنذ القديم الأكاديين والكنعانيين والأراميين والعبرانييين المشكلين للشعوب السامية جاءوا من صحراء الجزيرة العربية. أما الموجات الأخرى من الغزو فقد نزلت من الشمال نحو الجنوب أي من اعالي التبت في آسيا الوسطى.
فآخر موجة والتي تعتبر الأكثر أهمية من بين الغزوات السامية تلك التي قام بها العرب المسلمون في القرن السابع منذرة بقيام الحضارة الاسلامية خلال العصر الوسيط بمفهومه التاريخي الأوروبي، بينما آخر موجة غزو من بين الغزوات القادمة من إقليم التبت تلك التي قام بها المغول (التتار) في القرن الثالث عشر ميلادي والتي اعتبرها الكثير من المؤرخين بمثابة إعلان عن نهاية حضارة الاسلام، ومن دون ادنى شك أن النتائج المباشرة للغزو المغولي كانت كارثية على الاسلام والعرب خصوصا، والأكيد أيضا أن آثارها ونتائجها طال مداها إلى أبعد حدٍّ. (Lewis, 1995, p17) وما الكوارث المتعاقبة على الشرق الأوسط ما بين القرنين الثاني عشر والتاسع عشر إلا تأكيد على أنّ انهيار حضارة الاسلام كان على يد المغول، لكن لا يعني هذا أن المغول هم أول شعب قدم إلى الشرق الأوسط، فلقد انطلق زحف التبتيين قبل ذلك أي في القرن العاشر ميلادي عندما انطلقت القبائل التركية في النزول باتجاه الغرب ولم تتوقف أفواج الزحف إلا سنة 1405 السنة التي توفي فيها القائد الأوزبكي « تيمورلنك » وهو آخر أكبر الغزاة القادمين من منطقة التبت. ومنه وطيلة أربعة قرون من الغزو والزحف والسيطرة من طرف القبائل التيبتية مُحدثة بذلك تغييرات عميقة على منطقة الشرق الأوسط وبخاصة نمط الحياة والهياكل والتنطيم السياسي للدولة. (Lewis, 1995, p18) بعد هذه الفترة وهذا التاريخ لم يكن هناك أي غزو على المناطق المزروعة والمأهولة انطلاقا من الصحراء أو من منطقة التبت.
وتعتبر كلا من مصر والعراق مركزين حضاريين على درجة عالية من الرقي المدني والثقافي والسياسي وبالتالي تعتبران القلب النابض لمنطقة الشرق الأوسط حيث سرى منهما الشعاع الحضاري الأول ليعمّ وينتشر بعد ذلك عبر أرجاء المنطقة باسرها. كما كان للإغريق دور لا يستهان به بإنشائهم لتنظيم سياسي فريد من نوعه يسمى «دولة المدينة» ومن خلال فلاسفتهم وعلمائهم كذلك فتحوا أعين العالم عل مشهد ثقافي وحضاري لم يُر مثيلا له من قبل، وفي الوقت الذي برز فيه الاسلام إلى المسرح العالمي كانت شمال افريقيا ومصر وبلاد الشام وآسيا الصغرى تحت سيطرتهم وتأثيرهم منذ قرون مؤسسين لمدن كبرى كالاسكندرية وقيصرية وأنطاكية والقسطنطينية المراكز الكبرى للحضارة الإغريقورومانية.(Lewis, 1995, p20) فحتى ظهور الاسلام احتفظت مدن طيبة والقدس ودمشق بالتنظيم الداخلي الاغريقي لكن الفاتحين العرب ومنذ الاسكندر الأكبر مزجوا بين التنظيم الشرقي والتنظيم الغربي لكل مدن الشرق الأوسط مُدخلين في نفس الوقت تغييرات وتحديثات مهمة لا تزال آثارها باقية حتى يوم الناس هذا. لكن الأكيد ان البلدين النهريين مصر والعراق هما البلدين الأكثر تأثيرا في تاريخ الشرق الأوسط، نمط التفكير وتنظيم الدول والمدن، كما يمتلكان الصيغة الحضارية الأولى والأقدم في التاريخ.
لكن مع بداية القرن السادس عشر تقمّص العثمانيون الأتراك دور بيزنطة القيصرية القديمة وتقمّص الصفويون في بلاد فارس دور الملوك الساسانيين القدماء، ولعبا معا كما اديا نفس أدوار الصراع القديم والذي دار بين امبراطورية الفرس وامبراطورية الروم. واليوم هما دولتي تركيا وإيران شعبهما مسلم نعم، لكنهما لا يتكلمان العربية كما لم يعرفا معنى الاحتلال والاستعمار الغربي ولا معني التحرير الناتج عنه، أما ما يسميه العرب بلاد الشام وهو سورية عند البيزنطيين ولبنان عند التجار الأوروبيين كان دائما محل صراع بين مصر في الجنوب والفرس والأشوريين في الشرق والروم والحثيين والترك في الشمال. (Lewis, 1995, p22) ومن كل شعوب الشرق الأوسط هناك شعبين فقط احتفظا بهويتهما وذاكرتهما الجماعية ومنذ الأزل تقريبا حسب برنارد لويس رغم كل الظروف والعوامل القاهرة، كما أثرا أيما تأثير على العالم وهما : شعب إسرائيل (اليهود) وشعب اليونان (الإغريق) احتفظا بلغة الأجداد والاباء من عبرية ويونانية كما احتفظا بأعمالهما ومنجزاتهما الخالدة سواء الدينية منها أو الأدبية. (Lewis, 1995, p23) وفي العصر الحديث والمعاصر نجد عملية إعادة اكتشاف الشرق الأوسط هي انجاز وعمل اوروبي غربي بامتياز، فمن علماء الاثار وفقهاء اللغة (فيلولوجيين) هم الذين فكوا واكتشفوا رموز اللغة القبطية أو الفارسية القديمة للمجوس بمعونة المؤرخين كذلك والمستشرقين عموما. فزبدة اعمال هؤلاء أعطت بعدا جديدا للوعي التاريخي والثقافي لشعوب المنطقة، هذه المخلفات والترسبات التاريخية والثقافية عمل الدين الاسلامي منذ مجيئه وبسط سيطرته ونفوذه على طمسها ومحوها وردمها. (Lewis, 1995, p24)من جهة أخرى نجد الشرق الأوسط مهدا للديانات السماوية الثلاث : اليهودية، المسيحية، الاسلام، لكن ومنذ ما يزيد على الأربعة عشر قرنا تعبر هذه لمنطقة أرضا اسلامية بامتياز وهي المركز الجغرافي له. والمكان الذي ظهر وتطور فيه دين الاسلام وحضارته بكل اشكالها الكلاسيكية منها والقديمة، ولم يبق هنا فقط بل انتشر وتوسع في افريقيا وآسيا وأوروبا في الأندلس، وكبريات الأحداث التاريخية المحفورة في الذاكرة والوعي الجماعي عند المسلمين من دون استثناء وهي المشكلة للهوية الكلاسيكية من نصوص ومنشآت وسلطات سياسية كالخلفاء والملوك والسلاطين والأمراء والولاة والأئمة والفقهاء والمتكلمين والفلاسفة وعلماء ازدهروا وانبثقوا في ظل امبراطوريات إسلامية ذات طابع عالمي كما ألفوا أعمالهم وتكلموا إما باللغة العربية أو الفارسية أو التركية. (Lewis, 1995, p24) فمنذ ظهور الاسلام سيطرت هذه اللغات شيئا فشيئا على المنطقة بأن حلّت محل لغات التخاطب والتواصل والثقافة القديمة من : إغريقية وقبطية وسريانية، بينما لغات الاسلام الثلاثة أتت من مشارب مختلفة فالعربية لغة سامية من عائلة العبرية والسريانية، أما الفارسية فهي لغة هندو أوروبية من عائلة السنسكريتية، بينما التركية فمن عائلة مختلقة أي اللغات التركو تتارية المنتشرة في آسيا الوسطى. لكن هذه اللغات متقاربة ثقافيا فالفارسية تحتوي على كلمات والفاظ عربية ليس عددها بالقليل، وتطورت التركية بفعل التلاقح والتمازج بين العربية والفارسية، فمثلما استخدم الأوروبيون من دون استثناء كلا من اليونانية واللاتينية لغة للتخاطب والتبادل التجاري والثقافي كذلك استخدم يوما ما الفرس والترك العربية. والشعوب الناطقة بتلك الألسنة الثلاث تحوز وتمتلك أكبر المناطق مساحة على مسرح الشرق الأوسط. (Lewis, 1995, p26)
يأتي العرب في المرتبة الأولي، ففي حدود القرنين من الزمان شكلوا امبراطورية شاسعة مترامية الأطراف من حدود الصين حتى شبه الجزيرة الأيبيرية (الأندلس) طبعوا المنطقة بدين واحد ولغة واحدة، هي الحافظة والوعاء لكتابهم الديني القرآن وتقاليدهم الاسلامية الأولى من حديث وفقه، ثمّ بفضل شعوب إسلامية غير عربية متنوعة تمّ إثراء وإغناء الحضارة الاسلامية. (Lewis, 1995, p28) من جهة أخرى تزامن انحدار وتقهقر البلدان العربية مع ازدهار ونهضة اللغة والثقافة الفارسية في إيران، فحل محل القاهرة وبغداد ودمشق مراكز إيرانية وتركية اعتبرت مراكز جديدة للحضارة الاسلامية. فآخر الشعوب الاسلامية أي الي اعتنق الاسلام بعد العرب والفرس وهم التّرك القادمين من آسيا الوسطى هم مجموعة من القبائل كانت تعتنق قبل دخولها الاسلام كلا من : المسيحية والمانوية واليهودية والبوذية ولكن أغلبها كان وثنيا والان اغلبها أصبح مسلما. فقد جاء الأتراك إلى الشرق الأوسط كجنود محاربين أو مرتزقة مأجورين لكنهم شيئا فشيئا أصبحوا العدة الأكبر المكونة والمشكلة للجيوش الاسلامية، وخلال القرن الحادي عشر جاءوا كغزاة ومستوطنين لينشئوا احد أعتى الامبراطوريات الاسلام في الشرق الأوسط. الغزاة العرب الأوائل أوقفهم البيزنطيون عند جبال طوروس التي كانت بين القرنين السابع والحادي عشر ميلاديين تفصل عالم الاسلام عن عالم المسيحية، لكن الأتراك نجحوا حيث فشل أسلافهم الفاتحون مقلّصين بذلك حدود أوروبا بضمّهم آسيا الصغرى إلى عالم الاسلام وبهذا أصبح الزوار الأوروبيون يطلقون على هذه المنطقة تسمية جديدة ألا وهي : تركيا ولم تأت هذه التسمية من قبل أهلها ولا قاطنيها، انطلاقا من التركيبة الإثنية واللغوية الغالبة والسائدة في هذا البلد، وبهذا أصبحت آسيا الصغرى موطن الروم اليونانيين (البيزنطيين) أرضا تركية مرتبطة بأرض أجدادهم القدامى في إقليم القوقاز لآسيا الوسطى والشرقية عبر سلسلة من الأهالي والقبائل التركية وشيئا فشيئا في الشرق الأوسط أصبح الترك وهم القلية أسيادا وقادة في بلاد فارس وسورية ومصر وصولا إلى الهند الاسلامية وحتى الغالبية الأخرى من شعوب الاسلام دانت لهم بالولاء والطاعة حتّى أصبح من الغريب جدا والنادر والمثير للدهشة والاستغراب الشديد أن تجد شخصا من غير الأتراك متسلقا هرم السلطة وسلم الدولة مديرا دفة الحكم والسلطان، بهذا أيضا أصبحت اللغة التركية في النهاية لغة الاسلام الثالثة مثلها مثل الفارسية قبلها تمّت أسلمتها بتكيّفها مع الأبجدية العربية وبإدماجها وإدخال العديد من الألفاظ العربية والفارسية لتغطي كامل التراث الاسلامي في التعبير والكلام. (Lewis, 1995, p29-30) إن حضارة الاسلام حضارة شرق أوسطية مع الترك دخلت المرحلة الثالثة من عصور ازدهارها وتفوقها، بداية من الشرق اين تطورت ثقافة راقية في كل من هراة وسمرقند وبخارى وباللغة التركية الشرقية قبل أن تغزو كامل الامبراطورية العثمانية، ومع حلول القرن السادس عشر أصبح السلطان العثماني سيّدا عل كامل البلدان العربية تقريبا، عدا بعض المناطق النائية والبعيدة كالمغرب وسلسلة جبال لبنان وصحراء الجزيرة العربية، فبقاء هذه المناطق مستقلا ثمّ نيلها سلط سياسية أي بعد ضمورها واختفاءها لما يقارب العشرة قرون سيصبح استقلال البلدان العربية ونيلها السيادة السياسية الحدث الأكبر إثارة خلال القرن العشرين.
في الشرق الأوسط الاسلام هو الديانة الأولى، العربية والفارسية والتركية لغاته الأساسية، لكنّ الأديان واللغات السابقة لم تندثر تماما بل استمرت ودامت في فسيفساء من الشعوب التي جعلت من المنطقة عبارة عن متحف تاريخي وديني ولغوي. زمن الفتوحات العربية كانت بلاد فارس مجوسية أما مصر ومختلف بلدان الهلال الخصيب كانت تعتنق صيغا وأشكال مختلفة من العقيدة المسيحية، كما تواجد في هذه المناطق بالضبط مجموعات يهودية مهمة موزعة هنا وهناك، لكن المجوسية هي الديانة الأكثر تأثرا بفعل الفتح العربي وعلى النقيض من الامبراطورية المسيحية تم تدمير الامبراطورية الفارسية من على وجه التاريخ وعلى بكرة أبيها، كذلك وعلى العكس من المسيحية أو اليهودية حيث كان دفع الجزية واتقان الكثير من الحرف والعلوم يبقيها محترمة وجدت المجوسية نفسها في وضعية عدم القبول والانهيار والاندثار، فلم تشارك أو حتى تساهم في النهضة الثقافية والسياسية لإيران العصر الوسيط، إنها اليوم لا تشكل إلا بضعة آلاف من المعتنقين في هذا البلد إضافة إلى أقلية صغيرة على الأراضي الهندية. بينما المسيحية صحيح أنها انهزمت لكنها لم تندثر في بلدان الشرق الأوسط التي عمّها الاسلام بالغزو والفتح والاعتناق والاغراء والذوبان والانصهار والتأثير.(Lewis, 1995, p30-31) فمن أكثرية غالبة أصبح المسيحيون أقلية بين عشية وضحاها لكنهم نجحوا في المحافظة على حياة جماعية موحدة متميزة اجتماعيا ودينيا، وبفضل التسامح الاسلامي استطاع المسيحيون المساهمة في إثراء وإغناء حضارة الاسلام إيجابيا، لكن بسبب تعصّب الصّليبيين فيما بعد الأعمى وغير الواثق كليا في المسلمين وضعوا تلك العلاقة موضع التدمير والكسر بعد أن كانت حميمية من كلا الطرفين الاسلامي والمسيحي، لقد نال المسيحيون حقوقا أساسية مثبتة ومضمونة من قبل شريعة الاسلام. وعلى الرغم من هذه الحقوق وجد المسيحيين أنفسهم كأهل ذمة مبعدين في المجتمع الاسلامي ومحرومين ومستثنين من لعي أي دور فعال سياسيا وثقافيا حيث كانوا يؤدونه سابقا وعن أهلية وبكل بساطة، لكن مع التأثير الغربي البارز والواضح عن طريق التغريب ومع ظهور النهضة القومية الحديثة أعطى ومنح الأقلية المسيحية الفرصة للعب دور مهم جدا في الحياة والشؤون العامة لبلدان الشرق الأوسط لكن بعل التوجه القومي الاشتراكي والتخلي عن التوجه الليبرالي الوطني ومع تصاعد الحقد المسعور تجاه الغرب المسيحي دمّر وقلّص ذلك الدور من جديد. ومع ذلك استمرّ المسيحيون في لعب دور مهم من الطراز الأول في بلد واحد مُبتكر ومُستحدث فُرضت حدوده مؤخرا وهو جمهورية لبنان التي تشكلت من قبل السلطة النيابية المفوضة لذلك، حيث انه ومنذ القرون الوسطى شكلت السلسلة الجبلية المتواجدة بقلب لبنان الكبير ملجأ وملاذ الفارّين والهاربين دينيا وسياسيا فبهذا توارث سكانه عادة الاستقلال والمبادرة الخلاقة في أوقات وأزمنة كان فيها إعلان الطاعة والولاء عادة وقانونا عاما، لكن على العكس من ذلك نجح أمراء لبنان على الاحتفاظ بعادتهم سواء في عهد المماليك أو العثمانيين. فمنذ انتشار اللغة العربية وصولا إلى الحملات الصليبية استمرّ مسيحيو لبنان في تقاسم ونيل ثمار الثقافة الغربية في الشرق الأوسط لكن مع تنامي الشعور القومي العروبي أحدث ردة فعل سلبية تجاه تلك الثقافة، كما ان الحروب الأهلية المتوالية في البلد من سنة 1958 ثم مابين عامي 1975 و1991 جعل من مشكلة المسيحيين العرب شأنا قوميا عربيا ومسألة تخص الداخل اللبناني وحده، وبهذا فقدت بيروت العاصمة التجارية والمالية والفكرية للعالم العربي وهجها واهميتها ومكانتها. (Lewis, 1995, p32)
ما واجهه وعرفه المسيحيون خلال العصور الوسطى من أحداث وكوارث جرى الأمر نفسه على اليهود لكن قبل ذلك لقوا العناية والرعاية اللائقة من قبل الامبراطورية الفارسية أكثر مما لقوه من الروم، فمن بعد الدمار الساحق على يد الرومان الذي عرفه اليهود على أثر التمرد الكبير الذي قاموا به عام 135 ميلادي لم تستطع جهودهم محوه إلا بإعلان دولة اسرائيل. أعاد الرومان تسمية مدينة القدس (أورشليم) إيلياء من جديد وشيّد معبدا للإله جوبتير Jupiter على بقايا وخراب المعبد اليهودي وحتى الاسم يهوذا ألغي وعوّض باسم «فلسطين» نسبة إلى الفلسطينيين. فاختفى الشعب اليهودي من على مسرح التاريخ لمدة طويلة كما تفرق وتشرذم ولاقى الأمرين في ظل السيطرة الرومانية سواء قبل اعتناق روما المسيحية أو بعدها، لكنّ الفتح العربي بفضله عرفت الأقلية اليهودية المنتشرة والموزعة عبر كامل أرجاء الشرق الأوسط بصيص امل من الحياة والازدهار، وبقيت مراكز التعليم والثقافة اليهودية في كل من يلاد فارس والعراق وفلسطين قائمة في ظل السيطرة الاسلامية، لكن مع قدوم الصليبيين إلى فلسطين عرف اليهود دمارا وخرابا بالشكل نفسه الذي لاقاه المسلمون عندما سقطت القدس بأيديهم سنة 1099 م، وباسترداد المسلمين للمنطقة استردّ أيضا اليهود الحياة من جديد، لكن خلال القرن الثالث عشر غادر فلسطين موجات متتابعة من الهجرة باتجاه شمال افريقيا وأوروبا المسيحية. كما وجد يهود الأندلس الفارين من محاكم التفتيش الاسبانية ضالتهم في الأراضي العثمانية جاعلين من القدس وصفد مدنهم الثقافية والعلمية الأولى بامتياز، لا يوجد ما يشجع على العودة إلى ارضهم المقدسة من عوامل ودوافع محفزة إلا الأمر والعامل الديني فقط، ومنه بدأ اليهود في التوافد على أرض فلسطين بداية من القرن التاسع عشر بالتزامن مع تاجج العاطفة المحمومة للشعور القومي والتهاب الأفكار والأيديولوجيات القومية في أوروبا الوسطى والشرقية مما عرّض اليهود للعزلة والاضطهاد. ومع استفحال ظاهرة معاداة السامية في أوروبا أجبر هذا الوضع اليهود أيضا على تأجيج شعورهم وعاطفتهم القومية مما منحهم دفعا قويا نحو الهجرة والتلاحم. في اكثر المناطق تواجدا للجالية اليهودية هما : النمسا والمجر (هنغاريا) كانت معاداة السامية اتجاها فكريا ونزعة ايديولوجية، احيانا اخذت الطابع الحركي الاجتماعي، وعليه فعلى تلك الرض والدولة النمساوية المجرية نمت وترعرعت النّزعة الصّهيونية التي من خلالها اعطت حلا سياسيا جذريا وراديكاليا للمشكلة أو بالأحرى العقدة اليهودية عن طريق نشر وتبني القومية اليهودية والدعوة إلى إنشاء الدولة العبرية إسرائيل.(Lewis, 1995, p34-35) اما في روسيا القيصرية كان ابعاد اليهود وتهميشهم مفعّلا بواسطة القانون والممارسات، ومنه كانت الحلول فردية عن طريق الهجرة إلى الولايات المتحدة أو المشاركة في الحركات الاحتجاجية ضدّ النظام القيصري وخاصة الثورة البلشفية الشيوعية للمطالبة بالمساواة المطلقة بين الأجناس. ومنه القليل من اليهود الروس من فضّل الحل الصهيوني بتبني الشعور القومي اليهودي. وانطلاقا من وعد بلفور ثمّ معاهدة سايكس بيكو التي بموجبها وضعت القدس وفلسطين تحت الحماية البريطانية وشيئا فشيئا صُنعت وشُكلت الدولة اليهودية المعبّرة عن النزعة القومية وتجسيدا للفكرة الصهيونية، ومنه فهذين العاملين المتمثلين في تأجج الشعور القومي وتأسيس لكيان الدولة الإسرائيلية رافقهما نهضة لغوية عبرية فلم تعد مجرد لغة الدين اليهودي بل غدت كذلك لغة للعلم والآداب وسيلة للتخاطب والتواصل وبالتالي أصبحت اللغة الرسمية للدّولة العبرية إضافة إلى العربية كلغة ثانية. (Lewis, 1995, p36)
باستثناء الآرامية المستخدمة من قبل بعض المجموعات والدوائر المسيحية القروية في سورية وغيرها فإن لغات الشرق الأوسط القديمة الأخرى اندثرت واختفت، وعموم الأقليات المسيحية واليهودية في البلدان العربية تتكلّم اللغة العربية، أما المتواجدة في إيران فإنها تتحدث باللغة الفارسية، وعلى العكس من ذلك المسيحيين الذين يتكلمون اليونانية أو الأرمينية وكذلك اليهود المتواجدين على الأراضي التركية حافظتا على لغتهما، وبالتالي شكلتا هاتين الأقليتين في تركيا استثناء عن القاعدة المتمثلة في الانصهار والذوبان اللغوي. أما الأقلية الاثنية واللغوية الوحيدة المتشضية والمنتشرة والموزعة على بعض بلدان الشرق الأوسط هي الأقلية الكردية فتعدادها بالملايين، المجموعة منها الأكثر أهمية هي المتواجدة على الأراضي التركية والعراق وإيران بينما توجد مجموعات صغيرة أخرى في كل من سوريا والقوقاز. فالحضور الكردي في هذه البلدان وتواجده كان عبر كل مراحل التاريخ الاسلامي مع أن بعض الوثائق تشير إلى تواجدهم منذ القدم. لكنهم تبنوا الدّين الاسلامي بشكل سريع فكان منهم العسكر والعلماء والقادة السياسيين، كما احتفظوا بلغتهم وهويتهم، فلغتهم من وجهة نظر فيلولوجية أي فقه لغوية تعتبر الكردية من نفس عائلة اللغة الفارسية وثقافيا قريبة من العربية وفي الحالتين متميّزة عن كلاهما. فطيلة العصور الوسطى لم يقتطع الأكراد مقارنة بالشعوب الأخرى لا وطنا ولا دولة، وغنما كانت منهم أسر إسلامية حاكمة مثلها في ذلك مثل الأسر الاسلامية الأخرى المنحدرة من إثنيات مختلفة، والأكثر شهرة على الاطلاق تلك الأسرة التي أسسها صلاح الدين الأيوبي، لأنه في الاسلام الدّين فقط لا اللغة ولا العرق هو من يصوغ ويبني الهوية السياسية. لهذا اكتفى الأكراد ونعموا براحة البال عندما صاروا مسلمين خاضعين لسلطة إسلامية، لكن في مرحلة جدّ متأخرة ومع انبثاق الأيديولوجيا والنزعات القومية والتوجه نحو بناء دول قومية في المنطقة الأمر الذي أوحى وأوعز إلى الأكراد فكرة إنشاء حركة قومية كردية بهدف إقامة كيان كردي مستقل ضمن دولة ذات سيادة. (Lewis, 1995, p37)
إنه وعلى تخوم الشرق الأوسط بقيت بعض اللهجات ظاهرة ومتواجدة كما في افغانستان هناك لغتين رسميتين: البشتو والفارسية وفي شمال إفريقيا هناك لهجات مختلفة للغة الأمازيغية البربرية تتكلمها اقليات في كل من تونس وليبيا لكنها في الجزائر والمغرب هي من الأهمية بمكان لكنها يوما بعد يوم تنحسر تاركة المجال للغة العربية لو لا تنامي الشعور القومي عند البربر الأمازيغ بغية إعطاءها طابع اللغة الرسمية في هذين البلدين أي المغرب والجزائر. كذلك في بلدان القوقاز هناك بعض اللغات المهمة في طريقها إلى الازدهار والتطور، فإلى جانب العديد من اللهجات التركية والايرانية تتواجد اللغة الجيورجية والأرمينية والشركسية والشيشانية والآفارية. فالوضع بشكل عام لخصه دبلوماسي روماني عندما أشار إلى أنه في تعاملاتهم التجارية مع شعوب القوقاز يحتاج الرومان إلى مائة وثلاثين مترجما. ومن بين اللغات الثلاث السائدة في الشرق الأوسط تعتبر الفارسية الأكثر توحيدا وتجميعا للشعوب الفارسية ثم تأتي العربية بدرجة ثانية والتركية في المرتبة الأخيرة، فالعربية ممتدة من العراق حتى المغرب ويفضل وسائل الإعلام من صحف وإذاعات وقنوات تلفزيونية وسينما وانترنت انتشرت وعمت الفصحى وبالتالي فهي المقروءة والمفهومة من قبل الجميع ومن دون استثناء. اما اللغة التركية فهي الأضعف مقارنة بالفارسية والعربية نظرا لتنوعها الشديد فهناك مثلا التركية العثمانية وتركية الشاغاتاي Chagatay وهي لغة آسيا الوسطى ثم في القرن التاسع عشر تطورت تركية أذربيجان وبشكل مختلف. (Lewis, 1995, p38) لقد تم تحديد هوية الشرق الأوسط جغرافيا وتاريخيا ودينيا ولغويا وثقافيا لكن من الصعب تحديده تُخومه سياسيا لن حدوده ليست قارة، ومع ذلك يتشكل الشرق الأوسط من تركيا وإيران وأفغانستان والعراق وشبه الجزيرة العربية وسورية ولبنان وفلسطين و(إسرائيل) والأردن ومصر وكل المناطق الافريقية الناطقة بالعربية، ونجد كلا من جورجيا وأرمينيا البلدين المسيحيين الأوروبيين الواقعين على حدود الشرق الأوسط لكنهما يلعبان دورا مهما وحاسما في شؤون هذه المنطقة. ولقد لعب الاسلام دورا حاسما في تحديد هوية الشرق الأوسط لكنّ حرارته ووهجه انطفآ بفعل النزعات القومية أو الوطنية أو الاثنين معا، ومع ذلك وبعد مجيء الخميني إلى السلطة سنة 1979 تغيّر الأمر حيث أن الاسلام يريد ان يطفو من جديد على السطح عن طريق الحركات والمنظمات لما يدعى بالإسلام السياسي. لأن الاسلام لا يعني ما تعنيه بالضبط المسيحية في الغرب حيث هي ليست غلا مجرد نظام من المعتقدات والشعائر، لكن الاسلام ليس مجرد دين وفقط بل هو حضارة ايضا إنه الموازي والمنافح لعالم المسيحية ككل وليس تحديدا الدين المسيحي وفقط. حيث ان جميع المسلمين يصطفون ضمن هوية واحدة مشتركة حتى وغن ضمرت جمرة العقيدة أو قل الالتزام بأحكام الشريعة حيث ان كل مسلم مهما كان يشهد أن لا غله إلا الله وأن محمدا نبيه وأن القرآن كتابه والسنة والفقه شريعته. (Lewis, 1995, p41)
التاريخ الاسلامي للشرق الأوسط بدأ يتشكل خلال الفرن الأول من تشكيل الامبراطورية أي من سنة وفاة الرسول (ص) سنة 632 إاى غاية معركة بلاط الشهداء في منطقة بواتييه بفرنسا سنة 732م. لم يستطع أي أحد بعد الاسكندر تشكيل امبراطورية إلا الفاتحين المسلمين الذين امتدت امبراطوريتهم من حدود الصين والهند شرقا حتى شبه الجزيرة الأيبيرية غربا خلال هذه الفترة تمت عملية التعريب عن طريق الأسلمة والخضوع لنفس الحاكم ونفس الإدارة ومنه فالوحدة الدّينية والثقافية للإسلام الشرق أوسطي خالدة وأبدية رغم تعرضه لأخطار جسام قادمة من الشرق أو الغرب لكنه قاوم وثبت عندما تصدى للغزو المغولي ثم الغزو الصليبي، لكنه فقد ثقته بنفسه عندما أصبحت عاصمة الخلافة بغداد بيد وثنيين وكفرة في الوقت الذي كان يعتقد فيه المسلم آنذاك ا، سيادة الاسلام على المعمورة حتمية ومسألة وقت ان انتصاره حاسم ونهائي، ثم فقد ثقته بنفسه عن طريق صدمة الغرب الحديث والمعاصر. (Lewis, 1995, pp41-43)
3. الهوية بين القانون المدني والدين
يرى برنارد لويس أن المثقف الغربي العلماني يجد صعوبات جمة في فهم ثقافة الشرق أوسطيين التي لا تعتبر لا المواطنة ولا العرق لكن الدّين هو المحدّد الحاسم والنهائي للهوية على الرغم من التأثير الغربي لما يزيد على القرنين على البلدان الاسلامية ومع ذلك بقي الدين هو العامل الحاسم في تحديدها، حيث أن مفهوم الهوية الذي يطبقه برنارد لويس على ثقافة الشرق الأوسط غربي بامتياز والذي يتخذ الطابع القانوني الحقوقي الاجرائي فالهوية هي: الجنسية أي المواطنة بالانتماء لبلد ما أو قومية معينة أو وطنية محددة. وهذه المفاهيم جديدة تماما على الشرق الأوسط، لهذا فالدارس والباحث كما يرى برنارد لويس يدرس هويته ويتكلم عنها بطرق وأساليب غربية إذ أن موضوع الهوية ذاته موضوعا غربيا بامتياز. فالجنسية nationalité أو المواطنة citoyenneté جاءت عبر ترجمة المعجم السياسي الغربي لأن هويات الشرق الأوسط عميقة ومتجذرة في القدم لكنها تعرّضت لتغيرات مهمة في الأزمنة الحديثة نتيجة التأثيرات الغربية وما لاحظه برنارد لويس أن هويات الأوسط معقدة ومتنوعة، فهناك هوية الانتماء للوطن والدولة عن طريق الجنسية وهناك هوية الانتماء للعرق والجنس وبالتالي تحمل المعنى الإثني، وهناك هوية الانتماء الديني وهو ما يتميّز به الشرق ألوسط فمنذ ما يزيد على القرنين من التأثير الغربي على البلدان الاسلامية إلا أن عامل الدين بقي حاسما في تحديدها وضبطها. وتظهر الهوية وتبرز بمجرد التعامل مع الآخر المختلف الأجنبي سواء عن طريق التحاور والتبادل أو التصادم والتحارب والتقاتل. (Lewis, 1999, pp09-15) فخلال القرن التاسع عشر طرأ تغيير على مفهوم الهوية الأول هو مفهوم الوطنية patriotisme بمعنى الانتماء والولاء للبلد، والثاني هو مفهوم القومية nationalisme بمعنى الهوية اللغوية بالانتماء للعرق أو الإثنية. حيث فرض التغريب المتمثل في التأثير الغربي تغيير المعجم السياسي العربي القديم فاستبدلت كلمة رعية بكلمة مواطن citoyen بمعنى قاطن وساكن البلد، بينما في أصلها اليوناني فتشير إلى معنى المدينة ومبدأ المشاركة السياسية في تسيير دولة المدينة فهي إذن حرفيا بالعربية: المُمادن. (Lewis, 1999, p22) تَبنّى المسيحيون العرب المفاهيم الغربية الجديدة للهوية ودافعوا عنها بغية الحصول على حقوق مكتملة ومتساوية في مجتمع تتحدد فيه الهوية على أسس دينية، بينما نجد العامل الحاسم والنهائي في تحديد الهوية والولاء السياسي هو عامل القومية أو البلد كذلك تعتبر اللغة أحد الدلائل الرئيسية على الهوية التي تكتسب منذ الطفولة وبالتالي تسمى اللغة الأم فهي رابطة توحّد بين الأفراد الذين يتقاسمونها وحاجزا أمام من لا يعرفها، وبالتالي فهي دائما أداة تحديد لمعرفة الغريب من البعيد أو المحلي من الأجنبي. (Lewis, 1999, p47) وفي بعض المناطق من العالم يعتبر العرق عملا حاسما واساسيا في تحديد الهوية ولكنه ليس بذلك العامل الحاسم والهام في تحديد الهوية في الشرق الأوسط، فرغم التنوعات الموجودة من لغة ودين وثقافة إلا أن الجانب الاثني مستثنى تقريبا. وبالنسبة للعنصري أي المتطرف عرقيا تتساوى بالنسبة غليه اهمية الآباء والأمهات في عملية تحديد الهوية وفي حالات التوتر العرقي ينظر إلى ذوي الاختلاط من الجانب الأبوي بعين الريبة والنقص، ولم تظهر في الشرق الأوسط نزعات تفسر الهوية بشكل عرقي اثني كما في وسط أوروبا وشرقها عندما ظهر مصطلح معاداة السامية النازي الهتلري والتفريق بين السامي والآري حيث استخدم هذين المصطلحين اول الأمر من قبل الباحثين الفيلولوجيين خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر استنادا على الاكتشاف الهام القائل بأن اللغات يمكن تصنيفها إلى مجموعات شقيقة أو إلى عائلات لغوية، وفي عام 1781 اقترح الفيلولوجي الألماني أوغست لودفيغ شلوزر August Ludwig Schlozer استخدام مصطلح «سامي» للدلالة على عائلة اللغات التي تنتمي إليها الآشورية والعبرية والآرامية والعربية والأثيوبية وكذلك مصطلح «آري» للدلالة على مجموعة اللغات التي تشتمل على السنسكريتية والفارسية القديمة وغيرها، في الوقت نفسه حذر الفيلولوجي الألماني أيضا ماكس مولر Max Muller عام 1861من الاستخدام السيء لتاريخ اللغات واسقاطه على تاريخ الأعراق، لكن العنصريين والمتطرفين عرقيا وإثنيا استغلوا هذه النظرية وهذه المصطلحات الجديدة لاستخدامها في غير محلها ولخدمة أغراض غير علمية. ولقد أثرت هذه النزعات العنصرية بعض الشيء في الشرق الأوسط ففي سنة 1935 نتيجة الدعاية الألمانية والتدخل والتّنفذ الألماني في الشؤون الداخلية فتم تغيير اسم فارس إلى إيران نسبة إلى جنس وعرق الآريان. (Lewis, 1999, p45-46) من جهة أخرى نجد أن المنظور الغربي إلى العالم هو أنه ينقسم إلى شعوب وأقوام أي أن الأجناس والأعراق هي من يقسم العالم ويحكم في أسماء البلدان والأوطان واللغات، على العكس من ذلك المنظور الاسلامي حيث أن العالم ينقسم إلى أمم دينية بمعنى الأديان هي من يقسم العالم إذ أن مفهوم الأمة في الاسلام ديني لا لغوي ولا عرقي ولا جنسي إثني. فالدين هو من يحدد الذات والآخر عند المسلمين وهو من يحدد الهوية بشكل كلي ومنه تم تشكيل منظمة التعاون الاسلامي لما يزيد على ستة وخمسين دولة وحكومة تجتمع على أساس مشترك ألا وهو الدين فهذا التجميع على أساس ديني للدول والحكومات فكرة مضحكة وسخيفة بالنسبة للغربيين لكنها ذات أهمية بالغة عند المسلمين لأن مفهوم الأمة دائما ديني. (Lewis, 1999, p26) خلاصة الأمر يرى برنارد لويس أن مصطلح الشرق الأوسط يستخدم بنفس الكيفية التي تستخدم بها مصطلحات شرق وغرب وشمال جنوب، فالشرق الأوسط من حيث هو منطقة جغرافية لا يمتلك هوية جمعية كالهند او الصين أو أوروبا، إنه من التنوع والثراء جعل من عمليات : الهلنسة والرومنة والتمسيح تحقق قدرا معينا من الانسجام فقط بين بلدانه وشعوبه، لكن الاسلام اكتسح المنطقة بأكملها وفرض نفسه عبر كامل ارجائها تقريبا فمنح المنطقة هوية جمعية ووحيدة لم تعرف غيرها والبحث عن ولاءات إقليمية أو عرقية خارج الاسلام هو ضرب من المستحيل. (Lewis, 1999, p131)
الخاتمة
استطاع برنارد لويس أن يعطينا عدة هويات للشرق الأوسط من جغرافية وتاريخية وثقافية ودينية وحتى إثنية عرقية لكن قراءاته كلها مطبوعة بطابع سياسي، لم يقرأ الشرق ألوسط إلا من منظور العلاقات السياسية بين الشرق والغرب لم يستطع مناقشة موضوع الهوية انسانيا وفلسفيا بعيدا عن اكراهات الانتماءات بحيث تنقلب الأمور رأسا على عقب فعوض ان نمنح الانسان ونشحنه بهوية ضيقة هنا أو هناك يجب أن نمنح ثقافاتنا كلها ومن دون استثناء الهوية الانسانية كي نتجاوز فكرة التقسيم الثقافية، وبالرغم من دفاع الكثير من الفلاسفة والمفكرين والعلماء خاصة من ذوي الأصول اليهودية عن هذه الفكرة نظرا لعدم انتماءهم لميراث أوروبا والغرب عموما في بعديه الروماني واليوناني وانضم إليهم الكثير من المثقفين من ذوي الأصول غير الأوروبية خاصة مثل الهنود والعرب المهاجرين إلا أن التّعنت لا يزال مستمرا من طرف الكثير من العلماء والفلاسفة والمثقفين الغرب ولا يحيلون بالمرة إلى دعاة هذه الفكرة ولا يشيرون إليهم لا من فريب ولا من بعيد.