المُمارسات اللُّغويّة في الجزائر: بين الواقع والافتراض

Linguistic Practices in Algeria: Bridging the Gap Between Reality and Assumption

Linguistic practices in Algeria between reality and assumption

رزيقة بوشلقية Razika Bouchelkia

Citer cet article

Référence électronique

رزيقة بوشلقية Razika Bouchelkia, « المُمارسات اللُّغويّة في الجزائر: بين الواقع والافتراض », Aleph [En ligne], mis en ligne le 31 mai 2024, consulté le 24 novembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/12118

تتناول هذه الدّراسة إشكاليّة المُمارسات اللّغويّة في الجزائر بين الواقع والافتراض، وأبعادها السّلبيّة في التّأثير على الهويّة الفرديّة والثّقافية، وذلك لأنّ الفرد يتقمّص عدّة أدوار في الواقع الافتراضي بينما يتّخذ في الواقع ثقافة وهويّة واحدة، تُحدّد أسلوب المواطنة لديه، ولقد اشتغلنا في دراستنا على إشكالية مركزية وهي : كيف تُمَارسُ اللّغة واقعيّا وافتراضيّا ؟ وهل تختلف المُمارسة اللّغويّة في الواقع عنها في الافتراض؟ وكيف تُساهم اللّغة في تأسيس الهويّة الثّقافية ؟ وكيف يتقمّص الفرد الجزائري هويّات مُتعدّدة خاصة في شبكة التّواصل الإجماعي، الفيس بوك ؟

كلّ هذه الأسئلة وأخرى سنُجيب عنها في دراستنا هذه، مع مُعاينة آثار المُمارسة اللّغوية في ظلّ الرّهانات الجديدة، في عالمين مختلفين، أوّلهما واقعي ملموس والثّاني افتراضي إلكتروني.

Cette étude traite de la problématique des pratiques linguistiques en Algérie entre réalité et assomption, et de ses dimensions négatives en affectant l’identité individuelle et culturelle, car l’individu assume plusieurs rôles dans la réalité virtuelle alors qu’en réalité il assume une culture et une identité, ce qui détermine son style de citoyenneté, et nous avons travaillé dans notre étude sur un problème central, à savoir : comment la langue est-elle pratiquée en réalité et hypothétiquement ? La pratique linguistique est-elle différente dans la réalité que dans l’hypothèse ? Comment la langue contribue-t-elle à l’établissement de l’identité culturelle ? Et comment l’individu algérien assure-t-il des identités multiples, notamment dans le réseau social Facebook ?

Toutes ces questions et d’autres trouveront réponse dans notre étude, en examinant les effets de la pratique linguistique à la lumière des nouveaux enjeux, dans deux mondes différents, le premier réel et tangible, le second virtuel et électronique.

This study deals with the problem of language practice between reality and assumption , And their negative dimensions in the impact on individual and cultural identity of the individual, This is because the individual takes several roles in virtual reality while actually imbuing one culture and identity, Determine the method of citizenship, In our study, we dealt with a central problem: How to practice the language realistically and by default? Does language practice differ from the assumption? How does language contribute to the establishment of cultural identity? How does the Algerian individual acquire multiple identities, especially in the Facebook network?

All these questions and others will be answered in this study, with a preview of the effects of language practice under the new bets, in two different worlds, the first concrete real and the second electronic.

مقدمة

إذا كانت الوظيفة الأساسية للّغة هي تحسين العلاقات الإنسانية وتوطيدها في مُجتمع ما؛ وذلك من خلال الارتقاء بالنّشاط اللّغوي للأفراد الذّين يُمارسون لُغة واحدة ويعيشون في بيئة اجتماعية موحّدة، ولكي تبقى لُغة قوم خالدة عبر العصور لابدّ لها من قواعد تحفظ نظامها وبنيتها من التّحريف والدّخيل اللّفظي، وعلى أساس هذه القواعد يُمارس الأفراد لُغاتهم.

وتُعدّ اللّغة العربية واحدة من أهمّ اللّغات السّامية التّي استخدمها الخلْقُ في كتابة تاريخهم، وتمجيد مآثرهم، وتسجيل غزواتهم وحضارتهم الخ... فغدت لُغةً جماهيرية مُسَيَّجَة بقواعد نحوية وصرفية وصوتية الخ...، ورغم كلّ هذه الحصون لا يُمكن الإقرار بثبات هذه اللّغة وسلامة قواعدها في عصر التّكنولوجيا والمواقع التّواصلية، التّي أصبحت بمثابة القناة الأساسية للاتصال الاجتماعي والتّعارف الشّخصي، وبعيدًا عن التّطوّرِ الكبير للّغةِ العربيّةِ في مكوّناتِها اللّفظيّةِ واللّسانية، في أصواتِها وعناصرِها الإشتغالية المختلفة نجد هناكَ تطوّرًا من نوعٍ آخر نلمسُهُ في عصر العولمة من خلالِ فضاءاتِ التّواصلِ الاجتماعيّ الإلكترونيِّ(1)، التي تحتلُّ موقعَ الصَّدارةِ في عمليّاتِ التّواصلِ، والّتي أصبحتْ ميدَانًا رحبًا لكلِّ مَنْ هبَّ ودبَّ، بمجرّدِ إِضاءةِ لوحةِ مفاتيحِ الهواتفِ النَّقَّالةِ، أو الضَّغطِ على مفتاحِ التّشغيلِ لأجهزةِ الحاسوبِ المحمولةِ بأنواعِها المتعدّدةِ(2)، أو الولوج إلى العالم الأزرق الذّي يُرحّب بكلّ كائن بشريٍّ يتمكّن من صناعة حسابٍ له داخل منظومته باسم حقيقيّ أو مُستعارٍ، وينبئُ هذا التّطوّرُ عنْ حالاتٍ من الإضرارِ وتحطيمِ اللّغةِ العربيّةِ وقواعدها الأساسية؛ وذلك من خلال تحوّلها إلى أداةِ تخاطبية بين الذّاتِ الأولى (المجهولة أو المعروفة على المُستوى العام أي المُرسِل) والذّاتِ الثّانية (المجهولة أو المعروفة على المُستوى العام أي المُرسَل إليه)، ذاتَ مستوى لُغوي متدنٍّ أثناءَ وضعِ المشاركاتِ، أو المحادثاتِ الّتي لا تخضعُ لرقيبٍ ولا حسيبٍ، ولا تَحْكُمها قواعد مضبوطة، فالملاحظُ أنَّ مستوى الأداءِ اللّغويّ الذي يمارسهُ مستخدمو شبكاتِ التّواصلِ الاجتماعيّ داخلَ غُرفِ الحِوارِ والدّردشةِ قدْ بلغَ درجةً من الانحدارِ والتّدني، قياسًا ومُقارنة معَ الإحصائيّاتِ الرّقميّةِ لمستخدمي شبكاتِ التّواصلِ الاجتماعيّ من النّاطقينَ باللّغةِ العربيّةِ الفصيحة.

1. اللّغة بيتُ الوجود

قبل الحديث عن اللّغة في تصوّر « مارتن هايدغر » لا بأس أن نُقدّم أولا نبذة موجزة عن اللّغة، فرغم تعدّد وجهات النّظر حولها، واختلافها باختلاف وعي المتلقي، متى يتعلّمها الإنسان أو يتلقاها، وماذا يعني أن يمتلك فرد ما لغة ؟ وما ضرورة ذلك ؟

يشير معجم تاريخ الأفكار إلى جملة مسائل منها، أنّ البشر في جميع الحضارات تقريبا يتعلمون الكلام في العمر نفسه، وهو السّنة الأولى أو الثّانية من الحياة، بينما يفهمون معظم قواعد اللّغة في سنّ السّادسة، وأنّ مفردات اللّغة لديهم تتوسّع أو تزداد خلال حياتهم، وهذا يعني أنّنا نتعلّم الكلام لفترة طويلة قبل أن نكون قادرين على تأمّل معنى اللّغة، فالكلام طبيعي في الوجود البشري، شأنه شأن التّنفس والمشي، وبهذا تكون اللّغة وسيلة منظّمة لنقل الأفكار والمشاعر؛ ذلك من خلال استخدام الإشارات التّقليدية والأصوات والإيماءات أو العلامات التّي تقرّر المعنى، كما أنّ اللّغة هي القدرة في التّعبير اللّفظي باستخدام الكلمات في الاتصال البشري(3). هكذا ربط أفلاطون اللّغة بالحقيقة، وربط أصلها بالأسماء، بينما اختلفت الآراء بعده فردّها بعضهم للصّوت وآخرون للجُملة.

ونظرا لاهتمام الفلاسفة والنّقاد منذ القدم بمصطلح اللّغة –كما سبق وأن ذكرنا-، يعتبر تصّور « مارتن هايدغر ( Martin Heidegger ) للّغة من التّصوّرات المهمّة في مُحاولتها الحَفر في ماهيتها بعيدا عن المفاهيم الميتافيزيقية، التّي سادت في التّفكير الغربي بدءا بمفهوم أفلاطون، وقد صبّ اهتمام »هايدغر« حول اللّغة منذ سنة 1916 في أطروحة الدّكتوراه، ليستأنف مقاربته للّغة في مؤلّفه » الوجود والزّمان

« الصّادر سنة 1927 وقد اعتبرها نمطًا مهمّا من أنماط وجود الدّازين، لذا ينطلق في تحديده لمُصطلح اللّغة من أنّ المعنى هو الذّي يؤسّسه، ولولا اللّغة لما كانت الأشياء على ما هي عليه، وإنّما ستغدو غامضة يشابها اللبس والإبهام، إذن أنّها – أي اللّغة – هي التّي تمنحنا قدرة استدعاء الأشياء ومنحها مسمياتها، فيؤكّد هذه الفكرة في كتابه «الوجود والزّمان» « بقوله : « إنّ الكلام ينبغي أن تكون له من حيث ماهيته طريقة كينونة متّصلة بالعالم على نحو مخصوص »(4).

ويُمكن تتبّع ” اللّغة ” في الواقع الجزائري من خلال مُعاينة : الواقع اليومي، الواقع التّعليمي، والواقع العَمَلي، الخ...) كما هو موضّح في المخطّط الآتي :

1.1. مُمَارسة اللّغة في العَالم الواقعي

الشكل 1 : طبيعة اللّغة في الواقع الجزائري

الشكل 1 : طبيعة اللّغة في الواقع الجزائري

المصدر : المؤلّف نفسه

يُلاحظ المُتتبّع للمُخطّط السّابق أنّ التّنوّع اللّهجي (استعمال اللّغة المازيغيّة والعربية ) أكثر استعمالاً وحضورًا ومُمَارسةً في الواقع الجزائري، وهذا ينمّ عن وعي المُجتمع الجزائري بأهميّة هاتين اللّغتين، ثمّ تليه اللّغة العربيّة الفصحى التّي تحتلّ نسبة 20.08 %، حيث نشهد لها حضورا في المدارس وأماكن العمل، أمّا مُمَارسة اللّغة الفرنسية فلقد بلغت نسبة 18.1 %، والتّي تعرف استعمالا في الشّركات والبنوك. أمّا إذا جئنا إلى مُتابعة »طبيعة المُمارسات اللّغوية في المدارس والمؤسّسات التّعليميّة « فنوضّحها في التّرسيمة البيانية الآتية :

الشكل 2 : طبيعة اللّغة في الواقع التّعليميّ

الشكل 2 : طبيعة اللّغة في الواقع التّعليميّ

المصدر : المؤلّف نفسه

نقرأ في الأعمدة البيانية السّابقة « طبيعة اللّغة في الواقع التّعليمي»، حيث احتلّت اللّغة العربية الفصحى الصّدارة بنسبة 70 %، ثمّ تليها اللّغة الفرنسيّة التّي تعرف حضورا ومُمارسة في الجزائر بنسبة 15 % نظرًا إلى الخلفيات الإيديولوجية، إذ تعتبر اللّغة الفرنسية في الجزائر لغة المُستعمر، لذا نجدها حاضرة في القُرى أكثر منها في المُدن الكُبرى.

أمّا إذا تحوّلنا إلى مُعاينة «المُمارسات اللّغوية في الفضاء الإلكتروني – الفيس بوك على وجه الخصوص»، فيُمكن حصر نسب انتشار هذه اللّغات حسب تراتبيتها وأهميتها على النّحو الآتي :

2.1. مُمَارسة اللّغة في الفَضـاء الافتراضيّ 

الشكل 3 : مُمارسة اللّغة وطبيعتها مع العَرب الجزائريين

الشكل 3 : مُمارسة اللّغة وطبيعتها مع العَرب الجزائريين

المصدر : المؤلّف نفسه

نُقارب في هذا المخطّط مُمارسة اللّغة وطبيعتها عند العرب الجزائريين، فالمُتتبّع لطبيعة اللّغة عند هؤلاء خاصة في شبكة التّواصل الاجتماعي، يُلاحظ مُمارسة اللّغة العربية الفصيحة بنسبة 40 %، بينما يحتل التّنوّع اللّهجي ما نسبته 20 % فقط، وتحتل اللّغة الإنجليزية والفرنسيّة نسبة 16 %، بينما يحتلّ الصّمت واللاّتواصل نسبة 24 %.

ويُمكن إحصاء بعض الأمثلة عن مُمارسة اللّغة العربية الفصيحة في شبكة الفيس بوك كما يأتي :

  • س1. مجنونٌ من يُهدي كتابا وأجنّ منه من يعيده إليّ

  • س2. ربي يحفظك، لقد غبت طويلا

  • س3. للكاتب قصد من الإعارة والاستعارة

  • س4. لولا الكاتب جون جاك روسو ما قامت الثورة الفرنسية

  • س5. على قدر البُعد يزداد القرب... أفلح

Image 10000201000002800000017E24DDA5A7C1215D7E.png

3.1. مُلاحظة 

يجب التّنويه والإشـارة إلى أنّ هذه الأمثلة والخطابات قابلة للتّغيير باختلاف العيّنة والمُعطيات المُختارة، فاستعمال ومُمارسة اللّغة في الفيس بوك عند الجزائري (العربي) تختلف عن مُمارستها عند الأجنبي.

أمّا إذا جئنا إلى مُقاربة ومُعاينة » مُمارسة اللّغة العربية على الصّفحات والإعدادات الفيسبوكيّة « ، فإنّها تختلف من فرد لآخر، ويُمكن متابعة هذا التّحوّل كما في الأعمدة البيانيّة الآتية :

الشكل 4 : نسبة اللّغات المستعملة لفتح حسابات وصفحات الفيسبوك

الشكل 4 : نسبة اللّغات المستعملة لفتح حسابات وصفحات الفيسبوك

المصدر : المؤلّف نفسه

يُلاحظ المُتتبّع لهذه الأعمدة البيانية أنّ أغلب الصّفحات التّي تمّ فتحها في العالم الافتراضي كانت باللّغة الفرنسية في المُجتمع الجزائري أي ما نسبته 50 %، بينما يبلغ عدد الصّفحات أو البروفايلات المفتوحة باللّغة العربية ما نسبته 30 %، وغالبا ما يُمكن إحصاؤها في صفحات أساتذة اللّغة العربية والشّعراء أو الأدباء الذّين يكتبون باللّغة العربية الفصيحة، بينما يتّجه المُستعمل الآخر إلى مُمارسة لغة أخرى غير العربية، كاللّغة الإنجليزية التّي بلغت عدد الصّفحات المُستعملة لهذه اللّغة نسبة 15 % وهي نسبة منخفضة مُقارنة باللّغتين الفرنسية والعربية، نظرا لقلّة العارفين بهذه اللّغة والمُستعملين لها، بينما نجد صفحات فيسبوكيّة أو بروفايلات تمّ فتحها بلغات أجنبية مختلفة ومتعدّدة كالألمانية، والإسبانية الخ... ما نسبته 05 % فقط.

هذا فيما يخصّ اللّغة المُمارَسَة في الصّفحات والإعدادات، أمّا فيما يتعلّق بـ »مُمارسة اللّغة العربيّة في غُرف الدّردشة « ، فنستجليها في المُخطّط الآتي :

الشكل 5 : نسبة اللّغات المستعملة في غرف الدردشة

الشكل 5 : نسبة اللّغات المستعملة في غرف الدردشة

المصدر : المؤلّف نفسه

اتّضح بعد الإحصاء النّهائي لعدد الدّردشات في مدوّنتنا أنّ نسبة 20 % من الأفراد يستعملون اللّغة العربية الفصيحة في غُرف الدّردشة خاصة إذا تعلّق الأمر بالأساتذة والطّلبة أي الأكاديميين والمتعلّمين بصفة عامة، بينما يتّجه البعض الآخر إلى استعمال اللّغة العربية المكتوبة بالحروف اللاّتينية بنسبة 45 % وهي نسبة مرتفعة مُقارنة باللّغة الفصيحة، فغالبا ما يتبنى الأشخاص في العالم الافتراضي هذه الجُمل الثّقافية المُختزلة :

  • Nchalh

  • Amek thezridh الفوج

  • تلقايهم ف السيت

  • Alah yachefih

  • Kayen djedid f département weqtach yemdulna les relevés de notes

Image 10000201000002800000010D4C1E4F3B12DF7EC5.png

المُلاحظ في هذه الاستعمالات اللّغوية أنّ المُرسِل يستعمل أكثر من لغة واحدة أي يعمد إلى تقنية ازدواجية اللّغة، أو التّعدّد اللّغوي وذلك نظرا لقلّة المفردات وضُعف رصيده المُعجمي، فما يلبث يُدخل ويستعمل ألفاظا أو مصطلحات من لُغة أجنبية أخرى أو من لهجات مُغايرة على النّحو الآتي :

  • Amek thezridh + الفوج ( اللّغة الأمازيغية بالحروف اللاّتينية + اللّغة العربية الفصيحة)

  • تلقايهم + ف السيت ( اللّغة العربية الدّارجة + اللّغة الفرنسية بالأبجدية العربية)

  • Kayen djedid f département weqtach yemdulna les relevés de notes ( اللّغة العربية الدّراجة بالحروف اللاّتينية)

يُلاحظ المُتتبّع لهذه التّعليقات أو المنشورات أنّها تتسم بالهشاشة اللّفظية، وبساطة المُعجم اللّغوي، إلاّ أنّها تُعدّ مُحاولة من المُرسِل في إبراز قُدراته اللّغوية خاصة عند تواصله ومُشاركته وتفاعله على بعض المنشورات ذات الصّلة باللّغة العربية وموضوعاتها المُختلفة أو الدّينية والتّعليميّة والسّياسية الخ...

أمّا إذا عُدنا إلى مُتابعة نسبة اللّغات الغالبة على التّعليقات في المنشورات العامة أو الخاصة، نستجليها على النّحو الآتي :

الشكل 6 : نسبة ممارسة اللّغات في التّعليقات والمنشورات

الشكل 6 : نسبة ممارسة اللّغات في التّعليقات والمنشورات

المصدر : المؤلّف نفسه

نُشير إلى أنّ الأعمدة الزرقاء تُمثّل »التّعليقات« بينما تُعيّن الأعمدة البُرتقالية »المنشورات« ، فإذا احتلت نسبة التّعليقات باللّغة العربية المكتوبة بالحروف اللاّتينية أو الدّارجة نسبة 50 %، فإنّ المنشورات تنخفض نسبة استعمال اللّغة الدّارجة إلى ما نسبته 20.8 % لترتفع نسبة مُمارسة اللّغة الفصيحة إلى 50 %، بينما وصلت نسبة التّعليقات باللّغة العربية الفصيحة إلى 20.7 % وهي نسبة ضعيفة مُقارنة بالاستعمال اللّهجي ومُمارسة الدّارجة في التّواصل عبر الشّبكة التّي وصلت إلى نسبة 50 %، ثمّ تليها اللّغة الفرنسية التّي بلغت نسبة استعمالها في التّعليقات 10 %، بينما وصلت في المنشورات (اللّغة الفرنسية) إلى نسبة 15 %، أمّا اللّغة الإنجليزية فقد شهدت حضورًا ضعيفًا مُقارنة باللّغة العربية والفرنسية، فقد تراوح استعمال هذه اللّغة ومُمارسة تقنياتها الفنية سواء في التّعليقات أو المنشورات ما بين 9.2 و9.3 %، وهو نفس ما تُعانيه أغلب اللّغات الأجنبية الأخرى، إذ عرفت استعمالاً مُتدنٍّيا وضعيفا جدا تتراوح نسبته بين 02 و05 %.

نخلص إلى أنّ أغلب المُشاركات والمنشورات تَرِد باللّغة العربية الفصيحة بنسبٍ مُتفاوتة؛ وذلك راجع إلى ثقافة المُتواصل وطاقاته اللّغوية والفكرية.

2. إشكالية مُمارسة اللّغة في شبكة التّواصل الاجتماعي

يجب الإشارة إلى أنّ الفرد لا يجد صعوبة في مُمارسة اللّغة في الواقع، نظرا لكونه يتقيّد ويلتزم باللّسـان المُشترك للجماعة، وإن كانت تختلف ممارستها من فرد لآخر بحسب الطّاقات الفكرية واللّغوية لكلّ شخص، ما يُحدّد الفروق اللّغوية بين الأفراد، إلاّ أنّها تظلّ في الواقع أسهل وأيسر للممارسة نظرا لمرونتها وفاعليتها التّواصلية، فكلّ شخص يلتزم بما جُبِل عليه أي ممارسة اللّغة الأمّ بالفطرة ثمّ يُنمّي قُدراته اللّغوية عن طريق اكتساب وتعلّم لغات أخرى أجنبية مغايرة للغته الأمّ، ففي المُجتمع العربي مثلا تُستعمل اللّغة العربية بلهجاتها المُختلفة بنسبة 90 %، بينما تُمارس اللّغة الأجنبية ( الفرنسية والإنجليزية) كلغة دخيلة بنسبة 10 % فقط، وهو الأمر نفسه عند الشّعوب الغربية، إذ نجد أنّ اللّغة الفرنسية والأجنبية هي اللّغة الأكثر استعمالا وممارسةً باعتبارها اللّغة الحيّة في هذه المجتمعات. أمّا في الشبكة التّواصلية (الفيس بوك) نشهد صعوبة في ممارسة اللّغة من حيث التّقيد بالقواعد الصّحيحة لها (نحويا وصرفيا ودلاليا)، فغالبًا ما تُمارس اللّغة في هذه المواقع الافتراضية كتابةً (تدوينًا) أي هي عبارة عن تدوينات في جدار الصّفحة أو في غرف الدّردشة، ونادرًا ما يستعمل المتواصل الرّسائل الصّوتية، فتظهر هذه التّدوينات في لُغات مختلفة وتحمل هويّات متعدّدة، ويُمكن تحديد هذا التّنوّع اللّغوي في الشّبكة التّواصلية على النّحو الآتي :

1.2. التّنوّع اللّغوي في المواقع الافتراضية

إنّ المُتتبّع لعملية التّواصل في الوطن العربي عامة والجزائر خاصة، يتنبّه إلى مكانة الثّنائية اللّغوية والتّنوّع اللّغوي في النّهوض بثقافة هذه الشّعوب، إذ يُمارس المتواصل في المواقع الإلكترونية والفيس بوك خاصة لُغتين أو أكثر ( اللّغة العربية + اللّغة الفرنسية) أو (اللّغة العربية + اللّغة الإنجليزية) أو ( اللّغة العربية + اللّغة المازيغية)، وهذه الثّنائيات اللّغوية لها مكانتها في التّواصل المكتوب عبر شبكة الفيس بوك، خاصة الفرنسية لكونها لُغة المُستعمر في بُلدان المغرب العربي والجزائر خاصة، ولهذا نجد إقبالاً كبيرًا من أبناء العربية إلى تعلّم ومُمارسة اللّغة الفرنسية، وذلك لمنزلتها العلمية والمعرفية ومكانتها العالمية حيث سمحت الظّروف التّاريخية والاقتصادية والاجتماعية الخ... إلى بروزها أكثر اللّغات الأجنبية مُمارسةً في المغرب العربي.

2.2. اللّغة الفرنسية والإنجليزية بين المُمارسة الواقعية والفيسبوكية

تبيّن من خلال إجابات وتعليقات الأفراد (العيّنة) الذّين تمّ استجوابهم أنّ أغلبهم يُتقن لُغة ثانية إلى جانب لغته الأولى الأمّ (العربية)، ومنهم من يتقن أكثر من لُغة أجنبية واحدة، وهذا يُحدّد انتشار ظاهرة التّعدّد اللّغوي في العالم الواقعي والافتراضي معا، إلاّ أنّها في شبكة الفيس بوك أكثر، وهذا ما يُقلّل قيمة اللّغة العربية ويُهمّشها.

تُمَارَسُ اللّغات الأجنبية في الحوارات اليومية والفيسبوكية، خاصة إذا ما تعلّق الأمر بالأجانب (التّواصل مع الأجانب)، إذ لا يُمكننا إجبار الآخر على التّواصل بالعربية ولكنّه يُجبرنا هو على التّواصل بلغته الأمّ، فإخضاع الأجنبي لمُمارسة اللّغة العربية والتّواصل بها يُعدّ عيبًا في طقوسنا، بينما انقيادنا وراء الآخر ومُمارسة لغته يُعتبر مَفْخرَة لنا، فنجد استعمال اللّغة الأجنبية في الواقع مُنتشرًا في المناطق القبائلية أكثر؛ وذلك نظرا للظّروف الاجتماعية والسّياسية التّي فرضت استعمال اللّغة الفرنسية، أمّا إذا عُدنا إلى الفضاء الإلكتروني فنجد أنّ إنشاء صداقة مع الأجانب يُحتّم على المُتَواصل أن يكون مُتقنا للغتهم ومُلِمًّا لقواعدها، حتى يتمكّن من التّواصل معهم وإيصال رسالته دون معوّقات قد يتسبّب فيها اختلاف الشّفرة بين المُتواصل (المرسل) والمُستقبل (المُرسل إليه).

نُلاحظ من خلال العيّنة المدروسة أنّ عددًا كبيرا من مُرتادي الفيس بوك الجزائريين أو العَرب عامة، يتواصلون مع أصدقاء أجانب، فنجد نسبة 53 % وهي الفئة التّي لا تتواصل مع الأجانب، بينما 47 % من الأفراد يتواصلون مع الأجانب، واتضح أنّ نسبة 30 % يتواصلون مع الأجانب باللّغة الفرنسية، و10 % بالإنجليزية، بينما 07 % فقط يتواصلون باللّغات الأجنبية الأخرى (الألمانية، الإسبانية، الإيطالية، الصّينية، التّركية، الخ...)، فاللّغات المُهيمنة في التّواصل الواقعي والفيسبوكي هي اللّغة الفرنسية أوّلا ثمّ تليها اللّغة الإنجليزية فالألمانية.

ونتيجة للتّواصل مع الأجانب انتشرت المنشورات والتّعليقات والمُشاركات باللّغة الأجنبية، ما يُثري صفحات الفيسبوك ويزيدُ من الاكتناز المعرفيّ لدى المُتلقي والمتواصل العربيّ. كما تجدر الإشارة إلى أنّ اللّغة الأجنبية لا تقتصر مُمارستها مع الأجانب فقط، وإنّما تُستعمل وتُمارس مع أبناء الوطن الواحد أي بين العرب فيما بينهم، كلغة للتّواصل في الواقع أو في المواقع الإلكترونية، فنجد من يستعملها لأغراض تعلّمية وتعليمية وهناك من يُمارسها لتلبيس ذاته وأناه بشخصية المُثقف ( المثقف في عصرنا يُساوي الشّخص الذّي يتكلّم لُغة الآخر ).

إنّ المُتتبّع لهذه التّعليقات أو المنشورات يُلاحظ أنّها تتسم بالهشاشة اللّفظية، وبساطة المُعجم اللّغوي، إلاّ أنّها تُعدّ مُحاولة من المُرسِل في إبراز قُدراته اللّغوية خاصة عند تواصله ومُشاركته وتفاعله على بعض المنشورات ذات الصّلة باللّغة العربية وموضوعاتها المُختلفة أو بالمواضيع الدّينية الخ...

أمّا إذا جئنا إلى تتبّع » طبيعة اللّغة المُمارسَة مع الأجانب« ، فنستجليها في المخّطط الآتي :

الشكل 7 : طبيعة اللّغة المُستعملة مع الأجانب

الشكل 7 : طبيعة اللّغة المُستعملة مع الأجانب

المصدر : المؤلّف نفسه

نقارب في هذه الأعمدة البيانيّة طبيعة اللّغة مع الأجانب، واتّضح أنّ هناك فئة لا تتواصل إطلاقًا معهم (الأجانب) وذلك ما نسبته 53 %، بينما يتواصل البعض الآخر من مُستعمليّ اللّغة الفرنسيّة مع الأجانب بنسبة 30 %، وتتراوح نسبة استعمال ومُمارسة اللّغة الإنجليزية واللّغات الأجنبيّة الأخرى بنسبة 10 و07 %، ويرجع هذا التّنوّع في استعمال وممارسات اللّغات إلى انفتاح الفرد الجزائري على العالم والشّباب خاصة لتعبّر عن ثقافتهم وتصوّراتهم نحو الآخر، كما يعكس هذا العمود تباين واختلاف توجّهاتهم ومُمارستهم اللّغويّة، بين المعربين والمفرنسين، وهو حال النُّخبة في الجزائر التّي تسعى دوما إلى خلق وفرض هذه الثّنائيّة اللّغويّة، رغم ما تعكسه اللّغة الإنجليزية من اهتمام، اللّغة العالميّة التّي تُتيح وتُيسّر عمليّة التّواصل في المجتمع الإنساني.

خاتمـة

نخلص إلى القول إنّ » المُمـارسات اللّغوية « تختلف باختلاف الأفراد والمُجتمعات، إذ تعرف اللّغة الأمّ ديناميكيّة في الحضور الواقعيّ، وفي الاستثمار داخل التبادلات اليوميّة، بينما يستثمر الكائن الافتراضي طاقات ومُمارسات لغويّة تفرضها جهة المُتلقي، ويتقمّصّ أدوارًا عديدة فتتحوّل الهوية عنده إلى هويات (الهوية العربية، الفرنسية، الإنجليزية....)، فغالبًا ما يخلق الفرد هويّة إلكترونية إلى جانب هويته الواقعيّة، التّي تبني وتُحدّد سُمعته وشخصيته على الشّابكة، فالتزامه بالنّموذج الهوياتي الذّي تفرضه الجماعة من خلال ردود الأفعال والتّعليقات، يسمح له بُممارسة عدة لغات وبالتّالي تقمّصّ عدّة هويّات، وهذا ما يُؤكّد ويُدعم فكرة »ارفنج غوفمان/ Erving Goffman : بقوله « تمسرح الذّات في الواقع الاجتماعي »، بينما يلتزم في الواقع المادي بالهويّة الواحدة التّي تُحدّد وتُعيّن سلوك المواطنـة لديه.

1 يُنظر: عاطف العيايدة، الإشكاليّاتُ اللّغويّة في مواقع التّواصل الاجتماعي، على الرّابط الآتي: http://www.arabiclanguageic.org/view_page.php?id=12172،

2 المرجع نفسه.

3 Dictionary of the history of ideas, charles scribner’s sons, New York, 1973, VOI, II, p659، نقلا عن: مها عيسى العبد الله (2014)، فلسفة اللّغة لدى

4 مارتن هيدغر (2012)، الكينونة والزّمان، تر: فتحي المسكيني، دار الكتاب الجديد المتّحدة، ط1، بنغازي، ليبيا، ص 345.

1 يُنظر: عاطف العيايدة، الإشكاليّاتُ اللّغويّة في مواقع التّواصل الاجتماعي، على الرّابط الآتي: http://www.arabiclanguageic.org/view_page.php?id=12172، بتاريخ: 28.09.2018، التّوقيت: 23:15

2 المرجع نفسه.

3 Dictionary of the history of ideas, charles scribner’s sons, New York, 1973, VOI, II, p659، نقلا عن: مها عيسى العبد الله (2014)، فلسفة اللّغة لدى أفلاطون، مجلّة أبحاث البصرة (العلوم الإنسانية)، كليّة الآداب، جامعة البصرة المجلّد 39، العدد 02، ص 352.

4 مارتن هيدغر (2012)، الكينونة والزّمان، تر: فتحي المسكيني، دار الكتاب الجديد المتّحدة، ط1، بنغازي، ليبيا، ص 345.

الشكل 1 : طبيعة اللّغة في الواقع الجزائري

الشكل 1 : طبيعة اللّغة في الواقع الجزائري

المصدر : المؤلّف نفسه

الشكل 2 : طبيعة اللّغة في الواقع التّعليميّ

الشكل 2 : طبيعة اللّغة في الواقع التّعليميّ

المصدر : المؤلّف نفسه

الشكل 3 : مُمارسة اللّغة وطبيعتها مع العَرب الجزائريين

الشكل 3 : مُمارسة اللّغة وطبيعتها مع العَرب الجزائريين

المصدر : المؤلّف نفسه

الشكل 4 : نسبة اللّغات المستعملة لفتح حسابات وصفحات الفيسبوك

الشكل 4 : نسبة اللّغات المستعملة لفتح حسابات وصفحات الفيسبوك

المصدر : المؤلّف نفسه

الشكل 5 : نسبة اللّغات المستعملة في غرف الدردشة

الشكل 5 : نسبة اللّغات المستعملة في غرف الدردشة

المصدر : المؤلّف نفسه

الشكل 6 : نسبة ممارسة اللّغات في التّعليقات والمنشورات

الشكل 6 : نسبة ممارسة اللّغات في التّعليقات والمنشورات

المصدر : المؤلّف نفسه

الشكل 7 : طبيعة اللّغة المُستعملة مع الأجانب

الشكل 7 : طبيعة اللّغة المُستعملة مع الأجانب

المصدر : المؤلّف نفسه

رزيقة بوشلقية Razika Bouchelkia

جامعة مولود معمري، تيزي وزو Mouloud Mammeri – Tizi Ouzou

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article