المعجم الذهني وتعليم العربية للناطقين بغيرها في ضوء المناهج المعاصرة

(دراسة تحليلية نقدية)

Le Lexique Mental et l’Enseignement de l’Arabe aux Non-Natifs à la Lumière des Méthodes Contemporaines : Une Étude Analytique Critique

The Mental Lexicon and Teaching Arabic to Non-Natives in Light of Contemporary Methods : A Critical Analytical Study

فريدة رمضاني Farida Ramdani

p. 361-372

Citer cet article

Référence papier

فريدة رمضاني Farida Ramdani, « المعجم الذهني وتعليم العربية للناطقين بغيرها في ضوء المناهج المعاصرة », Aleph, Vol 11 (3-1) | 2024, 361-372.

Référence électronique

فريدة رمضاني Farida Ramdani, « المعجم الذهني وتعليم العربية للناطقين بغيرها في ضوء المناهج المعاصرة », Aleph [En ligne], Vol 11 (3-1) | 2024, mis en ligne le 05 juin 2024, consulté le 21 novembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/11495

هذه الدراسة تهدف إلى استكشاف المعجم الذهني وتأثيراته على تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، مع التركيز على الطرق المعاصرة. تشمل الأهداف تقييم فعالية المناهج التعليمية الحالية وتصميم أساليب مبتكرة لتعزيز اكتساب اللغة العربية بين الطلاب غير الناطقين بها.
المنهجية : تعتمد الدراسة على نهج متعدد الأساليب، يجمع بين التحليل الكمي للمناهج التعليمية الحالية والتحقيق النوعي في ممارسات التدريس. يشمل جمع البيانات مراجعة المواد التعليمية وإجراء مقابلات مع مدرسي اللغة وإجراء استطلاعات للطلاب.
النتائج : تكشف النتائج عن رؤى حول نقاط القوة والضعف في الطرق التعليمية الحالية، مشيرة إلى المجالات التي يمكن تحسينها في تصميم المناهج واستراتيجيات التعليم. وتقدم توصيات لتعزيز فعالية تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، مع التركيز على تحسين تكامل الطرق التربوية المعاصرة.

Cette étude vise à examiner le lexique mental et ses implications pour l’enseignement de l’arabe aux non-natifs, en mettant l’accent sur les méthodes contemporaines. Les objectifs incluent l’évaluation de l’efficacité des programmes éducatifs existants et la conception d’approches innovantes pour améliorer l’acquisition de la langue arabe parmi les apprenants non natifs.
Méthodologie : La recherche adopte une approche mixte, combinant une analyse quantitative des programmes éducatifs existants et une enquête qualitative sur les pratiques d’enseignement. La collecte de données implique la revue de documents éducatifs, des entretiens avec des instructeurs de langue et l’administration de questionnaires aux étudiants.
Résultats : Les résultats révèlent des aperçus sur les forces et les faiblesses des méthodes d’enseignement actuelles, mettant en évidence des domaines d’amélioration dans la conception des programmes et les stratégies pédagogiques. Des recommandations sont fournies pour améliorer l’efficacité de l’enseignement de la langue arabe aux non-natifs, en mettant l’accent sur l’optimisation de l’intégration des approches pédagogiques contemporaines.

This study aims to investigate the mental lexicon and its implications for teaching Arabic to non-native speakers, focusing on contemporary methods. The objectives include evaluating the effectiveness of existing educational curricula and designing innovative approaches to enhance Arabic language acquisition among non-native learners.
Methodology : The research employs a mixed-methods approach, combining quantitative analysis of existing curricula and qualitative investigation into teaching practices. Data collection involves reviewing educational materials, conducting interviews with language instructors, and administering surveys to students.
Results : The findings reveal insights into the strengths and weaknesses of current teaching methods, highlighting areas for improvement in curriculum design and instructional strategies. Recommendations are provided for enhancing the effectiveness of Arabic language education for non-native speakers, with a focus on optimizing the integration of contemporary pedagogical approaches.

مقدمة

لا شك أن الحديث عن المعجم الذهني وعلاقته بتعليم وتعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها هو موضوع يحظى بالكثير من الاهتمام داخل وخارج الوطن العربي نظرا للإقبال المتزايد على اعتناق الإسلام وعليه فقد أصبحت اللغة العربية قبلة الوافدين على هذا الدين وبغية تعلم القرآن الكريم أضحى تعليم اللغة العربية لناطقين بغيرها أكثر من ضرورة؛ الأمر الذي دعانا للخوض في موضوع المعجم الذهني وتعليم العربية لناطقين بغيرها في ضوء المناهج المعاصرة محاولين دراستها وتحليلها تحليلا نقديا.

لقد طرحت في السنوات الأخيرة العديد من الإشكاليات فيما يخص تعليم وتعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها، ولعل قضية المعجم الذهني هي إحدى أهم الأطروحات التي حازت على القسط الوافر من الدراسة والبحث خاصة وأن الرهانات التي تواجه تعليم اللغة العربية ليست قليلة من كل النواحي منها التعليمية وغيرها وهذا في سبيل تذليل الصعوبات التي تواجه متعلميها ومن ثمة سنحاول طرح الإشكاليات التالية :

  • ما هي خصوصيات المعجم الذهني في تعليم اللغة العربية لناطقين بغيرها؟

  • كيف يمكن لنا الوصول إلى المعجم الذهني لدى المتعلمين غير الناطقين بالعربية؟

  • هل المناهج التعليمية المعاصرة تأخذ بعين الاعتبار المعجم الذهني لغير الناطقين باللغة العربية؟

وعليه نحن نفترض أن المناهج التعليمية المعاصرة لم تلتفت لقضية المعجم الذهني للناطقين بغير اللغة العربية وعليه سنسعى جاهدين من أجل الوصول إلى العلاقة التي تجمع بينهما مستعينين في ذلك بالمنهج الوصفي التحليلي الذي يعتمد على جمع البيانات وتفسيرها ومحاولة نقدها وفقا لما يقتضيه البحث الذي يتكأ على الأطروحات المعاصرة.

1. المعجم الذهني

1.1. مفهوم المعجم الذهني

إن الطبيعة العرفانية للذهن البشري المتمثلة في التمثلات وسيرورة الوحدات الإفرادية الغائرة في الذاكرة يفرض علينا الحديث عن مفهوم المعجم الذهني الذي يعد مصطلحا جديدا في حقل الدراسات اللسانية والتعليمية؛ وتعود فكرته إلى الستينيات من القرن الماضي وهو عبارة عن :«نظام تخزين مركزي يستعمل للحفاظ على مختلف أنواع المعلومات (الصوتية والإملائية وكذا الدلالية والتركيبية) في ذاكرة طويلة الأجل» (أمطوش، ص 8) كما يمكننا أن نطلق عليه مصطلح المعجم الداخلي لكن الشائع في الأوساط الأكاديمية هو المعجم الذهني الذي يعتبر المكون الأساسي في :« معالجة اللغة الذي تخزن فيه المعلومات المتعلقة بكلمة» (أمطوش، ص 9) حيث يسمح لنا التمثيل الذهني لها بمعالجة المعنى المعجمي الخاص بها بشكل سريع؛ وما يحصل عند قرائتنا لأي كلمة هو المعالجة الإدراكية التي تحصل في الذهن بصفة آلية ويمكننا حصرها فيما يلي :

  • مرحلة (المعالجة الإدراكية) التي تتمثل -بعد مختلف المعالجات- في بناء تمثيل إدراكي أو ترميز حسي للكلمة المحفز؛

  • مرحلة تجهيز الشفرة الحسية بتمثيل معجمي يحوي كل المعلومات المشفرة، مثلا الدلالية المتعلقة بالمحفز الكلمة؛

  • مرحلة ثالثة الاسترجاع، واستغلال المعلومات النابعة من التمثيل المعجمي وكل التأثيرات المعجمية المولدة بالوصول. (أمطوش، ص 10)

إذا المعجم الذهني هو ما يقوم به الذهن من نشاطات تمثيلية للوصول إلى دلالة الكلمة المكتوبة أو المنطوقة وفق معالجة معلوماتية تشبه إلى حد ما ما يقوم به الحاسوب من عمليات خوارزمية، وفي هذا الشأن يرى مورتونMorton أن العلامات المخزنة في المعجم الذهني يمكن أن توصف وتشكل في مناول وهذا وفقا للمداخل البصرية والسمعية وقد ضحها في هذا المخطط : (أمطوش، ص 16)

الشكل1 : مخطط مبسط لمنوال العلامات المخزنة لمورينون(1982)

الشكل1 : مخطط مبسط لمنوال العلامات المخزنة لمورينون(1982)

نستنتج من خلال المخطط أن المعجم الذهني نظام دقيق من العلامات المخزنة في الذهن في شكل مناول محددة بطريقة تفاعلية أساسها إدراك الوحدات اللغوية التي تخزن في الذاكرة بعد تكرارها في الخطابات المكتوبة أو المنطوقة وبعد المعالجة الذهنية التي تتم على مستوى الذهن يحصل التفاعل بين الكلمة المحددة بصريا أو سمعيا ثم تخزن بطريقة آلية تفضي إلى تشكيل المنوال المعجمي المتمثل في التمثلات المعجمية وهذا ما يؤكده لنا ماككليلاند وروميلهارت في الشكل التالي : (أمطوش، ص18)

الشكل2 : مخطط مبسط لمنوال التنشيط التفاعلي، ماككليلاند وروميلهارت(1981)

الشكل2 : مخطط مبسط لمنوال التنشيط التفاعلي، ماككليلاند وروميلهارت(1981)

إذا مفهوم المعجم الذهني قد تجاوز قضية الارتباط بالتفاعلات الحاصلة بين المستويات اللسانية المختلفة حيث أصبح الحديث في الآونة الأخيرة مقتصرا على تأثيراته الملاحظة في عملية التعليم والتعلم، وهو موضوع تتقاسمه العديد من التخصصات منها علم النفس الإدراكي وعلم النفس اللغوي واللسانيات وغيرها؛ وإذا كانت الدراسات القديمة قد أهملت التداخلات الحاصلة بين هذه المجالات فإن البحوث المعاصرة قد انتبهت إلى ضرورة العمل على تشكيل مقاربات أكثر رصانة ودقة من الأولى، إذ يسعى العلماء إلى بناء نظريات تحدد الآليات التي تمكننا من هندسة المعجم الذهني الذي يضم مجموعة من المتتاليات والسيرورات العرفانية المتمثلة في التمثلات الذهنية، ويتجسد الهدف الأساسي لأولئك في فهم العقل البشري وكيفية انتظامه من حيث البنية اللغوية؛ وبالفعل فمعرفة أسرار الذهن تكشف لنا مميزات الجانب المعجمي في إطاره العام دون عزله عن باقي السيرورات التركيبية الأخرى.

2.1. خصوصيات المعجم الذهني

تواتر الحديث عن خصوصيات المعجم الذهني في البحوث التعليمية المعاصرة بعد أن راجت فكرة أهمية المعجم في تعليم اللغة بالإضافة إلى الاهتمام بالتركيب، وقد أظهرت المعطيات العلمية للبحوث المعالجة لهذه القضايا بأن المعجم الذهني يستأثر بجملة من الخصوصيات لا سيما ما تعلق منها بتعليم وتعلم اللغة وهي ما ارتبط بالتمثيل الذهني للحروفMental Graphemic Representations ويتمثل في الصور الذهنية للكلمات المخزنة في المعجم الذهني 

« ويسود الاعتقاد بأن هذه الصور الذهنية المحددة تتشكل عندما يواجه الأفراد كلمات مكتوبة جديدة (مثلا الناسوخ) ويتوجب عليهم استخدام معرفتهم بالنمط الإملائي الذي يطابق بين الحرف والصوت (أي قاعدة التهجئة) ومعرفتهم الفونولوجية (مهارات التركيب الفونيمي) بفك رموز الكلمة أو قراءتها وعندما تكتمل هذه العملية بنجاح، يتم ربط الأصوات بالحروف المكونة للكلمة الجديدة معا لتشكيل صورة ذهنية خاصة بهذه الكلمة،» (عمايرة، ص 345)

ومن ثمة يتمكن المتعلمون لأي لغة من التعرف على الكلمات المكتوبة والأمر نفسه يحصل بالنسبة للكلمات المسموعة، وبهذا نتمكن من تعليم اللغة للمتعلمين الناطقين أو غير الناطقين باللغة العربية وهذا : 

« قبل تكوين معرفة كافية بالحرف والصوت أو بمهارات تركيب الفونيمات، صورا ذهنية أولية محددة للكلمة وغير مباشرة من خلال التمثيل السريع fast-mapping أو تعلم التمثيل الإملائي من خلال التعرض للتدريب الإملائي.»  (عمايرة، ص345)

و عليه تتجاوز علاقة المعجم الذهني بالتعليم والتعلم مسألة التمثيل الإملائي حيث تتعداها إلى باقي المهارات اللغوية، وهذا ما أدركه الباحثون نتيجة تعمقهم في محاولة الكشف عن خصوصيات هذا المعجم وعلى هذا الأساس تم الربط بين عملية التعلم وطبيعة اللغة الذهنية ذلك أن التعلم مثله مثل اللغة يتمتع بسيرورة عرفانية ويمكننا القول أنه جهاز منظم قائم على التكرار الذي يشكل أحد الدعامات الأساسية التي تعمل على بناء المعجم الذهني لدى المتعلمين؛ وإن كان التعلم حسب المتخصصين : 

« يكمن في اكتساب تمثل للمحيط الطبيعي والاجتماعي الذي نعيش فيه، وتغييره عند الحاجة؛ فإن التعلم سيصبح مستحيلا دون تدخل سيرورات معرفية أخرى تعمل على انتقاء المعلومات الضرورية للتمثل والحفاظ عليها منشطة وتخزينها واسترجاعها وبذلك فإن نشاط أجهزة الذاكرة، سواء كانت طبيعية أو اصطناعية، يمر عبر مراحل متعددة : تزويد الجهاز بالمعلومات، وهي السيرورات المسماة عادة بالترميز، توفير وسيلة للتخزين تحتفظ بهذه المعلومات؛ النفاذ إلى المعلومات المخزنة واسترجاعها،»  (زغبوش، ص47)

ولا يحصل هذا الأمر إلا إذا تم تكرار الكلمات مرات عديدة وهنا تظهر خصوصيات المعجم الذهني في عملية تعليم اللغة.

إذا تأملنا في السيرورات الثلاث التي يمر بها التعلم فسنجد أن التكرار هو السمة التي تعمل على تثبيت المعلومات في الذاكرة بما فيها الكلمات حيث هناك علاقة وثيقة بينهما ولمناقشة درجة الصلة بينهما علينا أولا التعرف على خاصية التكرار وهو من وجهة نظر العلماء يمثل : 

«عدد المرات حيث تكرر نفس الكلمة وترد في متن مكتوب أو شفوي وبعض الكلمات هي أكثر تمثيلا من الأخرى حسب القوانين التي حددها قانون زيفت(1935) وهو ما يعني أن نتاج ضرب تكرار كلمة في رتبته لما تكون كل الكلمات مرتبة حسب تكرار هي قيمة ثابتة. ويحدد إذا التكرار بعبارة تواتر/توارد كلمة معينة في خطاب وبقدر ما وردت كلمة بكثرة في خطاب كانت هذه الكلمة أكثر انتشارا وتكرارا.»  (أمطوش، ص28)

لقد برهنت الدراسات أن للتكرار دورا في تشكيل وبناء المعجم الذهني، كما أكدت أيضا أن له تأثيرا كبيرا في تحديد مسارات التحديد البصري للكلمات خاصة إذا ما علمنا أن التكرار هو : «هو دالة لوغاريتمية عكسية، يعني أن الزمن يتناقص في حين يرتفع اللوغاريتما»  (أمطوش، ص29) بحيث كلما زاد التكرار زادت فاعلية تخزينه في أنظمة الذاكرة الدلالية : 

« وهكذا فمن وجهة إجرائية (نسبة للمعالجة) إن تكرار استعمال نفس المعالجات يقوي فعاليتها يعني يجعلها أكثر سرعة ودقة وتأثير التكرار يمكن أن يساهم في هذه الآلية العاملة في المعالجات... هذا التأثير المسمى بالتكرار هو أحد أكثرها يقينا في مجال التعرف البصري على الكلمة وبقدر ما تكرر كلمة بقدر ما زادت سرعة تحديدها»  (أمطوش، ص29-30) وتخزينها واسترجاعها في الذهن.

2. تأثير المعجم الذهني في تعليم وتعلم اللغة العربية للناطقين بغيرها

1.2. المعجم الذهني وآليات التعليم

انطلاقا من أن للمعجم الذهني تأثيرا في تعليم اللغة فإنه من المفروض أن نسلط الضوء على آلياته التعليمية التي تخلق لدى المتعلمين غير الناطقين باللغة العربية مسارات جديدة تمكنهم من الوصول إلى امتلاك ناصيتها دون إقصاء العامل الإبداعي الموجود عندهم بالفطرة من أجل تطوير قدراتهم اللغوية ومن هنا سنحاول توضيح تأثير المعجم الذهني في تطوير آليات تعليم وتعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها.

من المعلوم أن تعلم اللغة مرتبط إلى حد ما بتطوير آليات واستراتيجيات استحضار المعلومات الموجودة في الذهن، هذه المعلومات هي التي تم تسجيلها سابقا في الذاكرة القريبة المدى وبتكثيف التعليم يتم استقرارها في الذاكرة الطويلة المدى ذلك أن تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها يرتكز على اكتساب : 

« التمثلات الدلالية للأفعال التي تعبر عن الوقائع المألوفة في وسطه ولابد من الإشارة هنا إلى أنه كلما تعمق الفرد في موضوع معين كلما كانت نظرته لباقي المواضيع أكثر عمقا ودقة كلما سهل عليه رصدها والتعرف عليها ونمثل لذلك بتعلم القراءة والكتابة التي تكون متعثرة بشكل كبير في البداية، لكن الخبرة والتمرن قد يسمحان للمتعلم بتطوير كفاءته في هذا الميدان- إن أكمل تعليمه- في حين تبقى كفاءة متعلم آخر انقطع عن الدراسة في نفس المستوى إن لم يصبها التقهقر وهذه مسألة سبق لدراسات كثيرة أن أكدت عليها،»  (زغموش، ص297)

وعلى هذا الأساس نحن نقر بتأثير آليات التعليم في بناء المعجم الذهني لدى متعلمي اللغة العربية من غير الناطقين بها.

ومن أهم الآليات التعليمية المؤثرة في بناء المعجم الذهني لدى متعلمي اللغة العربية غير الناطقين بها نجد آلية الاحتفاظ بالمعلومات وهي آلية تقوم على تخزين المعلومات اللغوية في الذاكرة البعيدة المدى وهي مرحلة متقدمة من التعليم حيث يتمكن فيها المتعلمون من التواصل باللغة العربية بكل سهولة دون الرجوع إلى المعجم العادي أو الإلكتروني حيث من الممكن الاحتفاظ بالكلمات على المستوى المعجمي و : 

«على أساس أن كل نشاط ذاكري يتضمن عمليات التخزين والتنظيم في الذاكرة، فإن كل معلومة في الذاكرة تقيم علاقات متنوعة مع معلومات أخرى ويعتبر Signoret أن المعلومات تتموضع على المستوى الكرونولوجي بين المعلومة التي تسبقها وتلك التي تليها؛ وتنسج علاقات مع المعلومات التي تم الاحتفاظ بها سابقا في ذاكرة.»  (زغموش، ص50) المتعلمين للغة العربية من غير الناطقين بها.

لكن من جهة أخرى لابد ألا نغيب دور الفهم في الاحتفاظ بالمعلومات في الذاكرة وهي آلية تجعل الناطقين بغير العربية يقبلون على تعلمها دون الحاجة إلى الكثير من الجهد؛ إذ لا ينكر أحد أن الحفظ دون الفهم يجعل المعلومة تتبخر ولا تستطيع الوصول إلى الذاكرة بعكس المعلومات التي تفهم فإنها أسرع وصولا وأكثر ثباتا وبهذا يكون المنوال القائم على الحفظ قد ضيق واسعا : 

«بتعويله على الذاكرة دون سواها، وغفل عن دور الفهم في التعلم والاكتساب، ولم يميز بين المعارف والقدرات والمهارات، فالمهارات تبنى بالتدريب وتكرار الممارسة، والقدرات الذهنية تبنى المعارف على نحو يجعلها مترابطة ترابطا ييسر على الذاكرة الاحتفاظ بها، والذاكرة تخزن المعارف وتستحضرها ساعة الحاجة إليها على نحو ما.»  (كردي، ص67)

واتفاقا مع هذا التصور حاولت العديد من المناهج التعليمية المتخصصة في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها الالتفاف حول الرأي الذي يفضي إلى التركيز على الحفظ والفهم معا وهذا وفقا لما جاءت به المعطيات العلمية المعاصرة إذ : «لو كان الحفظ كافيا للعلم لاحتفظت الذاكرة بكل ما يسمع وإن لم يكن مفهوما لدى السامع، وإنما يمجد الحفظ في الفترات التي تطغى فيها المحافظة على القديم.»  (كردي، ص67)

يبرز التصور بأن اللغة ليست مجرد كلمات أو تراكيب راسخة في أذهان المتكلمين فكرة مفادها أن اللغة : 

« إنما هي نظام معقد لا يمكن أن يعالج بالحفظ للتمكن منه وإن احتجنا فيه إلى الحفظ أحيانا، فصيغة « فعل » وما يقابلها في المضارع عل سبيل المثال مسألة ينبغي معرفتها وحفظها وإن لم ندرك سبب وجودها على ذلك النحو، ولكن حفظ جميع الأفعال التي ترد على هذه الصيغة محال، ولو كان الحفظ كافيا في تعلم اللغات لما اهتم الباحثون اليوم بما وراء اللغة، أي بفهم ما يتحكم في اللغة عند اشتغالها مما لا يحيط به حفظ، ولو كان النحو نصا يحفظ ويستحضر منه ما تدعو إليه الحاجة التواصلية، لما استطاع متكلمو اللغة سليقة التواصل بلغاتهم طالما أنهم لم يحفظوا نحوها، ولا يخفى أن متكلم اللغة ينتج ما لا يحصى من الجمل التي لم يسبق إليها، ولم يحفظها يوما.»  (كردي، ص68)

نحن نعتقد أن تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها لابد أن يستند على المنوالين العقلي والنقلي فهما منوالان ييسران عملية تعليم وتعلم اللغة خاصة إذا تم الاعتناء بها، كما أن الأمر ليس مقتصرا على المعجم الذهني لهؤلاء المتعلمين وإنما يشمل أيضا صناع المناهج الذين يعول عليهم في إيجاد سبل لتيسير تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.

2.2. المعجم الذهني وسن التعلم

تتحدد قيمة التعلم بنواتجه ومخرجاته ولهذا سننطلق في هذه النقطة من علاقة تكوين المعجم الذهني بسن المتعلمين؛ فمن خلال التجارب الميدانية التي قام بها بعض الباحثين وصلوا إلى أن :

 « سن التعلم يؤثر كثيرا خلال تسمية الكلمات وخاصة وأن التأثير الظاهر للتكرار على هذا المسار ليس مصطنعا للترابط الطبيعي بين التكرار وسن التعلم وفي مهمات القرار المعجمي تبدو النتائج أقل قطعا وبالفعل تظهر بعض الأعمال تأثيرا مستقلا للتكرار وسن التعلم،»  (أمطوش، ص59)

وهذا عامل من العوامل التي تعيق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها وهي معضلة يعاني منها أبناء اللغة فما بالكم بغيرهم ممن يتعلم اللغة في سن تجاوز مرحلة الاكتساب اللغوي حيث تصبح اللغة الأم تنافس اللغة الهدف رغم الاهتمام الشديد الذي تلقاه اللغة العربية في الجامعات الأجنبية خاصة التركية منها وهذا الواقع أثبتته دراسة حديثة لموريسون وأندريو عام 1995 حيث وجدا :

 «تأثيرا معنويا لسن التعلم في مهمات التسمية (الكلمات المتعلمة مبكرا تسمى بسرعة من الكلمات التي تم تعلمها متأخرا)؛ هذا التأثير لا يعزى إلى اختلافات التكرار بين الكلمات وزيادة فعندما يراقب سن التعلم لا يظهر أي تكرار وهو يميل للبرهنة على أن تأثيرات التكرار في هذا النوع من المهمات هو واقع مصطنع...و هكذا كالتعود تبدو متغيرة سن التعلم أنها تمثل عاملا مهما يتوجب أخذه بعين الاعتبار وهو ما ليس بالحالة في أغلب دراسات المعجم الذهني.»  (أمطوش، ص60)

3.2. مكانة المعجم الذهني في المناهج التعليمية المعاصرة لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها

تعتمد مختلف المقاربات والمناهج التعليمية المعاصرة الموجهة لناطقين بغير اللغة العربية على تعليم المهارات الأربع الاستماع الكتابة والقراءة وإنشاء اللغة؛ حيث يهدف العمل فيها على تطوير الكفاءة اللغوية للمتعلمين، وأخذا ببعض النماذج التي اطلعنا عليها نجد تفاوتا في الاهتمام بالمعجم الذهني في مناهج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، مع أن هناك محاولات حثيثة للإحاطة بالعوامل الكامنة وراء عدم العمل على تطوير الأبعاد اللغوية على حساب الأنساق الثقافية التي يتم التركيز عليها في كل المناهج التعليمية، ولاستخلاص الأسس والركائز الرئيسية للاعتناء بالمعجم الذهني وإعطائه المكانة التي تليق به ارتأينا تسليط الضوء على أهم المناهج التعليمية التي أغفلت أو اهتمت بالمعجم الذهني للمتعلمين غير الناطقين باللغة العربية.

إن أبرز ما قدمته المناهج التعليمية لغير الناطقين باللغة العربية هي تكثيف الشروح المتعلقة بالتراكيب النحوية، أما فيما يتعلق بالمعالجة المعجمية الذهنية فقد تم تجاهلها في الكثير من الأحيان مع أن كل الوحدات اللغوية الأخرى تشكل عنصرا هاما في المراحل الدنيا من تعلم اللغة العربية وتغييبها أو إغفالها يطرح العديد من الإشكاليات ولذلك هناك من يتبنى فكرة بناء المعجم الذهني لدى المتعلمين غير الناطقين باللغة العربية لأن :

 «متعلم اللغة الثانية لن يتكمن من اكتساب تركيب لغوي ينتمي إلى مرحلة عليا في السلسلة التصاعدية للتراكيب اللغوية، قبل اكتسابه للتراكيب التي تنتمي إلى المراحل الأدنى في تلك السلسلة، حتى وإن ركزنا على ذلك التركيب اللغوي بعينه في التدريس، وعليه فإن متعلم اللغة الثانية لن يتمكن من القفز إلى أية مرحلة عليا في التصاعدية، دون المرور بالمراحل الأدنى، مهما بذل المعلمون من جهد أو وقت" (الشاطر، ص99)

هذا بالنسبة للتراتبية في تعليم التراكيب النحوية والحال نفسها بالنسبة للوحدات اللغوية الأخرى بما فيها الوحدات الإفرادية.

4.2. واقع بناء المعجم الذهني لغير الناطقين باللغة العربية في المناهج المعاصرة

إن عملية بناء المعجم الذهني في المناهج التعليمية المعاصرة عاجزة عن تحقيق الغايات التعليمية عند الناطقين بغير اللغة العربية وهذا على أكثر من صعيد على الرغم من الجهود والطاقات التي تبذل في سبيل تطوير البرامج والمناهج إلى مستوى يتناسب مع قيمة ومنزلة اللغة العربية التي لها مواصفات تختلف عن غيرها من اللغات الأخرى؛ ومن أجل الوصول إلى ذلك سنحاول عرض بعض المآخذ والانتقادات.

3. المآخذ والانتقادات

  • خلو المقررات التعليمية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها من الأنشطة اللغوية القائمة على تنشيط المناول المعجمية التي تخزن فيها العلامات اللغوية.

  • عملية التكرار للوحدات الإفرادية غير كافية لتثبيت المعجم الذهني في أذهان المتعلمين فتأثير المعلومات اللسانية الناتجة عن ترداد الكلمات في النصوص المقروءة أو المسموعة يؤدي إلى سرعة الوصول إلى الذاكرة طويلة المدى، الأمر الذي لم تلتفت إليه المناهج التعليمية للغة العربية للناطقين بغيرها.

  • نجد أن المداخل المعجمية للكلمات في البرامج التعليمية غير متناسبة مع سن المتعلمين ومستوياتهم اللغوية حيث يواجه هؤلاء الكثير من الصعوبات في استرجاع المعلومات خاصة إذا كانت غير مرتبطة بالسياق.

  • طريقة عرض الأنشطة اللغوية الإفرادية غير مشوقة حيث تعتمد على نصوص بعيدة من حيث المضامين على الثقافة الأصلية للمتعلمين.

  • كثيرا ما تستعمل اللغة الأم في شرح مفردات اللغة العربية، الأمر الذي يسبب عرقلة وصول الوحدات المعجمية إلى الدماغ بالشكل الصحيح وبالتالي البناء السليم للمعجم الذهني.

  • عدم تنويع المجال المعجمي في تعليم اللغة العربية قد يؤدي إلى تناقص فرص التحديد البصري للكلمات.

خاتمة

لقد تطرقنا في هذا البحث إلى الكشف عن النقائص التي تشهدها المناهج التعليمة المعاصرة لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها فيما يخص بناء المعجم الذهني وتوصلنا إلى مجموعة من الحلول لتطوير طرائق تدريس هذه اللغة منها الأخذ بعين الاعتبار تنويع النصوص وإثرائها بالمفردات التي تتناسب مع حاجيات المتعلمين اللغوية والثقافية والاجتماعية، مع العمل على ترسيخها في ذاكرتهم من خلال الاستعمال الواقعي لها، مع الإبقاء على عنصر التدرج في تعليم الوحدات الإفرادية، والبحث عن سبل التعريف بها من خلال وسائط غير لغوية مثل الصور وهذا لتفادي الترجمة إلى اللغة الأم.

أمطوش، م. (2014). المعجم الذهني. عالم الكتب الحديث، الأردن.

عمايرة، م. م. (1436هـ - 2015م). اللغة وصعوبات القراءة. دار الفكر، عمان.

الشاطر، ح. ب. غ. (1436هـ - 2015م). المذهب الذهني في معالجة النمو اللغوي لدى مكتسبي اللغة الثانية: المفهوم والتطبيق. مجلة مجمع اللغة العربية، عمان، العدد 8.

كردي، ع. ع. (2017). في تعليمية العربية: المقاربة الإدماجية سنداً نظرياً والمقطع التعليمي الإدماجي طريقة في التنفيذ. مجمع الأطرش، تونس.

الشكل1 : مخطط مبسط لمنوال العلامات المخزنة لمورينون(1982)

الشكل1 : مخطط مبسط لمنوال العلامات المخزنة لمورينون(1982)

الشكل2 : مخطط مبسط لمنوال التنشيط التفاعلي، ماككليلاند وروميلهارت(1981)

الشكل2 : مخطط مبسط لمنوال التنشيط التفاعلي، ماككليلاند وروميلهارت(1981)

فريدة رمضاني Farida Ramdani

جامعة لونيسي على - البليدة2

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article