التحول الديمغرافي إنجاز أساسي في السياسات الاجتماعية والصحية. وعلى الصعيد العالمي، أخذ معدل النمو السكاني في التباطؤ ولكن الزيادة المتوقعة بما يزيد على ملياري شخص في العقود الأربعة القادمة لا تزال تمثل تحديا كبيرا. ويتزايد عدد السكان البالغين من العمر 60 سنة فما فوق بوتيرة أسرع من أي مجموعة عمرية أخرى وسيتضاعف بما يقارب ثلاثة أضعاف سنة 2050. وعلى الصعيد العالمي، سيكون عدد الناس البالغين 60 سنة فما فوق بحلول سنة 2030 أكبر من عدد الأطفال دون سن 10 سنوات، وستكون نسبة %73 من سكان العالم المسنين موجودة في البلدان النامية. ويكاد لا يستفيد سوى واحد من كل خمسة أشخاص مسنين في العالم اليوم على المعاش التقاعدي الأساسي، وقد أصبحت الاستدامة المالية والتوازن الديمغرافي في النظم القائمة معرضة للخطر.
« تعيش البشرية في صراع مع قوى التغيرات الديموغرافية ، و تكمن أبرز هذه التغيرات في سرعة النمو السكاني في بعض الاقتصاديات النامية و تحول نسبة المراهقين الشباب الراشدين في اقتصاديات اخرى، و تزايد طول الأعمار و شيخوخة السكان في انحاء العالم و التوسع الحضري و الهجرة الدولية.»4
وتفرض هذه التغيرات تحديات جسيمة؛ فهي تهدد النمو الاقتصادي و استقرار المالية العامة وجودة البيئة، و تحقيق الأمن و الرفاه للبشرية، لكن التغلب على أي منها ليس بالأمر الصعب و أفضل السبل للتعامل معها هي تحرك صناع السياسات في القطاع العام و القطاع الخاص للعمل بشكل حاسم و تعاوني و عاجل. يتضمن هذا التحرك معالجة اصلاح سياسة التقاعد و وضع سياسة للهجرة العالمية و توفير وسائل منع الحمل لملايين النساء و مواصلة ضبط معدلات الأطفال و كذا معالجة الامراض المزمنة.
سرعة شيخوخة السكان تشكل مصدرا كبيرا للقلق
الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن التحول الديمغرافي هي الآثار التي يمكن أن تلحق بالتنمية الاقتصادية والعمالة والحماية الاجتماعية بسبب التغيرات الديمغرافية في البلدان التي تمر بمراحل مختلفة من التحول الديمغرافي، إذ أن السلوك الاقتصادي للناس يرتبط ارتباطا وثيقا بدورة الحياة، بحيث تختلف سبلهم في الاستهلاك والادخار في مراحل العمر المختلفة، وبناءاً على ذلك تؤثر التركيبة العمرية المتغيرة تأثيراً كبيراً في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
علاوة على ذلك، يترتب على التغيرات المتوقعة في تشكيل القوى العاملة بسبب شيخوخة السكان آثار مهمة في العمالة؛ على سبيل المثال، ما يتعلق بنقص المهارات والاحتياجات في مجالي التعليم والتدريب والإنتاجية والإيرادات، إضافة إلى أنها قد تولد ضغوطاً على المؤسسات القائمة التي توفر أمن الدخل والأمن الاقتصادي والخدمات المناسبة لصالح مجتمع آخذ في الشيخوخة، لا سيما الرعاية الصحية والرعاية طويلة الأجل ونظم المعاشات التقاعدية.
الأثر على التنمية الاقتصادية
نتيجة للاختلاف الكبير في احتياجات الناس وقدراتهم على امداد دورة الحياة، يمكن أن تكون عواقب التغيرات في هيكل الأعمار كبيرة، لأن السلوك الاقتصادي للناس يتغير وفقا لسنهم؛ ويمكن أن تقسم دورة الحياة إلة ثلاث مراحل، مرحلة ما قبل العمل، مرحلة العمل ومرحلة ما بعد العمل. ويستهلك الأفراد مخرجات خلال المرحلة الأولى والأخيرة أكثر مما ينتجون، بينما ينتجون في المرحلة الثانية أكثر مما يستهلكون. ويختلف طول كل مرحلة من فرد لآخر، ويتأثر بعوامل عديدة تتجاوز العامل البيولوجي وهي : الهيكل الاقتصادي للمجتمع، الترتيبات المعيشية، البرامج العامة للأطفال وكبار السن وفرص التعليم، تفاوت معدلات الخصوبة بين الفقراء وغير الفقراء، الاحتياجات الأسرية وتوقعاتها، الصحة وغير ذلك من الأمور.
ويمثل الأفراد خلال المرحلة الأولى والأخيرة عجزاً في دورة الحياة، لأن معدل استهلاكهم يفوق إيراداتهم من العمل. ويجري تمويل الاستهلاك خلال هاتين المرحلتين أساساً من خلال التحويلات الخاصة أو العامة في ما بين الأجيال، مما يؤدي دوراً رئيسياً في إعادة توزيع الموارد المحصلة من الناس البالغين سن العمل لتوجيهها إلى الأطفال والمسنين. ويتوقف العجز الكلي على عدد الأشخاص في كل مرحلة. ونظراً لشيخوخة السكان، يتوقع أن يزيد عدد الأفراد في المرحلة الثالثة، مما يؤدي إلى معدلات عجز أكبر.
« ويمثل المكسب الديموغرافي فرصة تحقق سرعة نمو الدخل والحد من الفقر»5، ويمكن حفزه من خلال وضع سياسات وبرامج تحفز خفض معدلات وفيات الرضع والأطفال وتعجيل وتيرته بالتشجيع على خفض مستوى الخصوبة؛ ويكون ذلك بتوسيع إمكانية الحصول على الخدمات الصحية الأولية والإنجابية وزيادة الوعي بتعليم الفتيات. ولكن المكسب الديمغرافي لا يتحقق آليا، إلا بالإعتماد على جوانب مهمة في البيئة الاقتصادية الكلية والسياسة والتجارة والبنية التحتيةأ وكفاءة أسواق العمل والعمال، وزيادة معدلات الاستثمار العام والخاص في الصحة والتعليم والتدريب.
ويعتمد تقرير هيئة الأمم المتحدة « على الفرضيات الحديثة التي تنص على أن ظهور الأثر الديموغرافي له دور كبير في عملية التنمية»6، فهو يرتبط بدورة حياة الإنسان؛ وبالتالي فإن أثره يختلف باختلاف وتيرة التوزيع العمري للسكان. ففي مرحلة زمنية معينو قد يكون الأثر إيجابيا أو سلبيا بالإعتماد على العلاقة بين نمو السكان في سن العمل وبين نمو السكان المعالين؛ بمعنى أنه عندما تأخد نسبة الإعالة في الارتفاع في مرحلة متقدمة من التحول الديمغرافي؛ أي يبدأحجم السكان المسنين في الارتفاع مقارنة بالسكان في سن العمل يظهر، وبالتالييزداد عدد الأشخاص الذين يعيشون مرحلة عجز في دورة الحياة، هنا يظهر بوضوح الأثر السلبي، ويترتب عنه عواقب بعيدة الأثر على المالية( ما يخص التحويلات والخدمات لصالح المسنين) والنمو الاقتصتدي والحد من الفقر؛ اذ ينخفض مستوى الإدخار نتيجة ارتفاع أعداد المعالين؛ وينجم عن ذلك زيادة حجم الإستهلاك و انخفاض في نمو متوسط نصيب الفرد من الدخل.
أما عند ارتفاع نمو السكان في سن العمل و انخفاض في معدلات الإعالة فعندها يظهر بوضوح الأثر الإيجابي لانخفاض معدلات الخصوبة ممثلا بزيادة الإدخار والإستثمار، وقد يؤدي الانخفاض المتوقع للخصوبة بالتزامن مع عدد أقل من السكان المعالين، إلى امكانية نمو متوسط دخل الفرد والذي قد يمتد على مدى 25 سنة. « خاصة و أن التجارب التاريخية تبين أن حدوث هذه العملية بالموازاة مع النمو البطيء لفئة كبار السن تتيح لعدد من الدول – في اوقات متفاوتة و لكن لزمن محدد- ظهور الهبة الديموغرافية.» (السكان والتنمية، 2005، صفحة أ)7
و بما أن الجزائر تشهد تزايدا كبيرا في أعداد سكانها، وبما أن هذه الأعداد تشق طريقها نحو فئات عمرية مختلفة؛ تقلص نسبة الفئة العمرية الأولى ( 0- 14) وإلى تضخم نسبة السكان في العمرية الثانية (15- 64) وإلى ارتفاع طفيف جداً في نسبة الفئة الأخيرة أى فئة السكان المسنين. ومع اعتماد سياسات ملائمة، فإن هذا التغير في التركيبة العمرية للسكان قد يخلق فرصة للنمو الاقتصادي في المستقبل القريب والمتوسط. فالاتجاهات الهيكلية المرتقبة للسكان قد تساهم في زيادة الإدخارات والإستثمارات، وذلك نتيجة لتدني معدلات الإعالة بشكل مواز لانخفاض معدلات الخصوبة.
نقص في اليد العاملة والمهارات
من المحتمل أن تؤدي الاتجاهات الديمغرافية الحالية إلى نقص في اليد العاملة. وينتاب العديد من البلدان، لا سيما الصناعية منها، قلق متزايد حيال احتمال نقص اليد العاملة نتيجة تسارع وتيرة تشيخ السكان. « وقد تواجه الاقتصادات الأوروبية، على سبيل المثال، نقصاً كبيراً في عرض اليد العاملة لديها بعد عام 2018 ، ذلك أن السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 59 سنة ستتناقص أعدادهم تناقصاً كبيراً للغاية، في حين ستستمر الفئة العمرية المتراوحة بين 60 69 سنة في الزيادة لعشرين سنة أخرى. ولن يكون ممكناً بعد الآن تعويض أثر التشيخ من خلال المعدلات المتزايدة لمشاركة النساء وكبار السن في سوق العمل. وتتوقع المفوضية الأوروبية أن تبلغ معدلات عمالة العمال المسنين 59 في المائة في عام 2025 في بلدان الاتحاد الأوروبي الخمسة والعشرين مقارنة بنسبة 47 في المائة المقدرة في عام .8« 2010
وتواجه البلدان النامية والمتقدمة تحديات كبيرة بسبب نقص العاملين المؤهلين في مجال الرعاية الصحية. ففي البلدان النامية ذات الدخل المنخفض، يزداد النقص في أعداد العمال المؤهلين في المجال الصحي، وسيتفاقم نظراً لأن هذه البلدان ستحتاج إلى المزيد من مهنيي الصحة لعلاج الأمراض المزمنة. وفي البلدان المتقدمة، ثمة زيادة في معدلات الطلب على العاملين المتخصصين في المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية طويلة الأجل بسبب تزايد عدد السكان المسنين. وحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية لعام 2006، كان هناك نقص عالمي قدر بـ 4.3 مليون عامل في المجال الصحي في جميع أنحاء العالم.. وقد تساعد الهجرة في التصدي لمعضلة النقص هذه في المدى القصير، بيد أنها لن تكون استجابة ذات مصداقية للاتجاهات على المدى الطويل.
وترقبا لوجود حالات نقص محتملة في اليد العاملة فإنه« قد يتعين إجراء تغييرات كبيرة على الهياكل الحالية للحوافز، لتشجيع عدد أكبر من العمال على التطوع بتأجيل التقاعد الكامل ومواصلة العمل، سواء لجزء من الوقت أو على أساس التفرغ. وينبغي أن تراعي ممارسات وسياسات إدارة الموارد البشرية وأن تلبي بعض الاحتياجات المحددة للعمال المسنين. وقد يتطلب الأمر إدخال التعديلات المناسبة على بيئة أماكن العمل وعلى ظروف العمل حتى تتوفر للعمال المسنين المهارات والصحة والقدرة اللازمة لمواصلة العمل في سنوات لاحقة. ويعني ذلك أن على أصحاب العمل، ومنظمات العمال والموظفين المعنيين بالموارد البشرية أن يولوا اهتماما أكبر للممارسات الناشئة في أماكن العمل، المحلية منها والدولية، التي من شأنها أن تسهل الاحتفاظ بالعمال المسنين وتمكينهم من العمل المنتج في أماكن العمل»9. ومع أن مسألة نقص اليد العاملة تظل اتجاهاً هيكلياً، إلا أنها لا تتصدر جدول الأعمال السياسي.
الأثر على التعليم والتدريب
يترتب على التشيخ آثار هامة فيما يتعلق بالفرص الهادفة لتحسين قطاع التعليم والتدريب أثناء العمل، ونظرا لتراجع حجم فئة السكان الشباب، فقد أصبح من الأسهل تمويل السياسات الهادفة إلى تأهيل هذه الشريحة. إذ أن كبار السن في معظم البلدان، يحظون بمستويات تعليم أدنى بالمقارنة مع مستويات نظرائهم من الشباب.
وتشير دراسة عن 13 بلداً من البلدان النامية بالأساس، إلى أن نسبة % 80 إلى %90 من المسنين سنة 2000 قد أكملوا مرحلة التعليم الابتدائي فقط أو مستوى أقل من ذلك. علاوة على ذلك، مالت مستويات تعلم النساء المسنات إلى أن تكون أقل من مستويات الرجال المسنين، مع وجود فجوة كبيرة بين الجنسين في الصين والهند وجمهورية كوريا الصين وفيتنام. والبلدان الوحيدة التي سجلت فيها مستويات من التعليم ما بعد الابتدائي بنسبة % 30 أو أكثر بالنسبة للرجال المسنين، هي جمهورية كوريا والفلبين والصين. وفيما يتعلق بالنساء المسنّات، بلغ المستوى الأعلى للتعليم ما بعد الابتدائي نسبة 22 % في الفلبين. مع أن مستوى تعليم السكان المسنين سيتغير تغيراً ملحوظاً بين سنة 2000 وسنة 2045، حيث ستشهد مصر وجمهورية كوريا وسنغافورة والصين أكبر زيادات.
ويتزايد مستوى التعليم تزايداً سريعاً بين الأجيال الصاعدة، مما يعني أن العمال المسنين سيتميزون بمستويات تعليمية عالية في المستقبل مقارنة بالوضع الحالي. ويمكن أن تشكل هذه الزيادة في مستوى التحصيل التعليمي مصدراً مهماً لمكاسب الإنتاجية في المستقبل وتوسع آفاق العمالة للمسنين.
الأثر على إنتاجية العمل والمكاسب :
من التحديات الناجمة عن التحول الديمغرافي، اختلال التوازن بين إنتاجية القوى العاملة وتكاليف هذه القوى. بحيث يصبح العمال أقل إنتاجية وأكثر تكلفة عندما يتقدمون في السن، لاسيما في سياق نظم الأجور القائمة على الأقدمية. فقد تنجم صعوبات كبيرة من حيث القدرة التنافسية والربحية والاستثمار.
من المحتمل أن تؤدي الاتجاهات الديمغرافية الحالية إلى نقص في اليد العاملة، وهذا ما يقلق العديد من البلدان لا سيما الصناعية منها حيال احتمال نقص اليد العاملة نتيجة تسارع وتيرة تشيخ السكان، ذلك أن السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و59 سنة ستتناقص أعدادهم تناقصاً كبيرا للغاية، في حين ستستمر الفئة العمرية المتراوحة بين 60 و69 سنة في الزيادة لعشرين سنة أخرى. ولن يكون بالإمكان تعويض أثر التشيخ من خلال المعدلات المتزايدة لمشاركة النساء وكبار السن في سوق العمل.
عندما نتحدث عن العلاقة بين الانتاجية والسن فإن ليمان( 1953)10 كشف عن منحنى للسن الإبداعية يظهر بدء تعاظم الإنتاجية في المهن الإبداعية اعتباراً من سن 20 سنة، حيث تبلغ الذروة في الفترة الممتدة من أواخر الثلاثينات وحتى منتصف الأربعينات من العمر، ثم تبدأ بعد ذلك في التراجع. إلى جانب ذلك، يتوقف تأثير الشيخوخة في الإنتاجية على المهنة. وعادة ما يتميز الشباب عن كبار السن في المهن التي تعتمد أكثر على القدرات المعرفية، مثل العلوم. ولكن في المهن الإدارية، حيث تعتبر الخبرة عاملاً أهم بالنسبة للأداء الوظيفي، يجنح العمال المسنون إلى أن يكون أداؤهم على الأقل بنفس جودة نظرائهم من الشباب.
نظراً لاستمرار ارتفاع نسبة الشيخوخة في الفئة العمالية في عدد من البلدان ذات الدخل المتوسط والمرتفع، ستكون بيانات سن القوى العاملة أقل صلة بحصة العمال في ذروة عطائهم؛ هذا يعني أن الاقتصادات ستحتاج إلى تعزيز نمو إنتاجية العمل لديها، الأمر الذي قد يتطلب زيادة آبيرة في الاستثمار في رأس المال البشريي والمادي.
الأثر على الحماية الاجتماعية :
لا يزال يتعذر على العديد من المسنين الحصول على الرعاية الصحية رغم أهميتها بالنسبة لهم، فمن الأمور التي تقف عائقا وراء تحقيق ذلك تمركز المستشفيات في المناطق الحضرية بعيدا عن المناطق الريفية التي يعيش فيها السواد الأعظم من المسنين. وكثيراً ما لا يستطيع الذين يعيشون في المناطق الحضرية أنفسهم الوصول إلى المرافق الصحية إلا باستخدام وسائل النقل العام المكلفة وغير المكيفة للإستخدام السهل. وغالباً ما لا يكون العلاج في متناول المسنين، حتى حينما يجري توفيره إسميا بالمجان وفي الأماكن التي توجد فيها سياسات للإعفاء من دفع الرسوم، ما هو الحال في غانا وتايلند، حيث أن المسنين لا يستفيدون منها في غالب الأحيان بسبب قلة المعلومات والنقص في الموارد وسوء الإدارة.
وتنطوي التحديات الماثلة أمام النظم الصحية في العالم النامي على شقين،. يكمن الشق الأول في تأخير تفشي المرض لأطول مدة ممكنة، أما الشق الثاني فيشمل تقديم الخدمات المناسبة على الرعاية الصحية. ولا يشكل الإنفاق المخصص للصحة في العديد من البلدان النامية سوى جزء بسيط مما هو مطلوب لتحقيق هذه التحديات. وفي البلدان ذات الدخل المرتفع وفي عدد متزايد من البلدان متوسطة الدخل، يوجد مخاوف لارتفاع تكاليف الصحة والمحافظة على الرعاية الصحية. بالإضافة إلى ذلك، ظرورة الإهتمام بالرعاية المؤسسية طويلة الأجل التي تتلمس السبل الكفيلة بالجمع بين ذلك وبين دعم الأشخاص المسنين في البيوت وبالتعاون مع مجتمعاتهم المحلية وعائلاتهم.
اقترنت الشيخوخة بتأثيرها المتلازم في زيادة الطلب على المزيد من إعانات العجز نظرا لارتفاع متوسط عمر القوى العاملة وارتفاع احتمال أن يصبح العمال المسنون معاقين. ووفقاً لما جاء في تقرير منظمة الصحة العالمية عن الإعاقة لسنة 2011؛ فإن الإعاقة تمثل جزءا من مصير البشرية وأن الجميع تقريبا سيعاني من العجز المؤقت أو الدائم في مرحلة من مراحل العمر، وأن أولئك الذين يصلون إلى سن الشيخوخة سيواجهون صعوبات متزايدة في وظائف الحركة، ويتعين على مخططات الإعانات والحماية الصحية الاجتماعية أن تتوقع ضرورة توفير المراكز النهارية وخدمات المساعدة المنزلية وترتيبات المساعدة المعيشية ودور رعاية المسنين والرعاية التسكينية للمسنين .
تواجه البلدان مرتفعة الدخل تفاقم المشاكل المالية ذات الصلة بالتشيخ ونقص العاملين في المجال الصحي وزيادة انتشار الأمراض المرتبطة بنمط الحياة .وتعاني البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط عموما من تدني الإنفاق العام وتغطية السكان والحصول على خدمات الرعاية الصحية، فضلاً عن زيادة النفقات الشخصية. وتبين نتائج الأبحاث والدراسات، أنه بدون الاستثمار في تحسين الحصول على الرعاية الصحية طوال دورة حياة الأفراد الكاملة، لا سبيل إلى تمديد سنوات الحياة المفعمة بالصحة؛ وهو شرط مسبق لزيادة معدلات النشاط الاقتصادي في صفوف الفئات السكانية من المسنين.
اصلاحات جديدة نحو طريق المستقبل
يستلزم إجراءات التصدي للتحديات التي تنشأ في السياق الديمغرافي الجديد، تعزيز العمالة الكاملة والمنتجة طوال الحياة المهنية. ويتعلق الأمر بنهج مشترك بين الأجيال بشأن دورة الحياة؛ معنى ذلك أن الشباب وسن البلوغ والشيخوخة هي مراحل مختلفة من الحياة تؤثر في بعضها البعض وتتفاعل فيما بينها في التصدي لشيخوخة السكان.
فيما يتعلق بالبلدان الآخذة في الشيخوخة، سيكون من الضروري زيادة معدلات مشاركة القوى العاملة من جميع فئات السكان، لا سيما النساء والشباب والمهاجرين والمعوقين والعمال المسنين. وتتوقف معدلات استخدام كبار العمال في البلدان الصناعية في المقام الأول على الوضع العام لسوق العمل. والبلدان التي ترتفع فيها معدلات عمالة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 55 و64 سنة، هي بوجه عام البلدان التي توشك على تحقيق العمالة الكاملة. ومن هنا تأتي ضرورة وضع سياسات لتحقيق العمالة الكاملة والمنتجة) سياسات الاقتصاد الكلى والسياسات الهيكلية والقطاعية) لجميع المجموعات السكانية.
النهوض بعمالة الشباب و تمديد الحياة المهنية
يشكل التصدي لأزمة عمالة الشباب عنصرا رئيسيا في النهج المشترك بين الأجيال بشأن دورة الحياة من أجل الاستعداد للتحولات الديمغرافية. أكدت مناقشة مؤتمر العمل الدولي لعام 2012 على توافق الآراء الدولية بشأن ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لأزمة عمالة الشباب غير المسبوقة التي تمس جميع الأقاليم. وتنص هذه المناقشة على لتعزيز إجراءات استحداث الوظائف اللائقة للشباب من خلال سياسات الاقتصاد الكلي، سياسات التعليم والتدريب، سياسات سوق العمل وروح تنظيم المشاريع لدى الشباب وتعزيز حقوق العمل.
يرى البعض أنه لا يمكن تحقيق نسبة عالية من استخدام العمال المسنين إلا على حساب فئة الشباب. ويحظى هذا الرأي بقبول واسع في العديد من البلدان وقد وفر الأساس المنطقي لمخططات التقاعد المبكر. ومع ذلك، فإن الأدلة العملية لا تؤيد نظرية « كومة العمل » هذه. فالإبقاء على كبار العمال في العمل لا يعني تلقائيا قلة الوظائف للشباب. ولا تجد الدراسات الدولية أي دليل يؤيد الفكرة القائلة إن زيادة مساهمة الأشخاص المسنين في القوى العاملة يحد من فرص العمل للشباب. « وتراعي دراسة أجريت حديثا في الولايات المتحدة، الحالة الاقتصادية الراهنة وتظهر أن زيادة فرص عمالة الأشخاص من كبار السن لها صلة بإحراز نتائج أفضل بالنسبة للشباب؛ تراجع البطالة وزيادة العمالة وارتفاع مستوى الأجور. وتتسق الأنماط بالنسبة للرجال والنساء على حد سواء وبالنسبة للفئات التي تتسم بمستويات متباينة من التعليم.11
في العديد من البلدان، يحتل تمديد الحياة العملية وزيادة معدلات عمالة المسنين، مرتبة عليا في جدول الأعمال السياسي. ومع ذلك، يجب أن توضع تدابير تكميلية ملائمة موضع التنفيذ لتشجيع العمالة المنتجة والعمل اللائق فيما بين المسنين الراغبين في البقاء نشطين اقتصادياً. وقد اعتمدت بلدان عديدة إصلاحات في نظام المعاشات التقاعدية العامة خلال العقد الماضي، بما فيها رفع السن القانونية للتقاعد، غير أن هذه الإصلاحات قد لا تكفي لدعم نظم معاشات التقاعد في الأجل الطويل. ولا ينظر إلى تمديد الحياة العملية باعتباره وسيلة مهمة لصون نظم الضمان الاجتماعي فحسب، بل باعتباره أيضاً استجابة لتغير التركيبة العمرية للقوى العاملة.
وتشير تقديرات كل من بينيديكت كليمنتس وكاميل ديبزاك وموريشيو سوتو إلى « أن زيادة السن القانونية للتقاعد بخمسة أعوام في 2100 من شأنها تحقيق وفورات في نفقات معاشات التقاعد بمقدار نقطتين مئويتين تقريبا من إجمالي الناتج المحلي في البلدان الأكثر تقدما والبلدان الأقل تقدما على حد سواء»12. وينبغي بالتزامن مع رفع سن التقاعد القانونية تقديم خدمات كافية للفقراء الذين تكون أعمارهم المتوقعة أقصر عادة مقارنة بالسكان العاديين
على المجتمعات أن تعيد تحديد القواعد المتصلة بالوقت الذي ينسحب فيه الناس من سوق العمل إلى التقاعد. وينبغي لهذه القواعد أن تراعي النسب الموجودة بين متوسط طول الوقت المنقضي في التقاعد والفترة المقضية في سوق العمل من جانب مختلف مجموعات السكان ومختلف المجموعات المهنية فضلاً عن مختلف الأوضاع الصحية والعمر المتوقع للحياة بين هذه المجموعات.
توفير ضمانات الإعانات الدنيا في البلدان التي قد لا يعود من الممكن فيها تمويل صناديق التقاعد أو الصناديق الصحية تمويلاً آافياً، أمرٌ أساسي لضمان حماية العمال على النحو المناسب، والتفكير في الطريقة التي يمكن بها حماية مدخرات العمال على أفضل وجه عند تصميم المخططات المستقبلية. وعلى غرار ذلك، يتسم توفير تغطية ملائمة للعمال المؤقتين وغير النظاميين بأنه تدبير سياسي هام.
وعلية تطرح كذلك مجموعة من التدابير وسياسات من أجل العمال المسنين وتشمل مايلي :
-
التركيز على ظروف عمل آمنة وصحية.
-
تكييف وقت العمل والحياة المهنية وتنظيم العمل لتمكين العمال المسنين من مواصلة العمل وفي الوقت ذاته.
-
تحسين استجابة إدارات التوظيف العامة لطلبات العمال المسنين.
-
تعزيز القابلية للاستخدام عن طريق مبادرات التعلم المتواصل وتطوير المسار المهني.
-
مكافحة الإجحاف والتمييز على أساس السن وتحسين المواقف إزاء المسنين بصورة عامة.
ينتج على تأخير سن التقاعد زيادات في عدد السكان البالغين سن العمل، ومن ثم زيادة مستوى الإنتاج. وستتيح الزيادة في الاشتراكات وتراجع عدد المتقاعدين، التوازن التلقائي بين نظم المعاشات التقاعدية والمحافظة على المستوى النسبي للمعاشات والحد من عبئها المتزايد الذي يقع على عاتق الناتج المحلي الإجمالي. وقد تكون هذه المقولةإحتمالية، ذلك أن تأجيل سن التقاعد لا يكفي لمعالجة الحجم المتناقص للقوى العاملة، إذ يلزم توظيف كبار العمال توظيفا منتجا في وظائف لائقة وغالبا ما لا يكون الحال كذلك. وكثيرا ما يظل العمال المسنون حبيسي البطالة طويلة الأجل أو العمالة المستضعفة ويزداد هذا الوضع سوءا بفعل الأزمة العالمية.
وتقوم جميع البلدان الأوروبية بتنفيذ إصلاحات مماثلة : الإلغاء التدريجي لرزم التقاعد المبكر(التقاعد المبكر ومعاشات العجز الممنوحة لأسباب اقتصادية والإعفاء من البحث عن العمل)، ورفع السن القانونية للتقاعد، وتمديد مدة المسار الوظيفي المطلوبة وتعديل القواعد المعتمدة لحساب مبالغ المعاشات التقاعدية، بحيث تصبح أكثر صرامة بالنسبة للمغادرة المبكرة وتوفير مزيد من الحوافز للتشجيع على تأخير التقاعد.
« وتنطوي استراتيجية تمديد الحياة المهنية على مخاطرة مزدوجة : خطر احتمال أن يعاني عدد كبير من العمال المسنين الذين لم يعد يحق لهم الحصول على معاشات تقاعدية، من امتداد فترة البطالة زهيدة الأجر وأن يحصلوا على معاشات تقاعدية ضئيلة عند إحالتهم إلى التقاعد؛ خطر عدم المساواة بين العمال اليدويين الذين لا يستطيعون تمديد فترة نشاطهم بسبب استنزاف الطاقة الجسدية أو الانتماء إلى قطاعات آخذة في الضمور، وبين المديرين التنفيذيين الذين قد يستفيدون من الحوافز لتمديد مدة خدمتهم».13
وقد أرست الإصلاحات الأخيرة في عدد من البلدان الأوروبية صلة متينة بين مستويات المعاشات التقاعدية والوقت المحدد للإحالة إلى التقاعد( السن أو طول مدة المسار الوظيفي) لتوفير الحوافز التشجيعية على تأخير التقاعد. وفي الوقت نفسه، يتوفر لدى أكثر البلدان نجاحا ما يكفي من الضمان الاجتماعي لتفادي إبقاء العمال المسنين في حالة بطالة دون أمل في العثور على عمل أو قدرة جسدية لتحقيق ذلك. ودأبت فنلندا على انتهاج نهج شامل لتعزيز التشيخ النشط وتمديد الحياة المهنية. ولا يعنى النهج بفئات عمرية معينة، بل يتناول تحديات تمديد وإزالة تجزئة المسار الوظيفي بشكل عام وتطوير نوعية الحياة المهنية وتعبئة القوى العاملة برمتها.
وبغية تشجيع حياة مهنية أطول بهدف الحد من العبء المالي لنظام المعاشات التقاعدية على المالية العامة، عمدت بعض البلدان إلى وضع خيارات سن التقاعد المرنة للعمال السنين. ففي كندا يمكن للشخص أن يتقاعد اعتبارا من سن 60 سنة وأن يحصل على معاش تقاعدي مخفض( يقل بنسبة تصل إلى 30 %، أي ما يمثل متوسطاً قدره 0.5 نقطة مئوية عن كل شهر يجري فيه سحب المعاش قبل سن 65)، أو أن يؤخر موعد التقاعد إلى سن 80 سنة ويحصل على نسبة إعانة مرتفعة( زيادة تصل إلى 30 %، وهو ما يمثل متوسطاً قدره 0.5 نقطة مئوية عن كل شهر يجري فيه سحب المعاش بعد سن 65). وبإمكان المتقاعدين مواصلة الاشتراك في صندوق من صناديق المعاشات التقاعدية على أساس طوعي بين سن 65 و80 سنة، وأن يحصلوا على زيادة في الإعانة وفقا لذلك.
زيادة المشاركة النسائية في القوى العاملة
يمكن للمرأة أن تساهم في التخفيف من أثر مشكلتي شيخوخة السكان وتقلص القوى العاملة :
لشيخوخة السكان في جميع أنحاء العالم آثار عميقة على النمو الاقتصاد .وعندما يتقلص عدد السكان في سن العمل، تتقلص في كثير من الحالات القوى العاملة، وتتراجع إمكانية النمو الاقتصادي. وفي العديد من الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة، ينخفض عدد السكان في سن العمل، مما يضع ضغوطا كبيرة على إيرادات الحكومة نظرا لتزايد الحاجة إلى الإنفاق على معاشات التقاعد والرعاية الصحية.
وتقوم المرأة بدور مهم في هذا التحول الديمغرافي فهي تشكل أكثر من نصف سكان العالم. ونظرا لأن عمر المرأة بوجه عام أطول من عمر الرجل، فإن نسبتها في الفئة العمرية »أكثر من 65 سنة « أكبر بدرجة ملحوظة. ومع ذلك، ظلت نسبة النساء في سن العمل اللاتي يشاركن بالفعل في القوى العاملة في الاقتصاد )المعروفة بنسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة (في حدود 50 %على مدى العقدين الماضيين.
ورغم أن الفجوة بين الجنسين تضيق حاليا في مجال التعليم، إلا أن هذا يختلف بالنسبة لمجالات أخرى، مثل الحصول على الرعاية الصحية، الخدمات المالية، الأجور والحقوق القانونية .فقد ارتفعت نسبة الإناث إلى الذكور في معدلات الالتحاق بالتعليم الابتدائي إلى 94 % حتى في أقل الاقتصادات تقدما، ويبلغ متوسط نسبة الإناث إلى الذكور في معدلات الالتحاق بالتعليم الثانوي 97 % ، كما أن احتمال التحاق المرأة الآن بالدراسات الجامعية أكبر مقارنة بالرجل. وهذه التطورات إيجابية، لكن مع هذا العدد الكبير جدا من النساء المتعلمات تعليما عاليا، فإن الخسارة تكون أكبر عندما لا تشارك هذه النسبة الكبيرة في القوى العاملة.
قد تكون زيادة المشاركة النسائية في القوى العاملة من التدابير الهامة في مجال السياسات العامة للتصدي للتحول الديمغرافي. ويمكنها أن تعوض تراجع نسبة السكان في سن العمل بسبب التشيخ، وتجنب زيادة كبيرة في معدل إعالة المسنين. ففي مصر والهند وجنوب أفريقيا، من الممكن خفض معدل الإعالة إلى النصف تقريبا من خلال زيادة المشاركة النسائية في القوى العاملة إلى %90 مقارنة بالرجال.
من الأهداف الواضحة التي يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تحقيقها، زيادة معدلات مشاركة النساء في القوى العاملة .« وترمي الاستراتيجية الأوروبية لسنة 2020 إلى تحقيق %75 من معدلات الاستخدام الشاملة للفئة العمرية 64-20 سنة. وفي سنة 2011، لم يتجاوز معدل استخدام الإناث نسبة %58.5 في البلدان السبعة والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مقارنة بنسبة %70.1 للرجال؛ وهذا يعني أنه مع احتمال تناقص السكان في سن العمل، لابد من زيادة مشاركة النساء في القوى العاملة لبلوغ الهدف المنشود.»14
وحين تتمكن المرأة من تنمية إمكاناتها الكاملة في سوق العمل، يصبح من الممكن تحقيق مكاسب اقتصادية كلية كبيرة. فعلى سبيل المثال، يشير ديفيد بلوم أن دراسة Aguirre and others (2012) تشير هي الأخرى إلى أن رفع نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة إلى مستويات مشاركة الذكور حسب كل بلد، من شأنها أن ترفع إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة بنسبة 5 %، وفي اليابان بنسبة 9 %، وفي الإمارات العربية المتحدة بنسبة 12 % ، وفي مصر بنسبة .34 % ويشير بلوم كذلك،إلى أن تقديرات دراس (Cuberes and Teignier) تبين، « أن نسبة الخسائر في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي نتيجة الفجوة بين الجنسين في سوق العمل، تصل في بلدان شمال إفريقيا إلى31 % في الجزلئر، %28 في تونس، %26 في المغرب، أما بالنسبة للدول المتقدمة مثل اليابان فتصل إلى %15»15.
نموذج من أسيا
يعتمد الدور الذي ينبغي للمرأة القيام به في آسيا في نطاق شيخوخة السكان، أن تحقق كيانها وتبرزه في مجالها العملي .فبلدان جنوب آسيا مثل بنغلاديش والهند لا تزال في المراحل المبكرة من التحول الديمغرافي، حيث تنخفض معدلات الوفيات بشكل حاد لكن لا تزال معدلات الخصوبة عالية .أما بلدان شرق آسيا فهي الآن في المرحلة المتوسطة، حيث تبدأ معدلات المواليد في الانخفاض ويبدأ النمو السكاني في الاستقرار .في حين وصلت الاقتصادات الآسيوية المتقدمة مثل اليابان وكوريا إلى المرحلة المتأخرة، حيث انخفضت معدلات المواليد دون مستوى الإحلال، وبدأت أعداد السكان تتقلص أو أوشكت على ذلك. في اليابان يبلغ متوسط العمر المتوقع الآن 84 سنة، وهو الأعلى في العالم، بينما لا تزال معدلات الخصوبة منخفضة. ونظرا لأن جيل طفرة المواليد بدأ يتقاعد، ارتفعت نسبة إعالة كبار السن إلى أعلى المستويات في العالم.
وكلما انخفض عدد السكان في سن العمل، من المحتمل أن يقل إجمالي الناتج المحلي لليابان عن إجمالي الناتج المحلي للدول المجاورة لها، وهذا إن لم يكن ارتفاع الناتج للعامل أسرع من تقلص القوى العاملة. أشارت تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن النمو السنوي يمكن أن يرتفع بتقدير 0.25 نقطة مئوية إذا بلغت نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة المتوسط السائد في بلدان مجموعة السبعة من بينها اليابان، مما يؤدي إلى زيادة دائمة بنسبة 4 % في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بالسيناريو الأساسي. ومن شأن رفع نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة أيضا أن يسفر عن زيادة مهارات القوة العاملة، بالنظر إلى ارتفاع مستويات تعليم النساء مقارنة بالرجال.
ومن السهل على اليابان الاستفادة بدرجة أكبر من النساء الحاصلات على تعليم جيد، وهو الأمر الذي يسعى إليه رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، في خطة مهمة لإنعاش الاقتصاد اليابان بانتهاج استراتيجية »آبينوميكس« ، وهي ذمج عدد أكبر من النساء في القوى العاملة .والملاحظ أنه منذ الإعتماد على استراتيجية » آبينوميكس « في سنة 2013، زادت مشاركة النساء في سن الإنجاب في القوى العاملة بشكل ملحوظ بفضل زيادة مزايا إجازة رعاية الطفل وسياسات أخرى.
العمل والخصوبة
هناك قلق سائد من زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة الذي قد يؤدي إلى انخفاض معدلات الخصوبة وبالتالي مزيد من الانخفاض في عدد السكان. فنسبة مساهمة المرأة في الحياة الإنتاجية تزداد بشكل مستمر، وقد أصبح عمل المرأة جزء لا يتجزأ عملية التنمية. وخروج المرأة للعمل يتناقض بالضرورة مع كثرة الأطفال، هذا التناقض سيدفعها حتما في النهاية للحد من عدد الاطفال. فبحكم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة فهي مضطرة أن تحقق توازن بين تلك الأوضاع وعملها.
وفي الواقع، هناك أدلة في بلدان دون الأخرى على انخفاض أعداد المواليد مع زيادة مشاركة النساء في القوى العاملة. وعلى سبيل المثال، يرى بلوم وآخرون أن كل مولود يؤدي إلى انخفاض المعروض من عمالة النساء، بما يقرب من عامين في المتوسط خلال العمر الانجابي للمرأة. ورغم وجود علاقة سلبية بين هذه المتغيرات على مستوى فرادى البلدان، توجد علاقة إيجابية بين الخصوبة ومشاركة الإناث في القوى العاملة على المستوى القُطْري المقارن. وفسر الباحثون هذا التناقض الواضح بالنظر إلى أن النساء أكثر قدرة على الجمع بين الأمومة والعمل.
إن النساء أكثر قدرة على الجمع بين الأمومة والعمل في البلدان التي تزيد فيها مشاركة الرجال في الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال، مما يؤدي إلى زيادة المشاركة في القوى العاملة عند مستويات الخصوبة العالية نسبيا. وإلى جانب ذلك، يبدو أن العلاقة بين مشاركة الإناث في القوى العاملة ومستوى الخصوبة قد تحولت منذ عام 1985 من علاقة سالبة إلى موجبة في البلدان المتقدمة( الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي). ويعني هذا التحول أنه إذا زاد عدد النساء اللاتي يعملن ويجلبن أجورهن للمنزل، استطاعت الأسر إعالة المزيد من الأبناء .ويعكس هذا الاتجاه أيضا تغيرات في المواقف الاجتماعية تجاه الأمهات العاملات، ومشاركة الآباء في رعاية الأبناء، والتطورات التكنولوجية التي تتيح مرونة أكبر في مكان العمل .وقد ساعد على ذلك أيضا السياسات العامة مثل زيادة مزايا إجازة رعاية الطفل. وعلى العموم فإن مشاركة المرأة في المجال المهني يمكن أن تكون مصدرا حيويا للتخفيف من أعباء النقص في اليد العاملة نتيجة التحولات الديمغرافية؛ ما دامت الوظائف التي تؤديها هي وظائف لائقة مع اتخاذ الإجراءات لتحسين وضعها في عالم الشغل .وللتوفيق بين الحياة المهنية والشخصية والأسرية دور أساسي في زيادة مشاركة المرأة وتشجيع المساواة بين الجنسين.
الهجرة الدولية
تشكل الهجرة في العديد من البلدان عاملا مهما يؤثر في هيكلة تشكيل القوى العاملة وتفيد تقديرات التوقعات السكانية في العالم الصادر عن الأمم المتحدة أن 214 مليون شخص( حوالي3.1 % من سكان العالم (يعيشون خارج بلدهم الأصلي، أي أكثر من ضعف عددهم قبل 25 سنة. ويشارك حوالي 105 ملايين شخص من أصل هذا العدد في النشاط الاقتصادي. ومن المتوقع أن يصل صافي عدد المهاجرين الدوليين إلى الأقاليم الأكثر نموا 103 ملايين شخص على مدى الفترة الممتدة بين 2005 و 2050. وتجدر الإشارة إلى أن هذا العدد يعادل الانخفاض الطبيعي المتوقع في عدد السكان البالغ 74 مليون شخص في الأقاليم الأكثر تقدما المستقبلة لصافي عدد المهاجرين.
وبرغم أن عام 2015 شهد واحدة من أكبر موجات الهجرة الجماعية عبر القارات في التاريخ الحديث، لا تزال الحواجز الاقتصادية والمؤسسية أمام الهجرة كبيرة، وكذلك المعارضة الاجتماعية والسياسية القوية في كثير من الاقتصادات المتقدمة. وبرغم ذلك، تتيح الهجرة إمكانات كبيرة لتحقيق منافع كثيرة في بلدان المنشأ والمقصد. لكن تحقيق هذه الإمكانات يعتمد على عوامل مختلفة، منها سياسات دعم اندماج المهاجرين في الاقتصادات المحلية. غير أن العديد من البلدان تعارض هذه الظاهرة لأنها تستنزف مواردها البشرية البالغة الأهمية مثل الأطباء والمهندسين والمعلمين. ومع هذا، « فإن تحويلات العاملين في الخارج تمثل قوة توازن كبيرة؛ فتشير التقديرات إلى قيام المهاجرين بتحويل 441 مليار دولار إلى العالم النامي في عام 2015، وهو ما يزيد على المساعدة الإنمائية الرسمية بمقدار ثلاثة أضعاف ويبلغ حوالي ثلثي مستوى الاستثمار الأجنبي المباشر المتجه نحو البلدان النامية. ويمكن أن تسهم التحويلات مساهمة كبيرة في تخفيف الفقر وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية عن طريق تراكم رأس المال البشري والمادي.»16
أصبحت الهجرة الدولية اللازمة للتعويض عن تناقص السكان في سن العمل في المجتمعات التي تشيخ قضية سياسية هامة. كما ترتبط الهجرة بالحاجة إلى خدمات الرعاية طويلة الأجل في البلدان التي ترتفع فيها تكلفة العمل ارتفاعا بالغا وتفتقر إلى الخدمات العامة لتوفير الرعاية طويلة الأجل ومثال ذلك، إيطاليا وألمانيا. فمن شأن زيادة الهجرة من البلدان الأصغر سنا والأقل تقدما إلى البلدان الأكبر سنا والأكثر تقدما التخفيف من ضغوط الإنفاق، على الأقل لحين تقدم المهاجرين في العمر وتقاعدهم. فعلى سبيل المثال، « تشير تقديراتنا إلى أن استمرار اتجاهات الهجرة التاريخية من البلدان الأقل تقدما إلى البلدان الأكثر تقدما قد يحد من المصروفات المرتبطة بشيخوخة السكان بمقدار نصف نقطة مئوية تقريبا من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2100 في البلدان الأكثر تقدما. غير أنه لا ينبغي النظر إلى زيادة أعداد المهاجرين كبديل لإجراء مزيد من الإصلاحات الجذرية في برامج المستحقات -فالهجرة وحدها ليس من شأنها تغيير التوازن بين المزايا العامة التي يتلقاها الأفراد والضرائب التي يدفعونها على مدى عمرهم. ولكن الهجرة قد تتيح للبلدان الوقت لتنفيذ الإصلاحات اللازمة المرتبطة بشيخوخة السكان. ومن غير المرجح أن يخفف الأمر كثيرا نظرا للمعارضة الاجتماعية والسياسية لاستمرار الهجرة الجماعية في معظم البلدان مرتفعة الدخل.»17
وقد أحدث التغير الديمغرافي ونقص المهارات ارتفاعا في الطلب العالمي على العمال من ذوي المهارات العالية. ويمكن أن يؤدي تدفق ذوي المهارات العالية من قطاعات مثل الصحة أو التعليم أو الزراعة إلى الخارج إلى إبطاء تحقيق الأهداف الإنمائية، لا سيما في البلدان النامية الصغيرة الموفدة للمهاجرين. إلا أن تأثير هجرة الأدمغة يختلف وفقا لخصائص البلد الأصلي مثل حجم السكان ومستوى التنمية، ونوع القطاع أو المهنة المعنية ونوع الهجرة( مؤقتة أو دائمة أو دائرية)*. ولعل هجرة الأدمغة قد أصبحت كسب الأدمغة بالنسبة لبعض البلدان من خلال استثمارات المهاجرين والربط الشبكي للاتصالات والمشاريع ونقل المعارف وغيرها من أشكال التعاون بين بلد الأصل والمهاجرين.
ومع ذلك، ينبغي أن يوضع في الاعتبار أن الهجرة لا تشكل إلا حلا جزئيا لمواجهة تحديات تشيخ السكان. وتمثل السمتان الرئيسيتان لتدفقات الهجرة : الأولى، كثافة المهاجرين في المراحل المبكرة من العمر وقت الانتقال. والثانية، المشاركة المرتفعة للمهاجرين في القوى العاملة في بلدان المقصد، دليل على أن الهجرة الدولية قد تكون إحدى الاستراتيجيات للحد من بعض الآثار المضرة المحتملة لتشيخ السكان. وسيزيد المهاجرون الشباب من نسبة العاملين إلى المتقاعدين، ومن ثم استدامة نظم المعاشات التقاعدية. وفي سوق العمل، سيوفرون المهارات والكفاءات اللازمة لتولي الوظائف التي يتعين أن ينجزها العمال الشباب، مع الإبقاء على ارتفاع مستوى الطلب على الوظائف التكميلية التي يسعى إليها العمال من كبار السن.
« وعلى الرغم من أن الهجرة لا تمثل الحل الوحيد لتشيخ السكان، إلا أن البرامج والسياسات الخاصة بها التي تدار بشكل جيد في إطار شراكة دولية، تشكل جزءا من الحل ويمكن أن تعود بمنفعة متبادلة على البلدان المرسلة والمستقبلة. ويشكل الإطار متعدد الأطراف لمنظمة العمل الدولية بشأن هجرة اليد العاملة حجر الزاوية لخطة عمل المنظمة بشأن هجرة اليد العاملة. ويعالج الإطار القضايا الرئيسية التي يواجهها واضعو السياسات على الصعيدين الوطني والدولي، والتي تتناولها طلبات الحصول على المساعدة».18
اعانات الشيخوخة والعجز
تشكل الشيخوخة في معظم بلدان العالم العامل الرئيسي المحدد للفقر خاصة ما يتعلق للنساء. ولا يمثل الفقر المرتبط بالشيخوخة مجرد مشكلة يواجهها المسن فقط، وإنما هو أيضا مصدر قلق للأسرة المعيشية بأكملها. ففي غياب تحويل مداخيل للمسنين، يفترض تقاسم مداخيل الأسر المعيشية بين عدد أكبر من أفرادها، وهو ما يؤدي إلى انخفاض استهلاك الفرد الواحد. وهكذا، فإن الأعباء الديمغرافية داخل الأسرة والتغير الديمغرافي تؤثر تأثيرا ملحوظا على مستويات الرعاية لجميع الفئات السكانية، لا سيما على المسنين الذين كثيرا ما يواجهون حاجة أكبر إلى الخدمات الصحية والاجتماعية. وينبغي أن تكون هذه الاستنتاجات في صلب تحديد أهداف الحماية الاجتماعية الوطنية وأولوياتها.
يمثل احتواء نمو الإنفاق على خدمات الرعاية الصحية أولوية ملحة. فعلى سبيل المثال، يشير كل من بينيديكت كليمنتس وكاميل ديبزاك وموريشيو سوتو** أنه« إذا ظل نمو نصيب الفرد في تكلفة الرعاية الصحية متسقا مع نمو نصيب الفرد في إجمالي الناتج المحلي، تشير تقديراتنا إلى انخفاض نفقات الرعاية الصحية العامة بمقدار 4,5 نقاط مئوية من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2100 في البلدان الأكثر تقدما و 3 نقاط مئوية من إجمالي الناتج المحلي في البلدان الأقل تقدما»19. ويمكن للبلدان الاستمرار في إصلاحات الإنفاق على الرعاية الصحية من خلال عدة سبل :
-
عن طريق زيادة المنافسة بين شركات التأمين ومقدمي الخدمات.
-
تحسين نظام دفع مستحقات مقدمي الخدمات بغرض الحد من التكاليف.
-
إعطاء المزيد من الاهتمام بخدمات الرعاية الصحية الأولية والوقائية.
-
زيادة كفاءة استخدام تكنولوجيا معلومات لرعاية الصحية.
-
رفع السن القانونية للتقاعد تماشيا مع ارتفاع أعمار السكان.
ويقدر مكتب العمل الدولي في دراسة شملت 12 بلدا من البلدان منخفضة الدخل أن التكاليف المباشرة لمجموعة من إعانات الحماية الاجتماعية الأساسية ستتطلب ما بين 0.6 )و1.5) من الناتج المحلي الإجمالي السنوي. ولن ترتفع تكاليف هذه المعاشات رغم عملية التشيخ إلا ارتفاعا معتدلا خلال السنوات الثلاثين القادمة، مما يعكس جزئيا التركيبة السكانية الشابة نسبيا لهذه البلدان التي يتسم معظمها بارتفاع معدلات الخصوبة.
وفي جميع البلدان، يبدو أن معظم الإصلاحات الأخيرة في النظم القائمة على الاشتراكات تجنح نحو إعادة تحديد السن الذي تصبح فيه أهلية الحصول على المعاش التقاعدي أمرا ممكنا، حيث يتمثل الهدف الرئيسي منها في المساعدة على استعادة الاستدامة المالية العامة للمخططات على المدى الطويل. ومن المهم أيضا بالنسبة للحكومات تقديم حوافز لأصحاب العمل وللأفراد لتوسيع نطاق أنواع أخرى من ترتيبات أمن الدخل من خلال مبادرات القطاع الخاص، لكي يتاح لجميع ذوي الدخل إمكانية التطلع إلى مستوى معيشي في سن الشيخوخة لا يختلف كثيرا عن مستواه قبل تقاعدهم.
تتضمن المبادئ التوجيهية المنصوص عليها في التوصية رقم 20220ضمانات لأمن الدخل الأساسي للمسنين كجزء من أرضيات الحماية الاجتماعية الوطنية. وينبغي أن توفر هذه الضمانات الأساسية من الضمان الاجتماعي أمن الدخل على الأقل في مستوى أدنى محدد وطنيا، مما يسمح بحياة كريمة للمسنين. ووفقا لهذا التحليل، فإن ولاية منظمة العمل الدولية في مجال سياسات المعاشات التقاعدية على النحو المحدد في دستورها واتفاقياتها وتوصياتها، تقتضي منها تعزيز عشر ضمانات أساسية لمخططات المعاشات التقاعدية الاجتماعية على الصعيد الوطني.
عشرة مبادئ تسترشد بها نظم معاشات الضمان الاجتماعي الوطنية
-
التغطية الشاملة : ينبغي كفالة ما لا يقل عن أمن الدخل الأساسي في سن الشيخوخة للجميع.
-
الإعانات كحق من الحقوق : ينبغي للقانون الوطني أن ينص على استحقاقات المعاشات التقاعدية. وينبغي له أن يحدد مجموعة الإعانات وشروطها المؤهلة ومستوياتها، فضلا عن إجراءات الشكاوى والطعون في هذا الصدد.
-
الحماية من الفقر : ينبغي لنظم المعاشات التقاعدية أن توفر ضمانات إعانات دنيا موثوقة تحمي على نحو فعلي السكان من الفقر والاستضعاف والاستبعاد الاجتماعي وأن تسمح بحياة كريمة.
-
أمن الدخل والكفاية : ينبغي أن يعيش المسنون في أمن الدخل الأساسي على الأقل عند المستوى الأدنى المحدد على الصعيد الوطني. وينبغي ضمان معاش لا يقل عن %40 من الإيرادات السابقة لفترة التقاعد بعد 30 سنة من الاشتراك لذوي الإيرادات التي تعادل الأجر المرجعي أو تقل عنه كما هو منصوص عليه في اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 102.
-
التكافؤ الاكتواري لاشتراكات التأمين الاجتماعي ومستويات المعاشات التقاعدية : ينبغي ضمان معدل استبدال أدنى لجميع المساهمين يعكس على نحو ملائم مستوى اشتراآاتهم المدفوعة.
-
ضمان معدل أدنى للعائد من الادخارات : ينبغي حماية القيمة الحقيقية للاشتراكات المدفوعة إلى مخططات الادخارات.
-
المساواة والإنصاف بين الجنسين : ينبغي لسياسات المعاشات التقاعدية أن تتوخى مبادئ عدم التمييز والمساواة ) بين الجنسين وتلبية الاحتياجات الخاصة. وينبغي أن تكون أحكام الإعانات غير متحيزة لجنس من الجنسين ومنصفة للجنسين بالنسبة إلى الوالدين العاملين.
-
التمويل السليم : ينبغي تمويل نظم المعاشات بطرق مستدامة من الناحية المالية والضريبية والاقتصادية مع إيلاء الاعتبار الواجب للعدالة الاجتماعية والإنصاف والتضامن الاجتماعي، الرامية إلى تلافي أوجه عدم اليقين بشأن استمرارها في الأجل الطويل.
-
المسؤولية المالية : ينبغي لمخططات المعاشات التقاعدية ألا تزاحم الحيز المالي للإعانات الاجتماعية الأخرى. وينبغي أن تشكل المعاشات التقاعدية جزءا من الاستراتيجية الوطنية لمد نطاق الضمان الاجتماعي، الرامية إلى سد الثغرات في مستويات الحماية من خلال وضع خطط مناسبة ومنسقة بفعالية، بما يعكس الأولويات الوطنية والقدرات المالية.
-
مسؤولية الدولة : ينبغي أن تظل الدولة الضامن الأخير للحق في التمتع بأمن الدخل في سن الشيخوخة والحصول على معاشات تقاعدية مناسبة.
خاتمــة
في المجتمعات التي تسير على نهج أو تقارب مسار التشيخ السكاني، وفي مواجهة وتتحدي التحولات الديمغرافية، يتعين عليها الإعتماد على مجموعة من التدابير لمواجعة العديد من المشاكل المستقبلية والتي تهدد نمو الانتاجية بشكل عام. لا يزال العالم يمر بأكبر مراحل التحول الديمغرافي في تاريخ البشرية فالتغيرات في طول الأعمار والخصوبة، إلى جانب التحضر والهجرة، عوامل قوية تشكل مستقبلنا الديمغرافي، وتبشر بعواقب اجتماعية وسياسية واقتصادية وبيئية كبيرة. وسيتسنى على الأرجح التغلب على التحديات وإن كانت جسيمة. ويتيح التكيف السلوكي، والابتكار التكنولوجي، وتغير السياسات والمؤسسات إمكانات كبيرة لموازنة العواقب السلبية والاستفادة من الفرص الواعدة، لكن سيقتضي تطبيقها توافر الموارد المالية وتوفير قيادة وطنية وعالمية قوية. ولا يُرجح تحقق أسوأ المخاوف المصاحبة لسرعة النمو السكاني وشيخوخة السكان. ولكن قبل أن نتيقن من ذلك، يجب إجراء كثير من التحليل والحوار والتكيف السلوكي وإصلاح السياسة في المجالين العام والخاص.