الأبعاد النفسية والإبداعية في أدب الطفل قصة «ذات الرداء الأخضر» أنموذجا

Dimensions psychologiques et créatives des contes pour enfants L’histoire de « La fille à la robe verte » comme modèle

Psychological And Creative Dimensions In Children’s Stories The Story Of The Girl With The Green Dress As A Model

سارة سكيو Sarah Sekkiou

Citer cet article

Référence électronique

سارة سكيو Sarah Sekkiou, « الأبعاد النفسية والإبداعية في أدب الطفل قصة «ذات الرداء الأخضر» أنموذجا  », Aleph [En ligne], mis en ligne le 15 janvier 2024, consulté le 21 novembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/10548

تروم أوراق هذه المداخلة حول استجلاء الأبعاد النفسية التي يستقبلها الطفل اثناء قراءته للقصة، خاصة منها الانفعالات النفسية التي لها باع كبير في تغيير تفكيره وتصرفاته من مشاعر تتعلق بالخوف والحب والاهتمام بنصائح الوالدين ونحو ذلك، ايضا تبيان البعد الإبداعي التعليمي الذي يستفيد منه الطفل القارئ للقصة، انطلاقا من اللغة المستعملة والترجمة إلى اللغة الإنجليزية؛ حيث يحمل الأثر القصصي هنا دورا هاما في تلقين الطفل اللغة الإنجليزية من خلال إرفاق كل صفحة بالنص العربي وما يقابله من الترجمة الإنجليزية في ذات الصفحة.. إذ سنحاول التعمق في قابلية التلقي لهذا الأثر الأدبي وتوضيح فعاليته إبداعيا ونفسيا وتعليميا.

Les articles de cette intervention visent à clarifier les dimensions psychologiques que l’enfant reçoit en lisant l’histoire, en particulier les émotions psychologiques qui jouent un grand rôle dans le changement de sa pensée et de son comportement, tels que les sentiments liés à la peur, l’amour et l’attention aux parents. Des conseils, etc., ainsi qu’une clarification de la dimension créative et pédagogique dont bénéficie le lecteur. Pour l’histoire, en fonction de la langue utilisée et de la traduction en anglais; où l’impact narratif joue ici un rôle important dans l’enseignement de la langue anglaise à l’enfant en attachant chaque page au texte arabe et la traduction anglaise correspondante sur la même page.

-The papers of this intervention aim to clarify the psychological dimensions that the child receives while reading the story, especially the psychological emotions that have a great role in changing his thinking and behaviour, such as feelings related to fear, love, and attention to parents’ advice and so on, as well as clarifying the creative and educational dimension that the reader benefits from. In the story, based on the language used and the translation into English; Where the narrative impact here plays an important role in teaching the child the English language by attaching each page to the Arabic text and the corresponding English translation on the same page.

مقدمة

لطالما كان للإبداع الإنساني باع كبير في تسيير وتقويم الأطياف الانفعالية للشخص المتلقي، وأدب الطفل إثر سردي لا يقل أهمية عن بقية المتون الفنية الأخرى، فالجمهور الصغير هو الآخر له ادباء ومبدعون ينظمون فيما يخصهم ويخدمهم من الأعمال الفنية، والقصة تحديدا أحد أهم الأجناس السردية التي نالت صدى واسع المدى من الإقبال، لذلك راودتنا التساؤلات حول ماهي أهمية القصة القصيرة كنص إبداعي؟ وهل لهذا النمط السردي أنماط سيكولوجية وأدبية تخدم الطفل كمتلقي اول؟ وهل يمكن الأخذ بعين الاعتبار ما جاءت به قصة ذات الرداء الأخضر لمحاسن من أفكار وأساليب خدمت هذه الابعاد والأنماط الموجهة للمتلقين الصغار؟ حيث للإجابة عن هذه الأسئلة سنحاول التعمق في النموذج الذي اخترناه لتجلية المنعرج النفسي و الإبداعي في الإبداع الطفلي، تحديدا القصة القصيرة لأنها أكثر شكل سردي منتشر في عالم الأطفال، ومدونة الفتاة ذات الرداء الأخضر - كما ارتأينا- مناسبة جدا لاستقراء الجوانب المراد بلوغها من هذه الدراسة، حيث لم تشمل فقط هذه القصة التلقين العربي و الصوري للمتلقي الطفل، بل قد احتوى متنها على النص العربي والترجمة المقابلة له باللغة الإنجليزية، ومن هذه المنطلقات والأفكار سنحاول بناء الترصيص بوعي مناسب للبعد السيكولوجي والابداعي للآثار الأدبية الطفلية عن طريق استجلاء عناصر الإقناع النفسي وأساليب التشويق والإمتاع الترفيهي المصاحب لفن القصة، والتعمق في مراحل هذه القصة وما تحمله من رواسب ثقافية وتعليمية وحتى أيديولوجية تتناسب طرديا ومرحلة الطفولة.

1. الإبداع في أدب الطفل

تتنوع المجالات الإبداعية في عالم الادب بتنوع الجمهور المتلقي لهذه الآفاق الأدبية، حيث مثلما هنالك أدب موجه للنساء ومعروف بالأدب النسوي هنالك أيضا ما يسمى بأدب الطفل، والذي يوجه فيه الأدباء أفكارهم واقلامهم نحو عالم الأطفال بغية إثراء أبعادهم السيكولوجية والابداعية والأيديولوجية وفق إطار المتعة وقالب من المرح ف« أدب الأطفال هو مجموعة الانتاجات الأدبية المقدمة للأطفال، التي تراعي خصائصهم وحاجاتهم ومستويات نموهم، أي أنه في معناه العام يشمل كل ما يقدم للأطفال في طفولتهم من مواد تجسد المعاني والأفكار والمشاعر... لذا يمكن أن يتجاوز -في حدود هذا المعنى- ما يقدم إليهم مما يسمى بالقراءات الحرة » (الهنيتي، 1998، صفحة 148) فهذا النوع من الأدب يختلف كثيرا عن بقية الأجناس الأدبية الأخرى الموجهة عادة للبالغين، حيث يراعي أدب الطفل خصائص الطفولة وقدرة الأطفال على التفكير من بساطة وبراءة لذلك يأتي محتوى هذا الأدب، في كثير من الأحيان على شاكلة قصص وحكايات وغير ذلك من الآثار الإبداعية الممتعة والتي تراعي« مجال النمو الانفعالي وقدرة الطفل على استخدام انفعالاته استخداما بناء... فالانفعالات هي ظواهر نفسية اعتيادية، لكنها تميل إلى الانحراف عندما تتحول إلى ما يسمى بالاضطراب الانفعالي عندما تؤول الاستجابات إلى ما هو غير متناسق » (الهنيتي، 1998، صفحة 44) ذلك لأن الأطفال شديدو الحساسية وسريعو الانفعال، لذلك لابد من مراعاة مقتض الحال هنا ألا وهو ضرورة انتقاء الأعمال الأدبية الموجهة لهم حتى تعم الاستفادة منها بقدر ما يستمتعون بقراءتها، والنأي تماما عن الأفكار السلبية كالقصص الجد المرعبة والتي قد تجعلهم ينفعلون بشكل غير سوي، وبما أن عملية التلقين للأطفال تتمايز تماما من جيل إلى آخر لابد من إتاحة المجال لذوي التخصص السيكولوجي في علم وطب الطفل للمبادرة في صنع الإنتاجات الأدبية التي تعالج القضايا الاجتماعية المحيطة بالجمهور الصغير، خاصة منها تلك التي تركز على العائلة ودور الوالدين وقس على ذلك، وليس هذا فقط بل لابد من أن تمس العبر المرجوة من القصص القصيرة خاصة ملموسة في حياة المتلقين الصغير، وليست خيالية لحد المبالغة أو مملة لدرجة الضجر، لذلك إن دققنا في هذا الأنموذج لمحاسن جادو وعرضنا محتوى قصتها على القارئ الصغير للاحظنا فعلا تأثر الطفل على نحو انفعالي منه الكثير من الأنماط النفسية مثلا كشعور الخوف وفتح باب التساؤل حول ما تحمله هذه الفتاة الصغيرة ذات الرداء الأخضر من مغامرة وغيرها..

نشير أنه

«لطالما أشار النقاد وغيرهم من الكبار المهتمين بأدب الأطفال إلى أهمية أن ينتبه ممن يكتبون للأطفال إلى أن لديهم واجب رعاية تجاه قرائهم. بمعنى أن يحرصوا على عدم إيذاء الأطفال عاطفيا مثل (تخويفهم بشدة أو حرمانهم من الأمل)، أو تعليميا (مثل تجنب تقديم معلومات خاطئة أو الوقوع في أخطاء نحوية ولغوية) » (رينولدز، 2014، صفحة 122)

فبطبيعة الحال هو أدب موجهة عمرية خاصة جد حساسة وما فتأت تبني ذاتها وتتعرف على العالم ككل، وطبيعي أن ما يستقبله الطفل في مراحله العمرية الأولى من مشاعر وأفكار يؤثر عليه حاضرا ومستقبلا، لذلك الابتعاد عن كل ضرر فكري وعاطفي ممكن طرحه في هذه الأعمال ضرورة حتمية ولا بد من وجود هيئة رقابية مفروضة على المبدعين الذين ينتجون أدب الطفل.

قد نتساءل عن مدى فعالية ونجاعة هذا الفن الأدبي خاصة في العالم العربي، خاصة وأن المتلقي الصغير في البيئة العربية ليس له ذلك الاعتناء الواسع المدى كما يجب عليه أن يكون، مع ضرورة فهم أن الطفل ليس بالقارئ أو المتلقي الواعي والذي نقصد به -في العادة- القدرة على تمحيص الأفكار وترتيبها وغير ذلك بالإضافة إلى ان الخلفيات المعرفية للمستقبل الصغير قليلة جدا مما قد يؤثر بسهولة على توجهاته و طريقة تفكيره وانفعاله حول ما يستقبله من مشاعر وايديولوجيات ومثل ذلك، وببساطة تأخذ هذه المساءلة حيزا مهما ومبهما بعض الشيء، غير أنه يمكن ابانة الغموض في هذا الصدد بقول أن

« أدب الأطفال يمكن اعتباره وسيطا تربويا يتيح الفرص أما الأطفال، كمعرفة الإجابات عن أسئلتهم واستفساراتهم، ومحاولات الاستكشاف، واستخدام الخيال، وتقبل الخبرات الجديدة التي يرفدها أدب الأطفال فهو يتيح الفرصة أمام الأطفال لتحقيق الثقة بالنفس، وروح المخاطرة في مواصلة البحث والكشف وحب الاستطلاع والدافع للإنجاز الذي يدفع إلى المخاطرة العلمية المحسوبة من أجل الاكتشاف والتحرر من الأساليب المعتادة للتفكير... » (شحاتة، 1994، صفحة 7)

فهذا الادب عبارة عن افادة شاملة للطفل فهو بوابته الأولى لاكتشاف واستطلاع كثير من الأمور التي تتعلق بالحياة، سواء منها التي ترتبط بالواقع فتعرفه على محيطه وبيئته وما محله من الإعراب في خضم هذه الحياة، أو الجوانب التي تتعلق بالخيال خاصة ما يثير فيه عدة انفعالات نفسية ووجدانية جديدة كتجربة التخيل وحب الاستطلاع وعيش المغامرات تماما مع أبطال القصص التي يقرؤنها بالإضافة إلى اختبار أمور جديدة لا يتيحها الواقع لهم، مثل معرفة شعور الخوف دون المخاطرة الفعلية لعيشه وقس على ذلك..

تمام الأمر أن أدب الطفل

« يوفر سياقا نفسيا اجتماعيا يراعي سمات الإبداع وينميها خلال عملية التفاعل والتمثل والامتصاص من استثارة المواهب، ومحاولة تنمية هذه المواهب عن طريق تحقيق جو من التسامح والدفء العاطفي والحب والديمقراطية، انه يمثل ثقافة جزئية مؤثرة على الطفل في المرحلة العمرية التي ينمو فيها معرفيا ووجوديا ومهاريا » (شحاتة، 1994، الصفحات 12-13)

أي أن تأثيره -عادة ما يكون- مراعيا لمحدودية استيعاب الأطفال للأحداث، ملقنا إياهم مبادئ الأخلاق والقدرة على فتح باب التواصل مع الآخرين وانشاء صداقات جديدة وهكذا دواليك، لذلك تكون شخصيات الأطفال متعلقة بالظواهر والتصرفات التي ينتجها المبدعون ويدعمون بها ابطال قصصهم، بالأخص تلك التي تمتلك من المقومات المادية و المعنوية ما يجعل الطفل يتعلق بها بسهولة، بل تعلق في ذهنه ويحتذي بها في الكثير من المواقف الحياتية، فحتى الاستعداد الفكري للقارئ الصغير يتعلق كثيرا بعوامل الرغبة والتشويق فنجد مثلا من الأطفال من يميل إلى القصص المدعمة بالصور و الرسومات أكثر من تلك التي لا تحتوي سوى على متون نثرية، لهذا يصر الباحثون في علم النفس للانتباه إلى المحتوى المقدم للأطفال من مواد فنية أدبية فهي التي ستطبع في اللاشعور الفردي الخاص بهم وتشكل ما سيكون عليه تفكيرهم وتوجههم مستقبلا.

وبما أننا في خضم الحديث عن الطفل فمن الواضح اننا نتحدث عن فئة الأطفال الذين يدرسون في الطور الابتدائي من التعليم، والذين يتميزون بعدة خصائص مشتركة -طبعا هي سمات تخص الأطفال الطبيعي النمو الذهني- ومنها

«الرغبة في تعرف البيئة التي يعيشون فيها مع القدرة على إدراك العلاقات الزمانية والمكانية والتشابه والتضاد، وظهور بعض العمليات العقلية المختلفة كالتذكر، والتخيل والتفكير، والانتقال من الخيال إلى الواقعية، ومن التفكير الحسي إلى التفكير المنطقي، ومحاولة تحمل المسؤولية» (محمد عطا، 1994، صفحة 7)

فالطفل هنا عبارة عن صفحة بيضاء، لابد من فهم أن طاقة الاستيعاب لديه محدودة في أمور ولكنها جد واسعة في مجال التذكر لهذا ضرورية اثراؤها في مجالات التعلم والاكتشاف، خاصة عن طريق تجربة أمور جديدة تثري رصيد الطفل معرفيا ونفسيا، لهذا إن الانتباه إلى تقلب التواترات الانفعالية على مدار احداث الأفكار في الادب الخاص بالأطفال لابد أن يعتني جيدا بمبدأ البداية والانطلاق من العام وصولا إلى الخاص، فتفكير الأطفال مرتبط عادة بتصرفات من حولهم وتوجهاتهم لهذا الاعتناء بالضروريات اكثر منه بالكماليات فيما يخص المحتوى أمر أكثر أهمية لتلقين وتدعيم الجانب العقلي للطفل.

لذلك تكون غاية الأدباء في عالم الأطفال لا تتعلق بإذكاء الخيال عند الصغار، ولكنها تتعدى ذلك على تزويدهم بالمعلومات العلمية، والنظم السياسية والتقاليد الاجتماعية، والعواطف الدينية والوطنية، وإلى توسيع قاموس اللغة عندهم، ومدهم بمادة التفكير المنظم، ووصلهم بركب الثقافة والحضارة من حولهم... وتقوية إيمانهم بالله والوطن والخير والعدالة الإنسانية (بريعش، 1996، صفحة 104) لهذا نلاحظ أن معظم الآثار الأدبية للطفل تأتي على شاكلة قصص تهتم بالجانب الأخلاقي والتربوي كثيرا، ولا نستغرب ذلك لأن هذه هي القيم والمبادئ التي إن زرعت في الطفل منذ الاستهلال الأول لعملية تلقينه بطريقة صحيحة ومناسبة، لأصبح هذا الأخير فردا واعيا وناجحا مستقبلا ففي النهاية مصير الأطفال أن يكبروا ولكن ما يحدث الفرق بين طفل وآخر هو طبيعة البيئة والمصادر التي تلقنها الطفل واستقبلها في مرحلة تكوينه.

2الأبعاد النفسية والإبداعية في القصة القصيرة

تأخذ القصة بمختلف إيراداتها واصداراتها الفنية والموضوعية في عالم الأطفال حيزا كبيرا مقارنة ببقية الألوان الأدبية التي يتلقونها سواء كانت قرائية أو سماعية، وقبل التعمق في هذا الجنس الأدبي لابد أن نشير إلى أمر مهم جدا وهو

«أن الكتابة للطفل نشاط إنساني معقد، وتعريف الكتابة الجيدة أمر ليس باليسير، ومن المؤكد أن هناك قواعد يقصد بها تحقيق أهداف محددة، هي قواعد القراءة، بيد أن اتباع هذه القواعد اتباعا صارما لا يضمن الوصول إلى كتابة جيدة، ذلك أن الكتابة للطفل فن وليست علما» (شحاتة، 1994، صفحة 14)

لذلك لابد من توفر شروط معينة في المبدعين الذين يتوجهون لهذا المجال من الكتابة، خاصة شرط التمكن من القراءة النفسية للأطفال، وإضفاء عنصر المتعة والتشويق لهذه الكتابات، فالأطفال سريعو الملل ولا تهمهم في هذه المرحلة العمرية الاستفادة من العلم بقدر ما يعنيهم التعلم من العبر والحكم التي تسردها القصص والمغامرات التي يعيشها ابطالها.

يمكن أن نعرف القصة بأنها 

« شكل فني قادر على استيعاب أساليب التعبير من سرد، ووصف، وتقرير، وحوار، كما أن المداولة بين هذه الأساليب يبعد الملل... فهي فن أدبي يناسب طفل المدرسة الابتدائية من حيث قدرته على التركيز أقل ممن يكبرونه» (محمد عطا، 1994، صفحة 10)

إذ يكون أسلوب القصة بسيطا سهل المأخذ، يروم حول أفكار سهلة غير معقدة، حتى يستطيع المتلقي إدراك مجريات الأحداث التي تسرد، حيث لفهمه لها يجب ألا تكون مركبة بعيدة عن التشاكل اللفظي والمعاني البعيدة التأويلية ومثال هذا قصة ذات الرداء الأخضر والتي يتسم أسلوبها بالوضوح وعنصر التشويق.

قبل البدء في سرد الأحداث التي تتعلق بالقصة القصيرة حول الفتاة ذات الرداء الأخضر، تستهل القصة أولا بواجهة تذكر فيها العبرة الأساسية والبعد التعليمي المراد به من هذه القصة القصيرة، حيث تتمثل العبرة المرفقة مع رسمة للبطلة الصغيرة وهي الفتاة التي ترتدي فستانا أخضر اللون، وهي تحمل في يدها الطعام الذي ارسلته الزوجة لزوجها وهذه الافتتاحية التفاتة جيدة تحمل الطفل على متابعة مشاهد القصة حتى تتضح له معالم هذه العبرة وهل فعلا هي موجودة أو لا فيكون الأمر بالنسبة له بمثابة تحدي فكري بطريقة لا شعورية، والعبرة المستهل بها هي « أصدقائي.. طاعة الوالدين كنز ثمين.. وسر السعادة في الدنيا.. فاحرص على بر والديك ولا تعقهما، هذا سوف تعرف وأنت تقرا قصة هذه الفتاة » (جادو، 2008، صفحة 3) إن هذا الكلام عبارة عن رسالة موجة للطفل بأسلوب ذكي مبدع حيث بكلمة أصدقائي تكسب الكاتبة ودّ الأطفال فخطابها منذ البداية موجه لهم هذا الذي من شأنه أن يجذب الطفل ليعرف ما محتوى القادم في القصة، فهي عبارات موفقة توجه المتلقين الصغار مباشرة صوب الهدف الذي عليهم قراءة القصة حتى يصلوا إليه في النهاية، وهذا النوع من القراءة النفسية للأطفال مناسب وفق هكذا أسلوب فهو في نفس الوقت دعوة وتحدي لإيجاد العبرة التي بنت الكاتبة قصتها القصيرة عليها ولنركز على البعد الأخلاقي التربوي والمهم جدا في حياة أي طفل وهي قضية برّ وطاعة الوالدين، والقصة تبدأ مجرياتها حيث

«أمرت الأم ابنتها الصغيرة أن تحمل الغداء وتذهب إلى أبيها في الحقل؛ ليأكل منه ويواصل عمله همت الفتاة بالخروج من البيت ولكنها عادت إلى أمها مرة أخرى وهي حزينة. تعجبت الام وسألت فتاتها: لماذا أنت حزينة يا صغيرتي؟ فأجابت الفتاة: لأني كلما خرجت من البيت لا أجد ما أرتديه سوى هذا الرداء الأخضر» (جادو، 2008، صفحة 4)

هو مشهد واضح بسيط يدور بين الأم وابتها بأسلوب يسهل على الطفل إدراكه ثم هو مشهد من الواقع ويحدث في كثير من العائلات، أيضا يجدر بالذكر هنا طبيعة الألوان المستخدمة في القصة، طبعا لون النص يأتي باللون الأسود أما الصفحة ففيها إطار بالأصفر وهذا عامل سيكولوجي مستقطب للطفل ويجعله يرغب في إمساك القصة والتمعن فيها نظرا للراحة البصرية والنفسية التي يحيلنا إليها استخدام اللون الأصفر المائل للأخضر.

أيضا في نفس الصفحة نلمح النص المكتوب باللغة العربية وفي الأسفل مباشرة ترجمة لهذا النص باللغة الإنجليزية وهذا أمر يحسب للكاتبة ويساعد الطفل على تعلم لغة جديدة بطريقة سريعة دون حتى أن يدرك أنه بصدد اكتشاف اللغة الإنجليزية، فعملية تلقين المثاقفة تحتاج قدرات وجهدا إبداعيا فعلى الذين يكتبون للأطفال أن يستوعبوه جيدا ويتمكنوا من استخدامه وفق أسلوب فني ممتع، هذا الذي تفطنت إليه الكاتبة محاسن جادو فحتى المتن المترجم للإنجليزية هو نص بسيط بألفاظ سهلة للنطق والقراءة وحتى اللهجة المستخدمة فيما يخص النص الإنجليزي هي لهجة اللكنة الإنجليزية المتداولة في الاستخدام اليومي وهذا ما يساعد الطفل على اكتساب معجم ومفردات تفيده في الواقع أي ليست اكاديمية بحتةونذكر مثالا على هذا النص التالي للأحداث المقبلة. ...

ولتنمية البعد البصري للطفل يرفق كل نص في هذه القصة برسمة تعبر عن المشهد المتحدث عنه، حيث تشير هذه الرسومات إلى طبيعة التعبيرات النفسية وهيئة وهندام الأشخاص المتحدث عنهم، خاصة ملامح الفتاة ذات الرداء الأخضر التي حتى حزنها بسبب امتلاكها هذا الرداء الأخضر دون غيره يستطيع الطفل أن يحسه من خلال هذه الرسمة التي توضح دموعها وهي تحدث والدتها في الصفحة الخامسة، ثم تستمر الأحداث فقد

«اعتذرت الأم للفتاة عن عدم شراء ثياب جديدة لها لضيق اليد ولكنها وعدتها بأن يقوم ابوها بشراء رداء جديد لها بعد جني المحصول. قبلت الفتاة الطيبة اعتذار الأم، وانطلقت إلى حقل أبيها وهي سعيدة بردائها الأخضر الذي يشبه إلى حد كبير لون الزروع المثمرة في أيام الربيع» (جادو، 2008، صفحة 6)

منظور سيكولوجي آخر يعبر عنه هذا المشهد، وهو قدرة الأم على التأثير الإيجابي ومعالجة حزن ابنتها، بل الامر يذهب إلى ما هو ابعد من ذلك وهو عودة الابتسامة والفرحة على وجه ذات الرداء الاخضر، هذا الذي ارادت الكاتبة ابرازه وهو تلك القدرة العجيبة للأم على التأثير في طفلتها وتهدئة بالها حيث إن سبب السعادة الحقيقي هنا ليس فقط الوعد بشراء فستان جديد بل هو حضور الأم والطمأنينة التي تبثها في نفس أطفالها، وللمتلقي الطفل أن يشعر بهذه السعادة ويسقطها على عائلته هو خاصة عندما يتمعن في الرسمة الموجودة في الصفحة رقم سبعة.

تكمل الفتاة الصغيرة مهمتها التي طلبتها منها والدتها

«وفي طريق عودة الفتاة من حقل أبيها قابلت صاحباتها، وبينما هن يمشين بالقرب من حظيرة مهجورة تعثرت زميلة منهن، فانكفأت على وجهها، فأسرعت ذات الرداء الأخضر لمساعدة صديقتها حينذاك سمعت ذات الرداء الأخضر صوت رجلين منبعث من داخل الحظيرة. فعرفت ذات الرداء الأخضر بذكائها أنهما لصان غريبان تسللا إلى القرية» (جادو، 2008، صفحة 8)

موقف نفسي آخر تحمله هذه الاحداث وهو الشعور بالخوف على الأصدقاء أيضا له بعد أخلاقي تربوي وهو مساعدة الفتاة لصديقتها، والمشهد أيضا يروم إلى أن قضية مدح الطفل أمر مهم جدا من خلال نعت الصغيرة بالذكاء فهي بهذه المساعدة ولفطنتها وحسن خلقها رغم سنها الصغير انتبهت لوجود لصوص في الحظيرة، فالفكرة التي قد تساهم في دعم مبدأ المدح اللفظي للطفل بنية هنا على أساس التصرف الصحيح، فالأخلاق الجيدة تولد مواقف سعيدة بغض النظر عما قد يشوبها من تداعيات زائفة، فهذا الموقف مثلا يلقن الطفل مفهوم الشجاعة من منطلق الصداقة والوفاء أي أن هذا المشهد وحده رزمة كاملة من الاطياف التربوية والفكرية..

ثم تشير الصورة في الصفحة رقم تسعة إلى وجود الفتيات الثلاثة في حقل بالقرب من الحظيرة وسط الأعشاب الخضراء الكثيرة، والذكي في طرح الكاتبة لهذه الرسمة هو توضيح أن كل فتاة منهن ترتدي فستانا يتمايز لونه عن الأخرى، ففتاة كانت ترتدي اللون الأحمر وأخرى الأزرق بالإضافة طبعا لذات الرداء الأخضر، ووضعية المساعدة هنا لصديقة ذات الفستان الأحمر كفيلة بجعل المتلقي الطفل يتعلم معنى الصداقة الحقيقية وهذا بعد تربوي وأخلاقي مهم في التركيب السيكولوجي للمتلقي الصغير ومن أهم الأطياف الشعورية التي يعيشها يوميا سواء كان ذلك في وسطه العائلي أو محيطه الخارجي ضمن نطاق تعاملاته مع من حوله من اقرانه من زملاء في الدراسة وغيرهم، ولنركز إلى تفاقم تواتر أحداث القصة وكيف انها ستتخذ مجرى مغايرا سيثير فعلا انتباه الأطفال ويحرك فضولهم، حيث بعد مشهد التفاني ومساعدة الأصدقاء يتفاقم الأمر كونه وفجأة

«شعر اللصوص بالفتيات فقرروا ا يقوموا بخطفهن، ومساومة أهلهن عليهن بالمال. وهنا أنذرت ذات الرداء الأخضر زميلاتها، وطلبت منهن مغادرة المكان دون أن يشعر اللصوص، إلا أنهن انتفضن وفزعن وفررن خائفات ولما أدرك اللصوص ذلك جروا وراءهن حتى لحقوا بهن، وتمكنوا منهن جميعا، ما عدا ذات الرداء الأخضر التي انبطحت وسط نبات البرسيم فتاهت عن أعينهم تماما» (جادو، 2008، صفحة 10)

تحيل الاحداث هنا أن الكاتبة توضح للأطفال وتبههم إلى أن اللصوص والغرباء أشخاص أشرار ويضمرون النوايا السيئة والمؤذية جدا، ولنها في نفس السياق تعلمهم من خلال تصرف الفتاة الصغيرة أن الشجاعة أمر مطلوب في كثير من المواقف ولابد منها حتى يستطيعوا التغلب على مخاوفهم، فلو التزمت الفتاتان بكلام ذات الرداء الأخضر التي تشجعت ونصحتهما بالهدوء التام لما انتبه لهما اللصوص وأمسكوا بهما، أيضا ما لذي كان سببا في نجاة الفتاة ذات الرداء الأخضر عدا عدم فزعها مثل الفتاتين؟ نعم إنه فستانها الأخضر الذي كانت تكرهه وتشعر بالحزن بسببه، فلونه قد أنقذها واخفاها عن نظر اللصوص وسط الأعشاب الخضراء مثلما توضح لنا الرسمة في الصفحة الحادية عشر، فقد

«ظلت ذات الرداء الأخضر منبطحة على الأرض حتى انصرف اللصوص بزميلاتها. فأسرعت ذات الرداء الأخضر إلى أهل القرية وقالت لهمك أيها الفلاحون لقد خطف اللصوص بنات قريتكم، هيا الحقوا بهم» (جادو، 2008، صفحة 12)

قد كان للفتاة خيار آخر غير هذا، وهو الهرب وعدم اخبار الاهل على ما حدث ربما خوفا أو لأسباب أخرى، لكن القصة هنا تشير إلى حسن خلق الفتاة الصغيرة وبراءتها وشجاعتها هذا الذي يوجه الطفل نحو حب المساعدة والتصرف الصحيح المبني على الصدق وحب الآخرين، حيث

«ما إن سمع الفلاحون استغاثة ذات الرداء الأخضر حتى جروا مسرعين نحوها، وبدورها أشارت ذات الرداء الأخضر لهم نحو طريق اللصوص، فجروا حتى لقوا باللصوص الأشرار داخل الحظيرة المهجورة، فانقضوا عليهم، وبسرعة خلصوا بناتهم من شرهم، ثم قبض الخفراء على اللصوص لينالوا ما يستحقونه من العقاب» (جادو، 2008، صفحة 14)

والقصة لم تنتهي بخلاص الفتاتين من موقف خطير جدا بسبب شجاعة ذات الرداء الأخضر فقط، بل بسبب صبرها واستماعها لكلام والدتها وعملها به دون أي كلل أو ملل فقد نالت في نهاية اليوم ما كانت تحلم به، هنا يتعلم الطفل -بطريقة ما- مبدأ الفضيلة والعقاب، حيث تبعا للتصرف الجيد والصحيح قوبل الموقف الخطير بالمعالجة والنجاح، أما الجانب السيء المتعلق بالخطر والشر فقد قوبل بالعقاب، لذلك ظفرت الفتاة الصغيرة البطلة ما قد كانت طلبته منذ بداية الأحداث وأكثر فقد

«أشاد الفلاحون بحسن تصرف ذات الرداء الأخضر وبذكائها، وكيف أنها أنقذت بناتهم من اللصوص، واعجب العمدة بذات الرداء الأخضر، وقدم لها هدية في صندوق مكافأة لها على حسن تصرفها، فتحت ذات الرداء الأخضر الصندوق فغذا فيه مجموعة من الثياب الحريرية ذات الألوان الزاهية الجميلة، وكان من بين الثياب ثوب أخضر اللون مثل الثوب الذي كان سببا في نجاتها ونجاة زميلاتها من أيدي اللصوص الأشرار» (جادو، 2008، صفحة 16)

ففعلا يصل الطفل المتلقي لهذه القصة القصيرة إلى المغزى الأول والذي استهلت به الكاتبة قصتها ألا وهو برّ الوالدين وطاعتها والثقة بهما، فلولا إنصات ذات الرداء الأخضر لكلام والدتها لانتهى الأمر بها محتجزة عند اللصوص مع صديقاتها، ولكن طاعتها لأمها أنقذتها من أكثر المواقف خطورة بل كوفئت على ذلك بنيلها مطلبها الأول واكثر، فما قد يمكن الإفصاح به عند انتهاء الطفل من اكتشاف مغامرة هذه الفتاة الصغيرة سواء كان بدور القارئ أو المستمع، سيستطيع أن يربط دون عناء بين ما تلقفه في بداية القصة وما حصل في نهاية المطاف، أي أن دور الوالدين وبرهما أمر قد طبع في ذهن الطفل حتى وإن لم يكن على وعي مدرك به، فببساطة إن تعرض في يوم ما إلى موقف مماثل لهذا -على أي شاكلة كان- سيتصرف لا شعوريا وفق هذه المبادئ مع مراعات الجانب الأخلاقي و الفكري وغيره.

خاتمة

استجلاء لما تم التطرق إليه في الورقة البحثية الآنفة والتي اختصت بدراسة موضوع أدب الطفل من المنظور النفسي والتعليمي الإبداعي والذي كانت القصة القصيرة «ذات الرداء الأخضر» لمحاسن جادو أنموذجا لتداوله، بالإضافة إلى محاولة تفكيك وتمحيص أهم ما أندرج في متنها خلصنا إلى ان:

-أدب الطفل مجال إبداعي مختلف التواتر مقارنة ببقية الآثار الإبداعية الأخرى، سواء أكان ذلك من الناحية اللغوية أو الفكرية أو السيكولوجية، فهو نطاق فني هدفه التلقين وإثراء الجانب التعليمي التربوي للمتلقين الصغار وفق طريقة ذكية يلعب المؤلفون فيه على حبل اللاشعور البدئي للطفل وأسلوب التشويق والمتعة.

  • -البعد النفسي للقصة القصيرة قد تجلى في عدة مواقف نفسية ووجدانية يحسها الطفل وهو يتصفح صفحات القصة، من حزن وخوف وحب للغير ونحو ذلك.

  • أن الإبداع في هذه القصة ام لا جدل فيه، فهي قصة محكمة الحبكة أحداثها قريبة من حياة الأطفال الصغار وواقعهم والذي قاربته الكاتبة بطريقة مقنعة للأطفال، حتى أن الأسلوب القصصي وطريقة طرح المعضلة الأساسية للموضوع قد تأتى على شاكلة نمط بسيط، مناسب للمجهود الفكري للأطفال ذوي الطور الابتدائي، بالإضافة إلى سهولة الملامح التعبيرية للرسومات المرفقة في المتن السردي، هذا الذي يحرك عدة حواس للمتلقي في آن واحد كحاسة البصر، واللمس وغيره.

  • -أن استقبال الطفل لقصة ذات الرداء الأخضر أمر متاح وليس بالعسير، نظرا للأسلوب الجزل والبسيط الواضح.

  • أن ترجمة النصوص إلى اللغة الإنجليزية أمر لابد من إشاعته في معظم الكتابات الموجهة للجمهور الصغير، فمثلا النصوص المترجمة في هذه القصية سهل ألفاظها وبسيطة تراكيبها اللغوية مما يساعد حتما في تنمية وإثراء البعد الثقافي للطفل.

  • أن قضية طاعة الوالدين التي اشارت لها الكاتبة لها ابعاد عديدة تجلت في احداث القصة ومنها تعلم الصبر والشجاعة ومساعدة الآخرين وقس على ذلك...

  • أن الطفل يتعلم من نهاية القصة تداعيات العمل الطيب والأخلاق الحميدة وكيف أن جزاء الإحسان هو الإحسان، فقد قوبل عمل المساعدة ومواجهة الخوف بمنطق بتحقيق حلم البطلة الصغيرة ونيلها لأكثر مما كانت تحلم به.

لذلك من اهم النتائج التي تتعلق بموضوع أدب الطفل عامة هو مراعاة مقتضى الحال السيكولوجي للمتلقين الصغار، لذلك لابد من التدرج في طريقة طرح الأفكار وسرد الأحداث حتى يتأتى للطفل فهم مجريات المواقف بما يخدمه وهو في فئته العمرية الجد حساسة، فالجانب الوجداني وإثارة مشاعر الخوف والحذر والحب والطاعة… أمر ليس بالسهل التحكم فيه فلابد من حسن التحكم بالأبعاد الأيديولوجية المدسوسة بين ثنايا المتون القصصية لأنها بؤرة الهوية النفسية للأطفال المتلقين خاصة في عالمنا العربي الذي ما يزال في بدايته.

ابراهيم محمد عطا. (1994). عوامل التشويق في القصة القصيرة لطفل المرحلة الابتدائية. القاهرة: مكتبة النهضة المصرية.

شحاتة، ح. (1994). أدب الطفل العربي (éd. 2). القاهرة: الدار المصرية اللبنانبة.

كيمبرلي رينولدز. (2014). أدب الأطفال مقدمة قصيرة جدا (الإصدار 1). مصر: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة.

محاسن جادو. (2008). ذات الرداء الأخضر (الإصدار 1). القاهرة: دار البوابة للنشر.

محمد حسن بريعش. (1996). أدب الأطفال أهدافه، سماته. بيروت: مؤسسة الرسالة.

الهنيتي, ه. (1998). ثقافة الأطفال. عالم المعرفة.

سارة سكيو Sarah Sekkiou

جامعة الحاج لخضر باتنة1

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article