أدب الطفل ودوره في تنمية قدراته الاجتماعية والحسية

La littérature enfantine et son rôle dans le développement de ses capacités sociales et sensorielles

Child Literature and its Role in Developing his Social and Sensory Abilities

أمال بن سمشة Amel Bensemcha

p. 405-423

Citer cet article

Référence papier

أمال بن سمشة Amel Bensemcha, « أدب الطفل ودوره في تنمية قدراته الاجتماعية والحسية », Aleph, Vol 10 (4-2) | 2023, 405-423.

Référence électronique

أمال بن سمشة Amel Bensemcha, « أدب الطفل ودوره في تنمية قدراته الاجتماعية والحسية », Aleph [En ligne], Vol 10 (4-2) | 2023, mis en ligne le 24 avril 2023, consulté le 09 novembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/10391

بما أن الأطفال يشغلون بال الأولياء، والمعلمين، والحكومات... فإن تنمية قدراتهم وزيادة مهاراتهم، تعد أولوية الأولويات. وهناك أساليب كثيرة في ذلك، كالتعليم، والرياضة، والموسيقى... وكذلك أدب الطفل لما له من أهمية في تقوية خياله الإبداعي وزيادة ملكاته الفكرية؛ فالأطفال تتأثر حالات أمزجتهم ومتطلباتهم المادية، وفقا لما يؤطر حياتهم اليومية في بلدانهم، فهم يستكشفون ما لا يعرفونه، فيتساءلون عن الحيوانات والنباتات، وعن النقود والمشتريات، وعن القبح والجمال، وغير ذلك. وعلى الكبار أن يوجهوهم إلى الميز بين الجيد والسيئ، وبين الجميل والقبيح، والنقي والرديء... وذلك باستخدام أساليب التحبيب، والتنفير، وتوسل بعض أجناس الأدب كالقصة، والمسرحية، والأنشودة وما إلى ذلك، لتنمية حسهم الإبداعي، وتربيتهم على اكتساب مختلف القيم في ذات الوقت.

Étant donné que les enfants sont la préoccupation principale de leurs parents ainsi que de leurs enseignants et du gouvernement, le développement de leurs capacités et l’amélioration de leurs compétences vient en premier lieu, ce qui pourrait être atteint grâce à de multiples méthodes telles que l’enseignement, le sport, la musique, etc. Ainsi, comme la littérature, quelle est très important pour faire progresser leurs capacités cognitives et leur imagination créatrice, les humeurs et les besoins financiers des enfants sont souvent influencés par les circonstances de leur pays dans leur vie quotidienne. Ils découvrent ce qu’ils ne savaient pas, ils posent des questions sur les animaux, les plantes, l’argent et les biens, la beauté et la répulsion... etc. le travail des adultes est les guider vers le bien et le mal, le beau et la méchanceté, le pur et le sale...etc via le conte, le théâtre, la chanson... etc. Donc, ces méthodes développent leur créativité et les aident à établir leurs valeurs en même temps.

Since children are the foremost pre-occupation of their parents as well as their teachers and government, developing their capacities and raising their skills comes in the first place which could be attained through multiple methods like teaching, sports, music.... etc. So as literature, being omni-important in advancing their cognitive abilities and the creative imagination, children’s moods and financial necessities are often influenced by their country’s circumstances in their daily life. They discover what they did not know before; they ask questions about animals, plants, money and goods, beauty and repulsiveness...etc and here comes the job of the mature people to guide them towards the good and the evil, the beautiful and the malice, the pure and the filthy...etc via story-telling, theatre, songs...etc for these methods develop their creativity and help them establish their values at the same time.

مقدمة

إن التنشئة الاجتماعية لا تنحصر في التعليم الرسمي فحسب، بل تتعداه إلى اكتساب الطفل أساليب السلوك والعادات والمهارات اللازمة لرسم شخصيته بشكل سليم. وبدهي أن أول مؤسسة اجتماعية معنية بهذا هي الأسرة؛ فالطفل لم يعد ذلك الكائن الصغير الذي يجب إطعامه وحمايته فقط، بل الشأن يتعلق بصناعة كيان، صناعة رجل أو امرأة المستقبل! وبالتالي فسقف المسؤولية ارتفع وبشدة في عصرنا الحالي. وحتى ينمو عقل هدا الطفل بشكل جيد، لابد من الحرص على ما يُغذى به. ومن أهم مواد التغذية الصحية لعقول الأطفال، أدب الطفل.

ونظرا لتحسن مستوى التعليم وانخفاض الأمية بالدول العربية في عصرنا، فإنه لم تعد مسألة القراءة للأبناء عذرا، أو على الأقل الاهتمام بالخيارات التي تناسبهم، حتى مسألة الندرة في كتاباتهم لم تعد عذرا. إن المشكلة تكمن في البدائل، فأغلب ما يعرض غربي، يضاف إليه نقص المقروئية بسبب ما يُعرض من وسائل تكنولوجية متطورة مثل : الألواح الالكترونية، والهواتف الذكية، وغيرها.

ونظرا لكون الطفل الإفريقي من أكبر المستهلكين-مثله مثل كل أطفال العالم الثالث- لكل ما هو غربي، فإن التحدي يُرفع في الكتابة لهذا الطفل بما يتوافق وبيئته، وما يزيد من قدراته الاندماجية في المجتمع، حتى يُنمى في نفسه حس المواطنة؛ فينشأ على الانتماء الصادق لوطنه، لترابه، لأهله، لعشيرته... دون أن يشعر بأن ما يُكتب له أقل شأنا من ذلك الذي يستورد من الغرب.

وعليه يمكن أن نطرح التساؤلات الآتية:

  • ما دور أدب الطفل في تنمية خياله الإبداعي؟

  • ما دور أدب الطفل في تنمية قدراته الاجتماعية؟

  • ما دور أدب الطفل في تنمية حس المواطنة لديه؟

1. الإطار العام للدراسة

1.1. أهمية أدب الطفل وتطوره

يعد أدب الطفل أقوى أساس يقوم عليه تكوينه العقلي والنفسي والعاطفي، وخير سبيل ينمي الخيال والإحساس بالجمال عند الأطفال، وأجدى أسلوب تتأصل به القيم الاجتماعية والسياسية، وتتأكد العواطف الدينية والقومية عند الناشئة. كما أنه أهم طريق تتحدد به المثل العليا، والسلوك الإنساني المحمود لأطفال اليوم، وشباب الغد، وهم صانعو الأمة في المستقبل القريب. (الحديدي. 1988 : 7)

وقد ابتدأ أدب الطفل من سرد رجل الكهف مغامراته، إلى الأحداث الخيالية التي ترويها الأم لصغيرها الباكي... ثم سرد المغامرات في سهرات القبيلة أو طقوسها، وكذلك التمتع بالترانيم. والقصة في مراحل الإنسانية الأولى لم تكن منفصلة عن الشعر، ثم أخذت تُحكى بضمير الغائب، من أجل المتعة والتسلية عن طريق الحكواتي، ثم زادت روعتها مع تعقد الخيال الإنساني خصوصا بما يتعلق بالآلهة، فظهرت الأسطورة بكل جماليتها وحماستها. وبعد مئات السنين وبعد كثرة الجماعات وتطور الحياة أكثر، ظهر القصص التاريخي، سواء بشخصيات حقيقية، أو من نسج الخيال.

وكان الانتقال من سرد الحقيقة المجردة إلى القصص البدائي، إلى القصص الأسطوري، ثم القصص التاريخي والتقليدي، فالقصص الخيالي الخالص، وهو ما يسمى «بالقصص الشعبي». وبينما كانت القصص الشعبية تتناولها يد الأجيال في شكل كلمة منطوقة، كانت خلال ذلك تكتسب نوعا من التنسيق تخرج منها الكلمة الدخيلة، تماما كما تنحت من المنشور الزجاجي الزوائد من أجزائه لكي يصبح صالحا لأن يعكس أشعة الضوء الواضحة كاملة. ومع زيادة التقدير للأصناف الأدبية ظهرت القصص التهذيبية والأخلاقية، وهي نوع من القصة كان يُروى بقصد التأثير على الجماعة. وكان في الأصل أناشيد مدح للشجاعة، والحفاظ على الشرف، والولاء للقبيلة، ثم تطور إلى قصص يهدف لأغراض أعمق، فصار يُحكى ليغرس في نفوس الأطفال والشباب مستويات من احترام الكبير وحماية المرأة والصغير، والتضحية من أجل الرئيس، ويبين الفوائد العملية للعبادات والعفة الذاتية، والمعاملة الحسنة.

وقد يختلف قصص الكبار عن قصص الصغار في تلك الأمور التي لا مفر من أن تختلف فيها العقليتان والإدراكان، وتلك هي قضايا الذوق وطرائق التكنيك، ولكن الذي لا خلاف فيه هو أن المادة الأدبية لقصص الأطفال الفلكلورية والتقليدية، والتي ظلت تُحكى لأطفال شعب من الشعوب على ممر الأجيال من ألوف السنين، فتستحوذ على عواطفهم وخيالاتهم، لم تكن منفصلة عن قصص الكبار، ولم تنشأ منعزلة عن التيار العام للخيال والصور أو التفكير عند هذا الشعب، بل كانت قصص الأطفال تعبيرات أدبية خالصة صنعها الكبار، وكانت نتاجا للدوافع التي تزرع العبقرية الشعبية، فصورتها بخيالاتها، وأخرجتْها قصصا خالدة.

والظاهرة الجديرة بالتسجيل هي أن أدب الأطفال على الرغم من أنه قديم قدم أدب الكبار إلا أنه لم يحظ بالتدوين أو الدراسة أو الاهتمام كما حظي أدب الكبار. ولعل السبب في إهماله وعدم تسجيله أنه لم يكن يتعدى حدود جدران المنازل، حيث تحكيه الأمهات أو الجواري أو مربيات الأطفال. فلم يدون أدب الطفل حتى مطلع القرن 18 (الحديدي.1988 : 14/24) ليهتم العصر الحديث بأدب الأطفال، من ناحية التعليم والتربية أكثر من الترفيه والتسلية، مع بداية آراء « جان جاك روسو »Jean Jacques Rousseau))، في تعليم الأطفال وإرشادهم وشغلهم بالنافع المفيد في حياتهم. لكن لا مانع من إضافة الخيال أحيانا للتسلية؛ لأنه حسب «جون لوك» (John Locke) لا يجب أن تفرض القراءة على الطفل فرضا، فتصبح واجبا ثقيلا...

وتوالت كتابات أشهر الكتاب في فرنسا، وبريطانيا، والدنمارك، لترسم قصصا وأناشيد، تسعد الأطفال، وتناسب عالمهم، أمثال : هانز أندرسون (H) وألكسندر بوشكين(B)، تولستوي (T)، ومكسيم جوركي (G) وغيرهم. أما بأمريكا فقد وصل أدب الطفل إلى المكانة التي لم يصلها في بلد آخر، فتنوعت أشكال التعبير ووسائله من كتب ومجلات وصحف وأفلام ومكتبات عامة ونوادي خاصة وفي النصف الثاني من القرن العشرين انطلق أدب الأطفال إلى عصره الذهبي في جميع أنحاء العالم. وقد ساعد على ازدهاره رغبة الكبار في أن يبدأ العالم من جديد بعد حربين عالميتين. وبدأ من جديد رصيد الأطفال، فاتجه إليهم الكتاب والفنانون بحماس. ومن ناحية أخرى كان لابد للأدباء من أن يقدموا للأطفال فهما أحسن للعالم الذي لم يستطع الكبار أن يحافظوا على السلام فيه. وهناك عوامل أخرى كثيرة لا تقل أهمية أسهمت في ازدهار أدب الطفل، ومن ذلك حاجة الأديب أو الفنان للخلق والإبداع، وتلك ظاهرة هذا العصر، والتكنيك الحديث في صناعة الكتاب وخاصة في الطباعة والصور، وانتشار المكتبات العامة ومكتبات المدارس، وكثرة من إنشاء نواد للأطفال بمكتباتها وأنشطتها المختلفة. كل ذلك وغيره جعل الأطفال يعيشون العصر الذهبي لأدبهم جنبا إلى جنب مع أدب الكبار. (الحديدي. 1988: 38/58)

2.1. أدب الطفل كظاهرة حديثة

يمكن القول بأن العصور القديمة اتصفت بإهمال الطفولة، أو باللامبالاة إزاءهم، أو حتى استغلالهم. لكن هذا لا ينفي أن أدب الطفل وجد مع الطفولة، متناسباً والحقبة الزمنية التي ظهر بها، أو طبيعة العائلة، أو الدين... ففي الظروف الصعبة كان مجرد حكايات شعبية يتداولها الأولياء للترفيه عن أبنائهم أو لتعليمهم، لكن مع تطور الحياة الاجتماعية والعلمية والتربوية -كما سبقت الإشارة إليه- توضحت صورة أدب الطفل في المنظومة التربوية بالمدارس، أو التوجيهات الأسرية في التربية الحديثة، أو في التسويق للأعمال الأدبية في المؤسسات الثقافية...

ثم إن أدب الأطفال ليس فئة نموذجية يصل إليها عصر دون آخر. إنه بدلا من ذلك نوع من النظام تتحدد قيمته الاجتماعية والفنية من خلال علاقات تقوم بين من يصنعه ويسوقه ويقرؤه. ما من عمل واحد في أدب الأطفال يتصف بالكمال، على أن هناك أعمالا بلغت مكانة متميزة من خلال مشاركتها في نظام من القيم الأدبية. فلا تتمثل المشكلة في سبب كون «أليس في بلاد العجائب» -على سبيل المثال- أفضل نوعا من كتب «السيدة موليسورث Mrs Molesworth » أو لماذا لم تصل الأعمال العديدة التي قلدت « روبنسون كروزو » لـ « ديفو »، إلى مرتبة نموذجها الشهير؟

إنما المشكلة هي كيف تُجري الفترات المتتالية تعريف أدب الكبار والصغار، وكيف تستقر بعض الأعمال ويحتل بعض المؤلفين مكانا في المنازل، والمدارس، والمجموعات الشخصية، والمكتبات في عصر ما. فأدب الأطفال لا ينبني فقط على الاهتمامات الثقافية والنظرية الراهنة، بل يتكلم أيضا عن التجارة.

لقد كانت هناك تجارة في كتب الأطفال حتى قبل أن ينشئ نيوبري (N) مكتبته في أواسط القرن الثامن عشر، وكان الخطاطون والطابعون والناشرون يدرجون كتب الأطفال في سجلاتهم (ومما يجدر ذكره أن خرافات إيسوب Esope)) كانت من أوائل المجلدات التي كان يطبعها كل طابع تقريبا في جميع أنحاء أوروبا). وقد بنى نيوبري (John Newbery) قائمة كتب الأطفال عنده على نظريات جون لوك John Locke)) التربوية. وحافظت تجارة كتب الأطفال في بريطانيا وأمريكا على الأسس نفسها خلال عقود. وفي فرنسا عدت مدينة « روان » مركزا لكتب الأطفال في القرن الثامن عشر. وفي أمريكا أنشأت المكتبات العامة وأعلن عن تخصيص جوائز لأدب الأطفال. ولما أصبح كُتاب الأطفال محكمين في الذوق والثقافة، أصبح أدب الأطفال تجارة عامة. إن كتب الأطفال تمثل الآن أكثر مجالات الطباعة ربحا، ووسائل الاعلام التقليدية والحديثة تجعل من القراء الصغار السوق الأول للكتابة التخيلية (ليرر.2010 :15).

بل إن الكتاب والمبدعين حولوا النص الأدبي إلى نص إبداعي سواء في السينما أو المسرح، مستغلين في ذلك نماذج الأسطورة والخرافة، نظرا لما يلاقيه هذا النوع من الحكايات من رواج. فالقصص والأفلام الواقعية أخذت كفايتها من تذوق الجمهور، مما خلق شغفا لدى المشاهدين وقراء الأدب للعودة إلى الأسطورة، برموزها الخيالية وأبطالها الخارقين. فحطمت هذه الأفلام والمسلسلات أرقاما قياسية في شبابيك التذاكر.

ولعل ذلك راجع إلى أن البرامج التعليمية أنهكت الأطفال، سواء في المدرسة أو البيت مما جعلهم يُقبلون بشغف على القصص الأسطورية والحكايات الشعبية والمتعة التخيلية (بالرغم من أن هذا الشغف مشترك بين الكبار والصغار في الوقت الحالي) مما جعل شركات الإنتاج تقبل بنهم على هذه المادة بل والعودة إلى القصص العالمية بحلة جديدة مثل: شريك، لوانا، الفايكينغ...

فالأسطورة تقدم حكاية إله، أو شبه إله، أو كائن خارق، تفسر بمنطق الإنسان البدائي ظواهر الحياة والطبيعة والكون، والنظام الاجتماعي وأولويات المعرفة. وهي تنزع إلى التشخيص والتمثيل والتحليل، وتستوعب الكلمة والحركة والإشارة والإيقاع، وقد تستوعب تشكيل المادة. وهي عند الإنسان المادي عقيدة لها طقوسها. كما أنها موجودة في كل فلكلور بدائي لعرق أو أمة، وتشرح أصل الحياة والاعتقادات الدينية والقوى الطبيعية. وتتصف الأسطورة الحقيقية بأنها « لا تكون بلا معنى، أو سخيفة، أو قذرة »، لأنها تؤدي دوراً مهماً نفسيا واجتماعيا، وتقدم رؤية مشتركة للقبيلة أو العرق أو الأمة، وتقترح إجابات موحدة عن التساؤلات التي تدور في أذهانهم، مما يُوجِد رؤية موحدة للكون والحياة.

أما الخرافة فهي « حكاية بطولية ملأى بالمبالغات والخوارق، إلا أن أبطالها الرئيسيين هم من البشر أو الجن، ولا دور للآلهة فيها ». فالفرق بين الأسطورة والخرافة -حسب هذا الرأي- هو في طبيعة الأبطال، وما إذا كانوا آلهة أو جنا أو بشرا.. كما أن الفرق الرئيسي بين الأسطورة والخرافة هو أن الخرافة قد تقترن بطقس، ولكنها تنافي المعتقد الذي يُعد الدستورَ الأساس للدين. فلا يعني إيمان الجماعة بالخرافة أنها تحولت إلى أسطورة، لأن المعيار الأهم هو عدم مخالفة المعتقد.

وأما الحكاية الشعبية، فهي كالخرافة في كونها : لا تحمل طابع القداسة، ولا يلعب الآلهة أدوارها كما أنها لا تتطرق -كما هو شأن الأسطورة- إلى موضوعات الحياة الكبرى، وقضايا الإنسان المصيرية، بل تقف عند حدود الحياة اليومية والأمور الدنيوية العادية. ولا فرق بين الخرافة والحكاية الشعبية إلا في الموضوع، وما يتضمنه من عناصر واقعية ذات صلة بالحياة، ويفرق بين الحكاية الشعبية والأسطورة في كون الحكاية الشعبية تهتم بمصير الأفراد، فيما تهتم الأسطورة بمصير الجماعة المحلية، مصير البشرية، ومصير العالم قاطبة«. (السيف.2009 : 25/27)

إن تجارة السينما أعادت هذه المفاهيم إلى الظهور بقوة، جنبا إلى جنب مع ذلك الكم الهائل من الكتب والكراريس التعليمية والتثقيفية، التي تملأ رفوف المكتبات. ولهذا فإن أدب الطفل لا بد أن يُعنى بالعديد من أدواره في حياته اليومية، وبشكل خاص الطفل العربي والأفريقي.

2. أدب الطفل في تنمية

1.2. دور أدب الطفل في تنمية خياله الإبداعي

درس علم الاجتماع عملية الإبداع، فنقلها من الاهتمام بالشخص وقدراته -كما أكده علم النفس- إلى الاهتمام بالعنصر والمنتج الابداعي، وتصور العلاقة بين العناصر الابداعية والظروف الاجتماعية أو بنْية المجتمع الاجتماعية. وربما كان في إضافة مفهوم فرص الإبداع إلى التصور الاجتماعي للإبداع ما قد يسمح باستيعاب عملية التحول من القدرات الابداعية إلى منتجات إبداعية فعلية، ويوجه النظر نحو مجموعة العوامل الاجتماعية التي يُحتمل معها تعاظمُ أو تضاؤل فرص الابداع في المجتمع. وإذا جاز لنا أن نعتبر القدرات الشخصية -بما في ذلك الطلاقة والمرونة والأصالة وغيرها- بمثابة بذرة الابداع، وكانت هذه البذرة تحتاج إلى التربة الخصبة لكي تنبت، وإلى المناخ الملائم لكي تنمو ويستقيم ساقها، وتؤتي ثمارها في صورة منتَج أو عنصر ابداعي، فإنه يمكن النظر إلى جهود الأسرة في عمليات التنشئة الاجتماعية؛ باعتبارها التربة الخصبة، وإلى دور المؤسسات التعليمية والاعلامية على أنها صاحبة الفضل في تشكيل المناخ الملائم لنمو الابداع ورعايته، وإلى نظم الدعم وتقدير الابداع، كقوى تساعد على جني ثماره. غير أن مفهوم فرص الابداع يكتسب معناه الواضح، عند ربطه بمفهوم آخر هو سياق الابداع.

ويتسع مفهوم سياق الابداع ليضم المنتجات الابداعية في مختلف المجالات، والآخرين الذين يتلقون هذه المنتجات. وقد يظهر التفاوت في فرص الابداع، إذا علمنا أن مجتمعاً ما، أو فترة تاريخية فيه، تشهد إبداعات علمية كبيرة، قد تشهد أيضا ابداعات في شتى المجالات الأخرى والعكس صحيح. وكلما ظهرت أعمال إبداعية في هذه المجالات، كلما كانت فرصة ظهور ما أنتجه الشخص المبدع أكبر، والعكس صحيح. أما متلقو الابداع أو الجماعة التي تتبنى منتجه وتتداوله، فإنهم قد يتباينون معرفيا وإدراكيا وذوقيا، ليظهر بينهم المستهلِك، والمتذوق، والناقد الواعي.

وإذا افترضنا أن لكل سياق آلياته، فإن هذه الآليات الاجتماعية التي تترك أثرها على فرص الإبداع إما بالزيادة أو النقصان، يمكننا إجمالها في : الحاجة أو طلب المجتمع للإبداع، وعمليات الدعم الاجتماعي ورعاية الإبداع وتقديره، وفي الحرية وعلاقتها بفرص الإبداع. (جلبي.2005 :34/39)

كما أنه يتحتم على الأديب الذي يكتب للأطفال أن يكون واسع الخبرة، متفطنا إلى معارف الطفل واهتماماته، وميولاته، وأحلامه، وذلك حتى يستطيع الوصول إلى أعماق مشاجرة، فيلقى منه تجاوبا وإقبالا على ما يقدمه له من زاد ثقافي وعاطفي وأخلاقي وتاريخي بصورة عامة. بل إن أديب الأطفال لا يبلغ ذروة نجاحه ووصوله إلى قلوبهم إلا إذا استطاع أن يحقق لهم السعادة بل والدهشة أو العجب أحيانا، لأن الطفل مطبوع على الصفاء يخلو قلبه من الغش والمداهنة فهو إن أحب أخلص في حبه، وإن كره فقد ينسى ذلك يوما. وإذا أقبل على القراءة تلقائيا، فمعنى ذلك أن هذا الكتاب صادف من نفسه هوى، وإذا أعرض، فإنه قد يكون اشتم منه تعقيدا أو هزالا أو سخفا. وقد مررنا في طفولتنا بهذه التجارب كلها تقريبا.

ويضع الدكتور  »نجيب الكيلاني«  بعض المقاييس لكتاب الأطفال نذكر منها :

  • مراعاة مختلف مراحل عمر الطفل.

  • محاولة إيجاد قاموس للأطفال يناسب كل مرحلة من تلك المراحل.

  • تحديد تعريف ومفهوم أدب الأطفال، وتحديد ألوانه من قصة وشعر وتمثيليات.

  • إصدار مجلات وصحف خاصة بالأطفال.

كما تعتقد الكاتبة  »فيرجينيا هافيلاند«  (Virginia Haviland) أن أهم الشروط الواجب مراعاتها في الكتابة للأطفال هي الثلاثة التالية :

  • القدرة على التحليل والاحساس المرهف بالعدل والشفقة، والحصيلة الغنية من المفردات اللغوية.

  • عدم التفرغ للكتابة للأطفال فحسب، بل يجب على الأديب المختص في هذا الميدان أن يمارس أعمالا أخرى لتزداد خبراته.

  • الكتابة لهم عن حب دون نظر لأية اعتبارات أخرى.

ولقد اهتم الفلاسفة والمربون منذ أقدم العصور بأدب الطفل وخصوصا القصة، التي يجب تقديمها إلى الطفل بقصد تربيته وتهذيبه، نظرا لأن القصة هي الوعاء المناسب الذي يمكن من خلاله تقديم الأفكار التي يرغب في إيصالها للأطفال، والقيم التي يراد غرسها في نفوسهم ليربوا تربية صحيحة وسليمة.

وفي العصر الحديث عُني علماء التربية وعلم نفس الطفل على حد سواء، بهذا الأدب التربوي والممتع للطفل في آن واحد. وأنجزوا دراسات مستفيضة لأنواع قصص الأطفال، من حيث شكلها الفني، ومضمونها التربوي والفكري، وذلك بغية التوصل إلى أي القصص أكثر ملاءمة للطفل وتلبية لحاجاته المختلفة في أطوار نموه المتعاقبة، ولاسيما من النواحي العقلية والوجدانية. وأسفرت الدراسات عن أن لكل نوع من قصص الأطفال سماته الخاصة، التي يجب أن تتلاءم مع طبيعة مرحلة عمر الطفل الذي تُقدم له، لتؤدي وظيفتها التثقيفية والتربوية على الوجه الأكمل. وترتبط الأعمال الأدبية الموجهة للأطفال بمجموعة من الحاجات الخاصة بهم، تتمثل في :

  • الحاجة إلى المعرفة

  • الحاجة إلى اكتساب عادات ومهارات الحياة اليومية

  • الحاجة إلى اكتساب قيم المجتمع الخلقية والدينية

  • الحاجة إلى الانجاز، وتقدير قيمة العمل

  • الحاجة إلى التنفيس عن النزعات المكبوتة

  • الحاجة إلى الترفيه واللعب. (حلاوة. 2003 : 23)

ويمكن أن نلبي هذه الحاجات بمختلف الأشكال الأدبية الموجهة للطفل كشعر وأناشيد الأطفال وكذلك القصص بمختلف أنواعها؛ قصص ألعاب الأصابع، القصص الفكاهية، القصص الخيالية من أساطير وخرافات وخوارق، القصص التاريخية، القصص العلمية، القصص الدينية، قصص الحيوان، القصص والحكايات الشعبية. لكن مع مراعاة أن الكتابة للصغار أصعب من الكتابة للكبار، خصوصا الأطفال الأقل من عشر سنوات، والذين لم يبلغوا سن التمدرس. فبالنسبة للشعر مثلا فنحن لا نبالغ إن قلنا إن نظم قصائد الصغار أصعب بكثير من نظم قصائد الكبار. إذ على شاعر الأطفال أن يضع في حسابه كثيرا من التقنيات، ويرصد إزاء ذهنه كثيرا من الحقائق التي لا تقبل الجدل، ومن هذه الحقائق والتقنيات، مراعاة المستوى العمري والفكري واللغوي والنفسي وغير ذلك. إذ إن ما يكتب لطفل في الرابعة من عمره يختلف عما يكتب لآخر في الحادية عشرة مثلا. فانشغالات الطفلين وأهدافهما متباينة، وطموحاتهما متفاوتة، لذلك يوصي المربون بعدم الغفلة عن هذه الجوانب حتى يكون لشعرنا أثره في النفوس.

وطبعا يعود ذلك إلى مجموعة السمات النفسية التي تميز طفل ما قبل المدرسة في قدرته على تقبل العمل المقدم إليه وخصوصا القصة، وكذلك في قدرته على استيعابها والاستفادة منها والتي تتلخص فيما يأتي :

  • السمة التركيبية لتفكير الطفل : فالطفل عادة يربط بين أشياء وأحداث لا توجد بينها علاقة منطقية في دنيا الواقع، ولكنه يربط بينها لتلازُم ظهورها أمامه، أو لإثارتها مشاعر متشابهة في نفسه، تختلط عليه؛ فلا يفرق بينها، ولا يميزها عن بعضها البعض.

  • الواقعية عند الطفل : فإن كان البالغون يرون في الواقعية معنى الموضوعية، فإن واقعية الأطفال تختلف كثيرا عن واقعية الراشدين. فالتمركز حول الذات لدى الطفل يمنعه من التمييز بين ذاته ومختلِف الموضوعات، أي أنه يخلط بين شخصيته وذاته، وبين الأشياء الأخرى، كما أنه يميل إلى تجسيد أفكاره الداخلية وإسقاطها على كل ما يحيط به في الخارج. وهكذا، فإن أحلام الطفل لا تختلف عن حقائق العالم الخارجي.

  • الصفة الإحيائية لدى الطفل : إن كثيرا من الأشياء التي يراها الكبار جامدة، يراها الطفل ذاتا حية. فالطفل في السنوات الأولى من عمره يضفي على الأشياء والكائنات والأشخاص من حوله الحياة، كما يضفي عليها نفس المشاعر والأحاسيس التي يحس بها، بل وسماته الشخصية، فهو عادة يضرب الكرسي الذي تعثر فيه كما لو كان يعاتبه لأنه أراد إيذاءه.

  • الطفل أسير وجداناته : تتحكم وجدانات الطفل في تفكيره وفي تصرفاته كما تؤثر على فهمه لما حوله في هذه الفترة من العمر. فالطفل يدرك الأشياء ويصنفها تبعا لمبدأ السعادة التي تثيرها أو مبدأ الآلام التي تسببها له.

  • خيال الطفل خصب : حيث إن الصفة الاحيائية التي تحدثنا عنها مسبقا تجعله واسع المخيلة، خصب الخيال، لا يرى ما نراه نحن الكبار؛ فالسحاب في السماء، ليس إلا مجموعة لعب وسكاكر، ونقطة الحبر على الورق، مجموعة من الفراشات والطيور !

  • اصطناعية المادة : عندما يبلغ الطفل الثالثة أو الرابعة يتصادم الواقع بخياله ويتحول عن فكرته في إحيائية المادة إلى فكرته عن اصطناعيتها، وتستمر هذه الفكرة مسيطرة عليه حتى سن السابعة أو الثامنة. ونعني باصطناعية المادة اعتقاد الطفل بأن كل شيء في هذا العالم إنما هو من صنع صانع، فهناك من وجهة نظره صانع للنجوم وصانع للقمر ! وهذه محاولة جديدة من الطفل يتكيف بها مع الطبيعة ومع دنيا الواقع الذي يعيشه، ويعيش أحداثه. (حلاوة. 2003 : 32/36)

ونظرا لقدرات الطفل الهائلة على التخيل فإن الذي يكتب له، لا بد أن يتمتع بدوره بهذه القدرة. وقد انتهى علماء علم النفس الى نتيجة مهمة مفادها  »أن الخيال هو في جوهره سجل لقدرة الانسان الابداعية التي تطورت عبر التاريخ، كما أنه حجر الزاوية في النشاط الانساني، وهو الذي مكن الانسان من غزو العالم واستكشافه وفهمه، ومحاولة السيطرة عليه« . وللخيال أنواع عديدة؛ الخيال الفلسفي، والخيال العلمي، والخيال الأدبي والفني، وخيال الرياضة، والخيال الاقتصادي والتاريخي والجغرافي والسياسي. (أنظر : شاكر، 2009)

كما أن الخيال ليس نقيضا للواقع. بل إن الواقع أساس الخيال؛ ذلك لأن مدركات الانسان وخبراته الحسية هي أصل الصورة الذهنية، ومن ثم فهي أصل لخياله، وبناءً على ذلك فإن نتاج الخيال ليس خلقا جديدا لشيء لم يكن موجودا، بل هو خلق جديد لعناصر قائمة أو صياغة جديدة لخبرات واقعية، فالخيال ليس اختلافا واختراعا، وإنما هو قوة تمكن الأديب والشاعر من رؤية الواقع بشكل جديد أوضح وأدق وأنقى مما عليه الواقع الموضوعي نفسه، ذلك أن هذه القوة قد تكشف لصاحبها عن نواح من الشبه بين أشياء تبدو في ظاهرها العياني مختلفة، وعن نواحي من الاختلاف بين أشياء تبدو متشابهة، فيزيد الواقع التئاما أمام بصيرة الفنان. (رشوان، 2005، 28/29)

صحيح أن الابداع يتطلب الموهبة شرطاً أساسياً لتقديم عمل فني أو أدبي جيد، لكن هذه الجودة لا تتحقق إذا لم يعزز الأديب موهبته بمهارات يكتسبها، ويعمل على تطويرها باستمرار. ومن المهارات التي عليه تنميتها، مهارة استلهام المؤشرات التي تحفز مخيلته على الخلق والابداع المتجدد حسب مقتضيات العصر المتسارعة في أيامنا هذه. من بينها :

  • الشخصيات : الشخصيات التاريخية والدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية البارزة في التاريخ مكانها وزمانها، كما يستوحي الملامح والملابس، والمناظر والألوان والصفات البارزة في التاريخ ولا يتأتى ذلك إلا بدراسة ثقافة المجتمع، وتاريخه، دراسة واعية.

  • الطبيعة : أن يعود الى البيئة بكل مكوناتها من نباتات، وغابات ومزروعات، ومباني وأماكن وآثار وغيرها.

  • القيم والأخلاق : مراعاة قيم المجتمع الدينية والروحية، وأثرها فيه، وتطويع إبداعه للتعبير عنها وفهمه لها وأثره فيها. فالشاعر أو الشاعرة عند قراءة سيرة النبي المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإن قيمه وأخلاقه تثلج صدره وتدفع الأشعار في مدحه ووصفه، في كل مرة يفعل ذلك.

  • الطقوس والآداب والخرافة : ويتجلى ذلك في العودة الى الابداع الشعبي في مجال آدابه وشخصياته البطولية والممارسات التي يمارسونها ونظرة المجتمع إليها وأثرها في نفوسهم. (عيلان. 2000 : 223/226)

  • الأحداث المهمة : كأحداث الثورة التحريرية وما بعدها، والتغيرات التي تطرأ في المجتمع، ودرجة تقبله لها.

  • الفرضيات العلمية : فالفنان والأديب المثقف، يوسع مجال مطالعاته في تخصصات أخرى حتى يستوحي منها بعض أفكاره. ونجد الغربيين استفادوا كثيرا من هذه النقطة؛ فكتاباتهم في مجال الخيال العلمي والتنبؤ بالمستقبل، تتميز وتتطور يوما بعد يوم.

وأبناؤنا في العالم العربي وأفريقيا، يتمتعون أيضا بنفس القدرات والتطلعات. وبفضل العالم الافتراضي لم يعد ما يحصل عليه الطفل الغربي بعيدا عن أنظار أبنائنا. لهذا فكل ما على الكاتب هو أن يعمل خياله في إلباس الشخصيات والأحداث شكلا عربيا أو إفريقيا يناسب بيئة الطفل، لكن مع لمسة تجديد وإثارة، تبث الحماس بنفس الطريقة التي يشعر بها عندما يشاهد أو يقرأ المنتج الغربي. فمثلا قصة  »علاء الدين والمصباح السحري« ، لم تفقد بريقها لحد الآن بل إن المخرجين يعيدون إنتاجها كل مرة بشكل أفضل، لكن دون تغيير كلي للحلة، احتراما للتراث الذي قدمت منه هذه القصة. ويمكن حسب التفكير المتفتح حاليا على التكنولوجيا، أن تُعاد كتابة علاء الدين مثلا بإحياء قصة  »العثور على المصباح السحري في القرن الحادي والعشرين. فالخيال متجدد، لكن مع احترام الفكرة الأصلية للقصة خصوصا أنها تنتمي إلى تراث معين. تماما مثلما حدث في كثير من القصص العالمية.

2.2. دور أدب الطفل في تنمية قدراته الاجتماعية

تعد الكتابة نسيجا واحدا، يرتبط حضورها بحضور القضية أو الهم، سواء كان على الصعيد الشخصي الذي غالبا ما تعبر عنه القصيدة، أم على الصعيد العام الذي تعبر عنه أشكال الكتابة الأخرى كالقصة، الرواية، المسرحية. وبما أن الأديب مهما حلق خياله في فضاءات شاسعة، فلابد ولو من شرارة صغيرة تلهمه ويكون مصدرها الواقع، أو بالأحرى المجتمع. فلقد صار باحثوا الأدب وطلابه لا يجادلون في الفكرة التي تنص على أن الأدب بوصفه إبداعا فنيا، وممارسة إنسانية، لا ينهض على أفكار وقضايا جمالية فحسب. بل يقوم أيضا على أفكار وقضايا، ويستخدم وسائل ذات صلة بالسياقات التاريخية والاجتماعية التي يظهر فيها.

فكما أن علم الاجتماع هو في جوهره الدراسة العلمية للإنسان في المجتمع، أي دراسة النظم، والعمليات والعلاقات، وطرق التكيف مع ظروف مجتمعية معينة، وكذا الأساليب التي يواجه بها المشكلات الاجتماعية، وكيفية اعتراف الأفراد والجماعات بالسلطة السياسية القائمة، وعوامل نجاح النظم الاجتماعية وفشلها في تنظيم أشكال الصراع والتوافق بين الجماعات والطبقات الاجتماعية. بالإضافة الى وصف آليات عمليات التنشئة الاجتماعية والتعلم الثقافي، وعلاقتهما بالقيم السائدة بالمجتمع...وهذا باتباع منهج صارم، ودقة في المفاهيم وأدوات البحث وأساليب الوصف والتحليل. فإنه وعلى ذات المستوى يهتم الأدب بالواقع الاجتماعي أيضا. ويصور محاولات الإنسان الدائمة للتكيف مع محيطه الفيزيقي، ورغبته في التغيير، وضروب الفشل والنجاح التي يلاقيها، والسعادة والتعاسة اللتين يشعر بهما، والهموم والهواجس التي تلم به، والآمال والأحلام والطموحات التي يصوغها لنفسه (سعادة. 2009 : 60/61).

والشيء نفسه بالنسبة لأدب الأطفال، وخصوصا القصص. فإن أهميتها تكمن في أنها تبدأ من الواقع الذي يعيشه الطفل وتقترب به تدريجيا من عالم الكبار، أي أنها لا تنطلق من واقع غريب كلية. وإنما تستند إلى أرضية يقف عليها الطفل، لينطلق منها إلى عالم أكثر غنى واتساعا. فالقصة التي تستحق الخلود وتجذب الطفل ليعيش أحداثها، قد تكون قصة واقعية أو خيالية، وقد تكون قصة جادة أو مرحة. وذلك لأنها تقابل كثيرا منهم عند نقطة معينة من خبراتهم، ثم تأخذهم من هذه النقطة وتعطيهم شعورا واضحا بالعلاقة بين هذه الخبرة وخبرات الإنسانية كلها. وقد برزت القصة الطفلية بقيمتها التربوية الكبرى المتمثلة في قدرتها على نقل الأفكار والقيم إلى الطفل بأسلوب ممتع وجذاب، الأمر الذي يجعلها تسهم إلى حد بعيد في تكوين اتجاهاته الخلقية، والاجتماعية، والإنسانية، إلى جانب الروافد التربوية الأخرى. (حلاوة. 2003 :23)

إن أهم المفاهيم التي يجب أن تُعلم للطفل، من خلال الأدب الموجه إليه هي مفهوم المسؤولية الاجتماعية، بدءًا من الأسرة باعتبارها اللبنة الأولى في كيان المجتمع، بتربية الأبناء على الشعور بالمسؤولية والقدرة على تحملها، وهي تبدأ بتدريب أطفالها على المبادرة على تحمل مسؤوليتهم تجاه أنفسهم بأنفسهم. تبدأ في ذلك بالأمور الصغيرة الهينة المحدودة، إلى أن تمضي إلى ما هو أكبر وأعقد وأصعب... ثم تكمل المدرسة دور الأسرة من حيث التشجيع على التعاون، وإيجاد الفرص الملائمة للتفاعل الاجتماعي، واختبار الأدوار الاجتماعية، وتكوين الصداقات. كما تسهم المدرسة بدور حيوي في إكساب الأطفال المعلومات عن مجتمعهم وقيمه وثقافته، الأمر الذي يعدهم لفهم هذا المجتمع، والتعرف على مشاكله، والمشاركة في وضع واقتراح الحلول. (كرمة. ده مير. 2014 : 103/105)

وسواء أكانت الأسرة أم المدرسة، فإن استخدام أدب الطفل في توصيل المعلومات أو الأخلاقيات، يكون أفيد وبطريقة يستسيغها الطفل. بل إن الأولياء الآن في تحد كبير؛ يتمثل في قدرة الولوج إلى عقل الطفل وإقناعه بطريقة ملائمة ومنطقية أيضا، لأنه في مقابل كل الصور والأصوات والمعلومات التي تمر أمامه يوميا وبكثافة، من خلال التلفزيون أو وسائل التواصل الالكترونية، فإن عملية التربية تكتسب جدية واهتماما أكبر من الأولياء.

ويكاد طفل اليوم يتخلى عن اللعب بالتراب والشغف بالمياه، وحب الطبيعة بأشجارها وأزهارها، مقابل العكوف أمام شاشات الكمبيوتر والألواح الالكترونية والهواتف الذكية، ولم يعد لديه فضول كبير للتعارف المباشر مع باقي الأولاد. ومن جهة ثانية، فالأولياء مهوسون بعدم تعرض أبنائهم للخطر الجسدي أو الصحي أو التعليمي، متناسين التكوين النفسي والاجتماعي، فهو قد يتقدم أشواطا كثيرة في لعبة الكترونية ويشعر بالعزة والفخر لقيامه بهذا الأمر، لكنه قد يفشل بشكل ذريع في كسر خجل التحدث أمام الآخرين، أو التصرف بتلقائية مع زملائه أو أقاربه. وبالتالي عندما يكبر قد لا ينجح فيما يسمى بالعمل الجماعي، أو فريق العمل في مهنته.

فمن خلال القصص والأناشيد أو المسرحيات التي تبين قيمة الصداقة، وحب الأولياء وعطف الجدة، تحثه على التقرب من الآخرين، وبالتالي تكسبه تفاعلا اجتماعيا يغذي خبراته الذاتية، ويعزز ثقته في نفسه، وفي المجتمع الذي ينتمي إليه أيضا، بالإضافة إلى أساليب تربوية ممتعة تحبب إليه التعلم والدراسة أفضل من التلقين المباشر، فمثلا نجح الدكتور « محسن القاضي » من اليمن، في ابتكار قصة متكاملة الأركان، بحبكة عالية مستخدما ترتيب سور القرآن لتسهيل حفظ أسماء السور، أعرض مقتطفا منها : « إن رجلا قرأ (الفاتحة) قد ذبح (البقرة)، وليقتدي ب (آل عمران) تزوج خير (النساء)، وبينما هو مع أهله في (المائدة) ضحى ببعض (الأنعام) مراعيا بعض (الأعراف). وأوكل أمر (الأنفال) إلى الله ورسوله معلنا (التوبة) إلى الله أسوة ب (يونس) و(هود) و(يوسف) ـ عليهم السلام ـ ومع صوت (الرعد)..... » قد تكون هذه القصة موجهة لطلبة تعلم القرآن، لكنها مفيدة لأي طفل يريد تعلم أسماء سور القرآن الكريم.

ومن ذلك أيضا مؤلف للأستاذ « ناصر موزاوي » من الجزائر باللغة الفرنسية (حكايات إفريقية contes africains)، جمع فيه عددا من القصص المستوحاة من التراث الأفريقي، حيث إن كل قصة من بلد، وبالرغم من أنها حكايات شعبية، فإنها تحمل حكما كثيرة، وبأسلوب مشوق، تناسب كل الأعمار تقريبا. فالقصة، والأنشودة، والمسرحية والرسومات، تكمن أهميتها جميعها في تقديم معلومة مفيدة، أو تصحيح سلوك معين، أو إضافة معنى روحاني وديني أو فكري، إلى هذه الصفحة البيضاء ألا وهي الطفل، لنرسم رجل أو امرأة الغد الناضجين سلوكيا وفكريا وعاطفيا. وبهذا يسهم أدب الطفل بقوة في اندماج الطفل اجتماعيا.

3.2. دور أدب الطفل في تنمية حس المواطنة لديه

يمضي الزمن ويصبح الطفل مواطنا له مكانته في المجتمع، فهو قوي الجسم يستطيع أن يعمل الأشياء بيديه، ويستطيع أن يدافع عن وطنه في ميدان القتال، ويصبح ناضج الفكر، فهو يعرف قدرا من المعلومات المتصلة بالحياة والمستمدة من العلوم المعروفة، وهو يستطيع أن يفكر في مشكلاته ومشكلات الجماعة ويشارك في حلها، ويصبح وقد تكونت أخلاقه، فهو يستطيع أن يميز بين الفضائل والرذائل، وأن يبصر الحدود الفاصلة بين القبيح والجميل، وبين الخير والشر، وبين الحق والباطل. ويصبح نتيجة هذا التغير مواطنا يؤدي دوره في الجماعة، فهو صاحب حرفة أو مهنة ينتج عن طريقها لنفسه وللجماعة، وهو مواطن له حقوق وعليه واجبات سياسية، فهو يشترك في عملية الانتخاب وينضم للجيش دفاعا عن وطنه، ويحصل على حماية الدولة لمصالحه، وتعهدها لمطالبه من العلاج والأمن والحماية. وهو يكون أسرة يعولها ويشترك عن طريقها في بناء الأمة.

والفرق بين الفرد في الحالتين -وهو طفل عاجز، وهو مواطن راشد- اكتسبه في أثناء حياته وهو في الجماعة من النضج الذي أكسبه القوة المادية في جسمه والقوة الفكرية في عقله، والقوة المعنوية في عواطفه وأخلاقه. فهو في سياق حياته قد تعلم أشياء كثيرة، وتكونت لديه عادات، واكتسب كثيرا من المهارات، وتعلم كيف يميز بين الأشياء والأفكار. ثم هو كون لنفسه عددا من المثل العليا التي توجه تصرفاته في الحياة، وبنى قدرا من الإرادة يجعله يناضل في حياته العملية فينتج. وهذه العملية التي اتفقت له فأكسبته كل هذه المزايا التي ارتفعت به من طفل ضعيف لا يقدر على شيء إلى مواطن ذي مكان مرموق في المجتمع هي ما نطلق عليه اسم « التربية ».

فهذا الطفل يتعهده أبواه في التربية بالبيت منذ أن يولد فإذا شب أسلماه إلى المدرسة فتواصل تعليمه، وهو بين البيت والمدرسة يصادف الناس في الحياة اليومية. يسمعهم يتحدثون في الأسواق وعربات الميترو، ويراهم يعملون، ويلاحظهم يتعاملون، وتنطبع كل هذه الخبرات في نفسه فيكتسبها ويكبر بواسطتها، ويتعلم طرق الحياة في الجماعة، ويكتسب القدرة على ممارستها، فإذا به مواطن نام والفضل في هذا كله لعملية التربية التي تلقاها في البيت، والمدرسة، ومن الحياة اليومية بينهما. من هنا نرى التربية هي عملية إعداد للحياة في الجماعة التي ينتمي إليها الطفل عن طريق المشاركة في حياة هذه الجماعة، سواء أكان ذلك في مكان معد لهذه المشاركة كالمدرسة أو في الحياة نفسها كما يحدث كل يوم في المنزل والشارع. (علي. 2010 : 285/286)

فصناعة هوية هذا الطفل وانتمائه الوطني، مربوط بالفهم الجيد للتطور الهوياتي الوطني للأمة على المدى الطويل. فحسب أنطوني سميث (Anthony d. Smith) إذا أردنا التعرف على قوة وشكل الأمم الحديثة وفهمها ومصيرها في المستقبل، يجب أن يكون ذلك على مدى فترة زمنية طويلة، ولا يجب أن نربط وجودها وتشكيلها بحقبة تاريخية بعينها. فمثلا الأساطير والرموز الإثنية هي مركبات أساسية في بعد المجموعات الإثنية الثقافي، فتحيل الأساطير إلى الأصل وإلى الفرع اللذين يشكلان :«  المحددات الأولية للوجود المنفصل وطابع الإثنيات »، تتمتع الأصول أو الجذور المفترضة للجماعات الإثنية بأهمية تحليلية، لأنها تسمح بإعادة رسم المقاييس الثقافية التي توحد المجتمع المحلي عن طريقها. أما الرموز الإثنية فهي تحيل إلى الإقليم والمجتمع المحلي وتتضمن الخصائص التي تميز بين الجماعات الإثنية (رايات، طوطم، عُملة، أشياء طقوسية، أناشيد، مطبخ، لباس) ويتم فيما بعد استبطان هذه الخصائص داخل الأمم والتي تشكل نواتها الإثنية (بوخريسة.ملوك. بدون س نشر : 145/ 150)

وبإرجاع مفهوم المواطنة إلى الجذر الذي أتت منه ألا وهو المواطن وهو :«  المتحد، أي الحيز الجغرافي الذي تعيش وتعتاش عليه مجموعة بشرية معينة، حيث يتفاعل الأفراد مع بعضهم ومع الأرض التي يقطنون عليها، وذلك على مر الزمان، أي أنه (...) مجموعة من العلاقات الإنسانية والعاطفية والثقافية والمادية عموديا وأفقيا  »، ومن هذه الزاوية نفهم أن المواطنة من التواطن وهو الساكن بما يمليه هو هذا الساكن من جيرة ومن علاقات إنسانية عميقة. (موسى.2010 : 285)

تضم الدولة الحديثة في داخلها انقسامات اجتماعية ـ ثقافية، وأن أفراد هذه الدولة يتبنون مجموعة متباينة من الهويات الجماعاتية ـ الثقافية، كما يتضح من انتماءاتهم العرقية والدينية، ووجهات نظرهم الأخلاقية، وأفكارهم حول ما هو ذو قيمة في الحياة. ولكنهم في الوقت نفسه بحاجة إلى العيش معا سياسيا، وهذا ما يتطلب وضع أسس مشتركة أو نقاط مرجعية محكومة بإطار الدولة. والمفروض أن توفر المواطنة هذه الأسس، فقد تختلف الحياة الشخصية والالتزامات بين الأشخاص لكنهم جميعا ومن حيث المبدأ ـ في هذا السياق ـ هم مواطنون ويقفون على قدم المساواة، ولهم حق تقديم مطالبهم في المجال العام وأن يقدموا المطالب المقدمة من قبل الآخرين أيضا. (الربيعي.www.mominoun.com)

إن هذا المعنى الكبير للمواطنة، يحتاج شرح ثقافتها للكبار قبل الصغار، لأن التنشئة الاجتماعية السليمة في هذا الخصوص هي التي تعمل على نشر ما يسمى بثقافة المواطنة. وهي تقوم على مجموعة من الركائز أهمها :

  • القيم : إن مضمون المواطنة يقوم على مجموعة من القيم والمبادئ والأساسيات الإيجابية والأخلاقية وبذلك فالمواطنة تشكل نسقا من القيم تتفاعل فيما بينها من جهة أولى، ومن جهة ثانية تتفاعل مع خارجها من القيم الأخرى، وهي قد تتحرك نحو المواطن والوطن والدولة والبيئة والكون بشد وحدته وهي تعني قيم المساواة والعدل والإنصاف والبناء والحوار والوحدة في تنوع والتكامل والتظافر والتآزر والتضامن والاندماج في المجتمع من أجل إغنائه وتطويره والحرية والكرامة والمشاركة والتسامح والديمقراطية والاختلاف.

  • بعد غرس القيم في النشء تعمل المواطنة على تعزيز الإنتماء للوطن وخدمته والدفاع عنه، والسعي من أجل العيش المشترك مع الشريك الاجتماعي الذي يتقاسم الحياة مع الآخرين في الوطن وهي تحيط ممارسة الحقوق والواجبات بإطار أخلاقي لا يسمح بالتجاوزات في الممارسة مهما كان المنفذ للمواطنة أو المستفيد منها... وقيم المواطنة تضمن عدم انتهاك الحقوق والواجبات بجانب المحافظة عليها وعلى حقوق الإنسان بل تؤدي إلى احترام القوانين والتشريعات والرموز المختلفة المعبرة عن الذات وعن الآخر والوطن والمجتمع والدولة، لأن قيم المواطنة تصبح قيم ذاتية ومكون من مكونات الشخصية الفردية والجماعية للمواطن وتكون نسق أخلاقي يضمن فعالية المواطنة في المجتمع بين مكوناته المتنوعة.

  • الاكتساب : لا يمكن للمواطنة وقيمها أن تقوم دون اكتسابها عبر التربية والتنشئة عليها بمختلف الوسائل والطرق والأدوات بدءًا بالأسرة وانتهاءً بالمدرسة ومرورا بوسائل الإعلام والتكنولوجيا ومؤسسات المجتمع المدني؛ فالأسرة بصفتها المؤسسة الأولى في التنشئة عليها دور كبير في ترسيخ مفهوم المواطنة لدى الأبناء من خلال تنمية حسهم الوطني وتوجيههم إلى احترام الأنظمة والقوانين وتوجيه سلوكهم ومراقبتهم في الصغر والكبر. إضافة إلى أن على الوالدين أن يكونا قدوة حسنة يقتدي بها الأبناء في المحافظة على مكتسبات الوطن وتعزيز وتكريس مفهوم المواطنة.

  • وتلعب المدرسة الحجر الأساس في اكساب النشء قيم المواطنة وواجبات المواطن وحقوقه في إطار التربية على المواطنة من خلال المواقف التعليمية التعلمية والتربوية. كما يجب ان تغرس المدرسة في نفوس التلاميذ احترام الآخر وتقبله، وفي إطار المكون الوجداني لقيم المواطنة يجب ان تسعى المدرسة بمجموعة من المواقف التعليمية سواء تلك التي تشمل الأنشطة الصفية أو اللاصفية في تكوين اتجاه إيجابي في نفوس التلاميذ نحو هذه القيم بحيث تصبح جزء من تكوينهم الوجداني ومن سلوكهم مع أنفسهم ومع زملائهم.

  • الممارسة : لا معنى للمواطنة من غير ممارسة فعلية لها على أرض الواقع، لأن الممارسة هي التي تعطيها القيمة التداولية في سوق المواطنة، حيث تصبح بدون ممارسة ترفا فكريا لا فائدة منه... فالمواطنة بدون ممارسة تهدم ثقافة المواطنة والمواطنة ذاتها من الداخل، لأنها تفقد لدى المواطن قيمتها العملية والنفعية.

إن هذه القيم والاكتساب والممارسة هي التي تتفاعل فيما بينها في نطاق الحراك الاجتماعي لإنتاج ثقافة المواطنة، التي تعتبر من أحد مداخل ترسيخ المواطنة في المجتمع واستمرارها ونشرها كأساس عملي للتداول بين الناس وبينهم وبين الدولة. (بوزكري.2014 : 27/34)

ويعد أدب الطفل أكثر الوسائل التعليمية قوة في تلقين الأولاد المواطنة وتثقيفهم بمستويات ممارستها، من خلال غرس روح الوطنية والانتماء لوطنهم في الأناشيد وقصص السلف، فمثلا تلاميذ المدارس في الجزائر يتعلمون تاريخها من خلال النشيد الوطني، الذي يحكي قصة كفاح هذا الوطن، كما أنهم يتفاعلون وبقوة مع اللحن الجبار الذي يشعرهم بالحماسة، بل إنهم يتنافسون في إطلاق حناجرهم بأعلى الأصوات، وكأن قوة الصوت هي مرآة لقوة الانتماء، فيشب الطفل الجزائري على حب الوطن والفزع إلى كل رموزه بمجرد أن يستمع للنشيد الوطني. كما أن ممارسة المواطنة تظهر في تعليم الطفل أبجدياتها الأولية، كقصة عن النظافة والمحافظة على المحيط، أو فكرة عن مساعدة الصديق أو كبار السن. تعزيز الثقة بالنفس وبالأولياء، حماية الأرض ومعرفة فائدتها...إلخ

خاتمة

يتبين مما سلف، أن أدب الطفل حقل مهم جدا ليس في المجال الأدبي فحسب، بل في الحياة كلها. فالطفل اليوم استثمار تتعهده الجماعة والأفراد بشكل جيد حتى نعده بطريقة سليمة لمواجهة صعاب الحياة اليومية. فهذا الأدب يدخله عوالم خيالية تشعره بالمتعة والسعادة، التي تناسب قلبه البريء، كما أن هذا الأدب يجعله يمتلك الأسلحة المناسبة لمواجهة الأخطار، وتعلم الطرق الصحيحة في التصرف، وإتقان الأساليب المناسبة للرد على المنافسين. فينمو خياله الإبداعي بسلاسة، ويزيد اندماجه الاجتماعي بثقة وصلابة نفسية كافية لتحافظ على روحه، ويصبح مواطنا فعالا في مجتمعه منذ نعومة أظافره إلى غاية حمله سلاح الدفاع عن وطنه، بفكره أو بنفسه.

الحديدي، علي.1988. في أدب الطفل. مكتبة الأنجلو المصرية. ط 4. الجيزة ـ

ليرر، سيث. 2010.أدب الأطفال من إيسوب إلى هاري بوتر. ترجمة ملكة أبيض. منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب. دمشق ـ

السيف، عمر بن عبد العزيز.2009. بنية الرحلة في القصيدة الجاهلية «  الأسطورة والرمز ». الانتشار العربي. بيروت.

جلبي، علي عبد الرازق. 2005. الإبداع والنقد الاجتماعي (دراسات معاصرة). دار المعرفة الجامعية. الاسكندرية ـ

حلاوة، محمد السيد.2003. الأدب القصصي للطفل (منظور اجتماعي نفسي). ط 2. المكتب الجامعي الحديث. الإسكندرية ـ

شاكر، عبد الحميد. 2009. الخيال (من الكهف إلى الواقع الافتراضي). المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. الكويت ـ

رشوان، حسين عبد الحميد. 2005ـ الأدب والمجتمع : دراسة في علم اجتماع الأدب. المكتب الجامعي الحديث. الاسكندرية.

عيلان، محمد. الفنون الشعبية الجزائرية. مجلة التواصل. عدد 06. جامعة عنابة. 2000ـ

سعادة، ياسين. 2000. سوسيولوجيا الأدب. مجلة دراسات اجتماعية. عدد01. الجزائر. أفريل 2009ـ

كرمة، صفاء طارق حبيب. ده مير، نورجان عادل محمود. 2014ـ قوة الذكاء الاجتماعي (في تفعيل المسؤولية الاجتماعية ومفهوم الذات الاجتماعية. المكتب الجامعي الحديث. الاسكندريةـ

علي، سعيد اسماعيل. 2010ـ تفعيل القيم في مقرر دراسي : أصول التربية نموذجا. أعمال الدورة المنهجية في كيفية تفعيل القيم في البحوث والدراسات الاجتماعية (القيم في الظاهرة الاجتماعية). جامعة القاهرة. دار البشير للثقافة والعلوم. 6/11 فبراير.

بوخريسة، بوبكر. ملوك، نوار. بدون سنة نشر. اشكاليات الهوية والوطنية والقومية. دروب للنشر والتوزيع. الأردن.

موسى، بن سماعين. 2010. المواطنة في الفكر العربي المعاصر : اشكالية التأصيل والابداع. كتاب جماعي : التسامح « الفعل والمعنى ». دار القدس العربي. الجزائر ـ

الربيعي، علي رسول حسن. وحدة المواطنة وتعددية الجماعات [الشابكة] www.mominoun.com.تاريخ التصفح : 12/10/ 2018.

بوزكري، رشدي.2013/2014. المواطنة ودورها في بناء الدولة القومية مذكرة ماستر غير منشورة. علوم سياسية. اشراف سهام حروري. جامعة محمد خيضر بسكرة.2013/2014.

أمال بن سمشة Amel Bensemcha

جامعة محمد الشريف مساعدية، سوق أهراس

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article