مقدمة
يُعد الخطاب الصحفي أحد أشكال الخطابات في المجتمع، فهو مؤسسة لسانية ذات بعد تواصلي، كما يعتبر ملمحا من ملامح الأفكار والآراء في المجتمع. ويتعدد هذا الخطاب ويتنوع بتعدد أنواعه الفكرية واختلاف انتماءاتها من صحف خاصة، مستقلة أو حتى حزبية وباختلاف توجهاتها الإيديولوجية، حيث أضحى اللّسان الناطق بمستجدات الأحداث والوقائع التي يفرضها تحول المجتمع وتغير اهتماماته، خاصة مع ظهور العولمة والدعاية وتعقد العملية الإخبارية تبعا لعالم مليء بالصراعات الإيديولوجية، الثقافية، الاجتماعية والاقتصادية ما جعل من هذا الخطاب انعكاسا لموازين السلطة والقوة داخل المجتمعات مما انعكست في شكل صياغة الأخبار وأساليب إعدادها وإخراجها عبر وسائل الإعلام.
يثبت تاريخ وسائل الإعلام أن مضمون الخطابات الإعلامية لم يقتصر عملها على التبليغ والإخبار فقط، وإنما كانت تجتهد في كل مرحلة من مراحل تقدمها على ابتكار أساليب جديدة تهدف إلى استمالة المتلقي والتأثير فيه وتوجيه أرائه عبر مجموعة من التقنيات والأساليب والطرق المستمدة من حقول معرفية متشعبة، آخِذتا بعين الاعتبار تطوير هذه الأساليب بشكل يتناسب ونوع الوسيلة التي يُعرض عبرها هذا المضمون.
وهو ما ظهر بجلاء في تنظيرات (M.Macluhan) * عندما نبّه على أهمية الوسيلة في صياغة نمط الرسالة مفترضا أنّ الوسيلة هي الرسالة، وبشكل حتمي. وهو ما يستوجب معه النظر في شكل الرسالة الذي يمثل دورا كبيرا في إحداث تغيير المتلقي لأنه يقوم على تجسيد أحد آليات التأثير، وهو ما جعل تركيز الصّحف لا ينصب فقط على جمع الأخبار وإعدادها وتوزيعها، بل وُجه الاهتمام نحو طريقة صياغة شكل وقالب هذه المعلومة بما يُعرف « بفن إيصال الخبر ».
وهي عملية متقنة ومعقدة في الوقت نفسه لها وسائلها وأساليبها التي تجسدها بجلاء في الطرق المختلفة لتحرير الخبر، بشكل تختزن معه واقعا يحمل أبعادا ثقافية، دينية، سياسية، كما يختزن نوايا ومقاصد ومواقف المرسل حول مختلف الأحداث الواقعة في المجتمع، تظهر بمفرداتها وخصائصها الشكلية التي تتحول إلى مرآة تعكس قيما وخبرات محددة أو تصورات معيّنة عن العالم.
على هذا النّحو كثيرا ما نجد أنفسنا أمام الخطاب السّاخر الذي يعتبر خطابا حجاجيا ذا نسق لساني دال على قيّم مشتركة متعددة نفسية، اجتماعية، تداولية، ثقافية، تتظافر هذه القيّم في الخطاب لتحقق قصد المرسل في استمالة المتلقين لقبول القضايا التي تعرض عليهم أو إلى تحديد درجة تلك الاستمالة بطريقة هزلية مضحكة.
غير إنّ معرفة الأرضية التي ينتقي على أساسها الصحفي جملة من الحجج التي تعبر عن مواقفه تجاه القضايا، تبقى اختيارات تتحكم فيها اعتبارات معقدة ومتداخلة في كثير من الأحيان. وعلى هذا الأساس ارتأينا الالتفات إلى معرفة الكيفيات التي ينبني بها الخطاب الحجاجي الساخر، مركزين في هذا البحث على الاستراتيجية الحجاجية في هذا الفن، من هذا المنطلق طرحنا السؤال التالي: ماهي الاستراتيجية الحجاجية الموظفة في العمود السّاخر بجريدة «الخبر اليومي»
1. الجانب المنهجي
1.1. الإشكالية
ننطلق في صياغة الإشكالية من فرضية أنه إذا كان الخطاب كلا شاملا ومنظما، فعملية تحليل الحجج تستدعي منا أولا تفكيكه إلى أجزاء ليتسنى لنا قراءتها عبر عناصر تظهر في مستويات محددة منفصلة عن بعضها البعض، كون أن الحجة الواحدة يستعصي على الباحث فهمها بمعزل عن السّياق الذي وردت فيه وعن المعطيات الخارجية التي ساهمت في تكوينها، وكي نفهم مجمل الأفكار لابد من التعرض لأجزائها، على هذا الأساس فضلنا اعتماد فكرة أن الحجج تمثل جزئيات الخطاب وهي إشكالية بنائه.
إلا أنه لا يمكن فهم طريقة تشكل هذه الجزئية إلا بالنظر إلى العوامل الخارجية التي ساهمت في تكوينها وتسلسلها وفق نمط معيّن، وهذه العملية لا تتم إلا بتحليل طبيعة العلاقة بين ما يُعرف بمدخلات المكوّن السّياقي، وهي ما يطلق عليها اسم المكوّنات الخارجية للنّص الصّحفي من معطيات (ثقافية، اجتماعية، دينية، تاريخية، فكرية إلخ..)،
وهي بمثابة الأبنية الفكرية للمرسل الصحفي، كما تمثل في الوقت ذاته آلية لإنشاء خطابه السّاخر يسوغها وفقا لترتيب معيّن مدفوعة بغايات وهداف خاضعة لنمط محدد، كما أنّها مدفوعة أيضا بتوجه إيديولوجي ملزم بالحفاظ عليه، حيث تجتمع هذه المعطيات مشكلة النّسق العام للخطاب السّاخر والصّورة النهائية للاستهلاك، وهو ما يعرف في النظريات الحجاجية بمخرجات المكوّن اللغوي «.
ومن منطلق زاوية البحث، قمنا بطرح سؤالين لمعرفة الاستراتيجية الحجاجية الموظفة في الخطاب الصّحفي السّاخر، وهما على النّحو الآتي:
-
ما طبيعة الحجج التي اعتمدها المرسل في نصوص الأعمدة الصّحفية السّاخرة؟
-
كيف تساهم المواد اللغوية في تجسيد الوظيفة الحجاجية؟
كما تجدر الإشارة إلى أهمية هذا النّوع من الدراسة؛ من حيث كون موضوع الحجاج من المواضيع القابلة للبحث نظريا ومنهجيا، على اعتبار أنّ الخطاب الحجاجي ميدان ثري للدراسات المتنوّعة لتعدد الأبعاد المعرفية التي ينطوي عليها كما هو معروف عنه.
-
الجدة: حيث يعد الخطاب الحجاجي في الصّحافة من المواضيع الجديدة في حقل علوم الإعلام والاتصال على الأقل، وهذا فيما تعلق بالدراسات العربية مقارنة بأهميّته البالغة. كما إنّ تشعب مصطلح الحجاج كمادة للبحث يجعل من غير الممكن لدراسة واحدة أن تستجلي كل أبعاده الإبستيمولوجية، إذ يشكل ربط متغيراته بهذا الشكل جزءا ضئيلا من عملية البحث فيه، فهو كما يسميه المنظرين» مادة زئبقية «لها القابلية لأن تدرس بطرق ومناهج مختلفة وفقا لآليات متعددة.
-
كما تكمن أهمية هذا البحث في أنه يندرج ضمن البحوث التي تعنى بدراسة اتجاهات القائمين بالاتصال، حيث إنّ فهم أساليب بلورة المعلومة عند القائم بالاتصال يمكننا من معرفة وتحديد درجة تأثيرات وسائل الإعلام في جمهور المتلقين.
فبات من الضروري إدراج هذا النوع من المواضيع في الدراسات الإعلامية، فعلى الرغم من أن مصطلح الحجاج ارتبط ظهوره بمجالات علمية مجاورة لحقل الإعلام والاتصال كالأدب، الفلسفة، البلاغة...إلخ، أو كل ما له ارتباطات بالدراسات التداولية، إلا أنه كفعل وكممارسة هو وليد الواقع، كونه يمثل جوهر العملية الاتصالية وفهمه يعد أهم شروط لنجاح الاتصال، فإلى جانب الاهتمام بمعرفة ما الذي نقوله؟ يتوجب أن نصب اهتمامنا أيضا إلى معرفة كيف نقول وما نقول؟ من خلال التركيز على الأسلوب الذي يلبسه الكلام ليحدث التأثير، فسؤال» الكيف «هو سؤال تداولي محظ يركز على الطريقة التي تشتغل بها عملية التواصل بين الأطراف من خلال السؤال: كيف تتم عملية التواصل؟
2.1. أهداف الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى الإجابة عن جملة التساؤلات تتضمن جانبين:
منها الجانب المتعلق بالأسئلة المرتبطة بتوظيف الحجج من خلال:
-
تبيان نوع الأساليب الحجاجية الأكثر توظيفا في الخطاب الصحفي. (العمود الصحفي) -معرفة توجه الجريدة كعامل من العوامل المتحكمة في اختيار الحجج ولسعي إلى تحقيق الاقتناع بها وفقا لما يمليه هذا التوجه.
-
إبراز طريقة تسلسل الحجج المضمرة في الأعمدة الصحفية، كون أن هذا النوّع الصحفي له خصائصه التي تميّزه عن غيره من الأنواع الأخرى، ضمن مقالات الرأي والمعبرة بطبيعة الحال عن الخط التحريري للجريدة.
وجانب آخر: ما تعلق بالأسئلة المرتبطة ببنية الخطاب السّاخر:
-
معرفة أنواع القضايا التي يضطلع بها النّوع الصّحفي.
-
توضيح طبيعة العلاقة التي تربط العناصر السياقية واللّغوية المكوّنة للخطاب السّاخر.
-
إبراز العلاقة التي تحكم عملية اختيار الحجج ومقصديه المتكلم.
-
الكشف عن الجانب الحجاجي للغة الصحفية في مقابل الجانب الإخباري.
-
إبراز أهمية البنية الضمنية في اللغة الصحفية المرتبطة بالعملية الإقناعية للمتلقي.
3.1. مفاهيم الدراسة
إن تقاطع موضوع الحجاج مع علوم بحثية مختلفة لا يعتمد فحسب على اختبار مفاهيمها أو إسقاطها على تخصصات أخرى، بل يمكن كذلك أن يؤسس لمفاهيم جديدة، وهذا ما يحدث مع العديد من الباحثين في إطار قيامهم بالدراسات، كما ذهب إليه المفكر (Bourdieu Pierre) * عندما أكد في كتاباته أن انشغاله بميدان البحث في الجزائر مكنه من إنتاج العديد من المفاهيم.
وعليه تطلبت منا الدراسة تحديد بعض المفاهيم الأساسية التي ستتخذ أساسا للبحث كمفهوم: الخطاب، الحجاج، الاستراتيجية الحجاجية, الخطاب الصحفي , الخطاب الساخر.
-
الخطاب: يمثل الطريقة التي تشكل بها الجمل نظاما متتابعا يسهم في نسق كلي متحد الخواص، ومن خلال تظافر مجموعة من النصوص المتتابعة تتألف النصوص نفسها في نظام متتابع لتشكل خطابا أوسع ينطوي على أكثر من نص مفرد1.
-
الحجاج: يعرف الحجاج على أنه نشاط اجتماعي مجسد في قالب لغوي يقوم على أرضية مبهمة غير متفق حول حقيقتها وهو ما يستلزم اختيار طرق تمثل أدلة وإثباتات يتم بها تقديم الأفكار عن طريق تنظيمها واستعراضها وفقا لنمط معين وباختيار أدوات لغوية محددة لتعبر عن مجموع القضايا، الأحداث، المواقف والموضوعات، غايته دعم أو إضعاف مقبولية وجهة نظر من خلال إما تأييدها وقبولها أو دحضها وتفنيدها.
-
الخطاب الحجاجي: جنس خاص من الخطاب يبنى على قضية أو فرضية خلافية يعرض فيه المتكلم دعواه مدعومة بتبريرات عبر سلسلة من الأقوال المترابطة منطقيا ارتباطا منطقيا قاصدا إلى إقناع الأخر بصدق دعواه أو التأثير بموقفه أو سلوكه تجاه تلك القضية تكون فيه العلاقة بين أجزاء النص علاقات منطقية تقيم فيما بينها ارتباطات بين جميع النصوص وعلى امتداد الخطاب2.
-
الخطاب الساخر: شكل من اشكال الخطاب في المجتمع وهو مؤسسة لسانية ذات بعد تواصلي , وملمح من ملامح الافكار والآراء في المجتمع بطريقة هزلية مضحكة .
2. مضامين العمود الساخر ’نقطة نظام’ بجريدة الخبر
إن قارئ الكتابات الصحفية الساخرة لسعد بوعقبة يلاحظ أنها تجمع العديد من القضايا التي تمس موضوع السياسة الوطنية على وجه الخصوص حيث جاءت في المرتبة الأولى بنسبة 54 % تلتها المواضيع الاجتماعية والاقتصادية بنسب متقاربة. في حين جاءت المواضيع المرتبطة بالجانب الثقافي والتاريخي تكاد تنعدم. حيث انصبت سخرية الكاتب من خلال أعمدته التي نُشرت بجريدة الخبر خلال الفترة الممتدة من جانفي إلى أكتوبر 2019 على قضية الفساد السياسي والأمني والمالي للسلطة وتأثيراتها السلبية على المواطن الجزائري البسيط فهو من يتحمّل معاناة تبعات سياسة التقشف المتبعة من الحكومة. كما واصل الكاتب تهكمه من تلك السياسة حيث اعتبرها إجراءات تعسفية في حق المواطن، ولم يتوقف عند هذا الحد بل امتد الى وصف سياسة الدولة بأنها فاشلة.
عند الانتقال إلى المضمون الاجتماعي يتضح لنا الكثير من أفكار الكاتب انطلقت من واقع الحياة الاجتماعية مثل عمود اشنقوا الزاوي بأمعاء جهال المساجد؟ الصادر في 26 أوت 2018 والمتزامن مع عيد الأضحى حين قال
«..... زاوي المسكين تحول إلى كبش العيد تم نحره على منابر بعض الأئمة الجهلة في خطبة الجمعة، مع أن الرجل لم يقل شيئا يستحق أن تخطب عليه خطبة الجمعة، فالرجل أعاد قول ما قاله قبله الإمامان جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدو قبل 150 سنة. فقد قال الإمام جمال الدين الأفغاني إثر زيارته لباريس” إنني وجدت في بلاد الكفار إسلاما ولم أجد المسلمين، وعدت إلى بلاد العرب فوجدت المسلمين ولم أجد الإسلام.! أليس ما قاله الزاوي هو عينه ما قاله الأفغاني ومحمد عبدو.! والزاوي قال ما قاله الأفغاني بمفردات اليوم.! ما معنى قول الأفغاني في بلاد المسلمين يوجد مسلمون ولا يوجد الإسلام؟! أليس هذا أقوى مما قاله الزاوي.. أليس هو أساس نظرية التكفير؟! فلماذا لا يعاب على الإمام الأفغاني هذا الكلام ويعاب على الزاوي الذي ردده دون أن يذكر مصدره…؟».
حيث سَخر الصحفي بطريقة غير مباشرة من بعض الأئمة ولقبهم بجهال المساجد الذين خصصوا خطبة الجمعة الماضية” لتكفير” الكاتب الروائي أمين الزاوية لأنه تجرأ وقال: إن ممارسة الجزائريين لسنّة الأضحية في العيد بطريقة لا تحترم شروط النظافة.
عند الانتقال إلى المواضيع الاقتصادية تتّضح لنا أن سخريته انصبت على السياسة الاقتصادية للدولة الجزائرية في ظل أزمة التّقشف التّي مستها جراء انخفاض سعر البترول إلاّ أنّ النّهب بطريقة غير مباشرة طال أيدي المسولين وأهاليهم، حيث قال في عموده الصادر ب5 أوت 2018 بعنوان «. حتى الأموال تمارس الحرقة؟
«...لا تسألوا عن الطريقة التي حصل بها هؤلاء على هذه الثروة... فقد كان آباؤهم قبل 60 سنة “مزاليط”، وحكموا البلاد طوال 60 سنة باسم الاشتراكية! وهذا يعني أنهم غير مؤهلين ليكونوا “مريشين”، والرأسمالية في الجزائر عمرها 20 سنة، وهي مدة ليست كافية ليتحول فيها شاب عمره 40 سنة إلى بورجوازي كبير يلعب بالمليارات من الدولارات!».
حيث يرى الصحفي أنّه لا تكتمل دائرة التوعية إلاّ من خلال النّقد الدائم والقائم على لفت الأنظار نحو الأوضاع غير مقبولة في المجتمع الجزائري من خلال تصوير الواقع والتعبير عن هموم المجتمع وتبيان أوجه الخلل والقصور الموجودة فيه عن طريق السخرية بإثارة بعض القضايا السياسية الحساسة التّي تحتاج إلى تلميح وتورية. لذا تخلو أعمدته تقريبا من المواضيع الثقافية والتاريخية خاصة في الفترة التّي تلت الحراك الشعبي، بسب الازمة السياسية التي طالت البلاد آنذاك والتي كانت عينة الدراسة تخلو من المواضيع الثقافية والتاريخية كما نلاحظ استخدامه للعامية لضرورة ذلك، كما اخبرنا في حوار معه بأن الصحفي يجيب أن يرى القراء في نفس المستوى وأن ينزل الى المستوى الأدنى حتى يُوصل فكرته للمجتمع وأوضح أن هذا لا يعتبر إساءة للغة العربية وأو عدم تمكن الكاتب منها. 3
3. الأشكال والأساليب الحجاجية
من بين الاستراتيجيات الحجاجية التي سنعتمد عليها قي تحليل الخطاب:
-
طرائق الوصل الحجاجي: (procédés de liaison) وهي الطريقة التي يعمد فيها إلى ضم الفكرة إلى الفكرة وإن اختلفتا وجعل الواحدة طريق بسبب الأخرى للوصول إلى نتيجة واحدة فهو يقرب العناصر المتباينة بغية تقوية بنيتها الإقناعية أو تقويم أحدها بواسطة الأخر تقويما إيجابيا أو سلبيا فهي تصل بين أحكام مسلم بها وأحكام يسعى الخطاب إلى تأسيسها لجعلها عناصر تنتمي إلى كل واحد من أشكالها.
-
طرائق الفصل الحجاجي (procédés de dissociation): المقصود به التقنيات المستخدمة لغرض إحداث قطيعة أو النقض أو قطع الروابط الموجودة بين عناصره، إذ يعمد فيها إلى ما هو كل، فيحدث فيه وصل بين حقيقته وظاهره، فمثل هذا الملفوظ القائم على الربط بين أطرافه من خلال الأداة (لكن) يمكن اعتباره بمثابة البنية العميقة لظاهرة الفصل.
النتيجة النهائية أنه ليس فاضلا فالقاعدة تقول من القضية الأولى(ق) أستنتج (ن) ومن الثانية (ك) أستنتج (- ن) ومن (ق لكن ك) أستنتج (- ن4).
4. الآليات الحجاجية
1.4. الحجج المؤسسة على بنية الواقع
وهي التّي تتأسس على الواقع المعاش وتنهض بما ينطوي عليه الخطاب الطبيعي من أسباب الثراء والاتساع، إذ تنبني على اعتبار فعل الإلقاء وفعل التلقي معا، فهي تقوم على الربط بين أحكام مسلم بها وأحكام يسعى الخطاب إلى تأسيسها وجعلها مقبولة ومسلم بها، وذلك بجعل الأحكام المسلم بها والأحكام غير المسلم بها عناصر تنتمي إلى كل واحد يجمع بينها، بحيث لا يمكن التسليم بأحدها دون أن يسلم بالأخر، ومن هنا جاء وصفها بكونها حجج مؤسسة على بنية الواقع.
2.4. الحجج القائمة على الوصل السببي
-
وهي العلاقة التي تُوجِد بين عناصر من الحجج بحيث تقوم على الربط بين سبب ونتيجة أو بين وسائل وغايات.
-
حجة السلطة: تستخدم هذه الحجة أعمال شخص أو مجموعة أشخاص وسلطتهم ونفوذهم وأسماؤهم يكون لهم صدى واعتراف لدى المتلقي للتدليل على صحة المعطى في القضية.
-
الحجة النفعية: وهي الحجج التي تتضمن جملة من الأسباب التي تؤدي إلى نتائج تعود بالنفع على المجتمع ترتبط فيها قيمة الأسباب بقيمة نتائجها.
-
الحجاج بالسّبب: وهو الذي يربط بين حجة ونتيجة لوجود علاقات سببية بينهما كوجود أكثر من سبب يؤدي بالضرورة إلى تلك النتائج.
-
المجاز: لأن الإنسان عندما يبحث عن الألفاظ والتعابير ولا يجدها جاهزة يلجأ إلى المجاز وتحميل الألفاظ بالدلالات والمعاني التي لم توضع لها أصلا »فلا حجاج بغير مجاز« 5، بتعبير طه عبد الرحمن والذي يحدد ماهية الحجاج والعلاقة المجازية، يطلق عليه اسم الاعتبار بمعنى أننا نستدل على العبرة التي تحملها من المجاز، كما له ميزة الادعاء والاعتراض التي تكون إما على الواقع أو على القيمة التي يصور بها المجاز .
-
الحجاج التّوجيهي: وهو الحجاج الذي يأخذ بعين الاعتبار وجهة المدعي وحدها مع إقامة الدليل على الدعوى بالبناء على فعل التوجيه الذي يختص به المتكلم، علما أن التوجيه هو فعل إيصال حجته إلى غيره فيولي عناية إلى القصد الذي يرومه للأفعال المصاحبة لأقواله الخاصة.6
-
الإستفهام: يولي (Ch.Perleman) أدوار حجاجية لا يستهان بها للموجه الاستفهامي لما له في نظره من أهمية بلاغية، فهو يرى أن البنية الأسلوبية لا يمكن أبدا فصلها عن أهدافها الحجاجية، لأن جل العناصر الأسلوبية من نفي وشرط وتأكيد عبارة عن موجهات تعبيرية (Des modalité d’expression) قسمتها إلى الموجه الإثباتي والموجه الإلزامي (Modalités conjonctive) وهذا الإلزام يصاغ غالبا في الأسلوب الأمري، أما الموجه الاستفهامي (Modalités interrogative) فتنبع شحنته من الطابع الحجاجي للسؤال. كما قد يخرج الاستفهام عن معناه الحقيقي كما يذكر صاحب» الفوائد «بقوله» أنه استفهام العالم بالشيء مع علمه به«، ويقصد بهذا التعريف غير الفهم الذي هو الاستفهام عن الشيء بل قد يؤدي أغراضا أخرى مختلفة كالتعجب، التهكم، التحقير والنهي إلخ ...7
-
الحجاج التّقويمي: وهو الحجاج الذي يأخذ بوجهة المدعي والمعترض معا حيث لا يكتفي بسرد الحجج على المتلقي بل أن يقوم المرسل من تجريد نفسه بذات ثانية ينزلها منزلة المعترض على دعواه ويقوم ببناء دعاوى أخرى من منظور المتلقي مستبق فيها استفساراته واعتراضاته ومستحضرا مختلف الأجوبة عليها ومستكشفا إمكانات تقبلها اقتناع المخاطب بها، وعليه فهو يتعاطى لتقويم دليله بإقامة حوار حقيقي بينه وبين نفسه وكأنه هو المعترض على دعواه طارح ا كل الأسئلة التي يمكن أن تتبادر إلى ذهن المتلقي ليفسر بها نمطا معين من الأفكار التي يريد تثبيتها في ذهن المتلقي واضعا حدود بين ما يسرده من حجج، وبين ما يعترض به عن دعواه، وبين ما يترك للمتلقي عملية استدلاله بنفسه.8
3.4. الحجج المؤسسة لبنية الواقع
يرتبط هذا النوع من الحجج ارتباطا وثيقا بالواقع، لكنها لا تتأسس عليه ولا تنبني على بنيته إنما هي التي تؤسس هذا الواقع وتُبينه أو على الأقل تكمله وتظهر ما خفي من علاقات بين أشباهه أو تجلي ما لم يتوقع من هذه العلاقات وما لم ينتظر من صلات بين عناصره ومكوناته.
-
التمثبل: نقصد به المثل المستخدم في الإطار المتفق عليه مسبقا إذ يكون فيه الانتقال من الخاص إلى الخاص، أي من الحالة الخاصة في المثل إلى الراي المدافع عنه في القضية.
-
حجة النموذج (Le modèle): وهي القدوة التي يفضل السير على نهجها وإتباعها لكونها نموذجا أو معيارا، حتى وإن كان تعبيرا عن حالة خاصة كسلوك شخص مثلا.
-
الصور البلاغية: من الأشكال التي تكسب مقدمات المحاجج قوتها ونفاذها نجد الصور البلاغية التي كثيرا ما حصر دورها في وظيفة تحسين الخطاب وتجميله، إن الصور حسب بيرلمان لا يمكن فصلها عن وظيفتها الحجاجية , فقد رفض اعتبار الوظيفة الجمالية هدفا وحيدا للأساليب البلاغية، التي »قد تمارس فعالية برهانية (حجاجية) لِما تثيره من إعجاب أو هدوء أو إثارة« . فالصور البلاغية هي أحد الوسائل المهمة في الإفهام والإقناع9.
-
الاستدلال بواسطة الاستعارة: هذه الحجة عن المشابهة بين المعنى المجاز ومعنى الحكم حيث تظهر الفعالية الحجاجية للاستعارة في أنها درجة أعلى في الإقناع من درجة المعنى الحقيقي الذي جاءت تسد مسده، فإذا كان (أ) هو المشبه و(ب)هو المشبه به، فإن الاستعارة تكون عدول عن (ب) إلى (أ) لكون (أ) مقتضى أو معلومة معطاة ومجمع عليها وهي محل استلزام تواضعي ( Implicature Conventionnelle ) و(ب) بؤرة أو معلومة جديدة، على اعتبار المعنى المجاز داخلا في معنى العام خارج أي تلفظ، وهذا العدول يقصد به بيان حال المشبه وبيان إمكان حاله حين يسند إليه أمر مستغرب وتمكينه في ذهن السامع، فهو من زاوية نظر حجاجية حكما، كالحكم على شخص أنه شجاع أو كريم بحيث يكون ما يشبه به دائما محل إجماع في عالم معتقدات المخاطبين بها والهدف منها هو تأجيل إمكانية الاعتراض على الدعوى المعروضة « فالاستعارة أكثر من مجرد حلية أو زخرفة إذ أن لها دورا خاصا تمتاز به في مجال انطباق الكلمات على ما أطلقت عليه في الواقع كما أن لها دورا مماثلا على وجه الخصوص في الفهم الذي يتحقق عن طريق المقارنة».
-
حجة المثل - (L’exemple): وهو من الحجج القائمة على الوصل، والمؤسسة لبنية الواقع، يقوم هذا النوع من الحجاج من الخاص إلى الخاص، حيث يأتي المثل حجة إضافية لتقوية التوجه إلى النتيجة.10
4.4. الحجج المنطقية والشبه المنطقية
تتفرع إلى مجموعة من الأقيسة كما يلي:
-
القياس المنطقي: هو بنية أساسية في كل خطاب حجاجي يعتمد التشبيه والتمثيل وينطلق من مقدمة أو مقدمتين أو أكثر على قدر ما يتوجب على المخاطب إفهامه وهو التعليق بين المقدمات للوصول إلى نتائج والتركيز على المتلقي هو الأمر الأهم في مبحث القياس المنطقي (syllogisme) في النظرية الحجاجية المعاصرة لأنه وسيلة منطقية من وسائل التعليق بين الأقوال يفهم في ضوء تأمل كيفية فهم عالم المنطق.
لابد لبناء قياس منطقي من وجود تعالق دلالي منطقي بين الأقوال الثلاثة، ذلك أن تكون المقدمة الصغرى تنطوي تحت المقدمة الكبرى، وتكون المقدمة الكبرى بالأساس مقبولة للمتلقي، وهذا ما يحدد وظيفته في الخطاب الحجاجي القائمة من الانتقال مما هو مسلم به عند المخاطب أي المقدمة الكبرى إلى النتيجة.11 -
قياس التّمثيل: هو نوع من أنواع الأقيسة تقوم على إدراج الأمثلة التي ترتبط بجانب من جوانب القضايا محل النقاش، حيث أن العلاقة التي يتحدد بها قياس التمثيل هي علاقة المشابهة من خلال التباين الموجود بين المستعار منه والمستعير له، فيحمل المتلقي على إخراج القول من مقصودة الظاهر وطلب المقصد المضمر الذي تحته والذي لم يتم التصريح به، ليترك الاستدلال عليه في المثال.
-
التعدية: وهي قيام علاقة بين الأول والثاني يصبح للطرف الثالث علاقة بالأول اضطرارا لوجود علاقة بين الثاني والثالث، وإن كانت من الناحية المنطقية لا تربطهما أية علاقة.
-
التناقض: وهي الحجج التي تقوم على كل أشكال التناقضات في الشيء سواء بين أقوال الشخص وأفعاله (الحجاج وجه الذات)، أو التناقض في حجة الشخص وحده دون أفعاله ما يعرف (بالتبكيت فوق الحجاجي) أو التناقض بين الصفة والموصوف.
-
الاستنتاج: هو شكل من أشكال البرهنة يقوم على الانتقال من العام إلى الخاص حيث يَلزِم استخراج النتائج من المقدمات اضطرارا. فنهض بمقدمات(أ) ليصل إلى خلاصة(ب)والتي تمثل حاصل التأثير باختصار النتيجة الذهنية تقوم المقدمات على ضرب من الاقتضاء الذي يوضع بداهة في الحسبان، بحيث تكونان في علاقة سببية موجه من السبب إلى النتيجة.12
5.4. مسارات البرهنة
يقصد بها المسار الذي يتبعه الباحث في سرد الحجج والبرهنة عليها وفق التدرج الحجاجي، إذ ينتهج بها الباحث نوعين من التدليل: إما بشكل تصاعدي يقوم فيها على عرض الحجج أولا وصولا إلى النتيجة، أو بشكل تنازلي يقوم فيها على عرض النتيجة ثم يدعمها بالحجج.13
-
السلالم الحجاجي: - (Les échelle Argumentatives) لقد وجدت هذه الهيكلة والتّي تركز على الطابع المتدرج والمُوجه للأقوال بناءاً على قوة وضعف الكلمات في السلم، فهو يعتمد على إخراج قيمة القول الحجاجي من حيز المحتوى الخبري للملفوظات وإدراجها ضمن تراتبية سلمية تفاضل بين الأقوال من حيث القوة والضعف، يمثل معيارا يحتكم على أساسه الخطاب الحجاجي. وليس ضمن معيار الصدق والكذب. تكمن أهمية السلالم الحجاجية في إخراج قيمة القول الحجاجي من دائرة المحتوى الخبري للقول، لأن القيمة الحجاجية ليست مضافة إلى البنية اللغوية بل مسجلة فيها فتبرز من خلال التنظيم الداخلي للغة.14وله بعض الميزات هي:
-
كل قول يرد في درجة ما من السلم يكن القول الذي يعلوه دليلا أقوى منه بالنسبة إل» ن«(النتيجة).
-
إذا كان الملفوظ» ب «يؤدي إلى نتيجة» ن «فهذا يستلزم أن» ج «أو» د «الذي يعلوه درجة يؤدي إليه والعكس غير صحيح:
حصلت هبة على شهادة الليسانس. حصلت هبة على شهادة الماستر. حصلت هبة على شهادة الدكتوراه.
أن هذه الحجج تنتمي إلى فئة حجاجية واحدة وتنتمي كذلك إلى السلم الحجاجي نفسه، فكلها تؤدي إلى النتيجة المضمرة15، وهي الكفاءة العلمية للمتحصلة على الدكتوراه، والقول الأخير هو الذي سيرد في أعلى درجات السلم الحجاجي وهو حصول هبة على درجة الدكتوراه. فترابط الأقوال هو ترابط حجاجي لأنه مسجل في أبنية اللغة بصفته علاقات توجه القول وجهة دون أخرى وتفرض ربطه بقول دون آخر، فموضوع الحجاج في اللغة هو بيان ما يتضمنه القول من قوة حجاجية تمثل مكونا أساسيا لا ينفصل عن معناه يجعل المتكلم في اللحظة التي يتكلم فيها، يوجه قوله وجهة حجاجية ما.
-
الروابط الحجاجية: تقوم الروابط الحجاجية بالربط بين ملفوظين أو أكثر في إطار إستراتيجية حجاجية واحدة وهو نوع من العناصر النحوية والظروف (الواو، لكن، إذن، الفاء، لأن، لاسيما، بل، بما أن إلخ...) يقوم بالربط بين فعلين اثنين، وبالتّالي فهو موصل تداولي يعمل على تفكيك مكونات الفعل ليجعل منها أفعالا لغوية وهي منفصلة بعضها عن بعض. وتصنّف هده الروابط إلى
-
الروابط المدرجة للحجج: تتمثل وظيفة هذا الرابط في إيراد الحجة متمثلة في الروابط: حتى، بل، لكن، مع ذلك، لأن إلخ...
-
الروابط المدرج للنتائج: تتمثل وظيفة هذه الروابط في إيراد النتيجة وتمثلها الروابط التالية: لهذا وبالتالي، وعليه، أذا إلخ...
-
روابط العارض الحجاجي: تمثلها الروابط التي تتعارض عندها القضايا أو الآراء يمثلها الرابط: لكن، مع ذلك، بل إلخ.16
5. نتائج الدراسة
أفضت تحليلات الدراسة إلى أن تعالق الوحدات التلفظية والمعجمية، وإرتباطاتها بالسياق العام للخطاب، وقصدية المرسل في النصوص على طريقة صياغة الحجج وترتيبها، وهو ما نختزله في النقاط التالية:
-
لقد تبين بالنظر إلى النصوص النظرية للحجاج أن الحجة من المواضيع التي يستحيل مهما كان أن تستجلي في عمل واحد مهما تعمقت الدراسة، وذلك لتعدد الطرق والأساليب والأنواع التي يلتجأ إليها المتكلم للتعبير عن رأيه وإحداث الإقناع والتأثير في الأخرين، فعندما تقترن الحاجة في إحداث تغيير في تفكير الأخرين بإعتماد وسائل إقناعية تتفاعل مع القضايا المثارة وتختلف بإختلاف مقاصد المتكلم نفسه، تصبح معه في شكل حر غير مستقرة مولدة مستويات للفهم لا يمكن وفقه أن تتكرر بهذا الشكل مرة أخرى، وهنا يصبح من غير اليسير أن نقوم بحصرها.
-
وردت أغلب الروابط الحجاجية الموظفة في النص الصحفي مضمرة يتم استخراجها من السياق وهو جزء من خصوصيات الكتابة التي تميز النصوص الصحفية المحددة في حجم عمود صحفي واحد.
-
اعتمد الصحفي الحجج المؤسسة لبنية الواقع بنسب وذلك لكثرة التشبيهات والاستعارات فيها وهي تشبيهات تتميز بقوتها الحجاجية كونها نقطة تقاطع معتقدات المرسل والمتلقي فهي ذات نزعة تأثيرية وعاطفية.
-
أفضى تحليل الوحدات المعجمية إلى إثبات أن أغلب الألفاظ التي تم استخدامها من قبل الصحفي هي كلمات إما ثنائية الدلالة أو متعددة الدلالات يستعيرها الصحفي ليفعل بها نوع مخصوص من القضايا الشائكة التي لا يستطيع فيها أن يذكر مصادرها الرئيسية القوى الفاعلة التي تغير الأحداث فيها، فيستخدم الكلمات متعددة الدلالات أو يوظف كلمات استعارية أو أحداثا مستمدة من الذاكرة الجماعية التي يشترك فيها مع متلقيه.
-
خطاب الأعمدة الصحفية خطاب تغيري يهدف إلى نقد الواقع والمطالبة بالبديل عن طريق التغيير من خلال العديد من المقالات التي كانت تمرر عبرها والإشارات اللغوية التي تستهدف التغيير ورفض الفساد القائم في أجهزة السلطة.
-
تميزت لغة الصحفي بالعبارات القوية ذات العديد من الدلالات تستمد أغلب معانيها من السياق الذي يعكس معناها الحقيقي في الجملة، حيث يتحكم السياق الخارجي للنص بشكل كبير في تحديد نوعية القضايا التي تطرح للنقاش، فهي تطبق بذلك مقولة» مطابقة السياق لمقتضى الحال «.
خاتمة
ﺘﻘﻭﻡ ﺍﻟﺴﺨﺭﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻅﻬﻭﺭ ﺒﻤﻅﻬﺭ ﺇﻋﻁاءﺀ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻟﻠﺨﺼﻡ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻻﺴﺘﻬﺯاءﺀ ﺒﻪ ﻹﻅﻬﺎﺭ ﻤﺩﻯ ﻋﺒﺜﻴـﺔ ﺃﻓﻜﺎﺭﻩ ﻭﺸﻨﺎﻋﺘﻬﺎ ﻭﻟﺫﺍ ﻏﺩﺕ ﺍﻟﺴﺨﺭﻴﺔ ﻤﻥ ﺒﻴﻥ ﺍﻷﺩﻭﺍﺕ ﺍﻟﺤﺠﺎﺠﻴﺔ ﺍﻟﻤﻔﻀﻠﺔ ﻓﻬﻲ ﺘﺨﺘﻠﻑ ﻋﻥ ﻏﻴﺭﻫـﺎ ﻤـﻥ ﺍﻷﺩﻭﺍﺕ، فهي سلاح جوهري للاستراتيجية الحجاجية كونها تجعل المتلقي متواطئا ويجبره على قطع نصف الشوط للانخراط في الطرح كما ﺘﻜﺴﺭ ﺍﻟﺭﻭﺘﻴﻥ ﺍﻟﻁﺒﻴﻌﻲ ﻟﻠﻜﻼﻡ ﻓﺘﺭﻗﻰ ﺒﺎﻟﻔﻜﺎﻫﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻭﻯ ﺍﻷﻜﺜﺭ ﺫﻜﺎﺀ ﻭﻟﺒﺎﻗﺔ، ﻓﺘﺠﻌل ﻟﻬﺎ ﻤﻌﻨﻰ ﻭﺘﻌﻁﻴﻬﺎ ﻗﺩﺭﺓ ﺨﺎﺼـﺔ. ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻴﻜﻭﻥ ﻟﻬﺎ ﻫﺩﻑ ﻭﺃﻥ ﺘﺨﺩﻡ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻬﺩﻑ ﻭﺃﻥ ﺘﺤﺘﺎل ﻟﺘﺤﻘﻴﻘﻪ ﻭﺇﺫﺍ كان ﺍﻟﺤﺠﺎﺝ ﻴﻘﻭﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺩﻟﻴﺔ ﺒﻴﻥ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭ ﻴﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺇﺜﺒﺎﺕ ﻓﻜﺭﺓ ﻓﻲ ﻤﻘﺎﺒل ﺃﺨﺭﻯ ﻭﺍﺤﺩﺓ ﻤﻥ ﺍﻟﻭﺴﺎﺌل ﺍﻟﺘﻲ ﻴﺘﺤﻘﻕ ﻤﻥ ﺨﻼﻟﻬﺎ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻭﻡ ﻓﻤﺩﺍﺭﻫﺎ ﻫﻭ ﺍﻟﺘﻌﺎﺭﺽ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻨﺎﻗﺽ ﺒﻴﻥ ﻤﺎ ﻨﻔﻜﺭ ﻓﻴﻪ ﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺒﻴﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺠﺎﻨﺒﻲ ﻟﻠﺨﻁﺎﺏ ﺍﻟﺫﻱ ﻨﺘﻠﻔﻅ ﺒﻪ ﻓﺘﻌﻁﻲ ﺍﻟﺴﺨﺭﻴﺔ ﻤﻌﺎﻨﻲ ﻤﻀﺎﻋﻔﺔ ﻭﺘﻔﺘﺢ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻟﻠﻌﺩﻴﺩ ﻤﻥ ﺍﻟﺘﺄﻭﻴﻼﺕ ﺤﻴﺙ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻠﻔﻭﻅ ﺍﻟﺴـﺎﺨﺭ ﻴﺘﺸـﻜل ﺩﺍﺨـل ﺍﻟﺫﺍﺕ ﺍﻟﻤﻨﺯﺍﺤﺔ ﻋﻥ ﺘﻠﻔﻅﻬﺎ ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺫﺍ ﻓﺎﻷﺜﺭ ﺍﻟﻤﻔﺎﺭﻕ ﺤﺠﺎﺠﻴﺎ ﻴﺤﺩﺙ ﻟﺩﻯ ﺍﻟﻤﺘﻜﻠﻡ ﺍﺯﺩﻭﺍﺠﻴﺔ ﺘﺘﺄﺭﺠﺢ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻘﻭل ﻭﻤﻨﺎﻗﻀﺘﻪ ﺒﺸﻜل ﻤﺘﺯﺍﻤﻥ، ﻭﻴﻭﻟﺩ ﻤﻥ ﻨﻔﺱ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻤﻌﻨﻰ ﻤﻔﺎﺭﻗﹰﺎ ﻨﺎﺠﻤﺎ ﻋﻥ ﻗﻴﻤﺘﻴﻥ ﺤﺠﺎﺠﻴﺘﻴﻥ ﻤﺘﻌﺎﺭﻀﺘﻴﻥ ﺘﺨﺭﻗﺎﻥ ﻤﺒـﺎﺩﺉ ﺍﻻﻨﺴـﺠﺎﻡ ﺍﻟﺨﻁﺎﺒﻲ ﺍﻟﻌﻘﻼني .