Resumé
مقدمة
تسعى المدرسة الجزائرية جاهدة الى تطوير البرامج وتحديث المناهج واتباع النظريات التعليمية الحديثة ومحاولة تجسيد نتائج أبحاثها في هذا المسعى.
يكتسي تعليم اللغة العربية مكانة هامة في المناهج الجديدة كونها لغة التعليم في الجزائر. وقد تبنت المناهج المقاربة النصية في تعليمية اللغة العربية.
لكن الاشكال المطروح بإلحاح شديد والناجم عن تبني هذه المقاربة هو التالي:
-
أي نص يقرأ المتعلم ؟ وكيف يمكن اختيار النصوص المقدمة للمتعلم خاصة في مرحلة التعليم الابتدائي؟
-
وبعبارة أكثر دقة وعلمية: ما هي المعايير والمقاييس الواجب اعتمادها لاختيار النصوص المقدمة للمتعلم في ضوء المقاربة النصية؟ مع التركيز على قضية التدرج الموضوعاتي وبيان أهميتها كمعيار حاسم في اختيار النصوص.
لمناقشة هذه الاشكالية يستند المقال إلى تحديد الأهداف أو لماذا يقرأ المتعلم النص في هذه المرحلة؟ لأن اختيار الأهداف بدقة يمكننا من اختيار المحتوى - النصوص- والطريقة، بالإضافة إلى مراعاة مستوى المتعلمين وكفاءاتهم.
إن اختيار النصوص الملائمة لعينة المتعلمين المستهدفين خاصة المتعلقة بمرحلة التعليم الابتدائي يشكل تحديا كبيرا، لأن النصوص المنتجة في هذا المجال قليلة إن لم نقل نادرة فأدب الطفل لا يحظى بأي اهتمام والتأليف فيه غير كاف. فنجاح العملية التعليمية كما أنه مرتبط بالطرائق التعليمية فهو كذلك متعلق بالمادة موضوع التعلم النصوص المقترحة.
ولمعالجة الاشكالية المطروحة سنتطرق الى أهم مقاربات تعريف النص، لنستتبعها بذكر مجمل المقاييس المتعارف عليها في اختيار النصوص التعليمية لنصل في الأخير الى تحديد معيار هام يمكن الارتكاز عليه في عملية الاختيار هذه. ونقصد هنا معيار التدرج الموضوعاتي.
1. مفهوم النص
يقدم ايوالد لانغ Ewald Lang في مقاله الموسوم « متى يكون النص أكثر ملاءمة من نحو الجملة»1
عرضا لأهم تصورات مفهوم النص، فهناك تصور ينطلق من الجملة محاولا أن يصوغ كلمة «نص» للدلالة على شكل لغوي ذي تعقيد معين وتكون الجملة في هذه الحالة هي مقياس هذا التعقيد الذي يمكن أن يصل الى حدود الرواية (مفتاح، 2006، صفحة 2) .... وهنـــاك تصور ثان يرى أن المــراد بـ «خطــــاب» هو التمييز بين المادة اللغوية التي نسميها «نص » والمادة غير اللغوية التي تؤدي أيضا وظيفة دالة (مفتاح، 2006، صفحة 2).
وهناك تصور ثالث يرى أن «النص » يدل على شكل أو كيفية وجود العناصر اللغوية في فعل التواصل (مفتاح، 2006، صفحة 2).
لكن لا يمكن لأي تصور من هذه التصورات أن يؤسس نظرية فكل جانب يعكس تصورا هاما من الناحية اللسانية على النموذج أن يبنيه، وبالتالي فالتكامل بين هذه المنظورات هو الذي يوصلنا إلى نظرية متكاملة متعلقة بالنص.
إن الافتراضات التي اقترحها « لانغ » يمكن أن تعطينا منطلقا لتحديد أولي لمفهوم النص نذكر منها :
-
النص هو الإطار الذي يزول داخله لبس الجمل.
-
النص يحتوي على افتراضات أخرى غير افتراضات واقتضاءات الجمل المكونة له.
-
للنص إمكانيات أخرى لإعادة الصياغة غير الإمكانيات التي للجملة.
وهكذا سنتطرق إلى النص كالآتي:
1.1. النص تتابع منسجم من الجمل
يرى (1976 : 23) Werlich « أن النص هو بنية موسعة من الوحدات التركيبية وهكذا يصبح الانسجام يبني عناصرها».
وهكذا يكون الانسجام مكونا أساسيا للنص «textualité» ويعكس هذا أن المتكلم له القدرة على إنتاج نصوص منسجمة والحكم على سلسة من الجمل المتجاورة على أنها منسجمة أو غير منسجمة، وهذه النظرة إلى النص من الداخل تجعله وحدة لسانية تتكون بدورها في وحدات البناء.
2.1. النص كبنية مقطعية جملية أو قضوية
النص بنية مقطعية تتكون من وحدات لسانية يندرج بعضها في بعض (Maingueneau 1998 : 46)، فالنص مكون من مقاطع هي الأخرى مكونة من بنى كبرى هي بدورها مكونة من بنى صغرى كالآتي:
عتبر فاندايك V Dijk وج.م.آدم J.M.Adam وحدات البنى الصغرى قضايا ويريان أنها مركبة من جملة ودلالة ويصوغانها كالآتي
-
النص بنية مقطعية قضوية: فالنص مكون من مقاطع قضوية تتكون من (ن) بنية قضوية كبرى بدورها مكونة من (ن) بنية قضوية صغرى، وحدتها الأدنى (ن) قضية (Oswald, 1980 :193-194).
-
النص كبنية مقطعية جملية : كل نص يتكون من مقاطع جملية، وكل مقطع جملي يتكون من سلاسل من المقاطع الجملية الكبرى، وكل مقطع من المقاطع الجملية الكبرى يتألف من سلسلة من المقاطع الجملية الصغرى بدورها تتكون من سلسلة من الجمل (V.Dijk.Tmun. A: 99-101).
وبالتالي فالجملة هي الوحدة الأساسية في بنية النص، أو كما يرى J.M. Adam. ان النص من المنظور النحوي هو بنية مقطعية جملية (Adam.J.M 1990 : 116).
3.1. علاقة النص بالخطاب والمقال
النص عندد جان ميشال كما بينا هو بينة مقطعية جملية أو قضوية وبالتالي فهو بنية مجردة في ذهن المتكلم (Adam.J.M 1990 : 124). فالنص بهذا المنظور مكون من سلاسل الجمل أو سلاسل القضايا فهو بذلك بنية مجردة – بنية لسانية شكلية – ولكي يدخل في عملية تواصلية عليه أن يتكيف مع ظروف التواصل المتمثلة في المقام contexte؛ وإذا تحقق ذلك واندرجت بنية النص في بنية المقام تتحقق بذلك بنية أوسع وأعم هي الخطاب «Discours» ويمكن تلخيص ذلك من خلال المعادلة التالية:
الخطاب = النص + المقام (شروط الإنتاج )
⟵ النص = الخطاب – المقام (شروط الأنتاج )(Adam J.M 1990 : 39-40)
وعليه يمكن اعتبار النص بينة كلية مترابطة ومنسجمة مراعيا المتلقي وظروفه والسياق والمقام عند تلقيه وإخراجه من الحيز الموجود بالقوة إلى حيز الموجود بالفعل، ليصبح بذلك - النص – كلٌّا مترابطا يفسر بعضه بعضا ولا يهمل العلاقات بين أجزائه وجمله وقضاياه باعتبار أن تجزئة النص عند تفسيره وتأويله ليس إلا وهما.
تكاد تتفق مختلف التعريفات والمنظورات السابقة للنص في أن النص وحدة كلية مترابطة الأجزاء تتتابع فيها الجمل وفق نظام معين، وتسهم كل جملة في فهم التي تليها كما تسهم المتقدمة في فهم المتأخرة فلا يتحقق من معاني الأجزاء فحسب بل من خلال معاني الأجزاء وتآزرها في بنية كلية كبرى» (فقي 2000، صفحة 192).
غير أن التطرق إلى النص من منظور تعليمي بيداغوجي يحيلنا إلى اعتماد مقاربة له تراعي مجموعة من الشروط والمعايير المتعلقة بالأهداف المرجو تحقيقها من هذه العملية، وبحسب المرحلة التعليمية المستهدفة ومميزات المتعلم وطبيعة مكتساباته والطريقة التعليمية المتبعة، بالإضافة إلى المقاربة المعتمدة في ذلك – المقاربة النصية – وما تقتضيه من مبادئ انطلاقا مما تم التوصل إليه في نظرية القراءة والتأويل وتحليل الخطاب وجمالية التلقي والبحوث المتعلقة بنظرية النص والتداولية ... إلخ. لأن اعتماد المقاربة النصية في العملية التعليمة يقتضي منا تمكين المتعلمين من امتلاك ملكة نصية وهي ملكة مركزية هامة بها يستطيع التعبير وحل المشكلات والفهم والتأويل لأنه يكون قد امتلك تصورا عن كيفية بناء النصوص وإنتاجها وبالتالي فهمها وتأويلها والانتاج على منوالها.
غير أن القضية الأساسية التي يجب مراعاتها هنا هي أن النص يمثل ضرورة في تدريس اللغة في هذه الطريقة المُعتمدة على المقاربة النصية، لأن النص هو نقطة البدء والمنتهى. «فاختيار النص الجيد بموضوعه، وحجمه ولغته، وجودته الفنية ورعايته لمستوى التلاميذ الذين يُقدم إليهم - عقليا ولغويا – يُعد من الشروط الأساسية لهذه الطريقة». (مراد، 2002: 25) لكن يصبح التساؤل المطروح هنا هو: كيف السبيل إلى تحقيق ذلك؟ وما هي نوعية وطبيعة النصوص التي تتوفر على هذه الشروط، ومدى توفرها؟ كيف يمكن التوفيق بين هذه الشروط والنصوص ذات القيمة الجمالية؟ (الشعرية، الروائية ...مثلا)
-
وهل قدم الكتاب المدرسي موضوع المناقشة والدراسة - كتاب اللغة العربية للسنة الخامسة من التعليم الابتدائي (سراب، 2019) - تصورا ناضجا لهذه الإشكالية واقترح نصوصا تراعي هذه الشروط، بالإضافة إلى أخذه بعين الاعتبار الكفاءات المستهدفة من هذه المرحلة؟
كيف يمكن إذن أن نوفق بين شروط (المعايير) الواجب اعتمادها لاختيار النصوص خاصة معيار التدرج الموضوعاتي وبين الأهداف المسطرة في الكتاب والمنهاج هذا من جهة وبين معيار التدرج الموضوعاتي وأنماط وأنواع النصوص المقدمة وطبيعتها من جهة أخرى؟
من خلال ما سبق يظهر جليا أنه يجب مراعاة شروط ومعايير عند اختيار النصوص وتقديمها لهذه الفئة من المتعلمين يمكن أن نحصرها في الآتي :
-
تقويم إدراكي للتلميذ ومعارفه ومواقفه ومتطلبات أخرى.
-
أن يكون النص ذا معنى للقارئ ويناسب قدرة تقبله العقلية والمنطقية.
-
أن يكون النص المقدم واضحا من الناحيتين الشكلية والكتابية (الإملاء، الخط، توزيع الفقرات، العناوين الفرعية، العنوان الرئيسي، الصورة المرفقة... إلخ). لأن هذه المميزات ومميزات أخرى متعلقة ببنية النص ومستواه تعد من المتطلبات الهامة لفهم النص ودراسته وتحليله وبناء معناه.
-
الالتزام بما جاء به المنهاج وله علاقة بطبيعة وأنواع النصوص المقترحة لهذه الفئة من المتعلمين.
-
رصد دقيق لأهم الأهداف الواجب تحققها في هذه المرحلة التعليمية.
لذلك فالواجب في النصوص المقدمة في العملية التعليمية لهذه المرحلة –التعليم الابتدائي- ألا تكون نصوصا مطولة وتتألف من موضوعات فرعية مكثفة تتداخل والموضوع العام، فهذا بدوره يعطل عملية القراءة والفهم ويجعلها صعبة وشبه مستحيلة في هذه الحال. لأن سعة التخزين المحدودة في الذاكرة قصيرة المدى (50 قضية أولية تستعمل كحد أعلى) على المتلقى أن يمسح جزءا من القضايا المنشطة من قبلُ لكي يخلق فراغا لمعالجة قضايا جديدة، هذه القضايا الملغاة تكون غير ذات أهمية من وجهة نظر المتلقي(المتعلم) لفهم معنى النص. وهكذا «يحدث فهم النص أساسا بشكل انتقالي، ويعتمد بشكل خاص على أهمية المعلومات للمتلقى » (جراءات فهم النص، 1999). هذا بدوره يحيلنا إلى القضية الأساسية في هذا البحث المتعلقة بمعيار التدرج الموضوعاتي «progression thématique » المرتبط بمبحث الاتساق والانسجام في النصوص (مفتاح، 2008) الذي اُقترح كمعيار أساسي في عملية اختيار النصوص التعليمية إضافة إلى المعايير السابق ذكرها المتعلقة بالمعجم المفرداتي المستعمل وأنواع النصوص المدرجة التي تتناسب مع طبيعة مستوى المتعلم وإمكانياته وكفاءاته المعرفية والنصية ... إلخ.
إن اقتراح هذا المعيار يدفعنا إلى استثمار ما تم التوصل إليه في مجال نظرية القراءة والتأويل والتلقي الجمالي وما تقدمه لسانيات النص والخطاب من مفاهيم معرفية ونظريات تتعلق بالبنى النصية وكيفية ترابطها وطريقة نمو المعلومة (الموضوع) داخل النص/ الخطاب، وترتيب النص والمباحث والدراسات الحديثة المرتبطة بمنظورات تحديد مفهوم النص وأنماطه وأنواعه وكيفية ترابط أجزائه ومقاطعه وترتيب عناصره وعملية تكوثره.
2. التدرج الموضوعاتي « progression thématique »
أول من بدأ الحديث عن هذا الموضوع هو ف. ماثيسيوس (Vilem Mathesius) في إطار ما يسمى بحلقة براغ «منظور الجملة الوظيفي»: ويقصد به أن الجملة يجب أن تشكل رسالة تنظم التواصل والمعلومة، أي الاعتماد على «مفهوم الديناميكية التبليغية »، « فكل مجموعة من العناصر اللغوية تحمل بحسب موقعها درجة تبليغية [د.ت] مما يسمح يتحديد مدى مساهمة كل مجموعة في بلورة التبليغ » (مفتاح ب.، 2006، صفحة 10). ويقصد به أن كل جملة تتضمن عنصرين يلعبان دورا ديناميكيا من حيث إسهامهما في مضمونها الإخباري هما : الموضوع (Thème) والمحمول (Rhème) فتقسيم عناصر الجملة بهذا الشكل يجعلها تتفاوت في درجات إعلاميتها (إفادتها الإخبارية) أوما تحمله من معان حسب موضعها، فيكون الموضوع أقل قيمة إعلامية (هو الشيئ الذي نتحدث عنه) بينما المحمول (مانقوله عن هذا الشيئ) فإنه أكبر ديناميكية تبليغية ويحمل أكبر قيمة إخبارية ( إعلامية).
حين ننتقل من الجملة إلى النص فإن النص كما هو معروف يتشكل بدوره من سلسلة من الجمل المترابطة وبالتالي فهو يتشكل من موضوع أو سلسلة من الموضوعات المخبر عنها بسلسلة من المحمولات وهكذا يتحقق تدرج النص الموضوعاتي. ونحن نتكلم هنا عن مفهوم التدرج الموضوعاتي من باب مناقشتنا إشكالية الانسجام من منظور نسبلو ونيفر وليكور (Lecours/Nevert/Nesplous) إذ عالجوا مسألة الانسجام من منظور القطيعة واعتمدوا على تصنيف للأنماط الخطابية التعبيرية«(مفتاح، 2008، صفحة 49). هذه الأنماط حسبهم لها مستوى أدنى يكون أساسه التكرار بين عنصري الجملة في التحليل الديناميكي لمدرسة براغ ويتعادل فيه العنصران دلاليا ويطلق على هذا النوع الحشو (tautologie) ومثال ذلك:
الشمس |
حارقة |
↓ |
↓ |
موضوع |
محمول |
ليترتب نوع آخر من الخطاب يلي هذا المستوى هو الخطابات التي لا تتحق فيها هذه المعادلة الدلالية بين عنصري الجملة بل على مستوى السلسلة الخطابية المكون من عدة جمل يتكرر فيها العنصر الأول (الموضوع) بالصيغة نفسها» (مفتاح، 2008، صفحة نفس الصفحة). ويمكن أن نمثل لهذه السلسلة الكلامية بالصورة التالية:
وسميت هذه الأنماط من الخطابات الأنماط قبل - خطابية (pré-discursifs) تقابل هذه الخطابات أنواع من الخطابات الأخرى العادية التي تتدرج بحسب التدرج الموضوعاتي وقد حصرها الباحثون في ثلاثة أنواع رئيسية هي :
-
التدرج بموضوع ثابت.
-
التدرج الخطي.
-
التدرج بمواضيع أو محمولات مشتقة.
1.2. التدرج الموضوعاتي بموضوع ثابت
يختلف نوع الخطابات والسلاسل الكلامية بهذا الشكل عن النمطين الذين تكلمنا عنهما سابقا بحيث نجد دائما في« الجمل المكونة لهذه السلاسل عنصرا مُكررا (الموضوع) وتتغير صورته( لغويا) فلا يأخذ صورة ثابتة وبالتالي نجد هذا النوع من النصوص يتكلم عن الشيء نفسه ويضيفه إليه كل مرة معلومة جديدة » (مفتاح، 2008).
ويمكن أن نمثل كالآتي:
2.2. التدرج الموضوعاتي الخطي
إذ كان النص هو مجموعة من سلاسل الجمل المترابطة كما بينا سابقا فإن تتابع الجمل يتحقق فيه التدرج الخطي عن طريق تحول المحمول أو جزء منه إلى موضوع في الجملة اللاحقة (Dillow 1997 : 90-1)
ويمكن تمثيل ذلك كالتالي:
3.2. التدرج الموضوعاتي بموضوعات أو محمولات مشتقة
ويتم تدرج عناصره كالآتي:
-
عندما يشتمل النص على موضوع كبير يتفرع إلى موضوعات جزئية ويمكن تمثيله كالآتي:
-
عندما يستمل النص على محمول كبير يتفرع إلى محمولات جزئية قد تشكل بدورها موضوعات جديدة، ونمثله
أو هكذا
تجدر الإشارة أنه يمكن أن تتمازج هذه النماذج في نص واحد، فلا يمكن في الواقع أن نجد نصوصا تحوي نوعا خالصا من هذه الأنواع. فدانيش يرى أن : «النصوص الحقيقية (أنواع النصوص) تعرف بواسطة توليف مختلف هذه الأنواع الأساسية» (فيهفيجر، 1999، صفحة 34). وإذا كان تحقق شرط الانسجام مربوط بتحقق مبدأ الاستمرارية كما هو الحال بالنسبة للتدرج الموضوعاتي من نوع (التدرج بموضوع ثابت أو التدرج الخطي أو التدرج بموضوعات أو محمولات مشتقة) فإن هناك أنواعًا من النصوص لا تتحقق فيها هذه الاستمرارية المستندة إلى معطيات لغوية وحينها تكون هناك قطيعة ،لأنه لا تكون علاقة محققة بين موضوع الجملة المنطلق منها الأولى والجمل التي تليها.
وبالتالي إذا تمكنا من استثمار هذه المعطيات النصية النظرية عند تنفيذنا للطريقة التعليمية المعتمِد على المقاربة النصية في هذا المستوى التعليمي، فإنه يمكن أن نقترح ونختار نصوصا بسيطة وغير معقدة من نوع التدرج الموضوعاتي الخطي أو التدرج بموضوع ثابت ومستمر حسب طبيعة المتعلم المستهدف ومستواه والأهداف والكفاءاات الختامية والشاملة المعلنة. لكن التساؤل المطروح هنا هو : كيف يمكن التعامل مع النصوص التي لا تتحقق فيها هذه الاستمرارية المستندة إلى المعطيات اللغوية عند برمجة الأنشطة المرافقة للنص المدروس؟ ! وهل يمكن أن نعتمد هذا الشرط أو المعيار كما اقترحه البحث عند اختيار النصوص المقدمة في العملية التعليمية التعلمية للغة العربية؟ وبالتالي فإن منفذ الطرقة التعليمية سيقصي كل نص لا تتحقق فيه هذه الاستمرارية المُحقِقة للانسجام والمُحقَقة بواسطة التدرج الموضوعاتي بموضوع ثابت أو خطي أو التدرج بموضوعات أو محمولات مشتقة.
غير أن الدراسات النصية الحديثة توصلت إلى أن الكلام عن الانسجام حينما تغيب الاستمرارية المستندة إلى معطيات لغوية يجرنا إلى مفهومين بلورهما نسبلو (Nesplous.J.L) هما الموضوع العام Hyper thèsme (Nesplous 1993 : 123) والموضوع الشامل(Nesplous1993 : 62-3) Hyper Hyper Thème .
فهذه النظرة الى الانسجام عند هؤلاء الباحثين سمحت ببلورة مخطط أو هيكل خاص (هيكل خاص) تتحدد فيه هذه المزاوجة بين ما هو لغوي وغير لغوي في شكل تقابل بين الكيفيات التي فيها المواضيع les thèmes على مستوى الشكل اللغوي .نرجع مرة أخرى إلى القصية الأساسية في هذه الدراسة والمتعلقة باتخاذ التدرج الموضوعاتي كمعيار لاختيار النصوص المقدمة في عملية تعليمية اللغة والأدب والنصوص في مرحلة التعليم الابتدائي .
لأن المتعلم في هذه المرحلة لا يمتلك ملكات نصية تمكنه من استيعاب النصوص المعقدة البناء (شكلا ودلالة)، فالنصوص التي لا تتحقق فيها الاستمرارية ستعقد المهمة على قارئها (المتعلم) الذي سيجد صعوبة في تتبع موضوعاتها وبالتالي تفحص انسجامها واتساقها وبناء معناها .أو كما يرى براون ويول عند حصرهما لمبادئ الانسجام » أن كل نص له نقطة بداية (عنوان، الجملة الأولى ...) ويُنظم على شكل متتالية جمل كالآتي :
النص =مج ج =ج1+ج2+ج3+......+ج ن .
فهذا التنظيم هو الذي سيتحكم في تأويله -النص- ويسمى هذا المبدأ بـ «التغريض ». ويستعمل المفهوم العام هو البناء. إذن فمفهوم «التغريض والبناء يتعلقان بالارتباط الوثيق بين ما يدور في الخطاب وأجزائه، وبين عنوان الخطاب أو نقطة بدايته مع اختلاف فيما يُعتبر نقطة بداية حسب تنوع الخطابات وإن شئنا قلنا إن في الخطاب مركز جذب يؤسسه منطلق وتحوم حوله بقية أجزائه» (خطابي، 1991، صفحة 59). ويمكن أن يتوافر في النصوص التي تتطور على شكل:
فالمتعلم في هذه المرحلة مازال متعلما مبتدئا في طور بناء ملكته النصية التي تمكنه من استيعاب النصوص المختلفة والمتنوعة وبالتالي علينا أن نكسبه ذلك عبر مراحل بالتدرج، وذلك بأن تُقدَم له في بادئ الأمر نماذج بسيطة من أنواع النصوص وتعطى له الفرصة ليتعامل معها بقراءتها وتحليلها والنسج على منوالها، أو من خلال تجسده لهذه النماذج في نصوص بحسب الشروع الكتابي الذي يراد منه أن ينجزه. وعليه يُطرح تساؤل غاية في الأهمية هو: كيف تعامل مؤلف الكتاب مع هذه الإشكالية عند اختياره النصوص المقدمة في العملية التعليمية؟ وما هي أنواع النصوص بحسب التدرج الموضوعاتي التي اقترحها الكتاب استنادا إلى هذا المعيار؟ وما هي أنواع النصوص الأولى بالتقديم، وكيف يمكن أن ترتب؟ أم أن الكتاب ومن قبله المنهاج لم يطلعا على هذه الاشكالات والقضايا النصية الحديثة، وبالتالي فإن اختيارهم للنصوص وترتيبها كان بطريقة عشوائية لا تستند إلى أي معيار أو مقتضى نصي نظري؟ !
والإجابة على هذه التساؤلات لا تجعلنا نتريث طويلا ولن يتطلب منا ذلك ولو الكثير من الاجتهاد والعناء، ومبرر ذلك ما جاء في مقدمة الكتاب المدرسي للسنة الخامسة ابتدائي: « لقد كان حرصنا كبيرا في انتقاء نصوص هادفة تغذي عقلك وتقوم أخلاقك وسلوكك وتكسبك الثقة ... » (المدرسي، صفحة 02). وفي موضع آخر : « العودة إلى النص في قراءات جهرية وصامتة لتحليله إلى مكوناته ... وليتيسر لك تملك الظواهر اللغوية ... لحفظ لسانك من الزلل وقلمك من الخطأ » (المدرسي، صفحة 02).
فإلى متى يبقى النظر إلى الطريقة التعليمية المعتمدة على المقاربة النصية بهذه الطريقة التي تتطابق مع الطريقة التقليدية المتوارثة التي لا تولي أهمية لاستثمار ما تم التوصل إليه في مجال البحوث اللسانية واللسانية النصية، والبحوث المتعلقة بنظرية القراءة والتأويل والتلقي الجمالي؟ وما هو المبرر الذي يجعل الكتاب يختار النصوص استنادا على معيار المحتوى فقط (هادفة، تغذي عقلك، تنمي ...) ويهمل المعايير الأخرى المرتبطة بأنواع النصوص وأنماطها وكيفية بنائها وطريقة تدرج الموضوعات فيها لتحقيق ترابطها وانسجامها؟ (مفتاح ب.، 2006، صفحة 8)
جاء في منهاج اللغة العربية : « بعد التحكم في الحروف خلال الطور الأول تركز المادة على قراءة نصوص متوسطة الطول، مشكولة جزئيا ... » (الوطنية، 2019، صفحة 32). فالتركيز في اختيار النصوص كان منصبا على طول الفقرات وعلى الجانب الإملائي فيها (مشكولة جزئيا) ولم يُلتفت في هذا التصور إلى الجوانب البنوية والشكلية وإلى كيفية تطور المعلومة داخل النص (التدرج الموضوعاتي في النصوص)، ولهذا نفترض أنه حتى وإن ظهر أن هذا المعيار قد روعي عند اختيار أنواع النصوص التي اقترحها الكتاب فإن ذلك لا يدل على أن منفذ الطريقة التعليمية قد اطلع على هذه القضايا النصية النظرية الجديدة واستثمر مبادئها ومقتضياتها عند اختياره للنصوص المقدمة في هذه العملية التعليمية وهذا ما سنبينه لاحقا عند دراسة النصوص المقدمة.
3. الجانب التطبيقي
تحليل نصين من كتاب اللغة العربية للسنة الخامسة من التعليم الابتدائي:
عنوان النصين على التوالي: «وادي الحياة» (العربية، صفحة 78)، و«عبقرية فذة» (العربية، صفحة 95). سنحاول من خلال تتبع التدرج الموضوعاتي في هذين النصين أن نحدد نوع التدرج الذي اُتبع في بناء النص ومدى مراعاته للمقاييس التي تساعدنا في تحديد الموضوع والمحمول داخلها لأن
«تحديد الموضوع والمحمول يعتمد كما سبق أن بينا على السياق وعلى خاصية الخطية وعلى ما يسمى [بالمنطق المعقول]، فأما السياق فإن اللغة تسمح لنا عن طريق ما تنتجه من إمكانيات التكرار والإحالة من أن نفرق بين ما هو قديم وما هو جديد . وأما المنطق المعقول وخاصية الخطية فيلعبان دورا حينما نكون في سياقات البدايات» (مفتاح، 2008، صفحة 59).
بحيث لا يمكن أن نستغل السياقات القبلية (الجمل الأولى في النصوص مثلا) لعدم وجودها. وذلك للإجابة على مختلف الاشكاليات المقدمة في الجانب النظري.
1.3. التدرج الموضوعاتي المعتمد في نص «وادي الحياة»
قد جاء على النحو التالي :
-
في المقطع الأول
-
في المقطع الثاني
-
في المقطع الثاني
فإذا نظرنا إلى المقاطع الثلاثة المشكلة للنص نلاحظ أن هذا الأخير يتركب من نوعين من التدرج الموضوعاتي، ففي المقطعيين الأول والثالث يعتمد على التدرج بموضوع ثابت أما المقطع الثاني فقد اشتمل على التدرج الموضوعاتي بموضوع مشتق ويطلق على النوع أيضا التدرج بموضوع متفجر «Progression à thème éclaté »
وهو عبارة عن موضوع عام Hyper- thème ويكون عادة كلمة تحتل رتبة أعلى قياسا بالعناصر التي تشتق منها وقد يكون مجموعة من الوحدات التي تحتل موقع المحمول في الجملة السابقة ثم تصبح كل وحدة موضوعا في الجملة اللاحقة كما بينا في المقطع الثاني.
من الملاحظات الهامة التي وجب الالتفات لها أن النص الأول وادي الحياة الذي جاء في المحور الخامس قد مزج بين نوعين من التدرج الموضوعاتي [التدرج بموضوع ثابت مع التدرج بموضوع متفجر(مشتق)] على عكس النص الثاني الذي جاء في المحور السادس فقد اشتمل على نوع واحد هو التدرج الموضوعاتي بموضوع ثابت (مستمر) كما سنبين ذلك لاحقا.
2.3. التدرج الموضوعاتي المعتمد في النص الثاني «عبقرية فذة»
في هذا النص نجد أنفسنا أمام موضوع يتكلم عن الشئ نفسه (موضوع = شخصية البيروني) ويضيف إليه في مسار خطي كل مرة معلومات جديدة، كما نلاحظ أن هذا الموضوع الذي يتكلم عن النص يتجلى لغويا في أشكال مختلفة (اسما، وضميرا، مرادفا، ...) كما هو موضح في الشكل التالي:
-
المقطع الأول
نشأ أبو الريحان البيروني نشأة متواضعة ... توفي والده ... فاضطر [هو] للعمل ... وبيعه، مما جعله ... حوله. فكان يجمع [هو] ... أنواعها. خالط أبو الريحان ... فتعلم [هو] ... واتسع وتعمقت تجاربه ... العالم. وصورته:
-
المقطع الثاني
لقد سبق البيروني علماء عصره ... فأكد [هو] أن سرعة الضوء ... الصوت. وأنكر [هو] ... مسطحة، واستطاع [هو] ... متناهية. كما شرح[هو]... الينابيع، حدد [هو] أيضا ... المعادن. وصورته كذلك:
-
المقطع الثالث والرابع
كتب البيروني ... العلوم، واعتبر [هو] واضع القواعد ... الميكانيكا، ... الفلك. مرت سنوات فأصبح البيروني شيخا، فجمع تجاربه ... (القانون المسعودي)، عندما كافأه السلطان بثلاثة جمال، لكنه ردها [هو] قائلا ...
إن الدارسين لأعمال البيروني وصفوه ... ذكاء، فهو لم يكن ... قل إن تتكرر.
وصورته:
إلا أن الجملة الأولى من المقطع الرابع (إن الدارسين ... ذكاءً) قد تحول فيها الموضوع وأصبح
نلاحظ أن الموضوع في المقاطع (السلاسل الجملية الأولى) يختلف عن الموضوع في هذه الجملة الأخيرة فحدث هناك انزلاق موضوعاتي في السلسلة الأولى إذ ينتقل موضوعها عبر الإضافة (الدارسين لأعمال البيروني)، كما نجد إعلانا عن فكرة الموضوع (البيروني) عبر الوصف له الموجود في الصيغة اللغوية (وصفوه بأنه أعظم العلماء). ليعود الموضوع الأول في الجملة الأخيرة ويختتم النص بهذا الشكل:
فهو (موضوع 1) .... لم يكن ... إنما كان عقلية ... قل أن تتكرر (محمول) ويمكن تمثيل هذا التدرج بالموضوع الثابت في الشكل التجريدي التالي:
خاتمة
مازال المتعلم في مرحلة التعليم الابتدائي متعلما مبتدئا في طور بناء ملكته النصية العامة والخاصة التي تمكنه من قراءة واستعاب النصوص المتنوعة والمختلفة وبالتالي علينا أن نكسبه إياها عبر مراحل بالتدرج. وذلك بأن نقدم له نماذج بسيطة من أنواع النصوص بحسب التدرج الموضوعاتي فيها كالنصوص التي تتدرج بموضوع ثابت أو خطي. وتعطى له الفرصة ليتعامل معها بقراءتها وتحليلها والانتاج على منوالها لننتقل به في مرحلة لاحقة إلى التعامل مع نماذج نصوص تمزج بين نوعين أو أكثر من هذه الأنواع: [التدرج الخطي، التدرج بموضوع ثابت، التدرج بمواضوع (متفجرة) انطلاقا من تجسيد لهذه النماذج في نصوص بحسب المشروع الادماجي (الكتابي) الذي يراد منه أن ينجزه، وهذا ما لم نلاحظه عند اختيار مؤلف الكتاب لأنواع النصوص بحسب التدرج الموضوعاتي فيها، ومن خلال الترتيب العشوائي المتبع لهذه النصوص في المحاور المتتالية. وهذا ينم عن غياب التصورات النصية الحديثة عند مؤلف الطريقة التعليمية، مما يدفعنا إلى تأكيد الإجابة التي قدمناها للإشكالية المتعلقة بأنواع النصوص بحسب التدرج الموضوعاتي فيها التي اقترحها الكاتب استنادا إلى معيار (التدرج الموضوعاتي)، وطبيعة الأنواع الأولى بالتقديم.
وكيف يمكن أن تُرتب؟ وحينها افترضنا أن الكتاب ومن قبله المنهاج لم يطلعا على هذه الاشكاليات والقضايا النصية الحديثة وبالتالي فإن اختيارهم للنصوص وترتيبها حسب المحاور المتتالية كان بطريقة عشوائية لا تستند إلى أي معيار أو مقتضى نصي.
وعليه تجد الإشارة إلى أن جميع النماذج – النصية- تكون ممكنة ويمكن أن تتمازج، ولا يكون صعبا في هذه الحال أن نقترح نصوصا لنماذج محددة ومتدرجة ومرتبة من البسيطة إلى المركبة على المتعلم القاريء وتعطى له الفرصة لينسج على منوالها ولكن مع مراعاة نقاط هامة يمكن حصرها في :
-
لفت الانتباه عند الاختيار إلى مكانة الترتيب في النص باعتباره شرطا ضروريا لمعنى الترتيب في الخطاب أو النص.
-
الدور الذي يلعبه الموضوع حتى وان كان الأقل قيمة تبليغية من المحمول لأنه يلعب دورا هاما، بحيث تنتظم النصوص على أنها سلسلة من المواضيع وإدراج محمولات جديدة يكون لضمان التدرج.
-
إذا كان هناك موضوعان فإن الثاني منهما في الترتيب يعتبر أكثر أهمية من الأول من الناحية التبليغية والحال نفسه حينما يتعلق الأمر بالمحمولات.
-
لايمكن في الخطابات (النصوص)التحديد بسهولة للعنصر الذي يحمل معلومات جديدة من العنصر المعروف – حسب السياق والمقام-