المحكمة الجنائية الدولية بين القيود القانونية والاعتبارات السياسية

La Cour pénale internationale entre restrictions juridiques et considérations politiques

The International Criminal Court between legal restrictions and political considerations

ميلود بن عبد العزيز د/ آسية بن بوعزيز

ميلود بن عبد العزيز د/ آسية بن بوعزيز, « المحكمة الجنائية الدولية بين القيود القانونية والاعتبارات السياسية », Aleph [], 9 (1) | 2022, 08 May 2022, 04 October 2024. URL : https://aleph.edinum.org/5929

على الرغم مما تشكله المحكمة الجنائية الدولية من تطور نوعي في نظام العدالة الجنائية الدولية وجميع الأنظمة القانونية العالمية المختلفة، بيد أنها تواجه جملة من العراقيل منذ تأسيسها. وجاءت هذه الدراسة لإبراز أهم الفواعل التي تحول دون فعالية هذه المحكمة في إنفاذ اختصاصها القضائي المكمل أصلا للولايات القضائية الجنائية الوطنية، سواء من حيث القيود القانونية التي تضمنها نظام روما الأساسي ونصوصه التي جاءت خادمة للأطراف دولية معينة أبدت تخوفها من إنشاء هذه الهيأة القضائية في مراحلها الأولى، والتي عرفت كيف تحمي نفسها من المتابعات التي يمكن أن تطال إحداها، فكان لها ذلك من خلال دباجة نظام روما الأساسي، أو من حيث السياسة الانتقائية لمجلس الأمن من خلال سلطتي الإحالة وإرجاء التحقيق، وتدخله في عمل هذه الهيئة تحت مسمى حق الفيتو.

Malgré le développement qualitatif de la Cour pénale internationale dans le système de la justice pénale internationale et de tous les différents systèmes juridiques internationaux, elle a cependant rencontré un certain nombre d’obstacles depuis sa création. Cette étude vient mettre en évidence les facteurs les plus importants qui empêchent la Cour d’exercer efficacement sa compétence, complémentaire, à sa création des juridictions pénales nationales, tant en ce qui concerne les restrictions juridiques contenues dans le Statut de Rome que dans les textes venus au service de certaines parties internationales qui ont exprimé leur crainte on de cet organe. En effet, le Traité de Rome, par le biais du Statut de Rome, ou en termes de politique sélective du Conseil de sécurité par le pouvoir de renvoi et de report de l’enquête et de son intervention dans les travaux de cet organe au nom du droit de veto.

Despite the qualitative development of the International Criminal Court in the international criminal justice system and all the various international legal systems, however it has faced a number of obstacles since its establishment. This study came to highlight the most important factors that prevent the effectiveness of this court in enforcing its jurisdiction that is originally complementary to national criminal jurisdictions, both in terms of legal restrictions contained in the Rome Statute and its texts that came in the service of certain international parties that expressed their fear of establishing this judicial body in its early stages, which knew how to protect itself from the follow-ups that could affect one of them, and it did so through the preamble of the Rome Statute, or in terms of the selective policy of the Security Council through the powers of referral and postponement of the investigation and its intervention in the work of this body under the name of the right of veto.

مقدمـة

لقد كان على البشرية انتظار صدمة الأحداث الدرامية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في يوغسلافيا السابقة ورواندا حتى يتقبل المجتمع الدولي فكرة إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة، والتي تأسست بعد العراقيل والانتقادات التي وجهت إلى المحاكم العسكرية الدولية لنورمبرغ 1945م وطوكيو 1946م، والمحاكم الجنائية الدولية الخاصة ليوغسلافيا السابقة 1993م ورواندا 1994م؛ والتي تركز أساسها حول خضوعها لمنطق التحكم والقوة وعدم المساواة. وعلى هذا الأساس كثف المجتمع الدولي الجهود من أجل التوصل إلى إقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لاسيما الدور الذي اضطلعت به الأمم المتحدة بهذا الشأن، من خلال لجنة القانون الدولي واللجنة التحضيرية التي أنشئت لهذا الغرض، حيث وبناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة دورتها الحادية والخمسين 1996م انعقد المؤتمر الدبلوماسي للمفوضين في العاصمة الإيطالية روما خلال عام 1998م، وبحضور مندوبين عن 160 دولة والعديد من حركات المجتمع المدني الدولي والمنظمات غير الحكومية.

ورغم النقاشات والاختلافات الجلية التي عرفها مؤتمر روما والتي كان جزء كبير منها تعبير عن التعارض بين النظم القانونية والخلفيات والاعتبارات السياسية، فقد تكللت جهود الأمم المتحدة بالنجاح بتبني نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة في السابع عشر من يوليو عام 1998م؛ بحسبانها الآلية الدولية التي يجب أن تتولى محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية الأشد خطورة المهددة للسلم والأمن الدوليين، ودخلت حيز النفاذ كمعاهدة جماعية ملزمة لأطرافها في الأول من يوليو عام 2002م.

وقد عبرت ديباجة النظام الأساسي عن الأسباب والمبررات التي أدت إلى إنشاء المحكمة والآمال المعقودة عليها، وخاصة في الفقرات التالية : « أن ملايين الأطفال والنساء والرجال قد وقعوا خلال القرن الحالي ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها هزت ضمير الإنسانية بقوة. وإذ تسلم بأن هذه الجرائم الخطيرة تهدد السلم والأمن والرفاه في العالم، وإذ تؤكد أن اخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب أن لا تمر دون عقاب، وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني، وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي. وإذ تعرب عن تصميمها على وضع حد لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب، وبالتالي على الإسهام في منع وقوع مثل هذه الجرائم. وإذ تذكر بأن واجب كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على أولئك المسؤولين عن ارتكاب جرائم دولية. وإذ تؤكد على أن المحكمة الجنائية الدولية المنشأة بموجب هذا النظام الأساسي ستكون مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية. وإذ تعرب عن عزمها الأكيد بأن تكفل الاحترام الدائم للعدالة الدولية، وأن تضعها موضع التنفيذ » (نظام روما الأساسي. 1998 : الديباجة).

ولاشك أن تأسيس المحكمة الجنائية الدولية يعتبر حدثا عالميا عظيما، وتحولا جذريا في القانون الدولي الجنائي؛ بما تشكله من تطور نوعي في نظام العدالة الجنائية الدولية وجميع الأنظمة القانونية العالمية المختلفة. وعلى الرغم من الآمال العراض التي صاحبت الدعوة إلى إنشاء هذه المحكمة بأن تكون مهدا لتحقيق العدل والاقتصاص من مرتكبي الجرائم الدولية الخطيرة، والمحاولات الدولية لإيجاد بيئة قانونية محايدة للعدالة الجنائية الدولية، إلا أن الواقع الدولي جاء مغايرا ومناقضا لتلك الآمال، ويثير العديد من التساؤلات حول مستقبل سير عمل هذه المحكمة وطبيعة قرارتها. في ظل حقيقة أن هذه الهيئة القضائية الدولية قد برزت في وجهها العديد من العقبات والقيود التي تحتاج إلى جهود غيـر عادية لمعالجتها، وهذه القيود وإن بدت واقعية وقت إنشاء المحكمة، فإن طغيان الاعتبارات السياسية وازدواجية معايير التعامل الدولي في تطبيق المفاهيم الدولية، والتوظيف الانتقائي لصلاحيات مجلس الأمن من طرف الدول الكبرى؛ لسوف يؤدي إلى المزيد من التقييد لعمل والعجز في ممارسة هذه المحكمة لولايتها القضائية ونظر القضايا والحالات الشائكة على الصعيد الدولي، خاصة في ظل التنامي المتزايد للانتهاكات الخطيرة للحقوق الانسانية في شتى بقاع العام تحت مسميات وذرائع مختلفة كمحاربة الإرهاب والتطرف، بل وحتى تطبيق الديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان نفسها، في مفارقة عجيبة أمام مرأى ومسمع الهيئات والمنظمات الدولية.

وضمن هذا الواقع الدولي الراهن، ومع مرور قرابة تسعة عشر (19) سنة على قيام المحكمة الجنائية الدولية، وبالتزامن مع الجهود الدولية لمراجعة مسيرة المحكمة منذ تاريخ نفاذ نظامها الأساسي (يوليو عام 2002م)، يبدو أن المحكمة الجنائية الدولية تواجه اليوم - أكثر من أي وقت مضى- مخاضا صعبا يحول دون ممارسة صلاحياتها وإنفاذ اختصاصاتها القضائية في مواجهة كافة الدول. وهذا في ظل حقيقة أن جُل الحالات التي أُحيلت على المحكمة هي حالات لدول إفريقية، وهو ما يُثير العديد من المخاوف والتساؤلات حول مستقبل العدالة الجنائية الدولية. فإلى أي مدى ساهمت المعوقات التي تواجهها المحكمة الجنائية الدولية في الحد من فعاليتها وتحقيق عدالة جنائية دولية جادة وموضوعية؟

وتحصيلا لذلك، سوف يتم الإجابة عن هذا التساؤل من خلال محورين أساسيين :

المحور الأول : المعوقات السياسية في عمل المحكمة الجنائية الدولية.

- التداخل الوظيفي بين عمل المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن.

- موقف الولايات المتحدة الأمريكية من المحكمة الجنائية الدولية.

المحور الثاني : المعوقات القانونية في عمل المحكمة الجنائية الدولية.

- الاختصاص المقيد.

- الدور التكميلي الممنوح للمحكمة الجنائية الدولية.

- معضلة تفعيل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لجريمة العدوان.

- طبيعة العقوبات المنصوص عليها في نظام روما الأساسي.

1. المعوقات السياسية في عمل المحكمة الجنائية الدولية

سنحاول من خلال هذا المحور، تبيان أهم المعوقات السياسية التي تحول دون أداء المحكمة الجنائية الدولية للوظيفة التي أُنيطت بها، والتي تبرز من خلال سيطرت هيئة سياسية وتدخلها السافر في ولايتها القضائية، ناهيك عن الموقف السلبي التي تتخذه الولايات المتحدة الأمريكية إزاءها.

1. 1. التداخل الوظيفي بين عمل المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن

يبدو أن مهمة المحكمة الجنائية الدولية مهمة صعبة، ولكن ليست مستحيلة؛ فقد ولدت في ظل أحداث عاصفة أقوى من أن تواجه بوسائل عادية، ولذلك فمهمتها تصبح أكثر صعوبة وتعقيدا، ويصبح من الأهمية بمكان إعادة الاعتبار إلى منظمة الأمم المتحدة كمنظمة فاعلة حتى تستطيع أجهزتها المختلفة القيام بالدور المنوط بها؛ لا سيما مجلس الأمن الدولي الذي يضطلع بالمسؤولية الرئيسية عن حفظ السلم والأمن الدوليين (على محمد جعفر. 2007 : ص109).

ومن المعلوم أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية منح سلطتين استثنائيتين لمجلس الأمن في شأن نظم الادعاء أمام المحكمة ذاتها؛ انصرفت ثانيهما (إرجاء وتوقيف التحقيق) بصفة خاصة على نحو خطير في مواجهة المآل المستقبلي للمحكمة، بينما صارت أولهما (الإحالة) إلى تعزيز الخلط داخل العمل الدولي بين المنازعات القانونية من جهة، والمنازعات السياسية من جهة أخرى (حازم محمد عتلم. 2002 : ص191، 192). ويعتبر هذا تداخل خطير بين سلطتين إحداهما قضائية والأخرى سياسية، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على السير الحسن لهذه لعمل المحكمة خصوصا وأن الدول الأعضاء الدائمة لمجلس الأمن هي أكبر الدول هيمنة في العالم، ولها كل القوة والتأثير للهيمنة على سير عمل هذا الأخير. وسنحاول من خلال هذه الجزئية تبيان السلطات التي منحها نظام روما الأساسي لهذه الهيئة السياسية، ومدى تأثيرها على السير الحسن للمحكمة الجنائية الدولية باعتبارها هيئة قضائية مستقلة تختص بالنظر في أشد الجرائم خطورة في العالم.

1.1.1. سلطة مجلس الأمن في الإحالة

نصت الفقرة (ب) من المادة 13 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أنه « للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة 5 - باعتبارها من أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره- إذا أحال مجلس الأمن، متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم الخاضعة لاختصاص المحكمة قد ارتكبت » (نظام رما الأساسي. 1998، المادة 13). وبموجب هذا النص يعتبر مجلس الأمن أحد الأطراف الذين منح لهم نظام روما سلطة إحالة الدعوى إلى المحكمة الجنائية فضلا عن مدعيها العام والدول الأطراف.

والحقيقة أن إعطاء الحق لمجلس الأمن بإعمال اختصاص المحكمة كان من النقاط الخلافية والتي نالت نصيبا وافرا من النقاش أثناء المؤتمر الدبلوماسي في روما. وذلك تخوفا من هيمنة مجلس الأمن على المحكمة وتحولها إلى جهاز تابع له (علي وهبي ديب. 2015 : ص125). ولذلك يرى البعض أن نظام روما الأساسي ضمن لمجلس الأمن من خلال سلطة الإحالة الممنوحة له حق الادعاء الدولي- السياسي- أمام المحكمة الجنائية الدولية جنبا إلى جنب مع الدول والمدعي العام ذاته، وهو ما سيؤدي إلى تشكيل نظامين للادعاء الدولي؛ أحدهما قضائي (المادة 13/ الفقرة أ، ج)، والثاني سياسي من خلال سلطة الإحالة الممنوحة لمجلس الأمن بموجب (المادة 13/ الفقرة ب) (حازم محمد عتلم. 2002 : ص192).

والواقع أن مجلس الأمن يحظى بأهمية تميزه عن باقي أجهزة الأمم المتحدة وآلياتها باعتباره السلطة التنفيذية للمنظمة بصفته المسؤول المباشر عن حفظ الأمن والسلام الدوليين (ولد يوسف مولود. دون سنة : ص82)، وعلى هذا الأساس منح نظام روما لمجلس الأمن سلطة الإحالة إن رأى أي حالة من شأنها أن تهدد السلم والأمن الدوليين، وخصه بممارسة اختصاص عام وقصري في مواجهة كل الدول سواء كانت طرف أو غير طرف في نظام روما الأساسي، ما يجعل المحكمة هيئة سياسية أكثر منها قضائية تخضع لهيمنة الدول الخمسة الأعضاء التي استخدمت المحكمة الجنائية الدولية كوسيلة لتحقيق أغراضها بموجب حق الفيتو تحت ستار حفظ الأمن والسلم الدوليين، غير أنه وبالرجوع إلى أرض الواقع نجد أن هذا الأخير يقع في تناقضات جمة والغريب في الأمر أنه في بعض الأحيان يتدخل حتى وإن لم يشر إلى أن هناك حالة تهديد للأمن والسلم الدولي، وأكبر مثال على ذلك قراره رقم 1970 (2011) المتضمن إحالة الوضع في الجماهيرية العربية الليبية أمام المحكمة الجنائية الدولية، ولم يشر في قراره أنه يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ولا أن الوضع في ليبيا فيه تهديد للأمن والسلم الدوليين، ما يفسر أن عمل مجلس الأمن بسعيه في تحقيق الأمن والسلم الدوليين يشوبه التناقض في غالب الحالات (محمد حسن القاسمي. 2014 : ص9)، ولماذا مجلس الأمن لم يتحرك في إحالة حالة فلسطين أمام المحكمة الجنائية الدولية رغم أن كل الوقائع تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، ناهيك عن أنها تشكل انتهاكا صرخا للقانون الدولي الجنائي والدولي الإنساني، فهذا إن دل على شيء فإنه يدل على الانتقائية التي ينتهجها مجلس الأمن في عمله، مستهدفا الدول الضعيفة والتي لا تحظى بدعم أو مساندة الدول العظمى كما هو الشأن بالنسبة للإسرائيل التي تجد دعمها الدولي من قبل الدول الأقوى في العالم، ولم يتجرأ أي طرف من الأطراف التي خول لها نظام روما الحق في إحالة حالة أمامها، وكأن المحكمة الجنائية الدولية أنشأت من أجل متابعة دول معينة دون غيرها وهذا ما نعنيه بالانتقائية، فاذا عدينا عدد الحالات التي أحيلت إلى المحكمة الجنائية الدولية والتي فتحت فيها تحقيقات رسمية نجدها سبع حالات تتعلق جميعها بدول إفريقية، وهذا الأمر يؤثر على مصداقية عمل المحكمة الجنائية الدولية واستقلاليتها، وابتعادها عن الهدف الذي أسست من أجله (محمد حسن القاسمي. 2014 : ص11).

وبالرجوع إلى نصوص نظام روما نجد أنه وضع لمجلس الأمن شروطا في تحريك الدعاوى من طرفه تختلف عن تلك التي يخضع لها كل من الدول الأطراف والمدعي العام، بحكم أن مجلس الأمن ينطلق من مبدأ أن هناك توافر حالة تهديد للأمن والسلم الدوليين كما أنف ذكره (Gabrielle Della Morte. 2002 : P30)، غير أن نظام روما قيد مجلس الأمن بشروط معينة تسمح له حال توافرها بإحالة حالة على المحكمة الجنائية الدولية.

  • الشرط الأول : ضرورة تصرف مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فمن الضروري على هذا الأخير التأكد من أن الحالة المعروضة عليه تشكيل تهديدا للأمن والسلم الدوليين أم لا، قبل احالتها على المحكمة وهو ما يجد أساس عمله القانوني في نصوص ميثاق الأمم المتحدة والمادة 13 من النظام الأساسي للمحكمة (عبد العزيز العشاوي. 2006 : ص85).

  • الشرط الثاني : هو ضرورة حصول مجلس الأمن على موافقة أغلبية الأصوات؛ أي بموافقة التسع أعضاء من أعضاء المجلس من بينهم أصوات الأعضاء الدائمين في المجلس دون اعتراض منهم، بمعنى عدم استخدامهم لحق الفيتو (نصر الدين أبو سماحة. 2008 : ص62). وهذا يعني أن الدولة ذات العضوية الدائمة هي بمنأى عن تطبيق هذه الوسيلة لإحالة جرائمها إلى المحكمة إذا لم تكن طرفا في النظام الأساسي، وعلى هذا الأساس لن تسطيع المحكمة النظر في الجرائم المرتكبة من أشخاص تابعين لدول كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والصين، أو تلك المرتكبة على أقاليمها دون قبولها لعدم انضمامها إلى النظام الأساسي من جهة، من جهة أخرى ستقف هذه الدول دائمة العضوية أمام مجلس الأمن عن طريق حق النقض (الفيتو) لإحالة أي جريمة تتهم بارتكابها مستقبلا (عبد الله علي عبو سلطان. 2010 : ص288، 289).

والجدير بالذكر أن سلطة مجلس الأمن تتوقف على قرار من الدول الخمس الأعضاء الدائمة ورغبتها في تحقيق أغراضها السياسية وخدمة لمصالحها، من خلال قبول إحالة حالة إلى المحكمة الجنائية الدولية أو إرجائها النظر فيها أو احجامها نهائيا في أي متابعة أو إحالة، رغم أن هناك العديد من الحالات التي تستدعي التدخل الفوري والسريع لمجلس الأمن كالجرائم التي ترتكب على الأراضي الفلسطينية، وإحجامه الصارخ في تحريك دعوى ضد إسرائيل.

  • الشرط الثالث : والذي يجب أن يحترمه مجلس الأمن هو رغبة الدولة المعنية الواقع على أراضيها أحد الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في مساءلة مجرميها، فإن لم يراعي مجلس الأمن هذا الشرط فطلب الإحالة سيواجه بالرفض من قبل المحكمة تطبيقا لنص المادة 17 من نظام روما الأساسي.

وفي حال اعتماد مجلس الأمن لقرار الإحالة، فإن تنفيذه يكون عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة الذي يقوم بدوره بإبلاغه إلى المحكمة مدعما طلب الإحالة بكافة الأدلة والاثباتات التي تعزز طلبه (براء منذر عبد اللطيف. 2007 : ص15).

فبعد تلقي المدعي العام طلب الإحالة من طرف مجلس الأمن يشرع في التحقيق وجمع كافة المعلومات التي من شأنها أن تحدد قبول الإحالة من عدمه. كما أن الإحالة من مجلس الأمن لا تحتاج إلى إذن من الدائرة التمهيدية كما هو الشأن بالنسبة للمدعي العام، ولا لقبول الدول الأطراف نظرا للمصداقية التي يتمتع بها مجلس الأمن، ناهيك عن إعفائه من مقتضيات شرط الرضائية والقبول فيما يخص الدولة المعنية بالجريمة (سوسن تمر خان بكة. 2004 : ص117-118). وهو ما يشكل انتهاكا للطبيعة الاتفاقية لنظام روما الأساسي الذي تشكلت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية (علي وهبي ديب. 2015 : ص127)؛ بحيث يكفي أن يتصرف مجلس الأمن بالتأسيس على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وبالاستناد على نحو ضمني إلى المادة الأربعين (40) منه إذا ما قدر لأول وهلة وقوعها تحت طائلة الجرائم الأشد خطورة، بإحالة الدعوة أمام المحكمة، ولو انصرفت الحالة قيد البحث إلى جريمة دولية لم تنصرف بمناسبتها كل دولة محل ارتكاب الجريمة ودولة جنسية المتهم إلى قبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ومن ثم التنازل عن ولايتها القضائية الوطنية (حازم محمد عتلم. 2002 : ص193).

وفي ذات السياق وضمن السلطات الممنوحة لمجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في تقرير وقوع جريمة العدوان The Crime of Aggression، حيث وبعد انعقاد المؤتمر الاستعراضي في كمبالا/أوغندا في 31 ماي إلى 11 جوان 2010م وتوصله إلى تعريف شامل ودقيق لجريمة العدوان بتحديد أفعالها وأركانها، وبعدما زالت إشكالية إدراج تعريف لجريمة العدوان لاتزال المحكمة الجناية الدولية مقيدة بشرط يحول دون متابعة الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الجريمة؛ وهو إرجاء ذلك بقرار من مجلس الأمن باعتباره ووفقا لنصوص المواد 39-41-42 الجهة الوحيدة المخول لها تقرير وقوع عملا من عمل العدوان، وأن جميع الصلاحيات التي تتمتع بها المحكمة للنظر في جريمة العدوان معلقة على صدور قرار من مجلس الأمن مبينا فيه توافر حالة عدوان من عدمه، وهو ما يتناقض والاعتبارات القانونية، فالعدالة الشرعية والموضوعية تتطلب استقلالية مجلس الأمن باختصاصه السياسي في حالة وقوع تهديد للأمن والسلم الدوليين، وباعتباره هيئة تنفيذية فمن الضروري والمنطقي التصرف على ضوء ذلك ويترك الأمر للمحكمة في استقراء الملف الذي من المفروض يطرح أمامها، وإعطاء التكييف المناسب للفعل الضار، وباعتبارها صاحبة الاختصاص القضائي لها كل الصلاحية في تحديد الجهة المسؤولة عن ذلك (مبخوتة أحمد. 2019 : ص95).

2.1.1. سلطة مجلس الأمن في إرجاء وتوقيف التحقيق

يعتبر مجلس الأمن وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أحد الأطراف الثلاثة الذي خُوِّلَ لهم سلطة تحريك دعوى وإحالة ملف إلى المحكمة الجنائية الدولية، غير أن هذا الطرف منحت له سلطات واختصاصات مهمة جدا وأوسع من تلك التي منحت إلى المدعي العام والدول الأطراف بموجب المادة 13 (عقبي محمود. 2017/2018 : ص92).

فلمجلس الأمن -كما تقدم- الحق في إحالة حالة ما على المحكمة الجنائية الدولية إذا ما رأى أن هناك تهديدا للأمن والسلم الدوليين، كما مُنحت له سلطة أخرى بموجب نص المادة 16 من ذات النظام الأساسي؛ وهي صلاحيته في إرجاء التحقيق أو المقاضاة في مرحلة من مراحل الدعوى المنظورة أمام المحكمة، سواء في بداية التحقيق أو أثناء إجراءات المحاكمة، لمدة (12) شهرا قابلة للتجديد، وبمقتضى قرار يصدره المجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (نظام روما الأساسي. 1998 : المادة 16).

وقد أعيب على نص المادة (16) من النظام الأساسي للمحكمة منحه للمجلس سلطة الإرجاء حتى بعد بدء المحكمة في سير التحقيقات، بالإضافة إلى أنه لم يحدد ميعاد بدء مدة الارجاء (12)شهرا ، هل تكون من تاريخ تقديم الطلب من جانب مجلس الأمن أومن تاريخ وصول العلم به إلى المحكمة؟ (عبد الفتاح محمد سراج. 2001 : ص113).

وهذا الأمر غير منطقي ويتنافى ومبادئ المحاكمة العادلة كونه إجراء خطير يؤثر على مصداقية المحكمة ويعرقل مهامها الأساسية التي أنشأت لأجلها، بخصوص بدء التحقيق أو المقاضاة في أي قضية كانت ولمدة اثنتي عشر شهرا (12) إذا طلب مجلس الأمن إرجاء أو إبقاء التحقيق أو المقاضاة فيها، وهذا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، كما منحته هذه المادة سلطة التجديد في هذا الطلب بالشروط ذاتها.

والمثير للجدل في هذا المقام كيف لسلطة سياسية التدخل في عمل هيئة قضائية يفترض فيها الحياد والاستقلالية. وإلى جانب ذلك يلاحظ خلو المادة 16 من النص على حد أقصى أو عدد معين لطلبات التأجيل المتعلقة بقضية معينة، وهذا يعني أن التجديد يستمر إلى ما لانهاية، ويرى بعض الفقهاء أن استمرار التجديد يمكن أن يكون نظريا أكثر منه حقيقيا وعمليا، وأنه ينبغي على المجلس أن يضع في الاعتبار، بالضرورة أن يكون تكرار تجديد الطلب بأمر أو تصرف صريح وقطعي، وأن هذا الأمر أو التصرف يمكن أن يكون مبررا فقط عند وجود ظروف استثنائية تتطلب ذلك (سعيد عبد اللطيف حسن. 2004 : ص301). وناهيك عن ذلك فإن تأجيل التحقيق في أي مرحلة تكون عليها الدعوى يؤدي إلى إهدار الأدلة وضياع آثار الجريمة وفقدان الشهود وإحجامهم عن الإدلاء بشهاداتهم، مما يؤثر سلبا على سير التحقيقات (عمر محمود المخزومي. 2008 : ص 322).

والأهم من ذلك؛ هو أن هذه السلطة الممنوحة لمجلس الأمن تساهم وبشكل كبير في تكسير مبدأ عدم الإفلات من العقاب، وهو الهدف الذي أنشأت من أجله هذه الهيئة، فليس لهذه الهيئة أن تصبح ذيلا تابعا لمجلس الأمن (فوزية هيبوب. 2017 : ص316).

وعلى هذا تعتبر المادة 16 من نظام روما الأساسي قيدا يغل يد المحكمة الجنائية الدولية في ممارسة اختصاصها بالنظر في دعوى ما، وفي أي مرحلة كانت عليها الدعوى، خاصة وصيغة الإطلاق التي طغت على المادة بخصوص عدد مرات التجديد دون مراعاة مصلحة المجني عليه التي تأخذ بعين الاعتبار (ضاري خليل محمود وباسيل يوسف. 2008 : ص234)، وفي نفس الوقت تغل يد القضاء الوطني في نظر هذه الدعوى (ضاري خليل محمود وباسيل يوسف. 2008 : ص243). فاختصاص المحكمة الجنائية الدولية ينعقد عندما لا يستطيع القضاء الوطني أو يكون غير قادر على النظر والتحقيق في الدعوى أو غير راغب في ذلك، وفي هذه الحالة تقوم المحكمة محل القضاء الوطني، وإذا فرضنا أن مجلس الأمن تدخل بإرجاء التحقيق في القضية أو الفصل فيها، نكون أمام عملية إلغاء كامل لسلطة المحكمة الجنائية الدولية والهدف الذي أسست من أجله. لذلك يُطلق بعض الفقهاء على هذه السلطة الممنوحة لمجلس الأمن بموجب المادة 16 « بالسلطة التي تمكن مجلس الأمن من اغتيال الادعاءات المرفوعة إلى المحكمة الجنائية الدولية » (حازم محمد عتلم. 2002 : ص194).

وعلى الرغم من وجاهة كل الملاحظات والانتقادات السابقة، فإن سلطة مجلس الأمن الدولي في إرجاء التحقيق والمقاضاة ليست مطلقة، بل إنها مقيدة بجملة من الشروط نصت عليها المادة 16 ذاتها؛ إذ لم يقصد منها سوى السماح لمجلس الأمن بالطلب من المحكمة الجنائية الدولية منح تأجيل مؤقت للتحقيق والمقاضاة في قضية تخضع لظروف استثنائية، ومن ثمة يجب إعطاء هذه المادة أضيق تأويل ممكن، وأن أية محاولة لاستخدامها لاعتراض سبيل المحكمة لولايتها القضائية لأكثر من فترة قصيرة ولمرة واحدة فقط لكل قضية من شأنها أن لا تتسق مع غرض نظام روما الأساسي بوضع حد للإفلات من العقاب، وتقديم جميع مرتكبي الجرائم الدولية الخطيرة للعدالة في جميع الحالات(ميلود بن عبد العزيز. 2015/2016 : ص661). (عبد الله علي عبو سلطان. 2010 : ص304).

. 2.1. موقف الولايات المتحدة الامريكية من المحكمة الجنائية الدولية 

من المتفق عليه أن الولايات المتحدة من ضمن الدول الداعمة في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وقد سعت جاهدة إلى ذلك شريطة إنشائها بموجب شروط ومعايير تخدم مصالحها، غير أن هناك من نظام روما ما يتعارض وهذه المصالح، فمد اختصاص المحكمة الجنائية على الدول غير الأطراف لا يخدم الولايات المتحدة ويعد خرقا للقاعدة الدولية التي مفادها أن الاتفاقية لا تلزم الدول غير الأطراف فيها (اتفاقية فينيا لقانون المعاهدات. 1969 : المادة 34)، وبالرجوع إلى نص المواد التي تثير الحالات التي تمنح للمحكمة الحق في ممارسة اختصاصها على الدول غير الأطراف، نجد نص المادة 12/02 من نظام روما الأساسي على أنه : « في حالة الفقرة (أ) أو (ج) من المادة 13 يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إذا كانت واحدة أو أكثر من الدول التالية طرفا في هذا النظام أو قبلت اختصاص المحكمة وفقا للفقرة 3 :

  • الدولة التي وقع في إقليمها السلوك قيد البحث لو دولة تسجيل السفينة، أو الطائرة إذا كانت الجريمة قد ارتكبت على متن سفينة أو طائرة.

  • الدولة التي يكون فيها الشخص المتهم بالجريمة أحد رعاياها »(نظام روما الأساسي. 1998 : المادة 12/ الفقرة2).

ويعتبر هذا النص من بين ما اعترضت عليه الولايات المتحدة الأمريكية في مؤتمر روما؛ إذ حاولت بكل ما لها من ثقل سياسي في تعديل صياغة هذه المادة، عن طريق اشتراط موافقة الدولة التي ينتمي إليها المتهم بجنسيته إذا كانت هذه الدولة ليست طرفا في النظام الأساسي للمحكمة، وقد وجه هذا الموقف بانتقادات شديدة، كونه يتعارض ومبدأ الإقليمية الذي يعد من المبادئ التقليدية للاختصاص القضائي. بيد أنه بفشل الولايات المتحدة الأمريكية في تعديل نص المادة 12/02، توجهت هذه الأخيرة إلى البحث في نصوص النظام الأساسي لإيجاد أهي ثغرة تمكنهم من إعفاء مواطني الولايات المتحدة الأمريكية من أية ملاحقة قضائية من قبل المحكمة الجنائية الدولية، لذلك وجدت في نص المادة 16 من نظام روما الأساسي المتعلقة بإرجاء التحقيق والمقاضاة- كما سبق البيان- ما يمكن استغلاله، وتفسيرها على نحو يخدم مصالحها وحماية جنودها في الخارج من الخضوع لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية (يحي عبد الله طعيمان. 2010 : ص359)، وبالفعل تمكنت من ذلك عن طريق استصدار القرارات التالية :

  • قرار مجلس الأمن رقم : 1422 (2002/07/12) الذي أعفى الولايات المتحدة من محاكمة جنودها لمدة 12 شهرا أمام المحكمة الجنائية الدولية؛ بعد ما هددت الولايات المتحدة الأمريكية باستعمالها لحق الفيتو حول مسألة تجديد جميع بعثات السلام التابعة للأمم المتحدة مالم يتم حماية مواطنيها من المحاكمة من قبل المحكمة الجنائية الدولية (عصام عبد الفتاح مطر، القضاء الجنائي الدولي. 2008 : ص60). (عبد الله علي عبو سلطان. 2010 : ص301-303 وفي نفس الصدد لجأت الولايات المتحدة إلى عقد اتفاقيات ثنائية مع الدول لضمان عدم إحالة مواطنيها على المحكمة الجنائية الدولية، حيث تطالب هذه الأخيرة الدول بإعادة الرعايا الأمريكيين إلى أمريكا بدلا من تسليمهم للمحكمة الجنائية الدولية، كما هددت الدول التي ترفض التوقيع بقطع المساعدات الاقتصادية والعسكرية.

والواقع أن هذا التخوف الأمريكي هو نتيجة الجرائم الدولية التي اقترفتها الولايات المتحدة الأمريكية على الأراضي العراقية تحديدا، والتي تعود إلى الاختصاص النوعي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي إن دل على شيء فإنه يدل أيضا على التواطؤ الأمريكي الإسرائيلي في السعي إلى عدم مساءلة هذه الأخيرة عن الأفعال الخطيرة التي ترتكب على الأراضي الفلسطينية أمام سكوت مجلس الأمن والمدعي العام للمحكمة الجنائية، وكذا الدول الأطراف عن إحالة ملف القضية الفلسطينية أمام المحكمة الجنائية الدولية.

  • قرار مجلس الأمن رقم : 1487(30/06/2003) والذي تضمن تجديدا للقرار (1422) وللمرة الثانية لتوفير الحصانة التي طلبتها الحكومة الأمريكية، وهو ما يخالف المبادئ التي جاء بها نظام روما الأساسي المتعلقة بعدم الاعتداد بالحصانة، لذلك فإن هذا التجديد للقرار (1422) يدل على عدم اكتراث مجلس الأمن بالغرض الحقيقي للمادة 16، ونيته بتوفير الحصانة الدائمة ضد المحكمة الجنائية الدولية لمواطني الدول غير الأطراف المشاركين في عمليات أنشأتها وأقرتها الأمم المتحدة (عبد الله علي عبو سلطان. 2010 : ص304).

وعليه فالأمر جلي للعيان أن هذه المحكمة جاءت تطبيقا ونزولا عند رغبات الولايات المتحدة الأمريكية وتحقيقا لمصالحها المتناقضة ونظام هذه الهيئة القضائية، بما يخدمها ويخدم الدول الموالية لها، حيث وكسابقة سلبية لمجلس الأمن منح الحصانة للجنود الأمريكيين وهي خطوة غير مسبوقة منه لسلطة المحكمة الجنائية الدولية، منتهكا بذلك نص الماديتين 27 و29 من نظام روما الأساسي الذي لا يعتد أساسا بمبدأ الحصانة وبالصفة الرسمية للأشخاص الذين يخضعون لمتابعة المحكمة الجنائية الدولية، فهذا القرار قد عزز مبدأ الإفلات من العقاب، وأكد هيمنة هذه السلطة السياسية باعتبارها جهاز تنفيذي تابع لهيئة الأمم المتحدة على اختصاص هيئة قضائية دولية، وهو ما يناقض مقتضيات القانون الدولي والعدالة الجنائية الدولية (مبخوتة أحمد وقيرع عامر. 2016 : ص96). لذلك فإن المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها محكمة مستقلة عن الأمم المتحدة يجب أن تبحث في مدى مشروعية هذه القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، وأن تقرر رفضها وعدم الالتزام بها إن وجدت عدم مشروعيتها (يحي عبد الله طعيمان. 2010 : ص365).

كما تجدر الإشارة في هذا السياق؛ أن إحجام بعض الدول من المصادقة والانضمام إلى نظام روما الأساسي خوفا من المساءلة، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية التي لها سوابق تعد ولا تحصى في مجال انتهاك القانون الدولي الإنساني، وما ارتكبته من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان في أفغانستان والعراق وغرها من الدول، والشأن نفسه بالنسبة لباقي حلفائها دون أن ننسى إسرائيل التي هي أيضا أبدت رفضها عدة مرات في الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية خوفا من المساءلة عن الانتهاكات والجرائم الخطيرة التي ترتكبها ضد الفلسطينيين، والتي تدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية (بارعة القدسي. 2004 : ص166).

2. المحور الثاني : المعوقات القانونية في عمل المحكمة الجنائية الدولية

كان لموضوع سلطات المحكمة الجنائية الدولية واختصاصها الحيز الأهم والأصعب من نقاشات مؤتمر روما وما سبقه من نقاشات مطولة في اجتماعات اللجنة التحضيرية، وكانت الآراء قد اتفقت بوجه عام على أهمية قصر اختصاص المحكمة - حسبما ورد في الفقرة الثانية من ديباجة نظام روما الأساسي - على أخطر الجرائم موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره، وذلك تجنبا لشغل المحكمة في أدائها لدورها ووظائفها في توافه الأمور والتعدي على اختصاص المحاكم الوطنية. وتم الاتفاق كذلك على أن يتم تعريف الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة تعريفا دقيقا ومحددا حسبما يقضي به القانون الجنائي، ووفقا للمبدأ القانوني القائل بأن « لا جريمة ولا عقوبة بغيـر نص » (عبد الحميد محمد عبد الحميد. 2010 : ص507). وقد جمع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بين قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية؛ فنص على الجرائم والعقوبات التي تفرض على مرتكبيها، ثم حدد الإجراءات الجنائية الدولية، كما أخذ بقاعدة المساواة في تحديد المسؤولية بغض النظر عن مرتكب الجريمة؛ فلم يعتد بالصفة الرسمية أو بالحصانة المقررة بسببها (سهيل حسين الفتلاوي. 2011 : ص99).

وعلى الرغم من المحاسن النظرية للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بعد خروج المحكمة الجنائية الدولية للنور؛ على أساس أنها ستحقق الردع الجنائي لأشدة الجرائم الدولية خطورة وفرض سلطان القانون الدولي الجنائي في مواجهة الكافة، فإنه مع ذلك تواجه المحكمة اليوم فضلا عن التحديات والمصالح السياسة عقبات ومعوقات قانونية جدية، نتاج الثغرات والشروط المقيِّدة المنصوص عليها في نظامها الأساسي؛ بما يفرض تحديا حقيقيا لإعمال سلطة واختصاص المحكمة الجنائية الدولية حتى لا تكون وسيلة لتنفيذ مخططات ومطامع الدول الكرى باسم العدالة الجنائية الدولية (مدهش محمد أحمد المعمري. 2014 : ص629،630)، (ترتيل تركي الدرويش. 2015 : ص20،21).

وتحقيقا لذلك، ستحاول هذه الدراسة من خلال هذا المحور إبراز أهم المعوقات القانونية التي أُثيرت بشأن نصوص نظام روما الأساسي فيما يتعلق بممارسة المحكمة لاختصاصاتها.

1.2. الاختصاص المقيد للمحكمة

يعتبر الاختصاص العام للمحكمة الجنائية الدولية المدوُّن أساس سلطة المحكمة؛ إذ يشكل الباب المتعلق بالاختصاص جوهر نظامها الأساسي والمحور الرئيسي لوظائف المحكمة وغاياتها وأهدافها، فهو يرسم حدود سلطات المحكمة وصلاحياتها ضمن نطاق زماني ومكاني، وموضوعي في ضوء الجرائم المدونة في نظامها، وشخصي على الأشخاص الطبيعيين حصرا (علي جميل حرب. 2013 : ص369)، (ترتيل تركي الدرويش. 2015 : ص194).

بيد أن المتأمل في نصوص نظام روما الأساسي فيما يتعلق بممارسة المحكمة لاختصاصاتها، يرى أن المعوقات أو القيود المفروضة في هذا الشأن تكاد تُفرغ هذه الاختصاصات من مضمونها، وتحول دون فعالية هذه المحكمة وقيامها بالدور المنوط بها في ملاحقة أشد الجرائم خطورة على المجتمع الدولي. وفيما يلي عرض لأهم تلكم المعوقات والقيود المُثارة بشأن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية :

1.1.2. الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية

يعتبر الاختصاص الموضوعي ذروة تطور القانون الدولي الجنائي المعاصر، من خلال ما تضمنه من تقنين للجرائم الدولية الأشد خطورة دوليا، وهو ما اعتبر إنجازا دوليا رائدا لم يُسبق إليه؛ بإيجاد قانون دولي جنائي دائم ومتكامل يتضمن القواعد الموضوعية والإجرائية والمبادئ اللازمة لسير مرفق القضاء الدولي الجنائي (أحمد سيف الدين. 2015 : ص274،275).

وينصرف مدلول هذا الاختصاص « الاختصاص الموضوعي للمحكمة » إلى نوع وطبيعة الجرائم التي ينعقد للمحكمة الدولية الجنائية ولاية ملاحقة ومحاكمة مرتكبيها والحكم عليهم بموجب نظامها الاساسي (علي عبد القادر القهوجي. 2001 : ص323).

وقد حددت المادة (5) من نظام روما الأساسي في فقرتها الأولى الاختصاص الأصيل للمحكمة « بالجرائم الأشد خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره »، واختصرتها بأربع جرائم فقط وهي : جريمة الابادة الجماعية، الجرائم ضد الانسانية، جرائم الحرب، جريمة العدوان.

وتمارس المحكمة الجنائية الدولية الاختصاص على جريمة العدوان متى اعتمد حكم بهذا الشأن، وفقا للمادتين (121) و(123) يعرف جريمة العدوان ويضع الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بهذه الجريمة، ويجب أن يكون هذا الحكم متسقا مع الأحكام ذات الصلة من ميثاق الأمم المتحدة

« (نظام روما الأساسي. 1998 : المادة 5/2). وقد جاء تحديد وتعريف جريمة العدوان عام 2010م حين خرج المؤتمر الاستعراضي في كمبالا/أوغندا في 31 ماي إلى 11 جوان 2010م بتعريف لجريمة العدوان وأفعالها وأركانها طبقا لجدول أعماله، كما وإعلانه أن سريان اختصاص المحكمة عليها يبقى معلقا حتى عام 2017م متى تم توفر الشروط لذلك من قبل الدول الأطراف (علي جميل حرب. 2013 : ص374،429 وما بعدها).

ومما يُسجل على نظام روما الأساسي في هذا المجال من شروط مقيدة لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية؛ هو حصر اختصاص هذه الأخيرة على أربع جرائم أساسية باعتبارها الأشدة خطورة، في حين أن هناك جرائم أخرى لا تقل خطورة عن هذه الجرائم المذكورة كالأفعال الإرهابية التي تقوم بها المنظمات الإرهابية (تراربيت رشيدة. 2018 : ص324)، وجريمة الاتجار بالأسلحة التي تحترفها الدول الكبرى الأكثر هيمنة في العالم والتي تستغل النزاعات المسلحة بين الدول لترويج منتوجاتها، ناهيك عن عدم تجريم أو حظر استخدام الأسلحة النووية والكيماوية ضمن جرائم الحرب التي تعد من بين أخطر الأفعال المشكلة لجرائم الحرب والتي ترتكب وتحتكر من قبل إحدى الدول العظمى (عبد الحليم بن مشري ومحمد جغام. 2019 : ص13).

ويؤيد هذا التوجه أن لجنة القانون الدولي في منظمة الأمم المتحدة وضعت سنة 1991م مشروع مدونة جرائم ضد الإنسانية وأمن البشرية أوردت فيه اثنتي عشرة (12) جريمة دولية ضمنها : العدوان والتدخل والهيمنة الاستعمارية والأجنبية، والإبادة الجماعية، والانتهاكات المنهجية والشاملة لحقوق الانسان وجرائم الحرب، وتوظيف وتمويل وتدريب المرتزقة والإرهاب الدولي وإتجار المخدرات، والإضرار المتعمد والفادح بالبيئة (زياد عيتاني. 2009 : ص156).

وقدتم تأكيد هذا القيد (الجرائم الأشدة خطورة) بالنسبة لجرائم الحرب في المادة 8/1 من نظام روما الأساسي، والتي نصت على أنه : »يكون للمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب، ولاسيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم« (نظام روما الأساسي. 1998 : المادة 8/1).

ولا شك بأن هذا التوجه بتقييد اختصاص المحكمة بالنظر فقط في الجرائم التي تمثل خطورة خاصة، والذي حتمته المساومات السياسية بين الدول الموقعة على حساب مصلحة العدالة الدولية الجنائية، يضيق أكثر من اللازم من نطاق المسؤولية الدولية الجنائية للأفراد أمام المحكمة الجنائية الدولية، ويجعل اختصاص هذه الأخيرة بما يتعلق بمرتكبي هذه الجرائم مرتبطا بالتحديد المفروض في النظام الأساسي، تاركة الجرائم ضئيلة الشأن لاختصاص المحاكم الجنائية الوطنية (هرمان فون هيبل. 2002 : ص246)، (سمعان بطرس فرج الله. 2000 : ص438).

وإلى جانب ذلك، فإن من بين مواطن القصور التي تخللت نظام روما الأساسي أيضا؛ هي غياب النصوص القانونية التي تحمل المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية، إذ تعتبر الشركات المتعددة الجنسيات الوسيلة المستخدمة من قبل الدول الكبرى والتي تنفذ بها سياساتها (عبد الحليم بن مشري ومحمد جغام. 2019 : ص13)، فالمحكمة الجنائية الدولية لس لا ولاية على الأشخاص الاعتبارية، إنما ينصب اختصاصها فقط على الأفراد الطبيعيين دون سواهم طبقا لنص المادة 25 من النظام الأساسي، وكان قد سبق في المؤتمر الدبلوماسي للمفوضين في روما أن قُدم المقترح الفرنسي بالنسبة لمحاكمة الاشخاص الاعتبارية، غير أنه تم رفضه من غالبية الدول بحجة حساسية وخطورة الموضوع، ومن ثم عدم الأخذ به في الوقت الحالي. وفي هذا السياق يُسجل سابقة للمحكمة العسكرية الدولية لنورمبرغ 1945م بمحاكمة الأفراد بوصفهم أشخاص طبيعيين، بالإضافة إلى محاكمتهم بوصفهم أعضاء في منظمات (إرهابية) (عبد العزيز عبكل البخيت. 2004 : ص160).

ولعل من مؤيدات هذا التوجه، وعلى خلاف ما هو جار في القانون الدولي الذي يمنع مساءلة الدولة جنائيا ، فقد عمد مجلس الأمن الدولي ومنذ تسعينات القرن الماضي إلى إنزال وتوقيع الجزاءات الدولية على العديد من الهيئات المعنوية ضمن الدولة وأشخاصها، مثل عدم السماح بالتعامل معها دوليا، وحظر المبيعات من خلالها، وفرض حظر مالي على موجوداتها في الدول، إضافة إلى تقييد حركة الأشخاص الذين يقومون بإدارتها أو بممثليها (ترتيل تركي الدرويش. 2015 : ص281).

ولأجل كل ما تقدم، كان من الضروري إدراج نصوص في نظام روما الأساسي تقر وتعترف بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، ليمتد بذلك اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بنظر وملاحقة الجرائم الدولية المرتكبة من قبل الأفراد والدولة معا.

2. 1. 2. الاختصاص الزمني للمحكمة الجنائية الدولية

حددت المادة 11/1 من نظام روما الأساسي الحيز الزماني التي تمارس فيه المحكمة الجنائية الدولية اختصاصها، فقد حصرت هذا الاختصاص إلا على الجرائم التي ارتكبت بعد دخول النظام الأساسي حيز النفاذ، وبالتالي لا تمارس المحكمة اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء سريان النظام الأساسي (نظام روما الأساسي. 1998 : المادة 11/1)، وهذا تماشيا ومبدأ عدم رجعية القوانين الذي جاءت به المادة 24/1 »لا يسأل الشخص جنائيا عن سلوك بموجب هذا النظام الأساسي عن سلوك سابق لبدء نفاذ النظام« (نظام روما الأساسي. 1998 : المادة 24).

وإذا أصبحت دولة من الدول طرفا في نظام المحكمة بعد بدء نفاذه، فلا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها الزمني إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد نفاذ النظام الأساسي لتلك الدولة، ما لم تكن قد أصدرت إعلانا تقبل بموجبه اختصاص المحكمة وفقا للفقرة الفقرة 3 من المادة 12 من ذات النظام (نظام روما الأساسي. 1998 : المادة11/2).

ومن القيود التي تحيط بالاختصاص الزمني وتؤثر في مسألة مباشرة المحكمة الجنائية الدولية لاختصاصها الزمني، الحكم الانتقالي الذي جاءت به المادة 124؛ بخصوص تأجيل تطبيق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بنظر جرائم الحرب بالنسبة للدولة التي تصبح طرفا في نظامها الأساسي لمدة (7) سنوات من تاريخ بدء نفاذه بالنسبة لها (نظام روما الأساسي. 1998 : المادة 124).

. ولعل السبب الرئيسي لإدراج هذا النص في نظام روما الأساسي، أنه جاء نتيجة لمواقف الدول الأطراف خصوصا بعض الدول الكبرى حول المادة 12 من نظام المحكمة؛ التي تضمنت أحكاما غير كافية حول حماية مواطنيها، وتجنب تعريض جنودها العاملين في مهمات حفظ السلام للمتابعة والمساءلة الجنائية أمام هذه الهيئة (علي جميل حرب. 2013 : ص439-444)، (حازم محمد عتلم. 2006 : ص158 وما بعدها).

والحقيقة أن إدراج هذا الحكم في الماد 124 يتناقض بل يلغي حكم المادة 120 من النظام الأساسي والتي لا تجيز إبداء أي تحفظات على هذا النظام، فعلى الرغم من إدراج هذه المادة كحكم انتقالي، إلا مضمون هذه المادة (120) ينفي عنها صفة الحكم الانتقالي، فهي لا تعدو أن تكون من - الناحية القانونية- تحفظا مؤقتا على نصوص المعاهدة، وإلى جانب ذلك يعد إقرار المادة 124 ضمن النظام الأساسي ثغرة قانونية خطيرة في جدار العدالة الجنائية الدولية، إذ يستبعد إحدى أهم الجرائم الدولية (جرائم الحرب)من اختصاص المحكمة الأصيل، فهي حصانة معنوية إضافية لعدم سريان اختصاص المحكمة في حق الدول الكبرى المحصنة أصلا بقوانينها وقضائها وعضويتها الدائمة في مجلس الأمن (علي جميل حرب. 2013 : ص445)، (عبد الحميد محمد عبد الحميد. 2010 : ص667).

2.2. الدور التكميلي الممنوح للمحكمة الجنائية الدولية

اعترف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية للقضاء الوطني باختصاص أصيل في نظر الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام، وأن دور المحكمة ما هو إلا دور احتياطي ومكمل لاختصاص المحاكم الجنائية الوطنية التي لها الأولوية دائما على المحاكم الدولية (شريف سيد كامل. 2004، ص124)، ولم يضع نظام روما الأساسي تعريفا محددا لمبدأ الاختصاص التكميلي، إلا أنه بين الآلية المتبعة لتطبيق هذا الاختصاص، ويتضح ذلك في الفقرة العاشرة من ديباجة نظام المحكمة الجنائية الدولية والمادة1 منه، إذ نصت الفقرة المذكورة : ». . وإذ تؤكد أن المحكمة الجنائية الدولية المنشأة بموجب هذا النظام الأساسي ستكون مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية« ، فيما نصت المادة1 المشار إليها على : »وتكون المحكمة مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية« (نظام روما الأساسي : الفقرة العاشرة من الديباجة والمادة1)؛ أي أن الأصل في الاختصاص يرجع إلى المحاكم الجنائية الوطنية وفي حال إخفاق من الدولة في الاضطلاع بذلك الدور أو عدم اكتراثها به، أو في حالة توافر سوء النية، عندها تتدخل المحكمة الجنائية الدولية لضمان تحقيق العدالة (أوسكار سوليرا. 2002 : ص166).

وفي إطار هذا المعنى ذهب بعض الفقه إلى أن المقصود بمبدأ »الاختصاص التكميلي« هو : »أن الاختصاص بنظر الجرائم الدولية المعاقب عليها إنما ينعقد أولا « للقضاء الوطني، فإذا لم يباشر هذا القضاء اختصاصه بسبب عدم الرغبة في إجراء هذه المحاكمة أو عدم القدرة عليها يصبح اختصاص المحكمة منعقدا لمحاكمة المتهمين » (عبد الفتاح محمد سراج. 2001 : ص3-4).

ولقد تكرست فكرة الاختصاص التكميلي للمحكمة الدولية الجنائية بنص المادة 17 من نظامها الأساسي (المسائل المتعلقة بالمقبولية)، والتي تضمنت في فقرتها الأولى أن اختصاص المحكمة ينعقد في حالتين هما :

  1. عند انهيار النظام القضائي الوطني. بحيث تصبح الدولة غيـر راغبة أو غيـر قادرة على الاضطلاع بالتحقيق والمحاكمة، وتوصف هذه الحالة بعدم القدرة.

  2. عند رفض أو فشل النظام القضائي الوطني في القيام بالتزاماته القانونية بالتحقيق ومحاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المادة الخامسة 5 من النظام الأساسي. بحيث يكون قرار القضاء الوطني هذا قد جاء بسبب عدم رغبة الدولة أو عدم قدرتها حقا على المحاكمة، وتوصف هذه الحالة بعدم الرغبة (محمد بن حسن الحارثي. 2013 : ص133،134).
    ويقع عبء إثبات عدم رغبة الدولة أو عدم قدرتها على القيام بالتحقيق أو المحاكمة على عاتق المحكمة الجنائية الدولية (عمر محمود المخزومي. 2008 : ص339)، وقد حددت الفقرة الثانية من نص المادة 17 كيفية ذلك بنصها على أنه : « 

  3. لتحديد عدم الرغبة في دعوى معينة، تنظر المحكمة في مدى توافر واحد أو أكثر من الأمور التالية، حسب الحالة، مع مراعاة أصول المحاكمات التي يعترف بها القانون الدولي :

  • جرى الاضطلاع بالإجراءات أو يجري الاضطلاع بها أو جرى اتخاذ القرار الوطني بغرض حماية الشخص المعني من المسؤولية الجنائية عن جرائم داخلة في اختصاص المحكمة على النحو المشار إليه في المادة 5.

  • حدوث تأخير لا مبرر له في الاجراءات بما يتعارض في هذه الظروف مع نية تقديم الشخص المعني للعدالة.

  • ج- لم تباشر الاجراءات أولا تجري مباشرتها بشكل مستقل أو نزيه، أو بوشرت أو تجري مباشرتها على نحو لا يتفق في هذه الظروف مع نية تقديم الشخص المعني للعدالة » (نظام روما الأساسي : المادة 17/2/ (أ، ب، ج)).

ولأجل ذلك، فإن المادة 17 تعكس العناصر الرئيسة للعلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية للدول، وهي تؤول اختصاص المحكمة بأسلوب سلبي - من خلال النص على ما لا يمكن القيام به بدلا من تعريف ما تستطيع القيام به- ورغم ذلك هذه المادة نمطا لتدخل المحكمة الجنائية الدولية (أوسكار سوليرا. 2002 : ص179).

والحقيقة أن قيام المحكمة الجنائية الدولية بدورها التكميلي يقلل من فرص إفلات المجرمين من العقاب، ويزيد من فرص التعاون الدولي في إطار مكافحة الاجرام الدولي، وهو ما يحقق منظومة العدال الجنائية بشقيها الوطني والدولي. وعلى الرغم من أن إعطاء الأولوية للدول لملاحقة ومحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية يعتبر ضرورة لا سبيل لتجاهلها؛ إلا أن الحصول على آلية جاهزة في حالة نية الدولة القيام بإجراءات صورية، أو في حالة عدم امتلاكها للوسائل الفنية المطلوبة لإجراء التحقيق والمحاكمة بصورة صحيحة، تساوى مع إعطاء الأولوية في الضرورة، بل باستطاعة الدولة التي لم تكن راغبة في مقاضاة مرتكب الجريمة أن تتلاعب بالإجراءات لضمان صدور قرار من المحكمة بعدم إدانته، وذلك عن طريق تدبير إيقاف للإجراءات، أو كرشوة هيئة المحلفين، أو انتهاك مقصود لحقوق المدعي العام الأساسية، أو خلق معوقات غير مبررة، بل يمكن للدولة القيام بإجراءات بسيطة لتحقيق ذلك كأن تعمد بإغفال أو إهمال الأدلة الحاسمة الخاصة بجلسة الاستماع (عبد الحميد محمد عبد الحميد. 2010 : ص531). وإلى جانب ذلك، هنالك حالات كثيرة لا يمكن للمحكمة إثبات أن دولة ما غير راغبة أو غير قادرة في الاضطلاع بالتحقيق أو المقاضاة، أو عندما تكون الجرائم المرتكبة متصلة بجريمتي الإبادة أو العدوان، أو التي عادة ما ترتكب بواسطة أو بإيعاز من قبل السلطات الرسمية (خالد بن عبد الله آل خليف الغامدي. 2013 : ص109).

وبالمحصلة، ورغم تأكيد حرية الدولة في قبول اختصاص المحكمة، فإنه في بعض الحالات تجعل من سلطة المحكمة سلطة عليا فوق الدول لتراقب القوانين والأحكام، وتجعل دول الفيتو تهيمن على الدول الضعيفة لتحقق أغراضها السياسية، عندما نتحدث على مجلس الأمن وسلطته تجاه المحكمة- كما سبقت الإشارة إلى ذلك- وأصدق مثال على ذلك قضية دارفور، وبالتالي فمسألة التكامل يجب إعادة النظر فيها كونها تمس بسيادة الدول، وبالتالي وجوب منح المحكمة الجنائية الدولية الأولوية والأسبقية للاختصاصي الوطني (عمر أرحومة أبورقيبة وفتحي بلعيد أبورزيزة. 2019 : ص41).

3.2. معضلة تفعيل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لجريمة العدوان

على الرغم من إدراج جريمة العدوان في المادة 5 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية كإحدى الجرائم الأشدة خطورة، إلا أنه لم يتم تعريفها، وتم إرجاء اختصاص المحكمة بالنظر في هذه الجريمة إلى غاية مؤتمر كمبالا/أوغندا الذي انعقد في 2010م، أي بعد ثماني سنوات من دخول المحكمة حيز النفاذ، وكل هذا الوقت ومرتكبي جريمة العدوان يمارسون جرائمهم بكل أريحية ودون أية متابعة قضائية.

بعد المؤتمر الاستعراضي في كمبالا/أوغندا في 31 ماي إلى 11 جوان 2010م، تم تحديد تعريف لجريمة العدوان وأفعالها وأركانها، كما تم الإعلان أن سريان اختصاص المحكمة عليها يبقى معلقا حتى عام 2017م متى تم توفر الشروط لذلك من قبل الدول الأطراف

(قرار المؤتمر الاستعراضي لنظام روما الأساسي كمبالا. 2010 :Rc/Res. 6 )

وفي حقيقة الأمر أن هذا المؤتمر وبعد انتظار طويل جاءت نتائجه عكس التوقعات، فالإشكال لازال قائما حتى بعد مؤتمر كمبالا، حيث تضمن التعديل تأجيل النظر في جرائم العدوان بعد سبع سنوات، الأمر الذي يحتمل عدة تأويلات أهمها أن المسألة سياسية بحتة ساهمت فيها الدول التي ليس لديها مصلحة من كل هذا، خاصة أن توافر حالة العدوان من عدمه يحددها مجلس الأمن وحده، حيث منع المدعي العام من المضي في التحقيق إلا بعد أن يقرر مجلس الأمن وجود عمل عدواني يشكل جريمة عدوان أم لا، وهذا يعني تدخل حق الفيتو في الأمر، وفي حال قرر مجلس الأمن عدم توافر حالة من حالات العدوان على المدعي العام أن يقدم طلبا أمام الدائرة التمهيدية بفتح التحقيق، وهذا بعد ستة أشهر من رد مجلس الأمن، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يمكن للدولة طرف أن ترفض اختصاص المحكمة فيما يخص جريمة العدوان وهذا عن طريق إعلان تودعه أمام مسجل المحكمة (خالد بن عبد الله آل خليف الغامدي. 2013 : ص112).

بتاريخ 15 ديسمبر 2017 تم تفعيل اختصاص المحكمة على جريمة العدوان الذي كان ينتظر تاريخ الأول من يناير 2017، حيث اتخذت جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي قرارا بتفعيل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على جريمة العدوان بدءا من يوليو 2018

(كلاوس كريس : https : //blogs. icrc. org/alinsani/2018/09/06/2016/).

الجدير بالذكر أنه ورغم تفعيل اختصاص المحكمة لجريمة العدوان، إلا أنه لا تزال هناك عقبات تحول دون ممارسة هذه الأخيرة لاختصاصها لهذه الجريمة، إلا فيما تعلق بجرائم العدوان التي ترتكب بعد مضي سنة واحدة على مصادقة أو قبول التعديلات من ثلاثين دولة طرف وهذا ما أقرته المادة 15 مكرر من نظام روما الأساسي (نظام روما الأساسي. 1998 : المادة 15مكرر الفقرة 2)، وهذا أمر منافي للمنطق والواقع فهذا الشرط الذي تضمنته هذه المادة من شأنه أن يساهم في ضياع الكثير من الأدلة التي تثبت وقوع جريمة العدوان في منطقة ما، كما أن اختصاص المحكمة بشأن جريمة العدوان معلقا بقرار يتخذ بغالبية الدول الأطراف المساوية للأغلية المطلوبة لاعتماد تعديلات نظام روما الأساسي (نظام روما الأساسي. 1998 : المادة 15مكرر الفقرة 3)، ويمكن للدولة طرف أن ترفض اختصاص المحكمة بشأن جريمة العدوان عن طريق إيداع إعلان لدى المسجل ويجوز سحب الإعلان في أي وقت، ويجب النظر فيه من قبل الدولة الطرف خلال ثلاث سنوات (نظام روما الأساسي. 1998 : المادة 15مكرر الفقرة 4)، هذا بالنسبة للدول الأطراف أما بالنسبة للدول غير الأطراف فلا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها المتعلق بجريمة العدوان عندما يرتكبها مواطنو تلك الدولة أو ترتكب على إقليمها (نظام روما الأساسي. 1998 : المادة 15مكرر الفقرة 5)، وما تعديلات كامبالا في خصوص جريمة العدوان إلا تشجيع صارخ لمجرمي العدوان وتكسير لمبدأ عدم الافلات من العقاب، وأمر يخدم دول على حساب دول أخرى .

4.2. طبيعة العقوبات المنصوص عليها في نظام روما الأساسي

كقاعدة عامة تعد العقوبة هي الصورة النموذجية للجزاء الدولي الجنائي، والعقوبة هي الأثر المترتب على انتهاك أحكام القانون الدولي الجنائي أو هي قدر من الألم يوقعه المجتمع الدولي على من تثبت إدانته بارتكاب إحدى الجرائم الدولية. حيث لم تعد مسألة توقيع الجزاء الجنائي الدولي على من مرتكبي الجرائم الدولية الأشدة خطورة محل خلاف، خاصة بعد محاكمات نورمبرغ لعام 1945م وطوكيو لعام 1946م، أين قررت المادة الثامنة مسؤولية الأشخاص الطبيعيين بغض النظر عن مكانتهم وصفتهم الرسمية في الدولة، وجواز توقيع العقوبات الدولية عليهم في حالة إدانتهم بارتكاب إحدى الجرائم الدولية التي نصت عليها المادة السادة من لائحة المحكمة العسكرية بنورمبرغ ()(نظام روما الأساسي. 1998 : المادة 15مكرر الفقرة 5)

وبالرجوع إلى نظام روما الأساسي نلاحظ أنه وبالرغم من خطورة الجرائم التي تنظر فيها المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن العقوبات التي جاءت بخصوصها لا تتناسب وجسامة هذه الجرائم، كونها استبعدت عقوبة الإعدام واقتصرت على عقوبة المؤبد كأقصى حد للعقوبة (السيد أبو عيطة. 2000 : ص375)، ومن ثم لا يجوز الحكم بها تطبيقا لمبدأ شرعية العقوبة غير أن نظام روما وطبقا لنص المادة 80 لا تمنع الدول من توقيع العقوبات المنصوص عليها في قوانينها الوطنية أو يحول دون تطبيق قوانين الدول (عمران نصر الدين. 2016 : ص141)، وهذا نتيجة لتباين وجهات نظر الأطراف المشاركة في مؤتمر روما، والذي أخذ فيه بعين الاعتبار ضرورة التوفيق بين مختلف وجهات النظر المتباينة بهدف تشجيع الدول للانضمام إليها، وهو ما يتناقض وجسامة الجرائم البشعة التي ترتكب ضد الألاف من المدنيين دون وجه حق، حتى وغن تحدثنا على عقوبة السجن المؤقت في نظام روما الذي أوجب عدم تجاوز الثلاثين سنة حسب ما نصت عليه المادة 77 من نظام روما الأساسي، وهو ما ترك مجالا لقضاة الحكم في اختيار مدة الجزاء للجاني دون الالتزام بحد أدنى محدد سلفا(عمران نصر الدين. 2016 : ص142).

ناهيك عن الإشكالية التي يواجهها هذا الجهاز في التطبيق المباشر لنظام العدالة الجنائية من حيث عدم قدرته على فرض سلطته على الدول التي ترفض التعاون في اعتقال وتسليم الأشخاص، وهذه من أكبر التحديات التي تواجهها المحكمة فليس هناك نص في نظام روما الأساسي يتضمن عقوبات تفرض على الدولة التي ترفض التعاون مع المحكمة (مبخوت أحمد وقيرع عامر. 2016 : ص97)، فضلا عن عدم امتلاك المحكمة الجنائية الدولية لقوات أمنية دولية توكل لها مهمة ملاحقة المجرمين الصادر في حقهم مذكرات توقيفهم.

وعلى ما تقدم، يتضح أن هناك اتجاه واضح في القانون الدولي والقوانين الوطنية لمحاكمة ومعاقبة مرتكبي الجرائم الدولية، إلا أن ذلك يجب أن كون بمعيار واحد وبميزان وحيد، يستبعد الأهواء والاعتبارات السياسية، وخصوصا فكرة المعاملة المزدوجة، أو الكيل بمكيالين والأخذ بمعيارين، وهما فكرتان للأسف مطبقتان حاليا على نطاق واسع في العلاقات الدولية، وفي إطار المنظمات الدولية. ومع ذلك فإن هذا الوضع لابد أن يتبدل، إذ لا تزال هناك مساحة لتدارك الأمور والابتعاد عن الانتقائية ومنطق التحكم باعتماد لغة مشتركة، تكون فيها حرب استرداد الشرعة الدولية حقيقية لا وهمية، تمثل كلمة الدليل وعلامة المستقبل، وليس مجرد كلمة عالقة أو شعارا مزيفا كما هو الحال في الوضع الراهن. ويمكن في هذا الشأن اقتراح تبني اتفاقية دولية بعدم التمييز في تطبيق قواعد القانون الدولي بشقيه الإنساني والجنائي، على غرار اتفاقيات دولية أخرى تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة (أحمد أبو الوفا. 2002 : ص82،83).

خاتمـة

بعد هذا العرض حول أهم الشروط المقيدة التي جاءت في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية، والمعوقات التي تحول دون فعالية هذه المحكمة وإعمالها اختصاصها القضائي بنظر الجرائم الأشدة خطورة. على اعتبار أن هذه المحكمة وإن كانت تشكل تطورا نوعيا في تاريخ القانون الدولي والعلاقات الدولية، فهي لا تشكل أقصى الطموح. فقد جاء إنشاؤها حصيلة مباحثات وتوافقات عديدة لوجهات نظر المشاركين في اتفاق روما الدبلوماسي نتيجة الجدل الذي حدث أثناء دباجة نصوصه، التي جاءت مليئة بالتناقضات والثغرات الخادمة في كثير منها للدول الكبرى، الأمر الذي أدى إلى ظهور المحكمة على الوجه الذي هي عليه اليوم؛ إن على مستوى هيكليتها أو على مستوى اختصاصاتها وآليات عملها. وهذا في ظل حقيقة أن جل القضايا التي أحيلت أمام المحكمة كانت تخص متابعة قادة أفارقة دون غيرهم.

ومع ذلك، تبقى المحكمة الجنائية الدولية خطوة في الاتجاه الصحيح إذا ما تمكنت من ممارسة صلاحياتها، والقيام بدورها الانساني بتحقيق العدالة الجنائية لضحايا الجرائم والانتهاكات الجسيمة على المستوى الدولي؛ ولا يتأتى ذلك مستقبلا -وبالشكل الصحيح- إلا بتوفير بيئة قانونية مقبولة وفصل ما هو قانوني وقضائي عن ما هو سياسي؛ وتعامل المجتمع الدولي مع القضايا الدولية بمعيار واحد، بعيدا عن الازدواجية والانتقائية ومنطق التحكم في قرارات الشرعية الدولية باسم العدالة الجنائية الدولية.

وقد توصلت الدراسة إلى الخلاصات التالية التي تشكل أهم النتائج والمقترحات الأساسية للبحث :

  • إلغاء أو إعادة النظر في أحكام المادة 124 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والتي جاءت بحكم انتقالي يُتيح للدولة التي تصبح طرفا في هذا النظام الأساسي أن تُعلن عدم قبولها اختصاص المحكمة لمدة سبع (7) بالنسبة لجرائم الحرب المشار إليها بنص المادة 8؛ إذ أكبر وأخطر ثغرة قانونية تعطل ممارسة المحكمة الجنائية الدولية لاختصاصاتها، ويستبعد من أمامها إحدى أهم الجرائم الدولية التي أُنشئت المحكمة من أجلها .

  • ضرورة إدراج عقوبة الإعدام تناسبا وجسامة الانتهاكات الجسيمة والجرائم الخطيرة التي ترتكب في حق الأبرياء من المدنيين وغيرهم.

  • ضرورة تعديل نص المادة 16 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؛ باعتبارها من أهم المعوقات والثغرات التي تم استغلالها لأغراض سياسية متحيزة أو تفسيرها على نحو يخدم مصالح الدول الكبرى ولو على حساب العدالة، وذلك بتقييد سطلة مجلس الأمن في طلب تجديد إرجاء التحقيق أو المقاضاة لأكثر من مرة؛ من خلال استحداث آلية جديدة يكون فيها للمحكمة الجنائية الدولية صاحبة الاختصاص رأي في طلب تجديد الإرجاء لأكثر من مرة بالموافقة أو الرفض، بناء على مدى أحقية وقانونية أسباب ومبررات طلب التجديد.

  • تغيير آلية اتخاذ مجلس الأمن لقراره بإحالة الدعوى إلى المحكمة الجنائية الدولية بموجب الفاصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة كلما ترتبت حالات تهديد السلم والأمن الدوليين ووقوع الجرائم الدولية الأشد خطورة، وذلك بأن يصدر المجلس قراره بأغلبية الأعضاء (تسعة من أصل خمسة عشر) دون اشتراط أن يكون من ضمنهم الدول الخمسة دائمة العضوية، تحقيقا للعدالة الدولية وضمانا لعدم استخدام هذه الأخيرة لحق النقض (الفيتو) وتعطيل قرار الإحالة.

  • لا ينبغي أن يفضي تفاوت القوى على الساحة العالمية إلى تفاوت في المراكز القانونية، لأن من أبسط مبادئ العدالة مساواة الجميع أمام سلطة القانون، لذلك لتطوير فاعلية القضاء الجنائي الدولي والوصول إلى حالة من التوازن والاستقرار في تطبيق العدالة الجنائية الدولية لا بد من احترام الشرعية الدولية وعدم التمييز في تطبيق قواعد القانون الدولي الجنائي، من خلال اعتماد لغة مشتركة بين مختلف دول العالم، واستبعاد الأهواء والاعتبارات السياسية وإنهاء الهيمنة الأمريكية والدول دائمة العضوية على قرارات مجلس الأمن.

  • إعادة النظر في نظام روما الأساسي؛ بتضمينه نصوص تقر وتعترف بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، ليمتد بذلك اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بنظر وملاحقة الجرائم الدولية المرتكبة من قبل الأفراد والدولة معا.

  • ضرورة وضح حد أدنى وحد أقصى للعقوبة المؤقتة في نصوص نظام روما الأساسي، وذلك لتقييد القاضي في تحديد العقوبة المناسبة، كما هو معمول به في التشريعات الوطنية.

قائمة المصادر والمراجع :

- اتفاقية فينيا لقانون المعاهدات لعام 1969.

- نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. (1998). مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي للمفوضين المعني بإنشاء محكمة جنائية دولية، المعتمد في 17 جويلية 1998، الوثيقة رقم 9/183. A/CONF، دخل حيز التنفيذ بتاريخ 01 جويلية 2002.

- أحمد أبو الوفا. (2002). الملامح الأساسية للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ضمن : المحكمة الجنائية الدولية تحدي الحصانة، جامعة دمشق، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مطبعة الدوادي.

- أحمد سيف الدين. (2015). الاتجاهات الحديثة للقضاء الدولي الجزائي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، ط1.

- السيد أبو عيطة. (2000). الجزاءات الدولية بين النظرية والتطبيق، مؤسسة الثقافة الجامعية، الاسكندرية.

- أوسكار سوليرا. (2002). « الاختصاص القضائي التكميلي والقضاء الجنائي الدولي »، المجلة الدولية للصليب الأحمر، مختارات من أعداد 2002م.

- بارعة القدسي. (2004). « المحكمة الجنائية الدولية طبيعتها واختصاها موقف الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل منها »، مجلة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 20، العدد الثاني.

- براء منذر عبد اللطيف. (2007). « علاقة المحكمة الجنائية »دراسة مقارنة« ، بحث مقدم إلى مؤتمر التنمية البشرية والأمن في عالم متغير، جامعة الطفيلية،.

- تراربيت رشيدة. (2018).  »العراقيل القانونية التي تحول دون ممارسة المحكمة الجنائية الدولية لصلاحياتها القضائية في مواجهة الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة« ، مجلة صوت القانون، المجلد الخامس، العدد الثاني،.

- ترتيل تركي الدرويش. (2015). الدولة وراء القضبان جدلية مساءلة الدولة جنائيا على الصعيد الدولي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، ط1.

- حازم محمد عتلم. (2006). نظم الادعاء أمام المحكمة الجنائية الدولية، ضمن كتاب : المحكمة الجنائية الدولية المواءمات الدستورية والتشريعية اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ط4.

- حازم محمد عتلم. (2002). نظم الادعاء أمام المحكمة الجنائية الدولية، ضمن : المحكمة الجنائية الدولية تحدي الحصانة، جامعة دمشق، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مطبعة الدوادي.

- خالد بن عبد الله آل خليف الغامدي. (2013). معوقات تطبيق القانون الدولي الجنائي أمام المحكمة الجنائية الدولية، أطروحة دكتوراه الفلسفة في العلوم الأمنية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض.

- زياد عيتاني. (2009). المحكمة الجنائية الدولية وتطور القانون الدولي الجنائي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، ط1.

- سعيد عبد اللطيف حسن. (2004). المحكمة الجنائية الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة.

- سمعان بطرس فرج الله، الجرائم ضد الانسانية. (2000). إبادة الجنس وجرائم الحرب وتطور مفاهيمها، ضمن : دراسات في القانون الدولي الانساني، دار المستقبل العربي، القاهرة، ط1.

- سهيل حسين الفتلاوي. (2011). موسوعة القانون الدولي الجنائي : القضاء الدولي الجنائي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1.

- سوسن تمر خان بكة. (2004). جرائم ضد الإنسانية في ضوء أحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان.

- شريف سيد كامل. (2004). اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1.

- ضاري خليل محمود ،باسيل يوسف. (2008). المحكمة الجنائية الدولية »هيمنة القانون أم قانون الهيمنة« ، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر.

- عبد الحليم بن مشري ،محمد جغام. (2019)، »عولمة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية : اختصاص مبتور وعقبات تزيد القصور« ، مجلة اتجاهات سياسية، دورية علمية دولية تصدر عن المركز الديمقراطي العربي، برلين، المانيا، العدد التاسع، تشرين الثاني.

- عبد الحميد محمد عبد الحميد. (2010). المحكمة الجنائية الدولية دراسة لتطور نظام القضاء الدولي الجنائي والنظام الأساسي للمحكمة في ضوء القانون الدولي المعاصر، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1.

- عبد العزيز العشاوي. (2006). أبحاث في القانون الدولي الجنائي، الجزء الثاني، دار هومة، الجزائر، ط1.

- عبد العزيز عبكل البخيت. (2004). المحكمة الجنائية الدولية مقارنة بالمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة، رسالة ماجستير، جامعة عمان العربية للدراسات العليا.

- عبد الفتاح محمد سراج. (2001). مبدأ التكامل في القضاء الجنائي الدولي دراسة تحليلية تأصيلية، دار النهضة العربية، القاهرة.

- عبد الله علي عبو سلطان. (2010). دور القانون الدولي الجنائي في حماية حقوق الانسان، دار دجلة، عمان، الأردن، ط1.

- عصام عبد الفتاح مطر. (2008). القضاء الجنائي الدولي، دار الجامعة الجديدة الاسكندرية.

- عقبي محمود. (2017/2018). العوائق القانونية والسياسية أمام المحكمة الجنائية الدولية، أطروحة دكتوراه العلوم تخصص القانون الدولي الجنائي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة العربي بن مهيدي- أم البواقي.

- على محمد جعفر. (2007). الاتجاهات الحديثة في القانون الدولي الجزائي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط1.

- علي جميل حرب. (2013). منظومة القضاء الجزائي الدولي : المحاكم الجزائية الدولية والجرائم الدولية المعتبرة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، ط1.

- علي عبد القادر القهوجي. (2001). القانون الدولي الجنائي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، ط1.

- علي وهبي ديب. (2015). المحاكم الجنائية الدولية تطورها ودورها في قمع الجرائم الدولية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، ط1.

- عمر أرحومة أبورقيبة وفتحي بلعيد أبورزيزة. (2019).  »سلبيات وتناقضات مبدأ التكامل في المحكمة الجنائية الدولية وتطبيقاته الراهنة« ، مجلة اتجاهات سياسية، دورية علمية دولية تصدر عن المركز الديمقراطي العربي، برلين، المانيا، العدد التاسع، تشرين الثاني.

- عمر محمود المخزومي. (2008). القانون الدولي الانساني في ضوء المحكمة الجنائية الدولية، دار الثقافة، عمان، ط1.

- عمران نصر الدين. (2016).  »العقوبات المطبقة من طرف المحكمة الجنائية الدولية مقارنة بالأنظمة القانونية الداخلية الجزائر نموذجا« ، مجلة البحوث في الحقوق والعلوم السياسية، المجلد الثاني، العدد الثاني.

- فوزية هيبوب. (2017).  »سلطة مجلس الأمن في إرجاء التحقيق أو المقاضاة أمام المحكمة الجنائية الدولية« ، مجلة الباحث للدراسات الأكاديمية، العدد العاشر، جانفي.

- مبخوت أحمد، قيرع عامر. (2016). فعالية العدالة الجنائية الدولية بين المتغيرات الدولية ومتطلبات حفظ الأمن والسلم الدوليين، مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، المجلد الأول، العدد 29.

- مبخوتة أحمد. (جانفي 2019).  »الاختلالات البنيوية لنظام العدالة الجنائية الدولية - دراسة تحليلية لفعالية التصدي للجرائم الدولية بين المتغيرات الدولية ومتطلبات الامن والسلم الدوليين« ، المجلة الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية، العدد 21.

- محمد بن حسن الحارثي. (2013). الأبعاد القانونية والأمنية لعلاقة الدول العربية بالمحكمة الجنائية الدولية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض.

- مدهش محمد أحمد المعمري. (2014). المسؤولية الجنائية الدولية الفردية عن الجرائم ضد الإنسانية، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، ط1.

- ميلود بن عبد العزيز. (2015/2016). المسؤولية الجنائية للأفراد عن جرائم في الفقه الاسلامي والقانون الدولي الجنائي، أطروحة دكتوراه في العلوم الاسلامية (تخصص الشريعة والقانون)، كلية العلوم الاسلامية، جامعة باتنة1.

- نصر الدين أبو سماحة. (2008). شرح اتفاقية روما مادة مادة، الجزء الثاني، دار هومة للطباعة والنشر، الجزائر.

- هرمان فون هيبل. (2002). تعريف جرائم الحرب في نظام روما الأساسي، ضمن : المحكمة الجنائية الدولية تحدي الحصانة، جامعة دمشق، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مطبعة الدوادي.

- ولد يوسف مولود. (دون سنة نشر). المحكمة الجنائية الدولية بين قانون القوة وقوة القانون، الأمل للطباعة والنشر والتوزيع، تيزي وزو، الجزائر.

- يحي عبد الله طعيمان. (2010). جرائم الحرب في نظام المحكمة الجنائية الدولية، مكتبة خالد بن الوليد، دار الكتب اليمنية، صنعاء، ط1.

- Gabrielle Della Morte. (2002). les frontières de la compétence de la cour pénale internationale, observation grique R. I. D. P, vol07, Paris.

- محمد حسن القاسمي. (يناير 2014).  »المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن : عشر سنوات من التعايش أم من التصادم"، مجلة الشريعة والقانون، كلية القانون، جامعة الامارات العربية المتحدة، العدد السابع والخمسون.

متوفر على المنصة الرقمية المنهل على الموقع الإلكتروني :

<https://platform. almanhal. com/Reader/2/58890>

تاريخ الاطلاع : 20/02/2021 على الساعة : 52 : 21.

- قرار المؤتمر الاستعراضي لنظام روما الأساسي كمبالا، أوغندا عام 2010م، الجلسة العامة الثالثة عشر، بتاريخ 11جوان 2010م، الوثيقة : Rc/Res. 6. متاح على الموقع الإلكتروني التالي :

<https://crimeofaggression. info/documents/6/Review- Conference- offiical- records- ARA. pdf>. 24/12/2021.

- كلاوس كريس، دور تفعيل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على جريمة العدوان، متوفر على الموقع الإلكتروني :

< https : //blogs. icrc. org/alinsani/2018/09/06/2016>/تاريخ الاطلاع : 27/09/2021 على الساعة : 24 : 22.

ميلود بن عبد العزيز

جامعة باتنة

د/ آسية بن بوعزيز

جامعة باتنة

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article