المخصّص لابن سيده الأندلسي: دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية

Al-Muḫaṣṣaṣ d’Ibn Sīda al-Andalusī : étude à la lumière de la théorie des champs sémantiques

Al-Muḫaṣṣaṣ by Ibn Sīda al-Andalusī: A study in light of semantic field theory

ليندة زواوي

p. 55-69

ليندة زواوي, « المخصّص لابن سيده الأندلسي: دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية », Aleph, 55-69.

ليندة زواوي, « المخصّص لابن سيده الأندلسي: دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية », Aleph [], 21 December 2025, 22 December 2025. URL : https://aleph.edinum.org/15378

يهدف هذا المقال إلى إبراز جذور نظرية الحقول الدلالية في التراث اللغوي العربي عامةً، وفي معجم « المخصّص » لابن سيده الأندلسي خاصةً، بوصفه من أبرز معاجم المعاني/الموضوعات. ويسعى البحث إلى وصل هذه الجهود التراثية بما انتهى إليه الدرس الدلالي الغربي، بما يتيح إعادة قراءة الإسهامات المؤسسة للتصنيف الحقلي عند العرب. وينقسم المقال إلى محورين: يعالج الأول مفهوم الحقل الدلالي وآليات بنائه (الحصر والتصنيف والتقعيد)، بينما يتناول الثاني تجليات هذه الآليات في « المخصّص » من حيث تنظيم الحقول وحدودها، والعلاقات الدلالية داخلها، مع الوقوف على أبرز مكامن القوة وبعض مظاهر الاضطراب في التبويب.

Cet article met en évidence les racines de la théorie des champs sémantiques dans le patrimoine linguistique arabe en général, et dans le dictionnaire thématique Al-Muḫaṣṣaṣ d’Ibn Sīda al-Andalusī en particulier, considéré comme l’un des principaux « dictionnaires de sens » (maʿājim al-maʿānī). En reliant ces classifications patrimoniales aux acquis de la sémantique lexicale occidentale, l’étude propose une relecture des efforts fondateurs arabes. L’article s’organise en deux volets: le premier précise la notion de champ sémantique et les procédures de construction des champs (délimitation, hiérarchisation, relations internes) ; le second analyse leur mise en œuvre dans Al-Muḫaṣṣaṣ, en soulignant à la fois ses apports et certaines limites de classement.

This article highlights the roots of semantic field theory in the Arabic linguistic tradition in general, with a particular focus on Ibn Sīda al-Andalusī’s thematic lexicon Al-Muḫaṣṣaṣ, one of the major Arabic dictionaries of meanings (maʿājim al-maʿānī). By relating these heritage-based classifications to modern research in lexical semantics, the study offers a reassessment of Arab contributions to the foundations of semantic field theory. The paper is organized into two parts: the first outlines the notion of semantic field and key procedures for field construction (delimitation, hierarchy, and internal relations) ; the second examines how these procedures operate in Al-Muḫaṣṣaṣ, emphasizing both its methodological strengths and its classificatory limitations

المقدمة

تُعَدّ نظرية الحقول الدلالية قفزةً نوعيةً في تاريخ اللسانيات الحديثة، لما لها من أهميةٍ بالغةٍ في الدراسات الدلالية المعاصرة؛ إذ تقوم على تصنيف المفردات وترتيبها وفق نظامٍ مخصوص، بما يجعل الصلات المفهومية بين الكلمات أكثر وضوحًا، وذلك عبر تحليل دلالاتها في ضوء علاقاتها المتبادلة داخل الحقل، مع مراعاة السياقات التي تَرِدُ فيها.

ولا نجد نظرية الحقول الدلالية بوصفها مصطلحًا صريحًا في التراث اللغوي العربي، غير أن مضمونها كمفهوم حاضرٌ في ثنايا الرسائل اللغوية ومعاجم المعاني/الموضوعات. وانطلاقًا من ذلك، يسعى هذا البحث إلى الإجابة عن السؤال الآتي: ما ماهية نظرية الحقول الدلالية، وما أبرز ملامحها في معجم المخصّص لابن سيده الأندلسي؟

وبناءً على ما سبق، يبدو من المفيد البدء بضبط مفهوم الحقل الدلالي وآليات بناء الحقول الدلالية، قبل الانتقال إلى تتبّع تجلياته في التراث، ولا سيما في المخصّص.

1. مفهوم الحقل الدلالي وآليات بناء الحقول الدلالية

يُعدّ مفهوم الحقل الدلالي من المفاهيم المركزية في الدراسات اللسانية والدلالية الحديثة؛ لأنه يتيح مقاربة المعنى لا بوصفه خاصية معزولة لكل كلمة، بل بوصفه نتيجة شبكة من العلاقات التي تنتظم داخلها المفردات وفق سمات مشتركة وروابط تقابل وتدرّج واشتمال. ومن هذا المنطلق، يهدف هذا المحور إلى ضبط مفهوم الحقل الدلالي من خلال أبرز تعريفاته وتمثلاته، ثم الانتقال إلى بيان الآليات المنهجية التي يعتمدها الباحث في بناء الحقول الدلالية وتصنيف الكلمات داخلها، وصولًا إلى نماذج تطبيقية كبرى حاولت توزيع مفردات اللغة في معجم شامل وفق حقول رئيسية وحقول فرعية.

1.1. مفهوم الحقل الدلالي

وضعت تعريفات عدة للحقل الدلالي من أهمها وأدقها وأشملها التعريف الذي أورده « جورج مونين » (G. Mounin) بقوله هو:

»مجموعة من المفاهيم تبنى على علائق لسانية مشتركة، ويمكن لها أن تُكوّن بنية من بنى النظام اللّساني كحقل الألوان، وحقل القرابة، وحقل مفهوم الزمان، وحقل مفهوم المكان وغيرها« (مونين، 1993، صفحة 35).

إذن الكلمات التي يتكون منها الحقل الدّلالي تكون متقاربة في المعنى، ومن خلال هذا التقارب تكتسب معناها في علاقتها بالكلمات المجاورة لها؛ وهو ما عبر عنه « فندريس » عندما قال إن الكلمات في الذهن لا نجدها متناثرة وإنما تنضم دائما إلى عائلة لغوية (فندريس، 1950، صفحة 333).

ويجب أن نشير في هذا الموضع إلى أن أول من استخدم مصطلح حقل مضاف إلى كلمة دلالي هو « إبسن » (IPSEN) سنة 1924، ثم توالت بعد ذلك استخداماته في مؤلفات لغويين عدة، أما الإطار العام لنظرية الحقول الدلالية فقد وضعه « تراير » في مقال له بعنوان (semantic field theory) (Lyons، 1979، صفحة 268).

تعمل نظرية الحقول الدّلالية على فهم معاني الكلمات وتصنيفها في حقول دلالية؛ وذلك بعد أن تضع لها تصورا (عمر، 1988، صفحة 82). فكيف يتم تصنيف الكلمات في حقول دلالية؟

1.2. طريقة تصنيف الكلمات في الحقول الدلالية

يتمّ تصنيف الكلمات داخل الحقل الدلالي انطلاقًا من المحددات الآتية: (حساني، 1990، الصفحات 165-166) يتم تصنيف الكلمات في الحقل الدلالي انطلاقا من المحددات التالية:

  1. الحدس: والمراد به وضع مفهوم تصوّري للحقل الدلالي، ويقوم على الحس اللغوي الذي يتمتع به الباحث؛ لذلك نجد وجهات نظر الباحثين تختلف. وقد تحدث « جرمان كلود » (G. Claude) عن هذا المحدد كما أشار إلى الجانب الاعتباطي فيه شريطة إخضاعه للإجراءات التجريبية لنتمكن من تحديد الوحدات الأساسية (جرمان، 1994، صفحة 45).

  2. الموضوعية: إن تحديد المفهوم التصوّري للحقل الدلالي يجب أن لا يعتمد على الحدس فقط، وإنما يجب أن تكون هناك مقاييس تسهم في تحديد العلاقات القائمة بين الكلمات التي قد تكون لسانية أو غير لسانية.

هناك ضوابط تحكم بناء الحقل الدلالي وهي: (كريم، 1985، الصفحات 17-18)

  1. السمات الدلالية: يقوم كل حقل على مجموعة من السمات الضرورية التي تشترك فيها الكلمات التي تنتمي إلى حقل واحد.

  2. السمات المركزية: وهي متعلقة بالتدرج مثل علاقة الكبر والصغر، وتدرج الألوان، وتدرج علاقة الطول والعرض.

  3. السمات المنطقية: وهي سمات تقوم على أساس منطقي كأن نذكر جنس الشيء وفصله النوعي أو خاصيته.

إذن نظرية الحقول الدلالية تقوم على محاولة تصنيف جميع مفردات اللغة في حقول دلالية ثم وضعها في معجم شامل على شاكلة معاجم الألفاظ؛ لذلك بذلت عدة جهود لتحقيق ذلك، ويعد أشملها التصنيف الذي اقترحه أصحاب معجم العهد الجديد اليوناني الذي وزع الكلمات على أربعة أقسام رئيسية:

  1. الموجودات

  2. الأحداث

  3. المجّردات

  4. الروابط.

2. معالم نظرية الحقول الدلالية في التراث اللغوي العربي

يُعدُّ الاشتغال على الحقول الدلالية من أهم المنظورات التي تسعى إلى تنظيم المعجم وفق علاقات المعنى، والبحث في بنيته الداخلية بوصفه شبكة من التقابلات والتجاورات والتدرّجات. ورغم شيوع نسبة تأسيس هذا التصور إلى اللسانيات الغربية في مطلع القرن العشرين، فإن العودة إلى التراث اللغوي العربي تكشف عن ملامح مبكّرة لتصنيف المفردات بحسب الموضوعات والمجالات، ظهرت أولاً في الرسائل اللغوية المتخصصة ثم تطورت إلى معاجم المعاني/الموضوعات التي سعت إلى جمع الألفاظ وتبويبها وفق وحدات كبرى وصغرى. ومن هذا المنطلق، تتناول هذه النقطة معالم هذا التصور في التراث العربي من خلال تتبع نشأته وتطوره، ثم الوقوف عند نموذج المخصّص لابن سيده بوصفه أوسع تمثيل لمعجم المعاني، مع إبراز خصائص بنائه الدلالي، وما يعتريه من اضطراب منهجي، إلى جانب ما يقدمه من آليات تصنيف وترتيب يمكن مقاربتها في ضوء نظرية الحقول الدلالية الحديثة.

2.1. الجذور التراثية للتصنيف الدلالي: من الرسائل اللغوية إلى معاجم المعاني (المخصّص نموذجًا)

يؤكد كثير من علماء اللغة العرب عامة والدلاليين منهم خاصة على أن نظرية الحقول الدلالية التي ظهرت عند الغرب في بداية القرن العشرين وتطورت إلى ما هي عليه اليوم متجاهلين الجهود التي قام بها علماء اللغة العرب القدامى من قبلهم، وذلك إبان حركة جمع مفردات اللغة العربية وتدوينها انطلاقا من مشافهة الأعراب، وقد تجلى ذلك فيما وضعوه من رسائل لغوية عديدة، تطورت فيما بعد وأصبحت تسمى بمعاجم المعاني أو الموضوعات.

إن بداية ظهور معاجم المعاني عند العرب قد سبق بجهود أولية ضمت موضوعا واحدا أي مجالا دلاليا واحدا عرفت بالرسائل اللغوية مثل: خلق الإنسان والشجر والنبات، والإبل، والخيل، والشاه، والوحوش للأصمعي (ت216هـ)، وكتاب المطر والهمز واللبأ واللبن والشجر، وكتاب النوادر في اللغة لأبي زيد الأنصاري (ت215هـ)، كما ألّفوا في السلاح واللباس والطعام والمعديات والأنواء والسحاب، وكانت هذه الأعمال اللبنة الأولى لوضع المعاجم العربية عامة ومعاجم المعاني خاصة (رمضان، 1999، صفحة 230). ومن ثم كانت معاجم المعاني أو الموضوعات نتيجة لهذه الرسائل؛ إذ اكتمل التأليف فيها في منتصف القرن الخامس الهجري، أذكر من بينها: الغريب المصنف لأبي عبيدة القاسم بن سلام (ت224هـ)، ومبادئ اللغة للإسكافي (ت421هـ)، وتهذيب الألفاظ لابن السّكيت (ت224هـ)، وفقه اللغة وسر العربية للثعالبي، والمخصّص لابن سيده (ت458هـ)، وأساس البلاغة للزمخشري (585هـ) وغيرها (أحمد، 1986، صفحة 300).

إن النواة الأولى لتأليف معاجم المعاني يتمثل في الرسائل اللغوية، وقد تُوِّجت بمعجم المخصّص لابن سيده الأندلسي الذي يعتبر أكمل وأضخم معاجم المعاني عند العرب، وتظهر فيه معالم نظرية الحقول الدلالية، وقد قسمه إلى أربعة مجالات دلالية عامة وهي: الإنسان، والحيوان، والطبيعة، والماديات (كريم، 1985، صفحة 302).

عرف العصر الحديث عدة محاولات لتصنيف الكلمات وفق حقول دلالية، وتعتبر محاولة “معجم العهد الجديد” (New Greek Testament) أفضلها؛ لأنها اشتملت على جميع مفردات اللغة، والمبادئ التي يقوم عليها هذا المعجم هي:

2.2. آليات بناء الحقول الدلالية وتصنيف الكلمات داخلها

2.2.1. حصر الحقول أو المفاهيم الموجودة في اللغة وتصنيفها

صنّف أصحاب “معجم العهد الجديد” ألفاظ اللغة وقاموا بتقسيمها على أربعة حقول رئيسية وهي: الموجودات، والأحداث، والمجرّدات، والأدوات (عمر، 1988، صفحة): 96

  1. الموجودات: ويتفرع إلى حقلين أساسيين:

  • حقل الموجودات الحية: ويضم ثلاثة حقول فرعية وهي: إنسان، حيوانات وطيور وحشرات، قوى وكائنات فوق طبيعية.

  • حقل الموجودات غير الحية: ويتفرع إلى حقلين أساسيين وهما: طبيعية وصناعية.

  1. الأحداث: فقد تكون أحداثا طبيعية كالمناخ أو عقلية كالإدراك أو حركية أو تواصلية أو نقل… إلخ، وهي كذلك تنقسم إلى حقول فرعية أخرى.

  2. المجرّدات: يتضمن هذا الحقل كل ما هو غير حسي.

  3. الروابط: وهي الحروف، والمعروف أنها لا تؤدي معنى بمفردها؛ وظيفتها ربط العلاقات بين الكلمات والجمل (فاضل، 1977، صفحة 221).

ولو عدنا إلى معجم “المخصّص لابن سيده الأندلسي” فإننا نلاحظ أنه صنف المفاهيم الموجودة في اللغة العربية في مجموعات دلالية وأطلق عليها مصطلح كتاب وليس مصطلح حقل، وكل كتاب يمثل ــ في المقارنة ــ حقلا دلاليا رئيسيا مستقلا إذا ما قارناه بنظرية الحقول الدلالية، ويتفرع تحت كل كتاب من هذه الكتب أبواب تعدّ حقولا فرعية، وبدورها تندرج تحتها فصول فرعية أخرى أقل منها، لكن ليس في كل المواضع.

ذكرنا سابقا أن “معجم العهد الجديد” قسّم ألفاظ اللغة على أربعة حقول رئيسية كبيرة، بينما معجم “المخصّص” فقد قسمها على واحد وعشرين كتابا أو حقلا رئيسيا، وأربعين وثلاثمائة باب أو حقلا فرعيا، وست وعشرين وتسعمائة فصل؛ أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

    1. كتاب خلق الإنسان وتحته ثلاثة أبواب وثمانية عشر ومائة فصل؛ الباب الأول عنوانه باب الحمل والولادة، أما الثاني فعنوانه باب التشعث، في حين الباب الثالث عنوانه باب الفصاحة، ومن الفصول التي ذكرت تحتها: أسماء ما يخرج مع الولد، الغذاء السيء للولد، الفم وما فيه من الشفة واللسان والأسنان.

    2. كتاب الغرائز وتحته سبعة أبواب وستة وأربعون فصلا؛ الأبواب تحمل العناوين التالية على التوالي: الخبرة، السر، أبواب المثنى، حلي الملك، الفيء، الدول، النسب. ومن الفصول التي نجدها تحت باب الخبرة: التظنّي والحدس، الجهل، الظرف، نعوت السريع الخفيف، المبالغ في الأمر الجاد فيه العازم عليه، ضعف العقل، ضعف الرأي، السفه والطيش، الجنون، الشجاعة…

    3. كتاب النساء: لا يحتوي على أبواب وإنما يضم خمسة وأربعون فصلا، أذكر منها: نعوت النساء في التعرب والضحك، نعوت النساء في حسن المشية وقبحها، حسن اللبسة وقبحها، نعوت النساء في الحياء والحصن ونحوهما، نعوت النساء في النفار…

    4. كتاب اللِّباس وتحته بابان وثلاثة وثلاثون فصلا؛ الباب الأول يحمل اسم باب المخطط من الثياب، وتندرج تحته: الموشى من الثياب، الخز والقز والحرير، القطن والكتان، أنواع مختلفة من الثياب، البسط والنمارق والفرش، الستور، الديباج، الملاحف، الطيالسة والأكسية ونحوهما، الفراء، القلانس والعمائم…

    5. كتاب الطعام ويضم سبعة أبواب وتسعة وثلاثون ومائة فصل، فباب اللبن مثلا نجد تحته: أسماء اللبن قبل الخثورة، الحامض من اللبن والخاثر، اللبن المخلوط بالماء، رغوة اللبن ودوابته، عيوب اللبن، أصوات الحلب، الزبد والسمن…

2.2.2. بناء الحقول داخل «المخصّص»: مظاهر الاضطراب ومعايير التقعيد الدلالي (نقدًا وتمثيلًا)

وبإلقاء نظرة متأنية على ترتيب ابن سيده وتقسيمه الكتب إلى أبواب وفصول نجده لا يتبع نمطا واحدا في كتابه؛ فقد يأتي بكلمة باب وهو يقصد بها حقلا فرعيا عن الكتاب تندرج تحته عدة فصول، وأحيانا يستخدم كلمة باب على أنه حقل أساسي لا تتفرع عنه الفصول. كما نجده يورد الموضوعات تحت الكتاب دون أن يستعمل كلمة باب، ومثال ذلك ما نجده في كتاب الحشرات وفيه سبعة وعشرون فصلا، كما أنه لا علاقة دلالية تربط بين تلك الفصول، وهو ترتيب يفتقر إلى المنطق والموضوعية. وكذلك بعض الفصول نجدها تحت أبواب لا علاقة تربطها بها، وفي مواضع يذكر بعض الفصول في أماكن متفرقة رغم تخصيصه لها كتبا مستقلة. وفيما يلي بعض النماذج:

  1. كتاب الغرائز (سيده، صفحة 188) : يحتوي على سبعة أبواب وستة وأربعون فصلا، خمسة عشر فصلا منها جاءت مستقلة لا تندرج تحت أبواب. كما نجده يضم فصولا لا تمت له بصلة رغم أنه خصص لها أبوابا مستقلة؛ نذكر منها: الفصل الثاني في الحسن والقبح في الوجه والجسم الذي كان الأولى أن يضمه لكتاب خلق الإنسان، وكذلك الفصل الحادي عشر في كتم السر رغم تخصيصه بابا للسر من الكتاب نفسه.
    كما نجد الباب الثالث الذي يحمل عنوان أبواب المشي وفيه خمسة عشر فصلا؛ ثمانية منها تناسب الباب فقط، والباب بأكمله لا يمت بصلة للكتاب. كما نجد تحت هذا الباب فصولا كان ينبغي أن تندرج تحت كتاب خلق الإنسان وهي: أسماء الجماعات من الناس، الفرق المختلفة من الناس ومن يطرأ عليك، غمار الناس ودهماؤهم، جماعة أهل بيت الرجل وقبيلته، الجماعة الطارئة من الناس (سيده، الصفحات 126-131).
    والشيء نفسه بالنسبة للأبواب التالية: الباب الرابع حلي الملك، الباب الخامس باب الفيء، الباب السادس باب الدول، الباب السابع أبواب النسب؛ كلها لا تتناسب مع موضوع الكتاب.

  2. كتاب الطعام (سيده، صفحة 117): يندرج تحته سبعة أبواب وتسعة وثلاثون ومائة فصل. عرض أولا تسعة عشر فصلا، ثم أورد الباب الأول باب النقي ويضم ثلاثة وعشرون فصلا. والملاحظ هنا وجود بعض الفصول التي وردت قبله والتي وردت بعده متصلة في المعنى، نذكر منها: فصل الطعام يعالج بالزيت والسمن والسكر والعسل، أسماء الدسم والشحم وإذابته، بلّ الخبز، الطعام الذي لا يؤدم، الخبز اليابس والخنز، الثريد، العسل… ومن هنا يتبين لنا أنها تناسب الكتاب لا الباب، كما نجده يضم فصل العسل مع أنه خصص الباب الثاني للسكر.
    ونجد الباب الثاني باب السكر يضم تحته مباشرة ثلاثة فصول: الحلواء، كثرة الطعام وقلته في الناس، الأكل… وهنا يتبين لنا أن الفصل الأول فقط هو الذي يتناسب معه، أما الفصلان الآخران فيناسبان الكتاب.

  3. الباب الثالث: باب التحسي ويضم أربعة فصول: الغصص بالطعام، الشبع، الجوع، العطش… وجميعها لا يمت بصلة لموضوع الباب.

  4. الباب الرابع: أبواب اللبن ويندرج تحته أربعة وعشرون فصلا؛ ثلاثة عشر منها تناسب الباب، أما الفصول التالية: إطعام الرجل القوم وتقويتهم، الغرض للطعام والشراب، أواني الطعام (نعوت القدور)، أسماء ما في القدور من الأداة وغيرها، الأثافي، ما تفعل القدر، ما يبقى في القدر، القصاع، الحدث، الغائط، البول… فنجدها تندرج تحت حقول دلالية متفرقة. والشيء نفسه بالنسبة للأبواب التالية: الباب الخامس والسادس والسابع؛ لا علاقة تربطها بموضوع الكتاب.

  5. كتاب الأنواء (سيده، صفحة 2): عقد تحت الباب الثالث منه (باب سؤال القمر وجوابه) فصلين وهما: أسماء أيام الشهر ولياليه، صفات الشهر؛ رغم إفراده كتابا خاصا بالدهور والأزمنة (سيده، صفحة 62). كما عقد تحت الباب الرابع (باب الدراري) أحد عشر فصلا تُناسب كتاب الدهور والأزمنة، أذكر منها: أسماء الأيام في الإسلام، أسماء الأيام في الجاهلية، أسماء الشهور في الإسلام، أسماء الشهور في الجاهلية، نعوت السنين في التقدم والتأخر، أسماء أوقات الليل والسير فيه (سيده، الصفحات 37-44). والشيء نفسه بالنسبة للباب الخامس: باب الصبح وأسمائه؛ أدرج تحته فصلا بعنوان نعوت الأيام في شدتها (سيده، صفحة 60) وكان الأولى أن يضمه لكتاب الدهور والأزمنة.

وفي كتاب “الوحوش” نجد باب الإبل ونحوه (سيده، صفحة 32) رغم تخصيصه كتابا لها، كما نجد فصولا عن البقر: أسماء البقر وصفاتها، ألوان البقر، أصوات البقر، أحشاء البقر، أسماء أقاطيعها (سيده، الصفحات 31-42)، وكذلك عن النعام: أسماء النعام وصفاتها وما فيها، أسماء أولاد النعام ومبيضها، أصوات النعام (سيده، الصفحات 51-56)؛ وهذه الأخيرة نجدها تحت باب مواضع الظباء والبقر، وهي لا تمت بصلة لا للباب ولا للكتاب.

ورغم هذا الاضطراب في منهج ابن سيده المتمثل في عقده أبوابا وفصولا لا علاقة تربطها بموضوع الكتاب، إلا أننا نجد فيه جوانب إيجابية كثيرة، منها الكتب والأبواب والفصول المتخصصة التي عقدها ــ وهي أقل من سابقتها ــ وتتضمن مواضيع تدور حول موضوع واحد، ومن أمثلتها:

  1. كتاب الخيل ويضم الأبواب والفصول التالية:

  • باب حمل الخيل ونتائجها ويتفرع عنه فصل أسنان الخيل.

  • باب خلق الخيل؛ ومن الفصول: من صفات الحوافر، دوائر الخيل، ما يستحب من الخيل، ما يكره من الخيل، ألوان الخيل، شعور الخيل، أصوات الخيل، نعوت الخيل، عيوب الخيل، نعوت الخيل في الجري، نعوت الخيل في عرقها… (سيده، الصفحات 135-175).

  • باب الطَّلَق (جري الخيل) (سيده، الصفحات 175-178) ويتفرع عنه: أعياء الخيل، نعوت الخيل من قبل عتقها وهجنتها.

  • باب سوابق الخيل (سيده، الصفحات 177-183) ومن فصوله: ركوب الخيل، ركض الخيل ونحوها، الحران ونحوه، صوت الخيل، قلة الرفق بركوب الخيل، حسن الثبات على الخيل، الزجر بالخيل…

  1. كتاب السلاح ومن فصوله (سيده، الصفحة 16): أسماء السيوف، أسماء ما في السيوف، نعوت السيوف من قبل قطعها ومضائها، نعوتها من قبل لمعانها ومائها واهتزازها، نعوتها من قبل صقلها وطبعها، نعوتها من قبل عرضها ولطفها، غمد السيف وحمائله، أسماء مشاهير سيوف العرب…

  2. كتاب الغنم ويندرج تحته بابان (سيده، صفحة 176)

  • باب حمل الغنم ونتاجها، وتتفرع عنه: رضاع الغنم وضروعها وألبانها، فطام الغنم، حلب الغنم، أسنان أولاد الغنم، تسمية ما في الشاة من الطوائف، شيات الضأن ونعوتها…

  • باب أصوات الغنم (سيده، صفحة 8)… وغيرها من الأمثلة التي توضح هذا الجانب بالنسبة إلى بناء الحقول الدلالية داخل معجم المخصّص.

ورغم الاضطراب الموجود في تنافر الفصول الواقعة تحت الكتاب الواحد أو الباب الواحد، فإنه لم يتعده إلى تنافر المواد داخل الفصل الواحد كما هو موجود في بعض معاجم المعاني، وهذا ما يحسب له.

أما ترتيبه للمواد داخل الفصل الواحد أو الحقل الدلالي الواحد فإنه لا يمكننا إنكار جهده الجبار في هذا الشأن؛ فقد تفنن في تقديم الألفاظ المنتمية إلى مجال واحد، وبالإضافة إلى انتمائها إلى مجال واحد قام بترتيبها وفق طرائق مختلفة: فمنها ما رتبها من الكثرة إلى القلة أو من القلة إلى الكثرة (كترتيب الإنسان بحسب كبره، والجبال بحسب حجمها، والصوت بحسب علوه، والرمال بحسب كميتها) أو من الأعلى إلى الأسفل… وفيما يلي بعض النماذج التي أوردها ابن سيده ويمكن معالجتها وفق نظرية المجال الدلالي.

يقول ابن سيده في فصل“ أسنان الأولاد وتسميتها من مبدأ الصغر إلى منتهى الكبر”:

» مادام الولد في بطن أمه فهو جنين… فإذا ولدته فهو وليد… ثم يكون صبيا مادام رضيعا… الصديغ الصبي لسبعة أيام فإذا أنبتت أسنانه قيل أثغر… فإذا ارتفع شيئا وانتفخ وأكل وصار له بطين فهو جَفْرٌ والأنثى جفرة… فإذا قُطِع عنه اللبن فهو فطيم… فإذا ارتفع عن الفطيم فهو جَحْوَشٌ… فإذا سقطت رواضع الصبي قيل ثُغِر… إذا خرجت أسنان الصبي بعد سقوطها قيل أَبْدَأَ… فإذا قوِي وخَدَم فهو حَزَوَرْ… الغلام المترعرع… وكذلك اليافع… الغَيْدَاق الصبي الذي لم يبلغ… فإذا قارب الحُلُم قيل هو مراهق… وكذلك كوكب… فإذا شُكَّ في احتلامه قيل أَحْلَفَ… فإذا احتلم فهو حالم ومترعرع ورَعْرَعٌ… ثم هو بعد المحتلم ناشئ… « (سيده، الصفحات 30-45).

يتبين من خلال هذا النموذج أن كل الكلمات التي تندرج تحته تتقارب فيما بينها في الدلالة على شيء واحد وهو “مراحل نمو الولد”، وهذا ما يجعلها قابلة لأن تكوّن مع بعضها مجالا دلاليا، كما أنه رتب الوحدات المعجمية فيه ترتيبا تصاعديا من بداية نمو الطفل إلى آخر مراحل العمر.

ويقول ابن سيده في باب “اليابس من الشجر والخَشِنِ”:

» إذا لم يجد الشجر رِيَّه فخَشُن من غير أن تذهب نُدُوَّتُهُ قيل شَظِفَ… وقد صمَلَ… أي خشن يابس لم يُصبه الربيع فيلين… وكذلك الأعشَمُ من الشجر… فالعَشماءُ التي أُكل نبتها فلم يبق له أصل… القَفْلُ والقَفِيل ما يبس من الشجر… فإذا تقادمت على يبس حتى تهشّم فهي هشيمة… فإذا زادت على ذلك حتى تبلى… فهي هامدة « .

كما نرى الكلمات التي تندرج تحت هذا الباب تشترك في الدلالة على شيء واحد وهو الشجر اليابس، مما يجعلها قابلة لأن تشكل مجالا دلاليا.

2.3. معايير التقعيد الدلالي داخل الحقل: الحدود والعلاقات وأنماط التصنيف

إذا كان بناء الحقول الدلالية يقتضي جمع الألفاظ المتقاربة في المعنى ضمن مجموعات منظمة، فإن نجاح هذا البناء يظل رهينًا بجملة من معايير التقعيد التي تضبط حدود الحقل من الداخل، وتُحدّد العلاقات بين وحداته، كما تُبيّن طرائق التصنيف الممكنة بحسب طبيعة المادة المعجمية. وفي هذا السياق، يقدّم المخصّص لابن سيده مادةً ثريةً تسمح بتتبع هذه المعايير في صورتها التراثية: من التراتب بين العام والخاص، وتمييز المركزي من الهامشي، إلى إبراز بعض العلاقات الدلالية (كالأضداد)، ثم الإشارة إلى توسيع مفهوم الحقل لدى الدارسين المحدثين وأنماط تصنيفه.

أولًا: التمييز بين الأساسي والهامشي وترسيم الحدود (الأعم/الأخص)

تميّز نظرية الحقول الدلالية بين الكلمات الأساسية والكلمات الهامشية، وتعمل على رسم حدودٍ فاصلةٍ بينها داخل الحقل الدلالي الواحد. ويظهر هذا المبدأ بوضوح في معجم المخصّص؛ إذ يصرّح ابن سيده في مقدمته بكيفية ترتيب مادته المعجمية، موضحًا اعتماده التدرّج من العام إلى الخاص، ومن الكلّي إلى الجزئي، فيقول : … :

“فمنها تقديم الأعم فالأعم على الأخص فالأخص، والإتيان بالكليات قبل الجزئيات، والابتداء بالجواهر والتقفية بالأعراض على ما يستحقه من التقديم والتأخير، وتقديمنا كم على كيف” (سيده، صفحة 9).

ثانيًا: العلاقات الدلالية داخل الحقل: الأضداد نموذجًا

تقوم نظرية الحقول الدلالية كذلك على تحديد العلاقات الدلالية داخل الحقل المعجمي. وقد نص ابن سيده على هذه العلاقات، إلا أنها جاءت في مواضع مختلفة من كتابه، ولم يتناولها ضمن إطار الحقل المعجمي الواحد، باستثناء علاقة دلالية واحدة هي الأضداد؛ فقد خصص لها كتابًا مستقلًا اسمه كتاب الأضداد يضم ثلاثة وعشرين بابًا وستة وثلاثين فصلًا. غير أن الأبواب لا تتحدث جميعها عن الأضداد؛ إذ ضمن هذا الكتاب في بدايته فصلًا عن الأضداد، ثم قسمه بعد ذلك إلى أبواب مختلفة ومتباينة مثل : باب البدل والمحول من المضاعف، باب ما يهمز، باب الإتباع، باب ما خالفت فيه العامة لغة العرب من الكلام…

ومن الأمثلة التي أوردها عن الأضداد قوله:

»… وبعتُ الشيء… اشتريتُه… وشريتُ… عَبْتُ الشيء أصلحتُه… وشعبتُه شققتُه… دُحْتُ الشيء دوحًا جمعتُه وفرقته… واللَّجَوْنُ الأسودُ والأبيضُ« (سيده، الصفحات 258-261).

ثالثًا: أنماط توسيع مفهوم الحقل الدلالي (أنواع الحقول وملاحظات تطبيقية)

ذكر أحمد مختار عمر أن هناك من وسّع مفهوم الحقل الدلالي ليشمل الأنواع التالية (أحمد، 1988، صفحة 80) :

  1. الأوزان الاشتقاقية: وتسمى أيضا الحقول الدلالية الصرفية (Morpho-semantic fields)، وفيها يتم تصنيف الوحدات بناء على ما يوجد بينها من قرابة في المستوى الصرفي. وهذا ما نجده في معجم “المخصّص” لابن سيده، إذ اتخذه وسيلة لبناء بعض الحقول الدلالية الرئيسية (كتاب) وتندرج تحتها حقول فرعية (أبواب وفصول)، وهي قليلة مقارنة بسابقتها لأن هدفه كان وضع بعض القوانين الصرفية. ومن أمثلتها: كتاب الأفعال والمصادر ويضم تسعة وتسعون بابا وواحد وعشرون فصلا، وقد أعطى أهمية بالغة لصيغتي فَعَل وأَفْعل وخصص لهما جزءا كبيرا من الكتاب وأفرد لهما أبوابا عدة، وبعدما أنهى عرضه للأفعال والمصادر عقد أبوابا لأمثلة الأسماء.
    كما عقد كتابا للمقصور والممدود ويندرج تحته سبعة وخمسون بابا، وكتابا للمثنيات. ومن الحقول الصرفية التي أوردها ما ذكره في “باب أسماء المؤنث”: “الأسماء المؤنثة على ضربين: اسم لا علامة فيه للتأنيث واسم فيه علامة… فما لم تكن فيه علامة… نحو عين وأذن وشمس ونار ودار وقدر وعنز وسوق…” (سيده، صفحة 82).
    وجاء في “كتاب الأفعال والمصادر” تحت “باب فَعِل وفَعَل بمعنى”:
    » يقال رجل سبِط وسبَط… وشعر رجِل ورجَل… وثغر رتِل ورتَل… وفرس عتِد وعتَد… ويقال كتِد وكتَد… ورجل دنِف ودنَف… ويقال وَحَد فَرَد ووحِد فَرِد… ويقال وتِد ووتَد « (سيده، صفحة 83).
    والملاحظ أن لهذه الكلمات بناء صرفيا واحدا مكنها من أن تشكل حقلا دلاليا واحدا، إلا أن هذا المعيار لا يصلح تطبيقه على جميع الحقول الدلالية التي يمكن أن تشتمل عليها لغة ما.

  2. الحقول السنتجماتية (Syntagmatic fields) (عمر، 1988، الصفحات 80-81): تضم الكلمات المترابطة عن طريق الاستعمال مع عدم وقوعها في الموقع النحوي نفسه. وإذا بحثنا عن هذا الجانب في معجم “المخصّص” فإننا لا نجد هذا الجانب.

  3. أجزاء الكلام وتصنيفاته النحوية: وهي غير واردة في معجم المخصّص.

  4. الحقول المتدرجة الدلالة: والمقصود بها وجود تدرج في البناء اللفظي للحقل الدلالي كأن يكون من الأصغر إلى الأكبر أو العكس، ومن الأعلى إلى الأسفل أو العكس، والانتقال من الكل إلى الجزء وغيرها… وقد سبقت الإشارة إلى هذا الجانب.

خلاصة واستنتاجات

وممّا سبق ذكره يمكن القول إن كتاب « المخصّص » لابن سيده الأندلسي يُعَدّ من معاجم المعاني/الموضوعات؛ إذ رُتِّب بحسب الموضوعات، وتضمّن حقولًا دلالية رئيسةً وأخرى فرعية. ومن خلال مقاربته بما انتهى إليه البحث الدلالي الحديث يتبيّن ما يأتي:

  1. صنّف ابن سيده ألفاظ اللغة وقسّمها إلى كتب (تقابل الحقول الدلالية الرئيسة في الدرس الدلالي الحديث)، وتنقسم بدورها إلى أبواب(تقابل الحقول الفرعية)، ثم إلى فصول.

  2. اشتمل معجم « المخصّص » على جزء كبير من مفردات اللغة (لا جميعها، كما هو الشأن في بعض المحاولات الشاملة مثل « معجم العهد الجديد »)، غير أنّ هذا يُحسب له، ولا سيّما إذا قورن بالمعاجم التي سبقته في هذا الباب؛ إذ أفاد مما أُلِّف قبله ووسّع مادته.

  3. عقد ابن سيده كتبًا وأبوابًا وفصولًا متخصصة تُقارب ـ في جوانب منها ـ ما استقر عليه الدرس الدلالي الحديث؛ كما أنّ مفرداتها تدور في الغالب حول موضوع واحد، فضلًا عن أنّه رتّبها وفق طرائق متعددة ودقيقة (مثل: بحسب الطول والقصر، ومن القلّة إلى الكثرة أو العكس، ومن الأعلى إلى الأسفل)، معتمدًا في ذلك على حسّه اللغوي، بخلاف البحث الدلالي الحديث الذي يستند إلى أدوات إجرائية وتقنية في جمع المواد وتصنيفها.

  4. مع ذلك، لم يلتزم ابن سيده منهجًا واحدًا في تصنيف الحقول الرئيسة والفرعية؛ إذ يلاحظ في بعض المواضع نقصٌ في الدقة والموضوعية، ووجود موضوعات لا صلة لها بالكتاب أو الباب الذي أُدرجت تحته، وهو ما يعدّ من جوانب الضعف في المعجم.

  5. يتذبذب استعماله لمصطلح « باب »؛ فقد يورده عقب « كتاب » وهو يقصد به حقلًا فرعيًا تندرج تحته فصول، وقد يورده أحيانًا بوصفه إطارًا واسعًا تُسرد تحته موضوعات دون تفريع واضح، بما يوحي بقدر من عدم الانضباط، خاصةً إذا كانت الموضوعات متنافرة المعنى.

  6. أورد بعض الموضوعات خارج إطار الكتب التي عقدها، وكان الأَوْلى ـ من جهة التقعيد الموضوعاتي ـ أن تُفرد لها كتبٌ متخصصة تُلحق بها.

  7. على الرغم من عقده أبوابًا متخصصة، نجد أحيانًا موضوعاتٍ مرتبطةً بها متفرّقةً في كتب متباعدة لا رابط موضوعاتيًّا بينها، وهو ما يؤثر في اتساق البنية العامة للمعجم.

وخلاصة القول: إن « المخصّص » لابن سيده الأندلسي من أكبر معاجم المعاني التي أُلِّفت في التراث اللغوي العربي، وقد تجلّت فيه ملامح التصنيف الحقلي بصورة واضحة. وعلى الرغم من بعض النقائص المنهجية في التبويب، فإن قيمته العلمية لا تُنكر؛ إذ يقدّم مادةً ضخمةً وحقولًا دلاليةً عُرضت في كثير من المواضع ضمن تصنيفات دقيقة. ومن المفيد ـ خدمةً للبحث اللساني العربي ـ أن يُستدرك عليه بعملٍ علميٍّ مكمّل، مثل: إضافة فهرس ألفبائي شامل يُيسر الوصول إلى اللفظة، واستكمال بعض الكتب المتخصصة، مع مراجعةٍ تدقيقية في مواضع الاضطراب، بما يقرّبه من صورة معجمٍ موضوعاتيٍّ أكثر شمولًا وانتظامًا لمفردات العربية.

قائمة المصادر والمراجع (صياغة موحّدة)

المراجع العربية:

ابن سيده. (د.ت.). المخصّص. بيروت، لبنان: دار الكتب العلمية.

أحمد، محمد قدور. (1986). مبادئ اللسانيات. دمشق/بيروت: دار الفكر.

عمر، أحمد مختار. (1988). علم الدلالة. القاهرة، مصر: عالم الكتب.

رمضان، عبد التواب. (1999). فصول في فقه العربية. القاهرة، مصر: مكتبة الخانجي.

فاضل، الساقي. (1977). أقسام الكلام العربي. القاهرة، مصر: مكتبة الخانجي.

فندريس. (1950). اللغة (ترجمة: عبد المجيد الدواخلي ومحمد القصاص). القاهرة، مصر: مطبعة لجنة البيان العربي.

كريم، زكي حسام الدين. (1985). أصول تراثية في علم اللغة. القاهرة، مصر: مكتبة الأنجلو المصرية.

جرمان، كلود، ولوبلون. (1994). علم الدلالة (ترجمة: نور الهدى لوشن). دمشق، سوريا: دار الفاضل.

جاد الرب، محمود. (1992). نظرية الحقول الدلالية وجذورها في التراث العربي. مصر: مجلة مجمع اللغة العربية.

المراجع باللغة الأجنبية:

Mounin, G. (1993). Clefs pour la linguistique. Paris: Seghers.

Nida, E. A. (1975). Componential analysis of meaning: An introduction to semantic structures. The Hague/Paris: Mouton.

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article