مقدمة
يعتبر انعقاد مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956 من أهم منجزات الثورة التحريرية والأرضية التي سارت عليها بعده، نظرا للإستراتيجية المحكمة الشاملة لكل المجالات والتي تضمنها ميثاق المؤتمر، ونظرا لتركيز أغلب الدراسات على الإطار السياسي والعسكري للمؤتمر، حاولنا تقديم دراسة في الجانب الثقافي منه وبالتحديد فيما يتعلق بالإهتمام الذي أولاه المؤتمر لفئة المثقفين وتسخيرهم لخدمة القضية الوطنية، وذلك على الجبهتين الداخلية والخارجية، وإشراكهم في مختلف الهيئات التي استحدثها السياسية منها والعسكرية والمدنية، مع التركيز على مساهمة الطلبة الجزائريين في فرنسا أين تتركز الهجرة الجزائرية في الخارج ولتوسع نشاط الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين والذي كان مركزه في باريس خاصة بعد إضراب 19ماي 1956.
لذلك لم يتردد مؤتمر الصومام في وضع ثقته التامة في الطلبة الجزائريين في فرنسا بل يمكن القول أن الإتحاد الوطني للطلبة المسلمين الجزائريين أصبح أول منظمة تتولى تمثيل جبهة التحرير الوطني للتعريف بالقضية الجزائرية.
ومنه جاءت إشكالية الدراسة فيما تتمثل الإجراءات التي اتخذها مؤتمر الصومام لتجنيد الطلبة الجزائريين في فرنسا في إطار الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في مختلف هياكل جبهة التحرير الوطني التي إستحدثها داخليا وخارجيا ؟ وفيما تكمن المهام المسندة إليهم وإلى أي مدى ساهم هذا التجنيد في خدمة الثورة الجزائرية؟
إن تتبع مدى استجابة الطلبة الجزائريين في فرنسا للمهام والمسؤوليات التي أوكلها لهم مؤتمر الصومام وإنجازها من خلال تسخيرهم في مختلف هياكل الثورة واستمالة الرأي العام الفرنسي والدولي لصالح القضية الجزائرية يمكننا من التعرف على مدى مساهمة ونجاح هؤلاء في خدمة الثورة الجزائرية، وهو الهدف من الدراسة التي إعتمدنا فيها على المنهج التاريخي الوصفي لسرد الأحداث والوقائع وعرض تفاصيلها إلى جانب المنهج التحليلي كلما توجب تحليل المواقف والأراء.
1. مساهمة الطلبة الجزائريين في الثورة قبل إنعقاد مؤتمر الصومام
يعود نشاط الطلاب الجزائريين واحتكاكهم بالثورة إلى الشهور الأولى بعد اندلاع الثورة المسلحة الجزائرية، فبعد مرور أقل من ستة أشهر على اندلاعها قام عبان رمضان بتأسيس خلية حزبية ثورية في الجزائر العاصمة، جلب إليها بعض الجزائريين القدامى أمثال بن خدة، سعد دحلب، صالح الونشي، عمار أوزقان، محمد لبجاوي وغيرهم، وقد لعبت هذه الجماعة دورا لا يستهان به خاصة في ميدان جلب الطلبة إلى صفوف الثورة وتكوينهم السياسي والإيديولوجي، ومن المنشطين الذين لعبوا دورا هاما في الحركة الطلابية في الجزائر، نجد الشهيد عمارة رشيد، ومحمد بن يحي رئيس « الإتحاد العام للطلاب المسلمين الجزائريين » فرع الجزائر، علاوي بن بعطوش، الأمين خان وغيرهم، وقد ركز هؤلاء الطلاب في أول أمرهم على بلوغ هدف واحد تمثل في عزل الإستعمار الفرنسي وتحديد مواقف الطلاب منه بالحركة والفعل.
ومن هنا تم التركيز على تهيئة الإضراب التاريخي الذي قام به الطلبة الجزائريون في 19 ماي 1956، وبعد أن حقق الطلاب الهدف من إضرابهم عن الدروس والإمتحانات تفرغ بعضهم إلى النشاط الثوري السري، والتحق بعضهم بصفوف جيش التحرير الوطني ومنهم من سافر إلى خارج الجزائر واستمر في المهمة الثورية المنوطة به (هلال، 2014، الصفحات 51-52).
2. مؤتمر الصومام وتجنيد الطلبة الجزائريون في فرنسا في صفوف الثورة
بعد إنعقاد مؤتمر الصومام وبناءا على الأرضية الصلبة التي وضعها للتنظيم الثوري، كان على منظمة جبهة التحرير الوطني في فرنسا أن تنور الرأي العام العالمي والفرنسي بصفة خاصة، وأن تنقل له أخبار الثورة الجزائرية وتطوراتها ومواقف الإحتلال الفرنسي منها (هلال، 2014، صفحة 47)، حيث ورد في الوثيقة الأساسية لمؤتمر الصومام
« إن فديرالية جبهة التحرير الوطني في فرنسا التي تدعمت قيادتها في باريس لها مهمة سياسية من الدرجة الأولى لإبطال المفعول السلبي لضغوط الرجعية الإستعمارية، وذلك من خلال القيام باتصالات سياسية مع المنظمات والحركات واللجان المناهضة للحرب، تنظيم الإعلام واللقاءات والتظاهرات والإضرابات،... تعتبر الهجرة الجزائرية في فرنسا رأسمال ثمين بحكم أهمية عددها وصغر سنِّها وروحها النضالية وقدرتها السياسية،... إن مهمة جبهة التحرير الوطني في تعبئة هذه القوة كلها شاقة، لاسيما وأنها تستلزم في الوقت نفسه كفاحا مستميتا لإستئصال بقايا المصالية » (زغيدي، 2004، صفحة 381).
وأتاح مؤتمر الصومام تشكيل إتجاه جديد في ظل ظروف إختطاف طائرة الوفد الخارجي في أكتوبر1956، وكان الأمين دباغين الوحيد من الوفد الخارجي الذي بقي حرا (Clement Moore, p. 128)، لذلك تعززت فدرالية جبهة التحرير الوطني بعناصر جديدة وهذا ما أكده عبان رمضان في صحيفة المجاهد،
«وأما في الخارج فإن وفد جبهة التحرير الوطني الذي تعزز بعناصر جديدة بعثت إليه من الجزائر ليكافح كفاح المنتصر ضد السياسة الخارجية الفرنسية» (عبان، 1959، صفحة 4)
حيث أوفدت لجنة التنسيق والتنفيذ محمد البجاوي إلى فرنسا للإشراف عن إتحادية جبهة التحرير خلفا لصالح الونشي والذي كانت مهمته على رأس الإتحادية :
-
تأطير العمال الجزائريين المهاجرين ضمن هيئة إتحادية جبهة التحرير بفرنسا.
-
العمل على إطلاع الرأي العام الفرنسي عما يجري في الجزائر
-
إفشال مخططات الجيش الفرنسي وشل نشاطه
-
إيقاف الصراع بين الحركة الوطنية الجزائرية وفرع جبهة التحرير الوطني في فرنسا (بزيان، 2009، الصفحات 26-31).
وقد أكد مؤتمر الصومام أن هذه العملية لا يمكن لها النجاح إلا إذا تجند لها المناضلون ذوي الخبرة الطويلة والمثقفون والطلاب (هلال، 2014، صفحة 47)، حيث ورد في الوثيقة الأساسية لمؤتمر الصومام
«يجب على جبهة التحرير الوطني أن تسند إلى الطلبة –بطريقة حكيمة- مهمات دقيقة في الميدان الذي يمكنهم أن يقوموا فيه بعمل نافع كالأعمال السياسية والإدارية والثقافية والصحية والإقتصادية وما إلى ذلك ...» (زغيدي، 2004، صفحة 373)
وقد أشارت صحيفة المجاهد في عددها الرابع الذي أصدرته في نوفمبر 1956 إلى المهام التي أنيطت بالطالب الجزائري في هذا المؤتمر التاريخي
« إن إلتفاف المثقفين الجزائريين حول الثورة لا يمكن أن تكون له تفسيرات أخرى سوى أن الفرنسية لم تأثر عليهم، ولم تستطع أن تقتل لديهم الروح الوطنية التي يتمتعون بها فطريا، وأن تحديد مواقفهم من التيارات المعادية للثورة وعزلها عزلا تاما من طرفهم، ما هو إلا دليلا قاطعا على توجيه سياسي سليم وعلى الجبهة أن تحدد للطلاب والطالبات بطريقة معقولة مهام معينة في الميادين التي تتماشى مع تكوينهم الثقافي والعلمي، وقد تكون هذه المهام سياسية ،إدارية، ثقافية، صحية، إقتصادية إلى غير ذلك.. » (هلال، 2014، الصفحات 39-40).
وكان لاستحداث مؤتمر الصومام للهياكل السياسية والعسكرية والإدارية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية للثورة أن أصبح العمل الإداري ركنا أساسيا في العمل الثوري، وهو الشيء الذي جعل المسؤولين للثورة يستعينون بالطلاب الجزائريين، مع تحديد المهام التي يمكن إسنادها إلى المثقفين الذين إنخرطوا في صفوف الثورة داخليا وخارجيا (هلال، 2014، صفحة 61).
وتنفيذا لقرارات مؤتمر الصومام جعل إتحاد الطلاب الجزائريين من قضية تجنيد الطلاب في صفوف جيش التحرير الوطني محورا لنشاطاته، وعمل على الإتصال بهم جماعات وفرادى مؤكدا لهم على واجبهم الوطني وما تنتظره منهم الثورة (هلال، 2014، صفحة 40).
فبعد المؤتمر صارت جبهة التحرير الوطني عازمة أكثر من أي وقت مضى على بسط سلطتها على الشعب الجزائري برمته كبديل للسلطة الفرنسية، ولذلك قررت توسيع الإضراب ليشمل المدارس الإبتدائية إبتداءا من أكتوبر 1956، فكتبت في منشور«سوف يبرهن هذا الفعل الرمزي على أن القطيعة بين الشعب الجزائري والسلطة الفرنسية باتت حقيقية في جميع المجالات بما فيها المجال الثقافي » (برفيلي، 2007، صفحة 250).
وفي فرنسا ونظرا لعدم إستيعاب الكثير من الطلبة مبادئ سياسة جبهة التحرير الوطني إجتمع محمد لبجاوي رفقة الطيب بولحروف في الأيام الأولى من عام 1957 بقيادة الإتحاد العام لللطلبة المسلمين الجزائريين بفرنسا والممثلة في بهلوان ومحمد خميستي ورضا مالك إلى جانب بن حبيلس ولحضري بغرفة تابعة لحي جامعي، وكان الهدف من الإجتماع مزدوجا، شرح بوضوح سياسة جبهة التحرير الوطني على أساس القرارات السياسية والعسكرية المنبثقة عن مؤتمر الصومام من جهة، ومحاولة البحث والعثور على بعض الإطارات القابلة لتعزيز المنظمة التي باتت في حاجة إلى تقوية صفوفها من جهة أخرى، وهكذا تم تعيين في ظل هذه القيادة ثلاثة مناضلين بغية تشكيل الأمانة الدائمة للجنة الفديرالية وهم : محمد حربي، محمد الشريف ساحلي ورضا مالك الوافد من المنظمة الطلابية (عصماني، 2014، صفحة 12)، حيث كان الوسط المثقف في نظره أكثر ثراء من حيث نوعية المناضلين ذوي المستوى العالي (برفيلي، 2007، صفحة 269).
وتتأكد بذلك الثقة التي وضعتها الثورة في الطلاب والمثقفين الجزائريين بإسنادها لهؤلاء مسؤوليات هامة عند تجديد المكتب الدائم لمنظمة الجبهة في فرنسا (هلال، 2014، صفحة 48)، والذين تم اعتقالهم بعد فترة قصيرة رفقة رئيس الفديرالية لبجاوي في 26 فيفري 1957 (بزيان، 2009، صفحة 27).
1.2. النشاط النضالي للطلبة الجزائريين في فرنسا
أثبت الطلبة الجزائريين في فرنسا مدى تعلقهم بالمبادئ الثورية ونضالهم في صفوف جبهة التحرير الوطني بانضمامهم عن قناعة وصدق إلى الجبهة وبالتضحية بدروسهم والإمتناع عن الإمتحانات (هلال، 2014، الصفحات 53-54)، وساهم الإتحاد بشكل واسع في إقناع قطاعات واسعة من الرأي العام الفرنسي بعدالة كفاح جبهة التحرير الوطني، وعلى الأقل في جعل دوافع هذا الكفاح وأهدافه أكثر قابلية للفهم لدى كثير من الفرنسيين (بلعيد، 2022، صفحة 71)، وذلك بواسطة المناشير والمقالات الصحفية المختلفة التي تصدر في فرنسا أو الجزائر وفي غيرها من البلدان الأخرى، وكانت صحيفة «المقاومة الجزائرية» التي تصدر باللغة الفرنسية لسان حال جبهة التحرير الوطني في فرنسا (هلال، 2014، صفحة 47).
وتزامنا مع إضراب الثمانية أيام الذي دعت إليه جبهة التحرير الوطني في الداخل وفي الخارج نظم الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين من 28 جانفي إلى غاية 12 فيفري 1957 النصف الشهري من التضامن مع الطلبة الجزائريين من أجل الدفع بإجراءات المفاوضات وإحلال السلام بالجزائر، وحول هذه المبادرة عرفت التجمعات الطلابية بباريس مشاركة واسعة وحققت نجاحات باهرة ، فتم إطلاع من خلالها الرأي العام الفرنسي، حيث وجه نداء إلى الطلبة الفرنسيين وجميع الديموقراطيين الذين يعملون من أجل السلام، ويدعون إلى المفاوضات بالجزائر بطبيعة الإبادة التي كانت تخلفها حرب الجزائر وخاصة عن طريق ممارسة عمليات التعذيب المنظمة على جميع الجزائريين المعتقلين، فضلا عن مضاعفة عمليات التمشيط للسكان الجزائريين من أجل إرعابهم وإذلالهم، كما وجهت مذكرة إلى الأمم المتحدة تدعوها إلى تسليط الضوء بصورة جدية على المأساة الجزائرية.
وأمام النتائج الإيجابية التي حققها إضراب الثمانية أيام ذي الطابع السلمي، تعرض قادة الإتحاد الطلابي إلى الاعتقال ومنهم خميستي الأمين العام للإتحاد بفرنسا، ورُّحلوا مباشرة إلى الجزائر وأدخل آخرون سجن فران كما هو الحال بالنسبة للرئيس الشرفي أحمد طالب، ووقف آخرون أمام المحاكم الإستعمارية وصدرت في حقهم أحكام بعشرة سنوات سجنا أو الأشغال الشاقة كما هو الحال في حق مالك الهاشمي وغيرهم من الطلبة (عصماني، 2014، صفحة 12).
وفي ربيع 1957 وجَّه المكتب التنفيذي لإتحاد الطلبة المسلمين نداء إلى الطلبة الفرنسيين إحتوى على مواصفات دقيقة لحالات القمع والإعتقالات، وذلك سواء في الداخل أو الخارج، كما حث النداء طلبة فرنسا على التنديد ضد هذه الأعمال الوحشية ضد الجزائريين، ومما تضمنه النداء «إن واجبكم يحتم عليكم أن تنددوا بهذه الوسائل الإجرامية التي ستعجل التفاهم بين الشعبين الجزائري والفرنسي مستقبلا...» (مريوش، 2005-2006، صفحة 498).
وقد أثار وقوف المؤتمر الثاني للإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين إلى جبهة التحرير الوطني والدعوة إلى الإلتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني توترا في علاقات الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين بالإتحاد الوطني للطلبة الفرنسيين، بسبب الضغوط التي كان يمارسها الطلاب الفرنسيون اليمنيون من أنصار «الجزائر الفرنسية» (بلعيد، 2022، صفحة 71).
ويشير محمد حربي على أن الإختلاف في الأهداف ساهم في تفاقم الفجوة بين الطرفين حيث كان الإتحاد العام للطلبة الفرنسيين يعتبر الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين منظمة طلابية ذات أهداف نقابية وحصر نشاطها في الجانب التعليمي والإبتعاد عن النشاط السياسي فيما يتعلق بعلاقة الإتحاد بجبهة التحرير الوطني ومسألة الإستقلال (Harbi, 2012/2013, p. 65)، ويرفض اعتبارها جزء من حركة التحرر الوطني والتي تطالب بحق الشعب الجزائري في الإستقلال، أما الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين فلم ينحصر نشاطه فقط في الجانب الفكري ومدّ الثورة بالإطارات والكفاءات بل كان يسعى إلى دمج الطالب في النضال من أجل الإستقلال (Morder, 2012/2013, pp. 38-39)، وقد اعتبر المجلس الإداري للإتحاد الوطني للطلبة الفرنسيين المجتمع في دورة إستثنائية في 3 جوان 1956، بعد النظر في التصريحات والمواقف المتخذة من قبل الطلبة الجزائريين أن هذه الإجراءات المنصوصة لا تحمل أي معنى للعلاقات النقابية التي قامت عليها مذكرات مؤتمر ستراسبورغ وتشكل خيبة أمل كبيرة للإجابات على النداء الجماعي الموجه من طرف المؤتمر، وأن إقامة علاقة بين الإتحادين في خضم هذه الظروف غير ممكنة (عصماني، 2014، صفحة 13)، وهو تأكيد لموقفه الصادر في مذكرة المؤتمر السادس والأربعون المنعقد في أفريل 1957 والذي حصر العلاقات بين الطرفين في الجانب النقابي والثقافي (Les Cahiers du GERME, 2012/2013, p. 102).
وقد ردّ الإتحاد العام للطلبة المسلمين على موقف الإتحاد الطلابي الفرنسي عند اجتماع لجنته المديرة في 10 ديسمبر 1956، وذلك بعد الإطلاع على نص المذكرة التي تم تبنيها من طرف مجلس الإدارة للإتحاد الوطني للطلبة الفرنسيين في أثناء جلسة أيام 17-19 نوفمبر 1956 التي درست تطورات العلاقات بين الإتحادين، واعتبارا من أن مجلس إدارة الإتحاد الطلابي الفرنسي لا يفكر في التعاون مع نظيره الجزائري إلا في مجال التعاون النقابي الظرفي، طالب المجلس الإداري من الإتحاد الوطني لطلبة فرنسا إصدار تصريح لصالح طموحات الشعب الجزائري، مثلما وقف ذات الإتحاد سابقا إلى جانب الثوار المجريين يحدد موقفه حيال السياسة الإستعمارية المطبقة في الجزائر والطموحات الوطنية للشعب الجزائري بصورة واضحة ودقيقة (عصماني، 2014، صفحة 13).
إلا أن الإتحاد العام للطلبة الفرنسيين تمسك بموقفه وردَّ ميشال لا فونييه (Michel la Fournière) رئيس الإتحاد باستحالة الإستجابة لتلك المطالب، وعلى إثر ذلك قرر الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين قطع علاقاته الرسمية مع الإتحاد الوطني لطلبة فرنسا (برفيلي، 2007، صفحة 251).
وتزامن قطع الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين علاقاته مع الإتحاد العام لطلبة فرنسا إنعقاد المؤتمر الثالث للإتحاد، وكان انعقاده مناسبة للطلبة الجزائريين لتجديد عهدهم للعمل والكفاح في سبيل الثورة الجزائرية (المجاهد، 1960، صفحة 05)، خاصة بعد أن قرروا حلّ الإضراب اللامحدود عن الدروس والإمتحانات في 14 أكتوبر 1957.
ورأى الطلبة أن مشاركتهم في الكفاح المسلح يمكن أن يكون في نطاق العمل الدعائي في الوسط الذي يعيشون فيه، لذلك عملوا على إظهار عدالة القضية الجزائرية لزملاءهم الطلبة الفرنسيين وتقديم شهادات عن فضاعة المحاولات التي يقوم بها الجيش الفرنسي لإخماد الثورة الجزائرية، وفي المقابل يؤكدون النزعة الوطنية التي تضطلع بها المقاومة الجزائرية (المجاهد، 1957، صفحة 13).
وبالنظر إلى سياسة القمع والتعسف الإستعماري إنعقد المؤتمر الثالث وانتخب لجنة تنفيذية جديدة مكونة من مسعود أيت شعلال رئيسا جديدا، طالب شعيب نائبا للرئيس وعلى عبد اللاوي أمينا عاما للإتحاد إلى جانب طاهر حمدي وجلول بغلي والتي استمرت على رأس الإتحاد إلى غاية 1960 (بغداد، 2006، صفحة 99)، وقد صرح مسعود أيت شعلال لصحيفة المجاهد عن المهمة الملقاة على عاتقهم كرئيس للإتحاد بقوله .
« .. وقد عهد إلينا المؤتمر بإدارة الإتحاد وبذلك ألقى على عاتقنا هذه المسؤولية الضخمة التي قبلناها بدافع من الواجب القومي المقدس، وسرنا فيها بهدى إخواننا الذين ساهموا في بناء هذا الإتحاد، وخاضوا معركة التحرير وقدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الجزائر مثل بن بعطوش وعمارة ولونيسي وطالب وغيرهم، وكانت ذكراهم دائما الوجه الحقيقي لنا في عملنا الشاق» (المجاهد، 1960، صفحة 07)
وقد خلص المؤتمر على التأكيد على موقف المؤتمر الثاني لصالح مطلب الإستقلال وضرورة التفاوض مع جبهة التحرير الوطني (برفيلي، 2007، صفحة 325).
وورد في المذكرة النهائية التي تم تبنيها بالإجماع ما يلي :
« ... إعتبارا من أن الطلبة الجزائريين يشاركون بنشاط في الكفاح بواسطة حضورهم في ميدان المعارك، وبالنظر لحجم الفدية التي يدفعونها في مواجهتهم اليومية للقمع الوحشي والتضحيات التي يتكبدونها، فإن المؤتمر الوطني الثالث للإتحاد يلفت إنتباه الرأي العام الداخلي والخارجي إلى ضرورة تسوية المشكل الجزائري تسوية سياسية طبقا لمبدأ الحق الطبيعي للشعوب في الإستقلال، ويجدد تأكيد موقفه الذي إتخذه عقب المؤتمر الثاني المتمثل في نقطتين أساسيتين وهما التأكيد على استقلال الجزائر وبعث مفاوضات مع جبهة التحرير الوطني» (عصماني، 2014، صفحة 14)
كما عمد المؤتمر إلى إقصاء كل الطلبة الغير المضربين (Ferté & Barrera, 2009).
ولم يقتصر نشاط الطلبة في فرنسا على الجانب السياسي فقد زودوا جبهة التحرير الوطني في الداخل بمجموعة من المحافظين السياسيين والإداريين، وبنواب لقادة الولايات العسكريين، ذلك أن هذا التنظيم يمثل النخبة المثقفة التي يلعب جهازها العسكري دورا هاما على مستوى جبهة التحرير الوطني المتميزة.
وحسب تقرير مقدم من فديرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا إلى المجلس الوطني للثورة الجزائرية خلال دورته المنعقدة في أوت 1961، فإن فديرالية الجبهة بفرنسا إستطاعت أن تزود جيش التحرير الوطني بالمئات من المتطوعين المثقفين والتقنيين، ففي فترة واحدة مابين جانفي 1961 وشهر جويلية من نفس العام إلتحق بجيش التحرير الوطني من جانفي 1961 إلى 23 فيفري 38 منهم مهندس وطبيبان (عصماني، 2014، صفحة 14).
ويذكر بلعيد عبد السلام أسماء بعض الطلبة الذين إلتحقوا من فرنسا بالثورة وسقطوا أثناء القتال في ميدان معركة الحرب التحريرية :
-
محمد العربي ماضي إبن سوق أهراس وواحد من اوائل الطلبة الأعضاء العاملين في جبهة التحرير الوطني في فرنسا، تعرض للتوقيف والإعتقال في محتشد بالجزائر، واختطفه البوليس الفرنسي بعد الإفراج عنه في المعتقل واختفى بعد ذلك، وكان يعتبر من أشد رواد الإتحاد حماسا.
-
عبد القادر بلعربي إبن منطقة مستغانم عضو قيادي بجمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين واللجنة المديرة للإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، وعاد من باريس حيث كان يتابع دراسته مع توليه مسؤوليات ضمن الإتحاد، والتحق بجيش التحرير في الولاية الخامسة ثم تم نقله إلى الولاية الرابعة بطلب من العقيد سي أمحمد الذي أصبح أحد مساعديه المقربين، إستشهد في الولاية الرابعة أثناء معركة واجه فيها جيش التحرير الوطني الجيش الفرنسي.
-
أحمد ينال والذي إلتحق من باريس في الكفاح التحرري، إستشهد إثر عمليات شنها الجيش الفرنسي، وما هؤلاء إلا نماذج من الأعداد الكبيرة للطلبة الجزائريون الذين إلتحقوا بالثورة الجزائرية (بلعيد، 2022، الصفحات 79-80).
2.2. النشاط النضالي للطلبة الجزائريين في فرنسا
أولى مؤتمر الصومام أهمية بالغة لتجنيد الطلبة لممارسة النضال السياسية في إطار الجامعات الفرنسية والمساهمة في اللقاءات الطلابية الدولية، وهو ما ينسجم مع طبيعة النضال الذي يميز جبهة التحرير الوطني تنظيميا، لأن كل من الفديرالية أو الإتحاد الطلابي يسعيان لتحقيق هدف واحد صيغ في مؤتمر الصومام والمتمثل في تنوير الرأي العام الفرنسي والأجنبي بما يجرى في الجزائر (برفيلي، 2007، صفحة 268)، حيث ورد في الوثيقة الأساسية لمؤتمر الصومام
«إن فديرالية جبهة التحرير الوطني في فرنسا التي تدعمت قيادتها في باريس لها مهمة سياسية من الدرجة الأولى لإبطال المفعول السلبي لضغوط الرجعية الإستعمارية، وذلك من خلال القيام باتصالات سياسية مع المنظمات والحركات واللجان المناهضة للحرب، تنظيم الإعلام واللقاءات والتظاهرات والإضرابات التي تنظم ضد ترحيل الجنود وشحن الآلات الحربية... وإنارة الرأي العام الفرنسي والأجنبي بنشر الأخبار والمقالات في الصحف، المجلات، وينبغي في هذا الشأن جمع كل المناضلين المحنكين والمثقفين والطلبة ذوي الخبرة...» (زغيدي، 2004، صفحة 381).
وساهمت بذلك الجهود المتناسقة والمتكاملة التي قدمها الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين حسب المهام المسندة لهم من طرف جبهة التحرير الوطني في أن أصبحت القضية الجزائرية من أولى المشاكل العالمية، وأصبح العالم يعرف حقيقة الثورة الجزائرية (المجاهد، 1957، صفحة 13)، فانخراط الطلبة وقيامهم بالنشاط الدبلوماسي عاملا هاما أضاف دفعا آخر للقضية الجزائرية، وذلك لكونه عناصر مثقفة وواعية بالرسالة التي تحملها على كاهلها من جهة، ولضرورة هذه الميزات في العمل الدبلوماسي من جهة أخرى، لأنه يحتم الإحتكاك بالآخرين وربط علاقات مع مختلف الهيئات والمنظمات الوطنية والإقليمية والدولية (عقيب، 2007، صفحة 120).
وكان العمل الذي قام به الإتحاد الوطني للطلبة الجزائريين في أوروبا وآسيا وإفريقيا والأمريكيتين الشمالية والجنوبية بواسطة المشاركة في الإجتماعات والمؤتمرات التي تعقدها المنظمات الطلابية أو الشبابية الوطنية أو الدولية، ومن خلال التصريحات المدلى بها للصحافة وبواسطة إتخاذ مواقف لشرح القضية كلما سنحت الفرصة، وكل هذا كان ذا أهمية بالغة في العمل الدبلوماسي (بلعيد، 2022، صفحة 71).
ففي هذا المجال إستطاع الإتحاد نسج علاقات وطيدة مع الإتحاد الوطني للطلبة التونسيين والإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين والمنظمات العالمية للطلبة ( 1955-1962) (بلعيد، 2022، صفحة 120)، وهو ما أسفر عن تأسيس كنفدرالية شمال إفريقيا للطلبة ( CNAE) على إثر الندوة المنعقدة في أول جانفي 1958 بتونس والمنضوى تحت لواءها الإتحاد الوطني للطلاب التونسيين والإتحاد الوطني للطلاب المغاربة والإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، وذلك بغرض توحيد المعركة على المستوى الطلابي والوصول إلى الوحدة المغاربية (عصماني، 2014، صفحة 14).
كما عمل الإتحاد على مداومة الحضور في التجمعات الطلابية الدولية التي نظمها الإتحاد العالمي للطلبة ومنها مؤتمره الرابع المنعقد ببراغ من 26 أوت إلى 4 سبتمبر 1956 (عقيب، 2007، صفحة 123)، والتي أصبح فيما بعد عضوا فيها(Morder, 2012/2013, p. 44)، والذي صوَّت بالإجماع على لائحة تطالب بإنهاء الحرب في الجزائر وتحقيق المطامح المشروعة للشعب الجزائري.
كما كان الإتحاد حريصا على المشاركة في الندوة العالمية للطلبة التي تشرف عليها « كتابة التنسيق بين الإتحادات والمنظمات الطلابية الغربية »، حيث شارك في الندوة التي عقدت بسيلان من 11 إلى 21 سبتمبر 1956 وفيها تم التصويت على لائحة تطالب بتقرير مصير الجزائر وطالبت بإرسال لجنة بحث وتحري إلى الجزائر من أجل دراسة الوضعية التي تعرفها ثقافتها الوطنية ومعرفة الظروف المادية والمعنوية التي يعيشها الطلبة الجزائريون.
إضافة إلى حضور الإتحاد مجلس الجمعية العالمية للشباب التي تمت أشغالها ببرلين من 20 إلى 25 أوت 1956، وتعهدت هذه المنظمة حينها بمد يد المساعدة للطلبة الجزائريين ونادت بوضع حدّ للإستعمار (عقيب، 2007، الصفحات 123-124)، وفي المقابل تعرض الإتحاد العام لطلبة فرنسا إلى العزل من الإتحاد الدول للطلبة والندوة العالمية للطلبة والذي لم ينتهي إلى غاية تغيير هذا الأخير لمواقفه لصالح القضية الجزائرية وعودة العلاقات بينه وبين الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في جوان 1960 (Morder, 2012/2013, p. 44).
وعندما عقدت الندوة العالمية للطلبة مؤتمرا لها بنيجيريا من 11 إلى 22 سبتمبر 1957، إستغل الإتحاد مشاركته فيها ليعرف الحاضرين بتدهور وضعية الطلبة الجزائريين وحالة التعليم في الجزائر، وعلى ضوء ما قدم دعى المؤتمر الحكومة الفرنسية لتغيير تعاملها مع الطلبة الجزائريين وأوصى جميع الإتحادات الطلابية في العالم بتنظيم أسبوع تضامن مع الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، وحدد ذلك من 4 إلى 11 نوفمبر 1957، كما أشار المؤتمر إلى ضرورة توصل الطرفان الجزائري والفرنسي إلى حل سريع وعادل للمشكل الجزائري على أساس الإعتراف بالإستقلال الوطني الذي هو الشرط الأول لإقامة تعليم حرّ وديموقراطي في الجزائر (عقيب، 2007، صفحة 125).
كما أحدث القرار الفرنسي الجائر بحل الإتحاد العام للطلبة الجزائريين موجة من الإستنكار في جميع الاوساط الطلابية العالمية في الوقت الذي استمر فيه الإتحاد نشاطه رغم كل القمع الذي تعرض له في فرنسا اعضاءه، وقد عقدت الكتابة العامة للجنة التنسيق والتنفيذ بين الإتحادات الوطنية الغربية ندوة غير عادية بطلب من جامعة الشمال الإفريقي للطلبة، لدراسة قضية حل الإتحاد والمشاكل المتفرعة عنه.
وانعقدت هذه الندوة في لندن في 17 و18 أفريل 1959 وانتهت اللجنة بالإقتراع على لائحتين أحرزتا على جميع الأصوات، حيث أعربت القرارات المتخذة عطف العالم الطلابي ومؤازرته الفعالة للطلبة الجزائريين ولقضية الشعب الجزائري، كما أعربت عن إستنكارها لوسائل العنف التي تستعملها الحكومة الفرنسية لقمع الطلبة الجزائريين الذين إندفعوا مع شعبهم لخوض المعركة التحريرية (المجاهد، 1958).
كما وجَّه لإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين مندوبا عنه للمساهمة في أشغال اللجنة التنفيذية للجامعة العالمية للشبيبة الديموقراطية في كولومبو (سيلان) من 7 إلى 10 سبتمبر 1958، وقد وجهت اللجنة التنفيذية للشبيبة الديموقراطية إلى الأمم المتحدة البرقية التالية « إن اللجنة التنفيذية للجامعة العالمية للشبيبة الديموقراطية تؤكد من جديد حق الشعب الجزائري في الإستقلال وتطالب بإلحاح بفتح المفاوضات بين الحكومة الجزائرية المؤقتة والحكومة الفرنسية » ، وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة قد ساهمت في منح إعانات مالية ومنح دراسية في التعليم العالي لإتحاد الطلبة الجزائريين (المجاهد، 1959).
كما تمت دراسة القضية الجزائرية ووضعية الطلبة والثقافة في الجزائر في المؤتمر العالمي الثامن للطلاب من 15 إلى 25 فيفري 1959 في ليما «عاصمة البيرو» ، وأشارت اللائحة الخاصة بالجزائر إلى تدهور الوضعية العامة للتعليم والثقافة بالجزائر، وإلى سوء حالة الطلبة الجزائريين بسبب إستمرار الحرب في الجزائر، وعدم إقتصار تدهور التعليم في مستوى التعليم العالي وإنما وخاصة في مستوى التعليم الإبتدائي والثانوي،كما أشارت إلى تأثير مضاعفة الحكومة الفرنسية لإجراءات القمع إزاء الأوساط الجزائرية وعلى مواصلة الطلبة لدراستهم.
واعتبرت حل الإتحاد أبرز شاهد على سياسة التعسف والقمع المسلط على الطلبة الجزائريين، واستنكرت بذلك سياسة القمع التي سلّتطها الحكومة الفرنسية على الطلبة الجزائريين، وأثنت على مواصلة الطلبة للكفاح ضد النظام الإستعماري الذي هو الأصل في تدهور الثقافة والتعليم في الجزائر، وخلصت اللائحة إلى تأكيد المؤتمر إقتناعه بأن التسوية النهائية لمشاكل الطلبة الجزائريين يتوقف على إنهاء الحرب واستقلال الجزائر عن طريق التفاوض السلمي بين الحكومتين الفرنسية والجزائرية، وكلَّف المرتمر الكتابة الدائمة برفع اللائحة إلى علم لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وإلى مجلس الأمن وضمان إذاعتها ونشرها في الصحافة العالمية (المجاهد، 1959).
كما حصل الإتحاد العام للطلبة الجزائريين على تضامن كل الوفود الطلابية المشاركة في مؤتمر اللجنة التنفيذية للإتحاد العالمي للطلبة المنعقد بتونس من 23 إلى 27 فيفري 1960، حيث أكد المؤتمر مساندته الفعالة للكفاح البطولي للشعب الجزائري والطلبة الجزائريون، وطالب بإيقاف الحرب الإستعمارية الفرنسية وفتح مفاوضات على أساس الإعتراف بحق تقرير المصير للشعب الجزائري، وذلك بين الحكومة الفرنسية والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (المجاهد، 1960، صفحة 08).
وفي إطار العمل الدبلوماسي للإتحاد نجد أن عددا من الطلبة والأعضاء والقياديين فيه كانوا صمن الوفود الجزائرية التي شاركت في المفاوضات الجزائرية-الفرنسية بمختلف مراحلها، ومنهم الطالب محمد الصديق بن يحي الذي شارك في مفاوضات مولان في جوان 1960 وفي المفاوضات التي تمت بمدينة بال بسويسرا سنة 1961 (عقيب، 2007، الصفحات 131-132).
3. حل الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين
ظل الإتحاد يعمل في فرنسا في إطار الشرعية القانونية منذ تأسيسه حتى تاريخ 28 جانفي 1958، وهو التاريخ الذي تعرض فيه للحل من طرف السلطات الفرنسية بتهمة التورط مع جبهة التحرير الوطني في المساس بأمن الدولة الفرنسية (بغداد، 2006، صفحة 100)، حيث قامت السلطات الفرنسية بشن حملة تفتيش على جميع مكاتب الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في باريس وفي بقية المدن الفرنسية، وألقت القبض على العديد من مسؤولي الإتحاد، حيث إعتبرت وزارة الداخلية الفرنسية أن
«الجمعية التي أنشئت للدفاع عن مصالح الطلبة المسلمين الجزائريين المادية والأدبية، حادت عن مبدئها الأول وأقبلت على خدمة أغراض جبهة التحرير السياسية، كما أقبل قادتها على تسيير منظمات سرية تابعة لهذا الحزب المنحل بأمر صادر في 29 أوت 1957» (المجاهد، 1958، صفحة 10)
وبالتالي حل الإتحاد كان بدعوى أن هذه المنظمة تقوم بعمل سياسي هدام ينال من أمن الدولة الفرنسية ويخرج بالطلبة عن نشاطهم الثقافي التقليدي (المجاهد، 1959).
وقامت السلطات الفرنسية على إثر ذلك باعتقال الطلبة وأذاقتهم ويلات السجون والتعذيب (المجاهد، 1960)، حيث جندت جهازها الإداري وقواتها العسكرية وأخذت تلاحق الطلبة في جميع أنحاء فرنسا في تكالب عنيف الغرض منه هو تحطيم قوى النضال التي أبداها هؤلاء، فأخذت تعتقل الأعضاء سواء من اللجنة التنفيذية أو الإدارية أو الفروع (المجاهد، 1960، صفحة 07)، كما عملت السلطات الإستعمارية على عرقلة نشاط الإتحاد وإضعافه في المجال الدولي (المجاهد، 1959، صفحة 08).
واستمر نشاط الطلبة في إطار فرع جامعي للجبهة وتمت هيكلة المسؤولية فيه بشكل هرمي وفق المبادئ العامة للتنظيم، وكان «الفرع الجامعي » لجامعة باريس ينسق نشاطات الفروع المحلية، وكان مسؤوله الوطني يضمن باستمرار الإتصال مع لجنة فديرالية يشرف عليها عبد الكريم سويسي وهو عضو المكتب الوطني المكلف بالمالية، ورغم كل الإحتياطات، فإن حملة الإعتقال مسَّت المنظمين في ديسمبر 1958، وحوكم على حوالي 15 مناضلا في جويلية 1959 وأغلبهم من الفرع النقابي بتهمة إعادة تشكيل الرابطة المنحلة، وبذلك تزايد عزل
«الفرع الجامعي، واضطر الطلبة من 1959 إلى 1962 إلى النضال في دائرة مغلقة داخل وسطهم الطلابي، وكانوا يقومون بإسداء بعض الخدمات للقضية الوطنية مثل العمل الدعائي لدى الفرنسيين، وتقديم المعلومات وجمع الاموال والأدوية وتجنيد المتطوعين، وكانت إجتماعات الفروع الجامعية تهدف أساسا إلى الإحتفاظ بالقدر الأدنى من التنظيم والوعي السياسي لدى الطلاب» (برفيلي، 2007، صفحة 271).
وقد وجه المكتب التنفيذي للإتحاد العام للطلبة الجزائريين قائمة إلى جميع الإتحادات الطلابية في العالم حتى يطالبوا حكوماتهم بالتدخل لدى الحكومة الفرنسية لتطلق سراح الطلبة الجزائريين، وتضمنت القائمة الطلبة المقيمين بسجون ومعتقلات فرنسا والجزائر، ومنهم الآنسة زكية بن سماعيل نائبة الرئيس السابق لفرع باريس، والآنسة فاطمة الزهرة بن عيساوي باريس، وعبد الرحمان باك باريس، عبد القادر بلحاج باريس، أحمد بوصالح نائب رئيس سابق لفرع باريس، عبد الحفيظ شوقي باريس، رشيد منصوري ليون، مصطفي فرنسيس كاتب عام سابق لفرع تولوز، موسى قبايلي باريس وغيرهم، ويكفي الإطلاع على كتاب « الجرح المتعفن » لنرى مدى القمع الوحشي الذي سلط على الطالب الجزائري، وهو عبارة عن تقارير وضعها طلاب جزائريين ووصفوا فيها بالتدقيق عمليات التعذيب الوحشية التي سلطتها عليهم الشرطة الفرنسية وعلى رأسها مديرها فيبو، وقد أوقف الطلبة في شهر ديسمبر 1958 بتهمة النيل من أمن الدولة الخارجي وإعادة تكوين منظمة منحلة والطلبة هم بشير بومعزة، موسى قبايلي، بن عيسى مواني ومصطفى فرنسيس، كما أمرت وزارة الداخلية الفرنسية بحجز الكتاب ومنع ترويجه بدعوى التهم التي يتضمنها ضد البوليس غير ثابتة ولم يقع البث في صحتها (المجاهد، 1959، صفحة 02).
وكان لحل الحزب والمتابعات التي لحقت بأعضاء الإتحاد أن استقر منذ مطلع سنة 1958 خارج الحدود الفرنسية، قبل أن يقيم مقره نهائيا بتونس حتى يوم إعلان الإستقلال (بلعيد، 2022، صفحة 72)، ولجأ الإتحاد وبالتنسيق مع جبهة التحرير الوطني إلى نقل الطلاب إلى خارج فرنسا نحو البلدان الأوروبية والعربية، وتمكن الإتحاد من الحصول على منح دراسية بمساعدة الإتحادات الطلابية العالمية (Ferté & Barrera, 2009)، حيث عمدت لجنة التنسيق والتنفيذ ثم بعدها الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ضمن الهياكل الخاصة التي نصبتها خارج الخارج، وكذا بالدعوة إلى مساعدة البلدان الصديقة أو المنظمات المساندة للقضية الوطنية الجزائرية على السواء، إلى سياسة تكوين حقيقية للإطارات في جميع المجالات المدنية منها والعسكرية، والتي تغطي جميع النشاطات في المستقبل للجزائر المستقلة (بلعيد، 2022، صفحة 72).
4. تبلور موقف الإتحاد العام لطلبة فرنسا لصالح القضية الجزائرية
من المفارقة أنه في الوقت الذي تم فيه حل الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين وتزايد القمع والتعسف الإستعماري تجاه الطلبة الجزائريين في فرنسا، حدثت في فرنسا تحولات عميقة كان لها تأثير فعال في تطور موقف الرأي العام تجاه القضية الجزائرية وبالأخص المثقفين، وهذا ما يؤكد نجاح الجهود التي بذلها الطلبة الجزائريين في فرنسا في كسب الرأي العام الفرنسي والدولي إلى جانبه، وفي المقابل تعرض الإتحاد العام لطلبة فرنسا للضغوط والعزل من مختلف المنظمات الطلابية العالمية، حيث عرفت مواقف الإتحاد العام للطلبة الفرنسيين تدريجيا تغيرا تجاه القضية الجزائرية، وتعتبر الفترة الممتدة بين سنتي 1959 و1960 من الفترات التي نشط فيها الإتحاد لصالح القضية الجزائرية، حيث زاد من ضغطه على الحكومة الفرنسية لحل القضية الجزائرية (مقران، 2017، صفحة 16).
ففي المؤتمر الثامن والأربعون للإتحاد العام لطلبة فرنسا الذي انعقد في ليون من 1 إلى 5 أفريل 1959 وتناول المشكلة الجزائرية، حيث صادق المؤتمر في نهاية أشغاله على لائحة تتعلق بالجزائر وأهم ماجاء فيها :
-
التأكيد على عدم إمكانية حل النزاع الجزائري بقوة السلاح.
-
المطالبة بالإعتراف بتقرير مصير الشعب الجزائري.
-
إفتتاح مفاوضات بين الحكومة الفرنسية وجبهة التحرير الوطني حول شروط وقف إطلاق النار وضمانات تطبيق مبدأ حرية تقرير المصير.
-
إتخاذ كافة التدابير التي من شأنها أن تساهم في عودة العلاقات بين الطلبة الجزائريين والطلبة الفرنسيين، والتي ستكون تمهيدا للتراضي بين فرنسا والأمة الجزائرية.
-
مساندة كل عمل إيجابي تقوم به المنظمات الطلابية ونقابات العمل لإيجاد حل نهائي للمشكل (Les Cahiers du GERME, 2012/2013, p. 102).
وساهم تبلور الإتحاد العام للطلبة في فرنسا لصالح القضية الجزائرية في عودة العلاقات بين الطلبة الفرنسيين والجزائريين، بعد أن اتفق إتحاد الطلبة الفرنسيين مع الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين وأصدروا بيانا مشتركا يندد بالحرب ويدعوا إلى التفاوض بين الحكومتين الفرنسية والجزائرية من أجل إقرار السلام وتطبيق حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره (المجاهد، 1960).
وقد أصدر الإتحاد العام لطلبة فرنسا والإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين بلاغا مشتركا جاء فيه أن ممثلي المنظمتين اجتمعوا في لوزان يوم 06 جوان 1960 لبحث وسائل العمل التي من شأنها أن تساعد على إنهاء حرب التحرير الجزائرية، وأوضحت المنظمتان أن الإتفاق بينهما شمل النقاط التالية :
-
أن الحرب المفروضة على الشعب الجزائري تندرج في نطاق تحرر إفريقيا وتمس بالعلاقات بين فرنسا وبين جميع الشعوب الإفريقية.
-
عدم إمكانية وقف القتال ورجوع السلم في الجزائر إذا لم تقبل الحكومة الفرنسية التفاوض مع جبهة التحرير الجزائرية حول ضمانات تطبيق تقرير المصير حسبما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة.
-
إستئناف العلاقات بين منظمتي الطلبة الجزائريين والطلبة الفرنسيين يضمن التفاهم بين الشبيبتين ويمهد الطريق للتعاون الحرّ بين الشعبين الجزائري والفرنسي.
واختتم البلاغ بإعراب الطلبة الجزائريين والفرنسيين على عزمهم على التصالح وإقامة الدليل على أن التفاوض ممكن وأنه وحده الكفيل بإنهاء الحرب الإستعمارية (Les Cahiers du GERME, 2012/2013, p. 102).
وهكذا كانت بداية حركة الرأي العام الفرنسي بين صفوف الطلبة الفرنسيين، حيث اتفقت أغلب الحركات الطلابية والنقابية والهيئات السياسية اليسارية الفرنسية على أن تجعل من يوم 28 جوان 1960 يوم العمل من أجل السلام في السلام، وتألف من هذه الحركات مركز وطني للتنسيق يشرف على مجموع العمل الجماهيري في هذا اليوم، رغم إصدار الحكومة الفرنسية أمرا بمنع المظاهرات والإجتماعات العامة لتضعف من قوة الحركات الجماهيرية المطالبة بإعادة السلام في الجزائر.
غير أن هذا القرار لم يمنع الرأي العام الفرنسي من إظهار رغبته في حل القضية الجزائرية، ونجح يوم العمل من أجل السلام في الجزائر نجاحا كبيرا في كل المدن والأقاليم الفرنسية، حيث توقف العمال في المصانع عن العمل وانعقدت الاجتماعات والمؤتمرات العامة وسارت المظاهرات المؤيدة للسلم في الجزائر (المجاهد، 1960، صفحة 04).
واتخذ الإتحاد الوطني للطلبة الفرنسيين خطوة أخرى باتخاذ مبادرة تنظيم تجمع واسع للاحتجاج باعتماده على دعم ومشاركة النقابات الأخرى، حيث وجَّه في منتصف أكتوبر 1960 نداءا للمشاركة في مظاهرة ضخمة تسمح للطلبة والعمال أن يعبروا عن رغبتهم في إحلال السلام، وكان مقررا أن تجري تلك المظاهرة بساحة لباستي (la Bastille) في يوم 17 أكتوبر، لكنها قوبلت بقرار منعها من طرف وزارة الداخلية، وفي مساء يوم 27 أكتوبر 1960 كانت القاعة الكبيرة الموجودة بالحي اللاتيني مملوءة بالحضور، وكان ألاف المتظاهرين يملئون الشوارع المحيطة بها يرددون بصوت واحد «السلام في الجزائر» ، وبعد أيام قليلة فقط قام ديغول بإلقاء خطاب موجه إلى الأمة، حيث تكلم فيه بصريح العبارة عن «الجمهورية الفرنسية» (إيفينو و بلانشاين، 2013، الصفحات 181-183).
خاتمة
في الأخير يمكن القول أن الثقة التي منحها مؤتمر الصومام في الطلبة الجزائريين بفرنسا قابلها الطلبة بالمثل، فبعد المشاركة المحدودة للطلبة الجزائريين في فرنسا في إطار الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في إضراب 19 ماي 1956، نجد أن نشاط هؤلاء عرف توسعا كبيرا بعد انعقاد مؤتمر الصومام والاهتمام الذي أولاه للفئة المثقفة وتجنيدها في كل هياكل الثورة والمستحدثة على إثر انعقاده.
وكان بذلك للطلبة الجزائريين في فرنسا دور كبير في بلورة الفكر السياسي والدبلوماسي ونشر الوعي بين الجاليات الجزائرية في الخارج، والمساهمة في تبلور مواقف الإتحاد العام لطلبة فرنسا والرأي العام الفرنسي بشكل عام لصالح القضية الجزائرية، إلى جانب التعريف بالقضية الجزائرية دوليا والذي تمكن في مواقف حاسمة من تأكيد عدالة القضية الجزائرية للرأي العام العالمي وكسب الدعم والتأييد لها، بل وحتى عزل الإتحاد العام للطلبة فرنسا من المنظمات الطلابية العالمية.
ولم يقتصر هذا النشاط داخل فرنسا وخارجها فقط فقد بل ساهم الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في تزويد الثورة بالإطارات في جميع المجالات المدنية والعسكرية، ورغم كل التعسف والقمع الذي تعرضوا له إلا أن ذلك لم يثنيهم على المواصلة في خدمة الثورة الجزائرية إلى غاية الاستقلال حيث استعانت بهم الدولة الجزائرية في مختلف الهيئات والمؤسسات.
.