اللّهجة العربية الجزائرية في ظل الثنائية اللغوية: اللّهجة تلمسانية أنموذجا

L'arabe tlemcénien à la lumière de la diglossie

Tlemcenian Arabic in the light of diglossia

سهام حساين Siham Hassaine

p. 119-130

Citer cet article

Référence papier

سهام حساين Siham Hassaine, « اللّهجة العربية الجزائرية في ظل الثنائية اللغوية: اللّهجة تلمسانية أنموذجا », Aleph, Vol 11 (3-2) | 2024, 119-130.

Référence électronique

سهام حساين Siham Hassaine, « اللّهجة العربية الجزائرية في ظل الثنائية اللغوية: اللّهجة تلمسانية أنموذجا », Aleph [En ligne], Vol 11 (3-2) | 2024, mis en ligne le 14 janvier 2024, consulté le 25 novembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/11424

يتضمّن هذا البحث مقاربة تتناول موضوع الثنائية اللغوية وتأثيرها على المجتمع الجزائري، حيث أن اللّغة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمجتمع، فهي مرآة تعكس جميع جوانب التغيير والتحول في المجتمع: تحضّرًا كان أو تخلفا. ففي ظلّ العولمة وفي كلّ دول العالم يوجد اتجاهين متعارضين. الأول هو ضرورة مراعاة جوانب التقدم الحضاري وما يتضمّنه عند تعليم أفراد المجتمع لغة أجنبية واحدة أو أكثر. والثاني يكمن في اللغة العامية التي تؤدي إلى تفتيت الثقافة والهوية الوطنية التي تمثلها اللغة الأم، ليس من حيث المفردات فقط، بل أيضا من حيث الثقافات والعادات والقيم للمتحدثين.

هذا ملخّص موجز لموضوعنا، فمن خلال هذه المقاربات سنحاول الإجابة على تساؤلات مهمة شأن: كيف نعايش اللغة المحلية والوافدة مع اللغة العربية لغة أصلية؟ إلى أي حد يمكن للثنائية اللغوية أن تكون عامل ثراء لساني، ثقافي واجتماعي؟ ماهو مستقبل العربية الفصحى بين اللهجة المحلية؟ هل الثنائية اللغوية معضلة لسانية أم ضرورة اجتماعية؟ وما أثرها على اللغة العربية الفصحى؟

Cette recherche comprend une approche qui traite la question du bilinguisme et de son impact sur la société algérienne, car la langue est étroitement liée à la société, elle est le miroir qui reflète tous les aspects du changement et de la transformation de la société : qu’elle soit civilisée ou arriérée. Face à la mondialisation et dans tous les pays du monde, deux tendances s’opposent : la première est la nécessité de prendre en compte les aspects du progrès civilisationnel et ce qu’il comporte dans l’enseignement d’une ou plusieurs langues étrangères aux membres de la société. Et la seconde réside dans la langue familière qui conduit à la fragmentation de la culture et de l’identité nationale représentée par la langue maternelle, non seulement en termes de vocabulaire, mais aussi en termes de cultures, coutume et valeur des locuteurs.

Ceci est un bref résumé de notre sujet à travers ces approches, nous tenterons de répondre à des questions importantes telles que : comment vivons-nous avec la langue locale et étrangère avec la langue arabe comme langue indigène? Dans quelle mesure la diglossie peut-elle être un facteur d’enrichissement linguistique, culturel et social? Quel est l’avenir de l’arabe classique entre le dialecte local? La diglossie est-elle un dilemme linguistique ou une nécessité sociale et quel est son impact sur la langue arabe classique?

This research includes an approach that deals with the issue of bilingualism and its impact on Algerian society. In the light of globalization and in all countries of the world there are two opposing trends. The first is the necessity to take into account aspects of civilizational progress and what it includes when teaching members of society one or more foreign languages. The second lies in the colloquial language that leads to the fragmentation of the culture and the national identity represented by the mother tongue, not only in terms of vocabulary, but also in terms of the cultures, customs and values ​​of the speakers.

This is a brief summary of our topic. Through these approaches, we will try to answer important questions such as: How do we live with the local and foreign language with the Arabic language as a native language? What is the future of Standard Arabic among the local dialect? Is Diglossia a linguistic problem or a social necessity? And what is its impact on Standard Arabic?

مقدمة

إنّ المشهد اللّغوي الجزائري مشبّع وملوّن بلوحة متنوعة تحتوي على عدّة لغات وهذه اللّوحة مشبّعة باللّغات الوطنية والأجنبية. يتمّ التعرّف على اللّغتين الّرسميتين في الجزائر على أنّهما اللّغة العربية الفصحى الحديثة والأمازيغية (البربرية). فاللغة العربية الفصحى هي لغة ثانية يتمّ اكتسابها بشكل عام في المدرسة. إنّها اللغة التي تميّز هويّة الشّعب الجزائري. أمّا اللهجة العربية بكل تنوعها، هي اللغة الأم الأصيلة للعرب، يتم استخدامها في المجال المنزلي، في المحادثة غير الرّسمية بين السّكان الأصليين من نفس المنطقة، في الأغاني والشّعر الشعبي. في حين تُستخدم اللغة العربية الجزائرية بشكل أساسي للتّواصل اليومي، بينما تُستخدم اللغة العربية الفصحى الحديثة للاستخدام الرسمي.

يصعب وصف اللغة العربية، لأن هناك أنواعًا مختلفة من اللغة العربية في الجزائر، كما هو الحال في البلدان الأخرى الناطقة بالعربية. يجب أن نميز بين العربية الفصحى والأدبية، وهي لغة مشتقة من القرآن ومستخدمة من قبل النخبة العربية المسلمة على مدى اثني عشر قرنًا. ثم اللغة العربية الفصحى الحديثة، التي تمّ توحيدها في القرن التاسع عشر من اللغة العربية الفصحى من قبل مفكري « النهضة العربية ». يجب ألاّ ننسى اللغة العربية الجزائرية، وهي لغة عامية تختلف من منطقة إلى أخرى وتستخدم يوميًا من قبل جميع الجزائريين الناطقين بالعربية تقريبًا. بالنسبة للسكان ذوي التعليم الضعيف، كما كان الحال عند الاستقلال في عام 1962، حيث ظلّت اللغة العربية الفصحى لغة مستحيلة الفهم، لدرجة أنها تختلف كثيرًا عن اللغة العربية الشعبية.

تاريخياً، للّغة العربية أصول دينية، لأنّ اللّغة الأصلية هي أيضاً لغة وحي النّبي محمد صلى الله عليه وسلّم. لهذا السّبب، وفقًا لهذا الأصل الإلهي، يعتقد بعض الناطقين باللغة العربية الجزائرية أنّه من الضروري تنقية اللّغة المنطوقة من اقتراضاتها الأجنبية، ليس فقط من الفرنسية والبربرية فحسب، ولكن أيضًا من اللهجة العربية، من أجل العثور على « صحيح » اللغة العربية لغة القرآن. لطالما تغلغل مفهوم اللغة العربية في سياسات التعريب في جميع أنحاء المغرب العربي. إن البربر (أو القبائل) هو الذي ساعد في تشكيل العربية الجزائرية كما هي اليوم. إنّ اللّغة الأم للغالبية العظمى من الجزائريين هي لهجة شعبية تسمى « الدّارجة »، والتي تعني حرفياً « اللّغة اليومية » (مع العديد من الأصناف المفهومة بشكل متبادل)، بما أن التّعداد السكاني على أساس لغوي أو عرقي أو ديني محظور في الجزائر من أجل « الحفاظ على الوحدة الوطنية »، فمن الصعب معرفة العدد الدقيق للمتحدثين باللغة العربية الفصحى والمتحدثين باللّغة العامية بطريقة علمية.

باختصار، كل المتحدثين باللغة العربية في الجزائر يتحدثون اللّهجة العربية أو ما يسمى بالعربية « الجزائرية » (وأنواعها المختلفة) للتواصل مع بعضهم البعض. بعبارة أخرى، عند التحدّث بها، يتمّ استخدام اللّغة العربية الجزائرية كلغة موصلة، ولكن عند كتابتها، فهي اللغة العربية الفصحى. ومع ذلك، عندما نتحدث عن العربية الجزائرية، يجب أن نفهم أنها تتعلق بأصناف مختلفة من اللغة العربية المحلية، لأن اللغة العربية الجزائرية الموحدة غير موجودة. لذلك هناك العديد من أنواع اللّهجات العربية الجزائرية. حيث أنّ جميع أنواع اللّهجات العربية الجزائرية تتأثر بشكل غير متجانس باللّغات الأخرى (مثل البربرية، الفرنسية، الإسبانية، التركية، الإيطالية، إلى غير ذلك ). وبالتالي، يمكننا التمييز بين العربية الجزائرية (المتأثرة بشكل خاص بالأمازيغية والتركية)، العربية الوهرانية (المتأثرة بالإسبانية)، العربية القسطنطينية (المتأثرة بالإيطالية)، والعربية التلمسانية (المتأثرة بالعربية الأندلسية)، وما إلى ذلك، والتي تختلف اختلافًا كبيرًا في المعجم أو النطق أو القواعد. حتى أنه من الصعب أحيانًا أن تجعل نفسك مفهوما بين المتحدثين من مناطق مختلفة.

في الواقع، الجزائر هي البلد العربي الذي يتنوع تكوينه اللغوي للغاية. هذا يعني أنه عند الحديث عن العربية الجزائرية، يجب أن نتذكر أنها ليست موحدة، لكن حقيقة وجود مجلدات لتعلّم العربية الجزائرية (الجيب العربي الجزائري) تشهد على الحيوية التي لا يمكن إنكارها لهذا التنوع في اللغة العربية وكذلك مقاومة هائلة للوصم والرفض الذي تنقلهما المعايير الثقافية السائدة تجاهها. وتسمى هذه اللهجة العربية أو العربية الجزائرية أيضًا بالوطني (« العربية للأمة الجزائرية ») أو الدارجة (« اللغة المشتركة ») التي يتم التحدّث بها في الجزائر بشكل خاص.

بعد إدخال اللغة العربية إلى تلمسان في القرون الأولى التي تلت أسلمية المنطقة، أصبحت المدينة بمثابة « مركز تعريب » للمنطقة، ثم أدّت عملية التعريب هذه إلى ظهور اللّهجة الحضرية للمدينة وكذلك لهجات القرى المحيطة. وبالتالي أصبحت العربية التلمسانية أو التلمسانية هي اللغة الأصلية لمدينة تلمسان. يتحدّثها سكان المدينة، متأثرين باللغة العربية الأندلسية. وهي إحدى المكونات الإقليمية للغة العربية الجزائرية من عائلة اللّهجات العربية المغاربية. يتحدثها في الأصل سكان مدينة تلمسان - أي « السكان الأصليون » وأدّى التفاعل مع السّكان الناتج عن حركات النزوح الريفي التي عاشتها المدينة في القرن العشرين إلى تبني أسلوب حضري ذو سمات ريفية وهكذا، فإن غالبية سكان المدن يقصر استخدام اللغة العربية التلمسانية في الدوائر العائلية، كما تحافظ غالبية المتحدثات الإناث على استخدامها اليومي.

تتميز العربية التلمسانية بشكل أساسي باستبدال كلمة « القاف » من العربية بـ « أ » أو الهمزة، وهي حالة فريدة في الجزائر، ولكنها موجودة في اللهجات الحضرية في مصر ولبنان وسوريا، وكذلك في فاس. وتجدر الإشارة إلى أنّه لا يتم نطق كلمة « قاف » العربية ودائمًا ما يتم استبدالها بالهمزة العربية أو « أ » ومن هنا جاءت العبارة التي تتحدث مع الحرف « أ » في تلمسان.

إنّ اللّغة نشاطا اجتماعيا، من حيث أنها استجابة ضرورية، لحاجة الاتصال بين الناس جميعا، فإنها تعد أيضا من أهم الروابط المتينة التي تربط أفراد الجماعة اللغوية بعضها ببعض، فإن وجود اللغة يشترط وجود مجتمع، وهنا يتضح الطابع الاجتماعي للغة، فليس هناك نظام لغوي يمكن أن يوجد منفصلا عن جماعة إنسانية تستخدمه وتتعامل به، فاللغة ليست هدفا في ذاتها، وإنّما هي وسيلة للتواصل بين أفراد الجماعة الإنسانية. فإذا نظرنا إلى المجتمع الجزائري وجدناه يتكلم خليطا بين الفرنسية والعربية واللهجات المحلية، وبالتالي يتبين إذن أن وضعية وظائفها السوسيولسانية هي التي تحدد قيمتها في السوق اللسانية، وتستمد قوّتها من المكانة السوسيوثقافية للناطقين بها، والذين يعملون على تكريسها وتخصيصها بوظائف معينة تستجيب لمصالحهم الاجتماعية. ولتوضيح ذلك ندرج في الجدول التالي قائمة من الكلمات المحلية للعربية التلمسانية ومقابلاتها بالغة العربية الفصحى وترجمتها إلى الفرنسية:

الترجمة (Traduction)

العربية التلمسانية (Arabe dialectal tlémcénien)

العربية الفصحى (Arabe classique)

Bouteille
Tamis
Passoire
Poulet
Aubergine
Coiffeuse
Fenêtre
Viens
Argents
Œufs
Coin
Bocal
La fin du monde
Cafard
Carotte
Tomate
Giffle
Les oranges
La Grenouille

أرعة
ألال
بوسيار
جداد
برانيا
حفافة
طاء
آجي
صوالد
ولاد جداد
شوك
بوآ ل
لنأراط
بومسؤول
زروديا
طوماطيش
سأ ل
لتشين
أرأرا

قارورة
مصفاة
غربال
دجاج
بدنجان
حلاقة
نافدة
تعالى
النقود
البيض
ركن
علبة
نهاية العالم
صرصور
الجزر
طماطم
صفعة
برتقال
ضفدع

العالم متعدّد اللغات واللهجات، فالناس في مواجهة لغات ولهجات متعدّدة، وبالتالي إنهم يلاقون لغات أخرى غير اللغة الأولى لديهم كل يوم يفهمونها أو لا يفهمونها، يحبونها أو لا يحبونها تلك حقيقة. حيث أن هذا التعدّد والثنائية اللغوية ليس وضعا خاصا كما يتصوره البعض ببلاد دون أخرى، أو هو ميزة لبلدان العالم الثالث، أو النامية، إنه قدر مشترك وإن ظهر بأشكال متفاوتة، أو مختلفة. ترتبط اللغة بالمجتمع ارتباطا وثيقا، فهي المرأة التي تعكس كل مظاهر التغيّر والتحوّل في المجتمع: رقيا كان أو انحطاطا، تحضرا كان أو تخلفا، بحيث إنها

«استجابة ضرورية لحاجة الاتصال بين الناس جميعا، ولهذا السبب يتصل علم اللغة اتصالا شديدا بالعلوم الاجتماعية، وأصبحت بعض بحوثه تدرس في علم الاجتماع، فنشأ لذلك فرع يسمى ( علم الاجتماع اللغوي ) يحاول الكشف عن العلاقة بين اللغة والحياة الاجتماعية، وبين أثر تلك الحياة الاجتماعية في الظواهر اللغوية المختلفة ». (عبد السلام المسدي، 1984، ص172)

ومما لا شك فيه أن الإنسان لا يولد متكلّما بفطرته، بل يكتسب لغة المجتمع الذي نشأ فيه، فمن نشأ في مجتمع عربي يكتسب العربية، ومن نشأ في مجتمع اسباني يكتسب الاسبانية وهكذا ... كما أنّ للتّقليد والمحاكاة دورا كبيرا في اكتساب اللغة، بمعنى أنّ الطّفل يكتسب اللّغة من الجماعة اللّغوية التي يعيش بينها بكلّ سمات وملامح الواقع اللّغوي لهذه الجماعة من صحة أو خطا، وما بينها من درجات التفاوت والتباين.

فاللّغة هي وعاء الفكر، وهي وسيلة تواصل بين أفراد المجتمع ومؤسساته المختلفة وتبادل المعلومات والأفكار بينها. فهي كالعملة في التبادل التجاري، فكلّما كانت العملة قوية وموحّدة في البلاد، أصبح التبادل التجاري أيسر وأكثر نشاطا. ونظرا للأهمية التي تحظى بها اللغة في المجتمع نالت اهتمام الكثير من العلماء على اختلاف مذاهبهم، فعالجها علماء اللّسان، وعلماء الأنتروبولوجيا، وعلماء الجغرافيا، ورجال السياسية، وعلماء الاجتماع. ونظرا للصّلة الوطيدة التي تربط اللغة بجميع نواحي المجتمع، حاولنا من خلال بحثنا هذا توضيح العلاقة التي تربط المجتمع الجزائري باللغة العربية الجزائرية عامة وباللّهجة التلمسانية خاصّة، وفي ظل هذا الوضع (خارج لغوي) قمنا بشرح مجموعة مصطلحات ومفاهيم تعبر عن أوضاع لغوية متباينة من حيث الوضع والاستعمال من بينها : اللّغة العربية الفصحى، اللّهجة، الثنائية اللّغوية، الازدواج اللّغوي، والتعدّد اللّغوي حتى تكون نبراسا منيرا يستضاء به في قراءة هذا البحث .

وفيما يلي تعريف موجز لتلك المصطلحات اللّسانية.

1. اللغة العربية الفصحى

هي لغة القرآن والتراث العربي جملة، والتي تستخدم اليوم في المعاملات الرسمية، وفي تدوين الشعر والنثر والإنتاج الفكري. (اميل بديع يعقوب، 1985، ص144)

2. اللهجة أو العامية

وهي التي تستخدم في الشؤون العادية، والتي يجري بها الحديث اليومي. ويعرّفها ( إبراهيم أنيس، 2003، ص15) قائلا أنّها

« عبارة عن مجموعة من الصفات اللّغوية تنتمي إلى بيئة خاصة، ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة  ». ويعرّفها (محمد داود، 2001، ص64-66)
وهي
« نمط من الاستخدام اللغوي داخل اللغة الواحدة، يتميز عن غيره من الأنماط داخل نفس اللغة بجملة من الخصائص اللغوية الخاصة، ويشترك معها في جملة من الخصائص العامة ».

ممّا يؤكد على أن العلاقة بين اللهجة واللغة هي علاقة عموم وخصوص، حيث تشمل اللغة الواحدة عدّة لهجات متباينة في خصائصها اللغوية، مع اشتراكها في صفات لغوية أخرى. ويتّخذ مصطلح العامية أسماء عدّة عند بعض اللّغويين المحدثين. وعلى الرّغم من تعدّد المصطلحات التي تطلق على لغة الحديث والتعامل اليومي نجد في هذا المجال تقول ( ليلى خلف أيوب السبعان، ص174) : «  وإنّنا نفضّل استعمال كلمة (الدارجة ) على ( العامية ) لما تتضمّنه الكلمة الأخيرة من دلالة طبقية وصفات استهجانية، لا تليق بالبحث العلمي المجرّد  ».

أمّا عن المعايير التي تحدّد إن كانت فصحى فيرجع بالدرجة الأولى إلى موقف أفراد الجماعة اللغوية من هذه اللغة أو تلك، وكيفية استخدامها وتوظيفها في مجالات مختلفة. فـإن أيّ نظام لغوي يتكون من أصوات تكون كلمات تؤلف جملا لأداء معنى، ومن هذا الجانب نجد أيّة لغة وأيّة لهجة داخلة في هذا الإطار. والشيء الأساسي الذي يجعل نظاما لغويا ما يصنف باعتباره لهجة أو على أّنّه لغة فصيحة هو موقف أبناء الجماعة اللّغوية منه، ومعنى هذا أنّه ليس في بنية اللّهجة أو اللّغة ما يحتم تصنيفها - بالضرورة - هذا التصنيف، ولكن مجالات الاستخدام عند أبناء الجماعة اللغوية هي التي تفرض هذا التصنيف. يبيّن (محمود فهمي حجازي، 2007، ص18) أنّ النظام اللغوي الذي يستخدم في مجالات الثقافة والعلم والأدب الرفيع هو ما يصنّف اجتماعيا بأنّه فصيح، والنظام اللغوي الذي يقتصر استخدامه على مجالات الحياة اليومية هو بالضرورة ما يصنف اجتماعيا بأنه لهجة أو بأنه عامية.

3. الثنائية اللغوية

ونعني بالثنائية اللغوية في الوطن العربي أن يتكلّم النّاس في البلد لغتين الأولى العربية، التي تستخدم في المجالات الرسمية كالحياة والتعليم والإعلام والبرلمان وكتابة القوانين. ويقول ( محمد علي الخولي، 1988، ص17-18) الثانية لغة محلية (غير عربية) تستخدمها مجموعة من المواطنين للتواصل فيما بينها، بينما تستخدم اللغة السائدة للتواصل مع الآخرين.

4. الازدواج اللغوي

لقد اختلف اللّسانيون حول مفهوم مصطلح ( الازدواج اللغوي ) فبعضهم يطلقه على وجود مستويين لغويين في بيئة لغوية واحدة، أي لغة للحديث وأخرى للعلم والأدب والثقافة والفكر، وبعضهم يطلقه على وجود لغتين مختلفتين (قومية وأجنبية)عند فرد أو جماعة ما في آن واحد، أي أنه ومصطلح ( الثنائية ) يتبادلان الموقع عند الباحثين، (سميح أبو مغلي، 1987، ص256) ونفضل إطلاق مصطلح الازدواج اللغوي على المفهوم الأول لأنه أشيع بين الباحثين، ولأن المعجم يدعّم هذا ويقصد به « ازدواجية اللغة  »( le bilinguisme) وجود لغتين مختلفتين، عند فرد ما، أو جماعة ما، في آن واحد.يقول (Abou Salim,1962,p223) إنّ ازدواجية اللغة موجودة بين اللهجات نفسها ففي كل دولة عربية توجد ازدواجية في اللغة، وصراع لغوي قائم بين لغة رسمية معتمدة ولغة أخرى هي العامية. ومن دون الدخول في بحث المعايير التي بواسطتها نستطيع أن نؤكد أو ننفي وجود الازدواجية بين لغتين معينتين، فإنّ بعض الباحثين يرفضون استعمال مصطلح « ازدواجية  » الذي يستخدمه الكثير من اللغويين للدلالة على شكلي اللغة العربية : الفصحى والعامية

«  ذلك أن العامية والفصحى فصيلتان من لغة واحدة، والفرق بينهما بالتالي فرق فرعي، لا جذري. وعليه، فالازدواجية الحق لا تكون إلّا بين لغتين مختلفتين، كما بين الفرنسية والعربية، أو الألمانية والتركية. إمّا أن يكون للعربي لغتان إحداهما عامية، والأخرى عربية فصيحة، كما هو الحال بالنسبة للعربية الفصحى والعربية الجزائرية التلمسانية، فذلك أمر لا ينطبق مفهوم الازدواجية عليه. إنه بالأحرى ضرب من» الثنائية اللغوية. فيرى (Vincent Monteil,1960, p. 6)

أن أمر الفصحى والعامية نوع من الثنائية، وذلك لأنهما فصيلتان من لغة واحدة، في حين أن الازدواجية لا تكون إلا بين لغتين مختلفتين كالعربية والفرنسية.

بعبارة أخرى، يشير (احمد محمد المعتوق، 2005، ص45) إن المقصود من ازدواجية اللغة هو الخلط بين لغتين أو أكثر أو بين لهجتين أو أكثر. وهناك فرق بين هذا وبين ما نسميه بثنائية اللغة. فثنائية اللغة معناه استخدام لغتين جنبا إلى جنب ومعرفة التفريق بينهما بحسب مقتضى الحال. معنى ذلك أنني إذا كنت أجلس مع أجانب سأتحدث معهم باللغة الانجليزية وإذا كنت مع أناس يتكلمون اللغة العربية فأنني بطبيعة الحال سأستخدم اللغة العربية. لذلك عندما يتحدث الناس في معظم الأحيان يخلطون بين اللغتين حتى في المعاملات الرسمية وفي المحاضرات، وحتى في المقابلات التلفزيونية يتم الخلط بين اللغة العامية والفصحى.

إذا أردنا تعريف الازدواجية اللغوية ينبغي أن يشمل هذا التعريف كل العناصر الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية والتاريخية والاقتصادية، ولا يقتصر على الجانب اللغوي فحسب. فهذه الظاهرة ترتبط بالجانب اللساني وهو ما لا ينكره احد، لكن لابد من إعطاء أهمية للجانب الذي له صلة وثيقة بالازدواجية وهو العنصر الأساس ويتعلّق الأمر بمزدوج اللغة بممارس هذه الظاهرة سلوكيا واجتماعيا. وهكذا تتباين التّعريفات حسب مجال تخصّص كل باحث من علم النفس وعلوم التربية سابقا إلى اللسانيات حديثا.

أما من ناحية مدى تأثير هذه الظاهرة أو انعكاسها الايجابي على الفرد، فهذا أمر ملحوظ وملموس أثبتته العديد من الدّراسات التي خلصت إلى مجموعة من القدرات والمؤهلات اللّغوية والثقافية والفكرية التي تميّز مزدوج اللغة عن الشخص الذي لا يمتلك سوى لغة واحدة.

من الثنائية والازدواجية اللغوية إلى التعدّد اللغوي. كانت المجتمعات العربية تبحث عن ذاتها وعن معرفتها، وعن اللغة التي تطرح بها السؤال، وعن الراهن مجسدا في الفاعلين المجتمعيين وتوزعهم بين الثنائي والمتعدد، وعن المستقبل الآتي مرتسما في الناشئة من الأطفال الذين كان قدرا أن يتفتح وعيهم اللغوي على وضع ملتبس اربد منه الأفق كأنه متاهة للهوية في انفتاحها وانغلاقها على اللغة باللغة. اللغة والذات والمعرفة مثلّث السؤال في السعي إلى « الثنائية اللغوية في المجتمعات العربية » التي إذا توحّدت في مظاهر فلعلّها أن تختلف في مستويات أخرى؛ إذ أنها، في تركيباتها المجتمعية، لیست متماثلة، وفي الناجم عن ذلك من ترتب سالب ليست متطابقة، وفي البحث عن سبل لتجاوز تلك الاختلافات ليست متشابهة، لاعتبارات تاريخية وجغرافية وتفاعلية مع الغرب.

5. التعدد اللغوي

يشير مصطلح التعدّد اللغوي إلى الوجود المتزامن للغتين أو أكثر في الكفاءة التواصلية للفرد والعلاقة المتبادلة التي تنشأ بينهما، حيث يمكن اكتساب المعرفة والخبرات اللغوية للفرد إمّا في بيئاتهم الثقافية أو في المدرسة، ممّا يساعد على تطوير الكفاءة التواصلية للموضوع.

يعرّف ( Calvet.J, 1994, p82) التعدّدية اللغوية، من ناحية أخرى، هي معرفة عدّة لغات أو التعايش بين لغات مختلفة في مجتمع معين. يمكن تحقيق التعددية اللغوية، على سبيل المثال، من خلال تنويع عرض اللغات في مدرسة أو في نظام تعليمي معين. كما تتّفق المعاجم اللّسانية على أنّه عبارة عن استعمال لغات عديدة داخل مؤسسة اجتماعية معينة. فالتعدّد اللغوي ظاهرة طبيعية في دول العالم قاطبة، ولا ضير أن يتخذ التعدّد اللغوي مسلك انفتاح الثقافة الوطنية على الثقافات الأجنبية لتوسيع دائرة التفكير اللغوي بما يخدم اللغة الوطنية، وقد مورس هذا النموذج في المجتمع الإسلامي في أزهى عصور الحضارة الإسلامية، ولم تشك العربية ضيقا ولا تشويشا ولا عجزا ولا عزلة بل ظلّت تلك اللّغات خادمة للغة العربية معلنة انقيادها عن طواعية وما وجود لهجات محلية في دول المغرب العربي مثلا إلاّ شاهد عدل على حسن الجوار للغة العربية.

فالتعددية اللغوية إن برزت بصورة طبيعية نابعة من متطلبات المجتمع المتطلّع إلى المعرفة الإنسانية فهي ظاهرة صحيّة، وأمّا إن سلك التعدّد اللغوي مسلكا إيديولوجيا سياسيا تحت أقنعة مختلفة، ظاهرها الرحمة، وباطنها من قبلها العذاب، فذلك هو المسخ الثقافي والحضاري، والاستعمار في شكله الجديد. حيث قد سخّرت الأطراف المعادية للّغة العربية، ولعروبة الجزائر، كل ما أتيح لها للوقوف أمام قوانین التعريب وإفشالها بشتى المساعي، والتماطل في البحث عن الحلول الناجعة لترقية اللغة العربية، وتهميش الكفاءات المعرّبة منذ الاستقلال رغم أن الدستور الجزائري والميثاق الوطني ومراسيم الجمهورية الجزائرية كلها تنصّ على أن اللغة العربية في الجزائر هي اللغة الوطنية والرسمية.

التعدد اللغوي مفهوم تؤطّره مقاربة كمية، تحدّد عدد المنظومات اللغوية المستعملة في بلد بعينه. يمكن وصف التعدّد اللغوي في جانبين منفصلين : الأول يهمّ اللغة الواحدة أي أن العربية تعرف تعددا داخليا يتشكل من خمسة لهجات : العروبية – المدينية - الجبلية - العريبية والحسانية. أمّا الجانب الثاني من التعدد اللغوي يتعلّق بالنسيج اللغوي الذي يحكمه تفاعل لغات (وطنية وأجنبية مختلفة داخل التراب المغربي : الأمازيغية - العربية - الفرنسية - الإسبانية الإنجليزية ولغات أجنبية أخرى للمسألة اللغوية، في الوطن العربي تحديدا، حيز مركزي من المنظومة المعرفية بوجه عام، من حيث موقع اللغة العربية من الهوية الثقافية العربية الإسلامية باعتبارها مكونا بانيا لتلك الهوية، وباعتبارها عمودا مركزيا لتفاعلها مع هويات أخرى، ثم إنّه موقع يتداخل فيه التاريخي بالمعرفي والدّيني بالروحي ويتفاعل عنده الاجتماعي وما يكون فاعلا في تركيب المستويات المتبقية في بناء مجتمع عربي.

ليست اللغة متناهية مع التاريخ، ولكنها التاريخ بكل شموليته، وبكل ما ينطوي عليه من مدونات في مختلف مناحي المعرفة الإنسانية؛ إنها تاريخ الذات في علاقتها بالوجود قبل أن تكون تواصلا معه، وقبل أن تكون صيغة تعبيرية عن التفاعل مع مختلف مكوناته وعناصره. وعليه تعاني الجزائر حاليا من مشكل التعدّدية، الازدواجية والثنائية اللغوية التي تظهر من خلال اللغة المتداولة في المجتمع الجزائري، وحتّى المجتمع العربي بصفة عامة، ولهذا أصبحت اللّغة العربية تعيش أوضاعا انتكاسية بالنظر إلى الواقع اللغوي العربي الحالي الذي نتج عنه هجين لغوي متنام ومطرد، وهذا من خلال الاستعمال والممارسات اللغوية لخليط من الأنماط اللغوية من مختلف لغات الاستعمال اليومي على غرار العربية، الفصحى والدارجة واللغات الأجنبية.

الخاتمة

صفوة القول، ينتهي بنا المطاف هنا وقد رأينا أنّ اللغة العربية قد خاضت حربا ضروسا بين الفصحى والعامية، إذ تشكل الثنائية اللغوية نوعا من الاغتراب الثقافي الذي يؤثر سلبا على توافق الفرد مع محيطه وثقافته ولغته، وتضع الفرد في عالمين متناقضين، حيث يستخدم لغة الأم ولغة العربية الفصحى في وقت واحد، وأحيانا لغة المستعمر وحتىّ لغات أخرى، ويؤدي هذا إلى هشاشة في التواصل. وهو نوع من الاستعمار الثقافي كما ينتج لنا جيلا لا يتقن أي لغة. ويؤثر هذا التهجين بحد كبير على لغة أطفالنا وتعني مصير شبابنا الطموح، ومن مخاطره أنه يمكن أن يوقع هؤلاء كأسرى ثقافات غير عربية إذا اعتبروا أن هذا الازدواج يحقّق لهم التواصل العالمي والأمل في التقدّم، فتصبح العربية لديهم حبيسة التخلّف على شتى المستويات، لأن هذا التهجين يخلق نوعا من التواصل الاستعماري بامتياز أو استعمار فكري لغوي جديد وهو يحصل في الشعوب المستعمرة لتزيدهم اغترابا عن لغتهم الوطنية وتفكيك وحدتهم الثقافية، كما أنها تخلق الممارسة اللغوية الضيقة والجهوية وأعتقد أن مشاكلنا أعلى من صراعات لغوية.

أبو مغلي، سميح. (1987م).في فقه اللغة وقضايا العربية . ط1 - دار مجدلاوي للنشر والتوزيع عمان. الأردن. ص256.

الخولي، محمد علي. (1988). « الحياة مع لغتين ». ط1. جامعة الملك سعود. الرياض. ص17-18.

المسدي، عبد السلام. (1984م).اللسانيات من خلال النصوص. النشرة الأولى. الدار التونسية للنشر. ص172.

المعتوق، أحمد محمد. ( 2005 ).نظرية اللغة الثالثة. المركز الثقافي العربي. الدارالبيضاء. المغرب. ط1. ص45.

السبعان، ليلى خلف أيوب. (2014) قضايا اللغة العربية المعاصرة. دار جرير للنشر والتوزيع. ص174.

أنيس، إبراهيم. ( 2003) في اللهجات العربية. مطبعة أبناء وهبة حسان. مكتبة الأنجلو المصرية. القاهرة. ص15.

حجازي، محمود فهمي. (2007م). مدخل إلى علم اللغة - المجالات والاتجاهات – ط4 . دار قباء الحديثة للطباعة والنشر والتوزيع. القاهرة. ص18.

داود، محمد. (2001). العربية وعلم اللغة الحديث. دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع. القاهرة. ص 64-66.

يعقوب، إميل بديع. (1985م). فقه اللغة العربية وخصائصها. ط1. دار العلم للملایین. بیروت. لبنان. ص144.

قائمة المراجع باللغة الأجنبية 

Abou, Salim. (1962). Le Bilinguisme arabe français au Liban. P.U.F. Paris.

Calvet, Louis Jean. (1994). Les voix de la ville. Introduction à la sociolinguistique urbaine. Paris.

Monteil, Vincent. (1960). L’arabe moderne. Librairie C. Kinckseick. Paris.

سهام حساين Siham Hassaine

جامعة وهران2 محمد بن احمد Oran 2

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article