الحداد عند الطفل الناتج عن صدمة الفقد الأمومي

Le travail de deuil et le traumatisme de l'absence de mère

The Work of Mourning for a Child Resulting from the Trauma of Motherless

سامية رحال أطاطبة شيماء 2

p. 383-399

سامية رحال أطاطبة شيماء 2, « الحداد عند الطفل الناتج عن صدمة الفقد الأمومي », Aleph, 10 (1) | 2023, 383-399.

سامية رحال أطاطبة شيماء 2, « الحداد عند الطفل الناتج عن صدمة الفقد الأمومي », Aleph [], 10 (1) | 2023, 30 December 2022, 24 November 2024. URL : https://aleph.edinum.org/7668

تهدف الدراسة الحالية إلى محاولة الكشف عن صعوبات الحداد الناتج عن صدمة الفقد الأمومي عند الأطفال، طبقت الدراسة على حالة طفلة واحدة تم اختيارها وفق شروط معينة ومضبوطة.

تم الاعتماد على المنهج الإكلينيكي باستخدام الأدوات التالية: الملاحظة الإكلينيكية المباشرة، المقابلة الإكلينيكية البحثية النصف موجهة، الاختبار الاسقاطي رسم العائلة، أشارت نتائج الدراسة الى أن الطفل الفاقد لأمه يعاني من معاش صدمي، تمثلت مظاهره في : متلازمة التكرار؛ التشوه المعرفي؛ اضطراب الوظائف الحيوية؛ صعوبات مدرسية، كما تمثلت صعوبات عمل الحداد في مظاهر معرفية، وفيزيولوجية، واجتماعية.

La présente étude vise à tenter de révéler les difficultés du deuil résultant du traumatisme des enfants orphelins maternel. L’étude a été basée sur l’approche clinique utilisant les outils suivants : Observation clinique directe et entretien clinique semi-dirigé, ainsi que le test projectif dessin de la famille où l’étude a été appliquée à un cas d’enfants orphelins sans mère sélectionnés selon certaines conditions contrôlées.

Les résultats de l’étude ont indiqué que l’enfant qui a perdu sa mère souffre d’un traumatisme psychologique, ses manifestations sont : syndrome de récidive ; distorsion cognitive ; perturbation des fonctions vitales; difficultés scolaires, et les difficultés de deuil ont été représentés dans des manifestation cognitive, les aspects physiologiques et sociaux.

The current study aims to try to reveal the difficulties of mourning resulting from the trauma of motherless children. The study was based on the clinical approach using the following tools: Direct clinical observation and semi- directed clinical interview, as well as projective test for family drawing, where the study was applied to a case of motherless children who was selected according to certain and controlled conditions.

The results of the study indicated that the motherless child suffers from a psychological trauma, its manifestations are : recurrence syndrome; cognitive distortion; disturbance of vital functions; School difficulties, and the difficulties of mourning were represented in cognitive, physiological, and social aspects.

مقدمة

يتعرض الإنسان خلال حياته لأحداث وتجارب مخيفة وغير متوقع حدوثها وقد تتعدى حدود المألوف فيكون غير جاهز لصدها ومواجهتها، والتي تسمى بالأحداث الصدمية. مما يؤدي الى شعور الفرد بالعجز أمامها، حيث تجتاح هذه المثيرات الصادمة جهازه النفسي بعنف لتسبب فيه شرح (Crocq, 2007)، ليخلف هذا الأخير أضرارا وخللا في التوازن النفسي، العاطفي، والعقلي للشخص المصدوم.

قد يتعرض عدة أفراد لنفس الحدث لكن منهم من يعيشه كحدث عابر ومنهم من يعيشه كحدث صادم يؤثر على حياته لاحقا، وهذا التأثر يرجع إلى عدة عوامل منها، التنظيم النفسي والنرجسي، الهوية الجنسية، التهيئة الدفاعية، طريقة معايشة الحدث الصدمي، والعمر، لاسيما لو كان الفرد المتعرض للصدمة طفل، على الرغم أن الطفولة هي مرحلة طبيعية كأي مرحلة عمرية إلا أنها أول محطة في الحياة الفرد، يكون هذا الأخير لم يكتسب بعد خبرات قاسية وصادمة لكن هذا لا ينفي حقيقة أن الطفل يتعرض للصدمات النفسية مثله مثل البالغين تماما لكن عدم النضج الكافي من شأنه أن يؤثر على حياته وتوافقه النفسي، ذلك لأن شخصيته أكثر هشاشة وعرضة للصدمات العاطفية، قد يستمر تأثير الصدمة النفسية إلى المراهقة وسن الرشد إذا تم تجاهلها وعدم التكفل بمعاناة الطفل.

من بين الصدمات التي تكون عنيفة ولها أثر سلبي كبير في حياة الطفل هي صدمة وفاة أحد أفراد أسرته، إذ يعتبر فقدان أحد الوالدين كالأم مثلا من أكبر الصدمات على الطفل لما له من ارتباط عاطفي قوي وشديد معها تحدده تلك العلاقة الثنائية المميزة، فالأم ترافق الطفل منذ تكوينه الجنيني وتشهد على كل التفاعلات النفسية التي من شئنها أن تحدد معالم شخصيته كراشد، فالطفل بحاجة فطرية للبقاء مع موضوع تعلقه (الأم) وبهذا يطور مع هذا الأخير سلوكات تعلق للمحافظة على هذا القرب، هذه السلوكات تسمح للطفل بالشعور بالأمان في حال الغياب القصير لموضوع التعلق، في حال ما إذا كان موضوع التعلق غائبا لمدة طويلة يصبح هناك الشعور بالأمن مهددا بالخطر مما يؤدي بالطفل إلى القيام بسلوكات تختلف حدتها حسب مدة الغياب (Zech, 2016).

إن فقدان الأم بالنسبة للطفل هو انفصال عنيف ومفاجئ، يؤسس هذا الفقد لصدمة تعاش على أنها وضعية تهدد حياته وتسلبه الأمان (النابلسي، 1991). لأن الأم هي المصدر الأول الذي يؤمن حاجياته البيولوجية والنفسية فهي تمثل موضوع الحب الأولي الذي من خلاله يأخذ نظرته للحياة، فالطفل يشعر بأمه منذ لحظاته الأولى في الحياة من خلال رائحتها ولمسها، هذا الاتصال من نوع الخاص يبعث في الطفل الشعور بذاته وبالأخرين.

فقدان الأم خصوصا في السنوات الأولى من الحياة الطفل يجعله يفقد الأمل في العالم ويؤثر سلبا على نموه خصوصا بعد مرور وقت، فموت الأم هو اختبار ثقيل بالنسبة له، يعيش هذا الأخير الحداد بمعاناة، كف، نكوص...الخ، فالطفل لا يمكنه القيام بعمل حداد كلي قد يُتم حداده لاحقا بعد معرفته لحتمية الموت (Hanus, 1997).

يكبر الطفل ويبدأ في فهم وإدراك حتمية الموت فيتأكد أن فقده لأمه هو فقد أبدي ولن تعود أبدا، ويبدأ سير عملية الحداد مثل البالغين إلى حد كبير هنا يتأثر الطفل نفسيا بشكل ملحوظ فتظهر عليه أعراض جسدية واضطرابات نفسية كالقلق، الاكتئاب، اضطرابات رهابية، الشعور المستمر بالذنب...الخ (Crocq, 2007).

حسب التحليل النفسي فقدان موضوع الحب الأولي الذي يعتبر جزء من الذات يسبب تناقض بين مشاعر الحب والكره، فمشاعر الاستياء، الغضب، الكره تجاه الشخص المتوفي هو موجه للذات نفسها، هذا المزيج المتضارب تجاه موضوع الحب يمنع الطفل من الحداد (Freud, 1915).

هذا الصراع متناقض ومعقد، فمن ناحية لا يمكن للطفل أن يتخلى عن حبه للموضوع المفقود، من جهة أخرى يحاول عمل الحداد أن يجعله يقلل من شأن هذا الموضوع ليتمكن من فصل الليبيدو عنه وتوظيفه في موضوعات وأشخاص آخرين.

إن تصادم مشاعر الحب والكره التي تكون نتيجتهما انتصار أحدهما عن الأخر، فتكون النتيجة إما سحب الليبيدو منه وعودته إلى الأنا ثم توظيفه في مواضيع أخرى لاحقا، إما البقاء على التعلق بموضوع الحب المفقود وبالتالي عدم إتمام الحداد. ومن هنا تأتي الدراسة الحالية كمحاولة لفهم الآثار السلبية التي قد ينجم عنه فقد الأم في السنوات الأولى من عمر الطفل، مركزين عن الصدمة النفسية له وكذا معرفة مظاهر الحداد عنده، ولأجل ذلك تم طرح التساؤلات التالية:

  1. ما هي مظاهر صدمة الفقد الأمومي عند الطفل؟

  2. ماهي صعوبات عمل الحداد عند الطفل الفاقد لأمه؟

1. الجانب المنهجي

1.1. الإطار العام للدراسة

  1. أهداف الدراسة :تهدف هذه الدراسة إلى معرفة خصوصية الصدمة النفسية والحداد لدى الطفل الفاقد لأمه من خلال :

  • تشخيص الصدمة النفسية عند الطفل الفاقد لأمه.

  • الكشف عن مظاهر الصدمة لدى الطفل الفاقد لأمه.

  • الكشف عن تظاهرات الحداد لدى الطفل الفاقد لأمه.

  1. أهمية الدراسة : تتجلى أهمية الدراسة الحالية في الأهمية النظرية والتطبيقية

  • الأهمية النظرية : تتيح لنا هذه الدراسة على المستوى النظري تسليط الضوء على المخلفات السلبية في نفسية الطفل المصدوم نتيجة وفاة الأم، وكذا تسليط الضوء عن كيفية عمل الحداد ومظاهره عند الطفل مما يساهم في إثراء التراث العلمي بدراسة عياديه.

  • الأهمية التطبيقية : مساعدة العاملين في المجال النفسي بشكل عام لفهم أفضل ومتعمق للنواحي النفسية المضطربة لدى الأطفال الفاقدين لأمهاتهم، والتي يمكن أن تكون انطلاقة لبناء برنامج يساعد الأطفال لتجاوز الصدمات ومرافقتهم في عمل الحداد الصحي.

2.1. مفاهيم الدراسة

تضمنت الدراسة الحالية متغيرات أساسية وجب تحديد مفهومها وفقاً لمقتضيات الدراسة وقد شملت على ما يلي:

  • الصدمة النفسية: التعريف الاصطلاحي للصدمة النفسية : يعتبر فرويد الصدمة النفسية تجربة معاشة تحمل معها خلال وقت قصير نسبيا زيادة كبيرة جدا في الإثارة لدرجة أن إرصانها بالوسائل المألوفة ينتهي بالفشل، مما ينجر عنه اضطرابات دائمة ((Laplanche et Pontalis, 1997,
    التعريف الإجرائي للصدمة النفسية : الصدمة النفسية هي عبارة عن لقاء محقق مع الموت سواء موت الذات أو موت شخص عزيز فهي عبارة عن انفعال عنيف ينتج عن التعرض لحدث صادم مفاجئ وخارج عن المألوف يعاش بهلع، فتتخدر عواطف المصدوم ويتأثر إدراكه فيزداد بذلك توتره.

  • الحداد النفسي: تعريف الاصطلاحي للحداد: يعرف لابلونش وبونتاليس (Laplanche et Pontalis, 2016) الحداد على أنه الية نفسية داخلية تعقب فقدان موضوع التعلق يستطيع الفرد من خلالها الانفصال عنه تدريجيا.
    تعريف الإجرائي للحداد: يعرف الحداد النفسي في هذه الدراسة على أنه الوظيفة النفسية التي تعقب فقدان موضوع الحب الأولي(الأم).

  • الفقد الأمومي: نقصد بالفقد الأمومي في الدراسة الحالية هو أي طفل تعرض الى فقدان الأم التي كانت تقوم بالوظيفة الأمومية وذلك عن طريق الموت.

3.1. حدود الدراسة

تمثلت حدود الدراسة فيما يلي:

  • الحدود الموضوعية : ركزت هذه الدراسة على متغيرات أساسية ومترابطة فيما بينها وهي الصدمة النفسية والحداد وذلك من أجل التعرف على طبيعة عمل الحداد لدى الطفل الناتج عن صدمة الفقد الأمومي.

  • الحدود البشرية: تم إجراء هذه الدراسة على حالة واحدة لطفلة فاقدة لأمها.

  • الحدود المكانية : تم إجراء هذه الدراسة بابتدائية الشهيد معمر بهلول بواد سلي بولاية الشلف.

  • الحدود الزمنية: تمت هذه الدراسة في الفترة ما بين سبتمبر 2019 إلى سبتمبر 2020.

4.1. الإجراءات الميدانية للدراسة

1.4.1. منهج الدراسة

تم اختيار المنهج العيادي لأنه الأنسب لدراسة معمقة للحياة الداخلية لحالة الدراسة.

يعرفه روشلين على أنه «الطريقة التي تنظر إلى السلوك من منظور خاص فهي تحاول الكشف عن كينونة الفرد والطريقة التي يشعر بها ويسلك من خلالها موقفا ما، ويتم هذا بعيد عن ذاتية الباحث» (Reuchelin, 1973: 106).

يستند المنهج الإكلينيكي على دراسة الحالة التي تعتبر طريقة علمية من طرق جمع البيانات في البحوث العلمية، حيث تعرف على «أنها تقرير شامل يعده الأخصائي، يحتوي على معلومات وحقائق تحليلية وتشخيصية عن حالة العميل الشخصية والأسرية والاجتماعية والمهنية والصحية وعلاقة هذه الجوانب بظروف مشكلته وصعوبات وضعه الشخصي (متولي والحارثي، 2016، 21).

2.4.1. حالة الدراسة

اقتصرت الدراسة على حالة واحدة كنموذج من الأطفال الفاقدين لأمهاتهم، تم اختيارها قصديا وفقط شروط تمثلت في : طفل فاقد للأم عن طريق الوفاة؛ سن الطفل عند وفاة الأم : يتراوح ما بين 5 الى 12 سنة؛ أن يكون الطفل قد تربى في بيت عائلته الصغيرة وسط والديه الأصليين قبل وفاة أمه.

3.4.1. أدوات الدراسة

  1. الملاحظة الإكلينيكية : يعرفها (عمر، 1987، 101) على أنها « الأساس الأول الذي يمكن أن تبنى عليه كل المهارات والفنيات في المقابلة، حيث أنها تعطي فكرة مبدئية حول امكانية التحقق من صحة بعض الفروض المتعلقة بالظواهر السلوكية الصادرة عن الفرد، أو انكارها لاسيما لو تعذر استخدام المقاييس والاختبارات النفسية في تحقيق ذلك».

  2. المقابلة الإكلينيكية النصف موجهة : يعرفها مليكة (1992) على أنها «محادثة تتم وجها لوجه بين العميل والأخصائي النفسي الإكلينيكي، غايتها العمل على حل المشكلات التي يواجهها العميل والإسهام في تحقيق توافقه» (64).

  • المقابلة الإكلينيكية في البحث : إن المقابلة العيادية في البحث لا يكون الهدف منها لا تشخيصي ولا علاجي، بل تتركز أساسا على مخطط عمل الباحث حيث يكون هدفه زيادة معلومات في موضوع معين تم اختياره لإجراء بحث ميداني (Chiland, 1983).

  • المقابلة مع الطفل : تختلف العلاقة مع الطفل عنها مع الراشد، فقد صنف (زهران، 1995، 82) المقابلة مع الطفل كما يلي :

الجدول 1 : أنواع المقابلات مع الطفل

نوع المقابلة

ماهيتها

مقابلة مبدئية

هي أول مقابلة تتم مع الطفل ويكون الهدف منها هو التمهيد للمقابلات اللاحق.

المقابلة القصيرة

تحدث في حالة حدوث مشكلة صغيرة طارئة ويمكن أن تتبعها مقابلات أخرى كثيرة

المقابلة الفردية

تتم بين الباحث والطفل موضوع الدراسة

المصدر : (زهران، 1995، 83)

  1. اختبار رسم العائلة : رسم العائلة من أهم الاختبارات الإسقاطية وضعه لويس كورمان (Corman, 1961) على الأطفال ابتداء من سن الخامسة حيث يسمح للطفل بإسقاط ميوله المكبوتة إلى الخارج وبالتالي يمكن له أن يظهر لنا الأحاسيس التي يشعر بها تجاه الآخرين، ومنه التعرف على شخصيته وصراعاته كما يعتبر أداة هامة للتعرف على الطفل وكيفية بناء نظامه الداخلي وخاصة العلائقي، كما يمكننا من التوصل إلى مستويات مختلفة من شخصية الطفل، وسنقدم فيما يلي وسائل اختبار رسم العائلة وكيفية أجرائه.

  • وسائل الاختبار : من أهم وسائل اختبار رسم العائلة ورقة بيضاء من نوع 21 27× غير مخططة؛ قلم رصاص مبري، نتجنب تقديم الممحاة لأن الطفل قد يستعملها كثيرا وبالتالي لا يستطيع أن يركز على الأفكار التي يريد إخراجها في الرسم، كما يمكن استعمال أقلام ملونة.

  • تعليمة الاختبار : تخيل عائلة وارسمها.

  • منهجية تحليل اختبار رسم العائلة المتخيلة : يبدأ كورمان Corman منهجيته التحليلية على مستويات ثلاث : المستوى البياني أو الخطي، البناءات الشكلية، المحتوى.

  • المستوى الخطي : الذي يمثل شكل الخط وقوته، درجة الضغط على الورقة، منطقة تمركز الرسم واتجاهه وكذا مساحة التي يحتلها الرسم.

  • مستوى البيانات الشكلية : يشمل كيفية الرسم وبناء الجماعة للأشخاص المرسومين، تداخلهم فيما بينهم، الإطارات الجامدة والمتحركة الموجودة...الخ

  • مستوى المحتوى : يشمل التغيرات، الإلغاءات، الإضافات التي تدلنا في اي معنى وفي قياس الميول العاطفية للمفحوص، أي تحول نظرته للواقع وهذه الميول العاطفية نوعين :

  • الميول الإيجابية : تظهر ميول العاطفية الإيجابية من خلال مشاعر الحب والتي تقود الطفل الى توظيف الموضوع المفضل، تقدير الشخص المحبب في الرسم واعطائه قيمة.

  • الميول السلبية : تتجلى في عدم استثمار الموضوعات من طرف الطفل وهي عبارة عن مشاعر كره، احتقار تجعله يحط من قيمة فرد ما في الرسم مقارنة بالآخرين نطرح على الطفل مجموعة من الأسئلة مرفقة بعد كل جواب ب لماذا؟

  • أسئلة الاختبار : من هو الشخص الأكثر لطفا في هذه العائلة؟؛ من هو الشخص الأقل لطفا فيها؟؛ من هو الشخص الأكثر سعادة فيها؟؛من هو الشخص الأقل سعادة فيها؟

2. عرض وتحليل الحالة

1.2. عرض وتحليل المقابلة العيادية

(ف/ز) فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات، متمدرسة في الصف الخامس ابتدائي، تتصف الحالة ببنية مورفولوجية ضعيفة مقارنة بأقرانها، قصيرة القامة، نحيفة، شاحبة، هندام نظيف لكن غير متناسق، ملامح وجهها حزينة، هادئة، الاتصال الغير اللفظي قليل نوعا ما (تحرك يديها وقدميها نادرا)، حالتها الانفعالية حزينة ومحبطة ومكتئبة، تجاوبت معنا لكن كان ذلك بصعوبة وبعد عدة محاولات لكسب ثقتها.

أما فيما يتعلق بالنشاط العقلي فلديها لغة مفهومة وواضحة، ذكائها حسن نوعا ما حيث تجاوبت مع أسئلتنا بصفة عادية، ذاكرتها قوية نوعا فهي تتذكر بعض الأحداث من ماضيها.

فيما يخص التاريخ الحالة النفسي والاجتماعي فان الحالة (ف/ز) تنتمي الى عائلة فقيرة جدا، الأب عامل يومي والأم متوفية، لديها زوجة أب و3 أخوة، أخ وأخت من الأب والأم وأخت رضيعة من الأب.

توفيت أم الحالة وهي على أبواب السادسة من عمرها، حيث تم إخفاء الخبر عنها وتم إخفاء كل ما يتعلق بأمها في تلك الفترة، مما أثار لديها الشعور بالذنب كون أنها ظنت على أنها قد تكون سببا في اختفائها، ولم يتم اخبارها الا بالصدفة من طرف احدى زميلاتها في ساحة المدرسة وهذا ما تسبب لها بصدمة نفسية يمكن تلخيص مظاهرها كما يلي :

جدول 2 : مظاهر الصدمة النفسية لدى الحالة

مظاهر الصدمة

المؤشرات التي تظهرها

متلازمة التكرار أو إعادة معايشة الحدث

«...أشم رائحتها وعندما أخبر أختي بهذا تقول لي أنها تهيئات»
«...أرى أمي لدرجة أني استيقظ وأنا أبكي»

التشوه المعرفي في السرد

تذكر بعض تفاصيل الدقيقة لكن هناك خلط في التسلسل الزمني للأحداث

فرط النشاط العصبي

رغم هدوء الحالة ورزانتها إلا أنها في بعض الأحيان تفقد سيطرتها على ذاتها في مواقف لا تستدعي الغضب هذا ما يسمى بفرط النشاط العصبي وهذا من مظاهر الصدمة عدوانية : من خلال ملاحظتنا لها في وقت الراحة كانت تلعب مع زميلتها فجأة انهالت عليها بالضرب.

اضطراب النوم

تعاني الحالة من اضطرابات في النوم والاستيقاظ المتكرر وهذا ما لوحظ في قولها : « أستيقظ كثيرا ليلا لأني أرى كوابيس»

اضطراب الأكل

تعاني الحالة من فقدان شهية حاد

أعراض وشكاوى جسدية

تعاني الحالة من التعب والإرهاق دون بذل مجهود كما أنها تشتكي من ألام في البطن من خلال قولها : بطني تؤلمني كثيرا أحانا ...»،

صعوبات التمدرس

نقص التركيز والسهو داخل القسم، مع نتائج مدرسية ضعيفة

بكت الحالة كثيرا عند تحدثها عن وفاة أمها وعن اختفائها المفاجئ، وفي بعض الأحيان لم تبكي بكاء صريحا لكن عيناها كانت تمتلئ بالدموع وتوحي إلى الحزن، قد يشير هذا إلى صعوبة إتمام عمل الحداد.

من مظاهر الحداد التي توفرت في الحالة (ف/ز) نذكر :

جدول3 : مظاهر الحداد النفسي لدى الحالة

المؤشرات التي تظهرها

مظاهر الحداد

الشعور بالذنب : لاحظنا عند (ف/ز) الذنب الدائم وكأنها هي المسؤولة عن وفاة الأم : لوكنت أعلم أن أمي ستتوفى لن أكون شقية وأسمع كل كلامها بدون رفض أو اعتراض، أحزن كثيرا من نفسي وأكرهها عندما اتذكر اني كنت أفعل عكس ما تطلبه مني، أظن أنها ذهبت وهي غاضبة منى لأنه عند التشاجر مع أخي يخبرني أنه بعد ولادتي أمي تعبت ومرضت جدا ومنذ ذلك الوقت وهي مريضة، هذا يعني أنه أنا السبب».
مشاعر الغضب واللوم : وذلك تجاه أمها لأنها تركتها وحيدة ولم تخبرها أنها ستتوفى.
نوبات بكاء وحزن متكررة

التظاهرات العاطفية

التعب الدائم : هذا ما لاحظناه من خلال التعب الدائم رغم عدم قيامها بأي مجهود
عدوانية : تنتاب الحالة نوبات عدوانية وذلك من خلال تعنيف زميلاتها لفظيا وجسديا.

التظاهرات السلوكية

التجنب : تتجنب الحالة في الكثير من الأحيان الحديث عن أمها عمدا وكذا تجنب التفكير فيها.
تقدير الذات المتدني : من خلال حديث الحالة عن نفسها تبين أنها تعاني من تقدير ذات متدني جدا والشعور بالدونية والنقص وعدم الفائدة.
معتقدات خاطئة : حيث تعتقد أنها سبب وفاة أمها.

التظاهرات المعرفية

عزلة وانطواء اجتماعي : تعاني الحالة من العزلة الاجتماعية، تتجلى في : غياب صديقات؛ الجلوس وحدها؛ عدم الرغبة في الذهاب لزيارات العائلية والافراح
نقص التواصل : حيث أكدت أنها قليلة التواصل مع اخوتها ورفيقاتها

التظاهرات الاجتماعية

رغم أنه مر على وفاة والدة الحالة ( ف/ز) اربع سنوات الا أن تظاهرات الصدمة والحداد في استمرار إلى يومنا هذا دون وجود أي تحسن ذو دلالة إكلينيكية.

2.2. عرض وتحليل نتائج اختبار رسم العائلة

1.2.2. العائلة المتخيلة 

عندما طلبنا من الحالة (ف/ز) رسم أي عائلة تتخيلها أبدت فترة من الصمت والتوقف (دقيقة تقريبا)، ربما يدل هذا على الكف أو الكبت.

  1. المستوى البياني .بدأت فاطمة الزهراء برسم الأب في الأول، فقد رسمت الرأس والعينين ثم توقفت وكتبت (ماما) في أعلى الورقة ثم رسمت الأخت الكبرى وهي تبتسم بعدها القطة ثم الأخت الصغرى ثم المزبلة ثم رجعت لإتمام الأب والأخ.
    عند رسم الأب والأخ كانت الحالة عابسة، تضغط على قلم الرصاص وكان الخط قوي هذه دلالة على قوة الدوافع اتجاه الأب والأخ نتيجة لسلطتهم وخوف الحالة منهم كما أنها لونتهم باللون الأسود هذا يدل على الحزن، كان شكل الخط مستقيم هذا يعني التقيد بتعليمات العائلية، بدأت الرسم من اليسار هذه يشير الى النكوص والرجوع الى الماضي فهذه الحركة هي حركة تراجعية، كما انها رسمت في الأعلى هذا يدل على التوسع الخيالي، ثم اتجهت الى الأسفل وهذا دليل على التعب والرغبات الأولية.

  2. مستوى المكونات الشكلية : من حيث الدقة والوضوح : رسم الحالة غير متقن نوعا ما مقارنة بسنها.

جدول4 : عناصر رسم العائلة الخيالية ودلالتها العيادية

دلالتها العيادية

عناصر رسم العائلة الخيالية

1- ما يتعلق برسم الحالة لنفسها

الشعور بالاغتراب والدونية داخل العائلة

لم ترسم الحالة نفسها

2- ما يتعلق بباقي أفراد العائلة

الخوف، الحزن

رسم الأب والأخ بشكل غير واضح مع تلوينهم باللون الأسود

إخفائه لأشياء عنها

رسم يد الأخ مخفية في جيبه

النقد، الهجوم، الصراخ

رسم فم الأب والأخ كبير ومظلل

عدم القدرة في التحكم في المشاعر

عدم رسم رقبة الأب والأخ والأخت الصغرى

قابلية للتأثير خارج وداخل العائلة

رسم يدين الأب ويد واحدة للأخ كبيرة

الحب، التقدير

رسم لأختين الصغرى والكبرى بدقة ووضوح

الخوف، القلق

رسم أعين كبيرتان للأخت الكبرى

العلاقة بين العقل والمشاعر

رسم رقبة الأخت الكبرى طويلة

تفريق بين الجنسين

رسم الشعر والملابس حسب الجنس

عدم القدرة على المواجهة
دلالة قضيبيه ووجود رغبات جنسية

رسم الرأس دائري
رسم الأنف

دال على غياب الاتصال الأسري، وانعدام الإحساس بالأمان

غياب الأذنين في كل الشخصيات

الحاجة للأمان والحماية

رسم الأيادي مفتوحة

عدم الأمان

عدم ثبات أرجل الشخصيات المرسومة

الاستمرار في الحزن والحداد

تلوين الملابس بالأسود

كبت الصراع وتحويله لأعراض صدمية

التلوين بالأخضر

الحاجة إلى الأم

التلوين بالأزرق

  1. مستوي المحتوي : حذفت الحالة لزوجة أبيها من الرسم هذا مؤشر على ميكانيزم الإنكار، يدل كذلك على المشاعر السلبية اللاشعورية الخفية التي تكنها الحالة اتجاه زوجة الأب، فهي غير موجودة في مجالها العاطفي، كما أنها حذفها لنفسها في العائلة المتخيلة دليل على صعوبة التعبير عن نفسها وهي وسط الاشخاص المقربين لها.

  • رسم الأب والأخ في أعلى الورقة دليل على سلطتهم داخل العائلة.

  • رسم يد الأخ مخفية في جيبه هذه دلاله على إخفائه لأشياء عنها هذا ما أكدته خلال المقابلات أنه يشتري أشياء لأخته الأصغر سنا ولا يشتري لها.

  • لم تدقق في رسم لتفاصيل الوجه والجسم، على عكس رسمها لأختيها الصغرى والكبرى فقد كان أكثر دقة ووضوح هذه دلالة على الميول الإيجابية تجاه الأختين.

  • رسم الأب والأخ متقاربين من بعضهم البعض هذا يدل على وجود تحالفات بينهم وأنه يوجد ترابط نفسي وعاطفي بينهما، كما رسمت الأخت الكبرى والصغرى متقاربين ومتصلين ببعضهم البعض مباشرة بالأيادي، هذا دلالة على عمق الترابط النفسي والعاطفي بينهم، بينما كان هناك تباعد وانفصال بين الأب والأخ، وبين الأخت الكبرى والأخت الصغرى هذا دليل على أن الرابطة بينهم ليست قوية فهي تراهم متباعدين ومنشغلين عن بعضهم البعض.

  • رسمت الحالة الشمس في العائلة المتخيلة في أعلى الورقة هذه دلالة على السلطة العليا.

  • تلوين الحالة الغيوم باللون الأزرق د لالة على حاجتها للأم/ تلوين الحالة باللون الأخضر دلالة على كبت الصراع وتحويله لأعراض صدمية/ تلوين الحالة لبعض التفاصيل ياللون الأحمر دلالة على الصدمة

2.2.2. العائلة الحقيقية

عندما طلبنا من الحالة رسم عائلتها الحقيقية رفضت بحجة أنها رسمت من قبل، لكن سرعان ما غيرت رأيها ورسمت عائلتها الحقيقية.

1)المستوى البياني

  • خط الرسم : كان رسم الحالة (ف/ز) فقير في العائلة الحقيقية مقارنة بالعائلة الخيالية ومقارنة بعمرها. في كلا العائلتين كانت تضغط الحالة على قلم الرصاص عند رسمها للأب والأخ، وكان الخط قوي هذه دلالة على النزوات القوية والعنيفة

بدأت الرسم من اليسار هذه يشير الى النكوص والرجوع الى الماضي.

2)مستوى المكونات الشكلية : من حيث الدقة والوضوح : رسم الحالة تنقصه بعض التفاصيل، فقد كان فقير من ناحية الإنتاجية مقارنة بالعائلة الخيالية. يمكننا تلخيص عناصر التي تم رسمها ودلالتها العيادية كما يلي :

جدول5 : عناصر رسم العائلة الحقيقية ودلالتها العيادية

دلالتها العيادية

عناصر رسم العائلة الحقيقية

1- ما يتعلق برسم الحالة لنفسها

تريد أن تكون في مكانة أختها الصغيرة / تحتل مكانة صغيرة في العائلة

رسم الحالة لنفسها أصغر من الجميع

الرغبة في البكاء والتعبير عن الحزن لكن هذا الشيء ممنوع

رسم الأعين على شكل نقطتين

عدم الأمان

عدم ثبات الأرجل على الأرض

غياب الاتصال الأسري، انعدام الإحساس بالأمان

غياب الأذنين

الدهشة، الصدمة

رسم الفم المفتوح

عدم القدرة على التحكم في المشاعر

عدم رسم الرقبة

الارتباط الوجداني بالأم، عدم الإحساس بالأمان

يد تمسك بخمار، يد مفتوحة

تواصل الحزن

تلوين الملابس باللون الأسود

دم، الصدمة

الحاجة إلى الأم

تلوين الخمار باللون الأحمر تلوين جزء من الفستان باللون الأزرق

2- ما يتعلق بباقي أفراد العائلة

الخوف، عدم الاهتمام

رسم الأب والأخ بشكل غير واضح

إخفائه لأشياء عنها

رسم يد الأخ مخفية في جيبه

النقد، الهجوم، الصراخ، اللوم، الاستبداد

رسم فم الأب والأخ كبير ومظلل

قابلية للتأثير خارج وداخل العائلة

رسم يدين الأب ويد واحدة للأخ كبيرة

الحب، التقدير

رسم لأختين الصغرى والكبرى بدقة ووضوح

الخوف، القلق

رسم أعين كبيرتان للأخت الكبرى

تفريق بين الجنسين

رسم الشعر والملابس حسب الجنس

عدم القدرة على المواجهة

رسم الرأس دائري

عدم القدرة على التحكم في المشاعر

عدم رسم رقبة كل الشخصيات

دلالة قضيبيه ووجود رغبات جنسية

رسم الأنف

دال على غياب الاتصال الأسري، وانعدام الإحساس بالأمان

غياب الأذنين في كل الشخصيات

الحاجة للأمان والحماية

رسم الأيادي مفتوحة

عدم الأمان

عدم ثبات أرجل الشخصيات على الأرض

الإستمرار في الحزن والحداد

تلوين الملابس بالأسود

3)مستوى التحليل : حافظت الحالة على التباعد الموجود في رسم العائلة الخيالية فقد رسمت العائلة الحقيقة متباعدة أيضا، الأب والأخ متقاربين من بعضهم البعض هذه دلالة على وجود ترابط نفسي وعاطفي بينهما.

  • رسم للأخت الكبرى بحجم أكبر عن بقية أفراد العائلة دلالة على المكانة الكبيرة التي تحتلها في نفسها.

  • كانت معظم ملابس الشخصيات ملونة باللون الأسد هذه دلالة على استمرار الحداد

  • تلوين الحالة لبعض التفاصيل باللون الأزرق دليل على الحاجة إلى الأم فحسب (Machover, 1965) اللون الأزرق هو لون أمومي.

3. مناقشة وتفسير النتائج

1.3. فحص مظاهر الصدمة النفسية لدى الطفل الفاقد لأمه

من أجل الإجابة على التساؤل الذي ينص على ما هي مظاهر صدمة الفقد الأمومي عند الطفل؟ تم الاستناد على نتائج تحليل المقابلات واختبار رسم العائلة والتي بينت أن الطفل الفاقد لأمه يعاني من صدمة نفسية، حيث تبين من خلال المقابلة العيادية نصف موجهة مظاهر الصدمة والتي تجلت في إعادة معايشة الحدث، التشوه المعرفي في السرد، فرط النشاط العصبي، اضطراب النوم، اضطراب الأكل، أعراض وشكاوى جسدية، صعوبات في التمدرس، مع استعمال الميكانزيم الدفاعي التجنب Avoidance، وكل هذه المؤشرات حسب الدليل التشخيصي والإحصائي Dsm4 دلالة على وجود صدمة نفسية.

أما نتائج اختبار رسم العائلة فقد شملت قلة الإنتاجية مع رسمها وتلوينها لبعض التفاصيل باللون الأحمر والأخضر هذا دلالة على الصدمة فقد أكد بلمو (Bellemou, 2002)أن العنصر الأساسي في الصدمة لدى الأطفال هو اعادة إحياء الصدمة سواء في ألعابهم أو في رسوماتهم أو من خلال هلاوس شمية ولمسية، وهذا ما لمسناه في حالتنا.

تتوافق هذه النتائج مع نتائج مع بعض الدراسات كدراسة (زردوم، 2018) التي هدفت إلى التعرف والكشف على تأثير العنف الجنسي على الصحة النفسية والعقلية للضحايا وتأثيره على الجانب المعرفي السلوكي لديهم أثناء وبعد الاعتداء، شملت الدراسة على 04 حالات من الأطفال تتراوح أعمرهم بين 8-11 سنة، اعتمدت الباحثة على المنهج العيادي، كما أنها استعانت بالمقابلة العيادية، واختبارين إسقاطيين رسم الشخص، رسم العائلة، أسفرت النتائج إلى أن معاناة الأطفال من جراء العنف الجنسي أدى إلى ظهور أعراض الصدمة النفسية المتمثلة في تكرار معايشة الحدث، التجنب، مشاعر الذنب والإحساس بالدونية مع انحراف في مختلف جوانب حياتهم خاصة منها التعليمية مع انعكاسات سلبية على شخصية الطفل وعلى مسار حياته.

كما اتفقت مع دراسة «نذر (نذر، 2002)» الكويت التي هدفت إلى إيجاد التحليل العاملي لاضطراب الضغط ما بعد الصدمة النفسية وإيجاد معامل الثبات لمقياس التعامل مع الأزمات للأطفال وإيجاد الارتباطية بينهما لدى عينة من الأطفال والتي بلغت 1289 تلميذ وتلميذة تتراوح أعمارهم بين 8 و15 سنة تعرضوا لأحداث صادمة متنوعة منها حادثة وفاة شخص عزيز، اسفرت النتائج على أن الأطفال الذين سجلوا درجات مرتفعة في مقياس اضطراب الضغط ما بعد الصدمة سجلوا درجات منخفضة على مقياس الأزمات مع عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية لصالح الجنس على مقياس التعامل مع الأزمات.

2.3. صعوبات عمل الحداد لدى طفل الفاقد لأمه

فيما يتعلق بالتساؤل الذي ينص على أن ماهي صعوبات عمل الحداد عند الطفل الفاقد لأمه؟ تم الاستناد على نتائج تحليل المقابلات واختبار رسم العائلة، حيث بينت أن الحالة تعاني من صعوبات في الحداد والتي تجلت في التظاهرات العاطفية كالشعور بالذنب والغضب واللوم تجاه الأم، تظاهرات سلوكية، تظاهرات معرفية كتقدير ذات متدني، تظاهرات اجتماعية، رهاب. كما أكد لنا اختبار رسم العائلة أن الحالة تعاني من صعوبات في الحداد، فقد عبرت عن هذا من خلال الإكثار من استعمال اللونين الأسود والرمادي في الثياب هذا دلالة على الاستمرار الحزن وعدم إتمامها للحداد.

تتوافق هذه النتائج من دراسة (السراج، 2011)فلسطين التي هدفت إلى معرفة العلاقة بين استجابة الحزن والتوافق النفسي وبعض المتغيرات الأخرى لدى الأطفال بعد الحرب الأخيرة على غزة، تكونت العينة من 20 تلميذ وتلميذة منهم 10 تلاميذ و10 تلميذات من المرحلة الابتدائية والإعدادية وهم من التلاميذ الذين فقدوا أقارب من الدرجة الأولى (أب، أم، أخ، أخت)، أسفرت النتائج عن 14 بالمئة من الأطفال يستمتعون بذكريات جيدة عنهم و35 من الأطفال يشعرون أنهم مصدومين لوفاتهم ويشعرون أن جزء منهم قد توفى مع الشخص الذي فقدوه و28.9 بالمئة لا يتقبل أنه مات فعلا و28,4 يعتقدون أنهم سوف يرونه أو يسمعوا عنه أو يشعرون بوجوده و26,5 يرون ان ذكريات عنهم تعطيهم الدعم.

تتوافق هذه النتائج مع ما جاءت به زيك (Zech, 2016) في كتابها علم نفس الحداد بذكر تظاهرات الحداد التي اتفق عليها كل الباحثين والتي تتمثل في : تظاهرات عاطفية، تظاهرات سلوكية، تظاهرات معرفية، تغيرات فيزيولوجية، تظاهرات جسدية، تظاهرات اجتماعية.

تماشت هذه النتائج تماما مع ما جاء به كروك (Crocq, 2007) حيث يتميز حداد في مرحلة الطفولة بالقلق الذي يصل إلى اضطرابات رهابية، الشعور المستمر بالذنب مع تضارب المشاعر تجاه المتوفي-حب وكراهية- مع مظاهر العدوان.

توافق كل ما جاء به لوبوفيسي (Lebovici, 2002) في مقاله « عمل الحداد عند الطفل» مع نتائج دراستنا، حيث أكد أن الطفل مؤهل للقيام بحداد شبيه بالذي يقوم به الراشد الا أن حداد الطفل يتميز بخصوصية حيث أنه يزيد قلقه من معايشة مواقف فقدان أخرى على مدلى بعيد وكذا الشعور بالذنب خاصة إذا وجهت إليه اتهامات صريحة.

الخاتمة

الموت أو الفقد هو من بين أبرز الأسباب التي تسبب مشاكل نفسية خطيرة في حياة الإنسان بصفة عامة والطفل بصفة خاصة، خصوصا لو تعلق الأمر بموت الأم هذا يجعله يحس بعدم الأمان لأن الطفل يولد وهو بحجاج فطرية لأمه فمن خلالها يتفاعل مع عالمه، وعليه عندما يتعرض الطفل لفقد أمومي يصعب عليه تقبل مثل هذا النوع من الصدمات، فيدخل في حداد نفسي معقد يصعب الخروج منه أو إتمامه.

بعد الاطلاع على أكبر عدد من الدراسات السابقة في -حدود علمنا-، والتي شملت نتائجها كل من اضطرابات نفسية وعقلية، عدم التوافق النفسي، العدوانية، نقص تقدير الذات، اكتئاب، حاولنا في هذه الدراسة التركيز على عمل الحداد عند الطفل الناتج عن صدمة الفقد الأمومي بالاعتماد على المنهج الإكلينيكي بدراسة تحليلية معمقة لحالة واحدة بالتركيز على الملاحظة الإكلينيكية والمقابلة الإكلينيكية البحثية النصف موجهة واختبار رسم العائلة.

لتحقيق الأهداف المرجوة من هذه الدراسة والإجابة عن تساؤلاتها، قمنا بدراسة ميدانية توصلنا من خلال تفسير ومناقشة نتائجها إلى أن الطفل الفاقد لأمه يعاني من معاش صدمي، تمثلت مظاهره في : متلازمة التكرار؛ التشوه المعرفي؛ اضطراب الوظائف الحيوية؛ صعوبات مدرسية، كما تمثلت صعوبات عمل الحداد في مظاهر معرفية، وفيزيولوجية، واجتماعية.

كما يجدر الاشارة أن نتائج هذه الدراسة يمكن لها أن تفتح المجال للباحثين قصد إثراء الحقل العلمي ولأجل ذلك تم وضع مجموعة من الاقتراحات من أهمها:

  1. دراسة عن أثر الحرمان الأمومي على صورة الذات عند الطفل

  2. دراسة عن فاعلية العلاج باللعب في التخفيف من أعراض الصدمة النفسية لدى الطفل.

  3. تصميم برنامج تدريبي لتسهيل عمل الحداد عند الطفل الذي يعاني من صدمة الفقد الأمومي

قائمــة المراجع

زردوم، خديجة (2018)، الصدمة النفسية لدى ضحايا العنف الجنسي، أطروحة دكتوراه (غير منشورة)، قسم علم النفس، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة باتنة 1، الجزائر.

زهران، حامد عبد السلام. (1995). الطفولة والمراهقة «علم النفس النمو’‘، القاهرة، عالم الكتب.

السراج، هالة صلاح محمد (2011). استجابة الحزن والتوافق النفسي لدى الأطفال بعد الحرب الأخيرة على غزة وعلاقتها ببعض المتغيرات، قسم علم النفس، كلية التربية، الجامعة الإسلامية – غزة http://hdl.handle.net/20.500.12358/20562

عمر، ماهر محمد. (1987). المقابلة في الإرشاد والعلاج النفسي. ط2. مصر، دار المعرفة الجامعية.

متولي، فكري لطيف والحارثي؛ وصبحي بن سعيد (2016). دراسة الحالة في علم النفس. ط1 : مكتبة الرشد.

مليكة، لويس كامل. (1992). علم النفس الإكلينيكي التشخيص والتنبؤ في العلاقة الإكلينيكية، ط5. مصر، الهيئة المصرية العامة.

النابلسي، محمد أحمد. (1991)، الصدمة النفسية علم نفس الحروب والكوارث، بيروت، دار النهضة العربية.

نذر، فاطمة. (2002). « الحروب واضطرابات السلوك عند الأطفال وكيفية التعامل مع الأزمات »، المجلة التربوية،14(154)، 141-161.

Bellemou Farhat, S.(2002). Expression clinique du psycho -traumatisme chez l’enfant, Pratique de soins et psycho trauma : manuel pour la prise en charge des enfants traumatisé, l’Algérie : bureau de l’Unicef, 44 — 49

Chiland, C. (1983). L’entretien clinique. Paris : Dunod

Corman, L. (1961). Le teste de dessin de la famille, 4eme Edition. Paris : PUF

Crocq, L. (2007). Trauma psychique prise en charge psychologique des victime, Belgique : Elsevier Masson

Freud, S. (1915), deuil et mélancolie, Paris : PUF

Hanus, N. (1997). Les deuils dans la vie « Deuil et séparation chez l’adulte et l’enfant. Paris : Maloine

Laplanche, J & Pontalis, J. (1997). Vocabulaire de psychologie. Sous la direction de Daniel, Paris : Edition delta

Laplanche, J & Pontalis, J. (2016). Vocabulaire de psychologie. Paris : PUF

Lebovici, S. (2002). Le travail de deuil chez l’enfant. Sous la direction de Amar, N. couvreur. & hanus, M. Algérie : SARP

Machover, K. (1965). Technique projectives “dessin d’un personnage, France : PUF

Reuchelin, M. (1973). Les méthodes en psychologie, Paris : PUF.

Zech, E. (2006). Psychologie du deuil, Belgique : Edition Mardaga.

الملاحق

ملحق 1 : رسم العائلة الخيالية

Image 1000020100000280000000DEB5935D8CBA4EF7FB.png

ملحق 2 : رسم العائلة الحقيقية

Image 1000020100000280000000D65410483F6EE01565.png

سامية رحال

جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف

أطاطبة شيماء 2

جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article