دور البرامج التلفزيونية الموجهة للطفل في تنمية مهارة التواصل اللفظي

الرسوم المتحركة أنموذجا

أمال ورك فقاص حفصة

أمال ورك فقاص حفصة, « دور البرامج التلفزيونية الموجهة للطفل في تنمية مهارة التواصل اللفظي », Aleph [], 8 (2) | 2021, 23 May 2021, 22 November 2024. URL : https://aleph.edinum.org/4017

بات من الواضح تعلق الطفل بما يُقدّم له من خلال البرامج المعروضة عبر وسائل الإعلام المرئية المختلفة، خاصة الرسوم المتحركة، مما انعكس على تنشئته وسلوكه، وذلك على عدة مستويات، حاولنا من خلال هذه الورقة البحثية تسليط الضوء على جانب متعلق بالمستوى اللغوي، وهو إنتاج الكلام وتوظيفه في مواقف تواصلية، وفاعلية الرسوم المتحركة في تنمية هذه المهارة، كواحد من بين الكثير من التأثيرات الإيجابية للإعلام ووسائل الاتصال.

Il est devenu clair que l’enfant est attaché à ce qui lui est offert à travers les programmes présentés par les différents médias visuels, en particulier les dessins animés, ce qui s’est reflété sur son éducation et son comportement, à plusieurs niveaux, nous avons essayé à travers cet article de mettre en évidence l’aspect lié au niveau linguistique, qui est la production de la parole et son emploi dans des situations de communication, et l’efficacité des dessins animés dans le développement de cette compétence, comme l’une des nombreux effets positifs des médias et des moyens de communication.

It has become clear that the child is attached to what is offered to him through the programs presented by the various visual media, especially the cartoons, which has been reflected on his upbringing and behavior, on many levels, we have tried through this article to highlight the aspect linked to the linguistic level, which is the production of speech and its use in communication situations, and the effectiveness of cartoons in the development of this skill, such as one of the many positive effects of the media and the means of communication.

مقدمة

إنَ الوسيلة الأساسية التي يستخدمها الإنسان للتواصل مع محيطه هي اللغة، فبها يعبَر عن أفكاره، ومشاعره وحاجياته، وذلك منذ الطفولة الأولى، إذ يبدأ باكتساب جملة من المهارات العقلية والمعرفية، بناءا على استعداداته الفطرية، بالإضافة إلى ظروفه وإمكاناته البيئية الخاصة، وإلى الفرص المتاحة أمامه.

كما تمثل وسائل الاتصال المرئية على اختلافها في زماننا هذا قوة تعليمية وتربوية تضارع مقومات البيئة المدرسية والمنزلية ، حيث تشير الدراسات العربية والأجنبية الى أنّ الأطفال شديدو التأثر بالمواد الإعلامية بشكل عام و بالرسوم المتحركة بشكل خاص ، وأنها تلعب دورا كبيرا في زيادة حصيلتهم اللغوية ، وزيادة فترة التركيز والانتباه لديهم دون ملل وفي التأثير على تشكيل النسق القيمي لهم، وفي عملية التنشئة بمفهومها الواسع من حيث أنها تعمل على نشر الوعي، والتعليم والتربية والتثقيف إلى غير ذلك، كما نجدها تساعد في إكسابهم الأساليب والمعايير الاجتماعية السائدة، والنماذج اللغوية الشائعة في هذا العصر المعروف بالتكنولوجيا والانفجار المعرفي.

وبناء على ما تقدم تم إجراء هذه الدراسة بهدف مناقشة ما لهذا النوع من الإنتاجات الإعلامية من تأثير على سلوكات الطفل اللغوية وتوجيه مهاراته، من خلال طرح الإشكالية الرئيسة التالية : إلى أي مدى يمكن الاستفادة من لغة الرسوم المتحركة في تنمية مهارة التواصل اللفظي لدى الطفل ؟

سعينا كذلك في هذه الورقة البحثية إلى الإجابة على التساؤلات التالية :

  • هل توجد علاقة بين ما ينتجه الطفل من أساليب لغوية، وبين ما يحصل عليه من خلال هذه البرامج التلفزيونية على كل من المستوى الصوتي والتركيبي والمعجمي ؟

  • هل إذا ازدادت كثافة مشاهدة الطفل للرسوم المتحركة من شأنها أن تؤثر إيجابيا على قدراته اللغوية، وتتطور مهارة التواصل لديه ؟

تكمن أهمية هذه الدراسة في مساهمتها في إعطاء ملخص حول ما يمكن لبرامج الأطفال وبخاصة الرسوم المتحركة تقديمه من إفادة، على صعيد النمو اللغوي وتطوير مهارة التواصل لدى الطفل في مراحل عمره الأولى، وكذلك إبراز المكانة التي يحظى بها التواصل اللفظي كعامل مهم في تحديد هدف المتكلم وفي إدارة التفاعل.

وبما أننا بصدد دراسة سلوك إنساني متعلق باللغة، وظاهرة موجودة في الواقع، أردنا تتبع سيرها، اعتمدنا على الملاحظة الموضوعية والعلمية وفق متطلبات المنهج الوصفي، قصد الإلمام قدر المستطاع بكل جوانب الموضوع.

إنّ أوّل شيء يتعلمه الطفل في مستهل حياته أبجديات التواصل اللغوي، بدءا بالأصوات المتقطعة والمناغاة، يتلقاها من أمه التي كانت سابقا الكفيل بهذا الدور، أما اليوم فقد بات يشاركها فيه الصخب الإعلامي، تحديدا التلفاز، الذي يشد اهتمام الطفل لاحتوائه على ما يعجبه ويجذبه ضمن قوالب فنية مختلفة، سواء كانت رسوما متحركة، أو أغاني، أو برامج ألعاب وتسلية وبرامج تعليمية كذلك.

وتحتل الرسوم المتحركة المرتبة الأولى من بين أنواع الصناعات الإعلامية الموجّهة للطفل، بنسب مشاهدة بلغت 44 %، بينما توزَعت نسبة 56 % على بقية البرامج ، حيث تصل ساعات متابعة الطفل لها الى أربع ساعات يوميا مقسمة على فترات راحته ، كما أثبتت عدة دراسات استطلاعية أن الأطفال يفضلون مشاهدة الرسوم المتحركة لما فيها من تشويق لمعرفة نهاية القصة أو الأحداث، و لاحتوائها على عناصر المفاجأة و الصراع و الحيرة في أسلوب درامي محبب إلى الطفلل، لتقدَم له مشاهد متكاملة بالصورة المرسومة و الحركة والصوت، سواء كان حوارا أو تعليقا أو غير ذلك، مما يدعونا للحديث عن أثر ذلك المحتوى في تنمية و توجيه قدرات الطفل اللغوية .

1. ضبط المفاهيم

1.1. مفهوم المهارة اللغوية

المهارة هي التمكن من أداء مهمة معينة بطريقة صحيحة بالأساليب و الإجراءات الملائمة، و بدقة متناهية و سرعة في التنفيذ احالة، هناك من يعرفها بالإتقان أو الإحكام و الإحسان والحذق والإبداع والبراعة والخبرة والتفوق و الإجادة، أما عند المختصين في التربية فهي جزء من مكونات القدرة، والقدرة استعداد عام يندرج تحتها عدد من المهارات.

أداء لغوي (صوتي أو غير صوتي) يتميز بالسرعة والدقة والكفاءة ومراعاة القواعد اللغوية المنطوقة والمكتوبة، ويتوقف الاستعداد لتعلم المهارة اللغوية على نضج الطفل جسمياً وعقلياً.

ومن هذه المهارات : طلاقة القراءة، الاستماع، استنتاج الأفكار، الكتابة، التحدث (التعبير)

2.1. التواصل اللفظي

التواصل عامة ظاهرة اجتماعية ترتبط بطبيعة الإنسان، وهو أي سلوك مقصود من جانب المرسل ينقل المعنى المطلوب إلى المستقبل، والمرسل اليه ويؤدي إلى الاستجابة للسلوك المطلوب منه.

وتعتبر مهارة التواصل عند الطفل المتمدرس مهارة أساسية يتطلبها انتماءه للمدرسة، وهي تعني قدرة الطفل على إيصال أفكاره ومشاعره للأخرين، وفي الوقت نفسه الإصغاء للآخرين وفهم ما يطرحونه من أفكار في الوقت نفسه، ومن بين وسائط التواصل مع الآخرين تأتي مهارتا (الكتابة) (التحدث) وأيا كانت ظروف الاستعمال فإن مهارة التواصل تتضمن دائماً العناصر التالية : وضوح الأفكار وتسلسلها وترابطها، بالإضافة إلى تكييف المهارة بحسب نوعية المستمعين وحسب الهدف. إحالة...أما التواصل اللفظي فهو

« عملية نقل أو تبادل الأفكار أو المعلومات أو المشاعر، بالكلام أو الكتابة بين مرسل ومستقبل. وهي ليست مجرد ظاهرة حركية صوتية. فهي دالة على قدرة الطفل على الإدراك السمعي، والإدراك البصري، وإدراك التفاصيل، والفروق بين الأصوات، وإدراك العلاقة بين الاسم ومسماه، وبين الكلمة والفعل، والحدث والزمان. فتنشط ذاكرة الأحداث من خلال اقتران الرمز اللغوي بالحدث. » (الريماوي 1998 : 43)

3.1. برامج الأطفال

يقصد ببرامج الأطفال : الخبرات المختلفة التي تقدمها وسائل الاتصال عموما والتلفزيون على وجه الخصوص، في فترة زمنية محددة، بقصد تنمية المهارات في مختلف المجالات الشخصية والاجتماعية بهدف تحقيق قدر من الاستقلال والاعتماد عل النفس في مواقف الحياة المختلفة، وهي متنوعة وتتناسب مع نموهم العقلي المعرفي وتعالج مشكلاتهم، وتعبر عن المرحلة العمرية التي يعيشونها، كما تفتح أمامهم محاولات للتفكير والإبداع وتنمية قدراتهم ومهاراتهم ويقصد بالخبرات (العياضي 1988 : 11)

4.1. الرسوم المتحركة :

يعرفها معجم مصطلحات الإعلام على أنها :« بث الحياة في الرسوم والمنحوتات والصور والدمى، وذلك بفضل تعاقب عدد من الصور المتتالية لبعض الأشكال عن طريق عدد من الرسوم التي تمثل المراحل المتعاقبة للحركة معتمدة على مبدأ التسجيل صورة بصورة » ( زكي دت :96)

وتعرف كذلك على أنها « عملية عرض لسلسلة من الصورالساكنة أو المرسومة أو المولدة بالكمبيوتر واحدة تلوى الأخرى عرضا سريعا لخلق الإحساس بوجود حركة نتيجة للظاهرة التي تعرف بمداومة الرؤية »(حجاب دت : 272). وأغلب برامج الرسوم المتحركة المعروضة على قنوات الأطفال العربية هي في أصلها غير عربية، تقوم شركات إنتاج عربية على ترجمتها ودبلجتها إلى اللغة العربية.

2. اللغة واللغة الإعلامية والاتصال

يقوم الاتصال على عملية تناقل المعاني بين الأطراف، « ويعد الاتصال عملية ترامز، حيث يستعين الطرف المرسل في العملية الاتصالية بالرمز في التعبير عن المعاني في وقت يتولى المستقبل فك رموز الرسالة لكشف دلالتها، ومن هنا جاءت تسمية هذه العملية بالاتصال الرمزي » (الهيتي 1977 : 71)

وتعد الرموز وحدات أساسية لأنظمة الاتصال منها ما هو لفظي مثل اللغة المنطوقة، ومنها ما هو مطبوع مثل الكلمات المكتوبة، ومنها ما هو تمثيلي، وعلى أساس ذلك فإن، الاتصال الرمزي يحتمل جانبين : يتمثل الأول في اللغة المنطوقة و المكتوبة بينما يتمثل الثاني في الحركات و الإشارات والألوان والأضواء والرسوم والإيماءات والعلامات، ويطلق عليه أحيانا اسم اللغة اللالغوية، ويمكن أن تضاف إلى اللغة اللفظية أوعية صوتية أخرى غير الكلمات مثل علامات التردد و التهتهة و نغمة الصوت والضحك والبكاء وفترات الصمت في أثناء الكلام وغيرها مما يصاحب التعبير اللغوي الصوتي و يخرج عن التركيب اللغوي، وعليه يمكن تعريف اللغة بما يأتي : « هي نظام من الرموز المرئية أو المسموعة، اللفظية وغير لفظية التي تستخدم في ترميز الرسائل الاتصالية الموجهة إلى الآخرين بقصد استحضار المعاني لديهم » (الهيتي1988 : 141)

ويجدر الإشارة إلى أن تعريف ابن جني للغة على أنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم هو تعريف موضوعي جامع لم تستطع التعريفات الحديثة للغة تجاوزه، فاللغة هي مجموعة من الأصوات التعبيرية ذات البعد التواصلي، وهذا ما اتفق عليه جميع من عرّف ودرس اللغة.

أمَا عن اللغة الإعلامية المستخدمة في الفضائيات العربية، فيعرفها أحمد حمدي فيقول : « لغة الإعلام جماعة تخاطب أفرادا وجماعات أخرى قصد التأثير فيهم، بيد أنَ لغة الإعلام ذات الانتشار الواسع و المرتبطة بتطوَر الحياة اليومية و حوادثها تخضع لتصورات سريعة و متلاحقة تفرضها على المتلقي، وتؤثر على اللغة عبر وسائل الاتصال الجماهيرية » (شرف2000 : 122)

ويمكن تلخيص خصائصها فيما يلي :

كل كلمة في اللغة الإعلامية يجب أن تكون مفهومة من طرف جمهور المستقبلين، كما يجب أن تعرض بطريقة جذابة تحقق يسر القراءة والاستماع وهي شرط أساسي من عوامل النجاح في الرسالة الإعلامية لبلوغ لتأثير في الجمهور.

إذا كانت اللغة الإعلامية تحرص على مراعاة القواعد اللغوية المصطلح عليها فإنها تحاول كذلك أن تحرص على خصائص في الأسلوب وهي البساطة والإيجاز والوضوح والنفاذ المباشر والتأكيد والاختصار والدقة.

وقد تجنح إلى الاستغناء عن الكلمات الزائدة والأفعال التي لا قيمة لها، وكذا أداة التعريف والصفات وظروف الزمان والمكان وأحرف الإضافة.

ولا تميل لغة الإعلام إلى الجمل الطويلة، كأن تقول (استغرقت المناقشة ساعتين) بدلا من القول : استغرقت المناقشة مدة تقرب الساعتين. ومن أهم سمات اللغة الإعلامية استخدام الألفاظ البسيطة الصحيحة والواضحة فتقول : البحر بدل اليمّ، والحرب بدل الوغى ويكثر التكرار فيها بل يعتبر عاملا هاما للقضاء على الغموض وازدواج المعنى (شرف1983 : 73 بتصرف)

هذه بعض الخصائص التي تتميز بها اللغة الإعلامية وتشترك فيها جميع وسائل الإعلام على اختلاف انتاجاتها وتعدد برامجها، وهي تشمل اللغة الموجهة لعامة الجمهور بما فيها الطفل مع مزيد من العناية والاهتمام بما يقدم له خصوصا، وهي تدرج تحت المسمى بالكتابة للطفل، أو أدب الأطفال.

3. بعض الاتجاهات النظرية في تحديد مفهوم القدرات اللغوية للطفل 

إن الحديث عن القدرة اللغوية لدى الطفل يحيلنا إلى الحديث عن الملكة اللغوية و التأدية كما تناولهما تشومسكي في نظريته (العقلية الفطرية)، وإلى ما أورده بياجيه حول ارتباط نشأة اللغة عند الطفل بتفاعله داخل محيطه من خلال نظريته (المعرفية)، وكذلك ما جاء به سكينر أحد رواد النظرية السلوكية الجديدة الذي يفسر تطور اللغة عند الطفل بناء على المعادلة : (المثير ---> الاستجابة). كل ذلك من أجل فهم آلية الاكتساب اللغوي الطفل للغة، ورصد الدينامكية التي تنمو وفقها مهارته في التواصل اللفظي.

1.3. مهارة التواصل اللغوي من منظور النظرية العقلية الفطري 

ساهمت هذه النظرية إلى حد كبير في فهم الطبيعة الإنسانية التي تجمع بين عنصر القدرة وعنصر الأداء في إطار العملية اللغوية، بعد أن درس تشومسكي الأنماط العامة للنمو اللغوي والتشابه بين كل اللغات، والعلاقة بين نضج الجهاز العصبي والقدرة اللغوية التي يعتبرها أنموذجا فريدا لا يمكن رده إلى أشياء أو عوامل خارجية بل مردها الإبداع الذي يمتاز به العقل البشري، وأن الطفل يمتلك بطريقة لا شعورية القواعد الكامنة.

ضمن المعطيات اللغوية التي يسمعها، ويسمي تشومسكي هذه القدرة بالملكة اللغوية، وهي ملكة فطرية بديهية لا شعورية تجسد العملية التي يقوم بها المتكلم من أجل صياغة جملة وفق مجموعة منظمة من القوانين. فاللغة هي آلية تنظم ديناميكية التكلم ونفهم القواعد على أنها التنظيم المحرك لهذه الآلية (زكريا1983 : 62)

ومصطلح الكفاية اللغوية لدى تشومسكي هي قدرة المتكلم المستمع المثال على أن يجمع بين الأصوات اللغوية وبين المعاني في تناسق وثيق مع قواعد لغته (زكريا1983 : 32)، وهي قدرة انطبع عليها الفرد منذ طفولته وخلال مراحل اكتسابه اللغة، ويمكن اعتبارها القدرة المجردة على الإنتاج بالوصول إلى وضع القواعد الكامنة فيها، والتي تمكن من إنتاج الجمل وإدراكها.

أما الأداء الكلامي فهو الاستعمال الآني للغة ضمن سياق معين، وهو حصيلة عمل الآلية اللغوية ، فهي القيام بالفعل الكلامي من طرف المتكلم حيث يستدعي الأمر ذلك الفعل (بوقرة 2009 : 149)، ويعتبر الأداء بمثابة الانعكاس المباشر للكفاية اللغوية، والتنفيذ العملي لقواعد القدرة الضمنية.

ويرى تشومسكي أن دور العائلة يقف عند حدود ما يسمى بالدور التوسيعي، حيث يردد الكبار في الكثير من الأحيان الجمل التي يتفوه بها الأطفال بإدخال بعض التغييرات عليها ليقربوها من الجمل التي تعادلها في لغتهم، ومن ثمة يوسعونها، وتقترب تدريجيا من الاندماج في لغة الكبار دون أن تقوم الأسرة بطريقة مباشرة بالتصحيح، وبهذا يكتشف الطفل النظم الخاصة بلغة الكبار ويصبح دور الأسرة تسهيل عملية اكتساب الطفل للغة عن طريق عرض النماذج بعيدا عن التلقين والتقليد، وهذا ما يفسر الأخطاء اللغوية لدى الطفل في محاولته لتنميته ملكته الفطرية على اكتساب الخصائص اللغوية للغته خصوصا فيما بتعلق بالتنظيم النحوي (تازروتي 2003 : 61)

لقد استبعد تشومسكي المواقف الاجتماعية والحياتية التي عادة ما تكون المسؤولة عن التعبير عن الحاجة وتجعلنا نتحدث ونخاطب، فجاءت النظرية المعرفية لتؤكد أن اللغة التي نبدعها ونولدها لا قيمة لها إن لم تؤدي وظيفة اجتماعية تواصلية (لعشبي 2004 : 99)

2.3. التواصل اللغوي نتاج التفاعل بين الطفل وبيئته حسب النظرية المعرفي :

يرى بياجيه أن المعرفة تنشأ لدى الطفل من مجموعة الأفعال التي يقوم بها وسطه، وقد ربط نمو اللغة بالنمو المعرفي، فعندما يكون الطفل مخطط معرفيا فإنه يمكن تطبيق المدلول اللغوي عليه، ففي المرحلة الحسية الحركية (من الميلاد إلى سنتين) تبدأ بذور اللغة في البزوغ حيث يتم استخدام السلوك اللغوي في عمليات التفكير، وحسب بياجيه فإن اللغة يمكن أن تتطور مع نهاية هذه المرحلة. أما في مرحلة ما قبل العمليات أو الحدسية (بين السنة الثالثة والسابعة من عمر الطفل) -وهي الفترة التي تهمنا في دراستنا هذه- تزداد قدرة الطفل على استخدام اللغة وظهور القدرة على التصنيف وتكوين بعض المفاهيم العقلية العامة (عبد الهادي 1998 : 72)

وقد تساءل بياجيه مثلما تساءل كثيرون : كيف يصبح الطفل قادرا على الكلام في فترة وجيزة؟ وتوصل بعد معاينة الأطفال وملاحظتهم فترة طويلة إلى أنّ اكتساب الطفل لِلغة محيطه واستيعابها يحصل عن طريق تفاعلات الطفل الحسية (البصر، السمع، اللّمس...) مع المحيط البيئي ككل (الأسرة والمدرسة والتلفاز وأشياء أخرى) ونموه الحركي، حيث ينسّق الطفل معارفه ويبدأ بتكوين الصور الذهنية للأشياء المحيطة به وذلك عن طريق عمليتي التمثّل والملائمة، اللتين تشتغلان بالأساس على الترميز عبر المحاكاة والتقليد، حتى يصل إلى اكتساب مفهوم ثبات الأشياء (الحامدي200 : 31)

3.3. تنمية المهارة اللغوية بناءا على مفهوميْ المثير والاستجابة عند سكين :

يعتبر سكينر من أهم ممثلي الاتجاه السلوكي في الميدان التعليمي، ونظريته تربط نمو واكتساب اللغة بالمدخلات والمخرجات، حيث فسر سكينر اكتساب اللغة عند الطفل بمفهومين هما : المثير والاستجابة يتمثلان في المحاولة والخطأ، إذ يعتبر اللغة كغيرها من المهارات ينمو وجودها عند الطفل بناءا على هذين المفهومين، وتكون المكافأة هي مقياس ارتقاء أو انعدام هذه المهارة (لعشبي 2004 :99)

وتوصل سكينر إلى أن الطفل في أول دور من الأدوار يستخدم أصواتا مختلفة، غير أن إحداثها يتوقف على صدى تشجيع المحيطين به، وذلك بإبدائه مظاهر الحب، أو بالحصول على الأشياء التي أشار إليها الطفل وبذلك تقوى هذه الأصوات، أما الأصوات التي لا تكافأ بهذه الصورة فهي تنطفئ (أتوكلينبرغ،تر : الجمالي دت :86)

أي أنّ الاستجابات المعزّزة إيجابيا (بمكافأة مادية أو معنوية) تتكرر، والتي لا تعزز (سواء بالعقاب المادي أو المعنوي) لا تتكرر. هنا تتجلى أهمية التعزيز في السلوك اللغوي الكلامي وفي محتوى الحديث أيضا، وحسب سكينرفإن المتكلم يميل إلى التوقف عن مواصلة حديثه إذا لم يستجب مستمعه أو مستمعوه، بحيث يمكن أن تؤثر استجابات مسمعه أو مستمعيه المختلفة – كتغيير تعابير الوجه أو التعليقات اللفظية على سؤاله أو جوابه- على سلوك المتكلم الكلامي والعكس صحيح، أي إنّ تجاوب الآخرين مع المتكلم يدفعه إلى الاستمرار في الكلام بغض النظر عما يقوله هذا المتكلم، لأنه قد يخرج في بعض الأحيان عما يريده مستمعه. وهذا يدل على أن لغة التعزيز تؤدي دورا مهما في السلوك اللغوي وفي تعلم اللغة خاصة عند الطفل، غير أن التعزيز ليس الطريق والسبيل الوحيد لهذا التعلم (ناصف دت :179) . حيث يمكن لمجموعة من المثيرات الخاصة بموقف ما أن تمثل العنصر الرئيس في جعل المتكلم يكتسب اللغة ويتعلمها، بل أن يركب عبارات وجمل لم يسبق له التلفظ بها.

كل نظرية مما سبق عالجت قضية اكتساب اللغة وممارستها من زاوية معينة، والتعصب لنظرية واحدة أو رأي بعينه لا يحل إشكاليات تعليم وتعلم مهارات اللغة العربية بشكل عام، وتعليم الطفل وتعلمه هذه المهارات بشكل خاص، وتعليم وتعلم مهارة التعبير والتواصل بشكل أخص، وعلينا نحن الاستفادة من كل رأي يثري بحثنا ويوجهه وجهة سليمة. وقد توصلنا إلى أنّ تكامل النظريات السابقة هو الذي يفسر اكتساب القدرات اللغوية عند الطفل، فلا يمكن للفطرة وحدها أن تكون هي السبب الوحيد ولا البيئة وحدها.

4. القدرات التواصلية لدى الطفل وعلاقتها بأنماط المشاهدة :

يقول إبراهيم مصطفى :« إنّ أفضل طريقة لتعليم اللغة و أيسرها و أقربها إلى مسايرة الطّبيعة هي أن نستمع إليها فنطيل الاستماع، ونحاول التحدث بها فنكثر المحاولة، ونكلَ إلى موهبة المحاكاة أن تؤدي عملها في تطويع اللغة وتملُّكِها وتيسير التصرف فيها، وتلك سنة الطبيعة في اكتساب الأطفال لغاتهم من غير معاناة ولا إكراه ولا مشقة، فلو استطعنا أن نصطنع هذه البيئة التي تنطلق فيها الألسن باللغة الصحيحة، ونسمعها فتنطبع نفوسنا ونحاكيها فتجري بها ألسنتنا، إذاً لملكنا اللغة من أيسر طرقها، و لمهّد لنا كلّ صعب في طريقها » (مصطفى وآخرون1985  : 3)

لقد أشار الأستاذ إبراهيم مصطفى إلى إحدى الطرق التي من شأنها أن تساهم في تعلم اللغة، وهي استغلال المهارات المتاحة لدينا كمهارة الاستماع مع خاصية الإطالة في ممارستها، لمعرفته الجيدة بأهمية المدة والتكرار في تعزيز فطرة الاكتساب، ويدعونا إلى اغتنام فرصة تَوفّر البيئة الفصيحة ومحاكاتها، وهنا يقصد وسائل الإعلام والفضائيات.

لقد بات من الممكن قياس الأثر الذي تحدثه البرامج الإعلامية في مختلف وسائل الاتصال عامة، سواء كان إيجابيا أو سلبيا، وذلك بتحديد وتيرة المشاهدة كمتغيّر أساسي يتعلّق بالزمن الذي يقضيه الطفل في متابعة الرسوم المتحركة، ومع ظهور قنوات تبث برامج خاصة بالطفل على مدار الساعة وطيلة أيام الأسبوع دون توقف، والتي يصعب حصرها لكثرتها، نذكر أشهرها : mbc3 ، كارتون نتوورك ، سبيس تون، قناة ماجد، وغيرها، زاد من الحجم الزمني للمتابعة، إذ يقر ما نسبته 64 % من الأطفال أنهم يشاهدون برامجهم المفضلة دون انقطاع أو كلما سُمح لهم وأرادوا ذلك، بمتوسط مشاهدة قُدّر 4 ساعات، وفي مقدمتها الرسوم المتحركة، وهذا راجع إلى تشوّقهم لمعرفة نهاية القصّة أو الأحداث واستكشاف الجديد في كل يوم وذلك بعرض الحلقات المتتابعة، في المقابل هناك من لا يتابع برامجه المفضلة باستمرار، والسبب في ذلك يعود إلى منع آبائهم لمتابعتهم لها وتفضيل إشغال وقتهم بالمذاكرة وحلّ الواجبات إن كان الطفل متمدرسا، أو الرياضة وأنشطة أخرى.

وتشير بعض الإحصائيات الدولية إلى أنّ الطفل في نهاية المرحلة الابتدائية يكون قد أمضى نحو ستة آلاف ساعة في مشاهدة التلفاز(الرشيد 2013 : 128)، وهذا إحصاء جرى قبل انتشار البثّ الفضائي، ولا شكّ أن ساعات المشاهدة اليوم قد صارت أضعافا.

وتربط نظرية الغرس الثقافي cultivation theory لرائدها جربنرGerbner بين كثافة التعرض لمشاهدة التلفزيون بصفة خاصة واكتساب المعاني والأفكار والمعتقدات وبعض المهارات، حيث يشير الغرس إلى تقارب إدراك جمهور التلفزيون للواقع، وباعتبار أنّ الأفراد يشاهدونه منذ الطفولة فهو يمثل مصدرا رئيسيا لبناء تصوراتهم عن الواقع بما يعرضه من نماذج مكررة ونمطية للسلوك بما فيها اللغوي، ومن هنا يبدأ الأطفال بالارتباط بهذه الشاشة المسيطرة وبرامجها المتنوعة منذ سن مبكرة، كما أورد جربنر في دراساته أنّ الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3-5 سنوات يشاهدون التلفزيون بمقدار 30 ساعة في الأسبوع (عوض 2006 : 22)

ومما لا شك فيه أنّ الطفل طيلة تلك الفترة التي يقضيها أمام الشاشة وهو يستمتع بالمشاهدة، هناك عمليات عقلية تحدث دون شعوره بذلك، فالمتعة كما يخبرنا بذلك المختصون مكمنها الفص الأيمن للدماغ، والرسوم المتحركة تشغل الوعي بخلفيات معينة (الموسيقى، الألوان....) ثمّ ترسل في اللاوعي، فهي بمثابة مثيرات صوتية تلج إلى دماغ الطفل عبر جهازه السمعي وتتوجه بسرعة إلى منطقة « فرنيكي » حيث تفهم تلك الأصوات وتتحول الخبرات السمعية إلى كلمات، وعندما يرغب الطفل في الكلام فإنّه ينقل هذا الكلام إلى منطقة « بروكا » هذه المنطقة تتواصل فوراً مع منطقة الحركة في القشرة الدماغية والتي تتحكّم في حركات الوجه واللسان والفك ويتجسد بذلك التقليد، وهذا ما يندرج ضمن الاكتساب اللاواعي، لكن إذا تعمّدنا وضع الطفل أمام أجهزة الاتصال وتقديم المادة الإعلامية له يحدث حينئذ ما يسمى بالاكتساب الواعي.

يمكن القول إذن أن بوادر توفير البيئة الافتراضية الفصيحة المتمثلة في فضائيات خاصة بالأطفال تظهر شيئا فشيئا على الذين هم على صلة دائمة ببرامجها، يديمون الاستماع إليها، ويعملون على محاكاة ما يتلقونه من خلال منتجها الإعلامي، فيكتسبون الأصوات وحروف اللغة ومفرداتها، مما يجعل لسانهم يتفصّح تدريجيّا على نحو متواصل، ومنه استنتاج نوع العلاقة بين كثافة المشاهدة ومهارة التواصل اللفظي، فهي كما تبدو علاقة طردية : كلما زاد زمن المشاهدة توفّر لدى الطفل مخزون أكبر من المفردات، مما يتيح له إمكانية توظيفها في سياقات تواصلية مختلفة.

5. القدرة على التعبير أهم مظاهر التطور اللغوي لدى الطفل

كشفت دراسات عديدة في مجال التطور اللغوي لدى الطفل عن حقائق هامة حول الجوانب المختلفة لذلك التطور، فقد بينت تلك الدراسات أن تركيب ووظيفة اللغة التي يستخدمها الطفل تتغير وتتطور مع زيادة عمره الزمني ونضجه. واللغة عامة معقدة، لاسيما عند الطفل إذ لها خصائص و في ذلك يقول تشومسكي : « واضح أن اللغة التي يكتسبها كل إنسان هي بنية معقدة ولا يمكن تحديدها عبر المظاهر اللغوية المتوفرة و المتجزئة، لذلك يبدو البحث العلمي صعبا محددة نتائجه » (زكريا1983 :49)

وإذا كانت وظيفة اللغة الأساسية هي التواصل، فإنّ التعبير يمثل الشكل الرئيس للاتصال اللغوي، وهو كما يرى رفقي عيسى

« يمثل الجانب الإيجابي من التواصل اللغوي، حيث يأتي التحدث مقابل الاستماع، ويقوم الطفل فيه بتحويل الخبرات التي تمر به، أو يمر بها إلى رموز لغوية مفهومة تحمل رسالته إلى من حوله، وإلى ما حوله، فهو يتحدث للأفراد عما يعرف، وعما يريد وعما يشعر به، وقد يتحدث إلى من حوله، أو ما في يديه من ألعاب، أو أشياء يفيض عليها حيوية الأفراد » (رفقي1987 : 121)

ونميّز عند الطفل بين القدرة الاستيعابية والقدرة التعبيرية، إذ تشير القدرة الأولى إلى قابلية الطفل رغم ضعف مستواه الثقافي لصغر سنه لفهم اللغة المنطوقة أو المكتوبة (إذا كان متمدرسا ولو بصورة إجمالية)، أما القدرة التعبيرية فهي قابليته للتعبير بتلك اللغة شفهيا او تحريريا

وقد تختلف القدرة الاستيعابية لدى الطفل الواحد، وبصورة عامة يتفق الباحثون على أن عامة الأطفال يتوفرون على قدرة استيعابية للغة الفصحى على الرغم من عدم تمكنهم من التعبير بها بصورة صحيحة أو طليقة وذلك راجع إلى أنَ متطلبات القدرة التعبيرية أكثر وأصعب من متطلبات القدرة الاستعابية.

« ويبدأ الطفل باكتساب النماذج اللغوية من خلال اتصاله بالبيئة الثقافية بصورة عفوية تقوم على التقليد و المحاكاة، ثم يصير قادرا على إخراج الكلمات والجمل والتعابير بطريقة تلقائية ، و تتطور لغة الطفل تدريجيا تناسبا مع نموه الجسمي والعقلي بما في ذلك الأعضاء التي لها علاقة بعملية النطق ، أما استخدام اللغة (ضمن عملية التواصل اللفظي) فيعتمد إلى حد كبير على تعلم الطفل لمفردات اللغة و طرق تبيانها في أنساق لفظية » (الهيتي1988 :142)

ولكن استعمالها يظل محدودا مقارنة بمجال استعمال الكبار، فهو يتكلم لقضاء حاجاته اليومية، ويعبر عن أفكاره البسيطة، ويشارك الآخرين الحديث.

ويعتبر معيار طول الجملة من أكثر المعايير موضوعية في تحديد نمو وتطور لغة الطفل، هذا وقد تعرضت العديد من الدراسات الأجنبية لبحث ودراسة هذا المعيار وأظهرت هذه الدراسات نتائج متشابهة.

كما أن مدى تعقيد الجملة التي يستخدمها الطفل يزداد بتقدم عمره، هذا بالإضافة إلى زيادة طول جملته من سنة إلى أخرى (من كلمة إلى ستَ كلمات حتى سن الخامسة) وتدرّجه في استخدام الجملة الفعلية، حيث إنَ الطفل في بداية حديثه يستخدم الجمل الإسمية، بل الأسماء المحسوسة منها، بعد ذلك يتدرج في استخدام الجمل الفعلية يليها التطور في استخدام أجزاء الكلام الأخرى مثل حروف الجرَ وربط الكلمات والجمل بعضها ببعض.

وإذا ما انتقلنا من جملة الطفل إلى كلماته، فقد كشفت الدراسات العربية والأجنبية عن أن الطفل يستخدم الكلمات التي تدلّ على محسوسات أكثر من التي تدل على مجردات، وهو يميل الى استخدام العامية ذات الأصل الفصيح في حديثه، وأيضا يستخدم الكلمات السهلة البسيطة، والتي تدلَ على المبالغة.

وميلاد قنوات فضائية تختص بعالم الطفولة، وترتكز على اللغة العربية الفصيحة في رسالتها التواصلية لاسيما عبر برامج الرسو م المتحركة مع المداومة على متابعتها ساهمت في تعزيز قدرة الطفل على التوظيف السليم للغة العربية، من حيث النطق أو اكتساب معجم لغوي عربي فصيح.

6. السمات اللغوية الملاحظة عند الطفل المتابع للرسوم المتحركة ودورها في تعزيز التواصل اللفظي :

كان الهدف الأساسي من الخوض في هذا الموضوع هو محاولة نقل صورة واقعية عن استعمال الطفل لأساليب لغوية جديدة فصيحة ليست موجودة في اللغة الأم، والتي يُعتقد بأنّ للرسوم المتحركة دور في اكتسابها والتي من شأنها اثراء رصيده اللغوي مما يخول له إمكانية التواصل بشكل فعال وايجابي في مواقف مختلفة بما يناسب سنّه، وأول مظاهر التطور اللغوي التي لاحظناها–حسب ما توصلنا إليه من خلال التنقيب عن أثر الرسوم المتحركة على الممارسات اللغوية للطفل- هو تحسن نطق الكلمات، وبعض مظاهر التلفظ الطفولي التي تبدأ في الاختفاء، كما تبرز العديد من التصويبات الصوتية، والتركيبية وتضاف إلى ذلك كله استخدامه تعابير الوجه، وحركات باليد والرأس. وفيما يلي سنحاول إدراج بعض من تلك السمات التعبيرية التي لاحظناها على مجموعة عشوائية من الأطفال تتراوح أعمارهم بين الرابعة والسادسة، ذكورا وإناثا، أغلبهم ماكثون في البيت، ولغتهم الأم هي اللهجة العاصمية الجزائرية، على سبيل التمثيل لا الحصر لأنها تتباين من طفل لآخر ومن بيئة لبيئة أخرى، كما ترتبط أساسا بمكتسبات الطفل من لغته الأم وعاميته، وبعوامل أخرى ككثافة المشاهدة، ومدى اهتمام الأسرة أو المحيطين بالطفل وحرصهم على مرافقته أثناء بناء لغته.

وإذا ما نظرنا لتلك السلوكات اللغوية نظرة شاملة وجدناها تفوق نوعا ما نجده مذكورا في الدراسات النظرية حول خصائص لغة الطفل في مثل عمره، حيث تبدو الكلمات المستخدمة منتقاة، فصيحة وذات مستوى عالٍ نسبيا، مثل « الغابة الموحلة، الظلام الحالك، يحدّق... » ، كما لاحظنا استخدامهم للأمثال والحكم، والتي عادة ما تُوظف في الرسوم المتحركة ذات الطابع القصصي والدرامي، أما إذا أتينا على البناء اللغوي، وجدنا اختلافات دقيقة مقارنة بما في اللغة الأم، وهي جديرة بالدراسة والتحليل، وكانت على عدة مستويات أهمها المستوى الصوتي ثم التركيبي والمعجمي

1.6. السمات الصوتية

كل الظواهر الصوتية حاضرة، فالطفل بمتابعته للرسوم المتحركة، تأثر بها وتخلى عن نمط نطق بعض حروف لغته الأم، واستطاع اكتساب حرف آخر بصورة فصيحة كما هو الحال بالنسبة لحرفي الذال و الثاء اللذان يكاد ينعدم استعمالهما في اللغة الأم في لهجة الأطفال المبحوثين، إذ تستعمل كل من الدال للأول والتاء للثاني، مثل : هدا بدل هذا ، و ديب، ودبانة، وتلج بدل ثلج، وتلاتة بدل ثلاثة، لكن الطفل اكتسب ألفاظا جديدة تحمل في بنيتها اللغوية حرفي الذال والثاء. فظاهرة الإبدال الصوتي هي الأكثر حضورا في لغة الطفل، حيث يلاحظ عدة تصويبات الناتجة في الغالب من تقارب في مخرج الحرف، نحو طابلة إلى طاولة، وسمش إلى شمس.

وتبرز كل من ظاهرة النبر والتنغيم والإدغام والتنوين، بعد موازنتها في اللغة الأم وبين لغة الأطفال لاحظنا ما يلي :

  1. التنوين : رغم أنها ظاهرة صوتية تؤدي وظيفة دلالية إلاّ أنها غائبة في اللغة الأم، ومع استقراء كلام الأطفال وجدنا فيه استخدام التنوين، ولا سبيل إلى هذا الظهور اللغوي على لسان الأطفال إلا البرامج التي يتابعونها وهذا راجع إلى أن الظاهرة شدّت انتباهه بعد أن طرقت أسماعه. مثل : حبّه ---->> حبةٌ ، كما نلاحظ أن الطفل يبالغ في استخدام التنوين حتى في الألفاظ الدخيلة على اللغة العربية لكنها موجودة في لغته الأم مثل « بيتزةٌ »

  2. الإدغام : بما أن اللهجات تميل إلى الاقتصاد اللغوي، بالتالي فالإدغام موجود في لغة الأم الأطفال المبحوثين، لأن الفائدة منه تسهيل النطق واقتصاد الجهد والزمن في النطق، وما لاحظناه هو أن الطفل يستخدم التفكيك أكثرخاصة في الأصوات المتجاورة المخرج نحو عُتُّ----> عُدْتُ ، مَجَّر---> مَتْجَر

  3. النبر : مواضع النبر في اللغة العربية الفصحى غير ثابتة، وكذلك في اللغة الأم، لذا وجدنا عدة وقفات ينبر فيها الطفل للفت انتباه المستمع إلى كلمة معينة في الجملة، أو اظهار اعجابه بها، فيضغط عليها في كلامه.

  4. التنغيم : يعد التنغيم من أبرز الظواهر السياقية الصوتية التي تأثر بها أداء الطفل الكلامي نتيجة متابعته المستمرة للرسوم المتحركة، ويأتي استخدامه من طرف الطفل تبعا لدلالات الجمل والعبارات، وللتعبير عن حاجياته ومقاصده من خلالها بشكل صحيح، كما تلقاها من الرسوم المتحركة. فرصدنا استخدامه للنغمة العالية المصاحبة للانفعال مثل قول : « سوف أقضي عليك » والنغمة الفوق العالية للدلالة على الإعجاب أو الأمر نحو « لذيذة جدا يا أمي ».

2.6. السمات النحوية التركيبية

يكثر الطفل المتابع للرسوم المتحركة أثناء حديثه استخدام مباني جامدة يعرف عند النحويين بالخوالف، والخالفة هي كلمة يطلقها المتكلم للإفصاح عن موقف انفعالي أو تأثري، كقولنا : آه من الألم، وهي أربعة أنواع : خالفة الصوت، خالفة الاخالة، خالفة المدح والذم، خالفة التعجب (قدور : 167)

وبما أن الرسوم المتحركة تركز على المؤثرات الصوتية، سواء كانت تقنية أو أداها الأبطال فإن الطفل يحاول تقليد تلك الصيغ، عن قصد أو غير قصد، فنجدها جلية في كلام الطفل أثناء تواصله مع المحيطين به، وأكثر خالفة لاحظناها هي خالفة الصوت مثل : آه، ويليها التركيب المراد التلفظ به، نحو (آه، لقد خسرت)، ( آه، تذكرت)، وغيرها نجد : إمم، آسف آسف، النجدة ساعدوني. هذه الخوالف وإن كان بعضها مستخدم في لغة أم الطفل إلا أن معظمها من أثر الرسوم المتحركة، وبالأخص تلك التي تأتي على صيغة أسماء فعل أو صيغ أمر مثل « على مهلك » ، « هيا بنا ».

أما عن الوحدات النحوية فيكثر الطفل استعمال حروف العطف والجر مقارنة بالظروف، كما لاحظنا اكتسابه لحرف العطف (ف) من الرسوم المتحركة لأنه غير مستعمل في اللغة الأم، وكذلك استبدال « لوكان » و« بلي » ب « لو » و « أنّ ».

أداة التعريف في اللغة الأم للأطفال هي (لام) استبدلوها ب (ال) على شاكلة « لْكرسي » -----> « الكرسي ».

أما التنكير : فيلاحظ اختلافه بين الاستخدامين في التنوين الذي يقترن الاسم النكرة به في الفصحى، بينما في اللغة الأم لا يعتبر علامة من علامات التنكير مثل : كْتابْ---> كِتابٌ.

بالإضافة إلى ذلك كله أصبح بإمكان الطفل المتابع للرسوم المتحركة تحريك أواخر الكلمات، وأحيانا يأتي استخدامها على وجهها الصحيح دون إدراك منه.

3.6. ألفاظ جديدة لإثراء معجم الطفل

اكتسب الطفل مفردات لغوية عربية فصيحة، وغير موجودة في لغته الأم (لهجة الجزائر العاصمة)، كما صوب العديد منها، حيث وجد له مقابلات لها في استعماله الجديد، نحو استبدال : « عود » بـ « حصان » و « كايي » بـ « كراس »، وغيرها كثير، وكذلك مفردات أجنبية معرّبة ودخيلة مثل : مارينات، سوبر، كمبيوتر وغيرها، وهذا ما أدى إلى إثراء حصيلته اللغوية، وأدى إلى نمو لغته، وازدادت معها مهارته في التواصل، مما يتيح له إمكانية توجيه رغباته وجهتها المحددة.

7. اعتماد الرسوم المتحركة كمقاربة في تعليمية اللغة العربية، وفي معالجة إشكالية الانتقال من المستوى العامي إلى المستوى الفصيح

يواجه الطفل العربي صعوبة لغوية عند دخوله المدرسة تتمثل في أن اللغة التي يتعلمها في المدرسة تختلف، نوعا ما، عن اللغة التي يتحدث بها ويألفها في المنزل والحي. وفي سؤال استطلاعي مع مربيات ومعلمات الأقسام التحضيرية والسنة الأولى ابتدائي حول اللغة التي يتحدثون بها في القسم مع الأطفال أفادت ما نسبته 76 %منهن بأنهن يخلطن العربية الدارجة والفصحى، وفي بداية السنة الدراسية يضطرن إلى التكلم مع الأطفال باللغة التي تعودوا عليها في البيت، إذ يكون الغرض في أول الأمر هو التواصل، حتى يتمكنوا من التفاهم فيما بينهم. فيما أخذ استعمال الفصحى لحالها نسبة %6، وهي نسبة قليلة مقارنة بالسلوك اللغوي الأول، فيما عادت نسبة 13 % لمن يمزج التنوعات اللغوية الموجودة في الجزائر العاصمة وهي العربية الفصحى والعامية والفرنسية. كما اعترفت بعض المعلمات بقيامهن بتوجيه الأطفال لمشاهدة الرسوم المتحركة باللغة العربية الفصحى، من أجل مساعدتهم في تخطي صعوبة الانتقال من اللغة الأم إلى لغة المدرسة، لما رأينه من فائدة في ذلك.

ويمكن معالجة هذه الصعوبة قبل دخول الطفل المدرسة وبعده. فقبل المدرسة، تستطيع وسائل الاتصال وخاصة التلفزة أن تلعب دورا هاما في اكتساب الطفل اللغة العربية الفصيحة، عن طريق صياغة البرامج المخصصة للأطفال باللغة العربية الفصيحة وتجنب استعمال العامية. وهكذا تكون وسائل الاتصال أداة تربوية تثقيفية ترفيهية في آن واحد، وتتكامل وتتناغم مع المدرسة في وظيفتها. أما بعد دخول الأطفال المدرسة فيمكن تشجيعهم على التحدث بالعربية الفصيحة فيما بينهم تعزيزا لما تعلموه بطرق مختلفة، دون اغفال دور المعلم أو المربي في المرافقة والتوجيه والتصويب.

وقد أصبحت الرسوم المتحركة من المقاربات الضمنية المُعِينة على التدريس، بل أن بعض الأمهات الأمريكيات يقررن أن أبناءهن يستفيدون منها كوسيلة تسلية وأداة من أدوات الاستشارة. وفي دارسة أخرى أقرَت الأمهات أن برامج الكرتون يزيد من قدرة أطفالهن اللغوية وخاصة مقدار المفردات، ويعلمهم الكثير عن الحياة ويُكسبهم أساليب التواصل اللغوي داخل حجرات الدرس أو حتى في حياتهم اليومية.

إنَ الأهداف المنتظرة من تدريس اللغة العربية في الطَور الأوَل تتمثل أساسا في :

  1. تصحيح وتنظيم مكتسبات الطفل

  2. تصحيح النطق

  3. تنمية القدرة على التواصل بلغة صحيحة

  4. فهم حوار بسيط

ويقوم واضعوا هذه الأهداف بتعليم اللغة الشفهية معتمدين على طرق التدريس والمناهج التعليمية المناسبة كالمحادثة والحوار، وتلقين مفردات وجمل بسيطة من جهة، وإنجاز تمارين بنوية ونسخ فقرات للتدريب على الكتابة من جهة أخرى. يمكن لكل ذلك أن يتم بشكل سلس إذا ما أدرك المعلَم كيفية استثمار المكتسبات القبلية للطفل والتي بناها من خلال متابعته لبرامجه التلفزيونية، والتي بدورها تكون ذات أثر فعاَل إذا ما حسُن انتقاءها وكانت مراعية للشروط المتعارف عليها في الكتابة للطفل، وإجمالا تتميز بسمات عامة أهمها :

  • قصر الجمل والعبارات، ذلك أن الطفل المشاهد لا يستطيع أن يقف من الكلام المنطوق موقفه من الكلام المكتوب.

  • الوضوح واستخدام الألفاظ المألوفة.

  • تجنب الحشو اللفظي، لأن الحشو يشوش استقبال الرسالة ولذلك يجب الابتعاد عن الجمل الاعتراضية وأسماء الموصول التي قد تعود على الفاعل أو غيره. وتجنب استخدام كلمتين متشابهتين في النطق ومختلفتين في المعنى في جملة واحدة.

  • - أن يكون الكلام مضبوطا نحويا ولغويا حتى يسهَل للمتلقي الصغير بيان علامات الترقيم بين أجزاء الكلام معتمدا تقسيم وتوزيع الصوت.

وفي نفس السياق يضيف عبد العزيز شرف : « نطمح أن نجد لغة إعلامية فصيحة ذات بلاغة جديدة، لتقوم بحاجات هذه الوسائل الجماهيرية في الاتصال والتأثير، مع اتصافها بما تحتاج إليه من تثقيف وإقناع وترفيه، وهذا مبنيٌّ على مراعاة ما تتسم به اللغة من مستويات تعبيرية ووظيفية، ومعرفة ما يحتاج إليه الطفل في مراحله العمرية المختلفة. فاللغة الإعلامية التي تحافظ على فصاحة الألفاظ وجمالها، مع نزوعها إلى الإيجاز والتبسيط والوضوح هي مطلب مُلح يحقق كثيرا مما نطمع فيه وما نطمح إليه » (شرف1983 : 60-62 بتصرف)

خاتمة

إن توسيع رقعة استعمال اللغة العربية هو مطلب ضروري في كل زمان، ولكن هذه الضرورة هي أشد في وقتنا الراهن الذي يتميز بالعولمة الاتصالية ، فوجب البحث عن آليات لنشرها وتمكينها في التواصل، وهذا ما حاولنا تبيانه من خلال هذه الورقة البحثية التي تناولت مدى اسهام الرسوم المتحركة في هذا الطرح، فهي بلا شك رافد هام من روافد التنمية اللغوية، وهي عون للمدرسة وللأسرة في تحبيب اللغة للأطفال، وفي تيسير فهمها واستيعابها، وجعلها قريبة المتناول، هينة المأخذ، خاصة وأن تأثيرها متراكم على مدى سنين عدة من عمر الطفل، وقد رأينا كيف أن الطفل اكتسب رصيدا لغويا ساعده على تنمية مهارته في التواصل اتسم بتصحيح العديد من الانحرافات الصوتية والتركيبية، التي عادة ما تميز لغة الطفل، والحاصلة في اللغة الأم، أهمها تحرك أواخر الكلمات، واستخدام صيغ صرفية جديدة وفصيحة، واستعماله لخوالف لا مصدر لها سوى برامج الأطفال، كما نمت قدرته على التمييز بين أنواع الجمل، بدليل أنه بات يستعمل في كلامه الجمل المنفية والاستفهامية والشرطية والندائية والاستثنائية كلاً بأداتها. وعليه ينبغي :

  • المحافظة على الحصيلة اللغوية التي اكتسبها الطفل من متابعته لهذه البرامج، وتغذيتها باستمرار لكي تتوطد العلاقة بين أطفال هذا الجيل واللغة العربية.

  • تبني مقاربة تعمل على تعزيز التواصل اللفظي لدى الطفل، كمشاركته في الأحاديث وإفساح مجال التحاور والنقاش له بإثارة مواضيع يحبها الأطفال وتوافق سنهم.

  • تركيز المربي أو الأسرة على تطوير مهارة السماع لدورها الفعال في عملية الاكتساب اللغوي، التي تتم في الأصل عن طريق المشافهة والسماع.

  • بما أن تعرض الطفل للمشاهدة بشكل كثيف بات حقيقة فرضها النمط المعيشي لهذا العصر فلابد من انتقاء وتمحيص للمادة المقدمة له في إطار تخطيط وبرمجة لغوية صحيحة ومثمرة، وهي مسؤولية ملقاة عل عاتق الأسرة أولا في اختيار المناسب لأطفالهم، وتوجيه ميولتهم، وكذا القائمين بالاتصال والكتابة للطفل.

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article