في تفكيك الخطاب الكولونيالي. كتاب « الجزائر زمن عبد القادر » لمارسيل إيمريت أنموذجا

Déconstruction du discours colonial à travers L’Algérie au temps d’Abdelkader de Marcel Emerit

Deconstructing Colonial Discourse through Marcel Emerit’s Algeria in the Time of Abdelkader

بوحبيب حميد Hamid Bouhbib

p. 271-287

Citer cet article

Référence papier

بوحبيب حميد Hamid Bouhbib, « في تفكيك الخطاب الكولونيالي. كتاب « الجزائر زمن عبد القادر » لمارسيل إيمريت أنموذجا », Aleph, 11(5-2) | 2025, 271-287.

Référence électronique

بوحبيب حميد Hamid Bouhbib, « في تفكيك الخطاب الكولونيالي. كتاب « الجزائر زمن عبد القادر » لمارسيل إيمريت أنموذجا », Aleph [En ligne], 11(5-2) | 2025, mis en ligne le 16 juin 2024, consulté le 21 décembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/12482

يندرج هذا المقال ضمن ما يعرف في الدراسات المقارنية بدراسة الصورة « Imagologie » وبالذات ضمن تحليل الخطاب الكولونيالي وما ينتجه من صور نمطية واستيهامات وأحكام جاهزة بشأن الشعوب الأصلانية التي تقع تحت هيمنته، وقد اعتمدنا مصدرا أساسيا لتلك الصور وهو كتاب مارسيل إيمريت، الذي صدر في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، على إثر ترجمتنا إياه مناصفة مع البروفيسور عبد الحميد بورايو منذ سنوات.

حاولنا من خلال تحليل الوثائق الواردة في الكتاب أن نفكك الخطاب الكولونيالي، لنكشف عن منطلقاته الإيديولوجية ومراميه الاستعمارية. وقد توصلنا في التحليل إلى أن الخطاب (إنتاج الصورة عن الآخر) هو صناعة مؤدلجة بامتياز، وقد برع منتجو الخطاب التاريخي في تجريد الجزائر والجزائريين من كل الملامح التي قد توحي بأنهم شعب عريق متحضر...ليصنعوا منه مسخا غريبا، تسهل مصادرته وإبادته، لأنه في نظرهم بلا هوية ولا تاريخ ولا إنسانية.

Cet article s’inscrit dans le cadre des études comparatives, s’intéressant particulièrement à l’imagologie et à sa relation avec les études postcoloniales, dans le but de déconstruire le discours colonial avec sa panoplie de fantasmes, de stéréotypes et de préjugés racistes. Pour ce faire, nous avons choisi le livre de Marcel Emerit, L’Algérie au temps d’Abdelkader , paru dans les années cinquante, que nous avons co-traduit avec le professeur Abdelhamid Bourayou. L’analyse de ce corpus a démontré que l’historiographie coloniale est un outil idéologique dont la seule raison d’être est de justifier la conquête et de travailler à la dépersonnalisation des peuples autochtones pour mieux les dominer.

This article falls within the framework of comparative studies, particularly focusing on imagology and its relationship with postcolonial studies, with the aim of deconstructing colonial discourse with its array of fantasies, stereotypes, and racist prejudices. To this end, we chose Marcel Emerit’s book,  L’Algérie au temps d’Abdelkader published in the 1950s, which we co-translated with Professor Abdelhamid Bourayou. The analysis of this corpus demonstrated that colonial historiography is an ideological tool whose sole purpose is to justify conquest and to work towards the depersonalization of indigenous peoples in order to better dominate them.

مقدمة

إن فهم الصورة التي نسجها المستعمر لنفسه عن الجزائر والجزائريين، لا تحتاج منا اليوم كثيرا من البحث في الأدبيات التي وصلتنا من القرن التاسع عشر، إنها واضحة تمام الوضوح، لأنه كما يقول إدوارد سعيد: «  لم تكن ثقافة الإمبريالية مستترة، ولم تكن تخفي علاقاتها ومصالحها المادية. إن خطوطها العريضة واضحة إلى أبعد الحدود...»1

وتظهر لنا تلك الصورة جلية في جميع أشكال الوعي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر: في الرواية والرسم والشعر، فضلا عن الكتابات التاريخية والسياسية المباشرة، التي عالجت الظاهرة الاستعمارية. ولا يحتاج الباحث عبقرية زائدة للوصول إلى الملامح العنصرية المقيتة التي ترتسم في قسمات تلك الصورة التي نسجها المستعمر لنفسه، عن البلدان التي يستعمرها، لأن تلك الملامح موجودة في الأدبيات الرومانسية المبكرة عن الشرق الساحر، والمتوحش الطيب، والبدائي البريء، والأرض العذراء التي تنتظر بشغف متى تصلها أنوار الحضارة، لتخرج من دهاليز «التخلف والهمجية».

والصورة هنا هي بالمعنى الذي يعطيه إياها هنري باجو في إطار الدراسات المقارنية حينما قال

«الصورة هي تعبير، أدبي أو غير أدبي، هي إعادة تقديم واقع ثقافي يكشف من خلاله الفرد والجماعة الذين شكلوه (أو الذين يتقاسمونه أو ينشرونه)، ويترجمون الفضاء الاجتماعي، والثقافي، والأيديولوجي، والخيالي الذي يريدون أن يتموضعوا ضمنه»2.

إن الصورة ليست أيقونة، أي انعكاسا صادقا لمرجعه بل تمثل، أي صورة ذهنية، قد ينسجها الخيال غير آبه بالواقع. إنها في نهاية المطاف جزء من آلة تنتج خطابا متكاملا حول الغايات والمآرب الكبرى لمنتجي تلك الصورة، وفي هذا لا يسعنا إلا أن نقول مع إدوارد سعيد:

«انطلاقا من هذا السياق [السياق الاستعماري] لم يكن في وسعي إلا أن أفهم التصوير على أنّه نظام خطابي يشمل بشكل أو بآخر خيارات سياسية، وقوة سياسية وسلطة ما ».3

ونحن إذ نحاول فهم تفاصيل هذه الصورة، لا يهمنا صدقها أو زيفها...ما يهمنا هو كيفية تشكلها والمنطلقات التي تحركها... أما التفنيد والشجب، فليس مقامهما هنا. حتى وإن كنا بطبيعة الحال نرفض تلك التمثلات العنصرية المقيتة التي نسجت حول شعبنا وتاريخه وأبطاله.

إن تفكيك آليات هذا الخطاب الكولونيالي والرغبة في فهم منطلقات تفكيره، والدواليب التي تتحكم في الطرح الإثنومركزي الذي يحركه، أنتجت في نهاية المطاف ما يسمى اليوم في الأدبيات النقدية [الدراسات ما بعد الكولونيالية]، سواء في اشتغالها على النصوص الأدبية (الرواية والسينما على وجه الخصوص)، أو في تحليل بقية أنماط الخطاب الأخرى، التي يرتسم فيها خطاب الهوية والهيمنة بوضوح.

ومحاولتنا في هذا المقام، تنطلق من الأدبيات الكولونيالية المبكرة في الجزائر، أي من رسائل وخطابات بعض الضباط والقادة العسكريين، أو حتى من التقارير السرية التي حررها عيون الاستعمار والجواسيس، ممن كانوا يتحركون في نشاط كبير زمن المقاومة التي قادها الأمير عبد القادر. وقد اعتمدنا حصريا على ما ورد منها في كتاب «الجزائر في زمن عبد القادر»، لمؤلفه مارسيل إيمريت الذي صدر في الخمسينيات من القرن الماضي (1951) وأعيد طبعه سنة 2002 في منشورات بوشان، وقمنا بترجمته إلى العربية مناصفة مع الأستاذ عبد الحميد بورايو، وأصدرناه في دار الرائد عام 2013.

وهو كتاب يضم مجموعة من المراسلات والتقارير التي رفعها ضباط فرنسيون إلى مسؤوليهم بشأن الوضع العام في الجزائر أثناء السنوات الأولى التي تلت سقوط العاصمة، فضلا عن ملاحظاتهم فيما يخص جيش الأمير وحلفائه ومدى استعداده للحرب... مما يمكن اعتباره ضمن أدبيات الجوسسة والاستطلاع.

وبصرف النظر عن صحة ما ورد فيها أو زيفه، فإننا سنهتم بمعالم الصورة العامة التي شكلها هؤلاء الرجال عن الجزائريين عامة، سواء فيما له علاقة بالحرب والإغارة والتكتيك العسكري، أو فيما له صلة عامة بالهوية الافتراضية التي يُزعم أن هذا الشعب يتحلى بها.

إن التمثلات التي سنجدها في ثنايا هذه التقارير، تشكلت في زمن المواجهة النشيطة بين الأمير والجنرال بيجو، تلك المواجهة التي يصورها إدوارد سعيد ببراعة، حين يقول :

« في محور المواجهة يوجد الكفاح المسلح. ومن بين أطرافه الأوائل الماريشال تيودور بيجو والأمير عبد القادر: الأول عسكري شديد المراس، بدأ بصرامته الأبوية لمحاولة فرض انضباط على الأهالي منذ 1836، لينتهي عشر سنوات من بعد إلى سياسة التقتيل الجماعي والسلب والنهب الشامل. والثاني متصوف ومحارب لا يكلّ، ولم يكفّ عن حشد القوات وتنظيمها لمواجهة غاز أقوى وأكثر حداثة منه. »4

إنها تمثلات ولدت في زمن استعجالي متوتر، ولكنها ليست بنت تلك اللحظة التاريخية، لأنها في الغالب إعادة إنتاج لصور نمطية مألوفة في الثقافة الغربية، بشأن العرب والبربر: تلك الصور التي تضع أمامنا شعبا ـ بل قبائل ـ متعطشة للدماء، تنقاد بسهولة للنزوات والعربدة والرذيلة. وفضلا عن ذلك فهي قليلة الرسوخ في المدنية ... إلخ

كل ذلك مألوف لدينا، فهو من المباحث الأكثر ثراء في الأدب المقارن والدراسات الثقافية على حد سواء. ما يثير الاهتمام فعلا، هو أن الخطاب العام لهذه الأدبيات الكولونيالية متناقض جدا، في منطلقاته وفي مراميه:

  • فمن جهة ثمّة ترديد لمجموعة من الصور النمطية حول هذه البلاد التي يدخلونها لأول مرة، فهي في نظرهم إقليم يغري بالغزو والاستيطان، لأنه جميل خلاب ...بل إنه يبدو لهم صورة ثانية للجنة التي يبحثون عنها.

  • ومن جهة ثانية، فإن هذا الإقليم، هو فضاء كل المخاطر والمتاعب، لأنه مأهول بناس متعطشين إلى الدماء، يكنّون حقدا دفينا لفرنسا وللنصارى، وهم همّج سفاحون ودون وازع أخلاقي يمنعهم من كبح غرائزهم الجنسية، البدائية !

وسننظر في معالم الصورة التي رسموها لهذا الإقليم قبل أن نحلل التمثلات التي حاكوها عن أصحابه.

1. صورة الإقليم

إن التقارير التي وردت في الكتاب المشار إليه هنا، تعود كلها إلى بداية الغزو، وتمتد إلى زمن معاهدة تافنة، أي إلى أوج مقاومة الأمير. وفي هذه الفترة بالذات، وعلى عكس ما نجده في أدبيات الحركة الوطنية، حول المخطط الاستعماري، لم تكن النوايا الفرنسية واضحة ومتجانسة بشأن مستقبلهم في الجزائر. ففريق منهم كان يرى أن أقصى ما يجب أن تحققه الحملة الفرنسية هو معاقبة الداي، والحصول منه على مناطق نفوذ، وامتيازات اقتصادية من شأنها أن ترضي الدوائر المالية الاحتكارية الكبرى. أما الفريق الثاني فقد كان يرى في هذا الإقليم الشاسع أرضا عذراء، من الحماقة أن تُترك «للعرب الهمّج، لأنهم ليسوا أهلا لها».!

وقد بذل الفريق الثاني كل ما لديه من طاقات، لإقناع الملك لويس فيليب بالتفكير في البقاء. كما بذل قادة العسكر جهدهم في إقناع الحاكم العام في الجزائر، بضرورة عدم الخضوع للاتفاقيات التي تقيد زحفهم إلى الداخل. ومن هذا القبيل مثلا ما نجده في التقرير الذي رفعه « ريموزات H. Remuzat »5إلى الحاكم العام بالعاصمة بعنوان« طريق الإيالة الكبير »، يصف ريموزات الطريق المؤدية من العاصمة إلى المدية، ومن العاصمة إلى وهران ويسميه « طريق الإيالة الكبير ». وكان الهدف من الوصف هو إقناع السلطة العسكرية بإمكانية الالتفاف حول معاهدة تافنة، التي تحصر الفرنسيين في أقاليم مغلقة من كل جانب. ويصف لهم الطرق الممكن سلوكها، إذا ما عزمت فرنسا على التحرك.

الأقاليم هنا ليست أراض بالمعنى التقليدي للكلمة، إنها فضاء للزحف، خريطة سيمر منها الجيش، وحتى وإن كانت مأهولة، فالأمر لا يعدّ عقبة، إذ يكفي إجلاء السكان أو إبادتهم !

إن النظرة العسكرية إلى المكان تغير طوبوغرافيته، فحيثما لا يرى الرائي سوى سهولا تصلح لزراعة الحبوب مثلا، فإن ريموزات يقول :

« عند الوصول إلى بوحلوان، لا نرى سوى السهول المتموّجة أمامنا، وهو ما يجعل استعمال المدفعية سهلا ولا تعيقه أيّة حواجز، ومهما يكن حجم قوات العدو هنا، فإنها لن تؤخر على الإطلاق زحف قواتنا ».6

إن السهول لا قيمة لها في ذاتها، بل فيما تتيحه من سهولة تحرك للقوات !

ويكرر ريموزات نفس الملاحظة بشأن طريق وهران، فيقول : « ومن تليلات إلى وهران مباشرة، وهذا الطريق جميل جدا، والأراضي التي يمرّ بها كلها تقريبا سهلية مستوية، وتلائم زحف الجيوش بسرعة . »7

أرض جميلة، منبسطة ... إنها إذن تلائم زحف الجيوش !

لم يعد الإقليم هنا أرضا، إنه مسرح قتال. إن هذه الصورة لا يمكن أن تنسجها إلا عقلية الغازي المكتسح، لأن غيره، سينتبه أكثر إلى جمال البلاد، وما يمكن أن توفره لقاطنيها من هناء ...أما ريموزات، فهو ينظر بمنظار المتربص المتأهب للقتال، فالفضاء بالنسبة إليه هو فضاء هجوم أو دفاع أو انسحاب، أو حصار...إلخ

وعلى مرّ الصفحات التي حررها هذا القائد، ذكر نحو خمسة وثلاثين اسم علم من أسماء القرى والمداشر... ولم يقل شيئا عن السكان ومعيشتهم وأحوالهم وثقافتهم ...إنه بكل بساطة ينطلق مما قاله هومي بابا : « إن (الخطاب الكولونيالي) ...حين يتجرد من مرجعيته » المدنية « المعتادة، حتى في السرد التاريخي التقليدي يلجأ إلى لغة الاستيهام والرغبة. فالخيال الاستعماري الحديث يتصور تبعياته على أنها إقليم ولا يتصورها شعبا مطلقا8

ولكن كيف يمر ريموزات عبر كل هذه الدروب التي رسم خريطتها، ولا يرى الأهالي !

إنه يتحرك وفق آلية الرغبة والاستيهام : [أفكر، فيكون الأمر كما أفكر] ...أي إنْ تجاهلتُ العقبة َالأساسية التي أمامي ـ (وهي هنا تواجد سكان في هذه الأقاليم) ـ وفعلتُ كما لو أنهم غير موجودين فعلا، فلن يعودوا موجودين حقا. ! !

إن هذه الآلية النفسية الرهيبة، مشتركة بين جميع المحتلين والمجرمين، لأنها أساسا آلية محو واستلاب.

ولكن آلية المحو والاستلاب هذه، تحتاج إلى تبرير ولو غير واع، فليس من المعقول أن يجهد المستعمر نفسه لسلب ما ليس له قيمة ... لابد أن تكون ثمة قيمة للشيء المرغوب فيه !

هنا تتحرك صورة نمطية قديمة، لتعود إلى سطح المخيال الاستعماري: إنها صورة الجنة المفقودة، تلك التي ترتسم ملامحها على شكل واحة هادئة، خضراء، ذات جو منعش وسماء زرقاء، كأنها معجزة وسط الرمال وبلاد القفار ... واحة تنسي الجنود المرتزقة، والقولون أجواء الألزاس الداكنة، وبرودة الشمال وصقيعه. إنها تلك الجنة المستهامة التي عملت على شحذ خيال رامبو ليبحر إلى عدن، وبودلير ليكتب عن سحر الشرق وعطوره.

إن إعادة إنتاج هذه الصورة يتجلى بوضوح في التقارير التي تتخلل هذا الكتاب، ففي تقرير رفعه قبطان المدفعية،

أوبياك بتاريخ 18 جوان 1844، إلى مسؤوله، الجنرال ماري، حول حملة الأغواط، يقول :

« إن مدينة الأغواط هي عاصمة الصحراء، وقد شيّدت على المرتفعات الشمالية والجنوبية لجبل يجري على ناحية الشرق منه وادي مزي...وثمة غدير تم تحويله من مجرى الوادي لسقي البساتين الرائعة التي تشبه غابتين على شمال المدينة وجنوبها، على طول ثلاثة آلاف متر. النخيل هنا كثير جدا، وتمورها جيدة، فضلا عن عسل التمر الذي يستخرج منها، أما نسغ النخل الذي يدعى «اللڤمي »  فهو عصير حلو، يتحول بعد التخمر إلى خلّ. ويُتخذ سعف النخيل لصناعة الحصائر والمظلات، بينما يستخدم خشبها في البناء. وإلى جانب النخيل نجد أشجار التين والخوخ والبرقوق والمشمش واللوز والتوت والموز بأعداد هائلة. كما نجد خضراوات متنوعة. تعتبر هذه البساتين ثروة الأغواط، ونقطة ضعفها في آن معا، لأن سكانها جد متعلقين بها، ولا يمكنهم التفريط فيها، مع أنهم غير قادرين على الدفاع عنها إذا ما هاجمتها كتيبة مثل كتيبتنا. »9

إنها جنة ...ولكن عيبها الوحيد في نظر أوبياك، هو أن أهلها غير قادرين على الدفاع عنها ! !

وليست الأغواط وحدها، هي التي ألهمته هذا الوصف، فهو يكرر تقريبا نفس الصورة المستهامة عندما يتكلم عن مدينة عين ماضي، إذ تجده يقول :

« يغذي المدينة جدول رقراق لا ينضب، وهو الذي تشكل حوله القصر الذي شيّد على ربوة عالية بعض الشيء. تصل مياه الغدير بسهولة إلى البساتين، ولكن يمكن قطعها عنها بسهولة، لأنهم عند تشييد القصر، فضلوا المنعة التي تعطيها لهم تلك الربوة، عن الاستحواذ المباشر على عين الماء ».10

هنا أيضا عيب المدينة هو أن مصدر الماء يمكن أن يستحوذ عليه الغزاة بسهولة  !

وبعد تحريك آلية الاستيهام هذه، لتحفيز الهمم، لابد من تجريد الإقليم من تاريخه، أو العبث به على الأقل. فليس معقولا أيضا أن يُستحوَذَ على إقليم له ذاكرة ومعالم في الزمان. لابد أن يبدوَ مجرد فضاء تتقاذفه الأقدار...الأغواط في نظر أوبياك [الذي يبدو أنه يعرف أكثر من المؤرخين جميعا !] مدينة في مهب الريح :

« إن الأغواط مدينة قديمة جدا، كانت فيما مضى تنتمي إلى المغرب الأقصى. ومنذ مائة عام تقريبا أصبحت تحت إمرة الأتراك. وكان باي المدية هو الذي يشرف عليها، وقد خاض عدة حروب ضد أهلها، وكانت الحرب بينهم سجالا. ثم أصبحت تحت سيطرة باي وهران، لتعود في النهاية إلى باي المدية. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت بين يدي آغا الجزائر العاصمة، وهي تدفع له إتاوة محدودة جدا. »11

وكأنه يريد أن يضيف، فما المانع أن تصبح ألان في أيدي الفرنسيين !

بعد كل هذا كيف لنا ألاّ نتساءل مع هومي بابا حين قال:

« كيف لنا أن نؤرخ ما هو منزوع التاريخ؟ وإذا ما كان الماضي بلدا أجنبيا كما يقولون، فما الذي يعنيه إذن أن تقع على ماض هو بلدك، وقد أعاد الآخرون تصنيفه الإقليمي، بل وإرهابه؟ »12

نفس الصورة الاستيهامية نجدها في تقرير ليون روش حول وضعية السلطنة سنة 1839 مقتطف من سيرة عبد القادر، إذ نجده يصف المدخل إلى مدينة توڨـرت قائلا:

«في اليوم الثالث ندخل أراضي رملية، تقابلنا فيها واحات كثيرة زاخرة بأشجار الفاكهة، والتمور الجيدة على الخصوص. وبعد رحلة يوم كامل قريبا بين بساتين خلابة، يكون الوصول إلى توڤرت. »13

يمكن أن نمضي في سلسلة من الإحالات إلى مثل هذه الصور الاستيهامية، فهي مبثوثة هنا وهناك في ثنايا الكتاب المشار إليه. وهي في أصلها صور تعيد إنتاج «البطاقة البريدية» التي تختزل الإقليم إلى فضاء مشمس، هادئ وخصب، كنقيض لبلاد الشمال الباردة الكئيبة. وبصرف النظر عن الافتتان الحقيقي الذي وقع تحت تأثيره الوافدون الأوائل من المعمرين، فإن المنطلق الأساسي هو الاستيهام الذي كان يحركهم قبل الغزو، لأنه يحيل أساسا إلى الصور الرومانسية التي تزخر بها آداب القرن التاسع عشر في فرنسا وفي الغرب عموما. أو حتى في اللوحات التي شكلت تراث الاستشراقيين من أمثال دولاكروا، أو حتى بعض الانطباعيين من عشاق النور والضياء الذي يفتقدون إليه في بلدانهم التي لا تفارقها الغيوم الداكنة والسماء الملبدة طوال العام !

وهي نفس الصورة لإقليم الضياء والشمس والبهاء التي نجدها مبثوثة في كتابات ألبير كامي ومن سبقه من روائيي مدرسة الجزائر [les Algerianistes]. أي تلك الصورة التي تقدم لنا فضاء بلا سكان ولا ذاكرة، أو في أحسن تقدير فضاء مرشحا لقدر جديد ليس قدره المألوف منذ قرون، وهي من رواسب الخطاب الرومانسي الذي بدأ منذ القرن الثامن عشر وقرن الأنوار، بالحديث عن الشرق المستهام، والمتوحش الطيب، والبدائي البريء، والروحانية المشرقة لأرض الأنبياء، والواحات الهادئة الغارقة في شلال الضوء والحرارة ...

2. صورة الجزائريين

تظهر معالم هذه الصورة، في صُنافة الأوصاف والنعوت الجاهزة المترددة على صفحات التقارير العسكرية والاستخبارية، فسواء تعلق الأمر بنعت رجل بدوي أو شيخ قبيلة، أو فارس محارب، أو فقيه، أو امرأة ...تنفلت دوما نعوت اختزالية أو هجائية مكشوفة ...

قد يقول قائل، إننا هنا في زمن الحرب، ومن المعروف أن العسكر لا يتورعون في استعمال لغة نيّئة، ولا يبالون بالبذاءة، وهذا ليس خاصا بالغرب، فليكن...ولكن جذور الخطاب الذي نشير إليه هنا، ليس وليد الثكنات وأجواء الحرب والغارات المتبادلة بين جحافل بيجو وفرسان الأمير، إنها أعمق من ذلك بكثير. إنها في قلب الإيديولوجية الكولونيالية ذاتها.

ولعلّ أول صورة تفرض نفسها في تلك الأدبيات، على اختلاف مصادرها، هي صورة الأمير عبد القادر التي لا تبدو أبدا في مركزها اللائق بها، فهو هنا مجرد شيخ أو حاج أو زعيم قبيلة، لديه بعض الطموحات لقيادة القبائل البدوية، لمواجهة جحافل بيجو...إنه بالكاد ينال شرف الخصومة، إنه ليس الند والغريم ولا حتى العدو بكل ما تحمله كلمة عدو من معاني التكافؤ والتحدي...وقد تفطن مصطفى لشرف إلى مثل هذا الأمر، ولخّصه بدقة، فقال:

« يوصف الأمير في هذه التقارير والأدبيات المقيتة ...بأوصاف ضيقة واختزالية، إنه : محارب ـ قائد بدوي ـ مرابط يحارب النصارى أو يتفاوض معهم...كلها أوصاف احتقارية ملتبسة، أو رامية إلى أهداف خفية. »14

إن التقليل من شأن الأمير، وهو قائد المحاربين الجزائريين كلهم في تلك الأثناء، يرمي بالدرجة الأولى إلى التقليل من شأن الشعب الجزائري نفسه : فإذا كان الأمير مجرد شيخ قبيلة، أو زعيم طريقة، أو محاربا بدويا، أو حاجّا، فمعنى ذلك أن جيش المحاربين والمقاومين على حد سواء، هم شتات من البدو، أو فلول من قبائل غير متجانسة، أو قرويون غاضبون، وهم في كل الأحوال ليسوا شعبا يحارب من أجل قضية عادلة.

بعد الأوصاف والنعوت العامة التي تقلل من شأن الدرجة الرسمية التي من حق الأمير أن يتمتع بها 15، تأتي سلسلة من الأوصاف، في شكل حقائق تاريخية مزعومة، أو ثابتة، الهدف منها تجريد الأمير من أي طموح وطني، أي إظهاره في مظهر بائس لا يليق بمن يدّعي مركز القيادة العليا للوطن.

من خلال سرد بعض الوقائع التاريخية [التي لا نمتلك عليها وثائق مؤكدة لا يطالها الشك يعمد كتاب التقارير إلى رسم صورة قاتمة للأمير : فهو حقود لا يرحم خصومه، ولا يشفق عليهم حتى عندما يركعون تحت قوائم فرسه. ولا حاجة لنا أن نطيل في عرض تلك المزاعم كلها. يكفي أن يدرك القارئ أن الأمير الذي نجده في ثنايا تلك التقارير أرحم على الفرنسيين، منه على الجزائريين. ففيما يبدو الأمير دبلوماسيا لبقا مع خصمه بيجو، ويكلف نفسه عناء مخاطبته بكل صيغ اللباقة والاحترام، وفيما يبدي تبجيلا للملك لويس فيليب...نجده بلا رحمة إزاء خصومه من شيوخ القبائل أو الطرق الدينية. فهنا قتل فلانا تحت قوائم فرسه، وهناك قطع رأس شيخ، وهناك أحرق محاصيل قبيلة...وأخيرا دمّر مدينة عين ماضي عن آخرها ونسفها بالمدافع بمساعدة الفرنسيين ! !

إن الصورة النهائية التي ترتسم في مخيلة القارئ غير المتمرس بالأدبيات الكولونيالية، هي صورة رجل بدوي طموح، مولع بلعبة الحرب والقيادة، يريد أن يؤسس لنفسه دولة لا شرعية لها... !

ولكن، حتى في ثنايا هذه الصورة، يجد الخطاب الكولونيالي نفسه منذورا للتناقض والارتباك : فإذا كان خصم فرنسا مجرد شيخ قبيلة، وإذا كان المحاربون مجرد بدو وقرويين غاضبين، فكيف استطاعوا أن يلحقوا هزائم عديدة بفرنسا، وكيف أرغموها على توقيع معاهدة التافنة، التي تبدو بالنسبة إلى كتاب التقارير العسكرية، اتفاقية مهينة لفرنسا !

من أجل تفادي هذا التناقض الضمني، يحاول بعض كتاب التقارير أن يستدركوا الأمر، فيرسمون لنا صورة أخرى للأمير أكثر انسجاما مع طبيعة الصراع ...فجأة يتحول الخصم من مجرد شيخ قبيلة أو بدوي محارب، إلى رجل علم، بل إلى شاعر رقيق، وقائد محنك : ففي فصل خصص للصراع القائم بين الطرق الدينية، يشير صاحب الكتاب( مارسيل إيمريت) إلى أن عبد القادر لم يكن مجرد محارب بسيط، بل :

« وقد ترك الأمير عبد القادر مثلا، أشعارا لا تخلو من أهمية، يتغنى فيها بأمجاده الحربية، ولكنه يبدو أيضا فخورا بعلمه، ومعرفته التقاليد المحمدية، والنحو والشريعة. وعلى الرغم من جهله الكبير بالعلوم والتاريخ، فهو يعرف كيف يجد الكلمة المناسبة للتعبير عن مشاعر الصداقة وشعر الصحراء. »16

ونجد بعد ذلك نفس الاضطراب في الخطاب الكولونيالي، بشأن السكان أو الأهالي بشكل عام :

فمن جهة، نعثر على نفس الكليشيهات العتيقة التي يظهر فيها العرب أصحاب حقد دفين وبغضاء تنخر صدورهم، وهوس كبير بالجنس والشهوانية، والميل إلى الدسيسة، وقطع الطرق وممارسة اللصوصية، والتعطش إلى الدماء، والتعصب.

ومن جهة أخرى، ينسب إليهم نفس الخطاب الكولونيالي القدرة على تشييد المدن الجميلة، واستنبات واحات خضراء في منتصف الفلوات القاحلة ...كما يذكر أن لهم في عز مجدهم مدارس وعلوما ... !

بالنسبة إلى الصورة النمطية الأولى، من اللافت للانتباه أن اللغة ذاتها تصبح آلية في إنتاج الخطاب الكولونيالي، فبدلا من توظيف القاموس التقليدي الذي تتيحه اللغة الفرنسية، يلجأ أصحاب التقارير إلى استحداث لغة جديدة، فبدلا من أن يوصف الحقد ـ وهو صفة إنسانية موجودة عند كافة الشعوب ـ بأنه عميق، أو دفين، أو بلا حدود، أو وحشي ... فإنهم فضلوا وصف هذا الحقد مرارا بأنه عربي ... [une haine arabe] ! ! ! فهل يوجد حقد فرنسي وآخر ألماني وآخر روسي مثلا ... كلا ... الحقد عربي !

بعد الحقد، تأتي أوصاف أخرى تؤكده، فالخطاب هنا ينسى أو بالأحرى يتناسى أن هؤلاء «الحاقدين» لم يطلبوا شيئا من أحد، ولم يغزوا فرنسا في عقر دارها، بل وقعوا ضحايا لجحافلها الزاحفة عبر المدن والقرى في زمن عبد القادر... ! ومع ذلك يصر كتاب التقارير بأن هؤلاء العرب، البدو والحضر على حد سواء، متعطشون إلى سفك دماء الفرنسيين ... ففي تقرير حول مهمة الدكتور فارنيي لدى عبد القادر، كتب فارنيي حول تفاصيل مقتل أحد الضباط قائلا: «وانتهى إلى الاعتقاد بأن زكّار قد ألّب عليه العرب ووعدهم برأسه، وأنه عند أول فرصة سيرسل بالقنصل إلى جماهير العرب المتعطشة إلى الدماء المسيحية:17 » !

أجل هكذا... جماهير العرب المتعطشين إلى الدماء المسيحية ...كيف لا وسفك الدماء من شيم هؤلاء الهمّج ! وفي نفس الوقت، هي دماء مسيحية، فلم تعد المسيحية ديانة، يمكن حتى للجزائريين اعتناقها، بل هي عرق ورابطة دموية ! إن الخطاب الكولونيالي، يفكك الهويات ويعيد تركيبها كيفما شاء ...

ثم ماذا بعد الدماء ...العرب أيضا في هذه التقارير لصوص بالفطرة...فالأوصاف التي خُصّت بها عدة قبائل مثل : الغرابة، والسبخة، وحجوط...ليس شيئا آخر سوى « اللصوصية وقطع الطرقات، والنهب... » وهي كثيرة جدا بين طيات تلك التقارير... !

ليس غريبا أن يبتدع الخطاب الكولونيالي حقائقه التاريخية والأنثروبولوجية...فحين ينسب اللصوصية والسرقة إلى هؤلاء، فإنما يحاول تبرير لصوصية الغزاة أنفسهم، وكأنه يقول ضمنيا : هؤلاء لصوص بالفطرة، وبالتالي فالاعتداء عليهم ونهب ما ينهبونه من غيرهم، هو في المحصلة عمل مشروع، لا يخجل منه أحد !

إن الخطاب الكولونيالي، يقذف بمسلماته أحيانا بنوع من اليقينية المربكة للقارئ، ليمنع أية محاولة تأمل واعية وعقلانية. فبخصوص الممارسات الجنسية مثلا، يقول التقرير المشار إليه آنفا، حول مهمة الدكتور فارنيي لدى عبد القادر...بأن اللواط شائع في الأوساط العربية... [شائع !] والشيوع يعني أنه ليس ممارسة شاذة أو استثنائية...كلاّ، إنه من أعرافهم !

هنا نجد أنفسنا بصدد الصورة النمطية التي حيكت حول الزنوج وبهيميتهم المزعومة، وميولهم الشهوانية المفرطة...يكفي أن نزيح كلمة « زنجي »، ونعوضها بكلمة « عربي »... إنها نفس الصورة التي ستتكرر عقودا من الزمن بعد ذلك في كتابات أندري جيد مثلا 18 : صورة الشهوانية الشاذة والغرائز المجنونة...فهل كان كاتب التقرير يعبر عن استيهام دفين، يود تحقيقه في الجزائر !

في الغالب، تشكل الاستيهامات حول الجنسانية الشاذة، والحريم، والحمّامات، واللواط والممارسات المثلية والسحاقية التي تزخر بها أدبيات بداية القرن الكولونيالية، نوعا من تحرير الشياطين الكامنة في أعماق الكولون ومن لفّ لفهم من شذاذ الآفاق الذين جاؤوا إلى الجزائر من أجل المغامرة.

وفي هذا الشأن يجب أن نشير إلى أن أضغاث هذا الاستيهام الجنسي حول الممارسات المزعومة للجزائريين، تكررت في نفس التقرير، بشأن حادثة مثيرة، هي الخيانة الزوجية المزعومة لزوجة الأمير مع عشيق لها، وما ترتب عنها من سعي الأمير إلى الثأر من الخادمين الزنجيين الذين لعبا دور الوسيط في تلك العلاقة... ! 19

هنا نجد أنفسنا أمام إعادة إنتاج نفس الواقعة التي انبنت عليها ألف ليلة وليلة، إنها فكرة خيانة شهرزاد زوجها شهريار. وكأن المخيال الغربي لا يتصور علاقة عفيفة بين أمير وزوجته ! فمادام الأمر يتعلق بأمير، فلابد من حريم، ولا بد من خيانة وممارسات جنسية شاذة...وأخيرا لابد من دور للخادمة الزنجية !

إننا أمام بناء ثابت ومسبق لهوية الشرقي، العربي، ولا حاجة إلى البحث والتثبت واليقين، فالأمر واضح، وهم يعرفون عن هذا العربي كل شيء، وما يعرفونه يقين لا يشوبه ريب !، تماما مثلما قال هومي بابا :

«يمثل اعتماد الخطاب الكولونيالي على مفهوم «الثبات» في البناء الإيديولوجي للآخرية، altérité سمة هامة من سماته...ومثل الثبات، فإن الصورة النمطية التي تمثل استراتيجيته الخطابية الكبرى هي شكل من المعرفة. وتعيين الهوية، يتأرجح بين ما هو في مكانه على الدوام، معروف مسبقا، وبين ما ينبغي تكراره على نحو قلق...كما لو أن الخطاب عاجز عجزا دائما في حقيقة الأمر عن البرهنة على ذاك النفاق الجوهري لدى الأسيوي، أو ذاك الفجور الجنسي البهيمي لدى الإفريقي، مما هو واضح لا يحتاج إلى برهان. »20

إن الصورة النمطية المشكلة من : الحقد والبهيمية والتعطش لسفك الدماء، واللصوصية، تؤدي في نهاية المطاف إلى توليد نوع من الرُّهاب، الذي يفضي بالغربي الكولونيالي إلى نوع من الجنون... ! أجل إلى نوع من الجنون، ولتأكيد هذا الزعم، سنورد فيما يلي واقعة طريفة، حرفيا كما جاءت في تقرير فارنيي الذي أشرنا إليه من قبل :

« وذات يوم، في موعد العشاء، دخل الرائد وعلامات التوتر بادية على أقصاها، وأخذ سكينا وانقضّ على الترجمان. ولم يتمكن الدكتور من احتوائه والاستيلاء على سلاحه، إلا بشق الأنفس. ومع ذلك، فلم يفلح في تهدئته. إذ تواصل المشهد بعنف أكبر. وأمر الرائد الترجمان بأن يستلقي على زربية، ثم بدأت عملية احتضار معنوية مأساوية بالنسبة إلى الترجمان المسكين، لا يماثلها سوى ما يشعر به المحكوم عليه بالإعدام ساعة صعوده إلى المشنقة: كان الرائد يحمل مسدسيه، وعلامات الشرود بادية في عينيه، والشتائم تتدفق من فمه، وهو يهدد الترجمان، ويقول له بأن ساعته الأخيرة قد حانت. كان يخيّل إليه في كل لحظة بأن العرب الذين ألـّبهم زكار قادمون للفتك به، وأنهم لا ينتظرون سوى إشارة منهم ليقتحموا المكان. كان الدكتور فارنيي يحاول تهدئته، دون جدوى...ولم يكن استعمال القوة ممكنا معه، لأنه بلغ حالة من الجنون، وكان مدججا بالسلاح، ويهدد بقتل كل من يحاول الاقتراب منه. [التشديد من عندنا] عند انتصاف الليل تقريبا، قال الرائد، بأن ساعة الهجوم المتوقع قد فاتت، فأمرَ الدكتور بأن ينام في زاوية من زوايا الغرفة، بينما هو بقي مستلقيا إلى جانب الترجمان. وبقيا معا بلا حراك. ويبدو أن الرائد انحنى على جسد الترجمان وهو ممدد، ثم وضع فوهة مسدسه الأول على عين الترجمان، وفوهة الثاني على رأسه هو، ثم ضغط دفعة واحدة على الزنادين، فانطلقت الرصاصتان في نفس الوقت وقتلتهما معا ! ... كان منظر الجثتين المتعانقتين في بركة من الدماء، إلى جانب النار التي اشتعلت في شاش الترجمان بعد إطلاق النار، منظرا مريعا... يذكر من يراه بمنظر الجثث في خنادق الحرب »...21

هذا الرائد الذي أصيب بنوبة جنون، وقتل الترجمان وانتحر معه، كان يدعى مونونفيل، وهو ضابط سام في الجيش الفرنسي، وكان على خلاف واضح مع الجنرال بيجو، لأنه أدرك أن الجنرال يتفاوض سريا مع عبد القادر، ويناور من أجل مصلحته الشخصية، وليس من أجل فرنسا وحدها. أما جنونه الطارئ، فمردّه وفق التقرير هو خوفه المريع من هجوم العرب المتعطشين للدماء، عليه في معسكره. وشعوره بأنه متورط في لعبة قذرة...

إن الرعب هنا ليس متولدا من خوف موضوعي، بل من تضخيم ذهني لصورة نمطية، رسخت في مخيلة الرائد، وأكدت له بأن العربي سفاح متوحش، وسيفتك به في جوف الليل...إن هذه الحادثة جديرة بأن توجد على صفحات أدبيات الطب العقلي، لينظر فيها مختص بنفس ذكاء فرانتز فانون والتزامه.

ولئن كان الرائد مونونفيل الذي تشبع بالصور النمطية الوحشية عن العرب، قد انتهى إلى الجنون والانتحار، فإن ضابطا آخر هو الدكتور فارنيي نفسه، قد تمكن من إدراك مدى توهمه وإجحافه في حق هؤلاء الأهالي الذين اعتقد أنهم سفاحين، أو همّجا ...

وهنا أيضا سنورد تفاصيل الحادثة التي أدت إلى ذلك، حرفيا كما وردت في تقرير مهمة فارنيي...وهي تتعلق بمرض ابن الأمير عبد القادر الوحيد، وكيف استنجد بالطبيب الفرنسي فارنيي...

 : [كان الوضع دقيقا وحرجا للغاية. والدكتور فارنيي يعلم بأنه إن مات الطفل بين يديه، وأنه لو حامت حوله شكوك ما بشأن الدواء الذي سيمنحه إياه، فسيُتّهم حتما بتسميم ابن الأمير عبد القادر. لذاك، اتخذ كل إجراءات الحيطة والحذر التي تقتضيها الحال. ولم يستعمل في علاجه إلا المواد المستحضرة من طرف العائلة نفسها. وكان الحاج دلالي أمين مال الأمير إلى جانب كافة الخدم الآخرين شاهدين على كل شيء...وانصرف الدكتور في النهاية، بعد أن شكرته العائلة. في اليوم الموالي تحسنت أحوال الطفل المريض، وبعد ثلاثة أيام، غادر الفراش. وفيما كنا فرحين بهذا النجاح غير المتوقع، وصل بريد آخر يخبر الدكتور بأن حالة الولد قد ساءت من جديد، وأنه في خطر. بالفعل، فعلى الرغم من تعليمات فارنيي الصارمة فيما يتعلق بنظام التغذية، فإن الأم لم تكن حذرة بما فيه الكفاية، وتركته يتناول التفاح على اعتبار أنه فاكهة محبوبة لدى الجزائريين، وتسببت صعوبة هضمه بظهور أعراض تنذر بالخطر. من النظرة الأولى، رأى فارنيي بأن الولد ميؤوس منه، ولكنه وصف له دواء ضروريا في مثل تلك الحالة، ولكن الأم رفضت إعطاءه للولد. اضطر الدكتور حينئذ إلى الانسحاب. بعد مرور اثني عشر ساعة، أتوْا ليخبروه بأن الأم قبلت أخيرا بتقديم الدواء لولدها، فرجع الدكتور ثانية، على الرغم من يأسه من الشفاء. وبالفعل، فقد توفي الولد لحظات بعد وصول الدكتور إلى القرية.

كان العلاج الذي وصفه الدكتور ببساطة يتمثل في غسيل بحقنة شرجية، ورفض الأم يُفسّر بكون اللواط شائعا في الأوساط العربية، وبالتالي قد يتسبب ذلك في منابزة الولد بألقاب وصفات مسيئة، لها علاقة بطبيعة ذلك العلاج. وحين عرف الدكتور بأن الأم قد قبلت أخيرا بالعلاج، أخذ معه الأداة الخاصة بذلك الأمر، وامتطى جواده وانطلق. ولكم أن تتصوروا هذا الدبلوماسي، مبعوث فرنسا، وهو يجوب سهول أغريس بزيّه العسكري، وسيفه وحقنته الشرجية يتدليان على محمله ! وليست هذه الواقعة أغرب ما أثّر في مهمة الدكتور فارنيي لدى عبد القادر.

عند ذيوع خبر الوفاة، خيّم جو من الذهول والحزن على ضيوف الخيمة. كيف سيقولون للأمير، وهو في أرض بعيدة، بأن ابنه الوحيد قد مات؟ وكيف ستتلقى الأم التي كانت مستلقية هناك إلى جانب الولد، هذه الضربة القاضية؟ ...تكفل الدكتور بنفسه بتبليغها الخبر الصاعقة، أيقظها، وخاطبها بصوت مختنق : « كان الله قد وهبك ولدا، وها هو الآن يأخذه. » نظرت إليه الأم الشابة، وكتمت ألمها، وقالت : « الله أراد، فلتكن مشيئة الله. » ثم أخذت يد الدكتور، وقبّلتها في رفق، وكأنما تريد أن تشكره على عنايته. كل شيء في تلك الخيمة كان يوحي بالغرابة والجدية في آن واحد : منظر الخيمة وقد تمدد في وسطها جثمان الولد الذي كانت تعلّق عليه آمال شعب بأكمله، الأنوار المتلألئة الخافتة التي كانت تلقي بها المشاعل القليلة في المكان، الخدم الذين تظهر عليهم علامات الأسى والفجيعة وتنطلق من حناجرهم المختنقة ابتهالات إلى الله القادر الجبار، تلك الأم الحسناء في صبرها واستسلامها، ذاك الغريب الذي تلقى من العائلة تبجيلا صامتا، وقد يُتّهم في الغد بقتل الولد. انسحب الدكتور بسرعة، مفكرا فيما يمكن أن ينجرّ على هذا الحادث من عواقب. في اليوم الموالي، حضر آلاف من الفرسان العرب لمرافقة جثمان ابن زعيمهم المبجّل إلى مثواه الأخير. وقد حظر الرائد فارنيي مراسيم الدفن. ولم يخطر على بال أحد من الأهالي أن يشك في الطبيب الفرنسي، خاصة حين رأوا عرفان الأمير وعائلته بجميل الدكتور وإخلاصه22

لنعد الآن إلى تفاصيل الصورة النمطية هنا : لدينا طبيب فرنسي، يقبل بعلاج ابن الأمير...ولكنه يخاف أن يفتك به العرب وفرسان الأمير، إنْ هو لم يفلح في إنقاذ الولد...لأن الظروف كانت ظروف حرب ودسائس، ومن جهة أخرى فالولد هو ولي العهد، أي حامل لواء الإمارة في المستقبل، بعد وفاة الأمير ! !

بعد الوفاة، خرج الطبيب من الخيمة، وفي ذهنه كل الصور البشعة عن « الحقد العربي » و « التعطش إلى الدماء المسيحية » وفي النهاية : لا شيء...الأم تقبل بمشيئة الله، وآلاف الفرسان يحضرون تشييع جثمان الولد...والجميع معترف بجميل الدكتور...ولم يدر في ذهن أحد أن يتهم الطبيب الفرنسي بقتل الولد !

إن الأحكام المسبقة التي تنتج من صور نمطية موغلة الرسوخ في الذهنية الكولونيالية، كما رأينا قد تؤدي إلى الجنون والتوتر الحاد...ولكن في حالة فارنيي، أدت إلى مفاجأة سارة...ولكن هل اتعظ الدكتور، وتخلى عن أوهامه الكولونيالية...ذلك ما لا نستطيع الجزم به.

إن الخطاب الكولونيالي، واعتماده الحصري على الصور النمطية والكليشيهات الاستشراقية، يرمي في نهاية المطاف إلى نوع من الاستلاب الجوهري...إنه يسرق إنسانية « الأهالي » ، أو كما قال فرانتز فانون : 

« سلوك المستعمر هذا ينمّ على عزم على التشييء والتقييد والحبس والقسوة. فعبارات مثل : « أعرفهم »، و« تلك هي حالهم »، تبين هذا التشييء الأقصى، وقد تحقق بنجاح... ثمة من جهة أولى ثقافة يمكن أن نتبين فيها خصائص الدينامية والنماء والعمق، في حين نجد قبالتها [في الثقافات الكولونيالية] ملامح وغرائب وأشياء، لكننا لا نجد بنية أبدا. »23

هكذا، يمكّننا البحث في الصور النمطية من إدراك منطلقات التفكير التي كانت تحرك السلوك الاستعماري، ولكن الأهم هو أنه يسمح لنا بفهم هذا الآخر، الذي هو الغرب، دون أن نقع في نفس الصور النمطية التي نشكو من وطأتها علينا، وفي هذا فإن إدوارد سعيد على حق حين يقول : «إن دراسة العلاقة بين الغرب وغيره من المهيمن عليهم، ليست فقط وسيلة لفهم العلاقة غير المتكافئة بين بين متحاورين غير متكافئين، بل أيضا وسيلة للولوج إلى تحليل كيفية تشكل الممارسات الثقافية الغربية ودلالاتها..»24.

خاتمة

وفي الأخير يتجلى لنا أن الصمر النمطية التي نسجت عن الجزائر أرضا وشعبا وحضارة، لا تؤثث الخطاب الأدبي التخييلي فحسب (الرواية والشعر) بل تتسرب إلى ثنايا الخطاب التاريخي الذي يزعم أنه خطاب علمي توثيقي، ذلك أن منتجي هذا الذي يدعى تاريخا أو تقارير تاريخية عسكرية، ليسوا باحثين محايدين، فهم في أغلب الحالات من الفاعلين في حركية الأحداث، ومارسيل إيمريت بتوخيه الحذر إزاء كل ما اطلع عليه من وثائق، استطاع أن يضع بين أيدينا الأدبيات العسكرية في شكلها الخام، أي دون تأويل ملتبس أو إعادة كتابة مؤدلجة. وهو ما سمح لنا اليوم أن تقف بما لا يدع مجالا للريب على حقيقة الخطاب الكولونيالي المبكر، ذلك الخطاب العنصري، المبني أساسا على استيهامات خرقاء بشأن الجزائر والجزائريين، وعلى صور نمطية جاهزة واحكتم مسبقة، لا وظيفة لها سوى محاولة تبرير الاستعمار بكل تجلياته البشعة.

1 ـEdward.W.Said: Culture et impérialisme، traduit de l'anglais par Paul Chemla. Les Editions Apic, Alger, 2010,

2 باجو دانييل هنري، الأدب العام والمقارن، ترجمة د. غسان السيد، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1997، ص 85.

3 سعيد إدوارد، القلم والسيف، ترجمة توفيق الأسدي، دار كنعان، دمشق ط1 1998. ص 60.

4 ـEdward Saïd: Culture et Impérialisme، traduction Paul Chemla ; Editions Apic. Alger 2010 : 24.

5 Arch .Nat .F80 1671 رقم تحت الفرنسي الأرشيف في موجود هو و

6 Marcel Emerit, L'Algérie au temps d’Abdelkader. Éditions La rose. Paris 1951. P.47.

7 نفس المرجع، ص 51.

8 هومي ك. بابا: موقع الثقافة ـ ترجمة ثائر ديب، المركز الثقافي العربي ـ الدار البيضاء ـ المغرب. ط 1. 2006. ص 183.

9 قبطان المدفعية أ. أوبياك بجيش إفريقياـ قسم الجزائر فرع المديةـ تقرير حول حملة الأغواط في ماي ـ جوان 1844 بقيادة الجنرال ماري.A.G.G.A.، E191(2)

10 نفس التقرير السابق، وقد ورد في كتاب مارسيل إيمريت المشار إليه آنفا، ص 57.

11 نفس المصدر السابق، ص 62.

12 هومي بابا: نفس المرجع السابق، ص 336.

13 حررت هذه المذكرة بتعاون مع بيرْبْروغَرْ (Léon Roches, 32 ans à travers l’Islam ,t1, p.414 Cf.) ، وقد سُلّمت إلى تييرْ الذي أرسل نسخة منها إلى وزارة

14 Lacheraf (Mostefa): Des noms et des Lieux. Casbah Editions, Alger ; 1998: 16.

15 يمكن أن نستثني من تلك التقارير ما كتبه ليون روش، إذ يلقب الأمير في معظم الأحيان بالسلطان، ومعروف بأن ليون روش كان على علاقة طيبة بالأمير، بل إن

16 Marcel Emerit، op cité، p 70>

17 F801673 ـ نص التقرير كاملا، في كتاب إيمريت المذكور آنفا، ص 64، وهو من الأرشيف الوطني الفرنسي

18 ـ نشير هنا إلى رواية أندري جيد [l'immoraliste]، وقد صدرت سنة 1902 وبطلها ميشال، باحث فيلولوجيا، يأتي إلى الجزائر لينغمس في عالم الفجور والعلاقات

19 ـ تفاصيل هذه القصة في كتاب إيمريت المذكور آنفا، في فصل يحمل عنوان "مهمة الدكتور فارنيي لدى عبد القادر". ص 78 وما بعدها.

20 هومي بابا مرجع سابق ص135

21 مارسيل إيمريت، مصدر سابق، ص 85

22 نفس المصدر السابق، ص 92 وما بعدها.

23 ـ فرانتز فانون Racism and culture: نقلا عن هومي بابا، المرجع السابق، ص 162.

24 277 ص سابق مرجع سعيد. إدوارد

باجو، دانييل هنري. (1997). الأدب العام والمقارن (ترجمة د. غسان السيد). منشورات اتحاد الكتاب العرب.

سعيد، إدوارد. (1998). القلم والسيف (ترجمة توفيق الأسدي). دار كنعان.

بابا، هومي ك. (2006). موقع الثقافة (ترجمة ثائر ديب). المركز الثقافي العربي.

Emerit, M. (1951). L’Algérie au temps d’Abdelkader. Paris : Éditions La Rose.

Lacheraf, M. (1998). Des noms et des lieux. Alger : Casbah Editions.

Said, E. W. (2010). Culture et impérialisme (traduit de l’anglais par P. Chemla). Alger : Les Editions Apic.

Said, E. W. (1998). Al-qalam wal-sayf (trans. Tawfiq al-Asadi). Damascus : Dar Kanaan.

.

1 ـEdward.W.Said: Culture et impérialisme، traduit de l'anglais par Paul Chemla. Les Editions Apic, Alger, 2010,

2 باجو دانييل هنري، الأدب العام والمقارن، ترجمة د. غسان السيد، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1997، ص 85.

3 سعيد إدوارد، القلم والسيف، ترجمة توفيق الأسدي، دار كنعان، دمشق ط1 1998. ص 60.

4 ـEdward Saïd: Culture et Impérialisme، traduction Paul Chemla ; Editions Apic. Alger 2010 : 24.

5 Arch .Nat .F80 1671 رقم تحت الفرنسي الأرشيف في موجود هو و

6 Marcel Emerit, L'Algérie au temps d’Abdelkader. Éditions La rose. Paris 1951. P.47.

7 نفس المرجع، ص 51.

8 هومي ك. بابا: موقع الثقافة ـ ترجمة ثائر ديب، المركز الثقافي العربي ـ الدار البيضاء ـ المغرب. ط 1. 2006. ص 183.

9 قبطان المدفعية أ. أوبياك بجيش إفريقياـ قسم الجزائر فرع المديةـ تقرير حول حملة الأغواط في ماي ـ جوان 1844 بقيادة الجنرال ماري.A.G.G.A.، E191(2)

10 نفس التقرير السابق، وقد ورد في كتاب مارسيل إيمريت المشار إليه آنفا، ص 57.

11 نفس المصدر السابق، ص 62.

12 هومي بابا: نفس المرجع السابق، ص 336.

13 حررت هذه المذكرة بتعاون مع بيرْبْروغَرْ (Léon Roches, 32 ans à travers l’Islam ,t1, p.414 Cf.) ، وقد سُلّمت إلى تييرْ الذي أرسل نسخة منها إلى وزارة الحربية.

14 Lacheraf (Mostefa): Des noms et des Lieux. Casbah Editions, Alger ; 1998: 16.

15 يمكن أن نستثني من تلك التقارير ما كتبه ليون روش، إذ يلقب الأمير في معظم الأحيان بالسلطان، ومعروف بأن ليون روش كان على علاقة طيبة بالأمير، بل إن الفرنسيين اتهموه بأنه عميل له ضد فرنسا!

16 Marcel Emerit، op cité، p 70>

17 F801673 ـ نص التقرير كاملا، في كتاب إيمريت المذكور آنفا، ص 64، وهو من الأرشيف الوطني الفرنسي

18 ـ نشير هنا إلى رواية أندري جيد [l'immoraliste]، وقد صدرت سنة 1902 وبطلها ميشال، باحث فيلولوجيا، يأتي إلى الجزائر لينغمس في عالم الفجور والعلاقات الشاذة، وتدور الرواية كلها في أجواء الحريم والغلمان والمغامرات الليلية...انظر التعليق الذي كتبه بشأنها إدوارد سعيد في «الثقافة والإمبريالية «، مرجع سابق ص 278.

19 ـ تفاصيل هذه القصة في كتاب إيمريت المذكور آنفا، في فصل يحمل عنوان "مهمة الدكتور فارنيي لدى عبد القادر". ص 78 وما بعدها.

20 هومي بابا مرجع سابق ص135

21 مارسيل إيمريت، مصدر سابق، ص 85

22 نفس المصدر السابق، ص 92 وما بعدها.

23 ـ فرانتز فانون Racism and culture: نقلا عن هومي بابا، المرجع السابق، ص 162.

24 277 ص سابق مرجع سعيد. إدوارد

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article