مقدمة
في أواخر القرن الماضي، تنامى الوعي العالمي بقضايا المساواة، التمكين، والديمقراطية، وعرفت مساعي تكريس حقوق المرأة مسارا طويلا لعبت فيه المنظمات الدولية والإقليمية دورا بارزا في محاولة إرساء مجموعة من الضمانات للنهوض بأوضاع النساء حول العالم؛ على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي بادئ الأمر، لتتبلور بعد ذلك المطالب نحو إرساء دعامة متينة تهيئ للمرأة فرص المشاركة السياسية عبر مختلف الآليات المعمول بها، بحيث نصّت عديد الاتفاقيات على ضرورة إقرار مبدأ المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات ضمانا وحفاظا على الكرامة الإنسانية للمرأة، وصادقت أغلب الدول على صكوك دولية تُعنى بضمان حقوق الإنسان، لاسيما تعزيز حقوق المرأة، وأدرجتها في دساتيرها، وأنشأت آليات وطنية لدعم مشاركتها في شتّى المجالات، في ظل شراكة تنظيمات المجتمع المدني للنهوض بها.
وإذا ما حوّلنا أنظارنا نحو منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط نجد بروز نشاط ملحوظ للمنظمات النسوية، التي تلعب دور فعالا على الساحة الإقليمية في محاولة منها لتحسين أوضاع المرأة الأوروبية، وتتناول هذه الدراسة عددا من محاور التقاطع بين تطور النظُم والكيانات السياسية، وتطور النظم والأعراف والتقاليد المجتمعية التي تتأثّر بالإيديولوجيات السائدة وخصوصا التيارات الفكرية التي عرفتها أوربا إجمالا وايطاليا خاصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كما تتناول الدراسة أيضا حوصلة لسيرورة تطور وضع النساء ومكانتهن في إيطاليا وتأثير ذلك على تمثيلهن المرأة في مواقع صنع القرار، وذلك انطلاقا من : هل للتمكين أن يعزز من حضور ونشاط المرأة في العمل السياسي، ويحدث اختراقاً يتجاوز كافة الأعراف والتقاليد، ويحطم الأسقف الزجاجية التي تحول دون تحقيق هذه الغاية للنساء في ايطاليا؟
وتحاول هذه الدراسة تلخيص أهم المحطات التاريخية التي مرت بها الدولة الايطالية، وذلك من أجل التعرف على مكانة المرأة فيها منذ فترة الحكم الفاشي، والحرب العالمية الثانية، وحتى بعد الاستقلال، وكذا التعرف على مدى تأثير المجتمع بما يحمله من عادات وتقاليد على ترسيخ فكرة الأسقف الزجاجية لعمل النساء السياسي، وانطلاقا من الإشكالية الموضحة أعلاه، سيتم معالجة الموضوع وفق العناصر التالية :
1. تأصيل نظري مفاهيمي لمصطلحات الدراسة
1.1. التمكين Empowerment
يقصد بالتمكين اصطلاحا «جعل الأفراد ممتلكين للقوة لتحرير أنفسهم، ويقابل مفهوم القوة الإضعاف بمعنى « empowerless » أي التهميش والإقصاء »1، إذ وبمقتضى القوة الممنوحة للأفراد يتم تحويل مطالبهم إلى أمر واقع، من خلال تغيير الذهنيات السائدة في المجتمع والنظرة الدونية تجاه الفئات الضعيفة فننتقل من التهميش إلى التمكين، فامتلاك القوة أو السلطة تحت مظلّة القانون وبمقتضى نظام أحقية معينة يطرح ثلاث أسس : حقوق الإنسان، حقوق المواطن، حقوق الرفاهية الإنسانية.
ومن منظور آخر، أصبح يشار للتمكين كبديل للتنمية نتيجة ارتباطه وسعيه لتمكين الأسر وأفرادها، وطرح جون فريدمان من ثلاثة أسس للمفهوم توضح الارتباط بين هذه العناصر تشمل النقاط التالية2 :
-
اكتساب القوة الاجتماعية : الغاية منها زيادة فرص الأسر في الوصول إلى أسس الإنتاج.
-
اكتساب القوة السياسية : بمعنى ضمان وصولهم للمشاركة في عملية صنع القرار خاصة ذلك النوع من القرارات التي تؤثر على مستقبلهم.
-
اكتساب القوة السيكولوجية : والتي تعني الشعور بالمقدرة نتيجة تنامي سلوك الثقة في الذات.
ويشمل التمكين عدة أبعاد ويتضمن عدة مستويات، لكن إذا ما تعلق الأمر بالمرأة وتوسيع خياراتها للتمتع بالكرامة الإنسانية ونيل الحقوق وممارسة الواجبات دون تمييز، فإن أهم مستويين يمكن تلخيصهما في :
-
التمكين القانوني: يرتبط التمكين في جانبه بالحماية القانونية المكفولة بنص التشريعات، وتوفير الضمانات التي تساعد الأفراد على ممارسة حقوقهم والتمتع بها بموجب القانون دون تمييز، باعتباره المنظم لحياة الأفراد والمجتمعات بما يكفله لهم من احترام للحقوق والحريات، وقد تضمَن التقرير الصادر عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مفهوم «التمكين القانوني كأداة فاعلة لتمكين الفئات المهمشة والضعيفة (مثل الفقراء، النساء)، والذي طرح تساؤلا جوهريا يكمن في: ما مصير هذه الفئات إذا وقف القانون عائقا أمامها؟ كيف ستتحقق الكرامة الإنسانية، العدالة، والمساواة؟، عندئذ بالتأكيد سيتم نبذ القانون كمؤسسة شرعية»3
إنّ توفر الشروط السابقة يكسب الفئات المذكورة – والتي تعد النساء من بينها- فرصا أكبر وخيارات أوسع تساعدهم على التحرك والعمل الايجابي والفعّال، خاصة المشاركة في صنع القرارات، فالاعتراف بمواطنة الفرد يسقط عنه كل المفاهيم المغلوطة التي لاحقته (كعائق للتنمية، ثقل على كاهل الدولة...) -
التمكين السياسي: إذا كان التمكين القانوني يرتبط بضمان الحقوق فإن التمكين السياسي بمثابة تجسيد للمعنى الأول، من خلال بناء ثقافة المشاركة وتوفير القنوات الملائمة لتجسيد الآراء والأفكار في إطار رسمي قانوني، ويعتبر التمكين السياسي « عملية تمكين اجتماعي مسبقة تصبح من خلالها المشاركة الفعّالة في السياسة أمرا ممكنا »4، فالتمكين السياسي « كعملية معقدة تستلزم تبني سياسات وتوفير هياكل مؤسساتية وقانونية لضمان فرص متكافئة للأفراد للقضاء على عدم المساواة في استخدام الموارد والوصول للمشاركة السياسية »5
2.1. التمكين السياسي للمرأة Woman’s Political Empowerment
ترجع الجذور التاريخية لتمكين المرأة إلى « حركات التحرر الوطني في العالم ومساهمات حركة الحقوق المدنية الأمريكية والحركات النسوية في بلدان العالم الثالث، حيث ركّز المفهوم بادئ الأمر على تمكين الجماعات، وشاع استخدامه في عقد السبعينيات لبدأ النضال في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين المرأة والرجل، وتسهيل ذلك عبر إرساء البنى الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية، وتزامنا مع المؤتمرات الدولية التي سميت بعقد المرأة، ليتحول المفهوم نحو الخطاب التنموي الهادف لتوسيع خيارات المرأة كفرد بمعزل عن برامج عمل الحركات النسوية »6
بحيث «أدركت الحركات النسائية الأورو-أمريكية أن التحولات التي طرأت على وضع المرأة من ارتقاء مهني، تعليمي ومشاركة في الحياة السياسية لم تحل المشكلة، فالحريات التي نالتها المرأة لم تشمل تحررها على صعيد النوع وبالتالي بقيت المرأة حبيسة النظام البطريركي » *7
ترى آيمي الكسندرAmy C. Alexander أن
«تمكين المرأة سياسيا هو جزءا من العملية السياسية ككل ويتعلق بالأفراد الواقعين خارج دائرة القدرة، تعترف لهم السلطة السياسية كطرف شرعي بحق الوصول إلى الموارد، من أجل توزيع القوة بالتساوي بين النساء والرجال للتأثير على الهياكل الاجتماعية البطريركية، فمن أكبر المكاسب التي تحقق للمرأة في كنف التمكين هي التقليص من فجوة اللامساواة بين الجنسين، أي إقامة سياسة عامة جيدة تقوي التزاما أكبر بالاندماج السياسي المتساوي على نطاق أوسع»8
كما أن ممارسة المرأة للعمل السياسي يمكن أن تتحدد بناء على عدة أوجه وأشكال، فنجدها تتبوأ عدة مناصب فقد تكون قائدة وناشطة، كما قد تكون غير نشطة وتظهر مساهمتها من خلال9 :
-
ناخبة : أن يكون لها الحق في اختيار ممثليها؛
-
مرشحة : أن تشارك عن طريق الترشح (إما نائبة، قائدة، مشرعة...)؛
-
مستشارة : بمعنى تستطيع أن تكون مسموعة، ولها حق المشورة وأن يؤخذ برأيها؛
-
مشرعة : عن طريق سنّ القوانين من خلال مؤسسات الدولة سواء النيابية أو الاستشارية؛
-
إدارية وقائدة : أن تكون مختارة ويتم تعيينها كمسؤولة في الإدارات والمناصب العليا.
وهذه الأشكال الآنفة الذكر لمشاركة المرأة في المجال السياسي تستدعي منا تسليط الضوء عليها في دراساتنا من أجل اكتشاف واستشراف وأوضاعها عبر دراسة الحالات المختلفة.
3.1. الأسقف الزجاجية glass ceilings
تصف آن موريسون السقف الزجاجي بأنه «حاجز دقيق وشفاف لكنه قوي لدرجة أن يمنع النساء من الارتقاء في السلم الهرمي، فهو حسبها ليس مجرد حاجز للفرد وعدم قدرته على التعامل مع وظيفة ذات مستوى أعلى، بل ينطبق على النساء كمجموعة يتم إبعادها وإقصاؤها من التقدم لأنهن نساء»10
وقد تم استخدام عبارة «السقف الزجاجي لأول مرة في عام 1984 من قبل Gay Bryant، الذي اعتبر أن النساء قد وصلن إلى نقطة معينة - أسميها السقف الزجاجي ... في أعلى الإدارة الوسطى وهم يتوقفون ويتعثرون. وفي عام 1985، استخدمت الرئيسة الوطنية للمنظمة الوطنية للمرأة (NOW) هذه العبارة معتبرة أنه دون حركة نسائية لن يكون للنساء فرصة تجاوز السقف الزجاجي»11
وتشير الأسقف الزجاجية إلى
«مجمل الحواجز المانعة والتي تحول دون تقلد المرأة للمناصب القيادية، لا لشيء سوى لكونها امرأة، رغم كفاءتها أو تفوقها على الرجل في المجال ذاته، وهو ما يصطدم بأسقف وهمية غير معلنة»12 فهو بذلك «مجموعة من الحواجز المصطنعة التي تنشأ عن التحيزات التنظيمية أو السلوكية والتي تمنع الأفراد المؤهلين من التقدم في منظمتهم»13
وهذا يعني وجود مجموعة من المعيقات التي تبدو أنها غير موجودة، لكنها في الواقع تمارس تأثيرها السلبي على تقدم النساء في كافة المجالات وتبوؤهن للمناصب القيادية، لاسيما تلك الموجودة في الفضاء السياسي ومواقع اتخاذ القرار، وتقدم المرأة لا يتحقق إلا بكسر هذه الأسقف الزجاجية وتغيير الثقافات السائدة التي تعتبر أصعب خطوة كونها تتعلق بتراكمات المجتمع، ورغم أن هذا التغيير قد يظهر أقل صعوبة في الدول المتقدمة، لكن الواقع يثبت عكس ذلك وكانت نماذج عدة دول خير دليل على ذلك على غرار ايطاليا محل الدراسة.
2. الحقوق السياسية للمرأة الأوروبية: من المطالبة بحق التعليم للثورة على المجتمع
يرتبط تطور الحقوق السياسية للمرأة الأوروبية بتطور موجات الحركة النسوية، التي عملت بمختلف أطيافها ووفق خصوصيات مرحلية للدفاع عن مجموعة معينة من الحقوق، حتى وصلت لحد التمرد عما هو سائد من مفاهيم وقيم، بحيث سعت في مراحلها الأولى للتأكيد على حق النساء في نيل التعليم شأنهن شأن الرجال بعد التمييز والاضطهاد الذي لحقهن، لتصل المطالب حد نبذ كل ما هو ذكوري وتجسيد مبدأ المساواة من منطق التماثل بين الجنسين، ناهيك عن رفض تشكيل الأسر في إطار الزواج ...وغيرها، وسيتم التفصيل في هذه العناصر من خلال النقاط التالية :
1.2. الموجة الأولى من حقوق المرأة في أوروبا (الفترة بين 1880-1920)
ترجع جذور هذه الموجة « إلى ريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبروز أفكار تدعو لمساواة المرأة مع الرجل لاسيما في نيل الحقوق والمواطنة الكاملة، والمطالبة بإجراء إصلاحات تشريعية »14، والذي تماشى مع « خطاب المرأة الذي طرحه « جون ستيوارت ميل John Stuart Mill » ودعا من خلاله لمساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات والسماح لهن بممارسة حق المواطنة، لكنه طرح في المقابل إشكالية عدم وجود طريقة حياة كما تصورها تسمح للنساء بأن يكن مواطنات »15 وبرزت على إثر ذلك « أولى الناشطات على الساحة البريطانية على غرار « ماري ولستونكروفت16Mary Wollstonecraft التي نادت بضرورة ارتقاء المعرفة وحصول المرأة على التعليم »17، كما أشارت دون توسع « أن المرأة لابد وأن تختار من يمثلها، بدلا أن تكون محكومة دون مشاركة مباشرة في الحكم، لكن للأسف لم تتبلور فكرة مشاركة المرأة في السلطة التشريعية ووقفت عند هذا الحد، وبالتالي لم تقدم تحليلا لكيفية بلورة مشاركة المرأة »18
أما الحركة الاحتجاجية النسوية في فرنسا فركّزت على « المطالب السياسية كحق المرأة في الانتخاب، حرية الرأي، المشاركة في عمليات تسيير هياكل الدولة، كما نادت ببعض الحقوق الاقتصادية لإخراج المرأة من دائرة التبعية التي تربطها في ظلّ القانون الفرنسي بالزوج أو الأب، زيادة عن مطالب نيل الحق في التعليم، الطلاق، التصرف في الممتلكات، وتحسين أوضاع المرأة العاملة وتعزيز مشاركتها في المجتمع »19، وما يجدر ملاحظته أنه « في خضم الثورة الفرنسية برز العديد ممن نادوا بالحقوق السياسية للمرأة، ورأوا أن إنكارها منافاة للعدل وانتهاكا للحرية، فحتى حكومة الثورة قامت بحل جميع الهيئات التي أقامتها النساء مثل النوادي، الجمعيات والهيئات السياسية بحجة أن تدخل النساء في السياسية تجاوز لحقوق جنسهن »20
واعتبرت أفكار هذه الموجة أفكارا إصلاحية معتدلة، رغم الظروف المعقدة التي تميزت برفض تام لمشاركة المرأة في الحياة العامة والسياسية ورأت ذلك منافيا لطبيعة جنسهن، وبالتالي لم تكن أفكار تلك الحقبة ثورة على كل ما هو سائد أو ابتعاد عن الجانب الإنساني، إذ في طريقها نحو تحرير المرأة لم تلغ إنسانيتها، ولم تثر على دورها الفطري كأم، الدور التربوي، والأسري، بل سعت لتحسين وضعية أمومة المرأة وموقعها داخل الأسرة، وتعزيز دورها الأصلي بأدوار اجتماعية أخرى لم تكن لتحصل عليها أو تطالب بها سوى النساء.
2.2. الموجة الثانية من حقوق المرأة في أوروبا (1960-1980)
برزت الموجة الثانية « في النصف الثاني من القرن العشرين في مرحلة ذات خصوصية على المستوى الاقتصادي، الاجتماعي والسياسي، وشهدت تحولات كبرى على غرار حركات التحرر الوطني، وتراجع الاستعمار التقليدي، كما عرفت تنامي التيارات الاشتراكية وتصاعد المنظمات العمالية والطلابية، أين نشأت في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية حركة »تحرير المرأة »21، « من روادهابيتي فرايدن 22Betty Friedenالتي دعت للمساواة في الحقوق وإشراك المرأة بصورة كاملة في المجتمع الأمريكي، ونادت بحصول المرأة على كل امتيازات المجتمع وتتولى في المقابل كل مسؤولياته بالمشاركة الكاملة مع الرجل »23
ويرجع أصل الخلاف والاختلاف بين الحركتين في الفكر والطرح، باعتبارها قضية متجاذبة الأقطاب نهائيا، إذ سعت الأولى (النسوية الإصلاحية) للحفاظ على كيان المرأة وأمومتها في إطار بناء علاقة ترابط بين أدوارها الأسرية والاجتماعية، في حين شكلت الثانية (النسوية الراديكالية) ثورة على كل ما هو سائد وطرحت أفكارا صراعية مع الرجل، والتي انقسمت إلى ثلاثة تيارات أساسية تتمثل في : النظرية النسوية الليبرالية : Liberal Feminism Theory ، النظرية النسوية الماركسية MarxistFeminismTheory، النظرية النسوية الراديكالية Radical Feminism Theory
3.2. الموجة الثالثة من حقوق المرأة في أوروبا (بعد 1980)
ظهرت هذه الموجة «أوائل الثمانينات للتحرر من الايدولوجيات المقيدة للمرأة، واعتبرت ثورة أخرى ترفض ما سبقها من أفكار، تأثرت بأفكار «آن بروكسAnne Brooks» من خلال مؤلفها ما بعد النسوية: النسوية والنظرية الثقافية والأشكال الثقافية الصادر سنة 1997، ورأت أن جوهر ما بعد النسوية يكمن في وضع التعدد محل الثنائية والتنوع محل الاتفاق، وأن تفسح المجال للحوار الفكري المتسم بالحيوية والتغير، ويهيئ المناخ الملائم لمرحلة الانتقال لما بعد النسوية »24
تأثرت هذه الموجة الثالثة
«بفلاسفة ما بعد الحداثة أمثال «ميشال فوكوMichel» Foucault « وجاك دريداJacques Derrida » بحيث حفزت أفكارهم النسويات أمثال « نعومي وولف Naomi Wolf »، « جوديث بتلرJudith Butler »، على تقديم المذهب النسوي من زاوية علم المواجهة يتحدى المفهوم التقليدي، فاعتبرت بذلك موجة ما بعد النسوية أحدث حلقة من حلقات التنوع في ملامح الفكر النسوي »25
لقد اكتسبت الموجة الثالثة شكل الحركة السياسية المتماسكة في الستينيات والسبعينيات لكن بشكل محدَث، إذ « سعت لتغيير المواقف أولا فشجعت على التنوع والاختلاف ومحاولة حل المشكلات، مع التأكيد على الممارسات الاجتماعية، من منطلق أن مشاكل المرأة نتاج المجتمع والثقافة والايدولوجيا السائدة، وقد اختلفت هذه الحركة عن سابقتها لأنها ضمت خلفيات شعبية من الجيل الأصغر الحائز على تعليم أكاديمي في النسوية والعلوم الإنسانية »26
كما اتسمت بقطيعة مع كل ما سبقها من حركات، فشكلت نهضة في الأفكار نتيجة التأثر بمفكري ما بعد الحداثة الذين كان لهم الأثر البالغ في بلورة الفكر النسوي، بحيث شجعت تكامل أدوار المرأة الفطرية والاجتماعية ولم تحاول الثورة على كل ما هو سائد، بما في ذلك العلاقة بين الجنسين التي لم تراها الحركة كعلاقة صراعية بل شجعت على الاتفاق والتنوع، لذلك لم تربط تخلف المرأة بالنظام الأبوي لوحده بل أرجعته لعوامل عدة، على غرار ثقافة المجتمع، والايدولوجيا.
3. حقوق المرأة الإيطالية: بين اضطهاد الفاشية واستمرار الأسقف الزجاجية
لقد لعبت البيئة الداخلية والخارجية للنظام السياسي الإيطالي دورا في تحديد نطاق ووظيفة النظام السياسي، « كون أن البيئة تتكفل لحد بعيد بفرض إمكانيات معينة لا يستطيع النظام السياسي تجاهلها أو تجاوزها »27، وإذا كان تأثير البيئة بهذه الدرجة على نطاق ووظيفة النظام السياسي، فعندها يمكن تصور وضع ومكانة المرأة الإيطالية فيه، والتي تأثرت أيما تأثر بالمتغيرات البيئية الحاصلة بدءا من نهضة الشمال الإيطالي، مرورا بالمرحلة الفاشية، وصولا للحرب العالمية الثانية، وهو ما سيتم تناوله في النقاط التالية :
1.3. المرأة والفاشية في إيطاليا : نحو أمل التغيير
إن تاريخ المرأة حاسم في استكشاف القضايا الرئيسية للتاريخ الإيطالي المعاصر في فتراته الثلاث، بحيث في الواقع كانت النساء في مركزية عمليات التحديث الكبرى وتأميم الجماهير The Nationalisation of the masses وذلك عبر الحقبات التالية:
-
الليبرالية 1861-1922
-
الفاشية 1922-1945
-
الجمهورية منذ 1946 إلى الآن
ففي الفترة الليبرالية على سبيل المثال
«حددت الثقافة الكاثوليكية والمجتمع الريفي المرأة بشكل صارم مع الأسرة والمجال الخاص، وفي الوقت نفسه ورغم حرمان المرأة الإيطالية من حقوقها السياسية إلا أنها تستطيع المشاركة في السياسة بعمق، بحيث تركت السياسة الفاشية اتجاه المرأة ارثا معقدا ومتناقضا، فمن ناحية اقتصر دور المرأة على الدور الانجابي الذي ينظر له كوظيفة بيولوجية، ومن ناحية أخرى تلقت الأمومة اعترافا جماهيريا كبيرا كونه يهدف لإعطاء الأمهات وظيفة عامة وليست خاصة»28
ولأجل ذلك يمكن اعتبار سبب تأخر ايطاليا–مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى- في إقرار المساواة القانونية، السياسية والاجتماعية للمرأة، إلى «انعدام حركة نسوية قوية ومنظمة تدعم قضاياها، كون أن النشاط النسوي كان محدودا بسبب الانقسامات الواضحة على غرار الطبقية والدين، بحيث اختلفت الكيانات الناشئة حول عديد القضايا على غرار الأسرة والتعليم»29
وفي هذه الحالة يمكن ملاحظة قوة تأثير الكاثوليكية بشكل أوضح في حالة الايطالية، بحيث « لم تظهر أي حركة نسوية منظمة حتى بدأت الثورة الصناعية بالسيطرة على الشمال الإيطالي، أين برزت الحركة النسوية المعتدلة مع جمعية العمل النسائي ذات التوجه الاقتصادي في عام 1898، ومجموعة مماثلة تسمى جمعية النساء’’Associazione per la donna’’،التي هدفت لعلمنة(secularise)تعليم المرأة »30، علاوة على ذلك « أنشأت الكنيسة الكاثوليكية نفسها كما هو الحال في دول أخرى على غرار ألمانيا حركتها النسائية الخاصة، التي شكّلت بسرعة دعما واسع النطاق أكثر مما كان يمكن للنسويات اجتذابه »31 .
وقد
« ابتكر موسوليني نموذجا جديدا للأنوثة Donna Fascista، رغم أن هذا لم يعجب الجميع لكن تأثرت به النساء، فقد شاركت النساء في السياسة والحياة الوطنية خلال سنوات الحكم الفاشي، لكنهن لم ينلن حق التصويت إلا بعد سقوطها، فما يلاحظ أن نهج موسوليني كان متناقضا لأنه حاول إعادة تأكيد الأدوار التقليدية للمرأة، وفي نفس الوقت إعادة اختراع الأنوثة (من خلال تشجيع الشابات على المسيرات والمشاركة في الجمباز)، وقد خضع المجتمع في إيطاليا وأوروبا ككل لتحول مزدوج زمن الحرب وسنواتها اللاحقة، بحيث دخلت النساء الساحة الوطنية كمساهمات وكمواطنات في الوقت الذي كانت فيه السياسة في حد ذاتها تتغير »32
لقد كان النظام الفاشي منشغلا بالدور الذي يجب أن تلعبه المرأة في بناء الأمة الجديدة إذ لم يكن هناك ثقافة وطنية جديدة، بحيث «أسست النساء مع ذلك مجالات نفودهن الخاصة مثل المجالات النسائية (تقويم المرأة الإيطالية) التي تنشر مقالات ومراجعات عن الكاتبات، بحيث سعت السياسية الثقافية إلى ادخال المرأة في الجسد السياسي وربطها بإحساس متجدد بالوحدة الوطنية »33
2.3. أوضاع المرأة الإيطالية فترة الحرب
لقد مرت حقوق المرأة الإيطالية بالعديد من المراحل، فبعدما حرمت لعقود من الزمن من أدنى حقوقها، استمر نضالها وسعت بشتى الطرق للثورة عما هو سائد من مفاهيم، قوانين واجراءات، ولقد شكلت مرحلة الحرب فترة هامة أين برزت مساهمة النساء بصفة جلية في المجتمع، فكما تم التأكيد عليه في الكتابات « اعتبرت النساء في خضم الحرب الجيش الآخر كونه قد وقعت على عاتقها مهمة الحفاظ على الجبهة الداخلية، فساهمن في رفع الروح المعنوية، دخر السلع والمنتجات، والاهتمام بالأنشطة اليومية »34
« فلم تنحصر حسب الباحثين تأثيرات الحرب على المرأة من جانب اقتصادي فقط، وإنما تعدت ذلك للجانب الثقافي ورسوخ فكرة المواطنة الأنثوية، ودخلت النساء المجال العام على أساس مدعوات، إذ فتح اقتصاد الحرب آفاقا جديدة أمامهن من العمل الخيري، التمريض، العمل بأجر، ودعت بعضهن إلى تعبئة النساء كتعبئة الرجال، هذه الأفكار لقيت مقاومة بين معظم الإيطاليين لاسيما المساواة، رغم ذلك سمحت النظرة الجديدة للأنوثة تمتع المرأة بمزيد من المرونة-ليس الاستقلال- في أن ترى نفسها ذات قيمة كونها أم محبة، وجندية مواطنة حارسة لبلدها »35،
في حين تفترض آراء أخرى أن النساء ظللن غير مرئيات في سجلات المقاومة، وخلال الحرب أصبحت غالبيتهن مسؤولات عن حياة أسرهن وحتى المجتمع، وكن يملن ليصبحن بالفعل مركز الحياة الاجتماعية والعامة، وتعزيزا لذلك اتخذت أقلية في وسط وشمال إيطاليا خيارا أخلاقيا وعسكريا غير مسبوق للمشاركة في المقاومة، وهو القرار الذي دفعهن للحياة السياسية، بحيث شكلت نساء المقاومة دائما أمهات وزوجات يقمن بعبء العمل المزدوج وواجب مزدوج36
وقد ساهمت الحرب في إضعاف الأفكار القديمة حول المرأة، لكن رغم ذلك لم تحصل الايطاليات على حق التصويت إلا بعد سقوط الفاشية، ففي سنوات ما بين الحربين العالميتين تم استدعاء المرأة إلى المجال العام كتجسيد للمثل الفاشي في دورها كزوجة وأم، وفي وفائها بواجبها الوطني، فقد تم جلب النساء إلى مشروع بناء الأمة بسبب قدرتهن البيولوجية في الانجاب ومسؤوليتهن الاجتماعية37، « وتضاعفت جهودهن أين شغلن الوظائف الشاغرة التي تركها المجندون، وشهدت إيطاليا ما يعرف بـ حراك الاناث أو النزوح النسوي من الأرياف إلى المراكز الحضرية بحثا عن وظائف، لكن ورغم اتساع وظائف النساء لكن الأجور بقيت على حالها »38
ورغم هذه الأدوار التي لعبتها المرأة الإيطالية، إلا أن مشاركتها تم وصفها وصفا تقليديا وتم اعتبارها غير سياسية، « فانضمام زوجات أو أخوات أو بنات المقاومين للمقاومة، اعتبر قرارا عاطفيا ليس له أي معنى سياسي، لكن في الواقع من المستحيل التمييز بين الأسباب العاطفية والسياسية لخيارات النساء في هذه الفترة، إذ يمكن للمرأة أن تنتقل من مشاعر التعاطف إلى التضامن الجماعي ما يؤدي إلى الالتزام السياسي والعسكري، وهذا ما تم تجاهله بسبب الصور النمطية التي كانت سببا أساسيا لاستبعاد المرأة من المجال السياسي، وذلك انطلاقا من الفكرة التي تم تداولها حول أن السلوك الأمومي والعاطفي غريب أو حتى لا يتوافق مع القدرة السياسية »39
4. إيطاليا من الدمار للاستقلال: أي دفع للعمل السياسي للمرأة؟
إن تقصي أدوار المرأة السياسية في إيطاليا له تاريخ طويل لم يتوقف طرحه أبدا، ويطفو إلى السطح بشكل مكثف في كل النقاشات العامة كونه يتصدر خلفية انشغال المجتمعات بمخاوف أخرى، ولقد ظلت الأسرة أساس الدولة الديمقراطية الناشئة وأصبح للمجال المنزلي -كما يسمى- أهمية بارزة بعد الحرب بعد ما رسخته المواقف الثقافية الفاشية، وهو ما استمر كذلك وشكّل قضايا متنازع عليها في العديد من المجالات السياسية، الدينية، التربوية، والثقافية، لكن رغم ذلك لم تعد الأدوار الصارمة بين الجنسين والتسلسل الهرمي للأسرة راسخة بقوة كما كان قبل تأسيس الجمهورية.
بدأ العمل السياسي للمرأة الإيطالية في البروز إلى الواجهة على شكل استجابة لمجموعة من القضايا، ففي عام 1946 صوتت النساء في إيطاليا لأول مرة في تاريخهن، وهنا شملت المشكلتان الرئيسيتان لتمثيل المرأة :
«قلة عدد النساء المنتخبات، والغموض حول ما إذا كان انتخاب النساء لتمثيل حزبهن أو لتمثيل النساء، حيث سعت النساء في الجمعية التأسيسية الأولى لتحسين وضع المرأة الايطالية40،وبدءً من سنة1948، سخرت النساء كفاحهن لإلغاء القوانين التمييزية وتعزيز حقوق المرأة، وساعدن سنة 1948 في انتخاب 44 امرأة للبرلمان الإيطالي (أول برلمان للجمهورية المستقلة)، واللواتي ساهمن بمجرد انتخابهن بتقديم جملة من المبادرات خدمة للمرأة والتي يمكن تصنيفها إلى 3 فئات أساسية»41 :
-
الفئة الأولى : تتعلق بالعمل والكفاح من أجل المساواة في الأجر بالنسبة للعمل الواحد، واقتراح معاشات لربات البيوت، ورفض فصل المرأة من منصب عملها بسبب الزواج أو الأمومة؛
-
الفئة الثانية : تشمل ممارسة المواطنة وجميع القوانين التي حاولت من خلالها المرأة الوصول لجميع المهن والعمل في هيئات المحلفين أو يعين في مناصب عليا كقضاة ودبلوماسيين؛
-
الفئة الثالثة : تتعلق ببناء القانون لأجساد النساء باعتباره إشكالية لشخصيتها القانونية، والتي تتمحور حول كيفية تعامل القانون مع ذلك، ويشمل قضايا على غرار الصحة العامة وعمل المرأة، وهو ما أكدت عليه أنجيلينا ميرلينAngelina Merlinالمرأة المنتخبة لعضوية مجلس الشيوخ والتي اعتبرت أن أول خطوة لتحرير المرأة ونيلها لحقوقها يبدأ من إلغاء بيوت الدعارة التي تديرها الدولة، وضرورة اتفاق مختلف الأطياف السياسية على تجريم الدعارة واعتبارها رذيلة تعاني فيها النساء من الانتهاكات وتخل بمبدأ المساواة الذي ينص عليه الدستور.
وبالتالي،
«كان الإرث السياسي الذي خلفته سنوات المقاومة واضحا بحيث برز رد فعل المجتمع الإيطالي من مستقبل الحقوق السياسية وبدا جليا، إذ تم اعتبار أنه من السخف أن تلتزم المرأة في السياسية التي وجدت من أجل الرجال، لذلك انصبت مطالب النساء وتمحورت أفكار المساواة حول ضرورة أن تدخل المرأة السياسة، وأن السياسة يجب أن تعيد للمرأة تعريفها ».42
فلم تكن الدول الكاثوليكية على غرار إيطاليا لم تكن أواخر الـ 60 متقدمة فيما يتعلق بالمواقف تجاه التحرر الاجتماعي والاقتصادي للمرأة عكس دول الشمال، «بحيث لعبت الكنيسة دورا بشكل وثيق مع الشبكات المحلية والإقليمية للتأكيد على المسؤوليات الأسرية والأدوار المنزلية للمرأة، رغم ذلك عملت الجماعات النسوية الجديدة فترة الـ 70 وضغطت من أجل قانون الطلاق ومزيد من الحرية الاقتصادية»43
لكن هذا لم يمنع المناضلات من شحذ جهودهن للثورة على قبضة الكنيسة والتحرر من القيود التي فرضتها، بحيث
«ارتفع تمثيل المرأة بشكل ملحوظ في المجال السياسي وتحديدا البرلمان الإيطالي من 15.8 سنة 1994 إلى 31.4 سنة 2013، كما يبدو أن إيطاليا تقدمت نحو بيئة أكثر شمولا لتمثيل المرأة، بحكم أنها-ومقارنة بالدول الأوروبية الأخرى- تفتقر إلى الأدوات الرسمية لحصص النوع الاجتماعي على المستوى الوطني، في حين يعتبر الحزب الديمقراطي الحزب الوحيد الذي شارك في انتخابات سنة 2013 والذي أدخل حصصا طوعية بين الجنسين »44
وتؤكد ليلى الهوسي في مقابلة معها بجامعة سابينزا بإيطاليا على :
« إن للأعراف الاجتماعية والموروثات الثقافية دور في تقييد رغبة المرأة للترشح في الانتخابات، وتشكل هده الموروثات أكبر عائق أمامها، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال ربط ذلك بالدين كما يتم تداوله دوما، على أساس أنه المعيق الأول لتقدم المرأة سياسا، وشاع ربطه في دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وإنما يرجع السبب الرئيسي وراء ذلك للهيمنة البطريركية ولاستمرار وجود الأسقف الزجاجية التي تحكم ترشح وانتخاب المرأة في إيطاليا، فرغم سن القوانين الداعمة للمرأة ترشحا وانتخابا لكن لم تحقق المرأة التقدم المرجو، ولا يزال يهيمن الرجال على كل مناصب صنع القرار، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال نسب ترشح النساء مقابل ترشح الرجال في انتخابات سنة 2021 ».45
في حين ترى لاورا ماريوتيني Laura Mariottini
« أن المناخ الاجتماعي والسياسي في إيطاليا بشكل عام غير ملائم لتقدم وتطور المرأة، لأن السلطة السياسية تعمل على دمج النساء، لذلك تحتاج النساء في إيطاليا لمزيد من الدعم على شكل إجراءات وسياسات أخرى، فرغم مساهمة الكوتا النسائية في انخراط النساء في السياسة، ولكن هذا لا يكفي، فالمرأة بحاجة إلى التمكين كونها تعاني من معيقات ثقافية، وعليها الكفاح من أجل تغيير العقليات والأفكار ضدها، وهذا هو الجزء الصعب، كما هناك معيقات اجتماعية تركز على هيكل الأسرة وتقسيم العمل فيها، والمجتمع الذي يحدد أدوار المرأة في إيطاليا وهذا أكثر تحديدًا لأننا لا نملك مرافق مثل الدول الأوروبية الأخرى، وبالتالي فإن كل ذلك يتعلق بالجوانب الثقافية وليس للهيمنة البطريركية دور في تقييد المرأة باعتبار أن الثقافة هي المحدد الأساسي لأدوار النساء في المجتمع الايطالي »46
وقد أصبح انتخاب رئيسة الحكومة الايطالية جورجيا ملوني بمثابة كسر لتلك الأسقف الزجاجية التي لطالما لحقت تبوأ النساء لمناصب سيادية في ايطاليا منذ الاستقلال، فكان انتخابها بعد نضال النساء في ايطاليا لعقود من الزمن من أجل المساواة ونيل الحقوق السياسية كاملة، بحيث رغم الثقافة الأوروبية السائدة لكن هذا لم يمنع اللمسة الاورومتوسطية من الهيمنة على المجتمع الإيطالي ورسم معالمه لاسيما ما تعلق بتحديد أدوار النساء في المجتمع والعمل السياسي تحديدا.
وتوضح أعداد ونسب النساء في الحكومات الإيطالية المتعاقبة منذ التسعينيات مدا وجزرا في تمثيلهن والذي لم يتخطى عتبة 50 %، لكن رغم ذلك ظلت النسب ضئيلة مقارنة بحركية المنظمات النسوية في إيطاليا، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على أعضاء البرلمان الإيطالي بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) والذي يبرز استمرار الأعداد المنخفضة للنساء في تشكيلة كلا المجلسين، والتي تبدو أنها نسب لا تعكس الوزن الحقيقي للنساء الايطاليات ولا تعكس تنوعهن ولا شرائحهن المختلفة.
وبناء على ذلك تبرز الجداول التالية هذه النسب كما هو موضح:
جدول رقم (01) يوضح أعداد ونسب النساء مقارنة بالرجال في الحكومات المتعاقبة من 1996-2019
الحكومات (السنة) |
النساء الوزيرات % العدد |
النساء الوزيرات % |
الرجال الوزراء العدد % |
الرجال الوزراء % |
الإجمالي العدد |
الإجمالي % |
حكومة برودي 1 1996-1998 |
3 |
15 |
17 |
85 |
20 |
100 |
حكومة داليما 1 1998-1999 |
6 |
24 |
19 |
76 |
25 |
100 |
حكومة داليما21999-2000 |
5 |
23.9 |
16 |
76.1 |
21 |
100 |
حكومة أماتو 2 2000-2001 |
1 |
5.6 |
17 |
94.4 |
18 |
100 |
حكومة بلوستوني 2 2001-2005 |
2 |
8.2 |
21 |
91.3 |
23 |
100 |
حكومة بلوستوني 3 2005-2006 |
2 |
8.4 |
22 |
91.6 |
24 |
100 |
حكومة برودي 2 2006-2008 |
6 |
24 |
19 |
76 |
25 |
100 |
حكومة بلوستوني 4 2008-2011 |
6 |
25 |
18 |
75 |
24 |
100 |
حكومة مونتي 2011-2013 |
3 |
23.1 |
10 |
76.9 |
13 |
100 |
حكومة ليتا 2013-2014 |
7 |
34.4 |
14 |
66.6 |
21 |
100 |
حكومة رينزي 2014-2016 |
7 |
50 |
7 |
50 |
14 |
100 |
حكومة غنتلوني 2016-2018 |
5 |
27.2 |
13 |
72.2 |
18 |
100 |
2018-2019 |
5 |
27.2 |
13 |
72.2 |
18 |
100 |
Source: Federica Formato,(2019) Gender, Discourse and Ideology in Italian. Lancaster : Palgrave Macmillan, P12.
جدول رقم (02) يوضح أعداد ونسب النساء مقارنة بالرجال في البرلمان الإيطالي (النواب وأعضاء مجلس الشيوخ) من 2001 لـ 2022
2001-2006 |
2001-2006 |
2001-2006 |
2001-2006 |
2001-2006 |
|||
225 |
195 |
134 |
109 |
71 |
عدد |
النواب |
النساء أعضاء البرلمان |
35.71 |
30.95 |
21.26 |
17.30 |
12.53 |
% |
||
111 |
91 |
62 |
42 |
26 |
عدد |
أعضاء مجلس الشيوخ |
|
34.69 |
28.43 |
17.91 |
13.43 |
7.69 |
% |
||
405 |
435 |
496 |
521 |
541 |
عدد |
النواب |
الرجال أعضاء البرلمان |
64.28 |
69.04 |
78.74 |
82.70 |
87.47 |
% |
||
209 |
229 |
284 |
290 |
312 |
عدد |
أعضاء مجلس الشيوخ |
|
65.31 |
71.56 |
82..08 |
86.56 |
92.30 |
% |
||
950 |
950 |
950 |
976 |
965 |
950 |
العدد |
الإجمالي |
100 |
100 |
100 |
100 |
100 |
100 |
النسبة |
Source : Idem, P14.
خاتمة
لقد كان لجهود النساء في إيطاليا منذ فترة الحكم الفاشي وحتى بعد الاستقلال دور كبير في التغيير الاجتماعي الحاصل في المجتمع، وبالنسبة أكبر للنساء أكثر منه للرجال، أين تحولت فرق ومجموعات صغيرة من النساء إلى حركة جماهيرية قادرة على حشد التأييد وإحداث التغيير في أنماط الممارسات والإجراءات الخاصة بالمرأة، بحيث طرحن وناقشن ودافعن عن العديد من القضايا المحورية التي تخص المرأة على غرار حق التصويت، الترشح، الوصول للفرص المتكافئة في العمل، المساواة في الأجر بين الجنسين بالنسبة لنفس العمل...الخ، فاعتبرت هذه القضايا النقطة الفاصلة التي فتحت الباب لإحداث تغييرات من خلال اظهار حق النساء في تقرير مصيرهن والذي لا يمكن حصره في مجال معين، وإنما يجب أن يبقى حقا في كل الميادين، ورغم هذه الإنجازات لم تتمكن النساء الايطاليات من النجاح سياسيا وبقوة كما كان متوقعا من كل الجهود المبذولة.
تخلص الدراسة إلى أن من بين أهم أسباب تأخر النساء الايطاليات -مقارنة بباقي الدول الأوروبية- على ولوج العمل السياسي تكمن في :
-
تتمكن النساء من المشاركة بأعداد أكبر في السياسة عندما يواجه النظام السياسي أزمات سياسية، لكن هذا لم يحدث في الحالة الإيطالية إذ لم يساهم التوتر الذي عاشته الدولة لزيادة انخراط النساء الإيطاليات في العمل السياسي
-
ساهمت مشاركة المرأة الإيطالية في الحرب لإعطائها أدوارا جديدة في المجتمع الإيطالي وأعادت رسم معالم مكانتها ولو كان ذلك بدرجة محتشمة.
-
ثقافة المجتمع البطريركية حول نمطية ممارسة النساء الإيطاليات للعمل السياسي
-
استمرار النظرة التقليدية لأدوار المرأة المجتمعية فرغم الصبغة الأوروبية لإيطاليا، لكن هذا لم يمنع بقائها حبيسة للأعراف والتقاليد السائدة.
-
تساهم اللغة المتحيزة في عرقلة المساواة بين الجنسين في المجتمع الإيطالي أين يعتبر مصطلح الذكورة أقوى من مصطلح الأنوثة فحتى اللغة حسب الباحثات الإيطاليات متحيزو للرجال.
-
رغم المعيقات الثقافية إلا أن للنساء الايطاليات قدرة أكبر للنفاذ للمجتمع المحلي من خلال الحركات الاجتماعية التي تتميز بها إيطاليا لاسيما تلك النشطة في الشمال والمناهضة للعنف ضد المرأة.