ادارة الأزمات بالمكتبة الوطنية الجزائرية : أزمة « Covid-19 » أنموذجا

La gestion de crise à la Bibliothèque Nationale d'Algérie : le cas de la crise Covid-19

Crisis management at the Algerian National Library: the case of Covid-19 crisis

بوذراع حمودة et بركة الهواري

p. 309-330

Citer cet article

Référence papier

بوذراع حمودة et بركة الهواري, « ادارة الأزمات بالمكتبة الوطنية الجزائرية : أزمة « Covid-19 » أنموذجا  », Aleph, Vol 10 (3) | 2023, 309-330.

Référence électronique

بوذراع حمودة et بركة الهواري, « ادارة الأزمات بالمكتبة الوطنية الجزائرية : أزمة « Covid-19 » أنموذجا  », Aleph [En ligne], Vol 10 (3) | 2023, mis en ligne le 14 mai 2023, consulté le 27 avril 2024. URL : https://aleph.edinum.org/6605

تهدف هذه الدراسة للكشف على واقع ادارة الأزمات بالمكتبة الوطنية الجزائرية ومدى فاعلية استجابتها في ظل أزمة جائحة «Covid-19»، تم الاعتماد على منهج دراسة الحالة باستخدام أداتي المقابلة والملاحظة على عينة متمثلة في مُدير المكتبة الوطنية، المُديرة العامة المُساعدة ومُديرة الإدارة والوسائل.
توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج أهمها؛ أن واقع ادارة الأزمات بالمكتبة الوطنية الجزائرية ضعيف جدا رغم وجود ممارسات ضمنية لذلك، إلا أنها غير علمية وغير فعالة. كما أن المكتبة لم تكن مستعدة لأزمة جائحة «Covid-19» واستجابة نحوها بشكل ضعيف، كما أنها لم تُؤدي دورا فعالا في دعم مُجتمعها والمواطنين في فترة الأزمة.

Cette étude vise à révéler la réalité de la gestion de crise à la Bibliothèque nationale algérienne et l’efficacité de sa réponse face à la pandémie de COVID-19. Le programme d’études de cas était fondé sur les outils et l’observation correspondants d’un échantillon du directeur de la Bibliothèque nationale, du directeur général adjoint et du directeur de l’administration et des moyens.
L’étude a produit une série de résultats, dont les plus importants étaient : La réalité de la gestion de crise à la Bibliothèque nationale algérienne est très faible, bien qu’il y ait des pratiques implicites, elle n’est pas scientifique et inefficace. La Bibliothèque n’était pas prête à faire face à la pandémie de Covid-19 et n’y a pas répondu adéquatement, et elle n’a pas non plus joué un rôle efficace pour soutenir sa collectivité et les citoyens en période de crise.

This study aims to reveal the reality of crisis management in the Algerian National Library and the effectiveness of its response in the light of the Covid-19 pandemic crisis. The case study curriculum was based on the corresponding tools and observation of a sample of the Director of the National Library, Assistant Director General and Director of Administration and Means.
The study produced a series of findings, the most important of which were: The reality of crisis management in the Algerian National Library is very weak, although there are implicit practices, it is not scientific and ineffective. The Library was not prepared for the Covid-19 pandemic crisis and responded to it poorly, nor did it play an effective role in supporting its community and citizens in the crisis period.

مقدمة

تُعد إدارة الأزمات أحد أهم الدعائم الادارية التي تَعمل على حماية المؤسسات وضَمان نجاحها وتطورها، وهذا بفعل ما تَضمنُه من الاستعداد المُسبق، الاستجابة الفعالة والتعافي الأمثل مِن جَميع الأزمات الفعلية والمحتملة التي من شأنها أن تُصيب المؤسسة. ونظرا للأهمية البالغة التي يكتسيها هذا النشاط الإداري، فإن الأدبيات العلمية وتطبيقاته في مختلف المجالات والقطاعات ازداد بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية وبخاصة مع توالي الأزمات الدولية.

أصبحت أساليب ومُقاربات عِلم إدارة الأزمات مُنتشرة في جميع المؤسسات العامة منها والخاصة، والمكتبات ومراكز المعلومات ليست بمعزل عن هذا السياق. فمنذُ القديم وأمناء المكتبات مُنشغلون بالأزمات والكوارث التي تُهدد مكتباتهم، إلا أن ظُهور الأدبيات العلمية المتخصصة في إدارة الأزمات بالمكتبات وَمراكز المعلومات كان متأخرا. تَرجع مُعظم الدراسات إلى ما قبل 1985 إلا أن زيادة الاهتمام بهذا الموضوع يعود إلى ألفينيات القرن الحالي. وتعاظم الاهتمام بهذا الموضوع سنة 2019 بفعل تداعيا الجائحة العالمية «Covid-19».

تحاول هذه الدراسة تسليط الضوء على واقع ادارة الأزمات بالمكتبة الوطنية الجزائرية. إذ تُعد هذه الأخيرة أنموذجا مُتميزا عن باقي أصناف المكتبات العُمومية الأخرى، فإلى جانب كَونها مُؤسسة مَعنية باقتناء، مُعالجة واتاحة مصادر المعلومات، وتَقديم حُزمة من الخدمات لمستفيد يها والتي غالبا ما تكون مُرتبطة بأنشطة التعليم، التربية، الثقافة. هي مَعنية كذلك بجملة من المهام الخاصة والحصرية بها، وذلك راجع لخصوصيتها؛ فهي كَيان مؤسساتي يُعبر عن سيادة الدولة، وهي مَعنية أيضا بجمع وحفظ التراث الثقافي وَالعلمي والأدبي والفني (المكتوب، المطبوع، المنقُوش، المرسوم، المقروء آليا، المسموع، المصور والرقمي) ذات العلاقة بالجزائر، سواء المنشور داخل رُبوع الوَطن، أو خارجه –سواء تَتَحدث عن الجزائر أو أنتجها جزائريون مُغتربون- بالإضافة إلى ذلك فهي مَعنيةُ بتنظيم عملية النشر من خلال احتكارها للإيداع القانوني الذي يَضبطُ عملية نَشر وتوزيع كل الوثائق المنشورة داخل الوطن.

تواجه المكتبة الوطنية الجزائرية في الوقت الراهن عديد التحديات التي تهدد كَيان المكتبة وتُشكك في مشروعية وجودها كخدمة عمومية في المجتمع. وهذا راجع إلى كون البيئة الرقمية بمختلف منصاتها وأدواتها، تَطرحُ نفسها كبديل فعال للمكتبات العمومية وخاصة فيما يتعلق بأنشطة بحث واسترجاع المعلومات. واستجابة لهذه المتغيرات والتهديدات سَعت المكتبات الوطنية إلى تَوسيع نطاق خدماتها، وأداء أدوار جديدة؛ من بينها الاستجابة في أوقات الأزمات لإثبات مشروعيتها. وبناء على هذه الأسباب الموضوعية، وَضمن هذا السياق المتغير، تًبرزُ اشكالية هذه الدراسة والتي تتجلى في مُستويان رئيسيان. يتمثل الأول في؛ مدى توافر خطط للاستعداد للأزمات لدى المكتبة الوطنية للإدارة الأزمات التي تواجهها، أما المستوى الثاني فيتجلى في؛ مدى مواكبة المكتبة الوطنية الجزائرية لنظيراتها في العالم بخصوص أداء الدُور المُستجد والمتمثل في دعم المجتمع من خلال الاستجابة في أوقات الأزمات، إذ تُشكل جائحة «Covid-19» أنموذجا متُكاملا يُمكن على أساسه قياس فَاعلية المكتبة الوطنية في أداء هذا الدور. وتَعبيرا عن هذه الاشكالية المركبة نطرح جملة من التساؤلات هي:

  • ما واقع ادارة الأزمات بالمكتبة الوطنية الجزائرية؟

  • كيف استجابة المكتبة الوطنية الجزائرية في ظل أزمة جائحة «Covid-19»؟

تَنبع أهمية هذه الدراسة في حداثة الموضوع، خاصة في ارتباطه بالجائحة العالمية «Covid-19» التي تشغل الرأي العام والبحثي في جميع دول العالم. اضافة إلى ذلك نجد نُدرة في الدراسات السابقة المعالجة لهذا الموضوع، بالخصوص في الجزائر، فمن خلال بحث وثائقي مُعمق لم نستطع الوصول إلى أي دراسات علمية منشورة. كما أن الدراسات التي تَربطُ المكتبات الوَطنية بمتغير ادارة الأزمات قليلة جدا حتى على المستوى العالمي، الأمر الذي يجعل من الدراسة اضافة للمجال البحثي وللتخصص، كَما أن نَتائج هذه الدراسة من شأنها أن تَرفع من وعي المكتبين على مُستوى المكتبة الوطنية وَغيَرهم في باقي أصناف المكتبات الأخرى بأهمية الموضُوع، والحاجة الماسة لوجود رُؤية واضحة ودقيقة لإدارة الأزمات على مستوى المكتبات ومؤسسات المعلومات.

كما تَسعى الدراسة إلى تحقيق هَدفين رئيسيين يتمثل الأول في؛ مَعرفة واقع ادارة الأزمات على مستوى المكتبة الوطنية الجزائرية، أما الثاني فيتمثل في؛ رَصد ومُعاينة استجابة المكتبة والدور الذي تُؤديه في أوقات الأزمات في المجتمع، وذلك من خلال أَخذ أَزمة جَائحة «Covid-19» كأنموذج.

تندرج هذه الدراسة ضِمن قسم الدراسات النوعية التي تصبوا إلى اكتساب معارف كيفية حول ظاهرة أو مشكلة مُعينة. وبما أنها كذلك، فان تحقيق أهدافها لا يمكن إلا من خلال الاعتماد على مَنهج دراسة الحالة لأنه الأكثر مواءمة مع أهداف الدراسة.

وبما أن الدراسة نوعية، فإن الأداة الأنسب استخدامها في عملية جمع البيانات تَكمُن في المقابلة؛ إذ تم تطوير دليل مقابلة يتضمن محوران: عُني الأول بـواقع ادارة الأزمات بالمكتبة الوطنية الجزائرية، أما الثاني فخُصص لاستجابة المكتبة الوطنية الجزائرية لجائحة «Covid-19». كذلك تم الاعتماد على أداة الملاحظة البسيطة أثناء التردد على المكتبة واجراء المقابلات، فضلا عن ذلك تم التوصل كذلك إلى بعض الوثائق الادارية التي ساهمت في التوثيق والتحقق من صحة المعلومات المصرح بها.

أما العَينة المبحوثة فهي مُكونة من: مُدير المكتبة الوطنية الجزائرية، والمديرة العامة المساعد بالإضافة إلى مُديرة الادارة والوسائل. تم اجراء مقابلة مسجلة معهم يومي 25/26 تموز 2022.

1. البناء المنهجي

1.1. تحديد مفاهيم الدراسة

تتسم البحوث العلمية بدقة توظيف المصطلح العلمي، وذلك بتبيان المراد منها في بنية البحث، وبذلك فإنه من المهم تعريف مصطلحات الدراسة وضبطها بناء على القواميس والموسوعات والأدبيات العلمية المتخصصة، وتكيفها اجرائيا مع واقع الدراسة. تتضمن الدراسة ثلاث متغيرات رئيسة هي:

1.1.1. ادارة الأزمات

تُعد ادارة الأزمات أحد فروع علم الإدارة، وهي من التخصصات الحديثة التي زاد انتشارها وشيوعها بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك راجع للتطور الكَبير الذي شَهدته العلوم الإدارية في القرن الأخير. كذلك فإن توالي الأزمات وتَعمق حدتها وتداعياتها على الدول والمجتمعات والمؤسسات زاد من الاهتمام بهذا التخصص.

الأزمات من حيث اللغة حسب (المعجم الوسيط، د.ت) هي الضيق والشدة والقحط وجمعها أوازم. أما بالفرنسية فلأزمة «Crise» مأخوذة من الأصل الإغريقي «Krisis » واللاتيني « Crisis » وهي لحظة صَعبة للغاية في حياة شخص ما، أو جماعة أو أثناء أداء نشاط مُعين، وهي حالة تتميز باضطراب عميق (Larousse, n.d) أما في الإنجليزية فالأزمة « Crise » هي وقت فيه خطر كبير، صُعوبة أو شك حين تكون المشاكل في حاجة إلى أن يتم حلها، أو قرارات مُهمة يجب أن تتُخذ. وهي كذلك وَقت فيه تَكون المشاكل، المواقف السيئة أو مَرض في أسوء حالته .(Oxford, n.d)

« وبما أن نظرية الأزمة تعود إلى علماء النفس والصحة النفسية...فقد تعددت تعاريف الأزمة بتعدد العلماء إلا أن من أبرزها تعريف» رابوبورت «الذي يرى أنها موقف أو حدث تتحدى قوى الفرد وتضطره إلى تغيير وُجهة نظره وإعادة التكيف مع نفسه ومع العالم الخارجي أو كليهما. ويرى الكثيرون بأنها موقف لا يحتمل، بمعنى أن الانسان لا يطيق معايشته مدة طويلة من الزمن ومِنهم من يقول أن الموقف إذا زاد عن (72 سـا) عندها يمكن القول أن الفرد يمر بأزمة» (خليل، 2012، صفحة 119).

أما من منظور المكتبات فيمكن تعريفها أنها حالة حرجة تكون فيه المكتبة عاجزة عن أداء مهامها ووظائفها بشكل سليم يستجيب لتطلعات جمهور المستفيدين منها، وقد تعود أسباب هذه الحالة المتأزمة لتجليات المتغيرات والاضطرابات التي تنشأ في المحيط الخارجي للمكتبة، وتمتد تأثيراتها إليها. وقد تعود أسبابها إلى عوامل ناتجة عن اضطرابات في بيئتها الداخلية. تتطلب هذه الحالة تكاثف الجهود من أجل اتخاذ قرارات في حالة من عدم التأكد ونقص في المعلومات. بحيث أن هذه القرارات تكون على قدر عال من الأهمية يستوجب أن تتسم بأكبر قدر ممكن من الكفاءة وأن تُتخذ وتُطبق بأسرع وقت ممكن، وهذا ما من شأنه أن يَحد من مألات الأزمة فإما أن تتحول إلى فُرصة حقيقية يُمكن من خلاله الاستجابة السريعة لها وايجاد الحلول الناجعة لها والتي تُمكن المكتبات من الاستجابة للتغيرات والتأقلم مع الاضطرابات لتحقيق النمو والتطور. أو أن تكون سلبية بالقدر الذي تُشل فيه أنشطة المكتبة وخدماتها للحد الذي يجعل منها غير ذي جدوى، وقد يتأزم الوضع للحد الذي تضطر فيه المكتبة إلى غلق أبوابها.

أما

«إدارة الأزمات فانبثقت منذ القدم من خلال الممارسات العملية، فكانت من مظاهر تعامل الإنسان مع المواقف الحرجة التي يواجهُها في إطار مُسميات مثل الحنكة، الخبرة، الدبلوماسية، وكفاءة القيادة... ولقد نشأ اصطلاح ادارة الأزمات، في الأصل، من خلال علم الادارة العامة؛ وذلك للإشارة إلى دور الدولة في مواجهة الكوارث المفاجئة والظروف الطارئة مثل الزلازل والفيضانات والأوبئة والحرائق والصراعات المسلحة والحروب الشاملة» (صخري، د. ت).

وادارة الأزمات بمفهومها التقليدي تَعني

«مجموعة الاستعدادات والجهود الإدارية التي تُبذل لمواجهة أو الحد من الدمار المترتب عن الأزمة. أما حديثا فإن إدارة الأزمات يتطلب من المديرين ضرورة التفكير فيما لا يمكن التفكير فيه، وكذلك توقع ما لا يمكن توقعه. فإدارة الأزمة بهذا المنظور تَعني عملية الإعداد والتقدير المنظم والمنتظم للمشكلات الداخلية والخارجية التي تُهدد بِدرجة خطيرة سمُعة المنظمة وربحيتها أو بقاءها في السوق» (قفح، 2000، ص. 28).

« وفي تعريف أخر لإدارة الأزمة فهي عملية تخطيط استراتيجي تستلزم قيام إدارة المنظمة باتخاذ مجموعة من القرارات يسودها الغموض في وقت محدد، تستهدف الاستجابة السليمة لأحداث الأزمة ومنع تصاعدها والتقليل من نتائجها إلى أقل حد ممكن، بما يسمح للمنظمة بامتلاك قدر أكبر من السيطرة على مقدراتها، وتنزيل المخاطر اتجاه استعادة أوضاعها الطبيعية...كما أنها... العملية المستمرة التي تهتم بتوقع الأزمات المحتملة عن طريق الاستشعار وتتبع المتغيرات المولدة للأزمة وحشد الموارد والإمكانيات المتاحة لمنع أو الإعداد للتعامل مع الأزمات المختلفة بأكبر قدر ممكن من الجودة والدقة وبما يُحقق أقل قدر ممكن من الضرر للمنظمة ولبيئة العامليين، مع الحرص على العودة للأوضاع الطبيعية في أسرع وقت ممكن وبأقل تكلفة ممكنة واستخلاص النتائج ومنع حُدوثها أو تحسين طرق التعامل معها مستقبلا مع محاولة الاستفادة من الفائدة الناتجة عنها إلى أقصى درجة ممكنة » (الضبع، 2014، ص. 99).

ومن خلال التعريفات السابقة يتبين لنا أن مفهوم إدارة الأزمة يختلف من تخصص لآخر ومن مُؤسسة لأخرى باختلاف طبيعة الأزمات المراد إدارتها، وإن كان الأمر كذلك فإن المفهوم العام لإدارة الأزمات؛ يُمكن أن يعرف على أنه : مجموعة من الأنشطة الإدارية التي تقوم على استخدام المناهج المناسبة التي تَسمح بتحليل المتغيرات والأحداث التي تطرأ في البيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة بغية الاستشعار المبكر للأزمات، الشأن الذي يُمكن فريق إدارة الأزمة من الإعداد المُبكر للخطط والاستعدادات التي تُمكن من تلافي الأزمة أو إدارتها بالشكل الأمثل. وذلك بتوفير وتهيئة مختلف الإمكانيات المادية والمالية والبشرية لحل الأزمة، وذلك من خلال التخطيط المسبق والتقييم الأني والبعدي للأداء، فضلا عن التطبيق الدقيق والسريع للمخططات من أجل تحقيق أكبر قدر مُمكن من جودة الأداء وتجنب تداعيات الأزمة بأقل تكلفة ممكنة لضمان سيرورة أنشطة المنظمة بشكل سليم وتعظيم قيمتها ومنتجاتها (خدماتها).

وأن تعريف إدارة الأزمات في المكتبات يُقصد به؛ جُملة الاستعدادات التي تقوم بها المكتبات من خلال فريق مكون ومُؤهل لإدارة الأزمة، بغية الكشف المبكر للأزمات الحالية والمحتملة في بيئتها الداخلية أو الخارجية، من خلال التخطيط العلمي المسبق واعداد البرامج التي من شأنها أن تعمل على تلافي الأزمات أو إدارتها بالشكل الأمثل أو معالجتها بأكبر قدر ممكن من جودة الأداء وبأقل تكلفة ممكنة. الأمر الذي يعود على المكتبة بالنفع من خلال؛ إما الحفاظ على الأداء الحالي لها أو الاستفادة من الأزمة لتبني استراتيجيات جديدة تمكن المكتبة من الاستجابة لمختلف المتغيرات الحاصلة لضمان ديمومتها وتطوير خدماتها وأنشطتها تحقيقا لاحتياجات وتطلعات جمهور المستفيدين منها.

2.1.1. المكتبة الوطنية الجزائرية

المكتبة الوطنية تُعين وتمول من طرف الحكومة لخدمة الأمة، من خلال المحافظة على مجموعة شاملة من الأدبيات المنشورة والغير منشورة التي تصدر من الأمة، بما في ذلك المنشورات الحكومية. وفي معظم دول العالم تكون مَسؤُولة عن اعداد الببليوغرافية الوطنية، وبَعض الخدمات على غرار الايداع القانوني الذي يحمي الأعمال بموجب قانون حقوق الملكية في البلد (Joan, 2020). وحَسب موسوعة الشامي لعلوم المكتبات والأرشيف هي

«مكتبة تحددها جهة حكومية مُختصة لتكون المكتبة الوطنية أو القومية للدولة، تمولها حكومة تلك الدولة. تتضمن مُهمة المكتبة التجميع الشامل للإنتاج الفكري القومي –والذي غالبا ما يكون نتيجة لنظام الايداع- وتجميع وحفظ وصيانة الببليوغرافية الوطنية، والتجميع الشامل وتنظيم المطبوعات الدولية لخدمة الفئات العلمية، واصدار الأدوات الببليوغرافية، وتنسيق شبكة مكتبات قومية، وتقديم خدمات مكتبية للحكومة الوَطنية أو بعض وكالاتها» (الشامي والسيد، 2022).

والمكتبة الوطنية الجزائرية، تمثل المكتبة القومية للجزائر، تقع تحت وصاية وزارة الثقافة والفنون –حسب آخر تحديث-

«تعد المرجع الأساسي والمركزي للإنتاج الفكري والثقافي في كل المجالات والتخصصات المعرفية. تنفرد عن نظيراتها –المكتبات العمومية- أنها أخذت على عاتقها تشجيع المطالعة العمومية من خلال مساهمتها في بناء وتطوير شبكة مكتبات المطالعة العمومية في الجزائر. حُددت المهمة الرئيسية لها عن طريق الأمر المتعلق بالإيداع القانوني رقم 96-16 المؤرخ في 02 تموز 1996 والمرسوم التنفيذي رقك 99-226 المتمثل في جمع وحفظ ووقاية التراث الفكري الجزائري» (بطاقة فنية عن المكتبة، 2021).

3.1.1. جائحة «Covid-19»

مرض مُعدي من عائلة الفيروسات التاجية، ظهر بفعل فيروس «SARS-COV-2» تم رصده أول مرة بمدينة وهان الصينية سنة 2019. وهو مَرض شديد العدوى ينتقل عبر الهواء، انتشر في فترة زمنية قَصيرة في جميع أنحاء العالم. ونظرا لخطورته وبخاصة على الأشخاص ذوي المناعة الضَعيفة وكبار السن، دَعت منُظمة الصحة العالمية إلى حالة تأهب عالمية ووَصفت المرض بالجائحة وأوصت بضرورة التباعد الاجتماعي والحجر المنزلي كآلية للوقاية والحد من تَفشي الوباء إلى حين التوصل إلى لقاحات فعالة. استجابت أغلب دول العالم من خلال فرض اغلاق شامل أو جزئي للفضاءات العمومية من بينها المكتبات الوطنية، الأمر الذي انعكس عنه تَوقف مُعظم النشاطات الانسانية بما فيها الاقتصادية والانتاجية. شَكلت هذه المرحلة من 2019 إلى أواخر 2022 مرحلة أزمة بالنسبة لجميع المؤسسات بما فيها المكتبات ومراكز المعلومات نظرا لاضطرار هذه الأخيرة لغلق أبوابها أمام الجمهور.

2.1. عرض الدراسات السابقة

قليلة هي الدراسات التي تطرقت إلى اشكالية ادارة الأزمات بمجال المكتبات، فوقا لمراجعةمنهجية «systematic review» قام بها الباحثان الايرانيان « Somaye Sadat Akhshik » و« Reza Rajabali Beglou » باستخدام تقنية « Prisma : Preferred Reporting Items for Systematic Reviews and Meta-Analyses » على الدراسات المنشورة ما بين 1985 إلى 2020 باللغة الانجليزية في قواعد البيانات التالية : « ScienceDirect, Pro-Quest, Google Scholar and Emerald databases ». توصلا إلى أن 137 دراسة من أصل 2900 نتيجة بحث عالجت موضوع ادارة الأزمات في المكتبات. أغلبُ هذه الدراسات كانت في قارة أمريكا تليها أوروبا، أفريقيا ثم آسيا، كما توصلت الدراسة إلى أن عدد الدراسات تعاظم في الفترة الزمنية الممتدة ما بين 2008 إلى 2017. وبخصوص أنواع الأزمات التي تم معالجتها فقد كانت حسب نسبة التركيز: اقتصادية، طبيعية، اجتماعية، صحية وأخرى. أما بخصوص أنواع المكتبات التي عُنيت أكثر بالدراسة فقد كانت على التوالي: أكاديمية بحثية، عمومية، وطنية: «فقط 11 دراسة»، طبية، رقمية، مدرسية وأخرى غير محددة.

أما بخصوص الدراسات باللغة العربية، فمن خلال بحث وثائقي مُعمق قام به الباحثان على مُعظم قواعد البيانات وخاصة المتخصصة منها في علوم المكتبات والمعلومات، كانت الأوراق البحثية المُسترجعة التي تربط المكتبات وادارة الأزمات قليلة جدا، باستثناء طفرة حدثت منذ 2019 بسبب تابعات جائحة كورونا، أما تلك التي تعالج ادارة الأزمات بالمكتبات الوطنية «القومية» فقد تم استرجاع دراسة واجدة فقط. نَستعرض أهم الدراسات السابقة والتي لها علاقة مباشرة بموضوع الدراسة من خلال تقسيمها إلى:

1.2.1. ادارة الأزمات بالمكتبات الوطنية

يستعرض «Jan Fullerton» مُدير المكتبة الوطنية الأسترالية في مقاله «الاستعداد للكوارث بالمكتبة الوطنية الأسترالية» بعض تجارب المكتبة في الاستجابة للكوارث، من خلال تطرقه إلى حادثة حَرق المكتبة سنة 1985 والتي وجدت المكتبة –حسب تصريحه- مستعدة بشكل ضعيف جدا. هذه الحادثة وغيرها هي التي دفَعت المكتبة إلى الاهتمام أكثر بإدارة الكوارث، وبخاصة الاستعداد للاستجابة لها. وبهذا الخُصوص أشارت الدراسة أن مدى اهتمام المكتبة الوطنية الأسترالية يتمثل في مدى ادماج الطوارئ في عمليات التخطيط، ففي العقود القديمة كانت تقتصر على الحرائق وكيفية الحفاظ على العُمال والزوار سالمين، بعد ذلك تم ادخال تعديلات تأخذ بعين الاعتبار مجموعات المكتبة، أما مؤخرا فقد تم الأخذ بعين الاعتبار جميع جوانب التخطيط لإدارة المخاطر ويَتضَمن ذلك:

  • مجموعة الأهداف: المجموعات، الأشخاص، نُظم تكنولوجيا المعلومات، البيانات والأصول المادية؛

  • كل أنواع التهديدات التي تَمس أحد هذه الأهداف، والتي بطريقة غير مقبولة، لم يتم تغطيتها في المخططات العادية لمكان العمل بما في ذلك: الحرائق، الفيضانات، تسرب المياه، التهديدات الارهابية، انهيار الأبنية، التوغلات الأمنية، التخريب، الآفات الحشرية، الغُبار، تعطل مكيفات الهواء وغيرها؛

  • كل الفاعليين ذوي المسؤوليات؛

  • كل الاجراءات المتعلقة بـ: فهم، الوقاية، الاستعداد، الاستجابة والتعافي من مثل هكذا حوادث؛ و

  • المُستلزمات الخارجية على غرار: أنظمة الانذار الذكية، مُوفري خدمات الطوارئ، ووكالات أخرى بذات الاحتياجات (Fullerton, 2004).

وفي دراسة أخرى، للباحث (Sison, 2007) بعنوان «الاستعداد للكوارث بالمكتبة الوطنية بالفلبين». وبهدف الكشف على مدى جاهزية المكتبة للاستعداد للكوارث، اعتمد الباحث على أداة المقابلة مع رئيس مَجلس الادارة والمسؤول عن قسم الممتلكات بالمكتبة، كذلك تم توجيه استبيان لعينة من عُمال المكتبة الوطنية الفليبينية، بالإضافة إلى أخذ صور توثيقية للتأكد من المعلومات المتحصل عليها. توصلت الدراسة إلى أن :

  • غالبية عينة الدراسة (83) على دراية بأهمية التخطيط للكوارث وفريق الكارثة، كما أن نسبة مُعتبرة (46) لديهم مهارات ومعارف خاصة باستخدام تجهيزات الطوارئ، كما أن غالبيتهم (50) أبدوا الارادة للقيام بأي مهام توكل إليهم؛

  • المكتبة الوطنية لا تمتلك معدات (تجهيزات) الكوارث «disaster kit »؛

  • سوف يكون للمكتبة أوقات صَعبة في مرحلتي الاستجابة والتعافي، بسبب عدم توافرها على أرقام مؤسسات الطوارئ، كما أنها لا تتوافر على امكانية الوصول إلى الخبراء وخدمات الدعم التي من شأنها أن تُساعد على الاستجابة، التعافي وتعويض المجموعات التالفة أثناء الكارثة؛ و

  • أن المكتبة الوطنية الفليبينية لا تمتلك خطة للكوارث ولا الميزانية اللازمة لإدارة الكوارث.

2.2.1. استجابة المكتبات الوطنية في أوقات الأزمات

عديدة هي الدراسات التي تطرقت إلى موضوع دور المكتبة الوطنية في ادارة الأزمات، ولقد ازداد عددها بكثرة خلال فترة جائحة كورونا نظرا لخصوصية الوضع. ففي دراسة لـ (Susanne jorg, Renate, & Frank, 2021) تصف استجابة المكتبة الوطنية الألمانية للوضع الجديد الذي أوجدته جائحة كورونا. في 16 آذار 2020 أَغلَقت المكتبة أبوابها أمام الجمهور وألغت جميع تظاهراتها، هذا الوضع جعل المكتبة تُواجه اشكالية تفعيل خدماتها عن بعد، وذلك من خلال تمكين العمال من العمل بفاعلية عن بعد. تم تأسيس فريق أزمة يلتقي يوميا من خلال الاجتماعات المرئية «Videoconferencing »، يتم ابلاغ المُوظفين بمخرجات الاجتماعات مباشرة بعد الانتهاء منها عن طريق البريد أو من خلال أقسام خاصة (مخفية) على موقع المكتبة، تم تقليل دورية الاجتماعات إلى مرة في الأسبوع بحلول شهر أيار. ولقد كان الشعور العام لدى الموظفين هو أن ادارة الأزمة كانت ناجحة، كما أن وقت الأزمة كان فرصة للابتكار. أما بخصوص التواصل مع المستفيدين فقد كانت تتم عبر البريد الإلكتروني والهاتف، كما تم تحسين الخدمات الرقمية، وتم اتاحة الوصول إلى أزيد من 8 ملاين وثيقة، كما تم تفعيل معارض المكتبة عبر الأنترنت، واقناع الناشطين على وسائط التواصل الاجتماعي للترويج لاستخدام هذه الخدمات والعروض. مع نهاية شهر نيسان 2020 سمحت السلطات الألمانية للمكتبات باستئناف أعمالها، ومن أجل ذلك توجب الالتزام بقواعد السلامة والتباعد الاجتماعي، ولتقليل وضبط عملية الولوج تم اعتماد نظام للحجز، كما تم تفعيل خدمات حُجرات القراءة الرقمية واستخدام أنظمة الاعارة الآلية. وبذلك استطاعت المكتبة أن تكسب رضى المستفيدين وهذا ما تجلى من خلال الاقبال الكبير على المكتبة وخدماتها أثناء الأزمة. هذا وقد عزمت المكتبة على أن تحافظ على نظام العمل الجديد حتى بعد انتهاء الأزمة.

وفي دراسة أخرى لـ (Beverley, Nicholas & Nicole, 2020) بعنوان « التأقلم مع أزمة « Covid-19 » : حالة المكتبة الوطنية بجامايكا » هدفت الدراسة إلى تسليط الضوء على عَمل المكتبة قبل، أثناء وبعد الجائحة مع الاشارة إلى تصريحات المؤسسات والمنظمات الدولية بخصوص الموضوع. وتم أخذ المكتبة كأنموذج لدراسة لاعتبارها –حسب الدراسة- رائدة في المنطقة في مجال ادارة المخاطر والاستعداد لها، وأنها تُعتبر قاعدة تكوينية للاختصاصين في المعلومات والمحفوظات. عاصرت المكتبة عديد الأزمات منها؛ الكوليرا «dreaded Asiatic cholera» ما بين 1850-1855، الزلزال العظيم سنة 1907، الانفلونزا الاسبانية من خريف 1918 إلى صيف 1919، طوفان 2016 وأحدثها أزمة جائحة «Covid-19». في حالت كورونا تم اعداد خطة؛ تَضمنت في البدء بروتوكول مكان العمل؛ والذي يتضمن تعليمات للعمال الذي يخالطون المستفيدين، بعد رصد أول حالة من فيروس كورونا بجامايكا في 10 آذار 2020، عُقد أول اجتماع على مستوى المكتبة، أوصى بشراء المستلزمات الوقائية وتطبيق الاجراءات الاحترازية التي تضمنتها الخطة الاستعدادية. وفي 14 آذار 2020 أَمرت وزارة الثقافة بغلق جميع المؤسسات تحت وصايتها أمام الجمهور، وفي الأثناء قام فريق الاستعداد للأزمات بتقييم المخاطر، وبذلك فان عينة الدراسة التي تضمنت 76 عاملا، وفقا لنتائج التقييم صُنف 35 مُستجيب ضمن دائرة الخطر المتوسط أو الأقصى وذلك راجع لاستعمال وسائل النقل الجماعية، وبناء على نتائج التقييم؛ تم دعم وسائل نقل أكثر سلامة للعُمال الذين أبدوا استعدادهم للعمل في المكتبة مع الالتزام بإجراءات الوقاية المنصوص عليها في البرتوكول، فضلا عن تفعيل اجراءات العمل عن بعد للعمال الآخرين. ومن أجل تعزيز خطة العمل عن بعد تم الاعتماد على «Microsoft Office 365»، التي تتضمن تطبيقات المكتب، البريد، والاجتماعات عن بعد وغيرها من التكنولوجيات المتاحة. وبذلك استطاعة المكتبة أن تطور من خدماتها الرقمية وأن تطور أخرى جديدة على غرار توفير الرقم الدولي المُوحد للكتاب عن بُعد. وبذلك فان أزمة « Covid-19 » تم اعتبارها من طرف المكتبة كفرصة للتحسين بدل أن تكون عائقا. وفي ظل اغلاق مُعظم المؤسسات التعليمية والتثقيفية عَملت المكتبة على:

  • تَطوير مجموعاتها الرقمية، وتوفير النصوص الكاملة للوثائق وكذا روابط للمصادر الالكترونية التي من شأنها افادة الطلبة؛

  • تَوفير قائمة مصادر موثوقة، لتمكين المواطنين الجمايكيين من الوصول إلى معلومات موثوقة حول جائحة «Covid-19 »؛ و

  • التعاون مع وزارة الصحة ضِمن اللجنة الوطنية لأباحث الصحة، بحيث عَملت المكتبة على: ادرة البيانات، الاشراف على خارطة اقتناء المصادر ذات العلاقة بأزمة «Covid-19» واتاحتها على المكتبة الرقمية الصحية.

وفي تجربة أخرى، يَرصدُ (Keating, 2021) في مقال بعنوان «تعطيل، قيم وصمود: استجابة المكتبة البريطانية لجائحة «Covid-19»» هَدف المقال لتسليط الضوء على استجابة المكتبة البريطانية لأزمة كورونا طيلة الـ12 شهرا الأولى، وبخاصة الدور المحوري والمتمثل في التكيف التكنولوجي. وبحسب صاحب المقال فان الأمر يفوق توافر البِنية التحتية التكنولوجية، حيثُ أنه تم الاعتماد أكثر –من أي وقت مضى- على قيم المؤسسة التي ساعدتهم على توجيه المسار أثناء الأزمات. كان التأثير الأكبر للجائحة على المكتبة هو انقطاع علاقاتها الخارجية وبالأخص المَعارض والمُلتقيات التي كانت تعتزم القيام بها، والأمرُ من ذلك هو قرار الاغلاق. ومن أجل الاستجابة للأزمة، تم عقد اجتماع من طرف الفريق الأخضر لإدارة الأزمات، كما تم انشاء الفريق الذهبي لإدارة الأزمات؛ والذي يُعنى بتوفير الاستراتيجيات التوجيهية وصناعة القرارات حول المسائل التي يتم طرحها من طرف الفريق الأخضر. في أول قرار للغلق، تم تحويل العمل إلى نمط العمل عن بُعد باستثناء القطاعات التي تتطلب الحضور الفعلي للموظفين على غرار أمن المبنى، أمن المجموعات وغيرها. وكانت الرسالة الأولى والأهم هي أن المكتبة مفتوحة. وقد كانت الأولوية في هذا الصدد هو تحديد وتوفير الخدمات لمساعدة المجتمع البحثي الطبي للمملكة المتحدة، كما تم تفعيل برنامج أرشيف «Covid-19» لضمان أن الباحثين الحاليين أو المستقبلين يستطيعون الوصول إلى البيانات والمعلومات التي تُمكنهم من فهم الأزمات التي تواجهها. ولقد تمكنت المكتبة في ظل أسبوع واحد من الاغلاق أن تُفعل خدماتها عن بعد وذلك من خلال تقسيم الفريق الذهبي للأزمة إلى عدة فرق فرعية كل واحدة منها كُلفت بجانب مُعين من العمل على غرار البِنية التحتية التكنولوجية والربط الشبكي للمُؤسسة... ويعود هذا النجاح بشكل كبير إلى الفريق الاستراتيجي الشامل للمكتبة الذي عَمل وفقا لقيم المكتبة ومبادِئها، المتمثلة في وَضع المستفيد في قلب أي نشاط تقوم به المؤسسة، مع احترام الجميع بعاطفة واحترام. كما أن الانفتاح والشفافية في الاتصال كانت ضرورية لإثبات أن العمل مستمر كمكتبة بريطانية واحدة. أعادت المكتبة البريطانية فتح أبوابها أمام الجمهور في 22 تموز 2022 مع وَضع نظام الانذار في عملية الفتح التدريجي للأخذ بعين الاعتبار أي احتمالية لإعادة الغلق.

أما المكتوب باللغة العربية من الدراسات؛ فكما أشرنا سابقا فقد تم استرجاع دراسة واحة لـ (ابراهيم الأحمد ويوسف مطاوع، 2020) والموسومة «بالأدوار والمهام التي اضطلعت بها دائرة المكتبة الوطنية خلال جائحة كورونا» والتي تُسلط الضوء على دور المكتبة الوطنية الأُردنية خلال جائحة «Covid-19 ». اعتمد المؤلفان المتمثلان في مُدير المكتبة ومُدير العلاقات العَامة على مُستوى المكتبة على المنهج الوثائقي والوصفي، لرصد الاجراءات التي قامت بها المكتبة في فترة الاغلاق والتي امتدت ما بين 14/03/2020 إلى 26/05/2020 وهي عديدة نَذكر الأهم منها فيما يلي :

  • اعداد منشورات للتوعية بمخاطر المرض وتجنب الاصابة به، وتم نشر أفضل هذه المنشورات على صفحتي الفايسبوك « Facebook »والتويتر« Twitter » ؛

  • قامت المكتبة باستئناف نشاطاتها الثقافية مثل اشهار الكتب وكتاب الأسبوع من خلال صفحات مواقع التواصل الاجتماعي؛

  • أصدرت المكتبة دليلا ارشاديا للتعامل مع فيروس كورونا عند العودة إلى العمل موجه للعمال والمستفيدين؛ و

  • قامت المكتبة كذلك بتقديم بعض من خدماتها الكترونيا مثل خدمة منح رقم الايداع ومنح الرقم المعياري الدولي.

وعلى اثر هذه المجهودات فازت المكتبة بجائزة تقديرية من الاتحاد العربي للمكتبات كأفضل مكتبة متفاعلة مع أزمة كورونا من بين 25 مكتبة في 8 دول عربية. إلا أن المكتبة شهدت عجزا في الأداء مقارنة بالسنوات الماضية وذلك راجع إلى أن بيئة العمل ومجمل الخدمات تُقدم على مستوى مَبنى المكتبة، على الرغم من محاولة تفعيل أنموذج العمل عن بعد.

3.2.1. مناقشة الدراسات السابقة

مِن خلال عرضنا للدراسات السابقة يتبين لنا أن من الناحية الاصطلاحية، كثيرا ما تُستخدم المصطلحات التالية : الكارثة والأزمة والمشكلة والخطر والطوارئ للدلالة على مدلول واحد، وتُستخدم بالتناوب دون تمحيص للمعنى الدقيق. كما أن الأكثر استخداما هُما مصطلحا الأزمة والكارثة، هذا الخلط يجعل من الدقة في الطرح صعبا جدا خصوصا وأن هذه المصطلحات سالفة الذكر تختلف عن بعضها البعض وان كانت متقاربة فإنها لا تفيد نفس المدلول. وهذا ما يؤكده معيار «ISO31000: 2018 »

كما أن الدراسات السابقة تُشير إلى وجود جانبان لإدارة الأزمة في المكتبات الوطنية؛ الأول يُعنى بالأزمة التي تقع على المكتبة، أما الثاني فيتمثل في دور المكتبة في الاستجابة لأزمات البيئة الخارجية ومساعدة مجتمعاتها في تجاوزها، ولقد طرحت جائحة كورونا أنموذجا مزدوجا حيث أن الأزمة طالت المجتمع والمكتبة في ذات الوقت هذا ما يجعل منها مُصنفة ضِمن باب الأزمات المركبة.

والملاحظ كذلك أن المكتبات الوطنية متفاوتة من حيث ادارتها للأزمات، ففي الدول المتقدمة (ألمانيا، جمايكا، بريطانيا وأستراليا) شَهدت مستوى عالي واحترافي في ادارة الأزمات، وهذا ما يتجلى في تواجد تخطيط استراتيجي يتضمن الاستعداد للأزمات، وفريق اداري خاص بإدارة الأزمات، فضلا عن خطط وسيناريوهات ولوائح وتعليمات تضبط عملية ادارة الأزمات. في حين أن مكتبات دول نامية على غرار (الفلبين والأردن) لا تمتلكان خطة للاستعداد للأزمات ولا فريقا متخصصا بإدارة الأزمات، كما أنها تُعاني من فجوة تكنولوجيا جعلت منها غير قادرة على التكيف مع الوقائع الجديدة والطارئة على غرار الإغلاق وضرورة تفعيل اجراءات العمل عن بعد، كما أن الموارد البشرية المتكونة والمؤهلة تشكل فارقا في جودة الاستعداد وادارة الأزمات والتكيف معها، كما أن هناك عوامل أخرى عديدة من أهمها مدى توافر الميزانيات الكافية لتفعيل الاستعداد وادارة الأزمات.

2. عرض ومناقشة نتائج الدراسة

من خلال تحليل بينات المقابلة، توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج ندرجها ضمن العنصران المواليان.

1.2. إدارة الأزمات بالمكتبة الوطنية الجزائرية

لا تمتلك المكتبة الوطنية استراتيجية خاصة بالاستعداد للأزمات، إلا أن هناك ممارسات ادارية ضِمنية غير صريحة تُعنى بذلك وهذا ما عَبرت عنه المديرة العامة المساعدة بقولها «دائما هناك خطط استعجالية » إلا أن ذلك لا يتضمن الاجراءات العلمية المتعلقة بالاستعداد للأزمات وفقا لما هو متعارف عليه في الأدبيات العلمية. وهذا ما يتأكد لنا خصوصا أن المكتبة لا تحتوي ضِمن هيكلها التنظيمي هيئة إدارية خاصة بإدارة الأزمات حسب ما صرح به المدير العام للمكتبة، في حين تتكفل المديرية الخاصة بالإدارة والوسائل بكل الأزمات الخاصة بالمؤسسة وذلك من خلال تَشكيل خلية أزمة على مستوى كل مُديرية لمعالجة الأزمات التي تطرأ عليها، وبخاصة على مُستوى مُديرية الأمن والصيانة وقسم الحفظ اللتان تُعتبران المديريتان الأكثر تعاملا مع الأزمات.

وبما أن المكتبة لا تتضمن هيئة إدارية مَعنية بإدارة الأزمات وتبعا لذلك لا يوجد على مستواها فريق دائم لإدارة الأزمات، فإن المكتبة تعمل على تشكيل فريق خاص بكل أزمة، إذ يُصرح مُدير المكتبة أنه يتم تشكيله «بطريقة رسمية وادارية» وذلك من خلال مُقرر إداري. تُعلق مُديرة الإدارة والوسائل بأنه «...يتم تأسيس فريق أزمة بناء على مقرر إداري يصدُر من المدير العام للمكتبة الوطنية وفقا لمرجعيات قانونية منها القانون الأساسي للوظيف العمومي06-03، القانون الأساسي للمكتبة الوطنية، المرسوم التنفيذي للمكتبة وقرار المدير» يتضمن هذا المقرر مَجموعة من المواد يتم فيها تسمية أعضاء فريق الأزمة، يتم اختيارهم وفقا لطبيعة الأزمة –حسب المديرية أو القسم- كذلك يتم اعطاء الأولوية لأصحاب التخصص والخبرة.

كما أن المكتبة الوطنية الجزائرية ومن خلال ما هو ملاحظ فهي مُجهزة بتقنيات حديثة ومعدات وأدوات الاستجابة للكوارث والأزمات، سواء تعلقت بجوانب الأمن والمبنى أو تلك المتعلقة بحفظ، صيانة وترميم المخطوطات وأوعية المعلومات. وتصرح المديرة العامة المساعدة أن «المكتبة تخصص ميزانيات معتبرة للأدوات والمواد الضرورية لحماية مجموعات المكتبة بما في ذلك الميكروفيش والميكروفيلم» وهذا ما يتناسب خصوصا مع المخصصات المالية المُعتبرة التي تُدعم بها من طرف الهيئات الوَصية.

أما بخصوص الأزمات التي تُوجهها المكتبة الوطنية الجزائرية، فهي وبحسب العينة المبحوثة كثيرة، تُصنفها المديرة العامة المساعدة إلى « أزمات طبيعية، أزمات تنظيمية ادارية متعلقة بالموظفين، وأزمات خدماتية بسيطة ». كما نلاحظ من خلال اجابات العينة المبحوثة انخفاض الوعي بالمفهوم الدقيق للأزمة وهذا راجع لانعدام تطبيق مفاهيم ادارة الأزمات على مستوى المكتبة، إذ يتم دائما ربط الأزمة حسب خلفية العمل لدى كل مبحوث، يُركز مدير المكتبة على الأزمات المتعلقة بالبناية والأمن وكذا الخلل الذي يُصيب السير الحسن للخدمات، في حين أَن المديرة العامة المساعدة تُركز على الأزمات المتعلقة بحفظ وصيانة التراث وبخاصة المخطوط بالإضافة إلى الأزمات الناتجة عن الكَوارث، أما مُديرة الإدارة والوسائل فتركزُ على الأزمات التنظيمية وبخاصة ما تعلق منها بالاتصال الإداري، إذ تُعلق على ذلك أن « ...هناك أزمة في فهم القانون، إذ أن معظم الموظفين يلجؤون إلى المادة الخام، دون اللجوء إلى المراسيم التنفيذية... ». حيث أن انعدام الفهم الدقيق للنصوص القانونية يُؤدي إلى مَشاكل إدارية تتفاقم لتصبح أزمة على مستوى الاتصال المؤسساتي كما أنها غالبا ما تُؤثر على الأداء الوظيفي داخل المكتبة.

تَعرضت المكتبة الوطنية للعديد من الأزمات، أولها زلزال 2003 الذي ضرب مدينة الجزائر العاصمة وعلى إثره تشقق مبنى المكتبة، الأمر الذي جَعل من مَجموعات المكتبة عُرضة للخطر وبالأخص تسرب المياه. تم ادارة الأزمة من خلال فريق تم تشكيله على مستوى الولاية، مُثلَ فيه مُدير المكتبة الوطنية باعتباره عضوا. تُعلق المديرة العامة المساعدة « ...غالبا ما يتم ادارة الأزمات من خلال العمل مُباشرة مع السلطات الوصية على المكتبة ». أما بخصوص الاجراءات الاحترازية التي قامت بها المكتبة الوطنية فتمثلت في نقل كافة مجموعات المكتبة من الطابق الخامس والأخير المعرض لتسرب المياه. ومنه نلاحظ من خلال سردية العينة المبحوثة أن المكتبة الوطنية لا تتمتع بالاستقلالية التنظيمية وأن القرارات الكُبرى وبخاصة في أوقات الأزمات غالبا ما تتم بالتنسيق المباشر مع السلطات الوَصية، إذ تعتبر ادارة المكتبة لاعبا ثانويا مُنفذا للقرارات لا صانعا لها.

كما شَهدت المكتبة الوطنية أزمة أخرى تَمثلت في تقادم الأجهزة الكهربائية التي أدت إلى تعطل نظام التهوية على مستوى المكتبة، الأمر الذي جعل من مجموعات المكتبة وبخاصة الهشة منها على غرار المخطوطات، الميكروفيش والميكروفيلم مُعرضة لخطر التلف والضياع. بحسب المُديرة العامة المساعدة «تطلب حل الأزمة أزيد من ثلاثة سنوات...» وذلك راجع حسب تصريحاتها أن أنظمة التشغيل الكهربائية على مُستوى المنطقة كلها متقادم وأن الأمر يتطلب التنسيق مع السلطات الوصية وهي في هذه الحالة «الولاية». من أجل إدارة الأزمة وحماية مجموعات المكتبة تم تشكيل خلية أزمة على مستوى المكتبة، يترأسها مُدير المكتبة ونوابه بالإضافة إلى المُوظفين على مستوى قسم الحفظ على مستوى المكتبة. تُعلق المُديرة المساعدة على تداعيات الأزمة قائلة «أثرت هذه الأزمة كثيرا على مجموعات المكتبة وبخاصة مجموعات الميكروفيش التي تضررت كثيرا، إلا أنه لم تشهد هناك أي تلف كامل للمجموعات». تأكد هذه التجارب على ضرورة توافر استقلالية ادارية على مُستوى المكتبة الوطنية وبالأخص في إدارة الأزمات. كما تزيد هذه الأزمة تأكيدا على ضرورة تواجد ادارة فرعية على مستوى المكتبة تُعنى بإدارة الأزمات، بحيث تعمل هذه الهيئة الادارية على الاستعداد للأزمات من خلال الخُطط والاستراتيجيات الاحترازية التي من شأنها أن تعمل على تلافي العديد من الأزمات.

أما بخصوص المقروئية على مستوى المكتبة الوطنية، فقد تباينت أراء العينة المبحوثة، إذ أن المُديرة العامة المساعدة تعتبر أن هناك أزمة مقروئية شاملة على مستوى المكتبات العمومية، كما تخص بالذكر المكتبة الوطنية التي تعتقد أنها تفتقر إلى قُراء أوفياء، في حين أن مُدير المكتبة ومُديرة الإدارة والوسائل فيريان بأن المكتبة الوطنية لها نسبب تردد عالية وأن المكتبة أحيانا لا تتسع لكثرة عدد المترددين عليها وبذلك فإن المكتبة لا تواجه أزمة على مستوى التردد بغض النظر عن طبيعة النشاط المؤدى من طرف المُستفيدين داخل المكتبة، ويبرران ذلك بأن المكتبة الوطنية ليس من أولوياتها خدمة المقروئية. هنا نجد أن المبحوثان وان كانا لم يجانبا الصواب في أن المكتبة الوطنية في العموم غير مَعنية أكثر بالمقروئية، إلا أنهما يخالفان التصريح المُدرج على الموقع الرسمي للمكتبة الذي يَرِدُ فيه أن المكتبة « تتفرد على نظيراتها أنها أخذت على عاتقها مُهمة تشجيع المطالعة العمومية... » ومنه يمُكن أن نخلص أن المكتبة الوطنية الجزائرية تَهتم بالتردد أكثر على المقروئية، وبذلك فان انخفاض المقروئية لا تشكل أزمة بالنسبة للمكتبة، وبجانب ذلك عَبرت العينة المبحوثة أن المكتبة تَعمل على تطوير آليات وبرامج من شأنها تطوير المقروئية والمطالعة العمومية.

أما بخصوص تكنولوجيا المعلومات والاتصال، فإن العينة المبحوثة عَبرت عن عدم امتلاك المكتبة الوطنية لبِنية تحتية تكنولوجية وكذا عدم تحكمها في التكنولوجيات الحديثة وتوظيفها في العمل وهذا يُشكل أزمة للمكتبة. ذلك أن هذا المُعطى يشكل أساسا ضروريا لعمل المكتبة وكذا لجذب المستفيدين وتقديم خدمات ذات جودة. كما عبرت العينة المبحوثة أن المكتبة ومُنذ عام ونصف بصدد مشروع للتحول الرقمي الشامل للمكتبة، وأن هناك استراتيجية على مُستوى المكتبة يتم السير نحوها، هذا ما يتطلب امكانيات مادية، مالية وكذا يد عاملة مُكونة ومؤهلة. يُعلق مُدير المكتبة على هذا المشروع قائلا «على المكتبة أن تذهب إلى المستفيد بدل أن يأتي المستفيد إلى المكتبة».

انطلاقا من كون المكتبة الوطنية لا تتوافر على خطط استعدادية للأزمات ولا على هيئة ادارية متخصصة في ادارة الأزمات، فإن استجابتها للأزمات وان كان موجودا على مستوى الممارسات الإدارية إلا أنها غير ناجعة، وهذا ما نستشفه من خلال استجابة المكتبة للأزمات التي سبق وأن تم التطرق إليها. وفي هذا السياق فانه غالبا ما يتم تلافي هذا العجز من طرف المكتبات الوطنية الأخرى كما سبق وأشرنا إليه في الدراسات السابقة من خلال الشراكات الاستراتيجية، إلا أن العينة المبحوثة صرحت أن المكتبة لا تمتلك شراكات استراتيجية مع مؤسسات خاصة بإدارة الأزمات وإنما يتم التنسيق مباشرة مع الجهات الوصية على غرار وزارة الثقافة والفنون أو ولاية الجزائر العاصمة.

2.2. استجابة المكتبة الوطنية الجزائرية لأزمة « Covid-19 »

« غير مستعدة تماما » هكذا وجدت جائحة « Covid-19 » المكتبة الوطنية الجزائرية، وهذا طبيعي إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المكتبة لا تعمل وفقا لإدارة الاستعداد للأزمات. فمذ ظُهور فيروس «Covid-19» في مدينة وهان الصينية إلى غاية انتشاره في الجزائر كانت المكتبة الوطنية في حالة متابعة ولم تتخذ أي اجراءات احترازية واستباقية.

أما بعد انتشار الجائحة في الجزائر فإن المكتبة الوطنية وفقا لمُديرها العام عَملت بناء على توصيات اللجنة الوطنية الصحية التي أدارت الجائحة في الوطن. وتبعا لذلك انعقد اجتماع على مُستوى المكتبة من طرف فريق اداري برئاسة المدير العام ولجنة الصحة والوقاية التابعة للمكتبة، خَرج الاجتماع بمجموعة من التعليمات تَنصُ على:

  • ضَرورة تطبيق البرتوكول الصحي: التباعد الاجتماعي، ارتداء الكمامة، واستخدام جهاز قياس درجة الحرارة؛

  • تَشجيع الموظفين الذين استوفوا شروط العطل بأخذها لتقليل عدد العمال بالمكتبة لأقل عدد ممكن؛

  • اعفاء العمال المرضى، الذين يتنقلون باستخدام وسائل النقل العمومي، النساء الحوامل وكبار السن من العمل؛

  • غَلق أماكن التجمع بالمكتبة بما في ذلك المطعم والمقهى؛

  • إلغاء جميع نشاطات وتظاهرات المكتبة؛ و

  • تقليل التعاملات الإدارية المباشرة والتعامل عن طريق البريد الإلكتروني.

عَملت المكتبة على إدارة الأزمة وفقا لفريقان، فريق صحي؛ يتمثل في ممثلي لجنة الصحة والوقاية على مستوى المكتبة والتي مَثلت هيئة تقنية استشارية عَملت على مُراقبة وتقييم الوضع واسداء التعليمات على شكل تقارير ومُقترحات، أما الفريق الثاني فهو إداري؛ يَضُمُ كبار المسؤولين على مستوى المكتبة يعملون على تنفيذ قرارات الفريق الصحي. بحيث يتم مداولة توصيات ومُقترحات الفريق الصحي وفقا لاجتماعات تنعقد على مستوى المكتبة كلما دَعت الحاجة إلى ذلك. وعلى الرغم من أن هذا الفريق ومن الناحية الإدارية والرسمية ليس مختصا بالأزمات إلا أنه من الناحية الاجرائية يُمكن اعتباره فريقا لإدارة الأزمة وهو بحسب المدير العام للمكتبة « كان أحد أدوات إدارة الأزمة »، وهذا ما يتوافق مع النتائج التي سبق وتم الإشارة إليها في أن المكتبة تمُارس ادارة الأزمات بطريقة ضِمنية في سياق اجراءاتها الإدارية.

مع نهاية شَهر شُباط وبداية شهر آذار تفاقمت الجائحة على مُستوى المكتبة الوطنية، وتُرجع العينة المبحوثة ذلك لأن : قسما كبيرا من جمهور المكتبة من طلاب الطب المقيمين والذين هم أكثر فئة تعاملا مع الفيروس ونقلا له، كما أن ذلك تزامن مع ذُروة تفشي الفيروس على المستوى الوطني. وتبعا لذلك تُفيد المديرة العامة المُساعدة بأنه تم انعقاد اجتماع على مستوى المكتبة باقتراح من لجنة الصحة والوقاية وتقرر على إثره اغلاق المكتبة الوطنية لمدة 15 يوما لِغرض تَفطيح نسب الإصابات إذ وَصَلَ عَددها حَسب مَا صرح به مُدير المكتبة إلى أزيد من 70 حلة وذلك حماية للموظفين والجمهور وكذا من أجل تعقيم فضاءات المكتبة ومجموعاتها. تم إقرار الإغلاق باقتراح قدمته المديرة العامة المساعدة لوزارة الثقافة والفنون، تم الموافقة عليه في نفس اليوم لتغلق المكتبة أبوابها أمام الجمهور في السابع من أذار 2020.

أما بخصوص تداعيات الأزمة الصحية على المكتبة الوَطنية الجزائرية، فوفقا للعينة المبحوثة كانت بالغة السوء على المكتبة. فهي على حد تَعبير مُدير المكتبة « خلقت نوعا من عدم السير العادي للمكتبة » فعلى مُستوى العمل الإداري؛ تفيد مُديرة الإدارة والوسائل بأن العَمل كان بطيء جدا نظرا لأن غالبية الموظفين سواء كانوا في الحجر الصحي أو تم تسريحهم وفقا للإجراءات الوقائية وقد وصل الأمر إلى حد التعطل النهائي في أوقات الإغلاق الكلي للمكتبة. وبخصوص المجموعات؛ فقد شهدت خللا في سيرورة السلسلة الوثائقية خاصة ما تعلق بالمعالجة العلمية لمصادر المعلومات، كما تأثرت كذلك خَدمات المكتبة إذ تم الابقاء فقط على خدمة الإعارة الخارجية وتعطيل مُعظم الخدمات الأخرى. أما على مُستوى المستفيدين فقد قُلص عدد المترددين إلى 50 % نظرا لإجراءات التباعد الاجتماعي أو إلى 100 % في حالات الإغلاق الكلي للمكتبة.

هذا ولقد شَهدت المكتبة الوطنية استجابة ضعيفة جدا للأزمة فعلى المستوى الوظيفي، تُأكد العينة المبحوثة عدم قُدرة المكتبة على تطبيق نمط العمل عن بعد « Work from home »وهذا راجع إلى ضعف البنية التحتية التكنولوجية، ثانيا أن الموظفين على مُستوى المكتبة غير مُكونين على نمط العمل عن بعد، بالإضافة إلى مشاكل مُتعلقة بالمُدونة القانونية التي لا تتسم بالمرونة التي يمكن على أساسها تفعيل هذا النمط الجديد من العمل. ومع ذلك فان المكتبة فعلت بعضا من أنشطتها عن بعد إذ يُعلق المدير العام للمكتبة أن «هذا النظام كان متوفرا بنسبة لا تتجاوز 5 %» وبحسب المُديرة العامة المساعدة فإن الخدمات التي تم تقديمها للمستفيدين بفضل نمط العمل عن بعد تمثلت في:

  • الاعارة عن بُعد: بحيث تَعمل المكتبة على اعارة مصادر المعلومات الالكترونية التي تتوافر عليها المكتبة أو يتم توجيه المستفيدين إلى أماكن توجدها؛

  • البحث عن بُعد: تستقبل مَصلحة البحث الببليوغرافي طلبات المستفيدين عبر البريد الإلكتروني أو على منصات التواص الاجتماعي، تقوم بإعداد قائمة ببليوغرافية لنتائج البحث ويتم ارسالها إلى المستفيد؛

  • الإيداع القانوني: حَيثُ فَعلت المكتبة خدمة الايداع القانوني مباشرة من خلال الموقع الرسمي للمكتبة، أو من خلال مراسلة المصلحة المعنية عن طريق البريد الالكتروني «E- mail».

أما عن الدور الاجتماعي للمكتبة الوطنية في فترة أزمة جائحة كورونا، تفيد عينة الدراسة أن المكتبة على درجة من الوعي بحيث تَعتبر نفسها مُلزمة على أداء دور اجتماعي في أوقات الأزمات وعلى أن المكتبة لبد من أن تستجيب بكل ما من شأنه أن يُساعد المستفيد على الصمود وتجاوز الأزمة، إلا أن هذا مالم يتم التماسه في واقع الحال وذلك نظرا لضعف وقلة النشاطات والإجراءات المتخذة. أما عن الأنشطة التي قامت بها المكتبة فتمثلت في :

  • نشر الارشادات الصحية على أوسع نطاق سواء بمحيط المكتبة أو عبر موقعها الإلكتروني وخاصة على صفحة الـ «Facebook»؛

  • مساعدة المواطنين في الحصول على مصادر معلومات موثوقة حول الجائحة وبخاصة الصادرة عن الهيئات الدولة المختصة على غرار مُنضمة الصحة العالمة أو وزارة الصحة واصلاح المستشفيات الجزائرية.

نلاحظ من خلال اجابات المبحوثين أن استجابة المكتبة الوطنية لجائحة كورونا كان ضعيفا جدا، يُعزى الأمر في ذلك في الأول إلى عدم تَوفر ادارة خاصة بالأزمات والكوارث على مستوى المكتبة، ثانيا أن المكتبة الوطنية لا تقوم بإعداد خطط استباقية للوقاية والاستجابة المبكرة للأزمات وعدم توفر برتكول خاص بمكان العمل، ثالثا أن المكتبة لا تمتلك بِنية تحتية تكنولوجية ولا الكادر البشري المتكون من أجل تفعيل استراتيجيات وخطط استعجالية على غرار تفعيل نمط العمل عن بُعد وتقديم خدمات المعلومات عن بعد.

وبخصوص الشراكات الاستراتيجية مع مؤسسات معنية بإدارة الأزمات، فقد صرحت العينة المبحوثة عدم وجود أي شركات بما في ذلك الجهات الصحية المُكلفة بإدارة الجائحة. وأن المؤسسة الوحيدة التي تم التعاقد معها فتمثلت في مؤسسة «Clean Up» والتي عملت طيلة الجائحة على تعقيم فضاءات المكتبة ومجموعات، وهي اضافة إلى ذلك نفس الجهة التي كانت تزود المكتبة بالمواد المستخدمة في عمليتي ترميم المجموعات والحفاظ عليها، وكذا تزويد المكتبة بمختلف المواد المُعقمة بما في ذلك تلك المُستخدمة في فترة الجائحة.

وعلى الرغم من أن العينة المبحوثة أبدت موافقتها الكاملة على ضرورة استجابة المكتبة في أوقات الأزمات لدعم المجتمع المحلي، إلا أن الممارسات والأنشطة التي قامت بها المكتبة الوَطنية مقارنة مع التجارب الرائدة التي سبق وأن تم الإشارة إليها تبقى مَحدودة جدا ولا ترقى لتطلعات المُجتمع المستفيد. وهذا يُعزى في الأساس إلى انعدام وضوح الرؤية بخصوص طبيعة الدور الذي ينبغي على المكتبة أداؤه في أوقات الأزمات.

خاتمة

الأزمات والكوارث ليست بشيء جديد على المكتبات ومراكز المعلومات في الجزائر، لكن من المهم جدا مَعرفة كيفية التعامل معها بفاعلية والاستعداد لها. وبذلك تكتسب ادارة الأزمات أهميتها على مستوى المكتبات. واقع ادارة الأزمات بالمكتبة الوطنية الجزائرية ضعيف جدا، فالمكتبة لا تطبق بشكل صريح الأساليب ومقاربات علم ادارة الأزمات، كما أنها لا تتوافر في هيكلها التنظيمي على هيئة ادارية ولا فريق خاص بإدارة الأزمات. كما أن المكتبة لا تتوافر على شراكات استراتيجية مع هيئات أو مؤسسات وطنية مختصة بإدارة الأزمات.

وبذلك استجابة المكتبة بطرقة غير فعالة وغير علمية لمختلف الأزمات التي واجهتها وبالأخص أزمة جائحة « Covid-19 » وذلك راجع في الأساس إلى عدم وُجود هيئة ادارية مَعنية بإدارة الأزمات على مُستوى المكتبة. كما أن انعدام وُجود فريق مختص بإدارة الأزمات يجعل من اتخاذ القرارات في أوقات الأزمات صعبا جدا، فضلا عن انعدام وجد خطط وبروتكولات للاستجابة لها. وعلى الرغم من وجود ممارسات ادارية خاصة بمعالجة الأزمات على مستوى المكتبة إلا أنها غير فعالة وذلك نظرا لضعف التنسيق بين المصالح وكذا غياب هيئة تُشرف على الأزمات على مستوى جميع المصالح بالمكتبة.

كما أن المكتبة الوطنية الجزائرية لم تؤدي دورا فعالا في المجتمع في فترة أزمة كورونا، خاصة فيما يتعلق بضرورة كونها مركزا وطنيا ومحليا للمعلومات الموثوقة. حيث أن أغلب نشاطاتها التوعوية كانت على مُستوى مَبنى المكتبة الأمر الذي يجعل منها محدودة في نطاق تغطيتها، أما بخصوص نشاطاتها على الإنترنت ومواقع التواص الاجتماعي فقد كانت محتشمة. وعلى غيرها من المكتبات الوطنية المتقدمة، فالمكتبة الوطنية لم تشتغل مع مؤسسات معنية بالأزمة على غرار وزارة الصحة واصلاح المستشفيات.

وبناء على ذلك، تتقدم هذه الدراسة بمجموعة من المقترحات التي من شأنها العمل على تفعيل ادارة الأزمات وتطويرها على مستوى المكتبة الوطنية الجزائرية وهي :

  • ضَرورة تشكيل هيئة ادارية للاستعداد وادارة الأزمات على مستوى المكتبة الوطنية الجزائرية؛

  • العمل على تطوير شراكات استراتيجية مع هيئات ومؤسسات وطنية ودولية خاصة بإدارة الأزمات والكوارث؛

  • العمل على تكوين فريق دائم لإدارة الأزمات، بحيث يكون ممثلا لجميع مصالح وأقسام المكتبة؛

  • تَكوين مُوظفي المكتبة على أساسيا علم ادرة الأزمات وتمكينهم من الأليات والأدوات اللازمة لذلك؛

  • تَفعيل دور المكتبة في الاستجابة أثناء الأزمات لتخفيف من تداعيات الأزمة على مستوى الأفراد والجماعات والمؤسسات.

.

رفعت عارف الضبع. (2014). «إدارة الأزمات». القاهرة: المكتب المصري للمطبوعات.

الصقور صالح خليل. (2012). «موسوعة الخدمات الاجتماعية المعاصرة». عمان: دار زهران للنشر والتوزيع.

عبد السلام أبو قفح. (2000). «الإدارة الاستراتيجية وإدارة الأزمات ». الإسكندرية: دار الجامعة الجديدة.

محمد صخري. (بلا تاريخ). « ملف شامل حول ماهية ادارة الأزمات ». تم الاسترداد من الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية : https://www.politics-dz.com

المعجم الوسيط. (بلا تاريخ). تم الاسترداد من https://www.almaany.com/ar

Beverley, L., Nicholas, G., & Nicole, P. (2020). « Coping with Covid-19: The case of the National Library of Jamaica. The Journal of National and International Library and Information », 30(2-3), pp. 135-146. Available at : DO : 10.1177/0955749020984937

Crise. (2022). Consulté le 07 03, 2022, sur Larousse : https://www.larousse.fr/dictionnaires/francais/crise/20526

Crisis. (2022). Consulté le 07 03, 2022, sur Oxfordlearners dictionries : https://www.oxfordlearnersdictionaries.com/definition/english/crisis_1 ?q =crises

Fullerton, J. (2004, August 22-27). « Disaster preparedness at the National Library of Australia ». World Library and Information Congress: 70th IFLA General Conference and Council. 16 (3), pp. 175-179. Buenos Aires: Alexandria.

international standard organization. (2018). « ISO 31000:2018 Risk management Guidelines. » Available at: https://www.iso.org/standard/65694.html

Keating, R. (2021). « Disruption, values and resilience: The British Library’s response to the Covid-19 pandemic ». The Journal of National and International Library and Information, 30(2-3), pp. 84-89. Available at: DOI: 10.1177/09557490211008010

Sadat Akhshik, S., & Rajabali Beglou, R. (2022). « A systematic review of crisis management in libraries with emphasis on crisis preparedness ». IFLA Journal, pp. 117–136 https://doi.org/10.1177 %2F03400352221089675.

Sison, A. E. (2007). « Disaster-readiness of the National Library of the Philippines ». journal of philippine librarianship, 27(1&2), pp. 252-253.

Susanne, O., jorg, r., Renate , G., & Frank , S. (2020). « The German National Library and the Covid-19 pandemic ». The Journal of National and International Library and Information, 30(2-3), pp. 118-121. Available at : DOI : 10.1177/09557490211007677

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article