مقدمة
باتت الجامعة تحتل مكانة مرموقة بالمجتمعات باعتبارها آلية من آليات التنمية الحضارية، وهي تقوم بإعداد القوى البشرية المؤهلة لتحقيق الازدهار ولخدمة المجتمع والاقتصاد، وبما أن الدول المتقدمة حققت أهم انجازاتها التقدمية بفضل الجامعة فقد سعت دول الجنوب وراء ذلك بإنشاء جامعاتها وتزويدها بالإمكانيات التنظيمية والبشرية والمادية، حيث أن وظيفة الجامعة في إنتاج المعرفة وتطويرها ونشر القيم الإنسانية العالمية وخدمة المجتمع.
وبما أن الجزائر من بين الدول التي أنشأت الجامعات بعد الاستقلال لتحقيق مهام ووظائف الجامعة ولكن مدة ثلاثون سنة والجامعة الجزائرية تتخبط في العديد من المشكلات مما استدعى العديد من الإصلاحات للتخلص من النظام التعليمي الموروث، وكان آخرها إصلاحات نظام (ل م د) الذي كان حتمية اقتضتها الظروف لإخراج الجامعة من أزمتها التي تعصف بها، بتوفير الإمكانيات البيداغوجية والعلمية والهيكلية التي تتيح لها الاستجابة لتطلعات المجتمع ومنه يمكننا أن نطرح التساؤلات التالية: ما هي الدوافع التي أدت بالجامعة الجزائرية إلى الإصلاح من خلال تطبيق ما يسمى نظام ( ل م د)؟ وما مدى نجاعته بين تقديم لإيجابياته وكذا سلبياته وبين مؤيد لتطبيقه بالجامعة وتحديات لتكريسه وبين رؤى تتنبـأ بفشله؟ وهل استطاعت الجامعة بفضله أن تحقق دورها الإنمائي والحضاري في خدمة الأفراد والمجتمع؟
بعد هذا التقديم لا يمكننا أن نتحدث عن الجامعة الجزائرية دون تناول بعض المفاهيم التي تحظى بمكانة لا يستهان بها، ولا يمكن اعتبارها ترفًا علميًا، بل هي محاولة منهجية مشروعة وضرورية في التواصل، وذلك حتى لا يساء فهمُها أو تُفْهَم بغير دلالاتها المقصودة، ومن هنا تظهر الأهمية الكبرى لوضع الكلمة في سياقها، وفقًا للمعنى الذي يساعد الباحث على وضعها في إطار مرجعي يستخدمه عند التعامل مع مشكلة بحثه ومن أهمها :
1. ضبط المفاهيم
1.1. التعليم العالي
هو قمة الهرم التعليمي، والذي يتم بفضله إعداد الثروة البشرية اللاّزمة لخدمة المجتمع، وتحقيق تقدمه بما يتيح تحقيق الرفاه والرخاء للوطن والمواطن، قصد الوصول به إلى مستوى الأمن والآمان (السيد وعمار، 2002: ص25).
كما يعرف أيضًا: أنه مصطلح يشير لمصدر التقدم الاقتصادي والاجتماعي، فمن خلاله يتم تجسيد النمو الاقتصادي وتحسين نظم الحماية الاجتماعية، كما أكدت الأبحاث أن التعليم العالي يسهم في تنمية المهارات المعرفية التي تستخدم في تطوير الاقتصاد العالمي (الفتلاوي، 2008: ص110).
إذ تعددت التعريفات للتعليم العالي ولكن في جملتها تتفق على أنه بمثابة حلقة الوصل محورية بين بنية تعليمية ومخرجات سوق العمل، ما يسهم في تخرج مواطن قادر على فهم مجتمعه ويسهم في تنميته، وإيجاد حلول لمشكلاته التنموية.
2.1. الجامعة
تعتبر المصدر الأساسي للخبرة والمحور الذي يدور حوله النشاط الثقافي في الآداب والعلوم والفنون، ومهما كانت أدوات التكوين وأساليبه، فإن المهمة الأولى للجامعة يجب أن تكون دائمًا التوصيلية الخلاق للمعرفة الإنسانية (مجالاتها النظرية والتطبيقية)، وتمهيد الظروف الموضوعية بتنمية الخبرة الوطنية التي لا يمكن بدونها أن يحقق المجتمع أية تنمية حقيقية في الميادين الأخرى (ولد خليفة، 1989: ص177).
وتعرف أنها: مجموعة من الأشخاص يجمعهم نظام ونسق خاصين، تستعمل وسائل وتنسق بين مهام مختلفة للوصول بطرق ما إلى المعرفة العليا (فضيل،2006 : ص211).
نظام ( ل م د) :هو عبارة عن نظام للتعليم العالي يتكون من ثلاثة مستويات : شهادة الليسانس، شهادة الماستر، شهادة الدكتوراة، هو نظام أنجلوساكسوني أثبت نجاعته طبق بعد ذلك في أوربا بأكثر من 27 دولة (كمال، 28 أفريل الى 1 ماي 2014)، وعملت الجزائر على تطبيقه ابتداءً من الدخول الجامعي 2004-2005 .
عمومًا التعليم الجامعي هو ذلك النوع من التعليم الذي يتوج مراحل سابقة له (التعليم الابتدائي، الثانوي)، وهناك وجهة نظر تذهب إلى التمييز بين مفهومي التعليم العالي والتعليم الجامعي حيث أن التعليم العالي يشمل العديد من المؤسسات بالاضافة إلى المعاهد المتخصصة والتابعة لوزارة التعليم العالي.
2. نشأة الجامعة عبر التاريخ
ويعود مصطلح جامعة (université) إلى اللغة اللاتينية ومشتق من (universitas) ويقصد به :الاتحاد والتجمع، وتم استخدامه بداية من القرن (14 م) ليدل على معنى الجامعة الحالي (التل وآخرون،1997 : ص40)، أما قبل ذلك تشير الكتابات أن المصطلح أُستعمل أول مرة نحو سنة 1218م، وكان يقصد بها التنظيم في جماعة معينة، في حين الحضارة اليونانية لم يرتقي التعليم إلى مستوى التعليم العالي، حيث أشتهر ( أرسطو، أفلاطون وسقراط ) بتعليم الفلسفة والعلوم دون الحاجة إلى منح شهادات أكاديمية، مقارنة بالحضارة الهندية التي جعلت التعليم حكرًا على الكهنة فقط (نمور، 2011-2012: ص21 ).
تعتبر مرحلة العصور الوسطى هي الحقبة التي أخرجت لنا الجامعة كما هي اليوم، إذ اُعتبرت هذه المرحلة أقصى مراحل العملية التعليمية، فشهدت أوربا ميلاد أولى الجامعات بالقرن (12م): جامعة باريس وكان معناها(تجمع الأساتذة)(1194) وجامعة بولونيا(تجمع الطلبة) والتي كانت بمثابة انبعاث جديد للفلسفة اليونانية، وإن ما زاد من توسع التعليم هو الثورة الصناعية التي مهدت لفتح الكثير من الجامعات لتختص في نماذج معينة في البحث سواءً العلوم الطبيعية أو العلوم التطبيقية أو الإنسانية، أما بالشرق العربي كان المسجد هو الحلقة الوحيدة للتعليم ثم تطورت عنه عدة جامعات حديثة تبدأ من جامعة القيروان والزيتونة بشمال إفريقيا والتي بدأت بتدريس العلوم الإسلامية (العبادي، يوسف حجيم، وآخرون: 2007)، فيعتبر الجامع الأزهر الذي تم إنشاءه القرن (10م) أول جامعة إسلامية على الرغم من أنه لم يطلق عليه اسم جامعة إلا عندما أعيد تنظيمه 1961 (بن أشنهو، 1981 : ص3)
3. الجامعة الجزائرية الوظيفة والأهداف
بما أن الجزائر تناوبت عليها عدة حضارات وكان لكل حضارة فكرها وثقافتها الخاصة التي طبعت تاريخ هذه البلاد، فكذلك نظام التعليم فيها عرف عدة تغيرات (من تواجد عثماني إلى استعمار فرنسي حتى استقلالها) مما عكس منابع التعليم فيه، من تعليم تقليدي كان يتم بالمدارس القرآنية والزوايا والجامعات الدينية التي كانت قبلة لطلبة العلم، إلى تعليم استعماري كان منظومة تربوية فرنسية بديلة تحاول دحض الهوية الوطنية وعقيدتها وأصالتها، أما التعليم بعد الاستقلال امتلكت الجزائر فقط جامعة واحدة اُنشئت سنة 1877 وأعيد تنظيمها 1909 من طرف فرنسا لتكون نسخة عن الجامعة الفرنسية سواءً في البرامج أو اللغة الفرنسية أو تدني نسبة الطلبة الجزائريين مقارنة بالأوربيين (زايد،1986 :ص108) وكانت تضم أربع كليات(الآداب، الحقوق، العلوم الطب العلوم الفيزيائية) (تركي،1990:ص47)، لكن بعد الاستقلال بقيت الجامعة الجزائرية بنفس منوال الجامعة الفرنسية حتى تقررت بعض الإصلاحات فيما بعد اقتداءً بإصلاحات الجامعة الفرنسية (1965)، وأهم محطات الإصلاح (1972-1984 /1998 /2002 وبالضبط 2005)، ولكن رغم تعدد الإصلاحات إلا أن للجامعة وظائف منوطة بها أقرتها هيئة الأمم المتحدة وهي (اليونسكو،1998 : ص29):
1.3. مهمته التربية والتكوين والبحث
وذلك بتعزيز القيم الأساسية للتعليم العالي بالمساهمة في التطور المستمر وتنمية المجتمع باعداد القوى البشرية الفعالة في شتى المجالات (تكوين الكوادر البشرية وتدريبهم)، عن طريق منح فضاء مفتوح لتكوين عالٍ والتعلم مدى الحياة، وترقية البحوث في المجالات المختلفة من بحث تكنولوجي أو علمي أو إنساني اجتماعي بهدف نشر الثقافات الوطنية والجهوية والعالمية في سياق تنوع ثقافي.
أدخل هنا محتوى العنوان الفرعي الثاني، أدخل هنا محتوى العنوان الفرعي الأول، أدخل هنا محتوى العنوان الفرعي الأول، أدخل هنا محتوى العنوان الفرعي الأول، أدخل هنا محتوى العنوان الفرعي الأول، أدخل هنا محتوى العنوان الفرعي الأول، أدخل هنا محتوى العنوان الفرعي الأول.
2.3. الاهتمام بالدور الأخلاقي والاستقلالية والمسؤولية
حيث تخضع جميع نشاطات ومؤسسات التعليم العالي للصرامة العلمية والأخلاقية، والتعبير عن مختلف المشاكل باستقلالية ومسؤولية باستخدام الوعي الفكري والأخلاقي، وكذا لنشر القيم العالمية من ديمقراطية ومواطنة وسلام وحرية ومساواة وتعاون لخدمة المجتمع الإنساني، لتكون خدمة المجتمع أهم الأدوار التي على الجامعة والتعليم العالي أن يحققها والتصدي للظواهر الدخيلة والمؤثرة على قيمه ومعتقداته. (الربيعي، 2008: ص28 )
فبهذين الوظيفتين تحاول اليونسكو أن تحيط بجوانب الحياة والمجتمع، مما يجعل منها وظائف متكاملة بين قوى بشرية ويد عاملة وبحث علمي يستخدم لأغراض إنسانية وتنموية تخدم الأفراد والمجتمعات، فمهام الجامعة هي ثلاث : (التعليم، البحث، خدمة المجتمع)، وهذا ما يجعل أهم أهداف الجامعة هي أن تخدم المجتمع وترتقي به حضاريًا وفكريًا، بتقديم المعارف وتنمية القيم الإنسانية، تعزيز المجتمع بالمختصين والخبراء، وإعداد إنسان وفقًا لأصول المعرفة وطرق البحث المتقدمة والقيم الرفيعة للمساهمة في بناء المجتمع وصنع مستقبل الوطن وخدمة الإنسانية مع الإيمان بحركة التطور العلمي والتقدم التكنولوجي (بن أشنهو،1981 : 5).
4. إصلاحات نظام (ل م د)
1.4. الدوافع والأسباب
نظرًا لعديد النقائص التي باتت تعاني منها الجامعة الجزائرية كان لزامًا عليها تبني إصلاحات متتالية من أهمها وآخرها تطبيق نظام (ل م د)، وإن كانت دوافع هذا الإصلاح تكمن في حتمية فرضتها التغيرات العالمية الجديدة، فكان الدافع اقتصادي فرضته السوق العالمية أكثر منه خدمة البحث العلمي، فحتمية هذا النظام فُرضت على الجزائر بحكم اقتصاد السوق الحر والعولمة، وإلا كانت ستجد الجامعة الجزائرية نفسها أمام مطبات لا تحمد عواقبها، مما زاد من قناعة مسؤولي الحكومة أن النجاعة الاقتصادية لا تكون دون أن تتأتى برامج تعليمية وتدريبية جيدة بالجامعة، وما عزز ذلك هو تنافس المؤسسات الجامعية على استقطاب الطلاب بغية الحصول على الدعم المادي من طرف الحكومة أو الشركات الاقتصادية الكبرى.
اٌعتبر تطبيق نظام ( ل م د) بمثابة إعانة للجامعة الجزائرية للانفتاح على العالم وبصفة خاصة الاتحاد الأوربي، مما يسهل حركية الطلاب الجزائريين، وهذا ما يجعل منه دافعًا ثانيًا لأجل تطبيق هذا النظام كما أشار إلى ذلك تقرير وزارة التعليم العالي:
"أن إصلاح التعليم العالي الذي شُرع فيه، لا ينبغي أن يقدم على أنه عملية لتصحيح للاختلالات الملاحظة على نظام التعليم الجامعي في بلادنا فحسب، بل إنه يسمح بوضع الجامعة الجزائرية في مصاف أنظمة التعليم العالي في العالم، لاسيما منها أنظمة التعليم العالي بالدول المتقدمة". (الجزائر، جوان 2007 :ص 25).
ويضاف إلى جملة الدوافع الاقتصادية عدة عوامل أخرى من بينها السعي إلى تطبيق ما توصلت إليه الأبحاث البيداغوجية الحديثة، البحث عن سبل لتوفيق بين ما تقدمة الجامعة من تكوين وتدريس ليسهم في خدمة المجتمع، بدلا من الفجوة العميقة بين المجتمع المحلي والمؤسسات التعليم العالي التي تعبر عن تدني مستوى خريجي الجامعة وضعف أدائهم في المراحل التعليمية كدليل عن ضعف المناهج التعليمية المقدمة لهم، كما أوردت وزارة التعليم العالي في تقرير(ملف إصلاح التعليم العالي ) لسنة 2004 (الجزائر و، 2004 :ص4 mai) العديد من الإختلالات التي عرفها النظام الكلاسيكي من أهمها ما يلي:
-
في مجال نظام استقبال الطلبة وتوجيههم وانتقالهم ( نسب الرسوب العالية، انتقال سنوي يفتقد للمرونة، عدم تناسق بين شعب البكالوريا وتخصصات الجامعة ...)
-
في مجال هيكلة التعليم وتسييره ( هيكلة أحادية مع مسارات تكوين مغلقة وضعف في نظام التقييم، وحجم ساعي مكثف ..).
-
ضعف في التكوين وقلة التأطير والتأهيل المهني ( هجرة الأساتذة، ضعف مردودية التكوين، قلة فرص العمل...)
رغم أن جملة الاختلالات بالجامعة متعلقة في أغلبها بمستجدات الأبحاث العلمية العالمية والبيداغوجية، وكذا طرق التدريس ومناهجه، إلا أن حقيقة تحرير الجامعة من جميع مشاكلها كان وراءه هدف خفي فرضتة الحياة الاقتصادية جملة تفصيله وهو وضع التعليم العالي بالجزائر في الطريق العالمي الرأسمالي وذلك في إطار إتفاقيات شراكة أوربية بهدف جعل الجامعة مؤسسة اقتصادية منتجة سلعية وتجارية .
2.4. الأهداف تطبيق نظام (ل م د)
وفقًا للدوافع التي أدت بالجامعة الجزائرية لتبني نظام (ل م د) حتمًا ترمي إلى مجموعة من الأهداف التي تسعى لتحقيقها وتجسيدها على أرض الواقع، بغية تنمية وتطوير الجامعة الجزائرية وجعل التعليم العالي ضمن عجلة التنمية والتطوير ومنها ما يلي :
-
تكييف التعليم العالي مع المعايير العالمية وجعل الجامعة أكثر انفتاحًا على التطور العالمي في العلوم والتكنولوجيا.
-
ضمان تكوين نوعي يتماشى مع متطلبات سوق العمل والنمو الاقتصادي والطلب الاجتماعي .
-
تطوير التفاعلات الممكنة بين الجامعة والمجتمع، بتكوين أفراد يتسمون بروح المبادرة والفاعلية والتنظيم .
-
تشجيع وتنويع التعاون مع مختلف أقطاب الخارجية.
-
جعل الشهادات الجامعية تتماشى مع المواصفات الدولية لتسهيل حركية التكوين للطلبة الجزائريين ومما سيعزز مصداقية الشهادات الوطنية.
-
تدعيم القيم الأخلاقية العالمية من التسامح والحرية والسلام واحترام الآخر ....عن طريق المهمة التثقيفية للجامعة وفقًا لقواعد المهنة وآدابها .
-
زيادة المنافذ المهنية المرتبطة بكل مستوى من مستويات المنظومة، مع التركيز على البعد المهني، والإرساء الإقليمي وتطوير حوض نشاطات الإنتاج والخدمات (عبد الكريم وكمال، 2012 : ص10) .
هذه الأهداف وغيرها كثير تسعى إلى تحقيقها الجامعة الجزائرية ولكنها تصب في منحى يؤكد ضرورة تقديم تكوين نوعي يسمح ولوج عالم الشغل، وتكوين لمدى الحياة يساير مختلف التغيرات، ويسهم في استقلال مؤسسات التعليم العالي وانفتاحها على العالمية.
3.4. إصلاحات نظام (ل م د) بين التأييد والرفض والإيجاب والسلب:
من شأن أي تغيير أن يحدث انقسامًا في الرؤى والأفكار بين التأييد والمعارضة، وهذا هو حال تطبيق نظام (ل م د)، ولكل تغير ايجابيات يحمد عليها وسلبيات يعاب فيها، وقد ترجع النقائص لسوء تكييف النظام مع محيط الجامعة الجزائرية وقلة الإمكانيات ولا تعود للنظام نفسه، فمن بين ايجابيات هذا النظام ما يلي :
-
التسجيل المباشر دون الخضوع لتوجيه مركزي .
-
تقليص في الحجم الساعي مع مرونة نظام التقييم والانتقال مما يعزز فرص النجاح .
-
تكوين نوعي وفقًا للتخصصات المفتوحة مع إمكانية ارتقاء هذا التكوين للمواصفات العالمية .
-
تفعيل العلاقة بين عالم الشغل (المحيط الاقتصادي ) والمجتمع والجامعة .
-
إمكانية انفتاح الجامعة الجزائرية على الجامعات الدولية في إطار التعاون الخارجي.
فهذه الايجابيات التي يرون فيها نقاط تمنح نظام (ل م د) التأييد والقبول وخاصة أن الوزارة الوصية تبنته ودافعت عنه بهدف إدخال الجامعة الجزائرية إلى اقتصاد السوق ومنحها إمكانية إتمام اتفاقيات الشركة مع الاتحاد الأوربي، فهذا الفضاء العلمي بمقدوره أن يقضي على الحواجز الاصطناعية القائمة بين الجامعة والمحيط الاجتماعي من جهة، وينهي عزلتها مع المحيطين الاقتصادي والسياسي .
في حين هناك بعض العيوب التي تزامنت مع تطبق هذا النظام بالجزائر منها ما يلي :
-
قلة المؤسسات الاقتصادية التي يراهن عليها هذا النظام في إيجاد توازن بين التكوين الجامعي ومناصب الشغل.
-
عدم تطور الجامعة الجزائرية بما يكفي لتساير عالم المعلوماتية واستفادة الطلبة من خدمة الانترنت والإعلام الآلي.
-
افتقار الجامعات للمخابر والكتب العلمية ومخابر البحث التي تواكب التطور العلمي.
-
الافتقار للعقود مع الشركاء الاقتصاديين مما يسبب قلة الخرجات والتظاهرات العلمية والدراسات الميدانية، وهذا ما يجعل (ل م د) يواجه تجربة الخوصصة والمؤسسات الصغيرة وفتح المجال للمستثمر الأجنبي، وميزانية الدولة عاجزة عن مسايرة الإنتاج في السوق الأوربي.
بالإضافة عدم استعداد الأسرة الجامعية المؤسسات الجامعية والأساتذة للتحديات التي يفرضها النظام الجديد (ل م د ).
فالمطلعون على الواقع الاقتصادي والاجتماعي يتنبأوون فشل هذا النظام وفقًا للمعطيات التي سينشأ فيها فالاقتصاد الجزائري ليس سوقًا مرنًا ولا دراية لأصجابه ولا للشركاء الاقتصاديين فيه بالسوق الحرة والمنافسة، مثلما هو اقتصاد السوق الأوربية.
رغم كل هذه السلبيات التي لا يمكن التعاضي عنها ويجب معالجتها فإننا نلحظ مع كل دخول جامعي إحداث تغيرات كبيرة وتعديلات وتحسينات سواء في طرق التدريس أو بالمقاييس المدرسة بكل تخصص علمي، أو على مستوى الكفاءة العلمية والخبرة المهنية بالنسبة لهيئة التدريس، بهدف تحقيق أكبر قدر من الايجابيات في النظام من حيث الجودة والتميز على مستوى التعليم العالي ومواكبته للتطور .
4.4. كيف يستطيع نظام ( ل م د) خدمة المجتمع الجزائري؟
يعتبر البحث العلمي القاعدة الأساسية التي تحقق التطور والازدهار الاقتصادي للشعوب، وهذا ما استطاعت أن تحققه العديد من الدول مع النهضة الصناعية كألمانيا ولكن التنظير الفكري كان لوحده غير كاف كحقيقة موضوعية، فالبحث عن الحقيقة لوحدها غير كاف، لو لم نعيد تلك الحقيقة للواقع، فهذه الحقائق الفكرية التي نصل إليها دون ربطها بمشكلات المجتمع الجزائري كثيرة وأهدافه تصير دون جدوى .
فالجامعة بتنظيرها الفكري تقدم تعليلات للظواهر الاجتماعية وتجد حلولاً لمشكلات المجتمع، لأن نظام (ل م د) يسعى لربط الحلقة المفقودة بين الجامعة والوسط الاجتماعي كمسعى يهدف إليه، فالتوجه الذي يحصر الجامعة والطالب والأستاذ في البحث عن الحقيقة لذاتها يفقد الجامعة بالنهاية وجودها ويحد من فرص النمو الأكاديمي (العبادي، يوسف حجيم، وآخرون، 2007 : ص93 ).
مما يستدعي منا أن ننظر إلى هذا النظام (ل م د) كنظام يحتاج لمناخ يلائمه، فلابد من توفير شروطه سواء على مستوى التكوين أو الجو الاقتصادي من سوق للعمل ومؤسسات اقتصادية تستطيع أن تحمل أعباء ضعف ميزانية الدولة، وتساهم في نشر الانجازات العلمية وتبنيها، وهذا ما يسمى بتطبيقات العلم وبالتالي مادة علمية بمقابل مؤسسة اقتصادية توفر مساعدة لأصحابها بتقديم الإمكانيات اللازمة للبحث، فتتحقق مؤسسة استثمارية تحافظ على منتوج علمي تفاديًا لهجرة الأدمغة، وهذا يسهل انفتاح الجامعة على المحيط السوسيو-اقتصادي، وأن يتوافق عدد الخريجين مع احتياجات اقتصاد السوق، مما ينعكس بشكل أفضل على المجتمع، بعيدًا عن التركيز على عدد الخريجين وليس مواصفاتهم التي تتوافق مع السوق (الكم دون النوعية).
من اختلالات الجامعة الجزائرية وجود بحوث علمية كثيرة ولكن أغلبها تنظيري يعوزه التطبيق في أرض الواقع، وهذا نتيجة للدور التلقيني من جهة والمحيط الاجتماعي من جهة ثانية، فالجامعة التي تخدم المجتمع يجب أن يتطابق تنظيرها مع واقعها، وهذا ما برز بالمجتمع الأمريكي كل حقيقة لا تتحقق على أرض الواقع هي فاشلة وفقًا لمبدأ الفلسفة البراغماتية التي تتبنى أرض الواقع كمحك للحقيقة، وهذا راجع لطبيعة هذا المجتمع المتعدد الأجناس والثقافات والأعراق، فكان لزامًا من شيء يجمع بينهم نتيجة هذه الاختلافات الكثيرة، فكان العمل أو ما يسمى بالتطبيق، فالجامعة تنظر وتنتج المعرفة وتنقلها بهدف تطبيقها وتجريبها، وتصير كل ما تحمله البحوث المنجزة من أفكار حرة إلى معارف مستغلة تحل أزمات المجتمع ومشاكله(الفكرة الناجحة هي التي يتم تطبيقها على أرض الواقع (عن وليم جيمس).
5. علاقات الجامعة
1.5 علاقاتها بالمحيط الاقتصادي
إن البحث عن دور التعليم العالي والبحث العلمي في تحقيق النمو الاقتصادي في الجزائر، غير واضح وملتبس إن لم نقل منعدم، « فمن خلال البيانات المتوفرة عن معدلات النمو الاقتصادي في الجزائر والتي سجلت 2.5% في المتوسط خلال الفترة الممتدة من (1962 إلى 1984) و1,2% للفترة (1985– 1998) وحوالي 4% للفترة الممتدة بين (1999– 2007). »(تومي، 2012: 34)، ونفس النسبة تقريبا للفترة الممتدة بين (2008–2016)، ندرك تماما بمجال لا يدعو للشك أن الأداء الاقتصادي في الجزائر مرتبط وإلى حد كبير بالريع البترولي، استحواذ مداخيله على 95% إلى 98% من الإرادات الخارجية للجزائر من العملة الصعبة.
في المقابل لهذا لا يتضح حجم الأداء الجامعي ومستواه وتأثيره في هذا النمو الاقتصادي، فرغم آلاف المتخرجين في مقابل آلاف الأساتذة والباحثين، تبقى الجامعة مجرد بناء هيكلي غير مؤثر في المحيط الاقتصادي الذي يحيط به، بل إنه برغم كل الإصلاحات مازال المشكل يطرح بحدّة في عدم تكيف الجامعة ومن خلالها التعليم العالي مع المحيط الاقتصادي وسوق العمل خصوصا، « الذي يعتبر مؤشر من مؤشرات النمو الاقتصادي أو انخفاضه، فلا توجد إلى اليوم علاقة واضحة بين الجامعة والمؤسّسات، ولا تتحمّل الدّولة هذه المسؤولية، ويزيد مشكل الكفاءة ومخرجات الجامعة الوضع تأزما »(أمينة، 26 / 27 ماي 2010 ص: 18)، خصوصا في ظل انفصال بين المتلقى النظري للمتخرجين والحاجيات التطبيقية للمؤسسات ولسوق العمل.
يضاف إلى هذا أن البحث العلمي الموجود في الجامعة الجزائرية لم يرق بعد إلى المستوى الذي يعطيها مكانة أفضل في مجتمعها وفي محيطها الاقتصادي، فرغم أنه يشكل محورا أساسيا في تطويرها إلا أنه لم يأخذ مكانته الحقيقية، يضاف إلى هذا الانفصال للجامعة الجزائري بمحيطها الاقتصادي تبنيها لإصلاحات غير نابعة من احتياجات المجتمع الجزائري واقتصاده، « والتي كانت نتاج إملاءات الدول الغربية والشراكة معها وفي إطار عولمة التعليم، والتي عكست وترجمت بوضوح في „تبعية المغلوب للغالب أو الأطراف بالمركز. » (أمينة، 26 / 27 ماي 2010 : ص19)
بالنسبة لعلاقة الجامعة بالتنمية الزراعية، تطرح هذه العلاقة من زاوية أن الجزائر بلد زراعي، وعلى ضآلة ذلك فإنه يمثل النشاط الاقتصادي المهم، إلا أن نفس الأمر يطرح في علاقة الجامعة ومن خلالها التعليم العالي والبحث العلمي بالميدان الزراعي، فلا استفاد هذا الميدان من الخبرات والمعارف العلمية المكتسبة بالجامعة ولا قوة العمل في هذا الميدان من متخرجي الجامعة، فهذا الميدان عرف عزوف للجامعيين، الذين أغوتهم المكاتب المكيفة والعمل المأجور والمدينة، وهو ما ضيع على الجزائر إمكانيات ومعارف كان يمكنها أن تكون مؤثرة في تطور القطاع الزراعي.
الأمر نفسه ينطبق على المحيط الاقتصادي – الصناعي، الذي رغم الوثبة العملاقة التي قامت بها الدولة الوطنية فترة السبعينات من خلال ما عرف بالثورة الصناعية، إلا أنه للأسف لم يتعد حجم العلاقة وتأثيرها بين تعليم ومخرجات وأبحاث الجامعة الجزائرية أكثر من تشغيل المصانع وإدارتها ولم يتعدها إلى تصميم الصناعة وبناء المصانع وصيانتها وتطويرها بالإبداعات والابتكارات والتحكم التكنولوجي الذاتي لمسايرة الغير، « بل بقيت في تبعية مطلقة للأجنبي، إلى أن أغلقت أبوابها وفشل مشروع الثورة الصناعية وسرح العمال وعرضت للبيع، ومن بقي منها فقد أثقل كاهل الدولة ومثل عبئا ماليا لها. »(تومي، 2012: ص36 /37).
أمام كل هذا تبرز إخفاقات الجامعة الجزائرية في التأثير والتفاعل مع محيطها السوسيو–اقتصادي، فبغض النظر عن بعض ايجابياتها ولا سيما الكمية منها، فإنها مؤسسة استهلاكية للبرامج والمناهج المنتجة بالغرب ولو بعد انتهاء صلاحية ذلك عند منتجيها، وهو ما جعلها تخفق في الاندماج وسط المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، وعوضا أن تكون مصدرا للتأثير في محيطها المجتمعي، أصبحت هي من يتلقى التأثير، « فانتقلت سلبيات البيروقراطية والقيم الاتكالية والاستهلاكية المفرطة ومظاهر الفساد المختلفة إلى الحرم الجامعي، ومعها تحولت مهمتها إلى توزيع الشهادات عوضا عن تكوين الخبرات والكفاءات التي نحن أحوج لها ». (تومي، 2012: ص37 /38)، هذا الأمر أوصل الباحث الجزائري لياس ميري إلى نشر كتاب عنونه بـ “ هل يجب غلق الجامعة؟« (Liés Mairi, 1994) هذا السؤال يعكس فعلا أزمة الجامعة الجزائرية.
2.5. مشاكل الجامعة والتعليم العالي والبحث العلمي بالجزائر
رغم عدم نكراننا لإيجابيات التطور الكمي للجامعة الجزائرية، إلا أنه لا يخفى على أحد عديد المشاكل والأزمات التي تعترض سبيلها، من ذلك، مشاكل تتعلق بالتضخم المطرد لعدد الطلبة، ما أثر بدوره على قدرة استيعاب المنشآت القاعدية، وخلق الاكتظاظ وأضعف نوعية التأطير ونتائجه، وكذا مشاكل التسيير البيداغوجي، »إضافة إلى مشاكل أخرى تتعلق بالأستاذ، وكذا الطالب وذهنياته ومواقفه وجهوده الضعيفة في سبيل التعلم وتلقي المعرفة، بالإضافة إلى مشاكل التسيير الإداري والبيروقراطية المعيقة للبحث ولعلاقة الجامعة بمحيطها، والمشاكل المتعلقة بمخرجاتها ونوعية الشهادات المحصلة غير المسايرة لحاجات وتحولات المجتمع.« (أمينة، 26 / 27 ماي 2010 : ص12)
كل هذا جعل الجامعة الجزائرية اليوم مجرد هيكل عالي لتجميع الطلبة لفترة من الزمن دون المعنى الحقيقي لإنتاج المعرفة، »وهو ما ساهم في اغترابها وأزمتها في المجتمع، وغيبها عن أدوارها ووظائفها الممكنة في تطوير محيطها الداخلي والمجتمعي العام« . (جمال، 2006 : ص31)، ونتيجة لذلك دخلت الجامعة في نوع من القطيعة في العلاقة مع محيطها، »الأمر الذي جعلها حلقة فارغة متهمة بتخريج أفواج من العاطلين من أنصاف المتعلمين« . (القاسمي، 2012: ص60)
ويزيد الأمر مأساوية عند الالتفاتة إلى الانجازات المتواضعة للجامعات الجزائرية في مجال البحث العلمي، وكذا المخصصات المالية الضعيفة له (خصص له 0,27% من إجمالي ناتج الجزائر منتصف الألفية الجديدة)، »إضافة إلى عدد الباحثين الضعيف (لم يزد عدد الباحثين الدائمين بالجزائر سنة 1996 عن 4000 باحث، وهو ما مثل 165 باحث لكل مليون جزائري، وهو رقم ضعيف مقارنة بالمعدل العالمي« . (حمانة، 2012: ص316) مرورا بالمشاكل المتعلقة بتدفق المعارف، والتواصل مع العلم وحركة الترجمة، »وكل هذا يعكس وضعا قاتما تعيشه الجامعة في ظل إرادة معوقة تحول دون المساعدة في إخراج الجامعة والبحث العلمي إلى مسار التنمية والتطوير".(سموك، 2006 : 166 / 167).
خاتمة
يعتبر التعليم العالي مصدر من مصادر نتاج رأس المال البشري بالنسبة للمجتمع، وهي استثمار حقيقي في القدرات الفكرية وتنميتها وتطويرها لتحقيق تنمية شاملة، مما أدى بالجامعة الجزائرية إلى إحداث عدة إصلاحات أملتها الظروف المختلفة سواء الداخلية أو الخارجية،فهدف هذه الإصلاحات هو إدخال مجموعة من الإجراءات والتعديلات التي تمكن من استخدام نظام جديد بُغية هيكلة التعليم العالي وزيادة كفاءته وفعاليته بما يواكب التغيرات العالمية التي أملت على الجامعة الجزائرية نظام (ل م د) الذي سيسمح بتكوين يتسم بالحيوية والعصـرنة، ومنفتح على اقتصاد السوق والمحيط الاجتماعي والعالمي، ويتعلق نجاح هذا النظام بالقوانين المسيرة والهياكل القاعدية والتجهيزات والهيئة التدريسية والمناخ الملائم له من مجتمع واقتصاد وثقافة...
إن تحقيق هذا الإصلاح يتطلب رؤية واضحة وتخطيط استراتيجي للتعليم العالي عامة والجامعي خاصة، وأن يقدم للفاعلين الجامعيين كل ما يحتاجونه للبحث والتدريس، بما يحققون به الأهداف المنشودة التي تعكس التفاعل بين الطالب ومجتمعه، ويخفف من حدة الهوة المتزايدة بين الجامعة والمحيط الاجتماعي، وتعاون بين الفاعلين والقائمين على الجامعة في ظل حوار بناء يسهم في تجسيد حيثيات هذا النظام بكل مرونة وسهولة بعيدًا عن القرارات الفوقية التي تعكس أسبقية السياسي والإداري علي العلمي والبيداغوجي، وبعيدًا عن الآراء المسبقة والإيديولوجية والمصالح الشخصية حياله في ظل تأثيرات العولمة التي تفرض على الفاعلين بالجامعة تنمية قدراتهم ومهارتهم باستخدام تقنيات الإعلام الآلي وشرط أن يتفاعل التعليم العالي بالجزائر مع العولمة على أسس علمية.