مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الأنام محمد الهادي الأمين، وبعد. إن مشاعر الإنسان وأفكاره يعبر بها عن طريق اللغة، فهي ركيزة أساسية في التواصل البشري تحظى باهتمام معظم العلماء فيدرسونها من نواحي عديدة، ويعرفون بها أحوال أصحابها، وأهم خصائصهم النفسية والإجتماعية، وقد كان الباحثون- وما يزالون- يولون اهتماما بالغا بالعربية، ويدرسون جوانبها المتعددة من نحو وصرف ونقد وبلاغة وأسلوب، وكل هذا دلالة على شغفهم بلغة القرآن الكريم.
انطلاقا من هذه المؤشرات تأتي الدراسة الحالية للتعرف على الدور الإفادي الذي تلعبه أدوات الربط كحروف العطف، وأدوات الشرط، والأسماء الموصولة، والظروف، ونحوها مما يمتن أواصر النصوص، ويقوي تماسكها، ويربط بين الجمل والعبارات، ويؤاخي بين المعاني والدلالات فنحس بمعنى واحد متكامل، فنرى دلالات قد تضاعفت، يؤدي كل ذلك بالضرورة إلى إيضاح الدلالة، وكشف الهدف، وتتمحور مشكلة الدراسة في السؤال الرئيسي الآتي: ما هو الدور الذي تؤديه أدوات الربط داخل النص لأجل إيضاح الدلالة؟
الروابط
الربط بالأدوات
يعد تماسك النص لغويا من أهم المقومات النصية، إذ دونه يأتي النص مفكك الأوصال فيشوب الغموض العلاقة بين أجزائه، فينعكس ذاك انعكاساً سلبياً على دلالته1.
والمعنى الذي نقصده من الربط بالأدوات هو إحداث علاقة تركيبية بين أجزاء معينة من التركيب والأجزاء السابقة لها عن طريق أداة من الأدوات، وذلك في إطار نظرية التحكم العامة، وباعتبار أن الربط بالأدوات هو فرع من علاقات عدم الاستقلال البنئ\وي، وباعتبار أن نظرية التحكم العاملي تمثل جوهر عمليات الربط، والقانون العام الذي ترجع إليه مختلف أنواع التراكيب، وإن سمة عدم استقلال الأداة بنفسها تفيد على المستوى التركيبي أن الأداة تقوم بوظيفة الربط والتعليق، فعن طريق البحث في طرق الربط بين مكونات الجملة وفي المعاني النحوية السياقية التي تحققها الأدوات2. إن الربط الذي تحققه الأدوات يكون على مستويين3:
-
المستوى الأول:
هو المستوى النحوي التركيبي، ويتعلق بالمكونات المباشرة من حيث هذه المكونات هي ذرات تركيبية، ففي هذا المستوى يتحقق ربط المكونات النسقي بالوظائف النحوية المسندة إليها في التركيب. وتنحصر عمليات الربط على هذا المستوى في أربع عمليات تتحدد علائق الربط فيها بأدوات مختلفة، كأدوات العطف والاستثناء، والجر، والوصل، ويمكن توضيح ذلك بالأمثلة الآتية:
اسم + اسم: ومنه العطف والاستثناء، مثل: جاء زيد وعمرو، جاء الجنود إلا واحداً.
فعل + اسم: ومنه التعدية بحرف الجر، مثل: كتب بالقلم.
اسم + فعل: ومنه الوصل، مثل: الجندي الذي استشهد.
فعل + فعل: ومنه عطف مركبين إسناديين فرعيين، مثل: فاز من جد واجتهد.
-
المستوى الثاني :
وهو المستوى المعجمي الدلالي، ويتعلق بمعنى الجملة كلها من حيث هي وحدة تركيبية مستقلة ذات مضمون تواصلي مفيد، وتحقق الأدوات على هذا المستوى وظائف دلالية وتداولية تتصل بمعنى الجملة كاملاً، وتجسم ما يصطلح عليه بالأساليب: كالاستفهام، والشرط والنفي.
وإذا كان معنى الوحدة اللغوية لا يتضح إلا بالنظر إلى سياقها اللغوي والمقامي، هذا السياق الذي ينبغي أن يشمل لا الكلمات والجمل السابقة واللاحقة فحسب، بل والقطعة كلها والكتاب كله، كما ينبغي أن يشمل كل ما يتصل بالكلمة من ظروف وملابسات وعناصر غير لغوية، متعلقة بالمقام الذي تنطق فيه الكلمة، فإن حاجة الأدوات إلى السياق ماسة لأن معاني الأدوات معاني وظيفية، فالأدوات جميعاً تشترك في أنها لا تدل على معان معجمية، ولكنها تدل على معنى وظيفي عام هو التعليق، ثم تختص كل طائفة منها تحت هذا العنوان العام بوظيفة خاصة كالنفي والتأكيد... الخ، حيث تكون الأداة هي العنصر الرابط بين أجزاء الجملة كلها4.
وإذا كانت المعاني التي تعبر عنها الأدوات وظيفية لا معجمية، فإنما العلاقات في السياق لا تكتسب إلا منها، ولا بيان للأدوات خارج السياق، بل لنقل لا معنى للأدوات خارج السياق، فمعنى الأداة هو استعمالها، ونجد هذا عند النحاة الذين يعددون المعاني المختلفة للأداة الواحدة حيث يختلف المعنى باختلاف التركيب الذي ترد فيه الأداة ويرتبط معناها بالسياق الذي ترد فيه، فيكون الحرف بمعناه في موضع دون موضع على حسب الأحوال الداعية إليه، والمسوغة له فأما في كل موضع وعلى كل حال فلا5.
وتقوم الأدوات بدور هام في الربط، إذ أنها لا تدل على معانٍ معجمية (كما ذكر سابقاً)، وإنما تدل على معنى وظيفي عام هو التعليق والربط بين أجزاء الكلام، ويمكن أن نقسم الأدوات من حيث الربط إلى أقسام ثلاثة6: الأدوات الداخلة على الجمل،الأدوات الداخلة على الأجوبة، الأدوات الداخلة على المفردات.
الأدوات الداخلة على الجمل
تعتمد الجملة العربية في الأغلب الأعم من صورها على الأداة، فلا نكاد نجد منها إلا القليل مما يستغني عن الأداة، ويتضح ذلك من التخطيط التالي7:
يتضح من التخطيط السابق أن التعليق بالأداة أشهر أنواع التعليق في اللغة العربية الفصحى، فإذا استثنينا جملتي الإثبات، نحو: قام زيد، وزيد قام، والأمر بالصيغة "قم" والمدح والذم، والخوالف أي أسماء الأفعال والأصوات، فإننا سنجد كل جملة في اللغة العربية على الإطلاق تعتمد على الأداة في تلخيص العلاقة بين أجزائها8.
بالمقابل هناك أسماء وحروف لها صدر الكلام، مثل: لام الابتداء وأدوات الاستفهام، وأدوات الشرط، وغيرها مما سنذكره في المبحث القادم، ومعنى أن للكلمة صدر الكلام، أنها تقع في صدر الجملة فلا يتقدم عليها ركن من أركانها ولا هو من تمامها، مثل: كيف أنت؟ وكيف جاء أخوك؟ ومن أكرمت؟ ولا نقول: أنت كيف؟ جاء أخوك كيف؟ ولا: أكرمت من؟ ولا يشترط أن تقع في أول الكلام ولكن لابد أن تقع في أول الجملة سواء كانت أول الكلام أو وسطه، مثل: لمحمد أخوه خير منه، فوقعت لام الابتداء ههنا في صدر الكلام، ونقول: محمد لأخوه خير منه، فوقعت في صدر جملة الخبر، ونقول: محمد هل حضر أخوه؟، فوقعت "هل" في صدر جملة الخبر، ولما له صدر الكلام أحكام منه9: أنه لا يعمل فيه ما قبله ويصح أن يعمل فيه ما بعده، أو بتعبير آخر: لا يؤثر في إعرابه ما قبله فلا يقع فاعلا ولا مفعولا لما قبله، ولا تدخل عليه إن وأخواتها ولا غير ذلك مما يؤثر في حالته الإعرابية نحو: جاء من يدرس ينجح، ولا رأيت من يدرس ينجح، ولا إن من يدرس ينجح، ولا غير ذلك من العوامل.
قد يتقدم عليه حرف الجر والمضاف فيعملان فيه ويكون لهما صدر الكلام نحو: بمن مررت؟ وإلى من تذهب أذهب معك، وكتاب من أخذت؟ وغلامَ من تضربْ أضربْ.
لا يعمل ما بعده فيما قبله، ولا يعمل ما قبله فيما بعده، وبتعبير آخر لا يؤثر ما قبله فيما بعده في الإعراب، ولا يؤثر ما بعده فيما قبله، نحو: خالداً ما رأيت ولا رأيت ما خالداً، فلا تعمل الفعل فيما قبل "ما" إذا كان متأخراً عنها، ولا تعمله فيما بعدها إذا كان متقدماً عليها.
لا يتقدم ما بعده عليه فلا نقول في: إن أكرمت محمداً أكرمك، محمداً إن أكرمت أكرمك، ولا في: من لقيت في طريقك؟ في طريقك من لقيت؟ ولا في: من أكرم خالداً؟ خالداً من أكرم؟
الأدوات التي لها صدر الكلام
ولعل أهمها10:
الحروف المشبهة بالفعل وكلها لها صدر الكلام عدا "أن" المفتوحة الهمزة فإنها ليس لها صدر الكلام فإنها يعمل فيها ما قبلها نحو: سرني أنك ذاهب، علمت أنك ذاهب... أما بقية الأحرف فلها صدر الكلام، وهي: إن، ولكن، وكأن، وليت، ولعل، فلا يقال: غداً إنك مسافر، ولا يوم الجمعة إنك منطلق، بل يقال: إنك مسافر غداً، إنك منطلق يوم الجمعة.
-
لا العاملة عمل إن فلا نقول في: لا رجل مسافر غداً، غداً لا رجل مسافراً.
-
ما وإن: تنفيان الماضي، نحو: ما جئت، إن جاء إلا أنا، والحال نحو: ما يجلسُ، إن أجلس إلا أنا، وعلى الاسم نحو: ما هذا بشراً، إن أحدٌ خيراً من أحدٍ إلا بالعافية11.
-
لا النافية التي تقع في جواب القسم مثل: والله لا أذهب، وكل حرف يتلقى به القسم له صدر الكلام، أما إذا لم تقع لا في جواب القسم فليس لها الصدر، مثل: لا أسافر غداً وغداً لا أسافر12.
الشرط: إن، لو، أما، وما يقع شرطا من غيرها فأسماء تضمنت معنى الشرط، ولحروف الشرط صدر الكلام، لأنها لإنشاء نوع من أنواع الكلام، والأسماء المتضمنة معنى الشرط: من، متى، مهما 13.
-
الاستفهام بجميع أدواته من الهمزة وهل ومن وما ومتى وكم الاستفهامية، وغير ذلك من الأدوات.
-
كم الخبرية نحو: كم رجال أكرمت، فلا نقول: أكرمت كم رجال، وهي نظيرة كم الاستفهامية، وكل واحدة منها لها الصدر.
-
كأين فلا نقول في: كأين من رجل أنقذت، أنقذت كأين من رجل.
-
لام الابتداء: نحو لعبد مؤمن خير من مشرك، ولا يشترط أن تدخل هذه اللام على المبتدأ، بل قد تدخل على الخبر المقدم كما تدخل على المبتدأ نحو: لشاعر أحمد، وقد تدخل على الفعل المضارع نحو: لأصبر محتسباً، وعلى الفعل الجامد نحو: لبئس ما كانوا يصنعون، ولها صدر الكلام على العموم إلا الداخلة في باب "إن" وهي ما تسمى اللام المزحلقة، فليس لها الصدر سواء كانت لام ابتداء أم أنها لام أخرى، فقد يعمل ما بعدها فيما قبلها، ويعمل ما قبلها فيما بعدها.
-
لام القسم، نحو: لأسعين في الخير ولأساعدن المظلوم، سواء كان القسم مذكوراً أو مقدرا ولها صدر الكلام، وأجاز بعضهم أن يعمل ما بعدها في المجرور المتقدم عليها استدلالاً بقوله تعالى: ﴿عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحَنَّ نَادِمِين﴾[المؤمنون، الآية 40].
-
ما التعجبية، نحو: ما أعذبَ الماء14.
-
حروف التحضيض: لولا، لوما، هلاَّ، وألاّ تدخل على الماضي والمستقبل نحو: هلاَّ فعلتَ، وألا تفعلُ، ولولا ولوما تكونان لامتناع الشيء لوجود غيره، فتختصان بالاسم نحو: لولا عليٌّ لهلك عمرُ.
-
التنبيه: ها، نحو: ها إنَّ عَمْراً بالباب، وأكثر دخولها على أسماء الإشارة، والضمائر، نحو: هذا وهاتاَ، وها أنت، كما أن ليس لها صدر الكلام، فقد تدخل مقدما أو مؤخراً،وقد تقع بعد أي في النداء وغيره، عكس أما، وألا، نحو: أما أنك خارج، ألا إن زيداً قائمٌ15. رُبَّ ولها صدر الكلام.
-
ضمير الشأن نحو: هو الله أحد، ونحوه كل ما أخبر عنه بجملة هي نفس المبتدأ في المعنى، نحو: نطقي الله حسبي، كلامي زيد منطلق، وله صدر الكلام.
ما أضيف إلى ما له صدر الكلام له صدر الكلام، وكذلك حرف الجر الذي يدخل عليه، نحو: غُلامَ من أكرمت؟ وكتاب من تقرأ أقرأ؟ وعمَّن تبحث؟ وغير ذلك16.
الربط بالإحالة17
للإحالة شأن آخر في مجال الربط هو التذكير بعنصر آخر من عناصر الجملة، والأصل في هذه الإحالة أن يتكرر اللفظ بذاته، فيحيل إلى ذكره الذي سبق، فهذا التكرار يحيل إليه بنصه وليس بالإضمار له، ولا الإشارة إليه، ولا إعادة معناه بوسيلة أخرى تحتمله وتحتمل غيره كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾[آل عمران، الآية 78]. وقد يرد الاسم نكرة أولاً ثم يتكرر معرفة بالعهد الذكري كما في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ﴾[النور، الآية 35].
الربط الضميري
يربط المكون المتصدر للجملة إحاليا ضميراً داخل الجملة، فيربط المكون "المبتدأ" والمكون "المحور" (في البنيات التي تشتمل على ما أسماه النحاة العرب الاشتغال) ضميراً داخل الجمل، كما يتبين في الجملتين18:
-
زيد تزوج أبوه هنداً.
-
المجلَّةَ تصفحت-ها (بنصب المجلة).
-
أسماء الإشارة:
اسم الإشارة لفظ مبهم يستعمله المتكلم للدلالة على الشخص المتحدث عنه أو المشار إليه، وهو لا يدل على شيء معين مفصل مستقل إلا بأمر خارج عن لفظه، ولذلك يكثر بعده مجيء النعت أو البدل أو عطف البيان، واسم الإشارة مثل باقي الروابط يحقق الوصل، كما يشبه كثيراً الضمير لذلك يمكن أن يعوضه أحياناً في عملية الربط في النص، كما له دور الإحالة في النص، حيث يرى ابن "يعيش" أن اسم الإشارة وصلة إلى نقل الاسم من تعريف العهد إلى تعريف الحضور والإشارة19.
التوليد بالربط20:
العطف: نحو قوله تعالى:﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ﴾[البقرة، الآية 136]. وعطف النسق من طرق تركيب الجملة وتنوع مكوناتها ودلالاتها، إذ ترتبط جملتان أو أكثر، كما في الآية الكريمة بحرف عطف، وهذه العلاقة تختلف إذا اختلف الرابط من نحو: الفاء، ثم، حتى... وغيرها من حروف العطف
الجملة التفسيرية: نحو قوله تعالى:﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ﴾[آل عمران، الآية 59]، ﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾ جملة تفسيرية متصلة نحوياً ودلالياً بالجملة التي سبقتها، رغم غياب حرف التفسير، كما في بعض أنواعها: فهي تفسير لمثل آدم، لا باعتبار ما يعطيه ظاهر لفظ الجملة من كونه قدر جسدا من طين ثم كون، بل باعتبار المعنى.
-
الجملة البديلة: نحو قول الشاعر:
أقولُ لهُ ارحلْ لا تقيمَنَّ عندناَ
وإلا فكن في السر والجهر مسلما
جملة (لا تقيمن...)
بدل اشتمال من جملة (ارحل...) وبين الجملتين علاقة نحوية (الربط بالضمير)، ودلالية، إذ يلزم من الرحيل عدم الإقامة.
إعادة المبتدأ لأسباب بلاغية كالتفخيم أو التهويل أو غيرهما، مثل ما جاء في قوله تعالى: ﴿القَارِعَةُ مَا القَارِعَةُ﴾[القارعة، الآية 01-02]21. فالقارعة الثانية خبر عن المبتدأ الثاني "ما"، ولا فرق في المعنى بين الأولى والثانية. ولو كان الضمير هو المستخدم بدلاً من إعادة اللفظ بنفسه لقيل: القارعة ما هي؟
وتكون إعادة المبتدأ بمعناه نحو: زيد جاءني أبو عبد الله، إذا كان أبو عبد لله كنية له، ويدخل في إعادة المبتدأ بمعناه في الخبر ما قاله النحاة من وجود عموم في الخبر يدخل تحته المبتدأ مثل: زيد نعم الرجل، فإذا كانت (أل) في الرجل للعهد فهو من إعادة المبتدأ بمعناه إذ الرجل هو زيد، وإذا كانت للجنس فالمراد بها أيضاً زيد على سبيل المبالغة، والإشارة إلى المبتدأ. مثل قوله تعالى: ﴿والذّينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أصحَابُ النَّارِ﴾[الأعراف، الآية3]22.
وقوله تعالى:﴿إنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلٌ أولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾[الإسراء، الآية36]وقوله تعالى:﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾[الأعراف، الآية42]وقوله تعالى:﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَٰلِكَ خَيْرٌ﴾[الأعراف، الآية26]، في أحد الأوجه التي تحتملها هذه الآيات، والرابط في هذه الآيات ونحوها هو اسم الإشارة الذي يشير إلى المبتدأ، وهو مسند إليه في جملة الخبر23.
الربط بالمطابقة
ولها خمسة محاور24:
-
المطابقة في التكلم.
-
المطابقة في الإفراد والتثنية والجمع.
-
المطابقة في التذكير والتأنيث.
-
المطابقة في التعريف والتنكير.
-
المطابقة في الإعراب.
فالأنواع الثلاثة الأولى عبارة عن أبعاد مختلفة تتنوع بتنوع الضمائر بحسبها تبعاً للجدول، كما أن بنية الضمائر تتعدد بحسب الإعراب بين ضمائر الرفع وضمائر النصب والجر، ومثال ذلك ما يلي:
بقي من سمات الضمائر التعريف والتنكير، وليس في الضمائر نكرات، وإن كانت مراجعها أحياناً من قبيل النكرات نحو: رأيت سائلاً فأعطيته صدقة، وهكذا كان اطراد التعريف في الضمائر سبباً في استبعاد لتعرف والتنكير من دخول هذا الجدول.
ولما كانت ضمائر المتكلم والمخاطب ذات عهد حضوري لم تكن بحاجة إلى مرجع سابق أما ضمائر الغائب فهي بحاجة إلى هذا المرجع25.
وعليه بمكن القول بأن الروابط الإحالية تتمثل في الأدوات التي تحيل إلى مرجع موجود في النص، أو خارجه، ومنها: الضمائر، أسماء الإشارة، الأسماء الموصولة، أل التعريف، ومن الروابط ما يحيل إحالة قبلية ومنها ما يحيل إحالة بعدية، ومنها ما يحيل إلى داخل النص كضمائر الغائب، ومنها ما يحيل إلى خارج النص كضمائر المتكلم والمخاطب. أما الروابط غير إحالية فتمثلت في مختلف الروابط الواصلة والتركيبية، وهي: أدوات العطف وأدوات الجر، وأدوات القسم، وأدوات النداء، وأدوات الشرط، وأدوات الاستفهام، وأدوات النفي.
دور الروابط في اتساق النص وانسجامه
تعد قضية الاتساق النصي ووسائله من القضايا المهمة التي شغلت علم اللغة النصي ونحو النص، لأن الاتساق النصي يتآزر مع مجموعة من الأنظمة النصية الأخرى للوصول إلى ما يطلق عليه كلية النص، أي أن النص كل لا يتجزأ، ومن هنا يحكم للنص بنصيته، فيخضع في هذه الحالة فقط للدراسة، فالروابط إذا وسيلة مهمة من وسائل الحكم بالنصية، يتمثل في السبك والحبك الذين يمثلان العصب الأساسي لنحو النص مع مجموعة المعايير النصية الأخرى، لهذا ركز عليه علم اللغة النصي تمحيصا وتفصيلاً وتأملاً، حيث ظهر التماسك النصي، بأشكاله وملامحه موزعا متنوعاً في أطر كثيرة، استمدت تلك الأطر قوتها لا من علم اللغة النصي ولا من نحو النص فقط، بل من علوم كثيرة، ومن هنا تنوعت تلك الوسائل وضربت بجذورها في علوم مثل: البلاغة، والنحو، والتاريخ، والمنطق، بل والثقافة العامة... الخ.وجاءت الإحالة REFERENCE لتكون واحدة من الوسائل المهمة للربط، حيث استطاعت أن تمزج بين بعض الأنواع السابقة كاستخدام ضمائر الغائب، والإشارة، واسم الموصول... الخ26.
والإحالة أنواع27:
-
إحالة داخل النص أو داخل اللغة: وهي إحالة على العناصر اللغوية الواردة في الملفوظ، سابقة كانت أو لاحقة، فهي إحالة نصية.
-
إحالة على ما هو خارج اللغة: وهي إحالة عنصر لغوي إحالي على عنصر إشاري غير لغوي موجود في المقام الخارجي، كأن يحيل ضمير المتكلم المفرد على ذات صاحبه المتكلم.
-
إحالة نصية: وهي إحالة عنصر معجمي على مقطع من الملفوظ أو النص، وتؤديها ألفاظ من قبيل: قصة، خبر، رأي، فعل.
ومن خلال عرض أنواع الإحالة يمكن جمعها في قسمين اثنين هما:
-
إحالة معجمية: تجمع كل الإحالات التي تعود على مفسر دال على ذات أو مفهوم مفرد، وهي متوفرة في كل النصوص.
-
إحالة مقطعية أو نصية: تجمع كل الإحالات التي تعود على مفسر هو مقطع من ملفوظ سواء كان جملة، أو نصاً أو مركباً نحوياً، وتتوفر في نصوص دون أخرى.
فالروابط عناصر لغوية لا تخلو منها أية لغة من لغات العالم، ويمكن عدها الوسيلة الأهم للتماسك في النص، أو بين متواليات الجمل، فعلى سبيل المثال حينما يستقبل متلق هذا النص: ذهب طالب إلى المكتبة جاء القسم، سوف يشعر المتلقي أن العلاقة الدلالية في هذا النص غير واضحة، أي أن فيها شيئاً من اللبس لا يمكن أن يرتفع إلا بقول: ذهب الطالب إلى المكتبة ثم جاء إلى القسم، أي بإضافة الرابط ثم بين الجملتين المشكلتين لهذا النص ولكن الروابط لا تحقق دورها على الصعيد النحوي- الدلالي فحسب، وإنما تحققه أيضاً بين مجموعة متواليات قضايا النص، فعلى سبيل المثال حينما يستقبل متلقٍ هذا النص28:
نام أحمد وغيرت الحرباء لون جلدها فإن هذا النص يتضمن قضيتين معبر عنهما بجملتين يربطهما الرابط (الواو)، غير أن الروابط المتوفرة في هذا النص (الواو والضمير المتصل ها) حققت الربط النحوي إلا أن الربط الدلالي في النص مازال ملبسا، لذا يجب وجود روابط أخرى تضمن الربط بين القضيتين الواردتين في النص، وتوضح العلاقة بينهما في إطار دلالي خاص يختلف عن الإطار النحوي-الدلالي السابق، أو في إطار سياقي تداولي يسهم في إيضاح تلك العلاقة، ويتم ذلك بإحدى الطرق الآتية:
نام أحمد وغيرت الحرباء لون جلدها، بعد أن كسر فرع الشجرة التي نام عليها أحمد، ففزع أحمد لما استيقظ وأبصر تلك الحرباء، فقد اتضح الترابط بواسطة الربط بين القضيتين الواردتين في أ بقضيتين أخريين لهما مفهوم دلالي يرتبط في صحته أو بطلانه بالقضايا الواردة في أ1، وقد يتم الربط بالآتي:
-
كما تشاهدون في هذا الفيلم السينمائي: نام أحمد وغيرت الحرباء لون جلدها فالسياق يسهم في الربط، وإن لم يتضح الربط بين القضايا بشكل جلي، وهو سياق داخل النص، ولكن قد يكون السياق خارجيا كما في:
-
قال ضاحكا: نام أحمد وغيرت الحرباء لون جلدها، فبداية العبارة السابقة تستدعي إيضاحاً بسياق خارجي ما، وربما يسأل سائل عن ذلك السياق، فيكون الجواب أن أحمد طفل ذهب إلى زيارة معرض للزواحف، ونام وهو يمشي في الوقت الذي غيرت الحرباء لونها، وقد يكون الربط عن طريق المجاز أو التداعي أو الأسطورة مثلما نجده في القصائد الشعرية، والقصص الرمزية، فيصير لنوع النص ومقتضيات ذلك النوع أثر في كيفية الربط29.
ينبغي أن نشير هنا إلى إمكانية وجود أداة رابطة بين سطح النص مع الإحساس بالتفكك الدلالي لعدم وجود الربط المعنوي، والمثال التالي يحيلنا إلى عدم الترابط مع وجود الأداة كما بيناه في المثال (أ):شبَّ حريق في المبنى التجاري بالأمس، وانتصر المصريون في السادس من أكتوبر عام 1973م30.
مع وجود الواو الرابطة بين الجملتين إلا أنهما منفصلتان دلالياً، لأن الانتقال من فكرة إلى فكرة لا يوجد بينهما علاقة منطقية واضحة تجمع بينهما، كذلك لو تم الربط بين كلمتين في الجملة الواحدة مثل:
الفتاة جميلة وماشية. مع وجود الواو بين الكلمتين لكنا نشعر بالتفكك والتنافر، فما هي العلاقة بين الجمال والمشي في المثال؟
إن إحداهما معنوية والأخرى حسية، ولا يجمع بينهما حقل دلالي واحد حيث يحتاج الأمر إلى جمع دلالي.
من هنا يكون الترابط النصي أو التماسك النصي: هو وجود علاقة بين أجزاء النص أو جمله أو فقراته، لفظية أو معنوية، وكلاهما يؤدي دوراً تفسيرياً. لأن هذه العلاقة مفيدة في تفسير النص، فالتماسك النصي هو علاقة معنوية بين عنصر في النص وعنصر آخر يكون ضرورياً لتفسير النص الذي يحمل مجموعة من الحقائق المتوالية، والأكيد أن الربط بالأدوات ظاهر في نحو الجملة ظهوراً ملحوظاً كأدوات العطف والشرط والقسم... الخ. بين الكلمات داخل الجملة أو الجملتين المتواليتين، أما نحو النص فينبغي أن يبحث عن تلك الوسائل الضمنية في بنية النص الكلية، إذ الربط يمكن أن يكون دلالياً دون أداة بين فقرتين أو جزأين متباعدين في نص ما31.
إن المتأمل للغة يراها صورة من نظام متشابك، تتوقف صلاحية هذا النظام على تكافل أركانه للوصول إلى كيفية تفيد المتلقي، حيث تتكافل الأنظمة الداخلية مع الأنظمة الخارجية للوصول إلى صورة ترتبط فيها المفاهيم، وتتعالق الأجزاء، وتتواصل الدلالة في تفاعل ومنطقية.
النتائج والتوصيات
-
إن سلامة اللغة لا يتأتى إلا بالتوظيف الجيد لأدوات الربط، وبذلك يتم الفهم والإدراك من قبل المتلقي.
-
يكون التماسك الشديد بين الأجزاء المشكلة للنص مرتبطا بالوسائل اللغوية التي تربط بين العناصر المكونة له، كالإحالة والضمائر والعطف، وغيرها.
-
الاتساق والانسجام يشكلان معا الركيزة الأساسية التي يعتمدها التحليل النصي لما لهما من دور فعال في وحدة النص وتماسكه، ولا نكاد نجد بحثا في مجال لسانيات النص أو تحليل الخطاب إلا عولجا فيه، وما لهما من مصطلحات مكملة لأجزائهما؛ كالترابط والتماسك، والسبك والحبك وغيرها.
-
تعد هذه الظواهر من أساسيات الدرس اللغوي الحديث في علم اللغة النصي، وبالتحديد علم نحو النص الذي يدرس النص من جميع الجوانب بما في ذلك نحو الجملة، ومنه نستطيع القول بأن هناك نقاط مشتركة بين علم نحو النص ونحو الجملة.
-
لا يمكن الإلمام بجميع الأدوات النصية وتصنيفها من خلال بحث أو اثنين، لذا حاولنا قدر الإمكان التعرض لأبرزها مع إعطاء بعض الأمثلة الموضحة لها، وبالتالي فالبحث في هذا المجال يحتاج إلى كم هائل من الكتابات والدراسات التي توضح هذه الوسائل المهمة في إنتاج النصوص على اختلاف نماذجها والربط بين مفرداتها وتعابيرها بطرق سليمة، حيث تحدث وقعا في نفس القارئ.