بهاء الحساب وهباء الخطاب

مقاربة فلسفيّة ومنطقيّة

أحمد يوسف

p. 7-31

Citer cet article

Référence papier

أحمد يوسف, « بهاء الحساب وهباء الخطاب », Aleph, Vol.5 (1) | -1, 7-31.

Référence électronique

أحمد يوسف, « بهاء الحساب وهباء الخطاب », Aleph [En ligne], Vol.5 (1) | 2018, mis en ligne le 25 décembre 2018, consulté le 21 décembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/1389

Cette recherche est fondée sur l'hypothèse suivante : le discours, tout comme l'arithmétique, est un calcul. En revanche, l'approche en est différente. L'arithmétique se base davantage sur le raisonnement alors le discours est sensible à l'influence du dialecte induit par la nécessité d'adhérer à l'intégrité des pensées, à l'intelligence et à la compréhension. Le titre que j'ai choisi pour cette étude peut susciter l'incompréhension ou une mauvaise interprétation en cela qu'il peut être compris comme affirmant que l'arithmétique a l'avantage sur le discours. L'on pense que l'arithmétique présente un avantage absolu sur le discours, cependant l'on doit comprendre que le manque d'exactitude et le caractère vague de celui-ci n'indiquent en aucun cas qu'il soit erroné ou contraire au raisonnement, à moins qu'il ne soit prouvé comme étant faux.

J'ai traité de ce problème des points de vue philosophique et logique en présentant la logique binaire et ternaire de Frege, Russell, Moore, Wittgenstein et Boole tout en me référant à John Locke, Emmanuel Kant dont les principes de réflexion furent posés par la sémiotique de Pierce. Il est important de noter ici que Christiane Chauviré décrit la logique de Pierce comme étant une « logique vague ». Dans la dernière partie de cette étude, nous avons abordé la logique floue développée par Lotfi Aliasker Zadeh, en adoptant la logique des valeurs multiples, puisque nous avons remarqué qu'elle peut expliquer le problème du caractère vague du discours. La voie est donc ouverte aux sciences cognitives pour qu'elles proposent de nouvelles idées afin de modifier et peut-être orienter nos croyances et nos façons de penser actuelles.

ينطلق هذا البحث من الفرضيّة الآتيّة: إنّ الحساب والخطاب كليهما تفكير ذو سيرورة حسابيّة؛ بيد أنّ النهج مختلف. فالحساب نزّاع إلى البرهان، والخطاب ميّال إلى الجدل مع ضرورة التقيّد بسلامة الفكر، وذكاء الفهم. قد يثير عنوان هذه الدراسة التي وُسِم فيه الحساب بالبهاء والخطاب بالهباء بعض اللبس؛ فيظن أن للحساب مزيّة مطلقة على الخطاب؛ فالهباء ليس سيماءً دالًا على الزيف، وليس نقيضًا لفضيلة البرهان حتى يطاوله التكذيب.

عالجنا هذا الموضوع معالجة فلسفيّة ومنطقيّة، وعرضنا للمنطق ثنائيّ القيم Binary logic لدى فريجه ورسل ومور وفيتجنشتاين وبول، ووقفنا على المنطق الثلاثيّ القيم ذي المرجعيّة اللوكيّة والكانطيّة الذي وضعت حجره الأساس سيميائيّات بورس، واللافت أنّ كرستيان شوفيري (Christiane Chauviré) تصف منطق بورس بالمنطق العائم والعام (logique du vague)، وانتهينا إلى منطق الاشتباه fuzzy logic كما طوره لطفي زاده، والانتصار إلى منطق القيم المتعددة. ولاحظنا أنّ بإمكانه معالجة مسألة الغموض التي تطاول الخطاب، وتركنا الباب مفتوحا للعلوم المعرفيّة التي بإمكانها تعديل كثير من معتقداتنا.

This research is based on the following hypothesis: Both arithmetic and discourse are thought to be computed However, the approach is different. The arithmetic is more reasoning based while discourse is prone to dialect with the need to adhere to the integrity of thoughts, intelligence and understanding. The title that I have chosen for this study may raise some misunderstanding or misinterpretation as it can be thought to mean that the arithmetic has more advantage over discourse. It is thought that the arithmetic has an absolute advantage over the discourse, yet it has to be understood that lack of focus and vagueness does not indicate falsification nor it is contradictory to reasoning unless it is proven false.

I dealt with this issue philosophically and logically presenting Frege, Russell, Moore, Wittgenstein and Boole binary logic and tri-logic with reference to John Locke and Immanuel Kant whose foundation was laid by Pierce semiotics. It is important to note here that Christiane Chauviré describes Pierce logic as "Vague Logic". In the last part of the study we dealt with the fuzzy logic developed by Lotfi Aliasker zadeh, adopting the logic of multiple values as we notice that it can explain the vagueness issue in discourse a. It is then left open to cognitive sciences to come up with new ideas to modify and may guide our beliefs and the current ways of thinking.

"لا يمكن تجنب سوء التفاهم مهما بلغت درجة الإتقان في العرض" . كارل بوبر

عود على بدء

لا تكاد تنقضي عجائب الجدل بين الحساب والخطاب، وما يترتب على هذا الجدل من شمائل البهاء1 ومثالب الهباء2؛ وذاك ما ظلّ يؤرقنا ويؤرق كل من صادف في نفسه بعضٌ من هوى بهاء النسق وسحره. وقد شغلتنا فلسفته ردحا من الزمن عن غيره، ولم نكن في غفلة من أمرنا؛ لأنّنا كنا على بصيرة من أنّ الباب فيه مفترق، وأنّ الحديث في شأنه لا ينغلق؛ وإذ ننثره هذه المرّة؛ فإّنما نريد له أن يشتبك اشتباكًا فيه شيء لطيفٌ من الأناقة الفكريّة، وشيءٌ حسنٌ للإبانة عن المنزلة التي يمكن أن يكون عليها الوضع التقعيديّ للسيميائيّات التي يتنازعها أمر العلم وشأن الفلسفة، وهي في حال بين المنشط والمكره، أو إنْ شئت قلت معنا في منزلة بين المنزلتين.

الإشكال

ما زال السجال القديم الجديد قائمًا بين علوم الطبيعة وعلوم الروح أو بين منطق الوضوح ومنطق الاشتباه، والكلام فيه مدخول؛ ومدار الأمر في كل ذلك على اللغة، وتحليلها المنطقيّ بوصفها نسقًا سيميائيّا دالًا. ويمكننا حصر بعض الأسئلة التي تتفرع من طبيعة هذا الإشكال:

  • أي لغة تتوخاها السيميائيّات وهي تروم الوصل مع البلاغة؟

  • أهي لغة الحساب ببهائها أم لغة الخطاب بهبائها؟

  • ما خطب البلاغة من هذا التنازع القائم على منطق التفاضل؟

  • أليس التفكير في حد ذاته سيرورة حسابيّة لا يمكن إدراكها إلا عبر آليات الخطاب؟

  • أليس التفكير الخطابيّ (pensée discursive) –أيضًا- يغدو في نهاية المطاف عمليّات حسابيّة تسلم صاحبها إلى البرهان؟

  • ألا توجد منطقة منزوعة الاشتباه بين الحساب والخطاب، بين الصدق والكذب، بين الخطأ الصواب؟

  • أين منزلة "الاحتمال" من كل ذلك؟

إنّ الإجابة عن هذه الأسئلة قد تخيّب أفق توقع القارئ؛ ذلك أنّ الإجابة عنها قد تكون في حدّ ذاتها خيانة لها، من منظور أنّ لنشاط العقل سيرورة دائمة، وما يبدو إجابةً مقبولة اليوم، قد تُدحَض غدًا. كما أنّ هذا البحث ليس منطقيًّا خالصًا بقدر ما هو بحث سيميائيّ ينهض على قاعدة الانتصار للمنطق المتعدد القيم (many valued-logic) الذي جاء عقب المنطق الرمزيّ ثنائي القيمة (الصدق والكذب) الذي أنشأه لايبنتز (Gottfried Wilhelm Leibniz)، وطوّره برتراد رَسل (Bertrand Russell)، وقوّم دعائمه على ثوابت النفي والوصل والفصل والاستلزام والتكافؤ.

دلالة مفهوم "التفكير" وغموضها

يكتنف دلالة كلمة "تفكير3" كثيرٌ من الاشتباه؛ وهذا ما يجعلها مطاطة، عصيّة على الإدراك وبخاصة في دلالتها الميتافيزيقيّة. فهي دالة على مجموع النشاط النفسيّ (الذهنيّ) الذي هو في ذاته تفكير. ولا سيما عندما يرتقي هذا النشاط الذهنيّ إلى درجة التجريد الذي تكتسي فيه المعرفة قيمة موضوعيّة، وهذا التجريد حاصل في الرياضيّات التي ((يصح تجرّدها عن المادة في الذهن فقط))4. وإذا تساءلنا إلى من يُردّ الاشتباه؟ أإلى الذات المُفكِّرة وعجزها عن الإدراك وقصور كفاياتها المعرفيّة في فهم الوجود بالفعل أم إلى الموضوع المفكَّر فيه العصي عن الإدراك؟

تلك مسألة إبستيمولوجيّة على درجة غير قليلة من التعقيد تلقي بظلالها على ما نحن بصدده؛ وبخلاف ما عليه الاعتقاد لا يرى رَسل التفكير وقابليته للانتقال ((معقّدا بدرجة كبيرة عما يوجد في الطرز المختلفة من السلاسل التي يمكن عملها من 36 شكلًا مختلفا "أحرف أبجديّة"))5؛ ولكنّه يعتقد أنّ اللغة الطبيعيّة لا تحل المشكلة ما لم تُبْنَ لغة منطقيّة اصطناعيّة6 قبل تحليل القضايا.

أخذ النشاط الفكريّ أبعادًا مختلفة في تاريخ الفلسفة والأفكار. ويمكن أن نستحضر في هذا المقام الكوجيطو الديكارتيّ7 (cogito ergo sum) الذي نهض في مؤلف (خطاب المنهج) على فضيلة الشك للوصول إلى حال اليقين، ومنح الذات المفكرة مزيّة التفكير؛ وسيتّخذ هذا الكوجيطو عند هوسرل (Edmund Husserl) بعدًا فينومينولوجيًّا لا تنفصل فيه الذات المفكرة عن الموضوع المفكر فيه، ويترتب على ذلك أنّ الوعي يصبح وعيًّا بشيء ما، ويروم ذلك مفهوم القصديّة، ويقود إلى الإيبوخا (تعليق الحكم) لتصبح فيه الذات متعاليّة.

لا ترى المثاليّة النزّاعة إلى المطلق - في هذا السياق- أنّ الفكر قادر على إدراك الأشياء بقدر ما هو قادر على إدراك الأفكار التي تضطلع بتمثيل الأشياء. ولا سبيل إلى ذلك إلّا باللغة. والفرضيّة التي ينطلق منها هذا البحث أنّ الحساب والخطاب كليهما تفكير ذو سيرورة حسابيّة؛ بيد أنّ النهج مختلف. فالحساب نزّاع إلى البرهان، والخطاب ميّال إلى الجدل مع ضرورة التقيّد بسلامة الفكر، وذكاء الفهم. ولكن هذا يجعلنا نحتمي قليلًا بما قاله لايبنتز: ((كي نجيد طبيعة الأفكار لا بدّ أن نتناول قليلًا [مسألة] تنوّع المعارف. فإنّي حين أتمكّن من التعرف على شيء ما من بين أشياء أخرى من دون أن أتمكن من القول في ما تتمثّل فوارقه وخصائصه، فإنّ المعرفة تكون غامضة))8. إنّ هاجس لايبنتز ينضاف إلى هاجس فرانسيس بيكون (Francis Bacon) النابع من غموض اللغة الطبيعيّة؛ ومن هنا دعا لايبنتز إلى ترسيخ معياري الوضوح والتميز تحقيقًا لبهاء الحساب. وهذا الوضوح لا يحصل في نظر رودولف كارناب (Rudolf Carnap) إلّا بالتعليل الذي يقف أمام "محكمة الفهم"، وأنّ ((هذه المطالبة بالتعليل والأساس النهائيّ لكل أطروحة يتقصى كل الأعمال التأمليّة والشعريّة من الفلسفة))9. ولقد كانت مطرقة الوضعانيّة المنطقيّة شديدة الوقع على هباء الخطاب، ورحيمة ببهاء الحساب.

يترتب على ما سبق دعاوى في غاية التعقيد، لأنّ للتفكير مظهريْن المظهر الأوّل يتجلى في الحساب واللغة المنطقيّة التي هي صورة السيميائيّات كما أرادت لها نسقيّة ش. س. بورس (Charles Sanders Peirce ) أن تكون؛ إذ كان يحلم ببناء أنساق التعبير بناء تامًّا من الوجهة المنطقيًّة على نحو أكثر حصريّة مما كان يحلم به فريجه (Gottlob Frege) في إعادة بناء الحساب بناء شاملًا10، ومن دون أن يتطلّع إلى لغة عالميّة كما يكون يرغب في ذلك لايبتنز؛ ولكن يتفق بورس مع فريجه في رفض بناء المنطق على أساس حسابات المنفعة11. لقد قابل بورس بين النسق والحساب في مقابل النظريّة والتطبيق. إنّ الحساب يتوخّى لديه ((الحل السريع والرتيب للمسائل الرياضيّة البسيطة؛ في حين يتقصّد النسق الذي من المفترض أن يكون تحليليًّا الاستدلالات الرياضيّة))12، والغرض من ذلك أن تكون الرياضيّات عونًا من أجل بناء نظريّة للبرهان غير قابلة للطعن عليها.

لا غرو أن يكون المنطق (ثلاثيّ القيم) بصورته العامة لدى بورس اسمًا آخر للسيميائيّات13، وكل ما يندرج في حقلها من آليّة وذكاء، وهي تتوخى من وراء ذلك "بهاء النسق"- والمظهر الثاني يتجلى في الخطاب، وكل ما ينضوي في مجاله من ذاكرة وحدس وخيال وإحساس. إنّ سيميائيّات بورس وضعت الحجر الأساس للمنطق الثلاثيّ القيم ذي المرجعيّة اللوكيّة والكانطيّة، وتجلى ذلك في البرتوكول الرياضيّ الثلاثيّ (3،2،1) الذي قامت عليه نظرته الكوسمولوجيّة ومراتب الوجود، وتعريفه الثلاثيّ للعلامة. واللافت أنّ كرستيان شوفيري (Christiane Chauviré) تصف منطق بورس بالمنطق العائم والعام (logique du vague).

وإذا شئنا أن نمثل لهذا الجدل بين بهاء الحساب وهباء الخطاب استحضرنا موقف أنشتاين من كتابة كافكا الأدبيّة؛ إذ كان قد استعار من توماس أحد كتب كافكا، وإذا به لم يستطع صبرًا على إتمامه، فقال والعهدة على ما رواه ألفريد كازان: ((لم أستطع قراءته. فالذهن البشريّ ليس معقدًا إلى هذه الدرجة))14. ولنا بعض الحقّ أن نستخلص من هذا الحكم أنّ الحساب ينهض على منطق الدقة وأساليب البيان والوضوح، والخطاب ينهض على منطق الغموض وأساليب الاشتباه، وأنّ الشكل قبلة الحساب، والدلالة وجهة الخطاب؛ لأنّ الكلام من حيث إنّه تمظهر للغة هو وظيفة للاندماج الاجتماعيّ15.

يمكن حصر فلسفة اللغة المعاصرة في تيارين اثنين16: التيار الأوّل يمثله فريجه ورَسل، ومن شايعهم في المذهب الذي لا يفصل اللغة عن الواقع، ويركز هذا المذهب على شروط الصدق للملفوظات التقريريّة. إنّ فريجه17 انتزع حساب القضايا من علم النفس، وردّه إلى مجال الرياضيّات. ولكن أين يتنزّل حساب القضايا من الناحية الفلسفيّة أفي القبليّ أم في البعديّ؟ أفي التحليليّ أم في التركيبيّ؟ ذاك حج فلسفة فريجه ومنطقه. أمّا التيار الثاني فيمثله مور (Moore) وفيتجنشتاين (Witgenstein)، والذي انصرف إلى مدارسة اللغة العاديّة والتركيز على الاستعمال وعلى أنواع أفعال الكلام التي ينجزها المتكلمون عبر عمليّات التلفظ. لقد سعى المناطقة إلى دراسة لغة دراسة منطقيّة رياضيّة بغية بناء لغة منطقيّة دقيقة (logically perfect language) تتجاوز غموض اللغات الطبيعيّة. علمًا أنّ فريجه جعل الوحدات الرئيسة للدلالات في اللغة وقفًا على الملفوظات، وليست على الكلمات18.

إنّ الصدق من الوجهة الإبستيمولوجيّة حسب رَسل19 ما "أمكن معرفته"، وغلب الاستعمال على عبارة "يمكن التثبّت منه"، الذي كان يرومه رَسل النظر إلى اللغة للإجابة عن سؤالين: ((ما هو المقصود بالدليل الفعليّ على صدق مقدمة ما؟ وما الذي يمكن استنتاجه من حقيقة أنّه أحيانا ما يوجد مثل ذلك الدليل؟))20. كما أنّ تركيب فريجه وفيتيجنشتاين إذا أضيف إلى رَسل طُرِح على أنّه تحديد ((لشكل معياريّ للحساب القضويّ وحساب المحمولات من الدرجة الأولى))21. وقبل أن نمضي في فحص البهاء والهباء نتوقف للنظر في منزلة الحساب في أدبيّات التفكير العربيّ.

الحساب في التراث العربيّ

أدرج أحمد بن مصطفى المشهور بطاش كبرى زاده الحساب في الشعبة التاسعة في فروع علم العدد، التي تسمى أيضًا بعلم الحساب، وهو ((علم يتعرّف منه كيفيّة مزاولة الأعداد لاستخراج المجهولات الحسابيّة: من الجمع والتفريق والتناسب والضرب والقسمة، ومنفعته: ضبط المعاملات، وحفظ الأموال، وقضاء الديون، وقسمة التركات بين الشركاء وغيرها، ويحتاج في العلوم الفلكيّة وفي المساحة والطب، وقيل يحتاج إليه في جميع العلوم، وبالجملة، ولا يستغني عنه ملك ولا عالم ولا سوقة، وزاد شرفًا بقوله سبحانه وتعالى "وكفى بنا حاسبين"، وقوله تعالى: و((لتعلموا عدد السنين والحساب))، وقوله تعالى: ((فاسأل العادين))))22. ونقل حاجي خليفة هذا التعريف نقلًا حرفيًّا وإن غيّر في بعض الألفاظ، وأضاف إليه قوله: و((لذلك ألّف فيه النّاس كثيرًا)) 23. واللافت في إشارة حاجي خليفة أنّه أسند إلى متعلّم الحساب، ومن تعهّده بالتعلّم في بداية أمره غلبة الصدق على خطابه؛ وذلك لصلابة مبانيه، وسلامة تركيبه، ومناقشة النفس حتى يصير الصدق فيها سجيّة، ومذهبًا يلازم نفس صاحبه.

يعترف حاجي خليفة أنّ تعلّم الحساب بالنسبة إلى المبتدئين من المتعلمين في غاية العسر، وصعوبة الفهم إذا كان عن طريق البرهان أوّل مرّة. والطريف أنّه يذكر مصطلح "الأرثماطيقيّ24" (arithmetic)، ويذكر الفروق بين علم العدد والحساب والجبر والمقابلة، ومن ألّف فيه، مستندًا إلى ما ذكره صاحب مفتاح السعادة من فروع علم الحساب، ومن ألّفوا فيها من كتب شاملة ونافعة مثل حساب التحت والميل. وحدّ الجبر والمقابلة أنّه ((علم يتعرّف منه كيفيّة استخراج المجهولات العدديّة بمعادلتها لمعلومات تخصّها. ومعنى الجبر: زيادة قدر ما نقص في الجملة المعادلة، بالاستثناء في الجملة الأخرى لتتعادلا. القابلة: إسقاط الزائد من إحدى الجملتين للتعادل. ومنفعته: استعلام المجهولات العدديّة إذا كانت معلومة العوارض، ورياضة الذهن))25. وأضاف حساب الخطأين، والدور والوصايا والدرهم والدينار والفرائض والعقود...إلخ.

استند حاجي خليفة -كما أشرنا إلى ذلك- إلى كتاب مفتاح السعادة في ذكر الفروق بين هذه الفروع من علم العدد. فعلم العدد "الأرثماطيقيّ"، أصل، وعلم الحساب مرادف له مع كونه فرعًا، ويذكر حاجي خليفة أنّ بطاش كبرى زاده قدّم تعريفين مختلفين للحساب و"الأرثماطيقيّ" مما يجعلهما غير مترادفين. إنّه "علم بصور الرقوم الدالة على الأعداد مطلقًا"، وصفة المطلق تشتمل إلى جانب أرقام الآحاد على أرقام المئات ورقم الألوف في النجوميّة، كما نبّه على ذلك في أسفل الصفحة؛ علمًا أنّ لك أمّة رسمها للرقوم مثل الأرقام الهنديّة والروميّة والمغربيّة والإفرنجيّة والنجوميّة.

المفاضلة بين الحساب والبلاغة

إذا سلمنا جدلًا بفرضيّة تقسيم الأمم وتصنيفها على معايير البرهان والبيان وقوة الأبدان كما ورد في الليلة السادسة من الإمتاع والمؤانسة التي عرضت مسألة المفاضلة بين العرب والعجم؛ إذ نلفي ابن المقفع يخصّ العرب بأنّهم أعقل الأمم لسلامة فطرتهم، واعتدال بنيتهم، وصواب فكرهم وذكاء فهمهم من دون مصانعة ومدارة كما قال، وهو المتّهم بالشعوبيّة، وقد لقي مصرعه بظنّتها؛ ولكن هذه الصفات متوزّعة بين الأمم، وليست وقفًا على أمة دون أخرى، ويطاول حجتها الاشتباه.

وما يعنينا في هذا المقام ردّ فضيلة الخطاب والبيان إلى العرب، ونفى عنهم الجَيهانيُّ فضيلة الحساب، فليس لهم ((كتاب إقليدس ولا المجسطيّ ولا الموسيقى، ولا كتاب الفلاحة، ولا الطبّ، ولا العلاج، ولا ما يجري في مصالح الأبدان، ويدخل في خواص الأنفس))26. والرأي المرجح أنّ لكل أمّة محاسن ومساوئ، ((فللفرس السياسة والآداب والحدود والرسوم؛ وللروم الحكمة؛ وللهند الفكر والرؤية والخفة والسحر والأناة؛ وللترك الشجاعة والإقدام؛ وللزنج الصبر والكد والفرح؛ وللعرب النجدة والقرى والوفاء والبلاء والجود والذمام والخطابة والبيان))27. ومن جملة المقاييس المتعمدة في تصنيف الشعوب والأمم معيارا الحساب والخطاب؛ ولكن مثل هذا التصنيف لا ينهض على استقراء تام وسليم.

سبق أن وقفنا في كتابنا28 "علامات فارقة في الفلسفة واللغة والأدب" على إحدى ليالي الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي التي تناول فيها التفاضل بين الحساب والبلاغة في الليلة السابعة؛ إذ من جملة ما ذكر ((أن كتابة الحساب أنفع وأفضل وأعلق بالمُلك، والسلطان إليه أحوَج، وهو بها أغنى من كتابة البلاغة والإنشاء والتحرير، فإذا الكتابة الأولى جِدّ، والأخرى هزل؛ ألا ترى أنّ التشادُق والتفيهُق والكذب والخداع فيها أكثر؛ وليس كذلك الحساب والتحصيل والاستدراك والتفصيل. قال: وبعد هذا فتلك صناعةٌ معروفة بالمبدأ، موصولةٌ بالغاية، حاضرة الجدوى، سريعة المنفعة؛ والبلاغة زخرفة وحيلة، وهي شبيهة بالسراب، كما أن الأخرى شبيهة بالماء. قال: ومن خساسة البلاغة أنّ أصحابها يُسترقَعون وُيستحمَقون؛ وكان الكتاب قديمًا في دور الخلفاء ومجالس الوزراء يقولون: اللهم إنا نعوذ بك من رَقاعة المنشئين، وحماقة المعلمين، وركاكة النحويين، والمنشىء والمعلم والنحوي إخوة وإن كانوا لعَلَّات؛ والآفة تشملهم والعادة تجمعهم، والنقص يغمرهم، وإن اختلفت منازلهم، وتباينت أحوالهم))29. وابن عبيد يرافع ها هنا عن بهاء الحساب وجلاله، وينسب إلى البلاغة كل نقيصة، فوصف الحساب بسلة الخبز، لحاجة سوق العمل إليه بلغة عصرنا، أكثر من حاجتهم إلى صاحب الإنشاء. وقد استبدلنا مصطلح "البلاغة" بالخطاب في بحثنا هذا. ومن شاء استمتع بقراءة الليلة كلها، واستأنس بما ورد فيها.

الحساب والخطاب من منظور المنطق الحديث

إذا أُبْنا إلى عنوان هذه الدراسة التي وُسِم فيه الحساب بالبهاء والخطاب بالبهاء؛ فإنّه قد يثير بعض اللبس؛ ولهذا نبادر إلى القول إنّنا في حلّ من ذلك الاعتقاد الذي ينصرف إليه الفهم، فيظن –وإن الظنّ لا يغني من الحق شيئا- أن للحساب مزيّة مطلقة على الخطاب؛ فالهباء ليس سيماءً دالًا على الزيف، وليس نقيضًا لفضيلة البرهان حتى يطاوله التكذيب؛ لأنّ المسألة في هذا الباب إمّا أن تكون دعوى، فتحتاج إلى بيّنة؛ وإمّا أن تكون دحضًا، فيعوزها الدليل، و"منْ لم يشك لم يبصر"، ومع ذلك فالباب غير مؤصد لقيم الصدق ودالته.

يغدو الهباء من وجوه –في نظر من يرمونه بالمظنات- حجاب الحقيقة، وخطابًا لا ينتهي إلى شيء؛ ولهذا لا يعتد به في أمور النظر والحساب. فيرتفع فيه التدليس والتلبيس والتبكيت والمغالطة على نحو ما وُصِف به خطاب السفسطائيين من قبل خصومهم. ويكون فيه أمر الحقيقة متهافتا، فاقدًا لمطلب الصلابة، مفتقرًا إلى ثبات المتصور، ومحتاجًا إلى مجد الحساب، ومبدأ السلامة. وهذا ما لم نسلم به تسليمًا من دون مساءلة؛ على نحو ما وقفنا عليه في حديثنا عن تهافت المعنى في الخطابة السفسطائيّة30. وقد يعبر عنه بمنطق اللغو (the logic of Nonsense) الذي ابتدعه سورين هالدن (Sӧren Halldén)، ويعالج الملفوظات التي لا معنى لها. والمقصود باللغو ها هنا ألا تكون الجمل صادقة أو كاذبة.

هب أنّنا وقفنا على نص نثريّ، وألفينا بعض جمله موزونة هل نصنفه في جنس الشعر؟ وإذا فشلنا في تعيين هذه الحالة من النصوص تكون بلا معنى (~ + ﻕ)، أي أنّ منطقها يؤول إلى الهباء من حيث إنّه ضرب من اللغو، وحينئذ يصبح الهباء قيمة ثلاثيّة تنضاف إلى القيم الثنائيّة التي رسّخها سابقا المنطق الرمزيّ التقليديّ. والذي يعنينا من منطق اللغو لدى هالدن أنّ الهباء القائم على الاشتباه لا يؤدي بالضرورة إلى عدم صحة الاستدلال، ولكن دعواه بالإضافة إلى مبدأ "امتلاك المعنى" في الاستدلال لم يكن على درجة كبيرة من النجاعة.

الهباء–في نظر من يقدحون في أمر "خطل" الخطاب- تشتيت للنسق، وطمس للتماسك، وتفتيت للوحدة، وانفلات من الضبط، وخروج عن التحديد. وقد قال الذكر الحكيم: ((وَبُسَّتِ الجبال بسًّا، فكانتْ هباءً منبثًّا))31 ؛ ومن الصعب تمثيل المعلومات لكونها عائمة، ومشوشة، وغير محددة. وقد سبق لشانك schank أن شكك في دعوى التحليل الدلاليّ-المنطقيّ، ولاحظ أنّ الإنسان لا يتذكر في الغالب الشكل النحويّ للمعلومة التي اكتسبها بقدر ما يتذكر محتواها. وانتهى إلى أنّ التمثيلات المفهوميّة مستقلة عن البنى النحويّة، وحتى المعجميّة للغات الطبيعيّة32؛ ولذلك راهن على الموسوعة في فهم المعلومة أكثر من القاموس.

فتح ر. مونتاغيو(R. Montague) النقاش في إطار الدلاليّات الصوريّة حول مسألة العلاقة بين اللغتين الطبيعيّة والصوريّة في مقالته الموسومة "الإنجليزيّة لغة صوريّة33"، وانطلق من فرضيّة نفي الاختلاف النظريّ البارز بينهما. وهذا النفي مداره الطعن على أطروحة المناطقة مثل فريجه الذين يقرون بوجود اختلاف بيّن بين اللغتيّن. وحجته في ذلك أنّ التركيب والدلاليّات كليهما جبر. وهذا الجبر يوّحده النسق السيميائيّ القائم على مرتكزات منطقيّة للمعنى وآليّات الاستدلال والاستنباط. والطريف في أطروحة مونتاغيو أنّ دعامتها كانت من حساب التفاضل في تفسير البنيات الدلاليّة. ومن الواجب التنبيه على أنّ كل استدلال تفكير.

ولا غرو أن يكون حظ الهباء من العقل إلّا قليلًا؛ لأنّه وقع في دوائر التقريب ومدارات الاحتمال. فعندما يفقد الخطاب نسقه يصبح هدرا، وفاقدًا للجدوى، وتكون فيه اللغة لغوًا؛ إذ يمارس الحضور عمليّة حجب لسلطة الغياب، فلا يتحقق النظر؛ لأنّ من لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي سجينا في متاهات العمي، أو كما قال أبو حامد الغزاليّ رحمنا اللّه وإياه في خاتمة مؤلفه ميزان العمل.

قد يبدو لمن حجّ بصره إلى مملكة الأفكار يتبين له أنّ الحساب أقرب إلى المحاولة، والخطاب أقرب إلى المجادلة، وإنْ كانت للفكر منازل. ولكن السؤال الجدير بالتأمل ماذا لو استخدم الخطاب بهاء الحساب للتضليل، كما يلجأ رجال السياسة إلى لغة الأرقام لدحض دعاوى خصومهم؟ ولا سيّما إذا اقتصر التفكير المنطقيّ على صحة النتائج دون فحص سلامة المقدمات.

منازل الفكر بين الحساب والخطاب

من المعلوم لدى جمهور الفلاسفة والعلماء أنّ للفكر مساحة قد لا تُحَدّ من النشاط الذهنيّ المتنوع. وللمرء أن يستخلص بعض النتائج والعبر من فجر تاريخ الفكر العقلانيّ وتطور النظريّات العلميّة في القرنين التاسع عشر والعشرين. فقد برزت آيات هذا النشاط المثابر على التجدد منذ بداية تدبيج آيات الأرغانون الجديد لفرنسيس بيكون، وفتوحات عصر النهضة في حركة التأملات الديكارتيّة والتساؤلات السبينوزيّة والفلسفة النقديّة الكانطيّة والروح المطلق لهيجل والبراهين الرياضيّة اللاينيزيّة والتجارب الطبيعيّة، وتطور تاريخ المنطق والموضوعات النفسيّة مثل: الإدراك وأحاسيس اللذة إلى الذكريات وتداعي الأفكار والموضوعات الفنيّة: مثل الخيال والخبرة الجماليّة وملكات الحكم.

ومن هذا التاريخ لا يبدو للمتأمّل فيه أنّ الفكر ليس بحكر على العمليّات المنطقيّة للحساب، ولا يختزل فيما يضطلع به العقل بوساطة الأفكار؛ وكأنّ الحساب -من هذا المنظور- شارة كل تفكير سيميائيّ بالمفهوم المنطقيّ. ويحصل أنّنا من فرط انبهارنا المضلل ببهاء الحساب نغفل عن الطريق إلى قوة العقل ونشاطه في أروقة الخطاب، ونستسلم لتهافت المعنى، ونقر بهبائه في الخطاب.

بمجرد ما نكون أمام مشكلات تدفع النشاط العقليّ إلى البحث عن حلول أو الوصول إلى غايات كنا حددناها سلفا أو تقديرات نسعى إلى التحقق من مدى واقعيّتها ينحاز هذا النشاط إلى سلطة الحساب، وكفايته على صورنة الأنساق. وفي هذه الحالة لا مجال للحديث عن التفكير العقلانيّ خارج بهاء النسق. وصار الاعتقاد أنّ ما يقع خارج دائرة سلطة الحساب يكون أقرب إلى هباء الخطاب منذ زمن الخطابة السفسطائيّة إلى الزمن الذي تربع فيه جلال الاستعارة على عرش البلاغة والخطابة، ومنطق الاشتباه والمنطق الطبيعيّ.

تتأتّى صلة الحساب ببهاء النسق من اللحظة التي يَرْتدُ فيها العقل إلى نفسه، ويعي شيئًا ما بوساطة العلامات حينئذ يصبح الحساب صيرورة سيميائيّة. فكل تفكير من هذا المنظور يغدو حسابًا سيميائيّا لكفايات ذهنيّة تنجز عمليات فكريّة لا محدودة من علامات محدودة، ويفضي هذا إلى "اللانهائي" (l’infni) والمسترسل (contunuum) واتصال الزمان والمكان. وتنضوي تحت هذا المسعى كيانات الأعداد وأصوات اللسان وألوان الرسم، وما شاكل ذلك من خوارزميّات الأنساق السيميائيّة. ومنها تتشكّل القضايا المنطقيّة من حيث إنها عبارة عن مجموعة من الحروف المتضامة والعلامات التي يحكمها تركيب صحيح (syntaxe correcte) يجعل القارئ يقرأ العبارات المنطقيّة والجبريّة قراءة سليمة، ويجب أن تتوافر على دلالة سليمة (sémantique correcte) لكي يفهم هذا القارئ ما يقرأ، ويكون لها قيمة وحيدة إمّا تكون صادقة، وإمّا أن تكون كاذبة34 وفق مبدأ الثالث المرفوع، وتتساوى القضيتان المنطقيّتان عندما تكون لها قيمة الصدق نفسها، ولكن طرأ على المنطق ثنائي القيمة تطور ملحوظ، أفضى إلى منطق الاشتباه الذي ينهض على سيميائيّات الصفات المقارنة النابعة من مواطن الاشتباه في إدراكاتنا العائمة للعالم العيانيّ.

وانطلاقًا من هذه الإشارة؛ فإنّ الحساب ليس وقفًا على الرياضيّات كما ينصرف الاعتقاد إلى ذلك أوّل مرّة، وهو يستحضر عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة التي تنتهي إلى الناتج بعد تطبيق النظريّة والقاعدة؛ وذلك ضمن قواعد منطقيّة مثل التطابق والتضاد والتعدي؛ وإّنما يمتد إلى مجالات الفكر والمعرفة مثل: اللغة والمنطق والفلسفة والاقتصاد وعلم التبادلات والتقويم الكميّ وحساب البورصات وأسواق المال، والربح والخسارة. كما أنّ السياسة علم قادر على حساب عمليّة اتخاذ القرارات في إبّانها مع الأخذ في الحسبان نتائجها الإيجابيّة والسلبيّة مثل إجراء الوقت المناسب لتعديل القوانين وتقديمها للنقاش العام والمجالس المنتخبة في المجتمعات الديمقراطيّة والعلوم العسكريّة.

وللمنطق السيميائيّ الكفايات اللازمة لاختبار صدق القضايا عبر الاستدلال إذا كانت عناصرها تتمتع داخل عمليات البرهان بالقابليّة للدراسة. ومن هنا يكون الحساب من هذا المنظور منطقيّا خالصًا. وتتأتى كفايات المنطق في تحديد أشكال التفكير واختبار عملياته للوصول إلى سلامة النتائج. إنّ منطق القضايا عمليّة حسابيّة تُربط فيها القضايا الذريّة بالروابط المنطقيّة عبر نسقي الاستدلال والبرهان.

تعد فضيلة دقة "القياس" بالمفهوم الرياضيّ لا المنطقيّ ونتائجه العلامة الفارقة بين الحساب والخطاب. فكل عمليّة قابلة للقياس تندرج في منطق الحساب، وما عداها يرمى في عالم "هباء" الخطاب. فأينما حلّ قياس الأمور وُجد الحساب بما في ذلك حساب الاحتمالات، مثل قياس المساحات، ووزن السلع في الشراء والبيع، ودرجات النجاح والرسوب في الاختبارات...إلخ.

إنّ نتائج القياس تندرج في عمليّة الحساب. وهذا المتصور ينهض أصلا على منطق التفاضل بين المعارف والعلوم. وبه تتحدد منازل الفكر، فيُنسب للحساب بهاء النسق؛ لأنّه ذو خصيصة كميّة سواء أكانت متصلة أم منفصلة، ويُرمى الخطاب بمظنة "الهباء"؛ لأنّه ذو خصيصة كيفيّة عائمة يتلبس لغتَها الغموضُ؛ ولكن ((كل طرق الفكر تقود، بكيفيّة غير واضحة وبممرات غير معتادة، عبر اللغة))35. وينطبق على ذلك التواترات النسبيّة التي قد تقود إلى نتائج مبنيّة على تفسيرات موضوعيّة.

للحساب حضور لافت في مناحي الحياة، وتدبير شؤون العباد في السلم والحرب؛ إذ تلجأ القيادات العسكريّة إلى أمره في رسم الخطط والحيل التي يطلق عليها "الإستراتيجيّة العسكريّة" في قيادة العمليّات وإدارة الحروب؛ لهذا يضطلع قادة الجيوش بحساب قدرات العدو ومواطن قوته وضعفه؛ لأنّ الحروب مسألة إستراتيجيّات وحساب سبل كسب المعارك وتحقيق النصر؛ وكأن الفكر عبارة عن لعبة شطرنج الغرض منها حساب الطرائق التي بها نكسب اللعبة، وكل لعبة فيها ضرب من الحساب تخضع لقواعد محددة سلفا. ونستحضر في هذا السياق ألعاب اللغة لفيتجنشتاين.

إذا كان الحساب لغة العدّ، وكل ما له معنى؛ فإنّه يتضمن في لغة القرآن دلالة العطاء الكافي لعمل المتقين في كلام القدير الشافي: ((جَزَاءً مّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا))، وورد في قوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) يونس: 5. فالحساب اصطلاحًا حشد الوسائل من أجل المنهج السليم في الوصول إلى أهداف مسطورة. وعندما يخطئ المرء الهدف يقال عنه: إنه أخطأ الحساب؛ وعليه فإذا كان الخطاب مسلكًا إلى معرفة العالم وفهمه؛ فإنّ الحساب مسلكٌ عمليٌّ ينهض على تفسيره، ويضع الحلول المناسبة لمشكلاته؛ وكأنّ الخطاب لا هويّة له إلا الإيديولوجيّات والأفكار الوثوقيّة والقضايا الفارغة من المعنى. ولعل التضليل متأت من فهمنا لمدلول الحساب، وسوء تقديرنا لدلالة الخطاب في أدبيّات فلسفة العلوم وتصنيفاتها.

ليس العقل الحاسب بوقف على المناطقة وعلماء الرياضيّات والفيزياء أو العلوم الموسومة بالحقّة. فكل نشاط عقليّ يقوم على خصيصة ذهنيّة برهانيّة لها غاية تتمثّل في الحصول على نتيجة يؤول أمره إلى الحساب. وقد خاض فرنسيس بيكون ثورة لا هوادة فيها على المنطق الصوريّ، وتحديدًا على القياس؛ لأنّه كان يعطّل حركة تقدم العقل البشريّ، فصرّح أنّه مثلما ((أنّ العلوم في وضعها الحالي لا تُجدي نفعًا في اكتشاف نتائج جديدة، كذلك المنطق الذي بحوزتنا لا جدوى منه في اكتشاف العلوم. نسق المنطق الحالي يفيد في تثبيت وترسيخ الأخطاء (القائمة على الأفكار السائدة) أكثر مما يفيد في البحث عن الحقيقة، ومن ثمّ فإنّ ضرره أكبر من نفعه))36. وهذا النقد الذي وجّهه بيكون إلى علوم عصره ومنطقها يضفي النسبيّة على صفتي البهاء والهباء وأحكامها بخصوص الحساب والخطاب. وأنّ الأمر وقف على نجاعة الوصول إلى الحقيقة، وليس إلى الثناء المفرط على قوة العقل البشريّ ودقة الحواس.

يتجرد العقل الحاسب من الأحكام الذاتيّة والأخلاقيّة والدينيّة في إقرار النتائج، ولا يفكرّ في مآلاتها، ولا يلتفت إلى الأسيقة التي تتحقق فيها هذه النتائج؛ ولهذا عندما يوصف العقل بالحاسب؛ فإنّ من جملة ما يعنيه هذا الوصف أنّه يتسم بالبرودة وعدم الانفعال والمكر والحيلة في إقرار النتائج من دون تلطيف والصرامة في اتّباع خطوات الاستدلال والبرهان من دون تزييف. هناك سخريّة اقتصاديّة ناتجة عن التفكير الرأسماليّ المتوحش في مسألة التفكير في الربح الخالص الذي قد ينتهي بسحق الشرط الإنسانيّ للعمل. فالعقل الحاسب مثله كمثل الآلة؛ إذ ليس فيه روحٌ تُقدِّر نشاط الدلالة.

كلّما حلّ النسق أضفى البهاء على الحساب والخطاب على السواء، فيمنحهما مجدا يتسع حسنُه، ويُكسبهما سلطانًا في حضرة العلوم يقوى جلاله. فالمعارف تزدان ببهاء الحساب وفصل الخطاب؛ حينما يتضايف العاملان الكميّ والكيفيّ، فتحصل لها بعض العظمة والعزة والغلبة والجلال على غيرها. وإذا أُبْنَا إلى تشبيه العقل الحاسب بالآلة. فهذا أمرٌ يجرّده من كل روح، ويجعل مسألة الذاتيّة عالقة بشأن الخطاب الذي يعتاص على القياس. والسؤال الذي نحار في الإجابة عنه: هل العقل آلة حاسبة تتوافر على مؤهلات دقيقة بالفطرة، أم بالمراس والدرْبة؟ وهل هذه الآليّة ملازمة للذهن؟ نحن ندرك أن العلوم المعرفيّة (sciences cognitives) ماضية بعزم في إيجاد الأجوبة المناسبة عن مثل هذه الأسئلة التي تؤرق التأملات الفلسفيّة، ولعلّنا نظفر بالإجابات الشافيّات عن هذه الأسئلة في قادم الأعوام والعقود.

لا نكاد نختلف اختلافًا جذريًّا في الإقرار أنّ طبيعة الفكر من حيث إنّه نشاط سيميائيّ ينماز بالتنظيم الصارم للوسائل المنهجيّة التي يتوخاها من أجل الوصول إلى الأهداف التي يروم تحقيقها؛ ولكن ما قد نختلف حوله هو وسم النشاط العقليّ بالصورنة الآليّة. ودليلنا في ذلك أنّنا نتساءل مع جمهور العقلاء هل بإمكان الحاسوب أن يفكر علمًا أنّنا نقر سلفًا غموض كلمة "فكر"؟ وهذا يجعل الحيرة تنتقل إلى رحاب من يعتقدون أن العقل آلة حاسبة. لا نختلف مرة أخرى على أنّ الحاسوب ينجز عددا لا يُحصى من العمليّات الحسابيّة إنجازًا دقيقًا، وفي ظرف زمنيّ قياسيّ قد يعجز عنه ذهن الإنسان؛ إذ لم يتردد هوبز بنزعته الاسمانيّة في الاعتقاد أنّ نشاط الفكر الإنسانيّ يتجلى في صورة حساب؛ ولكن لا يعفي أنّ الآلة وراءها عقلٌ إنسانيٌّ، وأنّ الذكاء الاصطناعيّ وراءه ذكاء بشريّ. وما زلنا ننتظر ما تسفر عنه نتائج الأبحاث في مجال العلوم المعرفيّة للذهن البشريّ في قابل الأيّام.

يحدث خلطٌ بين التعرّف إلى المعطيات والتفكير فيها، وتدبير شأن الخلل في المعطيات. فالحاسوب يتعامل مع المعطيات على أنّها متتاليات سيميائيّة. فليس لها دلالة. فهب أنّ شخصًا ما يتحدث معي، فيخبرني أنّه قد رآني في العام المقبل. فإنّ ذلك لا يؤثر البتة في سيرورة المحادثة، ويمكن ألا أُوقِفَ حديثه، حتى أطلب منه أن يصحح ملفوظه، وأن يقول في العام الماضي بدل العام المُقبل، بخلاف لو أحدثت فراغًا في الكتابة أو خطأ طباعيًّا؛ فإنّ الآلة الحاسبة تتوقف عن الاستجابة لمطلبيّ، ولا تستطيع الاستمرار في إنجاز العمليّات المطلوبة. وهذا يجعلنا نعتقد أنّ الذهن الإنسانيّ يتصف بالمرونة، ويمتلك قدرات التصرّف في عمليات الفهم المباشر التي يعجز –على العقل الآلي في الظرف الراهن- القيام بها؛ وذلك عندما يحدث خطأ ما، أو يحتاج إلى سياق لتأويله. فالذهن يتصرف في حالة وجود خطأ؛ بينما تتوقف الآلة عندما يكون المعطى خاطئًا، وأقصى ما يصل إليه أنّه يمنحك بعض الخيارات لتصويب الخطأ. وليس أدلّ على ذلك مما نلحظه في المدقق اللغويّ حينما يؤشر على علامات باللون الأحمر على أنها علامة خطأ لكونه لم يفهمها وفق المعطيات المبرمجة التي لديه.

قد يقول قائل إنّ العقل أيضًا لا يفهم إلا ما هو معطى، وأن الخطأ ليس في الآلة؛ وإنّما في واضع البرنامج؛ وعليه فإنّ ذكاء الآلة وقْفٌ على ذكاء المبرمج، وأن تصرّف الآلة -مما قد يبدو لنا فيه من الذكاء أو الحماقة- ينسب إلى من قام بالبرمجة لا إلى ذكاء الآلة. وقد يعيدنا طرح السؤال الآتي: أللآلة قدرة على التفكير؟ ذلك ما رام معالجته مارتن هيدجر في مقالته التي خصصها لموضوع التقنية37 (tekhnê). إنّه يرفض النظر إلى التقنيّة على أنّها موضوع حياديّ38 بحجة أنّ ذلك يعد استسلامًا في غاية السوء؛ لكون أنّ كل تقنيّة فعل، وليس كل فعل بتقنيّة. وفي هذا المضمار يطرح الخطاب الفلسفيّ فكرة المقابلة بين الإنتاجيْن الطبيعيّ والتقنيّ. فالإنتاج الطبيعيّ محكوم بمبدأ "الوجود في ذاته"، والإنتاج التقنيّ يستجيب لمبدأ "الوجود خارج ذاته" الذي يضفي على سيرورته القابليّة للتحديد والنقل والاكتساب.

من المعلوم لدى أهل الاختصاص أن الحواسيب الرقميّة تستخدم ذاكرتها جبر بول (Boole) ذا المنطق ثنائي القيمة الذي لا يكاد يخرج عن عددي الصفر (0) والواحد (1). ونكون بذلك قد قمنا بتحويل السنن المنطقيّ في اللغة الزوجيّة بما يتوافق مع الذكاء الاصطناعيّ حتى تتمكن الآلة من فهمه. وبما أنّ الحاسوب يستند إلى اللغة المبرمجة؛ فإنّه في هذه الحالة لا قبل له بالتفكير الحدسيّ (البداهة)؛ وإنّما هو ألصق بالتفكير الخِطابيّ (pensée discursive)؛ لأنّ فهم المعنى يتطلب أن يكون توليفها في قضايا اللغة توليفًا لا نقص فيه. حتى إذا حُوِّلت ملفوظات اللغة الطبيعيّة إلى لغة منطقيّة أمكن للمعالجة الآليّة للغات الطبيعيّة أن تُؤتِي أكلها بإذن مبرمجها؛ ولا سيما في عدم تحديد ماصدقها في حالة ضيق المفهوم.

إذا رمنا القياس بين تفكير الإنسان وذكاء الآلة الاصطناعيّ؛ فإنه من الصعوبة بمكان أن نقر أنّ تفكير الإنسان برمّته حساب سيميائيّ يمكن للآلة أن تفسره حتى لا نقول تؤوّله، وتحوّله من لغة طبيعيّة يكتنفها منطق الاشتباه39 (الضبابيّ) (fuzzy logic) الذي يحصل لبعض قضاياه بعض الغموض، ويعدّ امتدادًا لمنطق بول، وهو ذو طبيعة رقميّة (digital logic). وهذا مجال لمَّا تؤصد أبوابه؛ لأنّ من غايات هذا المنطق السعي إلى صورنة التفكير الإنسانيّ واستدلالاته انطلاقًا من قواعد اللغة الطبيعيّة وملفوظاتها؛ وعلى الرغم من ذلك كلّه فإنّ هيدجر يعتقد أنّ ((سلوك الإنسان مخترق من قبل تجلي الموجود في كليّته. وهذه ال"في كليته" تظهر مع ذلك بالنسبة لأفق الانشغال والحساب اليوميين، كشيء لا يمكن إدراكه ولا التنبؤ به))40؛ إن التمثل والحضور41 يعدان –في نظر هيدجر- السمة الأساسيّة للفكر.

ألا ما أعسر الانتقال من اللغة الطبيعيّة إلى اللغة المنطقيّة؛ لأنّ في ذلك مشقة ما بعدها مشقة. فهي على درجة غير يسيرة من التعقيد والصعوبة. إنّ صفحات معدودة من رواية ما أسهل على القارئ أن يفهمها؛ في حين يجد المنطقيّ صعوبات جمة في صورنة ملفوظاتها. وكان فرانسيس بيكون قد شكك في وضوح اللغة الطبيعيّة ومن القدرة على القياس بناء على العلامات اللسانيّة؛ ذلك أنّ القياس ينهض على قضايا، والقضايا قوامها العلامات اللسانيّة، والعلامات اللسانيّة تمثيل رمزيّ للأفكار، فلا ثبات للحقائق على ما يبنى على هذا القياس، والأمل معقود في نظره على الاستقراء الصحيح؛ ذلك أنّ ((لا شيء صحيح في أفكارنا سواء في المنطق أو الفيزياء. فلا "الجوهر" ولا "الكيف" ولا "الفعل" ولا "العاطفة" ولا "الوجود" نفسه أفكار واضحة. وأقل منها وضوحًا بكثير فكرة "ثقيل"، "خفيف"، "كثيف"، "رقيق"، "رطب"، "يابس"، "كون"، "فساد"، "جذب"، "طرد"، "عنصر"، "مادة"، "صورة"، وما إلى ذلك. كلها كلمات وهميّة وغير محددة))42. ويمتد تشكيكه إلى حتى ما يعرف بالأوّليّات (axiomes)، فهي لا تقل في نظره تهافتًا وزيغًا.

إنّنا نواجه صعوبة كبيرة في إضفاء الصورنة على ملفوظات اللغة الطبيعيّة مثل الأحكام الجماليّة وأحكام القيمة الأخلاقيّة والأحكام الذاتيّة للأحاسيس والأحلام والملفوظات الاستعاريّة، والقضايا التي تتضمن الاحتمالات والافتراضات، بل وجد ج. سورل (John Searle) صعوبة في التسليم بإنجازيّة الملفوظات التخيليّة لكونها أقرب إلى هباء الخطاب المفتون بالممحاكات منها إلى بهاء الحساب المفتون بدوره بالتعميمات.

لا نهمل في هذا السياق إسهامات المنطق التداوليّ (أوستين وسورل) في تجاوز المنطق الصوريّ التقليديّ القائم على ثنائيّة الصدق والكذب التي يقتصر طلبها على الملفوظات الخبريّة دون الملفوظات الإنجازيّة، واستبدل أوستين ثنائيّة "الصدق والكذب" بثنائيّة "النجاح والإخفاق"، وطور تحليل الصورة المنطقيّة للقضايا. إنّ القضايا حاملات لقيم الصدق في نظر فريجه وأشياعه، وأنّ القضية تكون صادقة في العالم الممكن من منظور الدلاليّات العامة التي تنطلق من أنّ لكل ملفوظ تقريريّ (énoncé déclaratif) معنى.

سبق لويفر (W. Weaver) أن دافع في منتصف القرن العشرين عن فكرة ترجمة نصوص لغة طبيعيّة إلى لغات طبيعيّة أخرى ترجمة آليّة. ينضاف إلى ذلك أنّ علماء الذكاء الاصطناعيّ لم يتوانوا البتة في أبحاثهم التي وضعت بين أيدينا نماذج من المدققات اللغويّة الآليّة. ولكن الفكرة لم تبرح الإجراء السيميائيّ القائم على فك السُنن (décodage) أو فك رموز الكتابة (cryptographie)؛ ولذا لم تجد هذه الآلات المبرمجة أي عائق أمامها في حصر الأخطاء، والوقوف عليها في النصوص. وهذا ساعد على ترسيخ فكرة أنّ اللغات الطبيعيّة أنساق سيميائيّة ذات بنية حسابيّة صوريّة قادرة على فك سنن المعلومات، ويمكن فهمها وفق معادلات نحويّة نسقيّة واستدلآليّة منطقيّة ودلآليّة لا يمكن الفصل بينها على نحو ما قام به تيري وينوغراد43 (Terry Winograd) في نظامه المعروف بـ (SHRDLU).

قد لا نكف عن إخضاع هذه الدعاوى العلميّة إلى آليّة الدحض التي أوصى بها كارل بوبر عوضًا عن قابليّة "التأييد" التي لهج بها كارناب معلنًا عن نهاية الاستقراء الأرسطيّ. فالقابليّة للدحض عودة محمودة إلى الألينخوس السقراطيّ44 الذي ينطلق من الأمثلة المضادة؛ ولهذا فحريٌّ بها أن تستكشف –حسب بوبر- صلة العلم بالواقع. ونتساءل أيستطيع التفكير الإنسانيّ أن يكون رهن الاستجابة للمنطق النهائيّ الذي تنماز به الآلة؟ وكيف نبني معرفة منطقيّة شموليّة متماسكة ومنسجمة؟ أيمكننا أن نطرح على الآلة أسئلتنا بلغتنا الطبيعيّة، ونتوقع أن نتلقى منها أجوبة شافيّة؟ أليست الترجمات الآليّة المتعثرة قد تعزز شكوكنا في أنّ العقل الحاسب لا يُطابق تطابقًا دقيقًا الآلة الحاسبة.

فثمة فرق بين التفكيرْين الحدسيّ والخطابيّ. فالحلم بالتطابق يظل قائمًا حتى وإن بدا خُرافيًّا. وحتى لطفي زاده لم ير في منطق الاشتباه وتطبيقاته ترياقًا لكل مشكلاتنا ولا إكسير الحياة"؛ لأنّ كفايات الإنسان تسمو على الأنساق المنطقيّة، وتعلو في التفكير على عمل الحواسيب، ولا مجال في نظره للمقارنة بين الذكاءيْن الطبيعيّ والاصطناعيّ.

إن توزيع المعرفة –سواء أكانت حدسًا أم استنباطًا حسب ديكارت- ضمن قاعدة بيانات خطوة أمام الحواسيب الرقميّة لتُنجِز ما يُعهد لها من متطلبات لكونها تمتلك ذاكرة منظمة تنظيمًا محكمًا ومحفوظًا في سجلات. ولكن التجارب في مجال المعالجة الآليّة للغات الطبيعيّة (TALN) لم تحقق الآمال المعقودة عليها؛ ولا سيما الترجمة الآليّة مما جعل ياهوشا بار هيليل (Yehoshua Bar-Hillel) يرى أنّ الوصول إلى ترجمات آليّة دقيقة يعدّ من قبيل حديث خرافة أمّ عمرو، حتى فَقَدَ أصحاب هذه البحوث القدرة على الحصول على المنح والتمويل لمشاريعهم في هذا المجال. وهذا مظهر من مظاهر إخفاق بعض مشروعات بهاء الحساب في هذا المضمار. وما قيل عن الترجمة الآليّة يقال أيضًا عن الحوسبة اللغويّة والمعجميّة التي ترتكز على جملة من المحددات مثل الاعتماء على الفهرسات الآليّة والكشافات السياقيّة والتحليل المورفولوجيّ للوحدات المعجميّة، وكذا الهندسة الذهنيّة في ظل العلوم المعرفيّة التي تتقصد المعالجة اللغويّة والنصيّة.

صحيح أنّ الحواسيب التي زوّدت بقواميس ثنائيّة اللغة، أظهرت من وجوه إبداء معرفة ذكيّة للعلاقات التي يمكن أن تخلقها الآلة من دون عون إنسانيّ. إنّ هذا الإجراء الذي بدا في زمنه مثيرًا للإعجاب، ومدعاة للأمل كما لاحظنا سالفًا لم يدم طويلًا. وكان لا بد من تحديد ماهيّة الذكاء. إنّ العقل قادر على إدراك العلاقات أكثر مما يقوم بحساب العمليّات الإجرائيّة. فهو يصل إلى مبتغاه بوساطة المعاينة. فالعقل الذكيّ والآليّة المنطقيّة للحساب صورتان من صور الفكر غير متطابقتين.

إذا عوّدنا العقل على إجراء الحساب عن طريق الدربة والمران؛ فإنّه ينجح في حلّ العمليّات الحسابيّة، وفي هذه الحالة يصبح مثل الآلة؛ لكن العقل الذي ينصرف إلى إدراك العلاقات بين العبارات الحسابيّة حتى وإن تغيرت المعطيات هو وحده من يستحق صفة العقل الذكيّ الذي يتوافر على ملكات الحس الحدسيّ للرياضيّات مثلًا. أمّا الذكاء الآليّ فيؤكد لنا أنّ آليّة الحساب ثانويّة. إنّ ((الحدس حينما يتوصل إلى فهم موضوعه فهمًا ملائمًا، فيعدّ بالنسبة إليه المبدأ نفسه للخطاب العلميّ))45. فالحدس معرفة مباشرة تقدم الفكر في أجلى صوره ووضوحه، وهو يسهم في تأسيس التفكير الخطابيّ الذي يسلك بموجب الخطاب المنطقيّ سبيل الاستدلال العقليّ.

كنا وسمنا أعلاه أن كلمة تفكير يحيط بها "الاشتباه" وهي عرضة "للتمطيط". ولا بد من الاقتراب من دلالتها حتى نعلم ما الأقرب إليها الحساب أم الخطاب؟ أم كلاهما؟ فالفكر دال على حدث يكون موضع اشتغال ونشاط من قبل الذهن46 (mind) بما في ذلك عمل الخيال الذي يشمل الأحلام وحتى الهذيان والهلوسات. وفي هذا السياق دافع التحليل النفسيّ عن الأحلام بوصفها نشاطًا ذهنيّا. فالحالم وهو يغط في نومه على فراشه "يفكر" تفكيرًا مخالفًا لمن هو يقظ. فإذا كان الإنسان المستيقظ "يفكر" تفكيرًا "واعيًّا"، فإنّ الحالم بدوره يفكر تفكيرًا "لاواعيًّا". ولعل من العبارات الدارجة أنّنا نوجّه سؤالنا لمن نراه شارد الذهن "فيم كنت تفكر؟".

استخلصنا درسًا من فلسفة التحليل النفسيّ بتياراته المختلفة أنّ التفكير ليس بحكر على العقل الواعي، وإنّما هناك باطن يتحكم في حياتنا العقليّة. ولكن إذا أقررنا أنّ التفكير العقلانيّ ينهض على طرائق الاستدلال؛ فإنّ الحالم يخرج من دائرة التفكير. ومنطقهم في ذلك أنّ الحس المشترك (sens commun) يكرر الأفكار، والآراء المتواضع عليها؛ ولهذا لا يمكن أن ندرجه في مجال التفكير. فلا توجد غضاضة في الاعتقاد أنّ الحساب ما هو إلا تنويع للفكر الخطابيّ أي أنّه ضرب من التفكير العقلانيّ الذي هو عبارة عن نشاط الذهن الذي نستعمله في أثناء التواصل والحديث والتخاطب، وهو يقوم على مقدمات توافقيّة واسعة.

نستحضر في هذا السياق ذاك الحوار العلميّ الذي دار بين رودولف كارناب وكارل بوبر (Karl Popper) بغية وضع أسس لفلسفة العلم، والتحليل المنطقيّ للغته. وقد كانت حلقة فيينا تتبنى النزعة الوضعانيّة المنطقيّة، وتتشيّع للاستقراء، وتراهن على مبدأ "القابليّة للتصديق"، الذي انتقده بوبر، فاستبدله كارناب بمبدأ القابليّة للتأييد؛ ليتلاءم مع التحليل المنطقيّ للعلم الذي لا يقبل تلك الفرضيّات العقليّة للعلم والقضايا الميتافيزيقيّة التي تقابل في الاعتقاد العام صورة "هباء الخطاب". فهي تتضمن -في تصوره- جملًا فارغة من المعنى، وأنّ بهاء الحساب متحقق في مسائل العلوم الطبيعيّة ذات النزوع التجريبيّ، والقضايا المنطقيّة الصوريّة التي تكاد تكون مثالًا لشعار "بهاء الحساب". وهذا البهاء متأت من نسقها الداخليّ، وانسجام حدودها، وإن كانت لا تتوافر على سمت الدلالة الواقعيّة.

الحساب نوع من أنواع الاستدلال. وهذا ما نقف عليه في المنطق الرياضيّ؛ إذ بإمكاننا الاستدلال نظريًّا في العلوم فقط بغية الوصول إلى نتائج تكون قابلة إمّا للتصديق وإمّا الدحض، ونستطيع مقارنتها مع نظريّات أخرى. إنّ شأن الحساب ليس بوقْف على المشكلات التقنيّة وغائيتها، فيمكن أن يُعمّم على العلوم الأخرى؛ ذلك أنّ الفكر الخِطابيّ ذو طبيعة قصديّة بطبيعة الحال، ولكن حدسًا ما لا يعني بالضرورة أنّ يكون حسابًا، وقد أشار بيتار ستروس إلى مفهوم قصد التواصل الذي ((يستحق دوره المركزيّ في نظريّة المعنى اللغويّ))47. فهدف الحقيقة هدفٌ وافٍ بالنسبة إلى التفكير. كما أنّ الوصف الظاهراتيّ فكرٌ يتكشف انطلاقًا مما يهبه الحدس هبة أصليّة.

من منطق الوضوح إلى منطق الاشتباه

يوصف منطق جورج بول48 (1815-1864) بالمنطق الثنائيّ أو البوليّ (Booliènne) القائم على ثنائيّة الصدق والكذب true, false، وينهض على حساب المجموعات وحساب القضايا. وعلى هذا المنطق تأسست الحواسيب الرقميّة الحديثة (ENIAC)، وطرائق تخزين المعلومات والدوائر الإلكترونيّة. فهناك أعضاء ووظائف لا يمكنها إلّا أن تكون ضمن حالتين ممكنتين. فالتلفاز إمّا أن يكون مشتغلًا وإمّا مطفأً. إن القيمة المنطقيّة "0" مرتبطة بعضو زوجيّ (أو وظيفة زوجيّة) في حالة موصوفة "لا نشط" (non-activé) مثل التلفاز مطفأ، "لا عامل" (non-actionné)، التلفاز يشتغل. فإذا افترضنا أنّ مشتغل هو (س)، ومطفأ (ع). ويستعمل للضرب المنطقيّ (و/AND)، وللجمع المنطقيّ (أو/OR)، وعمليّة النفي (لا/NOT)، والتكافؤ والاستلزام.

إذا صغنا العبارة الجبريّة الآتيّة: س + ع. ولكي تكون العبارة الجبريّة صحيحة يجب أن تكون س وع صحيحتين، وهي ليست كذلك؛ وعليه فإنّ القيمة المنطقيّة تكون 0. ولو كتب بصيغة الضرب س X ع. فإحداها صادقة والأخرى خاطئة؛ فإنّ الحقيقة المعادلة لـ/ (0 X 1= 1/). وإذا كانت "أو" س أو ع، التلفاز مشتغل أو مطفأ، فإنّ القيمة المنطقيّة تكون 1، وتكتب الصيغة الجبريّة على شكل جمع (/0 + 1 = 1/). ويمكن صوغ قيم الحقيقة الخاصة بـ س و ع، س أو ع بالنسبة إلى كل التركيبات المحتملة: ونمثلها بالجدولين الآتييْن:

Image 100002010000027900000280BE9F1449.png

والملاحظ أنّ جبر بول هو من يقبل صيغة (1 + 1 = 1) خلافًا للجمع في الحساب العام49. وإذا طرحنا الأسئلة الآتيّة: هل الخطاب بعيد كل البعد عن حقيقة البحث العلميّ أو التفكير التقنيّ أو التجارب العلميّة في الواقع؟ وهل نظل في عوالم المعتقدات الدينيّة والإبداعات الفنيّة ومتاهات السياسة والتأملات الفلسفيّة والشطحات النقديّة الموغلة في الأحكام الذاتيّة؟ بمجرد طرح مثل الأسئلة فإنّ منطق الخطاب سيتجرد من بهاء الحساب إذا حكمنا عليه بالمنطق ثنائيّ القيمة (Binary logic أو Bootean logic) إمّا يكتسب القيمة المنطقية (0) وحينئذ يكون خاطئًا، وإمّا القيمة المنطقيّة (1)، وحينها يكون صحيحًا. إذ لا نستطيع الوقوف على نسقه بعيدًا عن مدخل الواحد "1" وعدمه الصفر "0"؛ ولهذا لا بد من التعويل على منطق الاشتباه ذي القيم المتعددة الذي ينهض على المجموعات الضبابيّة. إن حوسبة مواطن الاشتباه (Fuzziness) في الخطاب مسألة لا تكاد تخلو من تعقيد؛ لأن مخ الإنسان سيقدرها تقديرًا تقريبيًّا.

سعى لطفي أسكار زاده سعيًّا محمودًا إلى فتح مسالك أمام صوغ " الهباء" صوغًا رياضيًّا بناء على تخصصه في مجال الهندسة الكهربائيّة والرياضيّات والإلكتروتقنيّات والذكاء الاصطناعيّ، واستدراجه إلى عوالم "بهاء الحساب" عبر نظريّة جبر المجموعات الضبابيّة، فأصبح التناقض خصيصة في النسقيّة المعقدة بعدما كان نقيصة في التصورات المنطقيّة التقليديّة.

وسّع منطق الاشتباه مدارك منطق بول في سنة 1965 بالتركيز على نظريّة المجموعات الضبابيّة الفرعيّة في مجال الجبر المجرّد بتمثيل بعض فئات من الموضوعات تمثيلًا رياضيًّا. وأدرج مفهوم درجة التحقق للشرط (degré de verification d’une condition). إنّ قِيم دوال عالم الهباء ستكون متعددة لكونها تقع في المجال [0، 1]. فبين الصفر والواحد تتنزّل القيم المتعددة لهباء الخطاب الذي يقبل بإسنادها إلى عوالمه، ويعبر عن المجموعات الضبابيَة رياضيًّا بالصيغة الآتيّة:

Image 10000201000002800000019B0BD655A2.png

ويتبين لنا من ذلك أن منطق الاشتباه ينهض على درجة الانتماء ودوالها، وأنّ الماصدق يكون غير ثابت؛ وعليه يمكن لهباء الخطاب أن ينتظم في هذا المنطق بوصفه مجموعة من القيم الدلآليّة المتغيرة التي تخضع للمعالجة المرنة خارج صرامة المنطق الثنائيّ الذي لا يستوعب هباء الخطاب، ولا يفهم ملفوظاته العائمة، ودلالاته التقريبيّة.

ولتوضيح الفرق بين منطق الوضوح (المجموعة التقليديّة) ومنطق الاشتباه (المجموعة الضبابيّة) يمثل لذلك بالشكل الآتيّ50:

Image 1000020100000280000001145FFB7DF1.png

هذا الشكل يوضح الفرق بين المجموعتيْن التقليدية والضبابيّة

يسعى منطق الاشتباه إلى حل مشكلة تمثيل المعلومات التقريبيّة بالاستعانة بالكفايات التي تتوافر عليها الخبرات البشريّة، ويعيد تأسيس الخوارزميّات الكليّة انطلاقًا من نظريّة المجموعات الضبابيّة، كما أنه يعمل على تكييف نظرية الفئات مع منطقه، وبناء نمذجة لأنساق غير خطيّة، ويقيم أنطولوجيّات حاسوبيّة ضبابيّة أثبتت نجاعتها في التطبيقات العمليّة المختلفة.

فإذا أردنا أن نختبر نجاعة التحليل السيميائيّ لأنواع السرد، وافترضنا أن المجموعة الكليّة س تمثل أنواع السرد.

س =  أسطورة، خبر، نادرة، مقامة، حكاية، ملحمة، قصة، رواية، مسرحية، تاريخ
فإن مجموعة أ الضبابية هي على النحو الآتي:
أ =  (أسطورة، 0)، (خبر، 0.10)، (نادرة، 0.20)، (مقامة، 0.30)، (حكاية، 0.4)، (ملحمة، 0.5)، (قصة، 0.6)، (رواية، 0.7)، (مسرحية، 0.8)، (تاريخ، 1)

والفرق أن المنطق التقليديّ للتصنيف الأجناسيّ الذي يميز بين الشعر والنثر، فإذا طبقنا مبدأ الثالث المرفوع (excluded middle) الذي يعبّر عن صيغته المنطقيّة على النحو الآتيّ: (ﻕ ∨ ~ ﻕ)، فإمّا أن يكون شعرًا، وإمّا أن يكون نثرًا بناء على الصفر والواحد، فلا ثالث بينهما. إنّ مبدأ الثالث المرفوع لا يستجيب بسبب طبيعته الحتميّة لمنطق النصوص الإبداعيّة التي تداخلت فيها الأنواع الأدبيّة، فصار من الصعوبة بمكان أن تخضع لهذا الاشتراط المنطقيّ، وهي أقرب إلى ما يصفه كواين (Willard Van Orman Quine) بمتوسط قيمة الصدق.

إذا كان المذهب الكلاسيكيّ ينهض على أساس الفصل بين الأجناس الأدبيّة؛ فإنّ المذهب الرومانطيقيّ سمح بهذا التداخل، وجعلنا نواجه حالة اللايقين (lʹincertitude)، وتهافت حتميّة الفصل بين الأجناس التي كرّستها الكلاسيكيّة؛ وعليه فإنّنا أمام قيم متعددة، ولا تنطبق عليها صيغة: (ﻕ ∨ ~ ﻕ) التي تناظر هذه الأجناس الأدبيّة؛ ولا سيما في ظل اشتباه جنسيّ "الشعر" و"النثر" وتطورهما في الكتابة الأدبيّة الحديثة، وهذا الاشتباه راجع إلى اللغة الطبيعيّة في ذاتها، وأنّ التغيّر في الكم، لا يُحدث بالضرورة تغيّرًا في الكيف.

ما زالت نظرية الأدب تعاني في مسألة تصنيف الأجناس، وتحار كيف تتعامل مع نصوص لا تخضع لمنطق التصنيف التقليديّ. ومن ثم لاحظنا المواقف "المتشنجة" من "قصيدة النثر" أو "القصة القصيرة جدًا". وإذا أخضعنا ذلك للمنطق الضبابيّ يمكن أن نجد حلولًا لإشكال التصنيف وتداخل الأجناس. وأعتقد أن هذا الموضوع جديرٌ بالبحث لمن يمتلك فضيلة المعرفتين الأدبيّة والمنطقيّة؛ لأنه سيقف على حوسبة الخطابات المعتاصة على التصنيف. فبدلًا من أن نقول إنّ النص (س) ينتمي إلى مجموعة الشعر (ش)، وأنّ (ع) لا ينتمي إلى مجموعته.

Image 100002010000014000000086A15000C6.png

فإنّنا نخضع النصوص الضبابيّة لمجال [0، 1]، فنقول كلما اقترب النص من الواحد كان أقرب إلى الشعر، وكلما اتجه إلى الصفر؛ فإن هذا النص يفقد الانتماء إلى الشعر. وحينئذ يمكن للخطاب النقديّ أن يتحدث بلغة واصفة تنماز ببهاء الحساب وفق منطق الاشتباه. علمًا أنّ هذا المنطق يسمح بموجب دالة الانتماء بتعريف الأنساق الضبابيّة في اللغات الطبيعيّة كما سبق أن مثلنا بالنصوص المعتاصة على التصنيف الأجناسيّ؛ إذ يجعل مسألة الربط بين منطق الاشتباه والمتغيرات اللسانيّة. ولعل ذلك قد يدفع عن الخطاب شبهة الهباء.

ويمكن إيضاح الفرق بين المنطقيّن التقليديّ والضبابيّ في هذه المسألة من الرسميْن البيانييْن الآتييْن للدالتيْن:

ثم تجرى العمليّات الحسابيّة على المجموعات الضبابيّة عبر خواص الاتحاد والتقاطع والمتممات. ولا نكاد نعدم وجود خصائص التبديل والتجميع والتوزيع التي نلفيها في العمليّات التقليديّة51.

Image 100002010000053E000002147AE93218.png

خلاصة

وصفوة القول إنّ العقل في كل الأحوال مسخّر للحصول على النتائج أيًّا كان نوع التفكير؛ وعليه فإنّ العلم كما نعتقد له جانب تقنيّ ينصرف إلى البحث في التفاصيل الدقيقة؛ لهذا تبدو في كثير من الأحيان جافّة، ولا يتسع الصبر إلا لمن كابد مضايقها. وهذا ما يضفي على العلوم الآليّة الحسابيّة. وله جانب خطابيّ، وإن كان ليس كل فكر حسابًا، وليس كل فكر خطابيّ حسابًا؛ إذ يوجد في كليهما جانبٌ من الفكر العقلانيّ الذي يمكن أن يقود بالفعل إلى الحساب؛ ولكن ليس كل الفكر عقلانيًّا. فالتفكير الحدسيّ زاخر بالحساب. ومجال المنطق بقيمه الثنائيّة والثلاثيّة والمتعددة الحساب ببهائه، والخطاب بهبائه، وأن عجائبه لا تنتهي.

1 - يعني لغة: الجمال والحُسْن والإشراق والنضارة، وبهاء الملك مجده، وعند ابن دريد يعني النبل.

2 - الهباء لغة الغبار المتطاير، ودقائق التراب الذي تحركه الرياح، ويرى في ضوء الشمس، ويطلق على صنف من الناس قليلي العقل.

وورد في قوله تعالى {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]، وفي قوله تعالى {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ ب

وورد في معجم مقاييس اللغة لابن فارس، الهباء كلمة تدلّ على غبرة ورقّة فيها. منه الهبوة: الغبرة وهبا الغبار يهبو فهو هاب: سطع. والهباء: دقاق التراب.

وفي عرف الحكماء هو الهيولي، والهباء في نظر ابن عربي صاحب الفتوحات هو إحدى نتاج النكاح المعنويّ بين القلم واللوح التي أنتجت في نظره: الطبيعة والهباء.

3 - تعني في اللاتينيّة (pensare) الوزن (peser)، والتثمين (apprécier)، والاختبار (examiner).

4 - مفتاح السعادة ومصباح السيادة، 1/347.

5 - برتراند راسل، ما وراء المعنى والحقيقة، تر. محمد قدري عمارة، مر. إلهامي جلال عمارة، القاهرة، منشورات المجلس الأعلى للثقافة، 2005، ص. 312.

6 - المرجع السابق، ص. 314.

7 - René Descartes, Discours de la méthode, Paris, éd. Flammarion, 1966, p. 60.

8 - مقالة في الميتافيزيقا، تر. وتق. وتع. الطاهر بن قيزة، مر. جورج زيناتي، بيروت، المنظمة العربيّة للترجمة، ط. 1، 20016، ص. 173.

9 - رودولف كارناب، مقدمة البناء المنطقيّ للعالم والمسائل الزائفة في الفلسفة، تر. وتق. يوسف تيبس، بيروت، المنظمة العربيّة للترجمة، ط. 1، 2011، ص. 29.

10 - Christiane Chauviré, Peirce et la signification : Introduction à la logique du vague, Paris, éd. PUF, 1995, p. 174.

11 - Ibid., p. 177.

12 - Ibid., p. 176.

13 - Charles Sander Peirce, Écrits sur le signe, Textes rassemblés, traduits et commentés par Gérard Deledalle, Paris, éd. Seuil, 2017, p. 140.

14 -أمبرتو إيكو، ست نزهات في غابة السرد، تر. سعيد بنكراد، لبنان والمغرب، دار المركز الثقافي العربي، ط. 1، 2005، ص. 22.

15 - Georges Gusdorf, La parole, Paris, éd. PUF, 8 édition, 1977, p. 93.

16 - Voir Daniel Vanderveken, Les actes de discours, Liège, éd. Pierre Mardaga, 1988, p. 7.

17 - Voir G. Frege, Les fondements de l'arithmétique, Paris, éd. Seuil, p. 1960.

18 - Voir Daniel Vanderveken, Les actes de discours, Liège, éd. Pierre Mardaga, 1988, p. 15.

19 - بحث في المعنى والصدق، تر. حيدر حاج إسماعيل، بيروت، المنظمة العربيّة للترجمة، ط. 1، 2013، ص. 409.

20 - برتراند راسل، ما وراء المعنى والحقيقة، تر. محمد قدري عمارة، مر. إلهامي جلال عمارة، مرجع سابق، ص. 9.

21 - Jacques Poulain, La loi de vérité ou la logique philosophique du jugement, Paris, éd. Albin Michel, 1993, p. 27.

22 - مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، بيروت، دار الكتب العلميّة، ط. 1، 1985، مج. 1، ص. 368.

23 - كشف الظنون عن أساميّ الفنون، ص. 662.

24 - مصطلح مأخوذ من الكلمة الإغريقيّة (arthémétiké)، ويعني فن العدد (art de compter). فصار علمًا نظريًّا للأعداد وخصائصها وعلاقاتها التي عبّر عنها

25 - مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، مج. 1، 369.

26 - أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، تح. مرسل فالح العجميّ، دمشق، دار سعد الدّين، ط. 1، 2005، ص. 84.

27 - المصدر السابق، ص. 70.

28 - أحمد يوسف، علامات فارقة في الفلسفة واللغة والأدب، بيروت والرباط والجزائر، منشورات ضفاف ودار أمان ومنشورات الاختلاف، ط. 1، 2003.

29 - أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، مرجع سابق، ص. 90.

30 - ينظر بحثنا تهافت المعنى وهباء الحقيقة: دراسة في البلاغة السفسطائية، مجلة عالم الفكر، الكويت، مجلد 38، ع. 1، جويلية – سبتمبر 2009.

31 - - سورة الواقعة: 6.

32 - سيلفان أورو وجاك ديشان وجمال كولوغلي، فلسفة اللغة، تر. بسام بركة، بيروت، المنظمة العربيّة للترجمة، مر ميشال زكريا، ط. 1، 2012، ص. 415.

33 - English as formal language.

34 - ينظر محمد ثابت الفندي، أصول المنطق الرمزيّ، الإسكندريّة، دار المعرفة الجامعيّة، 1987، ص. 192.

35 - مارتن هيدجر، التقنيّة - الحقيقة - الوجود، تر. محمد سبيلا عبد الهادي مفتاح، الدار البيضاء، بيروت، المركز الثقافيّ العربيّ، ص. 43.

36 - فرانسيس بيكون، الأرغانون الجديد: إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة، تر. عادل مصطفى، القاهرة، دار رؤية للنشر والتوزيع، ط. 1، 2013، ص. 19.

37 - ويدل في أصله الإغريقي: الصناعة والبناء والحمل على الوجود الخاص والفعال.

38 - مارتن هيدجر، التقنية والحقيقة والوجود، ص. 44.

39 - يمكن الرجوع إلى هذين الكتابين:

Bühler Hansruedi, Réglage par logique floue, Lausanne, éd. Presses Polytechniques Romandes, 1993.

Godjjevac Jelena, Idées nettes sur la logique floue, éd. Presses Polytechniques Romandes, 1999.

40 - مارتن هيدجر، التقنية والحقيقة والوجود، ص. 30.

41 - المرجع السابق، صص. 203، 204.

42 - فرنسيس بيكون، الأرغانون الجديد، مرجع سابق، ص. 20.

43 - فلسفة اللغة، مرجع سابق، ص. 410.

44 - كارل بوبر، مقدمة الطبعة الألمانيّة الثامنة لكتاب منطق البحث العلميّ، تر. وتق. محمد البغداديّ، بيروت، المنظمة العربيّة للترجمة، ط. 1، 2006، ص. 55.

45 - François Lortie, « Intuition et pensée discursive : sur la fonction de l’ἐπιβολή dans les Ennéades de Plotin », Laval théologique et

46 - نفضل ترجمة كلمة (mind) بالذهن بدل العقل، وكثيرًا ما يرادف في أدبيات الفلسفة الإسلاميّة النفس.

47 - بيتار فرايدريك ستروس، مباحث منطقيّة لسانيّة، تر. توفيق قريرة، مر. سندس كرونة، تونس، دار سيناترا، ط. 1، 2017، ص. 18.

48 - The mathematical analysis of logic, 1847.

An Investigation of the Laws of Thought 1854.

  • ينظر صلاح عثمان، المنطق متعدد القيم بين درجات الصدق وحدود المعرفة، الإسكندريّة، منشأة المعارف، ط. 1، 2002، الفصل الرابع.

49 - Two valued-logic

50 - Franck Dernoncourt, Introduction à la logique floue, Paris, avril 2011, p. 6.

Voir http:// Franck-dernoncourt.developpez.com/tutoriels/algo/introduction-logique-floue/

51 - Franck Dernoncourt, Introduction à la logique floue, Paris, avril 2011, p. 10.

http:// Franck-dernoncourt.developpez.com/tutoriels/algo/introduction-logique-floue/

حواش

أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تح. عبد السلام هارون، دار الجميل للنشر والتوزيع، والإعلام، 1991.

أحمد يوسف، تهافت المعنى وهباء الحقيقة: دراسة في البلاغة السفسطائية، مجلة عالم الفكر، الكويت، مجلد 38، ع. 1، جويلية – سبتمبر 2009.

أحمد يوسف، علامات فارقة في الفلسفة واللغة والأدب، بيروت والرباط والجزائر، منشورات ضفاف ودار أمان ومنشورات الاختلاف، ط. 1، 2003.

أمبرتو إيكو، ست نزهات في غابة السرد، تر. سعيد بنكراد، لبنان والمغرب، دار المركز الثقافي العربي، ط. 1، 2005.

برتاند راسل، ما وراء المعنى والحقيقة، تر. محمد قدري عمارة، مر. إلهامي جلال عمارة، القاهرة، منشورات المجلس الأعلى للثقافة، 2005.

بيتار فرايدريك ستروس، مباحث منطقيّة لسانيّة، تر. توفيق قريرة، مر. سندس كرونة، تونس، دار سيناترا، ط. 1، 2017.

حاجي خليفة، كشف الظنون عن أساميّ الفنون، بيروت، دار إحياء التراث العربيّ، 1941..

أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، تح. مرسل فالح العجميّ، دمشق، دار سعد الدّين، ط. 1، 2005.

رودولف كارناب، مقدمة البناء المنطقيّ للعالم والمسائل الزائفة في الفلسفة، تر. وتق. يوسف تيبس، بيروت، المنظمة العربيّة للترجمة، ط. 1، 2011.

سيلفان أورو وجاك ديشان وجمال كولوغلي، فلسفة اللغة، تر. بسام بركة، بيروت، المنظمة العربيّة للترجمة، مر ميشال زكريا، ط. 1، 2012.

صلاح عثمان، المنطق متعدد القيم بين درجات الصدق وحدود المعرفة، الإسكندريّة، منشأة المعارف، ط. 1، 2002.

طاش كبرى زاده، مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، بيروت، دار الكتب العلميّة، ط. 1، 1985.

فرانسيس بيكون، الأرغانون الجديد: إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة، تر. عادل مصطفى القاهرة، دار رؤية للنشر والتوزيع، ط. 1، 2013.

- فلسفة اللغة، ص. 415.

كارل بوبر، مقدمة الطبعة الألمانيّة الثامنة لكتاب منطق البحث العلميّ، تر. وتق. محمد البغداديّ، بيروت، المنظمة العربيّة للترجمة، ط. 1، 2006.

لايبنتز، مقالة في الميتافيزيقا، تر. وتق. وتع. الطاهر بن قيزة، مر. جورج زيناتي، بيروت، المنظمة العربيّة للترجمة، ط. 1، 2016.

مارتن هيدجر، التقنيّة - الحقيقة - الوجود، تر. محمد سبيلا عبد الهادي مفتاح، الدار البيضاء، بيروت، المركز الثقافيّ العربيّ.

محمد ثابت الفندي، أصول المنطق الرمزيّ، الإسكندريّة، دار المعرفة الجامعيّة، 1987.

محيي الدين بن عربيّ في معرفة أسرار المالكية والملكيّة، الفتوحات المكيّة، ضبطه وصححه وضع فهارسه: أحمد شمس الدين، بيروت، دار الكتب العلميّة.

Bühler Hansruedi, Réglage par logique floue, Lausanne, éd. Presses Polytechniques Romandes, 1993.

Charles Sander Peirce, Ecrits sur le signe, Textes rassemblés, traduits et commentés par Gérard

Deledalle, Paris, éd. Seuil, 2017.

Christiane Chauviré, Peirce et la signification: Introduction à la logique du vague, Paris, éd. PUF, 1995.

Daniel Vanderveken, Les actes de discours : Essai de philosophie du langage et de l'esprit sur la signification des énonciations, Liège, éd. Pierre Mardaga, 1988.

Franck Dernoncourt, introduction à la logique floue, August 2011.

http:// Franck-dernoncourt.developpez.com/tutoriels/algo/introduction-logique-floue/

François Lortie, «Intuition et pensée discursive: sur la fonction de l’ἐπιβολή dans les Ennéades de Plotin », Laval théologique et philosophique, vol. 66, n° 1, 2010.

Georges Gusdorf, La parole, Paris, éd. PUF, 8 édition, 1977.

Godjjevac Jelena, Idées nettes sur la logique floue, éd. Presses Polytechniques Romandes, 1999.

Jacques Poulain, La loi de vérité ou la logique philosophique du jugement, Paris, éd. Albin Michel, 1993.

René Descartes, Discours de la méthode, Paris, éd. Flammarion, 1966.

1 - يعني لغة: الجمال والحُسْن والإشراق والنضارة، وبهاء الملك مجده، وعند ابن دريد يعني النبل.

2 - الهباء لغة الغبار المتطاير، ودقائق التراب الذي تحركه الرياح، ويرى في ضوء الشمس، ويطلق على صنف من الناس قليلي العقل.

وورد في قوله تعالى {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]، وفي قوله تعالى {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة: 5، 6]. ويعد المنزلة الأخيرة من التشتت والتفتت وفناء المادة

وورد في معجم مقاييس اللغة لابن فارس، الهباء كلمة تدلّ على غبرة ورقّة فيها. منه الهبوة: الغبرة وهبا الغبار يهبو فهو هاب: سطع. والهباء: دقاق التراب. وهبا الرماد: اختلط بالتراب وهمد [مادة هبو].

وفي عرف الحكماء هو الهيولي، والهباء في نظر ابن عربي صاحب الفتوحات هو إحدى نتاج النكاح المعنويّ بين القلم واللوح التي أنتجت في نظره: الطبيعة والهباء. فقال: ((فاعلم أنّ الله تعالى لما خلق القلم واللوح، وسماهما العقل والروح، وأعطى الروح صفتين: صفة علميّة وصفة عمليّة، وجعل العقل لهما معلمًا ومفيدًا إفادة مشاهدة حاليّة كما تستفيد من صورة السكين القطع من غير نطق يكون منه في ذلك، وخلق تعالى جوهرًا دون النفس الذي هو الروح المذكور سماه الهباء، وهذه الاسمية له نقلناها من كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمّا الهباء فمذكور في اللسان العربيّ، قال تعالى: "فكانت هباءً منبثًّا" [سورة الواقعة: 6]، كذلك لما رآها علي بن أبي طالب أعني هذه الجوهرة منبثة في جميع الصور الطبيعيّة كلّها، وأنّها لا تخلو صورة منها؛ إذ لا تكون صورة إلّا في هذه الجوهرة سمّاها هباء)). الشيخ ابن عربيّ، الفتوحات المكيّة، ضبطه وصححه وضع فهارسه: أحمد شمس الدين، بيروت، دار الكتب العلميّة، الباب السابع في بدء الجسوم الإنسانيّة، 1/ 188.

3 - تعني في اللاتينيّة (pensare) الوزن (peser)، والتثمين (apprécier)، والاختبار (examiner).

4 - مفتاح السعادة ومصباح السيادة، 1/347.

5 - برتراند راسل، ما وراء المعنى والحقيقة، تر. محمد قدري عمارة، مر. إلهامي جلال عمارة، القاهرة، منشورات المجلس الأعلى للثقافة، 2005، ص. 312.

6 - المرجع السابق، ص. 314.

7 - René Descartes, Discours de la méthode, Paris, éd. Flammarion, 1966, p. 60.

8 - مقالة في الميتافيزيقا، تر. وتق. وتع. الطاهر بن قيزة، مر. جورج زيناتي، بيروت، المنظمة العربيّة للترجمة، ط. 1، 20016، ص. 173.

9 - رودولف كارناب، مقدمة البناء المنطقيّ للعالم والمسائل الزائفة في الفلسفة، تر. وتق. يوسف تيبس، بيروت، المنظمة العربيّة للترجمة، ط. 1، 2011، ص. 29.

10 - Christiane Chauviré, Peirce et la signification : Introduction à la logique du vague, Paris, éd. PUF, 1995, p. 174.

11 - Ibid., p. 177.

12 - Ibid., p. 176.

13 - Charles Sander Peirce, Écrits sur le signe, Textes rassemblés, traduits et commentés par Gérard Deledalle, Paris, éd. Seuil, 2017, p. 140.

14 -أمبرتو إيكو، ست نزهات في غابة السرد، تر. سعيد بنكراد، لبنان والمغرب، دار المركز الثقافي العربي، ط. 1، 2005، ص. 22.

15 - Georges Gusdorf, La parole, Paris, éd. PUF, 8 édition, 1977, p. 93.

16 - Voir Daniel Vanderveken, Les actes de discours, Liège, éd. Pierre Mardaga, 1988, p. 7.

17 - Voir G. Frege, Les fondements de l'arithmétique, Paris, éd. Seuil, p. 1960.

18 - Voir Daniel Vanderveken, Les actes de discours, Liège, éd. Pierre Mardaga, 1988, p. 15.

19 - بحث في المعنى والصدق، تر. حيدر حاج إسماعيل، بيروت، المنظمة العربيّة للترجمة، ط. 1، 2013، ص. 409.

20 - برتراند راسل، ما وراء المعنى والحقيقة، تر. محمد قدري عمارة، مر. إلهامي جلال عمارة، مرجع سابق، ص. 9.

21 - Jacques Poulain, La loi de vérité ou la logique philosophique du jugement, Paris, éd. Albin Michel, 1993, p. 27.

22 - مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، بيروت، دار الكتب العلميّة، ط. 1، 1985، مج. 1، ص. 368.

23 - كشف الظنون عن أساميّ الفنون، ص. 662.

24 - مصطلح مأخوذ من الكلمة الإغريقيّة (arthémétiké)، ويعني فن العدد (art de compter). فصار علمًا نظريًّا للأعداد وخصائصها وعلاقاتها التي عبّر عنها بالأعداد، وتطوّر ليصبح نظريّة في الحساب تشمل الأعداد كلها وكذا الكسور.

25 - مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، مج. 1، 369.

26 - أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، تح. مرسل فالح العجميّ، دمشق، دار سعد الدّين، ط. 1، 2005، ص. 84.

27 - المصدر السابق، ص. 70.

28 - أحمد يوسف، علامات فارقة في الفلسفة واللغة والأدب، بيروت والرباط والجزائر، منشورات ضفاف ودار أمان ومنشورات الاختلاف، ط. 1، 2003.

29 - أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، مرجع سابق، ص. 90.

30 - ينظر بحثنا تهافت المعنى وهباء الحقيقة: دراسة في البلاغة السفسطائية، مجلة عالم الفكر، الكويت، مجلد 38، ع. 1، جويلية – سبتمبر 2009.

31 - - سورة الواقعة: 6.

32 - سيلفان أورو وجاك ديشان وجمال كولوغلي، فلسفة اللغة، تر. بسام بركة، بيروت، المنظمة العربيّة للترجمة، مر ميشال زكريا، ط. 1، 2012، ص. 415.

33 - English as formal language.

34 - ينظر محمد ثابت الفندي، أصول المنطق الرمزيّ، الإسكندريّة، دار المعرفة الجامعيّة، 1987، ص. 192.

35 - مارتن هيدجر، التقنيّة - الحقيقة - الوجود، تر. محمد سبيلا عبد الهادي مفتاح، الدار البيضاء، بيروت، المركز الثقافيّ العربيّ، ص. 43.

36 - فرانسيس بيكون، الأرغانون الجديد: إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة، تر. عادل مصطفى، القاهرة، دار رؤية للنشر والتوزيع، ط. 1، 2013، ص. 19.

37 - ويدل في أصله الإغريقي: الصناعة والبناء والحمل على الوجود الخاص والفعال.

38 - مارتن هيدجر، التقنية والحقيقة والوجود، ص. 44.

39 - يمكن الرجوع إلى هذين الكتابين:

Bühler Hansruedi, Réglage par logique floue, Lausanne, éd. Presses Polytechniques Romandes, 1993.

Godjjevac Jelena, Idées nettes sur la logique floue, éd. Presses Polytechniques Romandes, 1999.

40 - مارتن هيدجر، التقنية والحقيقة والوجود، ص. 30.

41 - المرجع السابق، صص. 203، 204.

42 - فرنسيس بيكون، الأرغانون الجديد، مرجع سابق، ص. 20.

43 - فلسفة اللغة، مرجع سابق، ص. 410.

44 - كارل بوبر، مقدمة الطبعة الألمانيّة الثامنة لكتاب منطق البحث العلميّ، تر. وتق. محمد البغداديّ، بيروت، المنظمة العربيّة للترجمة، ط. 1، 2006، ص. 55.

45 - François Lortie, « Intuition et pensée discursive : sur la fonction de l’ἐπιβολή dans les Ennéades de Plotin », Laval théologique et philosophique, vol. 66, n° 1, 2010, p. 59.

46 - نفضل ترجمة كلمة (mind) بالذهن بدل العقل، وكثيرًا ما يرادف في أدبيات الفلسفة الإسلاميّة النفس.

47 - بيتار فرايدريك ستروس، مباحث منطقيّة لسانيّة، تر. توفيق قريرة، مر. سندس كرونة، تونس، دار سيناترا، ط. 1، 2017، ص. 18.

48 - The mathematical analysis of logic, 1847.

An Investigation of the Laws of Thought 1854.

  • ينظر صلاح عثمان، المنطق متعدد القيم بين درجات الصدق وحدود المعرفة، الإسكندريّة، منشأة المعارف، ط. 1، 2002، الفصل الرابع.

49 - Two valued-logic

50 - Franck Dernoncourt, Introduction à la logique floue, Paris, avril 2011, p. 6.

Voir http:// Franck-dernoncourt.developpez.com/tutoriels/algo/introduction-logique-floue/

51 - Franck Dernoncourt, Introduction à la logique floue, Paris, avril 2011, p. 10.

http:// Franck-dernoncourt.developpez.com/tutoriels/algo/introduction-logique-floue/

أحمد يوسف

جامعة السلطان قابوس

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article