المرأة الجزائرية فترة الاستعمار الفرنسي: من الجهود الإصلاحية للعمل المسلح

La femme algérienne pendant la période coloniale française : des efforts de réforme à l'action armée

Algerian Woman during the French colonial period: from reform efforts to armed action

نبيلة عدان- Addane Nabila -

p. 439-453

Citer cet article

Référence papier

نبيلة عدان- Addane Nabila -, « المرأة الجزائرية فترة الاستعمار الفرنسي: من الجهود الإصلاحية للعمل المسلح », Aleph, 10 (1) | 2023, 439-453.

Référence électronique

نبيلة عدان- Addane Nabila -, « المرأة الجزائرية فترة الاستعمار الفرنسي: من الجهود الإصلاحية للعمل المسلح », Aleph [En ligne], 10 (1) | 2023, mis en ligne le 30 décembre 2022, consulté le 03 décembre 2024. URL : https://aleph.edinum.org/7436

تبرز الشواهد التاريخية الراسخة طبيعة المعاناة التي عاشها المجتمع الجزائري، وحجم القهر الذي تكبدته المرأة الجزائرية إبان فترة الاستعمار الفرنسي، الذي دأب على ممارسة كل أشكال القمع الممنهج ضدها لطمس هويتها، والتعدي على حرمة مبادئها ومقوماتها، باعتبارها قد شكلت في مراحل معينة خط المواجهة مع المستعمر بعد اعتقال أو التحاق أغلب الرجال بالجبال، وقد أدت هذه الممارسات لاحتواء المرأة والتضييق على حريتها من جهة، في ظل طبيعة المجتمع المحافظ من جهة أخرى، لكن في المقابل ورغم المعيقات، عملت هذه الظروف على بروز جهود نسوية إصلاحية عملت على محاولة بناء جبهة قوية، تقودها حركة نسوية تتغلغل في المجتمع لمحاولة تحرير النساء اجتماعيا وسياسيا، وصولا لانعتاقهن فكريا وبلوة وعيهن الوطني، أو التكتل من أجل التحول نحو الكفاح المسلح.

Les preuves historiques bien établies mettent en évidence la nature des souffrances vécues par la société algérienne et l’ampleur de l’oppression que la femme a subie pendant la période du colonialisme français, qui a constamment pratiqué contre elle toutes les formes d’oppression pour effacer son identité et porter atteinte à sur le caractère sacré de ses principes, car elle avait formé à certaines étapes la ligne de confrontation avec le colonisateur, après que la plupart des hommes aient été arrêtés ou aient rejoint les montagnes. Ces pratiques ont conduit à l’endiguement de la femme et à des restrictions de sa liberté d’une part, à la lumière de la nature conservatrice de la société d’autre part.
Malgré les obstacles, ces circonstances ont conduit à l’émergence d’efforts de réforme féministe qui ont travaillé pour essayer de construire un front fort, Il est dirigé par un mouvement féministe qui pénètre dans la société pour tenter de libérer les femmes socialement et politiquement, conduisant à leur libération intellectuelle et l’avalanche de leur conscience nationale, ou le bloc à se tourner vers la lutte armée.

The well-established historical evidence highlights the nature of the suffering experienced by the Algerian society, and the extent of the oppression that woman incurred during the period of French colonialism, who consistently practiced against her all forms of oppression to obliterate her identity, and infringe on the sanctity of her principles, as she had formed in certain stages the line of confrontation with the colonizer, after most of the men were arrested or joined the mountains. These practices led to the containment of woman and restrictions on her freedom on the one hand, in light of the conservative nature of the society on the other hand.
Despite the obstacles, these circumstances led to the emergence of feminist reform efforts that worked to try to build a strong front, It is led by a feminist movement that penetrates into society to try to liberate women socially and politically, leading to their intellectual liberation and the avalanche of their national awareness, or the bloc to turn towards armed struggle.

مقدمة

يركز العديد من الباحثين على دراسة المشاركة السياسية للمرأة كمؤشر لقياس مكانتها في أي مجتمع، بما في ذلك اكتسابها لحق التصويت، وصولها لمناصب اتخاذ القرار، والعمل الحزبي، وحتى تبوأها للمناصب الحكومية، متناسين الدور الآخر الذي لعبته المرأة في مرحلة من مراحل تطور الأمة، لاسيما مساهمة المرأة العربية في نهضة شعوبها في فترات الانحدار والتشتت، ونخص هنا بالذكر مشاركة المرأة الجزائرية لدرأ الاستعمار رغم من أن مشاركتها لم تكتسب الطابع المقنن، إلا أنها تركت بصمتها الفعلية ميدانيا، التي تنبع من حب الوطن، وإدراكها لواجبها وبحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقها شأنها شأن الرجل، والتي ساهمت بلا هوادة في مسار الجهود التوعوية والاصلاحية، وحتى في الثورة التحريرية، ورسمت أرقى الصور وأعطت أسمى الدروس نظير مشاركتها جنا لجنب مع أخيها الرجل ويدا بيد في وجه المستعمر الفرنسي، وعلى الرغم من قلة الدراسات والإحصائيات لهذه المشاركة إلا أن سجل التاريخ يحفظ مشاركتها ومواقفها الداعمة للثورة التحريرية بأحرف من ذهب.

لأجل ذلك تعتبر قضية مشاركة المرأة الجزائرية في مسار المجتمع الجزائري أمرا معقدا نوعا ما، إذ لا يمكن عزل تطور مكانة المرأة عن الحركية التي شهدها النظام السياسي، والتعرف على ذلك يستدعي تسليط الضوء على أشكال مشاركتها في المجتمع الجزائري لقرون مضت، فوجود المرأة الجزائرية في الحياة العامة يرجع إلى فترة الحركة الوطنية، فقد ساهمت الوضعية التي عاشتها في إعطائها أدوارا جديدة في المجتمع الجزائري من جهة، وعمقت مسؤولياتها من جهة أخرى، لاسيما بعد اندلاع الحرب التحريرية أين تحولت من الجهود الإصلاحية التوعوية نحو العمل المسلح، وهو ما طبع مسيرتها فترة الاستعمار الفرنسي، وسيتم تسليط الضوء على وضع المرأة عامة فترة الاستعمار الفرنسي، مع الوقوف على أدوارها التي ميزت مساهمتها في استقلال وبناء جزائر اليوم، انطلاقا من الإشكالية التالية : كيف انعكست الأوضاع التي عاشتها المرأة الجزائرية على بلورة أدوارها في المجتمع الجزائري ودفعها نحو مسيرة الإصلاح ومن ثم العمل المسلح؟

وانطلاقا من إشكالية الدراسة الموضحة أعلاه، سيتم معالجة الموضوع وفق العناصر التالية :

1. الحركة النسوية العربية وحركات التحرر : مرحلة بلورة الوعي

تتباين مدلولات الحركات النسوية حول العالم، لذلك يختلف كفاح المرأة العربية عن نظيرتها الغربية، بحيث

«اقتصرت هذه الأخيرة على المطالبة بتحقيق المساواة بين الجنسين، في حين أن نضال المرأة العربية شمل رفض الاستعمار وهيمنته التي قيدت الحياة وعرقلت كل العمليات التنموية، ومثال ذلك انعقاد المؤتمر الأول للاتحاد النسائي العربي عام 1944 الذي تناول قضايا المرأة بحضور مندوبات من مصر، سوريا، العراق وكان له دور في تشكيل الوعي السياسي للمرأة وخطوة هامة للنضال من أجل الحرية ». (زنكة،11 :2011-12)

بحيث ناضلت النساء العربيات من أجل الاستقلال الوطني وطالبن بحقوقهن السياسية، « ففي مصر على سبيل المثال طالبت المرأة بالاستقلال منذ ثورة 1919، وفي الخمسينيات اتسعت مشاركتها في العمل السياسي نتيجة اتساع التعليم وارتفاع المتخرجات من الجامعة في تخصص الحقوق، الأمر الذي شجعهن على الانخراط في النقابات العمالية » (نور،2006 : 46-47)، « وفي لبنان وبعد عقد الندوات طالبت النساء بالحق في الترشح والانتخاب، واعترفت الحكومة اللبنانية لهن بذلك سنة 1951 لكن على نحو متدرج، شمل بادئ الأمر مشاركتها في الانتخابات البلدية، ونتيجة الكفاح المستمر أعطيت المرأة اللبنانية حقوقها السياسية كاملة سنة 1953 ». (خليل،1982 :139-140)

فالحركة النضالية التي ساهمت فيها المرأة واكبت نهوض الجهود الوطنية لتحقيق الأهداف القومية، رغم ذلك « وجد تفاوت في الوعي بأهمية اشراك المرأة في المعركة النضالية والذي سبق الوعي بضرورة تحريرها، وهو ما ولَد تنوعا في الأدوار التي لعبتها المرأة في هذه الحقبة، فشمل مشاركتها في دورات التدريب، العمل الفدائي، كما ساهمت في تأسيس اللجان والمؤتمرات (على سبيل المثال تأسس أول مؤتمر نسائي في فلسطين)، إضافة للقدرات التعبوية وإعانة أسر الشهداء والمعتقلين...الخ ». (حداد،2001 :93-94)

وعلى غرار باقي الدول العربية، فإن نضال الحركة النسوية في الجزائر ارتبط بمقاومة الاستعمار الذي عطل مسارها،

«بحيث انصبت جهودها على الانتماء والهوية، ثم على الحرية والاستقلال، أما ما يعرف بالحقوق النسوية فكانت آخر اهتماماتها، لأجل ذلك يمكن تفسير ازدواجية النضال للنساء الجزائريات، وعلى مراحل من أجل الحضور في الساحة العامة مع الهوية الوطنية المهددة، لاسيما بعد التأثير السلبي لفروع النسوية الفرنسية في الجزائر، جراء عديد التباينات على رأسها تناقض التضامن النسوي، إضافة للفوارق الاجتماعية والسياسية». (قشي،وآخرون، 2010 :363-364)

وبطيعة الحال فإن نضال المرأة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي لم يكن بمعزل عن جملة النضالات التي باشرتها المرأة العربية في مجابهة الاستعمار بأشكاله، فارتباط نضال المرأة لم يكن بمعزل عن نضال المجتمع، فالمرأة الجزائرية حاربت نظامين هما:

  • نظام المستعمر : الذي عمل على طمس هويتها ومحاولة تجريدها من انتمائها العربي الإسلامي والأمازيغي، إضافة لممارسة كل أشكال القهر والاضطهاد ضدها.

  • نظام (عادات) المجتمع : فحسب طبيعة المجتمع الجزائري المحافظ، وبالرجوع للعادات والتقاليد السائدة نجد أن الذهنيات والموروثات الثقافية قد لعبت دورا آخرا في بقاء المرأة خاضعة ومستضعفة.

2. الأوضاع العامة في الجزائر: أي تأثير وتأثر؟

إن وجود الاستعمار الفرنسي في الجزائر يصنف ضمن خانة الاستعمار الاستيطاني الذي دام لمدة 132 سنة، «عمل فيها النظام الاستعماري على خلق العراقيل من أجل تأخير تكوين الأمة، وتحطيم كل ما من شأنه أن يخدم كرابطة الجزائريين وبوجه خاص خنق اللغة العربية بجميع الوسائل المتاحة، وإيجاد الشقاق والانقسام بين السكان الأصلين، من خلال منح اليهود الجزائريين الجنسية الفرنسية مع نفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الفرنسيون، في حين يبقى الجزائريون المسلمون دون أدنى حقوق لاسيما السياسية منها ». (فيكس، د س ن :29)

ومن خلال سعى الاستعمار الفرنسي الاستيطاني لدمج الجزائريين في الكيان الفرنسي، ساد في الجزائر نوعين من السكان

« مواطنين أجانب لهم كافة الصلاحيات، رعايا أهالي دون حق في تسيير شؤون بلادهم رغم مساهمتهم في دفع الضرائب لا ينالون من خدماتها شيئا فلا حق لأبنائهم في الالتحاق بالمدارس، ولا حق لهم في إيصال بيوتهم بالمياه، ناهيك عن استبعادهم من مناقشة القوانين واقتراحها، لاسيما المشاركة في عضوية البرلمان الفرنسي حتى عام 1945، فالوضع السائد حتى عام 1962 غلب عليه تسيير الأحكام الاستثنائية بين حالة الحرب والطوارئ ». (قشي، وآخرون،2010 :364-365)

وبالنظر لهذه المعطيات نتساءل حول كيفية نيل المرأة الجزائرية لحقوقها لاسيما حقها في نيل التعليم والمشاركة إذا كان الرجال محرومين منها؟ وهذا الأمر يستدعي التوقف عنده والتشديد عليه، ففي ظل الاستدمار الفرنسي اغتصبت الأرض، قيدت الحريات في المجتمع، كممت الأفواه، وقمعت الحقوق، وهذا ما انعكس سلبا على وضعية المجتمع عامة، والمرأة الجزائرية خاصة التي عانت في كنفه من الجهل والأمية.

1.2. المرأة الجزائرية في مسار الإصلاح والتعليم: نحو خلق نخبة نسوية

إن الحديث عن الجهود الإصلاحية النسوية في الجزائر فترة الاستعمار الفرنسي يستدعينا للتوقف بادئ لمساهمة بعض المفكرين الجزائريين في الدفاع عن حق المرأة في نيل التعليم، وقد برز منهم نشطاء سعوا لزيادة تعليمها والنهوض بأوضاعها من خلال أفكارهم ومؤلفاتهم، «على غرار محمد بن مصطفى بن الخوجة الذي تطرق في كتابه ’’الاكتراث في حقوق الإناث’’ سنة 1897 لحالة المرأة الجزائرية، وتضمن المؤلف نقدا اجتماعيا لوضع المرأة والرجل معا في المجتمع، مع محاولة إصلاحها وتحريرها وفق التعاليم الإسلامية ». (درار، 14 :1985)

ومن نفس النقطة، فقد أولى الشيخ عبد الحميد ابن باديس اهتماما بارزا لترقية المرأة الجزائرية وتعليمها، فأسس « جمعية التربية والتعليم الإسلامية وأرفقها بتأسيس مدرسة التربية والتعليم، وفتح أقساما خاصة لتعليم البنات في قسنطينة ودعا لتعميم ذلك على كل مدارس الجمعية عبر ربوع الوطن » (بوعزيز، 26 :2001)، « كما حث على تعليم المرأة وفق أسس الدين، القومية، الأخلاق وهي دعوة للتعليم لا للتحرير بالمفهوم الحديث، إذ كان الفضل للمدارس الحرة التي كونت النخبة الجزائرية، التي أصبحت لاحقا من طليعة المجاهدين في الثورة التحريرية ». (درار،1985 :20)

وقد أدى الاحتفال الاستفزازي بمئوية الاستعمار الفرنسي في الجزائر سنة 1930 إلى لفت الانتباه لقضية المرأة المسلمة،

«أين رأت النخبة الجزائرية المثقفة بالفرنسية ضرورة طرحها ومناقشتها، ويرجع هذا التفتح تجاه قضية المرأة المسلمة إلى التغيرات التي صاحبت تطور المجتمع الجزائري لاسيما العائلات الحضرية والبرجوازية التي تأثرت بتبدل العادات الاجتماعية في فرنسا فترة العشرينيات، والذي ساهم في تحرر المرأة الفرنسية وبرز في مظهرها وطريقة لبسها، إضافة لانتشار الصحافة النسائية، وهذا ما أثر على المجتمع الجزائري». (بوهند،2017: 232-233)

كما عالج مؤتمر طلبة شمال إفريقيا في الجزائر سنة 1932 قضية تعليم المرأة وتثقيفها، وأكد على ضرورة

«تأسيس مدارس حرة لتعليم البنات باللغة العربية، كما تأسست منظمة النساء الجزائريات في جوان 1947 بفضل الطالبات والمعلمات في المدارس الحرة أين ساهمت في التكوين السياسي، وازداد نشاط المرأة فترة 1945-1954 أين شكلت حلقة جوهرية في التعبئة السياسية والتأهب الثوري، كما حضرت النساء الاجتماع المنعقد في 5 أوت 1951 المنظم من قبل اللجنة الإنشائية لتأسيس جبهة الدفاع عن الحرية واحترامها». (درار، 1985: 22-23)

يتضح من خلال ما سبق ذكره أن نضال المرأة الجزائرية بالرغم من كل القيود والتحديات إلا أنه رسم بدرجة مقبولة دور المرأة الجزائرية فترة الاستعمار الفرنسي، وأبرز وعيها بالقضايا الأساسية وعلى رأسها شعورها بانتمائها وهويتها التي عمل المستعمر الفرنسي على طمسها، كذلك موقفها منه كمغتصب للوطن، هذه الوضاع أوضحت أن المرأة الجزائرية لم تكن معزولة عن الواقع –كما يروج له البعض-، و إنما مدركة تمام الإدراك لمسؤولياتها التي ورغم الحرمان إلا أنها استطاعت المشاركة حسب الإمكانيات المتاحة، بل حتى تحدت الصعوبات وساهمت انطلاقا من صفر موارد في مسار بناء الجزائر سواء مباشرة من خلال العمل الإصلاحي الوطني، أو بدعمها وموقفها الايجابي من رفض المستعمر ومحاولتها الدفاع عن ركائزها الأساسية اللغة، الانتماء، والوطن، والتي تعد أكبر تعبئة وأكبر مساهمة تقدمها المرأة الجزائرية للنضال الإصلاحي وللثورة التحريرية المجيدة.

وفي هذه الفترة، ولد في الجزائر تيار يدعو لتحرير المرأة المسلمة يندرج ضمن خانة تغيير الذهنيات، على شكل

«اتحاد مختلط تحت مسمى الاتحاد الفرنسي الإسلامي لنساء الجزائر (سنة 1937) يضم في تشكيلته 36 امرأة نصفهن جزائريات، لكن اقتصر نشاطه على الجانب الاجتماعي، والذي تأثر نوعا ما بالحركة الفكرية التي شهدتها مصر وانتشرت في الصالونات الأدبية، وانعكس هذا التطور بشكل أكبر على تونس التي تشكل على إثرها اتحاد النساء التونسيات، وأنشأت جريدة ’’ ليلى’’ التي تحاكي قضايا المرأة التونسية » (بوهند،233 :2017-234)

كما يمكن رصد مشاركة المرأة الجزائرية في مجال التعليم والإصلاح، من خلال رائدات مصلحات ساهمن في بلورة الوعي النسائي وتعليم البنات، أين اتسعت الحركة الإصلاحية النسوية في المدن والقرى من 1900-1954، فبرز منهن من يكتب وينشر في الصحف والمجلات ويمتهن التمريض، كما تناولن القضايا النسوية من بينهن :

«المعلمات الرائدات عام 1947 في مدرسة التربية والتعليم بقسنطينة أمثال : حورية عربية وعقيلة كحلوش، نعناعة ونيسي، وفي مدرسة الفلاح بوهران وجدت : فاطمة طياب، أمينة زعنان، وفي الجزائر العاصمة شامة بوفجي أول معلمة في الجزائر العاصمة ومؤسسة مدرسة البنت المسلمة، وفي مدرسة بيلكور فاتحة قيو، ليلى بن ذياب وهي أول امرأة تنشر مقالات صحفية في جريدة الأسبوع التونسية، والبصائر الجزائرية حول هموم المرأة وحركة التعليم...وغيرهن من الرائدات » (بوعزيز، 2001) 34-49.

  • الناشطات الجمعويات للنهوض بأوضاع المرأة برزت جمعيات نسوية على غرار « جمعية النساء المسلمات الجزائريات التي أسسها حزب الشعب شهر جوان 1947 من بين أعضائها الطبيبة نفيسة حمود التي شاركت في التوعية الوطنية والاجتماعية، والتحقت عام 1954 بجيش التحرير الوطني بالمنطقة الثالثة لعلاج المجاهدين، جمعية نهضة المرأة المسلمة 1948 بتلمسان ترأستها فتيحة كاهية التي دعت للتمسك بالقيم الإسلامية، وانتقدت المتعلمات في المدارس الفرنسية ورفضت الفكر النسوي المتطرف ولم تعلن العداوة مع الرجل ولم تدعو للتمرد، بل عملت على تدعيم المرأة في إطار القيم الإسلامية، كما برزت جمعية الفتاة العربية الجزائرية التي أنشأت سنة 1948 في الجزائر العاصمة من أنشط أعضائها أنيسة بومدين التي كتبت مقالا تعريفيا بها في جريدة الأسبوع التونسية ». (عويمر،2016 :18)

وما يمكن ملاحظته أن مجموع الرائدات قد أخذن على عاتقهن في هذه المرحلة مهمة المشاركة السلمية واتخذن من التعليم والتثقيف وسيلتهن لذلك في المدن والأرياف (الجزائر العاصمة، قسنطينة، وهران، تلمسان...)، والتي اكتست في أغلب الأحيان الطابع السري بسبب محاولة المستعمر الفرنسي طمس الهوية الإسلامية، وعمله على محاولة القضاء على التعليم العربي ومحو اللغة العربية واستبدالها باللغة الفرنسية، من خلال الشعار التي حملته الإدارة الاستعمارية ’’الجزائر فرنسية’’ فأبت إلا أن تحارب هذه النسوة لتكريس التعليم العربية والتمسك بالقيم الإسلامية من خلال مدارس وجمعيات لتعليم الفتاة المسلمة.

وقد استفادت المرأة الجزائرية كثيرا من العمل السياسي للحركة الوطنية على مدى نصف قرن فارتفع وعيها الفكري والسياسي، بحيث استطاعت مواكبة الثورة التحريرية وتحمل مسؤولية النضال لتصبح بذلك رمزا للعنصر النسوي يقتدى به محليا وعربيا وحتى دوليا، أين استطاعت إسماع صوتها وبرزت بطلات أمثال : جميلة بوحيرد، جميلة بوعزة، جميلة بوباشا، مليكة قايد، حسيبة بن بوعلي، فضيلة سعدان، مريم بوعتورة، سعدية بن سليمان... وأمثالهن كثيرات، « وعلى الرغم من عدم مشاركة المرأة الجزائرية في تطور حركة الإصلاح النسوية العربية بسبب الاستعمار، إلا أنها استطاعت إعطاء أعظم الدروس في التضحية ». (بوعزيز، 144 :2001)

ولقد حاول العديد من المؤلفين التذكير بشجاعة ومساهمة المرأة الجزائرية في ثورة التحرير،

«ومن أمثالهن حسيبة بن بوعلي مع أخواتها الشهيدات والمجاهدات اللواتي ناضلن من أجل استقلال الجزائر، بحيث نشطت حسيبة بن بوعلي في الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، لتنتقل بعد ذلك من النضال السلمي إلى النضال المسلح مع إخوانها على غرار العربي بن مهيدي ». (ميرة، 2006: 93)

لكن في المقابل اعتبرت بارعة النقشبندي أن

«الحركة النسوية في الجزائر ظهرت على يد نساء جزائريات فرنسيات قمن بدور إصلاحي، وكن يترأسن صحف مثل La voix des humbles في الثلاثينيات أمثال Jeanne Faure Sardet، حيث طرحن في الصحف قضايا جدلية تخص المرأة وتعاليم الفتاة المسلمة، كما قامت هذه الصحف بمراجعة كتابات قاسم أمين في مصر وطاهر حداد في تونس اللذين دافعا عن تحرير المرأة كجزء منسجم في إطار المفاهيم الإسلامية ». (النقشبندي، 44 :2001)

لا يمكن بأي درجة تعميم نشاط النساء الفرنسيات في التعليم وإنكار الجهود التي بذلتها الكتلة النسوية في محاولة إصلاح الفتاة أو المرأة الجزائرية عامة، بحيث كان للنساء الجزائريات دور بارز في التوعية حيث خاطرن وسخرن أنفسهن للجزائر ولتربية البنات وفق التعليم الإسلامية لا على الطريقة الغربية، فلا ننكر جهود النساء من الثقافة الفرنسية في الكتابة عن المرأة الجزائرية، لكنها مساهمات تعد على الأصابع لا يمكن مقارنتها بالرائدات الجزائريات، اللواتي حملن راية التعليم والإصلاح في ظل الحصار والاستعمار.

وقد بدا نشاط بعض النساء الجزائريات فترة الاستعمار الفرنسي بارزا، فرغم الجهود الفردية لبعض الكاتبات على غرار آسيا جبار، إلا أن مساهمتها شكلت طفرة نوعية في الرصيد المعرفي لكتابات المرأة، من خلال محاولة بلورة الوعي النسوي بالقضايا المحورية، وهي تحرير الوطن من المستعمر شأنها شأن النساء الجزائريات ككل، وبالتالي يمكن إضافة مساهمة آسيا جبار في لائحة الكاتبات الجزائريات المصلحات.

2.2. المرأة الجزائرية والنضال الثوري: إرادة من حديد

إن اندلاع الثورة الجزائرية المجيدة استطاع أن يحشد الجزائريين نساءً ورجالا لتحقيق كل ما آمنوا به من قيم الحرية، نيل العدالة، تحقيق الاستقلال وفك الارتباط مع المستعمر، لأجل ذلك شارك في النضال النساء والرجال يدا بيد في محاربة العدو المشترك، وتعتبر مشاركة المرأة في الحرب التحريرية بالرغم من تنوع أشكالها (الأدوار التعليمية، التمريض، الإيواء، الاستعلام، وحمل السلاح...الخ) لبنة الثورة وأحد أسسها التي لا يمكن إنكارها بالرغم من أنها لقيت إجحافا في دراستها ورصد نوع هذه المشاركة التي تنوعت مجالاتها، وعلى إثر ذلك سيتم التطرق لنضالات المرأة الجزائرية على صعيد التعليم والإصلاح، والمشاركة في الثورة والعمل.

وقد أوضح الأستاذ د/ عمار بوحوش في مؤلفه التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية 1962، مشاركة جميع الجزائريين في الثورة التحريرية دون تفريق، فمن خصائص الثورة القيادة المشتركة والعمل الجماعي، وتعد جبهة التحرير الحركة الثورية الوحيدة التي جسدت آمال الشعب، وأكد على أن :

« الظروف الصعبة التي أصبحت تمر بها الجزائر لم تعد تسمح بوجود شيء اسمه التعصب والتعلق برأي زعيم سياسي معين، ولا بد أن تكون الإيديولوجية الثورية للجزائر المقاتلة هي التي تتضمن التراث المشترك لجميع المواطنين الجزائريين. وأضاف أن الثورة قد فتحت الأبواب أمام جميع الجزائريين وأعطتهم الفرصة لكي ينالوا حقوقهم ».(بوحوش، 1997 : 560-561)

كما أكد محمد حربي في كتابه عن الثورة التحريرية أن « جيش التحرير كان منظما منذ البداية حسب مبدأ اللامركزية، واتخاذ القرارات يتم بصفة جماعية » (حربي، 68 :1994)، ما يعني ويؤكد الطرح الذي قدمه عمار بوحوش في الدور الجماعي الذي ميز الثورة التحريرية، لاسيما في تقسيم الأدوار وتوزيع عملية اتخاذ القرارات على الجماعة بمعنى القيادة الجماعية للثورة ولامركزية القرارات.

هذا النص دليل صريح على أن الثورة المجيدة لم تقتصر على الرجال لوحدهم في الساحات، فلم تعد السلطة محتكرة في يد شخص معين، أو تتعلق برأي زعيم معين، وإنما أصبحت تتقبل الاختلاف وتنفتح على الآراء والشورى والمشاركة التي تعتبر روح الثورة التحريرية، ما يعني إتاحة الفرصة للمرأة الجزائرية للمشاركة وفي صفحات التاريخ مليئة بأمثلة مشاركة المرأة في الثورة بكل ما أتيحت من قوة شأنها شأن أخيها الرجل، فمسؤولية المشاركة في الثورة وقعت على عاتق كلاهما وجمعتهما التضحية والإخلاص للوطن بغض النظر عن انتماءاتهم إلا أنهم انصهروا في تشكيلة جبهة وجيش التحرير الوطني التي أصبحت الممثل الشرعي والوحيد لكافة الجزائريين وتترجم تطلعاتهم في قهر المستعمر ونيل الاستقلال.

« إن دور المرأة الجزائرية بدأ من حركة لالة فاطمة نسومر ضد المستعمر التي من أبرز سماتها مشاركة المرأة والرجل، وصولا للتعبئة من أجل الثورة المجيدة، فبمجرد انضمام المرأة للثورة ألغيت كلمة المرأة وحلت محلها كلمة أخت، مجاهدة، مناضلة، واعتبرت المجاهدة بنت الجبهة والجيش والجزائر ». (درار، 29 :1985)

فبانضمام المرأة للثورة ألغيت الحواجز التي كرستها الثقافة التقليدية، وأثبتت المرأة جدارتها وقدرتها على تحمل المسؤولية شأنها شأن الرجل، بل أثبتت في كثير من المرات صمودها وتحملها رغم التعذيب والقهر لا شيء سوى من أجل نيل الحرية، ومن بين دوافع انضمام المرأة لجيش التحرير نجد:

  • تخوف زوجات وأمهات المجاهدين من الوقوع مجددا في قبضة الاستعمار ما جعلهن يلتحقن بالمجاهدين.

  • انضمت بعض المناضلات للجيش بعد اكتشاف المستعمر لنشاطهن السياسي والفدائي

  • التحقت بعض المواطنات بالمجاهدين للثورة على الأوضاع السائدة من فقر وجهل، بؤس وإهانة.

  • تطوعت الطالبات في جيش التحرير بعد إضراب 6ماي 1956 الذي أبرز وعي وإيمان الطلبة بالثورة. (المرجع نفسه: 31).

وقد لمست مشاركة المرأة إبان الثورة التحريرية،

« وأوكلت لها مهام جد حساسة من الفترة 1956-1962 كصنع العبوات والألغام ومختلف المتفجرات، إعداد الأدوية ومعالجة الجنود الجرحى، خياطة الملابس العسكرية والأعلام، كتابة التقارير السرية والمنشورات الحربية، إضافة للعمليات الفدائية واستدراج جنود العدو لكمائن جيش التحرير الوطني » (بالي،10 :2014)،
« وتراوحت أعمار المجاهدات بين 16 و30 سنة ينتمين لمختلف الطبقات الاجتماعية ويشملن الطالبات، المعلمات، الطبيبات، الممرضات، وغير المتعلمات كل مجاهدة تقوم بالعمل الذي يناسبها ويتماشى مع قدراتها وخبراتها ». (درار، 32 :1985)

وأكد بلحسن بالي تقبل المجاهدين انضمام النساء للثورة وتم معاملتهن باحترام، وتم تقدير جهودهن لاسيما شجاعتهن وإصرارهن على الكفاح، الأمر الذي خلق المساواة بين الجنسين (بالي، 13 :2014)، وحسب هذا الرأي فإننا شهدنا تقديرا للمرأة واعترافا بمشاركتها ودورها الفعال في الثورة، كما تم إعطاء قيمة ومكانة للمساواة بين الجنسين حتى في ظل الاستعمار والحصار، حتى دون أن يصبح الاعتراف بهذا التساوي مكتوبا ومقننا وفق اللوائح والتشريعات، إلا أنه تجسد كممارسة فعلية شهدتها ساحات الثورة، تمثلت في الاحترام التقدير والعرفان.

فانضمام المرأة الجزائرية لجيش التحرير لم يكن أمرا شكليا ولا اعتباطيا،

«فالمناضلة المنظمة للجيش لابد وأن تخضع للعديد من المراحل، بحيث ترسل الفتيات للتدريب والتكوين قبل الانخراط في الجيش، ويتم ذلك في القواعد على الحدود التونسية أو المغربية، إذ يتمرن في مجالات عدة على غرار المجال الطبي، العسكري، والسياسي وعادة ما تدوم هذه التدريبات أشهر وبعد ذلك يتم توجيههن للمناطق اللازمة». (درار، 32 :1985)

وإيمانا بدور المرأة ومشاركتها الفعالة في الثورة، رصدت لنا محطات التاريخ أدوارا عديدة تقمصتها المرأة الجزائرية، بحيث تنوعت مهامها وتباينت خطورتها حسب ما فرضته ظروف الاحتلال الفرنسي، لأجل ذلك انقسم نشاط المرأة إبان الثورة لعدة أوجه تشمل (المرجع نفسه: 48-57) :

  • الوجه الأول : يتجلى في النساء الجنديات، بحيث التحقت النساء بالجيش مباشرة ولبسن الزي العسكري وحملن السلاح، يعشن في الجبال ويمارسن مهامهن في التمريض، التدريب، الكتابة

  • الوجه الثاني : يظهر في النساء الفدائيات المتواجدات بالمدن، شمل الطالبات اللواتي يحافظن على مظهرهن الطبيعي لكنهن لعبن دور في تدمير مراكز العدو(الهجوم على الثكنات العسكرية، مراكز الشرطة، المقاهي...)، وضع الألغام، تمرير السلاح، والوثائق السرية للمسؤولين عبر المناطق.

  • الوجه الثالث : النساء المناضلات، تمثل دورهن في تكوين قواعد التنظيم للنساء، وإنشاء نظام سياسي نسائي يضم أقساما لتعبئة الجماهير، تكوين المسؤولات المحليات اللواتي يساهمن في عقد اجتماعات توضيحية تنشر من خلالها المبادئ الثورية، وساهمت هذه المنظمة النسائية في الاستعلام، جمع التبرعات والإعانات، ومن صور التضامن نجد تبرع الفتيات بلوازم عرسهن للثورة.

  • الوجه الرابع : النساء المسبلات، مهمتهن ربط الاتصال بين الجبهة والجيش، ومرافقة المجاهدين في مهامهم العسكرية للحراسة أو لإمدادهم بالسلاح أو لنقل وثائق الثورة.

« ووضع مؤتمر الصومام لنشاط المرأة برنامج عمل مستقبلي نظرا للشجاعة التي أبدتها في الثورة، ويتضمن توكيلها بمؤازرة المجاهدين أدبيا، المشاركة في الاتصالات، التموين، تهيئة الملاجئ ومساعدة عائلات وأبناء المجاهدين والأسرى ».(الزبيري، رخيلة،، و بديدة،، 61 :2007)

هذا يعني أن مهام المرأة كانت مسطرة وواضحة في الثورة التحريرية، بالرغم من النقائص التي تضمنها النص والذي لم يوف مشاركة المرأة حقها في النضال السياسي أو في العمل المسلح، كما لم يرفق المعطيات بإحصائيات عن مشاركتها ولا تقسيم الأدوار أو نوع المشاركة في المدن والقرى، لكن رغم ذلك فإنه أوضح مساهمتها بشكل عام ورسم توجهها المستقبلي في الثورة.

وفي تلك الفترة وبالتوازي مع التنظيم الذكوري،

«لم تستبعد النساء من الاجتماعات السياسية، بل شاركن في الندوات التي كان يعقدها المفوضون السياسيون، نتيجة لغياب الرجال، وتعلمن تدبير أمور حياتهن، إنه واقع مكتسب بفضل الثورة وأصبح من المستحيل العودة عنه، إذ أدرك الرجال مصلحتهم بتوزيع هامش من المسؤوليات لنسائهم، وترك لهن المبادرات حتى بعد تحقيق السلم، وقد برزت مساهمة النساء في النضال السياسي بشكل ملموس، إذ شكلن خارج المهمات اليومية لجانا نسوية تضم الطالبات والممرضات». (ماندوز،2007 :112-113)

أما في الخارج فبرزت أسماء على غرار حفيدة الأمير عبد القادر السيدة عادلة بيهم الجزائرية، التي

«ساهمت في تأسيس الاتحاد النسائي العربي بدمشق عام 1937، وأنشأت مدرسة دوحة الأدب لتعليم البنات وكانت على استعداد للتكفل بتعليم البنات الجزائريات في سنة 1939 لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية حال دون ذلك، كما شاركت في مقاومة العدوان الفرنسي ودعم الثورة بعد اندلاعها في نوفمبر 1954 بجمع التبرعات للمجاهدين الجزائريين وواصلت نشاطها النسوي في دعم الثورة». (بوعزيز،2001 :26-30)

وتدعيما لنفس النقطة،

«ذاع صيت المرأة وهذا التنظيم النسائي الذي أنشأته لإسماع صوتها في الخارج، على إثر مشاركتها في المؤتمر الدولي الرابع للاتحاد النسائي الديمقراطي في مدينة فيينا سنة 1958 بحيث اعتبرت أن المرأة الجزائرية لا تحتاج اليوم لحق العمل، أو تحسين ظروف المعيشة، بقدر ما تحتاج إلى وقف حرب الاستعمار الفرنسي على الشعب الجزائري». (درار، 56 :1985)

هذا الدور الذي لعبته المرأة في الخارج بالرغم من أنه بدا محتشما نوعا ما، ويفتقد لآليات عمل حقيقية وبرامج ملموسة ذات أثر مباشر على الثورة أو حتى على الوضع العام في الجزائر، إذ اكتفى بذكر نشاط بعض النساء اللواتي برزت مشاركتهن، ونقد هذه المشاركة أو التجربة ليس من باب الإنقاص من قيمة أو مساهمة المرأة الجزائرية في الخارج، لكن هدفه الوقوف على المساهمة الفعلية لها، والتي نجد لقصورها تفسيرا وهو الاستعمار الفرنسي والحصار المفروض على الجزائر الذي قوض أي نهضة فعلية للمرأة والرجل على حد سواء، وحال دون تحقيق أي قفزة فكرية وعلمية حقيقية، وعطل كل الجهود التنموية، وحتى تطوير المرأة التي اكتفى بتنكيلها ومحاولة طمس هويتها وانتمائها بدفعها للتحرر على النمط الغربي، كما أعاق بروز أي جهود نسوية، وحال دون إسماع المرأة صوتها دوليا وحتى إقليميا بالشكل اللازم.

وبالتالي نجد لضعف بروز المرأة في الخارج فترة الاستعمار الفرنسي سببا مقنعا لكنه لا يلغي دورها ومكانتها في المجتمع الجزائري، فالطابع المعنوي الذي أضفته كل هذه المشاركات لا يمكن أبدا تجاوزه، بحيث ساهمت هذه الجهود في تقوية الجبهة الداخلية للمجتمع الجزائري أكثر فأكثر، وعملت على ترابط أفراده النساء قبل الرجال، كونهن اعتبرن في الصف الأول لمواجهة المستدمر الفرنسي بعد أن التحق الرجال بالجبال، أو استشهدوا، أو اعتقلوا، وبذلك فإن وضعية المرأة الجزائرية فترة الاستعمار الفرنسي اكتسبت طابعا حساسا، باعتبارها قد تخلفت -كما هو حال الدولة ككل- عن باقي نساء الدول العربية لمدة 132 سنة والتي عطلت الحركية الفكرية والتنموية.

كما هناك مشاركة للنساء إبان الثورة التحريرية لا يمكن عدُها أو حتى تقديرها لأنها تشمل النساء اللواتي ساعدن في إيواء المجاهدين، تقديم الأغذية لهم، علاجهم في المنازل، خياطة الملابس،...الخ، بالرغم من أنهن لم يلتحقن بالجبال إلا أنهن لعبن دورا بارزا في دعم الثورة، فمشاركتهن لم تكن رمزية كما صورها البعض، وحاول البعض الآخر تشويه دورها وعزلها عن الثورة بمقولة أننا مجتمع محافظ لم يسمح بخروج المرأة من المنزل لوحدها، فكيف أن تلتحق بالجبال وتعيش مع المجاهدين أو تستقبلهم في بيتها، وكما تم التطرق له فإن مشاركة المرأة في الثورة ألغت بذلك الحواجز وفرضت واقعا مغايرا يستوجب وجودها كل واحدة حسب استطاعتها لكن الأمر الأكيد أن المرأة الجزائرية بالرغم من ويلات المستعمر إلا أنها لم تحد عن نهج الثورة.

فلم تكن المرأة الجزائرية بمنأى عن هذه التطورات وعن الوضع الكارثي الذي خلفه الاستعمار، إذ انعكست هذه الوضعية على حالها باعتبارها قد عانت لعقود من وحشية الاستعمار، وساهمت غداة الاستقلال في معركة البناء بعدما تبرعت بمجوهراتها وكل ما تملك لبناء الجزائر، هذه المساهمة لا يمكن أبدا إنكارها أو تغييبها عند الحديث عن دور المرأة الجزائرية في نشأة وتطور النظام السياسي الجزائري.

خاتمة

وضحت الدراسة الأدوار المتنوعة للمرأة الجزائرية إبان الاستعمار الفرنسي، الذي عمل بشتى الطرق والأساليب لطمس هويتها الأمازيغية، العربية والإسلامية، رغم ذلك تمكنت المرأة وبجدارة أن تقف في وجه المستدمر وتلقنه أسمى الدروس في حب الوطن، ويدا بيد مع أخيها الرجل، إذ أخذت على عاتقها مهمة النضال الإصلاحي لخلق قاعدة شعبية نسوية مثقفة قادرة على تربية الأجيال القادمة، وحين جد الجد التحقت بالجبال وشاركت في مسار الكفاح المسلح، وتبنت عدة أدوار تباينت بين نقل المعلومات، الأسلحة وحتى العمل الفدائي، وهذا التاريخ العريق للمرأة الجزائرية بالأمس خالدا، وشرف تفخر به النساء اليوم.

آمنة بواشري بنت بن ميرة. (2006). العولمة والثورة التحريرية الجزائرية 1954-2005: دراسة في مقومات وخصائص الثورة التحريرية الجزائرية والدور الذي تلعبه في مواجهة التحديات الراهنة. الإسكندرية: مؤسسة شباب الجامعة.

أندريه ماندوز. (2007). الثورة الجزائرية عبر النصوص. ترجمة ميشال سطوف. الجزائر: المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار.

أنيسة بركات درار. (1985). نضال المرأة الجزائرية خلال الثورة التحريرية. الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب.

بارعة النقشبندي.. (2001) المشاركة السياسية للمرأة في الأردن وبعض الدول العربية. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

بلحسن بالي. (2014). المرأة الجزائرية خلال حرب التحرير 1954-1962. ترجمة صاري علي حكمت. الجزائر: منشورات ثالة.

خالد بوهند. (2017). «مواقف النخب الجزائرية الاندماجية والاصلاحية من قضايا المرأة المسلمة (1919-1939).» في عصور الجديدة. العدد 27. المجلد 7.

خليل أحمد خليل. (1982). المرأة العربية وقضايا التغيير: بحث اجتماعي في تاريخ القهر النسائي. بيروت : دار الطليعة للطباعة والنشر.

عصام نور. (2006). دور المرأة في تنمية المجتمع. الإسكندرية: مؤسسة شباب الجامعة.

عمار بوحوش. (1997). التاريخ السياسي للجزائر منذ البداية ولغاية1962. بيروت: دار الغرب الإسلامي.

فاطمة الزهراء قشي. (2010). النساء العربيات في العشرينيات حضورا وهوية. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.

كفاح حداد. (2001). المرأة والعمل السياسي. بيروت: دار الهادي للطباعة والنشر.

ليون فيكس. (دون تاريخ). الجزائر حتف الاستعمار. بيروت: منشورات مكتبة المعارف.

محمد حربي. (1994). الثورة الجزائرية: سنوات المخاض. ترجمة نجيب عياد. الجزائر: موفم للنشر.

محمر العربي الزبيري وعامر رخيلة ولزهر بديدة، (2007). كتاب مرجعي عن الثورة التحريرية1954-1962. الجزائر: دار هومة.

مولود عويمر. (2016). « نساء في رحاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ». جريدة البصائر.29 فيفري. العدد797.

هيفاء زنكة. (2011). المرأة والمشاركة السياسية في الوطن العربي. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.

يحيى بوعزيز. (2001). المرأة الجزائرية وحركة الإصلاح النسوية العربية. الجزائر: دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع.

.

نبيلة عدان- Addane Nabila -

جامعة الجزائر 3 Alger

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article