مقدّمة
لقد شهد العالم حديثا تطوّرات عديدة في جميع الميادين؛ ومن ذلك نظريّات التّعلّم الّتي تساعد على النّهوض بالمتعلّمين وتنميّة مستوياتهم المعرفيّة والسلوكيّة، ومن هذه النّظريّات:السلوكيّة، البنائيّة، والسيسيوبنائيّة، وقد خصّصنا هذا البحث بدراسة النظريات السلوكيّة؛ لتبيين مدى أثرها على التّعلّم في المدارس الجزائريّة، واخترنا عيّنة للدراسة وهي مرحلة التّعليم الابتدائي؛ وذلك لكونها المرحلة الأهم في التّعليم؛ لأنّها تمثّل المرحلة الأوّليّة في التّعليم، ونعلم هذه المرحلة حسّاسة، كون المتعلّم فيها صفحة بيضاء ليست له أي خلفيات معرفيّة، وقد اتّسم بحثنا ب: "نظريات التّعلّم السلوكيّة والتّعلّم المدرسي-المرحلة الابتدائيّة أنموذجا-"، والّذي تتمثّل إشكاليته في: ما هو دور النظريات السلوكيّة في المراحل الأوّليّة للتّعلّم المدرسي؟
وقد تفرّعت عن هذه الإشكاليّة مجموعة من الأسئلة، تتمثّل فيما يلي:
-
ما هي نظريات التّعلّم السلوكيّة؟
-
ما العوامل التي تساعد على التعلّم عند الأطفال لدى السلوكيين؟
-
ما هي سلبيات وإيجابيات النّظريات السلوكيّة؟
وللإجابة على هذه الإشكالات وضعنا هيكلا نتتبع فيه كلّ عناصر البحث بالتّفصيل.
الجانب النّظري:النظريات السلوكيّة وأنواعها، وفيها:
1. نظريات التّعلّم السّلوكيّة
1.1.مفهومها
تختلف آراء أتباع هذه النّظريّة فيما يخصّ تعريف التعلّم؛ فقد اعتبر قديما مجرّد عمليّة تذكّر، وهذا ما ذكره أحمد حساني في كتابه بقوله:« ...وجدير بالذكر أنّ مصطلح "التّعلّم" لم يكن مستخدما عند قدامى علماء النّفس، وذلك لأنّ كتبهم تكلمت عن العمليّة باعتبارها عمليّة "تذكّر" لا غير» (دخل الله، 2014، ص:166).
كما جاء في كتابه أن الظهور الفعلي للنّظريّة السلوكيّة « بعد عام 1913 على أثر نشر "واطسون" لكتابه "علم النّفس كما يراه السلوكيون"»(دخل الله،ص:166). وهي نظريّة جاءت إثر نقد لعلم النّفس التّقليدي ومفادها «أنّ دراسة الوعي يجب أن يكون هدفه توقع السّلوك والتّحكم فيه، وذلك بدراسة المثيرات والاستجابات وتكوين العادات؛ وبالتّالي يكون علم النّفس علما مثله مثل العلوم الطبيعيّة» (أيوب دخل الله، ص:166)؛ومنه هذه النّظريّة تغيّب دور العقل.
2.1.أنواعها
يمثّل السلوكيّون نظريتين منفصلتين، وهما:
1.2.1.النّظريّة الارتباطيّة
وتعني الارتباط بين المعطيات البيئيّة والسلوك؛ حيث إنّ السلوك عند أصحاب النّظريّة «يستثار مع بدء عمل المنبّه سواء أكان داخليّا كالجوع أم خارجيّا كسماع الصوت» (أيوب دخل الله، ص:167)، كما أنّ أبرز علماءها «بافلوف، واطسون، جاثري» (أيوب دخل الله، ص:167).
1.1.2.1. بافلوف والاشراط الكلاسيكي
وهي نظريّة جاءت نتيجة التجارب الّتي قام بها بافلوف عن الكلاب، ومفاد هذه النّظريّة أنّ التّعلّم يكون من خلال ربط الأشياء المراد تعلّمها بأمور لها معنى لدينا؛ وهذا هو مبدأ النّظريّة؛ أي « حينما يكون شيئا ما محايدا وارتبط بشيء له أثر بالنّسبة للفرد، فإن هذا المثير يرتبط به فور حدوثه مرة ثانية حتى في حالة غياب المثير الأصلي، يميل الإنسان آليا لربط الأشياء بأشياء لها معنى لديه» (قطامي، 2005، ص:74).
أمّا عن تجربة بافلوف فكانت عن دراسة عملية الهضم عند الكلاب حيث:«أنّ العصارة اللّعابيّة لا تفرز فقط عند تقديم الطعام للكلاب، وإنّما وجد أنّها تفرز أيضا عندما ترى الكلاب الأواني الّتي يقدّم لها فيها الطّعام، أو عند سماعها وقع أقدام مساعده الّذي كان يعنى بالكلاب الّتي كان يجري عليها دراسته» (حساني، 2014، ص:168).
ويُذكر في مثال آخر عن تجربة بافلوف أنّه «يقدّم صوت تردد شوكة في تزامن قبل أو مع تقديم مسحوق اللّحم إلى الكلب، بعد تكراره ذلك لعدد من المرات فإنّه يصبح لصوت الشوكة القدرة على استجرار استجابة سيلان اللّعاب لدى الكلب» (قطامي، ص:74-75)؛ ومنه تكون الإثارة عن طريق المثير والاستجابة، وقد سمّى بافلوف المثير(وقع الأقدام) بالفعل المنعكس الشرطي «مثيرات غير طبيعيّة» (حساني، ص:168). ولتوضيح نظريّة الإشراط الكلاسيكي لدينا الجدول التّالي فيه مجموعة من التجارب:
الجدول1
علاقة محايدة قبل التجريب |
المحاولات التجريبيّة |
بعد التجريب(الإشراط) العلامة |
|||
غير شرطيّة (يستجر) المثيرات(UCS) |
الانعكاسات المرتبطة |
ازدواج المثير |
استجابات انعكاسيّة |
مثير شرطي |
استجابة شرطيّة انعكاسيّة |
مسحوق اللّحم |
سيلان اللّعاب |
مسحوق اللحم تردد |
سيلان اللعاب |
تردد وصوت الشوكة |
سيلان اللعاب |
نفخ العين |
غمض العين |
نفخ العين، ومضة ضوء صدمة كهربائيّة |
غمض العين |
الضوء |
غمض العين |
صدمة كهربائيّة |
طقطقة الأصبع |
صوت شبيه بالجرس الكهربائي |
طقطقة الأصبع |
صوت الجرس الكهربائي |
طقطقة الأصبع |
(القطامي، 2005، ص:76)
ومنه يكون التّعلّم في هذه النظريّة بالاستعانة بمثيرات محايدة (وهي غير طبيعيّة)، ولا تكون الاستجابة لهذا المثير إلّا بعد التجريب؛أي المثير الشرطي(الجرس)ينتج عنه استجابة غير شرطيّة(لا لعاب)، ومثير غير شرطي(لحم) ينتج إفراز اللّعاب ( وهذا قبل الإشراط)، أمّا بعده فالمثير الشرطي(جرس) تأتي الاستجابة الشرطيّة إفراز اللّعاب.
وهناك مجموعة من قوانين التّعلّم وصل إليها بافلوف وهي: التعزيز، التعميم، التمييز، الانطفاء، الاسترجاع التلقائي.
-
التعزيز Renforcement: ويعني لغة: العزيزُ من صفات الله عزّ وجلّ وأسمائه الحسنى؛ قال الزّجّاجُ: هو الممتنع فلا يغلبُهُ شيء ...وتعزّز الرّجلُ: صار عزيزا. وهو يعتزّ بفلان واعتزّ به، وتعزَّزَ: تشرَّف، وعزَّ عليَّ يعزُّ عِزّا وعِزَّةً وعزازةً: كرُمَ. وأعززته أكرمته وأحببته...وعزَّزَ فلانا أو غيره: قوّاه، دعّمه، شدّده، جعله عزيزا» (القبلي، 2014، ص:10).
وفي كتاب الله العزيز: ﴿ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (14)﴾ يس:آية/14
أمّا اصطلاحا:«هو عمليّة تثبيت السلوك المناسب، أو زيادة احتمالات تكراره في المستقبل، وذلك بإضافة مثيرات إيجابيّة أو إزالة مثيرات سلبيّة بعد حدوثه» (القبلي، ص:11).
كما أنّه:
«حدوث المثير الشرطي في أعقاب المثير الطبيعي» (القبلي، ص:57)، وهذا يفسر تجربة بافلوف في تقديم صوت الجرس على أنّه تعزيزا لتقوية الاستجابة وهي إسالة اللّعاب. ويوضّح بافلوف دور تكرار التعزيز في إنجاح عملية التّعلّم في أنّه:« كلّما زاد عدد مرّات التّعزيز، كلّما قوي الرّابط الحادث بين المثير الشرطي والاستجابة الشرطيّة، وكلّما زادت قوّة الاستجابة المتعلّمة» (القبلي، ص:57).
-
التّعميم generalization: ويقصد به عندما يستجاب لمثير ما يمكن قياسه على بقيّة الأمور، فمثلا عند بافلوف:«لوحظ أنّ الكلب قد يستجيب للأصوات المقدّمة إليه القريبة من الصوت الأصلي» (القبلي، ص:57)، وبذلك يمكن أن يكون مفهوم التّعميم هو تعميم التّعزيز على جميع التعلّمات نحو تعلّم الطفل، أو تعلّم مهارة ما، أو سلوك معيّن...الخ.
ومن خلال تجربة بافلوف يوضّح « كيف أنّ الاستجابة الّتي يجرى تعلّمها كاستجابة لمثير إيجابي أي الرمادي الدّاكن، يمكن سحبها أيضا –ولو إلى حدّ قليل جدا- عن طريق رماديّة فاتحة أخرى تكون مشابهة أقل قليلا بالنّسبة للمثير الإيجابي الأولي الّذي تمّ التّدريب عليه» (ناصف، 1983، ص:250).
ومنه التّعميم هو مجموعة من المثيرات المشابهة للمثير الشرطي يمكن أن يستجيب لها المتعلّم. -
التّمييز discrimination Law of : إذا نظرنا إلى مفهوم التمييز في التّعليم عموما، فهو يمثّل الفروق بين المثيرات، وذلك أثناء التدريب على مهارة معينة، ويميّز الحيوان بين الأصوات ويحتفظ بهذا التمييز، وهذا ما ذكره أيوب دخل الله على تجربة بافلوف الّذي لاحظ فيها أنّ الكلب يميّز بين الأصوات؛ حيث يقول:« استطاع بافلوف أن يلاحظ تمييز الكلب الواضح بين المثيرات التي تختلف اختلافات بسيطة، ولكي يتعلّم الكلب المثير والأصوات الأخرى، فإنّه لابدّ من استخدام التعزيز الانتقائي أي أن يقدّم الطعام بعد سماع صوت الجرس وليس بعد أي صوت آخر (دخل اللّه، ص:170-171).
والغرض من هذه التجربة هو التدريب على الأصوات المتشابهة لكي يتمّ التمييز بينها؛ وبالتّالي تحدث الإثارة عندما يميّز الكلب بين الصوت الّذي اعتاد سماعه وبين الأصوات الأخرى، والشكل التّالي يبيّن كيف تتمّ عمليّة التدريب:
-
الانطفاء : Extinctionهو اختفاء الاستجابة لعدم اقتران التعزيز بالمثير الشرطي« وذلك عندما تختفي بعض الاستجابات الشرطيّة نتيجة عدم تعزيزها بالمثير الطبيعي، أو نتيجة مرور وقت عند عملية الاقتران بين المثيرين الشرطي والطبيعي» (الجوهري، دت، ص:37).
والجدول التالي يوضّح تجربة بافلوف على أحداث الانطفاء في الكلب حينما دقّ المترونوم في مواعيد تقديم الطعام ولم يتمّ تقديمه:
الجدول2
رقم التجربة |
الزمن |
نقط اللعاب |
01 |
12.7ثا |
13 |
02 |
12.10ثا |
7 |
03 |
12.13ثا |
5 |
04 |
12.16ثا |
6 |
05 |
12.19ثا |
3 |
06 |
12.22ثا |
3.5 |
07 |
12.25ثا |
/ |
08 |
12.27ثا |
/ |
(كركوتي، ص:51-52)
ومنه تناقض عدد اللّعاب يدلّ على تناقض الاستجابة لدى الكلب؛ أي عدم الاستجابة، كما يميّز بافلوف بين نوعين من الانطفاء هما: (كركوتي، ص:52)
-
انطفاء داخلي سببه غياب تقديم الطعام ويكون تدريجيا(كما وضّح في التجربة).
-
انطفاء خارجي سببه إحداث صوت غريب أثناء التجربة بشكل مفاجئ.
وأشار بافلوف إلى أنّه يمكن أن تحدث الاستجابة بعد الانطفاء في حالة استعادة المثير الشرطي وحدوث الاستجابة، وهذا مايسمّى ب(الاسترجاع التلقائي.
-
الاسترجاع التلقائي:
كما ذكرنا سابقا حدوث الاستجابة بعد استرجاع المثير الشرطي، وهذا بعدما يستريح الحيوان، ويظهر هذا القانون في ميدان التعليم؛ حيث« يوضّح بعض الشروط الّتي يجب مراعاتها في هذا المجال ويوضّح أثر التّعب وأثر التّكرار من غير تعزيز والاحتمالات المختلفة لظهور الاستجابة في مواقف التّعلّم المتكررة» (دخل الله، ص:171).
2.1.2.1. التّعلّم البشري والإشراط
يحدث الإشراط كثيرا في تصرّفات السلوك الإنساني، فمثلا:« الطفل الّذي يصرخ بسبب الجوع غالبا ما يتوقّف عن البكاء لمجرّد سماعه صوت الملعقة وإناء الطعام من دون أن يراهما لأنّ هذا الصّوت يسبق عادة تقديم الطعام» (دخل الله، ص:171).
كما أنّ حياة الإنسان تسير عادة وفق أنماط اعتمد عليها منذ الصغر، وهذا ما يسمّى بالإشراط الإيجابي؛ حيث يقول وليم سارجنت في كتابه Baltle for the minds :« إنّ الكثير من السلوك الإنساني ماهو إلّا نتيجة للأنماط السلوكيّة المشروطة في المخ ولاسيما في أثناء الطفولة، وقد تستمر هذه الأنماط دون أي تعديل يذكر، ولكن غالبا ما ينالها بعض التعديل تدريجيا بسبب التغيّرات الّتي تحدث في البيئة، وأنّ جزءا كبيرا من حياتنا الإنسانيّة، ليس إلّا عبارة عن السّير دون وعي وراء أنماط من الأفعال الشّرطيّة المنعكسة الّتي سبق اكتسابها» (كركوتي، ص:57)، ومثال ذلك أيضا تعرّض طفل للضرب يؤدّي إلى هروبه من المدرسة، رغم أنّ المدرسة لا علاقة لها بالمثير الشرطي والاستجابة إلّا أنّها المكان الّذي أدّى إلى الاقتران بين المثير الشرطي والاستجابة، وهذا النموذج ينطوي تحت الإشراط السلبي.
ومن نماذج التطبيقات التّربويّة لتجربة بافلوف: (دخل الله، ص:174-175)
-
استخدام عمليّة الاقتران في تعليم الأطفال بعض الكلمات والمصطلحات تماما كما يحدث عند اقتران الأشكال المألوفة بالكلمات الدّالّة عليها، فالمثير الطبيعي هو الأشكال المألوفة، والكلمات الدّالّة عليها هي المثير الشرطي.
-
يمكن استخدام مبدأ التّعزيز الجزئي والكلّي في بعض المواقف التّعليميّة والاكتساب وقد يكون مناسبا مع الأطفال المتأخّرين دراسيّا.
-
علاج بعض المشكلات البسيطة باستخدام مبدأ الإشراط مثل علاج التّبوّل اللاإرادي عند الأطفال أثناء اللّيل.
3.1.2.1. سلوكيّة واطسون John watson's behaviorism
يرى واطسون أنّ التّجارب الّتي أجريت مع الحيوان يمكن استخدامها لدراسة البشر، وأراد واطسون من خلال بحثه الانتقال من المفاهيم العقليّة إلى الموضوعيّة؛ حيث كان تفسيره لبعض المفاهيم موضوعيّا«التّفكير مثلا، عرّف بأنّه حديث صامت، وعرّف الشّعور بأنّه استجابة غديّة، مثل: الخوف، الغضب والحب، أما استجابة الخوف مثلا فإنّها تبدأ بالقفز أو الحركة أو أية عمليات في الجسم أو اضطراب في التّنفّس، اعتمادا على عمر الرّضيع، فإنّه يتحدّد بكاءه وسقوطه، وحبوه أو ركضه، وأنّ استجابة الخوف ثمّ ملاحظتها في ظروف بيئيّة طبيعيّة بعد حدوث صوت عال أو بعد فقدان الدّعم للطفل أمّا بالنّسبة لاستجابات الرّاشد العاطفيّة المعقّدة فإنّ حياته هي نتيجة لإشراط استجابات أساسيّة في مواقف مختلفة» (القطامي، ص:77)، كما يرى واطسون أنّه يمكن تحويل المفاهيم السلبيّة أو الإشراط السلبي إلى إشراط إيجابي؛ وبالتّالي نستطيع تغيير اتّجاه أي طفل نحو الأفضل.
ومن تجارب واطسون عن الإشراط«تجربته على الطفل ألبرت الّذي كان يتمتّع بصحة نفسيّة وجسميّة جيّدة، عكس بقيّة الأطفال الذين كان ينتابهم الخوف، فأراد واطسون إخافته،فأتى بفأر أبيض، لكن لم يشعر ألبرت بالخوف، وعند تقدّم الفأر أحدث واطسون صوتا عاليا فانفعل ألبرت، وهكذا كرّر العمليّة عدّة مرّات إلى أن أصبح ألبرت يخاف من كلّ ما هو شبيه بالفأر وإن كان لعبة، ومن ذلك أصبح المثير الصناعي يثير الخوف كما الطبيعي» (ينظر:قطامي، ص78)، ومبادئ الأساسيّة التي دافع عنها،تتمثل في: البيئة، التكرار، الحداثة.
والظاهر أنّ تجارب واطسون أعطت نتائج إيجابيّة أدّت إلى تطوّر التّعلّم وفق ظروف مختلفة، وقد كانت لتجارب واطسون قيمة كبيرة؛ «مجرد تفكير واطسون بهذا المنحى شجع الطلبة والباحثين على هذا الاتّجاه، ودفعهم إلى القيام بالمحاولات المختلفة لإجراء بحوث ودراسات والوصول إلى نتائج أساسيّة وثانويّة تفيد في التّعلّم، وتسهم في تقدّمه وتطوّر فهم كيف تعلّم الإنسان في أماكن ومواقع، ومناسبات مختلفة» (قطامي، ص:78).
4.1.2.1. نظريّة جاثري الاقترانيّة
يرى جثري أنّه ليس من الضروري أن يكون التّعلّم عبارة عن تحسن في معرفة أو مهارة ما، بل من الممكن أن يكون تعلّم أمر سيء كما يمكن أن يكون حسن، لأنّ التّعلّم عنده عبارة عن تغيّر سلوك، وتعريف التّعلم في نظريته هو:«القدرة على الاستجابة بصورة مختلفة في موقف ما يسبب استجابة سابقة للموقف... وهذه القدرة هي التي تميّز تلك الكائنات الحيّة التي وهبها الإدراك العام أو الحكم السّليم» (حجاج، 1986، ص:11-12).
أمّا عن اعتباره بأنّ التّعلّم عبارة عن تغيّر سلوكي، أي الاستجابات الّتي تؤدي إلى التلاؤم السيئ أو التلاؤم الجيّد» (حجاج، ص:12)، والتكرار له دور أيضا في عمليّة التّعلّم؛ حيث اعتبر بأنّ الاقتران بين مثير واستجابة يُحدِث التّعلّم، وتعريف التّعلّم عند جثري يوضّح قانون الاقتران، فالتّعلّم « يحدث نتيجة اقتران بين مثير معيّن وما يصاحبه من حركة كاستجابة لهذا المثير ولهذا فإنّه يرى أنّ التّعلّم يحدث فورا ومن أوّل عمليّة اقتران، والتكرار لا يدعّم مايتعلّمه الفرد» (دخل اللّه، ص:182).
أمّا عن مبدأ التّعزيز في التّعليم لا يعتبره أساسيّا؛ أي أنّ الاقتران كاف، لأنّ الاستجابة تنهي الموقف، بغض النّظر عن النجاح أو الفشل.
ومن أمثلة التّعلّم الاقتراني، تعلّم كرة السلّة learning by cintiguily؛ أي «رمي وتصويب الكرة في السلّة، لا يتوقّف على حركة عقليّة واحدة، بل يتطلّب مجموعة حركات تحدث في ظروف مختلفة في الملعب، ويتمّ تعلّم كلّ حركة من الحركات في محاولة واحدة، لذلك يجب التمرين في مواقف مختلفة، لأنّ كلّ تمرين يقوم به اللّاعب يضيف إلى اللّاعب تعلّم حركة جديدة حتى يتمكّن من اكتساب كلّ الحركات التي تدخل في المهارة الكليّة، مهارة لعبة كرة السلّة، ثمّ الوصول إلى مرحلة التّصويب الصحيح في السلّة» (القطامي، ص:94).
ومنه التّكرار هو العنصر الأساسي لتعلّم مهارة معيّنة، ولا أهميّة للتعزيز، ومن بين الأمور الّتي أضافتها هذه النّظريّة، ما يلي: (القطامي، ص:94)
-
بيّنت هذه النظريّة أهميّة التّكرار في تعلّم الحركات والعناصر الجديدة.
-
إنّ تعلّم استجابات جديدة تقلّ مع تعلّم الاستجابات القديمة أو وجودها(تعلّم طفل لغة جديدة قبل إتقانه للغة الأم يقلّل من إتقانه للغة الأمّ).
-
تساعد المتعلّم على تعلّم طرق إيقاف عادات قديمة متعلّمة.
ومثال التّعلّم بالاقتران في المجال التربوي «الاقتران بين الكلمة المنطوقة والشيء الّذي تدلّ عليه، وهذا بدوره يسهّل على المتعلّم اكتساب اللّغة واستخدامها في السياقات التّعليميّة والاجتماعيّة المناسبة» (دخل الله، ص:188).
أمّا العقاب فيرى جثري أنّ له أهميّة في تغيير السلوك، ومثال ذلك:« الطالبة التي تقوم برمي قبعتها ومعطفها على الأرض فور عودتها من المدرسة في كلّ يوم، فقامت الأم بإجبارها على أن تقوم بمجموعة من السلوكات، إذ أجبرت ابنتها على أن ترتدي معطفها وقبعتها مرّة ثانية وتخرج خارج المنزل وتقف إلى جانب الباب ثمّ تعود وتبدأ بخلعها قطعة قطعة وتعليقها على المشجب بعد ممارسة ذلك عدّة مرّات أقلعت الطّالبة عن رمي ملابسها عند دخولها المنزل، حيث أن استجابة تعليق المعطف والقبعة أصبحت مرتبطة مع مثيرات دخول المنزل» (القطامي، ص:95).
2.2.1.نظريّات التّعلّم الوظيفيّة
بعدما عرفنا قيمة الارتباطيّة في الشق الأوّل للنظريّة السلوكيّة أو الجانب المتطرّف لنظريّة الارتباط، ننتقل إلى الشق الثاني للسلوكيين، بدءا من ثورندايك ثمّ هل إلى سكنر.
1.2.2.1ثورندايك thorndike
وعرفت هذه الطريقة بعدّة تسميات وهي:« المحاولة والخطأ، الوصليّة، الانتقاء والربط، الإشراط الذرائعي أو الوسيلي» (الشرقاوي، ص:50).
اعتمد في طريقته على المشاهدة وحل المشكلات، وهي محصورة على النّحو التّالي: (دخل الله، ص:194)
-
وضع العضويّة في موقف حل المشكلة
-
ترتيب توجهات الإنسان أو الحيوان
-
اختيار الاستجابة الصحيحة من بين عدّة خيارات
-
مراقبة سلوك الإنسان أو الحيوان
-
تسجيل هذا السلوك في صورة كمية
ويعرّف التعلّم على أنّه« سلسلة من التغيّرات في سلوك الإنسان» (حجاج، 1983، ص:16)، وقد يكون هذا التغيّر للأفضل أو الأسوأ، فلا يمكن أن نربط التّعلّم بالتّقدّم، ويحدث التّعلّم وفق «ارتباطات بين المثيرات والاستجابات» (دخل الله، ص194)، لذا ينتج على هذا الارتباط سيء، أو يحدث تطوّر في السلوك، وعن أفضل السبل للتعلّم:«التّعلّم بالمحاولة والخطأ» (دخل الله، ص:194)؛ ومنه التّعلّم هو اجتهاد يختصّ به كلّ كائن حيّ، فقد يلقي المعلّم درسا في قسم يحتوي على مجموعة من المتعلّمين لفئة اجتماعيّة واحدة، لكن حدوث الاستجابة تختلف من متعلّم إلى آخر.
وكانت تجربة ثورندايك على القطط؛ حيث «وضع القط في قفص حديدي وهو جائع ويجذب القفص بخيط لكي يستطيع القط الخروج والحصول على الطعام، فكان في بادئ الأمر يحاول القط الهروب من القفص وبعد التدريب أصبح يحاول إيجاد الحل للمشكلة إلى أن تعلّم أداء الاستجابة؛ وبالتّالي ممارسة سلوك حلّ المشكلة» (ينظر:الشرقاوي، ص:50-51)،كما أنّ «سلوك الحيوان في هذا الموقف يقوم على الأداء والاستجابة لحل المشكلة والحصول على التعزيز وهو الطعام في كثير من التجارب التي أجراها"ثورندايك"» (الشرقاوي، ص:51) .
ومنه نظرية ثورندايك تدور حول ثلاث عناصر:
-
المثير
-
الاستجابة
-
التعزيز
وتتفاعل هذه العناصر بالمحاولة والخطأ إلى أن يحدث التّعلّم، وقد « اتّسمت الأعمال والأحداث التي قام بها بقدر من مواصفات التجريب المتقن والموضوعيّة النسبيّة» (دخل الله، ص:196)، ويقصد بالتّجريب المتقن محاولة المتعلّم التجريب بإتقان، وذلك عن طريق المحاولة إلى أن يثبت نسبيا في محاولته؛ أي حدوث التّعلّم، و هناك العديد من الفروض التي قامت عليها هذه النظرية نلخصها فيما يلي:
-
-
تكرّر عملية المحاولة والخطأ يؤدي إلى نوعين من الاستجابات، أو لها استجابات عشوائيّة وهي ما تنتج عن الأخطاء الّتي تحدث أثناء المحاولات المتكرّرة، أمّا الاستجابات القصديّة –وهي الهدف من التّعلّم-تحدث عن طريق اختيار المواقف التّعلّميّة وربطها بالاستجابات والتي تكون بعد المحاولات المتكرّرة.
-
توجد العناصر الفعّالة لعمليّة التّعلّم وهو التعزيز الّذي يحفّز المتعلّم ويقوّي العلاقة بين المثير والاستجابة، أمّا تكرار المحاولة يؤدي إلى إضعاف العلاقة بين المثير والاستجابة أو تقويتها؛ ومنه «قوّة الاستجابة دالّة لكل نمط المثيرات ودرجة استعداد أو تهيؤ الكائن الحي والتفاعل بينهما» (دخل الله، ص:197)؛ أي ترجع قوّة أو إضعاف العلاقة بين العنصرين إلى مدى تهيؤ المتعلّم، وللتعزيز أهمية في فعاليتها لدى المتعلّم؛ حيث«تعتمد الفعاليّة النسبية للمعززات على أهميتها النسبية للكائن الحي وليس على نوعها أو حجمها أو توقيتها» (دخل الله، ص:197).
-
وهناك مجموعة من القوانين الأساسيّة للتعلّم في هذه النظريّة، وهي:الأثر والاستعداد والتدريب، ويتضمن مفهومها فيما يلي:
-
قانون الأثر Law of Effect: يعتبر قانون الأثر القانون الأساسي الذي يرتكز عليه ثورندايك، ليس كما في نظريّة الارتباط التي تقوم على تكرار المثير والاستجابة، ونجاح التعلّم يكمن في مدى قوّة التعزيز أو الحالة التي ينتج عنها تعلّم هذه المهارة، كما جاء في كتاب التعلّم نظريات وتطبيقات في قول: «...ويعتبر" ثورندايك" أنّه إذا تبع مثير ما استجابة معيّنة، وعقب هذه الاستجابة حالة ارتياح، فإنّ الارتباط يقوّي بين هذا المثير وهذه الاستجابة، أمّا إذا تبع المثير استجابة وأعقبها حالة عدم ارتياح، فإنّ الارتباط يضعف بينهما ولذلك فإنّ حالة الارتياح أو عدم الارتياح هي التي تحدّد نوع الارتباط بين المثير والاستجابة، ويشير "ثورندايك" إلى أن تعزيز الاستجابة والذي يتبعه حالة الشعور بالارتياح التي يسعى الكائن الحي إلى الوصول إليها هي التي تعمل على تقوية هذه الاستجابة» (الشرقاوي، ص:55)؛ ومنه التعزيز الذي يؤدي إلى استجابة قويّة، أو المحتمل أن يؤدي إلى تكرار الاستجابات، وهذا معنى الأثر؛ أي الأثر الذي يتركه المعزز الإيجابي، وبعدما عدّل ثورندايك قانون الأثر أصبح الأثر الحسن فقط هو الأثر الناتج عن التعزيز.
-
قانون الاستعداد Law of Readiness :وقيل عن قانون الاستجابة: «إنّ الاستجابة للمثيرات تحددها الحالة الفسيولوجية للفرد أو الحيوان فالشعور بالرّاحة والسّرور تشجع على الاستجابة أما الضيق والتعب فتمنع الاستجابة» (الجوهري، ص:32) ومثال ذلك: «التّلميذ الذي استعدّ للدراسة واتّخذ مكانه في المكتب وأحضر أدواته وكتبه يشعر بالضيق إذا طلب منه في ذلك الوقت المساعدة في عمل شيء آخر ولذلك قد لا يستجيب لما يطلب منه» (الجوهري، ص:32)؛ ومنه هذه الحالات أشار إليها قانون الأثر وهي حالة الارتياح أو عدم الارتياح..الخ، وهذا يؤدي إلى الاستعداد أو التهيؤ للتّعلّم، وتكون الحالة على ثلاثة احتمالات، وهي: (الشرقاوي، ص:56)
-إنّ الكائن الحي يشعر بالارتياح والرضا إذا كانت الوحدة العصبيّة في حالة استعداد أو تهيؤ للسلوك، ثم قامت بعملها في التوصيل العصبي.
-إنّ الكائن الحي يشعر بعدم الارتياح والضيق إذا كانت الوحدة العصبيّة في حالة استعداد وتهيؤ للسلوك ولم تمارس عملها في التوصيل العصبي.
-إنّ الكائن الحي يشعر بعدم الارتياح والضيق كما في الحالة الثانيّة إذا كانت الوحدة العصبيّة في حالة عدم استعداد للسلوك بمعنى أنّها لا تكون مهيّأة للتوصيل العصبي ثمّ أجبرت على العمل.
-
قانون التّدريب Law of Exercise: وضع ثروندايك قانوني التكرار و الحداثة ضمن قانون التّدريب؛ حيث أنّ هذا القانون يحدث بالتكرار الفوري لكي تحدث استجابة إيجابيّة، أمّا التّكرار بعد زمن أو عدم التكرار يحدث ضعف بين المثير والاستجابة، وهذا ماسمّي بقانون الاستعمال، والإهمال.
ومنه يتكوّن قانون التّدريب من شقين في نظر ثورندايك، وهما: (الشرقاوي، ص:54-55)
-
الجزء الأوّل: يتناول قانون الاستعمال Law of Use، ويقصد به أن الارتباطات بين المثير والاستجابة تقوى بواسطة الاستعمال، وبالتالي كلما زادت مرات الممارسة قوى هذا الارتباط.
-
الجزء الثاني: يتناول قانون الإهمال Law of Disuse ويقصد به أن الارتباطات بين المثير والاستجابة تضعف نتيجة الإهمال وعدم الممارسة، أي أن التوقف عن المثير من شأنه أن يضعف احتمال حدوث الاستجابة، وهو ما يفسر ظاهرة النسيان في السلوك الإنساني.
وممّا سبق يظهر أنّ قوانين التعلّم هي خمس قوانين عند ثورندايك، التكرار وهو تكرار الموقف إلى أن يتمّ التّعلّم، والحداثة وهي تكرار الموقف المحتمل نجاحه، وهما قانونا واطسون، وجعلها ثورندايك ضمن قانون التدريب، وقانون الأثر وهو الأثر الذي يتركه المعزز بعد حدوث الاستجابة، وقانون الاستعداد وهو أن يكون المتعلّم على استعداد تام للتّعلّم؛ أي الشعور بالراحة والسرور لحدوث الاستجابة، وقانون التدريب وهو الذي يرتكز على الاستعمال والإهمال، وذلك إذا كرّر واستعمل الموقف في مدّة وجيزة قد تحدث استجابة إيجابيّة، أمّا إذا أهمل الموقف ولم يحدث تدريب عن طريق التكرار فقد يؤدّي إلى استجابة سلبيّة.
2.2.2.1. كلارك هل
يعتبر هل من السلوكيين المعجبين ﺒ "واطسون"، وهو صاحب نظريّة لها أسماء عديدة وهي:« نظريّة الدافع أو نظريّة " هل في السلوك النظامي" أو "ترابطيّة هل السلوكيّة"...» (دخل الله، ص:204)، وسميّت الترابطيّة لأنّها نظريّة « تؤكّد مبدأ الارتباط بين مثير واستجابة ومثير تعزيزي(مثير، استجابة، تعزيز)» (دخل الله، ص:204) ، كما سميّت بنظريّة الدافع لأنّ« نظريّة "هل" تقوم على الدوافع والدافعيّة أكثر من كونها نظريّة ارتباطيّة» (دخل الله، ص:208)، والدافع هو «مثير أو القوّة التي تدفع الفرد للقيام بسلوك من أجل إشباع وتحقيق حاجة أو هدف، فهذا المثير قد لا نراه ولكن يستدل عليه من خلال السلوكيات الخارجيّة» (السليتي، 2008، ص:278)، كما أنّ «الدّافعيّة مفهوم واسع، يرتبط بعدد من المفاهيم الأخرى التي تزيده قوّة، وتسمّى المنظومة الدّافعيّة وتضمّ:
-
الاهتمام
-
الحاجات
-
القيم
-
الاتجاهات
-
الميول
-
العقائد
-
التطلّعات
-
التّحصيل
-
التّوازن
الطالب يهتم بالأمور التي تهمّه(الاهتمام)، وسعى للحصول على حاجاته(الحاجة)، ويحرص على تحقيق القيم، ويختار مايناسبه، ويتجنّب الأمور التي يحمل اتجاهات سلبيّة نحوها(الاتجاهات)، وكما يعمل الطالب على إشباع حوافزه كالثناء، والتّحصيل، والنجاح، والمديح» (السليتي، ص:278-279).
وقد اعتمد هل في نظريته على قانون الأثر عند ثورندايك، وأنّ عمليّة التّعلّم تتمّ تدريجيا وليست مفاجئة، ويتعلّق نجاح هذه النظريّة بالنتائج، أو الأثر الذي يتركه المثير من خلال القيام بموقف معين، وهذا الأثر هو عبارة عن مدى قوّة أو ضعف الاستجابة، والتي ترتبط بدورها بقوّة أو ضعف الدافع للتعلّم؛ حيث نظريّة هل « موجهة نحو الطاقة، بمعنى أن الحالات الفسيولوجيّة ينظر إليها كسلوك دافع مستمر، وهذه الطريقة في بعض أوجهها مثل النماذج الغريزيّة الأولى» (حجاج، ص:69)، وقد انتقدت لأنّها اعتمدت على الاستدلال الافتراضي، وهي تقوم على المسلمات والفرضيات، وبالتّالي طريقة "هل" في بلورة نظريته كانت تقوم على بناء نظام نظري شكلي لتفسير عملية التعلّم وكان هذا النظام يبدأ بمجموعة من المصطلحات المحددة يعقبها عدد محدود من المسلمات الأساسيّة» (دخل الله، ص:205)، وعن مفهوم هذه المسلمات والفرضيات والعلاقة بينهما، جاء في كتاب التعلّم ونظرياته أنّ«المسلمات بالنسبة إليه هي مقرّرات بخصوص المظاهر المختلفة للسلوك أنّها ليست قوانين مأخوذة مباشرة عن التجارب ولكنها مقررات عامة عن العمليات الأساسيّة، وهي كمسلمات الهندسة لا تحتاج إلى برهان ولكنّها تؤخذ بوصفها نقاط بداية لبراهين ويمكن استخلاص عدد كبير من المقررات من هذه المسلمات تسمى فرضيات وذلك بصورة منطقيّة، ويمكن البرهنة على كلّ فرضية منطقيا بالمناقشة المنطقيّة استنادا إلى عدد من المسلمات وتكون هذه المسلمات مصوغة على شكل قوانين السلوك» (دخل الله، ص:204-205).
ومنه يرى "هل" أنّ إرضاء الحاجات والدافع هي الأساس في تغيير السلوك أو تعلّم سلوك معيّن، وهي تحمل مجموعة من المفاهيم، مثل:«الحافز(Incentive)، قوّة العادة المعممة (Generalized habit strength)، قوة المثيرات» (القطامي، ص93).
ورغم أنّ النظرية معقدة كما وصفها بعضهم،وأنّه لم يستطع بلورة نظرية شاملة، إلا أنّه استطاع أن يوضّح بعض المفاهيم الأساسيّة للتعلّم.
3.2.2.1. ج- سكنر
وهو أوّل من أظهر التّعلّم الإجرائي، وتسمّى نظريته :«الإشراطية الحديثة، أو الإشراطيّة الإجرائيّة، أو السلوكيّة الحديثة» (القطامي، ص:124)، والتّعلم عنده يحدث نتيجة التغيّرات الّتي تطرأ على البيئة وتؤثر في السلوك، وهي تختلف عن بقيّة النّظريّات المتبقيّة في أنّه لا يرى أنّ التّعلّم هو عبارة عن علاقة بين مثير معيّن واستجابة؛ بل كلّ ما يحدث من تغيّرات بيئيّة والسلوك الذي ينتج عنها، «فالمثيرات حسب "سكنر" تفيد في كونها مقدّمات للسلوك إذ تضع الشروط لحدوثه، والنتائج هي آثار السلوك وهي التي تحدّد إمكانيّة تكرار هذا السلوك، ولذلك فإن ما قد يحدث في العقل أثناء التّعلّم لا يؤثر في فهمه أو وصفه» (دخل الله، ص:210) .
وهدف سكنر من تجاربه عن السلوك هو دراسة السلوك المدرسي وعن السلوك الفردي للمتعلّم، يطرح سكنر مجموعة من الأسئلة التي تساعد المعلّم على ضبط صفّه، وهي: (القطامي، ص135)
-
هل يوقف طلابي نشاطهم الصفي فورا عند انصرافي من الصف؟
-
هل يرحب طلابي بالعطلة المدرسيّة أو يأسفون عليها؟
-
هل أكافئ طلابي لسلوك جيّد، يقومون بممارسته بأن أقوم، بإعفائهم من أعمال أخرى؟
-
هل أعاقبهم بإعطائهم وظائف إضافيّة؟
-
هل أكرر عبارة "انتبهوا""الآن تذكروا" أو أؤنبهم بشكل لطيف.
-
هل أجد من الضرورة، من وقت لآخر أن أقف وأهددهم ببعض أشكال العقوبات.
وهذه الأسئلة إذا أجاب عنها المعلّم يسهل عنه تفادي بعض السلوكات الصفيّة التي يكون المتسبب فيها المعلّم، مثل سخريته من المتعلّم والعمل الإجباري، والكثير من التصرفات التي يعاقب بها المتعلّم، وتعتبر هذه التّصرفات معزّزات سلبيّة تؤدي إلى استجابات غير مرغوب فيها، بالإضافة إلى الكثير من الأمور التي تؤدي إلى استجابات غير مرغوب فيها، مثل:« تأخير التّعزيز الإيجابي، نحو، التصفيق أو مكافأة..الخ، كما أنّه لا يمكن أن يكون نوع المعزز لطفل هو نفسه معززا لطفل آخر، ويجب استعمال المعزز في سلوك يثير المتعلّم به، أيضا تأخّر الوقت بين السلوك وتقديم التغذية الراجعة(التعزيز الإيجابي، والسلبي، والعقاب)، وغياب تسلسل الخطوات، والذي يقصد به أنّ التّعلّم يتم تدريجيّا خطوة وخطوة» (القطامي، ص:135).
وعن السلوك الذي يؤدي إلى استجابات مرغوبة هناك سلوكين:« السلوك الاستجابي مثل اللعب، والسلوك الإجرائي مثل رفع الطفل يده في غرفة الصف، والسلوك الإجرائي هو موضوع التّعلّم عند سكنر، ويماثل هذا النّوع من السلوك السلوك الأدائي (الإرادي أو الغرضي)، مثل:تناول الأشياء والتّحدث، والانتقال من مكان لآخر» (ينظر:دخل الله، ص:212-213).
ومن مبادئ سكنر هو استخدام التعزيز في اكتساب سلوك معيّن، وكما ذكرنا سابقا التّعزيز السلبي والتّعزيز الإيجابي، أمّا تصنيفه للمعززات فهناك نوعين هما:«المعززات الأوّليّة:، مثل:الطعام والشرب، والمعززات الثانويّة،مثل:المدح والثناء، والتقدير والجوائز...الخ، وهناك من المعززات الثانويّة لكنها قويّة جدا عند بعض الناس مثل:النّقود» (ينظر:دخل الله، ص:215)، والمهم في استخدام المعززات أن يكون مناسبا في احتمال تكرار السلوك.
ولأهميّة التّعزيز في اكتساب السلوك، نلاحظ الجدول التّالي الذي يبيّن أنواع التّعزيزات وتعريفها مع الأمثلة: (دخل الله، ص:217)
الجدول3
نوع التعزيز |
تعريف |
مثال |
التعزيز المستمر |
يقوم على تقديم التّعزيز عقب كلّ استجابة ويستخدم في المراحل الأولى من تدريب الكائن الحي على المهارة المطلوب تعلّمها. |
التّدريب على سلوك جديد |
المتقطع الفتري الثابت |
يقوم على تعزيز المعلّم للطالب بعد فترات زمنيّة محدّدة. |
الاختبارات الفصليّة |
المتقطع الفتري المتغيّر |
يقوم على تعزيز المعلّم للطالب بعد فترات زمنيّة متقطّعة. |
الاختبارات المفاجئة |
المتقطّع النّسبي الثّابت |
يقوم على تعزيز المعلّم للطالب بعد عدد محدّد من الاستجابات. |
الإجابة عن كلّ أربعة أسئلة |
المتقطّع النّسبي المتغيّر |
يقوم على تعزيز المعلّم للطالب بعد عدد متقطّع من الاستجابات. |
الإجابة عن أعداد مختلفة من الأسئلة |
وتطبيق جدول التّعزيزات قد يؤدّي إلى نتائج إيجابيّة أو سلبيّة على حسب استخدام المعلّم لها ، فالتّعزيز كما قلنا قد تختلف قيمته من متعلّم لآخر، وأهميّة المدّة الزّمنيّة التي تقدّم فيه، وغير ذلك من الاختلافات البيئيّة والاحتياجات الخاصة لكلّ متعلّم، فمثلا تقديم الطّعام كمعزّز لطفل جائع ليس كما يقدّم لطفل لا يحتاج إلى الأكل، وتشجيع أو مدح المتعلّم عند لحظة تصرّف حسن له تأثير واستجابة فوريّة أفضل من تأخير التّقدير أو المكافأة.
يكون التّعزيز فعّالا في «التّعلّم الحركي، وتعلّم المهارات، وتعلّم المفردات، وتعلّم المعارف الخاصّة، وتشكيل سلوك جديد، وتعديل سلوك موجود، وتشكيل سلوكات وعادات اجتماعيّة، بينما يقلّ استخدام التّعزيز في مجالات الأعمال الإبداعيّة، والتّفكير الإبداعي، ويستخدم في الأهداف المعرفيّة في المستوى البسيط» (القطامي، ص:141).
كما يرى سكنر أنّه يزداد معدّل الاستجابة طبقا لزيادة معدّل التّعزيز، وعن تعريف العقاب، فهو: «إجراء يتضمّن تقديم مثير مزعج فورا بعد استجابة معيّنة تقوم بها العضويّة، وذلك لتقليل أو لمنع تكرار حدوث الاستجابة غير المرغوب بها، ومثاله إعطاء الفأر صدمة كهربائيّة بعد الضغط على الرّافعة» (القطامي، ص:150).
ومنه التّعزيز يأتي الاستجابة؛ حيث يقدّم المعزّز للرغبة في الحصول على استجابة معيّنة، أمّا العقاب يأتي بعد الاستجابة غير المرغوب فيها، وقد يؤدي العقاب إلى نتيجتين، إمّا: الكف على الاستجابة أو عودة الاستجابة، وذلك على حسب نوعيّة العقاب، والّتي تنحصر في نوعيتين: عقاب سلبي وعقاب إيجابي، فالأوّل ينفر الكائن الحيّ، والثاني إبعاد مثير مرغوب فيه، لكن العقاب عموما مع المعزّز يؤدي إلى مضاعفة الاستجابة، أمّا وحده فلا يغيّر السلوك.
وأشكال العقاب كثيرة منها ما هو جسدي مثل الضرب، وما هو اجتماعي مثل التوبيخ والانتقاد، والجدول التّالي الّذي يبيّن المعززات السلبيّة والإيجابيّة، أو سحبها، وكيفيّة ربطها بسلوك محدّد:(القطامي، ص:154)
الجدول4
المثيرات |
تقديم |
إنهاء أو سحب |
تعزيز إيجابي(1) |
(1) |
(1) |
تعزيز سلبي(2) |
(2) |
(2) |
كما يشير سكنر إلى أنّ للعقاب ظروف معيّنة ويجب استخدامه وفق تنميّة خلقيّة؛ أي يجب علينا توضيح السلوك الخاطئ الذي ينجم عليه العقاب، وأن يلي وراء العقاب معزز يقضي على السلوك غير المرغوب فيه.
2. الجانب التطبيقي: (كتاب الأولى ابتدائي، مدوّنة تطبيقيّة)
وعند تطبيق ما جاءت به النّظريات اللّسانيّة على برنامج اللّغة العربيّة أخذنا من كتاب الأولى ابتدائي للجيل الأوّل درسا من كل نشاط في اللغة العربيّة كمدونة نموذجيّة، وقبل أن نباشر في تطبيق النظرية السلوكيّة، نتطرّق إلى وصف الكتاب.
1.2. وصف الكتاب
كتاب السّنة الأولى هو كتاب معتمد من طرف وزارة التّربيّة،الديوان الوطني للمطبوعات المدرسيّة، ط1(2016-2017)، وهو كتاب مدمج لثلاث مواد(اللّغة العربيّة، التّربيّة الإسلاميّة، التّربيّة المدنيّة)، ورغم إدماجها في كتاب واحد إلّا أنّ كلّ مادة مستقلّة عن الأخرى.
1.1.2الشكل
يحتوي كتاب الأولى ابتدائي للغة العربيّة على مئة وأربع وأربعين(144) صفحة، وهو كتاب يحمل ثلاثة مواد(اللّغة العربيّة، التّربيّة الإسلاميّة، التّربيّة المدنيّة)، وفي واجهة الكتاب كتبت الرأسيّة بخط يدوي، وهذا يوحي إلى استعمال فن الخط، أمّا عنوانه بخط عريض بارز، وكتابة المواد بحجم أصغر، كما يحمل رسومات لمتعلمين وأقلام وكتب دلالة على عناصر التعلّم كالمتعلّم والوسائل التعليميّة، كما أنّ هذه الرسومات تشوّق المتعلّم في التّعليم، ويحمل في داخله صفحات مخصصة ترشد إلى كيفيّة استعماله.
2.1.2. المحتويات
يحتوي الكتاب على ثمانية مقاطع(محاور)، وفي كلّ مقطع ثلاث أسابيع إلّا المقطع الأوّل فيه أربعة أسابيع، وفي كل أسبوع يحتوي على حصة واحدة لكل نشاط من الأنشطة التّاليّة:
-
الحروف
-
التّربيّة الإسلاميّة
-
التّربيّة المدنيّة
-
المحفوظات
-
أنجز مشروعي
-
أدمج
ونلاحظ أنّ الأنشطة الخاصة باللغة العربيّة هي أربعة أنشطة، أمّا التّربيّة الإسلاميّة والمدنيّة هما مادتين مستقلّتين عن اللغة العربيّة.
2.2.تطبيق النظريّة السلوكيّة على الأنشطة التّعليميّة للّغة العربيّة
بعدما أخذنا لمحة عن مخطط الكتاب، سنتطرق إلى بعض النشاطات وإبراز أثر النظريات السلوكيّة من خلالها.
1.2.2. نشاط ألاحظ وأعبّر
وهو نشاط خاص بالتّعبير الشفهي؛ حيث يلاحظ المتعلّم الصورة الموجودة في الكتاب ويعبّر عنها شفويا، ثمّ ينتقل إلى عنصر (أعبّر وأبني)، هنا ينتج المتعلّم جملا مبنيّة على النموذج أدناه:
-
أنا اسمي أحمد
-
عمري ستّ سنوات
-
أمارس السباحة وأهوى كرة القدم
-
ثمّ ينتقل إلى توظيف الضمير(أنا) كما في المثال:
-
أنا اسمي أحمد
-
أنا اسمي خديجة
ومما لاحظناه في هذا الدّرس أنّ الدّرس يمرّ بثلاث مراحل:
-
يلاحظ
-
يبني
-
ينتج
ومنه ينتج التّعلّم عن:
-
الاستجابة بدون تكرار(بعد حدوث الاقتران)
-
تغيير سلوك(يحدث التّعلّم)
-
قام المتعلّم بالربط بين ما يراه والصورة الذهنيّة
ومنه أصبح المتعلّم قادرا على التّعلّم بدون الاستعانة بالصورة، مع العلم أنّه ليس كلّ متعلّم قادرا على التّعبير عن ما يلاحظه، وهذا لا يعني أنّها لم تحدث استجابة، وإن لم يعبّر فهو(يلاحظ ويفكّر)، والتفكير عند واطسون حديث صامت؛ وبهذا كلّ متعلّم لديه استجابة، ولكن ليس الجميع يقدر على إظهارها بالتّعبير.
ويمكن حل مشكلة التّعبير بالتكرار، مثلما فعل واطسون مع الطفل الّذي لا يخاف؛ حيث يمكننا أن نعطي فرصا عديدة للمتعلّم حتى يقدر على التّعبير عن أفكاره، ونفعل ذلك باستعمال "التعزيز"، الذي استعمله بافلوف في تجاربه، ممكن أن تشجع المتعلّم بمجرد نطقه بكلمة أو كلمتين وتثمن عمله أمام زملائه حتّى يتمكّن من إظهار ما لديه من قدرات.
2.2.2.نشاط القراءة
في النشاط الأوّل تعلّم كيف يلاحظ ويعبّر وينتج شفويا جملا مثل: أنا اسمي أحمد، وفي نشاط القراءة تكتب على السّبورة وتقرأ على مسامعهم، وبهذا ينظر للرسم الإملائي في نفس الوقت يربط كلّ كلمة بدلالتها، وهذا مرورا على مرحلة( أكتشف الكلمات).
ومثالا على ذلك توجد أربع صور، ولكلّ صورة تعرّف بكلمة كما يلي:( ماما، بابا، خديجة، أحمد)، وهنا يربط الصورة بالكلمة، ثم ينتقل إلى عنصر التثبيت، فتكتب الكلمات وقرأ عدّة مرّات.
ولتفسير هذا الدّرس عند السلوكيين، نقول أنّ التّعلّم يحدث وفق:
-
الرّبط بصورة ذهنيّة: اقتران كلمة بدلالتها الذهنيّة.
-
الرّبط بصورة مرئيّة: يقوّي بالربط بالصورة المركّبة
-
البناء بالتكرار: التكرار يثبّت رسم الكلمة ودلالتها في ذهن الطفل
وهذا الربط الّذي يحدث يسمّى عند السلوكيين النظرية الاقترانيّة، كما هناك عوامل مساعدة للتعلّم من بينها التكرار، أيضا هذا الأخير من العناصر الّتي تؤدي إلى الاقتران عند السلوكيين.
3.2.2. نشاط المحفوظات
الدّرس الأوّل من هذا النشاط هو عرض للنشيد الوطني، يُكتب على السبورة ويقرأ على مسامعهم، ثم يقرأ المعلّم بالبيت ويعيد المتعلّم وراءه، ومعارف هذا النّشاط تكتسب بالتكرار عادة.
4.2.2. نشاط الحروف
يبدأ المتعلّم برسم الخطوط والأشكال؛ أي التدريب على استعمال القلم، وهنا الطفل يحتاج إلى الملاحظة ثمّ الربط بين الصورة المرئيّة بالذهنيّة، ويظهر الاستجابة عن طريق الكتابة.
5.2.2. نشاط المشروع
وهذا النّشاط في آخر المقطع يدمج المتعلّم معارفه وينجز مشروعه، ومثاله المشروع الأوّل وهو (أرسم منزلنا وأصفه)، ويحتاج فيه إلى مجموعة من الأدوات (قلم رصاص، مسطرة، ممحاة، علبة أوان، أوراق رسم).
يتذكّر ويصف منزله، بعد مشاهدته للرسم الموجود في الكتاب، ثم يربط المتعلّم الصورة الذهنيّة لمنزله ويصفه بالتّفصيل، ويرسم بداية الهيكل، ثمّ يلوّن، وفي وصف المنزل يستعمل نشاط التّعبير الشفوي، وبهذا تكون مراحل الدّرس، كالتّالي:
-
يتذكّر
-
يستجيب كتابيا(يرسم ويلوّن)
-
يعبّر شفويا(وصف المنزل)
وبذلك يكون قد وظّف مجموعة من النشاطات وأدمجها في عمل واحد، وهذه الطريقة ذكرها بافلوف في مبادئ التّعلّم، فهو يقوم بتعميم التعزيز من نشاط إلى جميع الأنشطة؛ حيث يكتسب المتعلّم الحروف في الخط كما لاحظها مكتوبة، ثمّ بنفس الشيء يقوم بتعلّم كتابة الجملة، وبعد قراءتها والوصول إلى دلالتها، يدمج المتعلّم هاته المهارات التي اكتسبها ويوظّفها في مشروع واحد يحتاج فيه إلى: الملاحظة، التّفكير (الصور الذهنيّة التي توصله إلى المفاهيم)، الكتابة والتعبير والرسم.
ومبدأ التمييز يظهر في التمييز بين الحروف في طريقة النطق مثلا، والانطفاء قد يحدث في طريقة التعامل، فمثلا غياب الإثارة عند المعلّم قد يؤدي إلى انطفاء داخلي؛ حيث يضعف إدراك المتعلّم للأشياء، كما يحدث انطفاء خارجي إذا استعمل الضرب، فقد يؤدي بالطفل إلى مشاكل في النطق والفهم، مثل: الحبسة والخجل الاجتماعي...الخ، فعنصر الإثارة والتشويق مهم لجلب الطفل إلى التّعلّم.
كما أنّ هناك من يستعمل بعض السلوكات التي تؤدي إلى بث الخوف لدى الطفل، كضرب العصا على المكتب ورفع الصوت بغرض تهدئة القسم، هو عبارة عن سلوك خاطئ لأنّه يزرع الخوف في البداية، ومع تكرار التصرف يؤدي بالطفل إلى تجاوز الخوف والتّمرّد؛ وبالتّالي يحدث تغيير سلوكي لكنّه سلوك سيء؛ لأنّ المعلمّ استعمل الإشراط السلبي.
كلّ العوامل المساعدة التي ذكرناها هي تجارب لنظريات سلوكيّة للنظريّة الارتباطيّة، وقد نجد نفس الملاحظات المشتركة بينها وبين النظريّة السلوكيّة الوظيفيّة، وتدور نظريتهم حول: المثير، الاستجابة، التعزيز.
فهنا شرطي الاستجابة والتعزيز مشترك بينهما ويبقى عند الارتباطيين الإشراط، أمّا الوظيفيّة عندها المثير؛ أي العامل الّذي يثير الطفل للتعلّم، ما يعتمد على عامل التكرار، لذا طريقة حل المشكلات بطريقة المحاولة والخطأ، مثل نشاط التعبير الشفوي (ألاحظ وأعبّر) يحتاج المتعلّم إلى التكرار، ولا تحدث الاستجابة عند الجميع لكن بالتكرار والتصويب وربط المفاهيم ينجح التّعلم وتحدث الاستجابة.
وتعتمد قوّة الاستجابة على قوّة التعزيز؛ أي يربط بين المثير والاستجابة، فعدم ارتياح المتعلّم لا تكون هناك استجابة قويّة، والارتياح لا يحدث إلّا إذا كان الطفل لديه عنصر مشوّق يريد أن يصل إليه، وهذا العنصر هو (التعزيز) وهذا ما يعرف بقانون الأثر عند الوظيفيين.
أمّا قانون الاستعداد لديهم يكون أيضا في حالة الارتياح أو عدم الارتياح، فإذا كان المتعلّم مرتاحا وتتوفّر لديه كلّ عوامل التّعلّم ؛ أي في ظروف بيئيّة مريحة ومساعدة على التّعلّم يحصل عنده استعداد نفسي للتّعلّم، والعكس صحيح ، أمّا قانون التّدريس، فهو يحدث التكرار، فمثلا في نشاط المحفوظات إذا كرّر المتعلّم قراءة القصيدة عدّة مرّات مستمرّة قد تحدث استجابة إيجابيّة، وهذا شقّ الاستعمال من قانون التّدريس، أمّا الشّق الثاني فهو حدوث التكرار في فترات متباعدة؛ حيث يحدث النسيان ويضعف الربط بين المثير والاستجابة.
ومنه نجد التّعلّم عند السلوكيين في النظريّة الوظيفيّة عند ثورندايك مثلا تساعد أيضا على التّعلّم البشري بعدّة عوامل، وهي: الأثر، الاستعداد، التدريب، التكرار، الحداثة.
ويضيف هل عوامل أخرى نستشفها من خلال التّعليم الابتدائي، ومن بينها الميول، فالطفل يحتاج إلى ميول والرغبة في التّعلّمات المراد اكتسابها، كما يجب توفّر عنصر التوازن، فالحالة الفيسيولوجيّة للطفل يجب أن تراعى ويكون هناك توازنا بين ما نريد الوصول إليه وما نستطيع تحقيقه، فالطفل الذي يعاني من التأتأة قد يصعب عليه التكلّم بلغة سليمة والقراءة المسترسلة، فلا نطالب المتعلّم بما لا يستطيع فعله لكي لا تحدث استجابة سلبيّة.
خاتمة
بعد التّعرّف على النظريات السلوكيّة ومطابقتها مع ما يتلاقاه المتعلّم في الغرف المدرسيّة السلوكيّة، توصلنا إلى النقاط التّاليّة:
-
تعتمد النظريات السلوكيّة على عوامل تساعد على التّعلّم، ومنها: التّعزيز، التّعميم، التكرار...الخ.
-
-يجب تقديم تعزيزات للمتعلّم لتغيير السلوك واكتساب مهارة.
-
-النظريّة الاقترانيّة لها دور كبير في التّعلّم، خصوصا عند الأطفال مثلا في تعلّم اللغة واستعمالها في سياقها، أو تعلّم سلوك، أو تغييره.
-
-سلوك المعلّم له دور في تغيير سلوك المتعلّم، فإذا كان سلوكه سلبيا تحدث استجابة سلبيّة، والعكس صحيح.
-
-الاستعداد عنصر مهم لنجاح التّعلّم.
-
-التكرار والتدريب يحتاجه المعلّم في أغلب أنشطة المادّة.
-
-السلوك السلبي لدى المعلّم يحدث انطفاء داخلي أو خارجي، وبذلك تحدث استجابة سلبيّة.
-
-التوازن بين قدرات المتعلّم وما يتلاقاه عنصر مهم في العمليّة التّعليميّة.
-
الاستمرار مهم لأن عدم الاستمرار يؤدي إلى النسيان، فيحدث عدم الربط بين المفاهيم.
وبعد ذكر أهم النقاط التي توصلنا إليها نستطيع القول بأنّ النظريّة السلوكيّة لها دور كبير في إنجاح العمليّة التّعلّميّة، سواء تعلّم معرفة أو مهارة أو تغيير سلوك.