مقدمة
يعد الشعور بالقلق من وقت إلى آخر، أمرا طبيعيا. كما أن القلق بدرجة متوسطة يعتبر مفيداً في بعض الأحيان، حيث أنه يساعد الفرد على التفاعل بالشكل المناسب مع الخطر الحقيقي، كما يساعد في تحفيزه على التميز في محيطه المهني أو الأسري.
لكن، إذا كان الشعور بالقلق في معظم الأوقات ومن دون سبب واضح أو منطقي، وكان هذا الأمر يعطل الحياة اليومية ويعيق عن ممارسة النشاطات المعتادة، فعندها يصبح القلق اضطرابا وليس مجرد انفعال طبيعي. فاضطرابات القلق تسبب توتراً أو قلقاً زائداً أو غير منطقي أكثر بكثير مما يتطلبه الوضع.
وللقلق في علم النفس الحديث مكانة بارزة، فهو المفهوم المركزي في علم الأمراض النفسية والعقلية، والعرض الجوهري المشترك في الاضطرابات النفسية، بل وفي أمراض عضوية شتى. ويعد القلق محور العصاب وأبرز خصائصه، ويعتبر أكثر فئاته شيوعا وانتشارا حيث يسهم في تكوين من 30 – 40% من الحالات التي تعاني من الاضطرابات العصابية تقريبا، كما أنه السمة المميزة لعديد من الاضطرابات السلوكية والذهان؛ فالذهانيون مثلا يعانون من القلق خاصة في المراحل المبكرة للمرض، ولدى المرضى الذين يتميزون بدرجة مرتفعة من الاستبصار في حالتهم. كذلك يعتبر القلق مفهوما أساسيا لتفسير معظم نظريات الشخصية وعلم الأمراض النفسية. وأصبح القلق حجر الزاوية في الطب السيكوسوماتي، كما يقوم بدور مهم في عمليات توافق الكائن العضوي مع بيئته. (عبد الخالق، 1987، ص26)
ويصيب مرض القلق نحو 5% من السكان في أي وقت بعينه. وهو يصيب 1% تقريبا إلى درجة العجز. وأغلب المصابين به (80%) من النساء، ويعزى ذلك إلى تعرض النساء لألوان من الضغوط ينفرد بها في مجتمعنا، وقد ذهب بعض المراقبين إلى حد القول بأن زيادة انتشار الحالات بين النساء ترتبط ارتباطا مباشرا بالضغوط التي يخلقها وضع النساء المتدني عن الرجال في حضارتنا. وبينما تبدو هذه النظريات طريفة في حد ذاتها، تبدو أنها عاجزة عن تفسير الثبات الإحصائي الملحوظ في كثرة انتشار الحالات بين النساء المصابات مقارنة بنسبة المصابين من الرجال ظلت كما هي في جميع البلاد التي درس فيها المرض خلال القرن الماضي. كما نتوقع أن الاختلافات الواسعة في حقوق النساء ودورهن في المجتمع سوف تغير هذه النسبة، لكن الحال غير ذلك؛ إذ يبدو أن المرض يصيب النساء اللاتي تدور حياتهن حول الدور التقليدي (ربة الدار) بنفس النسبة التي يصيب بها المشتغلات بالمهن والأعمال الخارجية. (شيهان، 1988، ص23-24)
وكما هو الحال في معظم الاضطرابات النفسية الأخرى، فإن أسباب اضطرابات القلق لا تزال غير معروفة تماماً. وعلى الرغم من أن الباحثين يعتقدون أن السبب يكمن في النواقل العصبية، وهي مواد كيميائية طبيعية موجودة في الدماغ، إلا أن هناك العديد من الأسباب المتشابكة التي تؤدي للإصابة بهذه الاضطرابات، ومن بينها العمليات البيولوجية للجسم والجينات والبيئة الخاصة بالفرد وأوضاعه الحياتية.
1. الجانــــب المنهــــجي
1.1.إشكالية الدراسة
عندما يستولي القلق على الأفراد ويتمكن منهم، تصبح حياتهم عبارة عن سلسلة من المنغصات؛ فيؤثر على أدائهم وإنتاجهم وقدرتهم على الإبداع والابتكار، وخصوصًا في الدرجات العالية منه حيث يتحول إلى قلق عصابي، إلا انه في المستوى الطبيعي المعتدل يكون على العكس؛ فيصبح القلق إيجابيًا ودافعًا للتقدم وحل المشكلات.
يقول سوين (1979، ص346) "القلق أشبه بالإشعاع، مفيد إذا تم ضبطه وتوجيهه، ولكنه ضار إلى حد بعيد إذا ترك من غير تقييد". ويذكر عيسوي (1994، ص161) "أنه لا يوجد أي فرد يعيش بلا قلق. وبينما يكون قدر محدود من القلق ضروريا للنمو، فإن قدرًا كبيرًا منه يكون معوقًا".
كما يشير عبد السلام وآخرون (1992، ص6) إلى إن هناك علاقة ارتباطيه قوية بين الجوانب السلبية للقلق النفسي وبين الدرجة العالية، وكذلك الدرجة المنخفضة من درجات القلق. فالقلق العالي المزمن هو الذي نسميه القلق العصابي؛ وهو الذي تكون شدته فوق قدرة احتمال الفرد مما يدفعه إلى أن يسلك طرقًا غير واقعية وغير منطقية، وباختصار طرقًا عصابية تنعدم معها قدرته على التعامل مع جميع المواقف بما يتناسب معها من أداء. وهذا النوع من القلق هو الذي يعيق أداء الإنسان ويعطل قدراته الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية والتربوية والمهنية. وأيضا عندما تكون مستويات القلق منخفضة قد يصبح الفرد غير مكترث بما يدور من حوله من مشكلات وغير مبالٍ في الاهتمام بها.
ويؤكد موسى (1979، ص30)، على أن للقلق جوانب إيجابيه مثلما له جوانب سلبيه؛ ويكون ذلك في حالات القلق متوسط الشدة حيث أن هذه الدرجة من القلق ترتبط بأكثر الأداءات اتساقا بعكس القلق العصابي العالي أو القلق المنخفض. فالقلق العادي ضروري للأفراد الناضجين انفعاليًا وعقليًا حيث أنه يساعدنا على التعامل مع المشكلات التي تواجهنا في مواقف الحياة اليومية بكفاءة جيدة، وهذه الدرجة من القلق يمكن تسميتها "القلق السوي" لأنها تيسر لنا التعامل مع جميع المواقف، وهي ضرورية لحفظ حياة الإنسان وحمايته من المؤثرات ودافعًا له للعمل والتعلم.
ويشير عدس وتوق (1986، ص3) إلى وجود القلق في حياة الفرد بدرجات مختلفة، تمتد ما بين القلق البسيط الذي يظهر على شكل الخشية وانشغال البال، والقلق الشديد الذي يظهر على شكل الرعب والفزع.
ويحدد عثمان (2001) ثلاث مستويات للقلق كما يلي:
-
المستويات المنخفضة: يحدث حالة التنبيه العام للفرد ويزداد تيقظه وترتفع لديه الحساسية للأحداث الخارجية، كما تزداد قدرته على مقاومة الخطر ويكون الفرد في حالة تحفز لمواجهة مصادر الخطر في البيئة التي يعيش فيها. ولهذا يكون القلق في هذا المستوى إشارة إلى إنذار لخطر وشيك الوقوع.
-
المستويات المتوسطة: يصبح الفرد أقل قدرة على السيطرة؛ حيث يفقد السلوك مرونته وتلقائيته ويستولي الجمود بوجه عام على تصرفات الفرد في مواقف الحياة، وتكون استجابته وعادته هي تلك العادات الأولية الأكثر ألفة، وبالتالي يصبح كل شيء جديد مهددًا وتنخفض القدرة على الابتكار، ويزداد الجهد المبذول للمحافظة على السلوك المناسب في مواقف الحياة المتعددة.
-
المستويات العليا: يحدث اضمحلال وانهيار للتنظيم السلوكي للفرد، ويحدث نكوص إلى أساليب أكثر بدائية. وينخفض التآزر والتكامل انخفاضًا كبيرًا في هذه الحالة.
وعليه، فإن القلق انفعال أساسي لدى الفرد يحفزه ويدفعه للعمل والابتكار والتفكير في إيجاد حلول لمشكلات ما قد تتطلب منه حلولا وحتى في الظروف العادية التي يمر بها، وذلك عند المستويات المعتدلة منه. إلا أن القلق إذا كان لا يشعر به الفرد عادة أو زاد عن الحد المعقول منه، فإنه يصبح معيقا في كلتا الحالتين.
من جانب آخر، تعتبر الحاجة إلى المكانة من أهم الحاجات النفسية في حياة الإنسان، فهو يرى في المهنة أهمية بالغة من حيث إشباعها لحاجاته وميوله.
وإذا كانت الحاجة للمكانة والترقي في مجال العمل هامة بالنسبة للرجل، فهي أشد أهمية بالنسبة للمرأة. وإذا كانت الوظيفة الأولى للمرأة هي الإنجاب إلا أنها وظيفة بيولوجية، أما العمل فهو يعتبر وظيفة اجتماعية هامة وذات قيمة بالنسبة للمرأة كما للرجل؛ حيث لا فرق في التكوين النفسي للمرأة والرجل، وإن وجدت فروق فهي راجعة إلى عمليات التطبيع الاجتماعي، فالشخصية ما هي إلا نتاج لتفاعل الإنسان مع بيئته والعلاقات الإنسانية. (عبد الفتاح، 1980، ص223)
إن الفائدة الاجتماعية التي تحصل عليها المرأة من العمل أهم بكثير من الفائدة المادية التي تجنيها منه، فهي جديرة بالاحترام والتقدير من الآخرين، كما أنها تستطيع من خلاله أن تثبت قدرتها على الإنتاج والمشاركة البناءة في المجتمع. (عبد المسيح، 1986، ص10)
وترى هوكستشايلد (1994، ص292) أن معظم النساء الآن ترغبن في العمل، سواء كن في حاجة إليه أم لا؛ وهذا مبعثه شعور المرأة بأن عملها حيوي ومهم وممتع، ويمنحها الاحترام في عيون الآخرين بما فيهم زوجها، وهذا الإحساس نجده أيضًا بين النساء اللائي يعملن في وظائف منخفضة المستوى.
ومن الآثار الإيجابية لعمل المرأة إحساسها بقيمتها وقدرتها؛ وهذا ما أثبتته نتائج الدراسة التي قامت بها كاميليا عبد الفتاح (1972، ص259) عن دوافع خروج المرأة إلى العمل ونتائجه، حيث أظهرت الاختبارات السوسيومترية والاسقاطية في هذه الدراسة صورة إيجابية للمرأة في جماعة العمل، فهي متفاعلة في الجماعة بينها وبين زميلاتها وزملائها وأن جماعة العمل قد حققت للمرأة الإحساس الاجتماعي والإحساس بالقيمة والقدرة على تحمل المسؤولية. كما أثبتت نتائجها أن العمل وخروج المرأة إلى ميادينه المختلفة له تأثير إيجابي على شخصية أبنائها؛ فالمرأة العاملة تقبل على أطفالها بشوق ولهفة تعوضهم عن الوقت الذي قضته بعيدًا عنهم كما أنها تمنحهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم وتشجيعهم على الاستقلال. كما وجد أن إحساس المرأة العاملة بذاتها أكثر نضجا من غير العاملة، ومن هنا فهي تعكس هذا الإحساس الناضج، والإحساس بالنجاح على أطفالها.
كما أوضحت دراسة قام بها كل من باتيسون ومويس Pattison & Moyse (1995)، أن اهتمام المرأة العاملة بالجانب الوظيفي كان يحقق لها السعادة. كما أثبتت دراسة والروث عن العلاقة بين تقييم المرأة لذاتها وبين نوعية الأدوار التي تقوم بها في الحياة سواء كان ذلك عن اختيار منها لهذا الدور أو تقوم به اضطرارًا، إلى أن المرأة التي اقتصر دورها على كونها ربة منزل، جاء تقييمها لذاتها منخفضا وعبرت عن مشاعر الاكتئاب وعدم الثقة، أما المرأة التي تمارس العمل إلى جانب أدوارها كزوجة وأم وتحمل مسؤولية منزلها، فقد كشفت النتائج عن ثقتها العالية في كفاءتها في العمل والمنزل وعن رضا وسعادة بحياتها وزواجها. (عبد المسيح، 1986، ص24)
ومن جانب آخر، نجد دراسات حاولت أن تبرز الآثار السلبية لعمل المرأة؛ حيث يذكر شلبي (بدون سنة) أن المرأة لم تنل من خروجها للعمل إلا التعب والإرهاق، وأنها لم تتقدم في عملها، ولم تسعد بيتها لأنها تقوم بدور مضاعف أكبر، وأن الأولاد والزوج والأسرة ضاعوا في الطريق بين العمل والبيت، وفي هذا الصدد تشير الاستطلاعات في الدول المتقدمة والنامية على السواء إلى أن حوالي 77% من النساء يفضلن البقاء في المنزل وعدم العمل إذا ما توفرت لهن الإمكانيات المادية، بسبب الضغوط الشديدة التي تتعرض لها المرأة في عملها وفي منزلها.
تقول هوكستشايلد (1994) أن الخروج الجماعي للمرأة إلى مجال العمل والكسب، لم يصاحبه فهم حضاري لمعنى الزواج والعمل، بحيث يكون كفيلا بجعل هذا التحول يتم بهدوء. لقد تغيرت قوى العمل وتغيرت المرأة ولكن ظلت ظروف العمل تفتقر إلى المرونة اللازمة لمواجهة المتطلبات الأسرية للعاملين، وظل الرجل في البيت غير قادر على التأقلم مع التغييرات التي طرأت على زوجته.
كما أن خروج المرأة للعمل يعتبر سببًا في نشأة مشكلة عدم التمكن من الحصول على درجة مناسبة من التماسك والاتساق في التوقعات والمتطلبات التي يتوخاها كلا الزوجين، فأصبحت هي لا تقدم لزوجها ولأطفالها الرعاية التي يتوقعها منها، وقد لا تجد هي الدعم الذي توقعته من زوجها. (الخولي، 1999، ص103)
يذكر آدم (1980) في بحثه عن صراع الدور لدى المرأة العاملة، أن الإرهاق الجسمي والنفسي الناتج عن كثرة الأعباء التي تقوم بها المرأة وتعارض المطالب المتوقعة منها أحيانًا كعاملة وكزوجة وكأم، يؤدي بها إلى عدم القدرة على أداء أدوارها بكفاءة، بما في ذلك دورها كعاملة. كما ينعكس على أداء وظائفها كزوجة وكأم، فالأزواج يتهمون الزوجات بالعنف وبالعصبية الزائدة، سواء في علاقتها بزوجها أوفي تربية الأولاد نتيجة لحالة التعب والإرهاق الذي تعاني منه بسبب الجمع بين مسؤوليات العمل داخل المنزل وخارجه.
كما يرى بعض الخبراء، أن عمل المرأة يكسبها اتجاهات، قد تؤثر سلبًًا على أداء أدوارها كزوجة. فقد يؤدي شعور المرأة باستقلالها الاقتصادي وبقيمتها في المجتمع إلى قلة اهتمامها بزوجها وأطفالها وذلك نتيجة للمبالغة في نظرتها إلى ذاتها. وقد تفضل بعض الزوجات عملهن على أداء وظائفهن الأخرى كزوجة وكأم فيبدو تقصيرهن في أداء هذه الوظائف.
كما أوضحت نتائج دراسة خفاجي (1405هـ الموافق لـ1984) أن المرأة العاملة أكثر ميلا إلى التصلب وعدم المرونة الذي يتمثل في عدم تحمل الغموض واللجوء إلى الاستجابات المتطرفة وعدم التصرف بمرونة إزاء المواقف المتغيرة.
ويذكر آدم (1980) بأن المرأة العاملة حينما تكون متقبلة لذاتها وللآخرين ولديها ثقة بنفسها، تستطيع أن تتغلب على الصعوبات التي تواجهها في أداء أدوارها، وتكون المواجهة سلبية حينما لا يتوافر للمرأة العاملة مفهوم إيجابي عن ذاتها، أو تضعف ثقتها بنفسها. كذلك تكون المواجهة سلبية مع صغر السن وحداثة العهد بالإنجاب، فتعاني من القلق على طفلها الصغير الذي ربما أودعته حضانة غير ملائمة أو تركته لدى الأهل.
وترى هوكستشايلد (1994)، أنه نظرًا للأعداد الكبيرة من النساء اللاتي دخلن المجال الاقتصادي، فقد تأثرت حياة الأسرة بالسرعة المتزايدة المترتبة على ذلك، فلم يعد هناك متسع من الوقت كما كان عليه الحال في الماضي، عندما كانت المرأة قابعة في المنزل، كما أصبح العمل مضاعفًا وأصبحت النساء تلهثن من أجل استيعاب الإيقاع السريع للحياة.
ويعتبر شلبي أن سعي المرأة العربية لزيادة هذا الدور، جعلها تضر بنفسها ضررًا بالغًا، حيث ضحت براحتها الشخصية التي كانت تتمتع بها في المنزل، وكذلك أضرت بأسرتها، لأن وقتها أصبح مقسمًا بين العمل والبيت فلا هي أتقنت عملها التي حلت محل الرجل فيه، ولا هي راعت أسرتها حق رعايتها باعتباره دورها الأساسي. وكانت بعض الآراء تنادي أيضًا بخطورة التوسع في توظيف المرأة، ومن مبررات ذلك أن مزاحمة المرأة للرجل في ميدان العمل تقلل من فرص العمل السانحة أمامه. ويشير بعض الخبراء أيضًا إلى نقطة هامة مؤداها أن مشاركة المرأة في العمل بين الرجال وتحملها مسؤوليات مشابهة يؤدي إلى اكتسابها لصفات الرجال السلوكية. (عبد المسيح، 1986)
وفي دراسة العنزي (1406هـ الموافق لـ1985) حول القلق وعلاقته بالتوافق المهني لدى المعلمين والمعلمات في المرحلة الابتدائية بالكويت، على عينة قوامها 300 معلم ومعلمة يعملون في المرحلة الابتدائية وتتراوح أعمارهم بين 20-32 سنة. توصل إلى النتائج الآتية: وجود علاقة ارتباطية سالبة بين القلق والتوافق المهني، كذلك وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين المعلمين والمعلمات في درجة القلق لصالح المعلمات.
واتفقت هذه النتائج مع نتائج دراسة خانا وشيرالي (1989) Khanna & Siraliحول توتر الحياة والقلق والاكتئاب لدى النساء العاملات، حيث تكونت العينة من 220 امرأة عاملة و186 امرأة غير عاملة، أعمارهن بين 25-35 سنة. وأظهرت النتائج أن العاملات سواء كن متزوجات أو غير متزوجات، هن الأكثر تعرضًا لتوتر الحياة والقلق من غير العاملات.
وقد توصلت المالكي (1422هـ الموافق لـ2001)، في دراستها حول القلق وعلاقته ببعض المتغيرات لدى كل من المرأة العاملة في التعليم وغير العاملة (دراسة مقارنة على عينة من معلمات مراحل التعليم الثلاث؛ الابتدائي، المتوسط والثانوي وغير العاملات بمدينة مكة المكرمة). توصلت إلى: عدم وجود فروق دالة إحصائيا في متوسط درجة القلق لدى كل من المرأة العاملة وغير العاملة، توجد فروق ذات دلالة إحصائية في متوسط درجة القلق لدى المعلمات تبعًا لمتغير المرحلة الدراسية وفي اتجاه المتوسط الأعلى لمعلمات المرحلة الابتدائية، توجد فروق ذات دلالة إحصائية في متوسط درجة القلق تبعًا لمتغير السن لدى العاملات وغير العاملات وفي اتجاه المتوسط الأعلى للفئة الأصغر سنًا (بين 20-27 سنة)، توجد فروق ذات دلالة إحصائية في درجة القلق تبعًا لمتغير المؤهل الدراسي لدى العاملات وغير العاملات وفي اتجاه المتوسط الأعلى لفئة التعليم الأقل من جامعي، لا توجد فروق ذات دلالة إحصائية في درجة القلق تبعًا للحالة الاجتماعية لدى العاملات وغير العاملات. (حنان عبد الرحيم المالكي، 1422هـ)
والسؤال الجوهري لموضوع دراستنا، بناء على ما سبق ذكره، هو: ما هي مسببات القلق عند المعلمات حديثات التوظيف؟
وتندرج عنه الأسئلة الجزئية الآتية:
-
هل الجانب النفسي يسبب القلق عند المعلمات حديثات التوظيف؟
-
هل الجانب الأسري يسبب القلق عند المعلمات حديثات التوظيف؟
-
هل الجانب المهني يسبب القلق عند المعلمات حديثات التوظيف؟
2.1. فرضيات الدراسة
بناء على السؤال الأساسي للدراسة، نفترض ما يلي:
-
الجانب النفسي يسبب القلق عند المعلمات حديثات التوظيف.
-
الجانب الأسري يسبب القلق عند المعلمات حديثات التوظيف.
-
الجانب المهني يسبب القلق عند المعلمات حديثات التوظيف.
3.1.أهمية الدراسة
تتجلى أهمية الدراسة، في الدور الفاعل للمرأة؛ سواء في محيطها الأسري أو المهني، وباعتبارها عنصرا هاما في بناء جيل كامل يعكس صورة ما يتلقاه من تربية وتعليم وخصال يكتسبها من خلال المرأة بالدرجة الأولى (سواء داخل الأسرة أو في المدرسة). فالتلميذ هو انعكاس لصورة معلمه، وإذا كان قطاع التربية والتعليم يضم نسبة المعلمات أكثر من المعلمين خاصة في الطور الابتدائي؛ فهذا مدعاة للاهتمام أكثر بالعنصر النسوي والكشف عن النقائص والعراقيل التي تؤثر لا شك في أداء المعلمة لدورها على أكمل وجه، ومن ثم الوصول إلى حلول؛ من خلال وضع استراتيجيات للحد (أو على الأقل، للتذليل) من هذه العقبات.
4.1. هدف الدراسة
تهدف الدراسة الحالية إلى الكشف عن مسببات القلق لدى المعلمات حديثات التوظيف في الطور الابتدائي، حيث تم التركيز على ثلاثة جوانب قد تكون مسببة للقلق منفصلة أو مجتمعة، والمتمثلة في: المسبب النفسي، المسبب الأسري والمسبب المهني.
5.1. منهج الدراسة
تم الاعتماد على منهج دراسة الحالة (كما يمكن اعتبارها تقنية ضمن المنهج العيادي) ؛ لأنه الأنسب لمثل هذه المواضيع ولخاصية التحليل والتعمق التي يتميز بها.
ومن بين أهم التعاريف عن دراسة الحالة، أنها "طريقة إجرائية تحليلية لدراسة الظاهرة من خلال التحليل المعمق للإحاطة بحالة معينة و دراستها دراسة شاملة". (محمد يزيد لرينونة، 2015، ص38)
6.1. عينة الدراسة
تتكون عينة الدراسة من ثلاث معلمات تم اختيارهن قصديا؛ بالاعتماد على معيار مدة التوظيف والتي تقل أو تساوي لسنة واحدة. وتتراوح أعمارهن بين 26 – 32 سنة، واحدة عزباء واثنتان متزوجتان.
ولم تبد الحالات اعتراضا على إجراء المقابلة معهن، وكن مرحبات بذلك واعتبرن ذلك فرصة لهن للحديث عن ظروف العمل والحياة عموما. وقد تمت الدراسة في الفترة الممتدة بين 18-29 أكتوبر 2018، وبواقع جلستين لكل حالة، كل جلسة دامت بين 45-75 دقيقة.
وقد تم اختيار الحالات من ابتدائيات مختلفة بمنطقتي الرغاية وهراوة بولاية الجزائر، والمتمثلة في:
-
ابتدائية مليكة قايد بالرغاية.
-
ابتدائية الأمير عبد القادر بهراوة.
-
ابتدائية علي خوجة بالرغاية.
7.1. أدوات الدراسة
تم الاعتماد على مجموعة من الأدوات، تمثلت في:
-
الملاحظة، وذلك من خلال ما يبدو على الحالات المنتقاة من سلوك أثناء تفاعلهن مع التلاميذ والزملاء في مكان العمل، وأثناء جلسات المقابلة.
-
المقابلة نصف الموجهة، حيث تطرقنا من خلالها إلى الحالة الاجتماعية، الدراسية، العائلية والصحية لكل حالة. كما تكوّن دليل المقابلة من ثلاث محاور مرتبطة بموضوع الدراسة، والمتمثلة في مسببات القلق التي حصرناها في ثلاث جوانب، هي: المسبب النفسي، المسبب الأسري والمسبب المهني (أنظر الملحق 02).
-
مقياس تايلر للقلق الصريح، وذلك لتحديد درجة القلق عند كل حالة، حيث استغرقت الإجابة على بنوده بين 5 - 9 دقائق (أنظر الملحق 01).
قامت بتصميم المقياس (والذي يعرف اختصارا TMAS)، جانيت تايلر (Janet Taylor) سنة 1953، لقياس القلق عند الراشدين. وفي 1956 وضعت نسخة ثانية له لقياس القلق عند الأطفال. يتكون المقياس من 50 عبارة، ولديه درجة عالية لقياس مستوى القلق بـشكل موضوعي؛ عن طريق الأعراض الظاهرة والصريحة التي يعاني منها شخص ما. (https://en.wikipedia.org/wiki/Taylor_Manifest_Anxiety_Scale)
يصحح المقياس بإعطاء الدرجة (1) عند اختيار (نعم)، والدرجة (0) عند اختيار (لا). ويقلب التقييم بالنسبة للعبارات الآتية: (3، 13، 17، 20، 22، 29، 32، 38، 48، 50). ويتم جمع الدرجات وتصنيفها حسب ما هو موضح في الجدول الآتي:
الجدول رقم (01): تصنيف مستويات القلق حسب مقياس تايلر للقلق الصريح
الدرجات |
التصنيف |
0 – 16 |
قلق منخفض جدا |
17 - 19 |
قلق طبيعي |
20 - 24 |
قلق متوسط |
25 - 29 |
قلق فوق المتوسط |
30 فما فوق |
قلق مرتفع |
-
الملاحظة، وذلك من خلال ما يبدو على الحالات المنتقاة من سلوك أثناء تفاعلهن مع التلاميذ والزملاء وأثناء جلسات المقابلة.
-
المقابلة نصف الموجهة، حيث تطرقنا من خلالها إلى الحالة الاجتماعية، الدراسية، العائلية والصحية لكل حالة. كما تكون دليل المقابلة من ثلاث محاور مرتبطة بموضوع الدراسة، والمتمثلة في مسببات القلق التي حصرناها في ثلاث جوانب، هي: المسبب النفسي، المسبب الأسري والمسبب المهني.
-
مقياس تايلر للقلق الصريح، وذلك لتحديد درجة القلق عند كل حالة، حيث استغرقت الإجابة على بنوده بين 5-9 دقائق.
2. عرض نتائج الدراسة
1.2. الحالة (01)
باية، تبلغ من العمر 26 سنة، عزباء، مقيمة مع أسرتها بمسكن فردي، الأب متوفي، عدد الإخوة الذكور اثنان والإناث سبعة وهي ما قبل الأخيرة في ترتيبها بين إخوتها، لا تعاني من مرض مزمن أو عاهة جسدية أو خلقية، من أسرة متوسطة ماديا.
مسارها الدراسي كان عاديا دون تأخر، تحصلت على شهادة البكالوريا شعبة آداب وفلسفة، التحقت بعدها بجامعة الجزائر02 لتتخصص في علوم التربية (ليسانس وماستر) وتخرجت في 2015. توظفت منذ ديسمبر 2017.
تتميز باية بالهدوء والاتزان، مرحة مع زملائها وزميلاتها في المدرسة، كما لاحظنا أن تلاميذها ملتفون حولها في ساحة المدرسة، وتعاملهم برفق والابتسامة على وجهها.
تحصلت في مقياس تايلر للقلق الصريح على الدرجة 15 (استغرقت مدة 8 دقائق للإجابة على بنوده) والتي صنفت بقلق منخفض جدا.
وفيما تعلق بالجانب النفسي، ذكرت باية أنها تشعر عادة بالنشاط والحيوية وتجد المتعة في كل عمل تقوم به خاصة إذا أكملته بشكل جيد، وهي عموما لا تصدر قرارات بناء على حالتها المزاجية بل تحاول قدر المستطاع أن تكون عقلانية وحكيمة حتى لا تندم على ذلك في ما بعد، لكنها تشعر في بعض الأحيان بقلق أو توتر أثناء استعدادها للخروج من المنزل لا تعرف سببه إلا أنها تتغلب على ذلك بترديدها للأدعية والآيات القرآنية، وذكرت أنها تشعر أحيانا بالعجز وعدم الرغبة في الخروج من المنزل عندما تكون على موعد مع إحدى صديقاتها أو قريباتها فتختلق عذرا لكي لا تخرج خاصة إذا كان الموعد غير هام.
أما عن الجانب الأسري، فإنها تشعر بالأمان والسكينة في محيطها العائلي وهي متفاهمة تماما مع شقيقتها الصغرى وتقول عنها أنها أفضل صديقاتها ومستودع أسرارها، كما أن والدتها وجميع إخوتها يساندونها ويشجعونها دائما على التقدم خاصة في مجالها المهني (خاصة من بقي مقيما من إخوتها في المنزل العائلي وهم الأخ الأصغر وأختان، أما البقية فهم متزوجون).
وفي الجانب المهني، صرحت باية أنها متفاهمة مع زملائها والطاقم الإداري؛ إذ أنهم يسدون لها النصائح ويعاملونها كأخت لهم. وعن علاقتها بتلاميذها، فهي جيدة خاصة أنهم في مستوى الثالثة ابتدائي فهم متكيفون ومعتادون على المدرسة، إلا أنها في بعض الأحيان تجد صعوبة في ضبط الهدوء داخل القسم مما يزعجها ويشعرها بالعجز والعصبية، وهذا الأمر يخيفها فمهنة التدريس ليست سهلة وتتطلب صبرا وحكمة في التعامل مع التلاميذ، وتشعر أحيانا أنه لولا رغبتها في أن تكون معلمة لما تمكنت من مواصلة التدريس، حيث أن قلة خبرتها في هذا المجال تسبب لها التوتر والقلق على مستقبلها المهني، إلا أنها في نفس الوقت لن تتخلى عن مهنتها وهي واثقة من قدرتها على تجاوز العقبات والتعلم من هفواتها وكذلك تحسين مستواها بالممارسة والتكوين، فهي تعتبر أن عمل المرأة عموما يزودها بالشجاعة في مواجهة الشدائد كما يمنحها الثقة في النفس.
2.2. الحالة (02)
عبير، 32 سنة، متزوجة منذ حوالي أربع سنوات بدون أطفال، مقيمة مع زوجها في شقة بالإيجار، والداها على قيد الحياة، لها أخ وأخت وهي الأولى في ترتيبها بين إخوتها، لا تعاني من مرض مزمن أو عاهة جسدية أو خلقية إلا أنها تعاني من نقص في النظر منذ المرحلة الثانوية (تحمل نظارات طبية)، من أسرة ميسورة ماديا.
مسارها الدراسي كان عاديا دون تأخر، تحصلت على شهادة البكالوريا شعبة آداب ولغات أجنبية، التحقت بعدها بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة؛ حيث درست اللغة الفرنسية (تكوين معلم الابتدائي على مدار ثلاث سنوات) وتخرجت سنة 2007 ثم اجتازت مسابقة الماجستير أربع مرات متتالية لكنها لم توفق في مواصلة دراساتها العليا (وقد تحدثت عن ذلك بنوع من الأسف والحزن)، عملت مستخلفة في عدة ابتدائيات كمعلمة للغة الفرنسية ابتداء من 2010 إلى غاية توظيفها، وذلك على فترات متقطعة.
توظفت منذ مارس 2018 بعد شغور منصب معلم اللغة الفرنسية (إحالة على التقاعد). لاحظنا على عبير قلة التواصل مع زملائها وانزوائها في قاعة المعلمين لمراجعة الدروس، إلا أنها كانت أكثر انفتاحا مع تلاميذها؛ حيث لاحظنا أنها تبتسم معهم وتكلمهم باللغة الفرنسية مجيبة على أسئلتهم التي طرحوها باللغة العربية كما شجعتهم على استعمال اللغة الفرنسية في حوارهم معها لكي يتعودوا على ذلك.
تحصلت في مقياس تايلر للقلق الصريح على الدرجة 22 (استغرقت 5 دقائق للإجابة على بنوده) والتي صنفت بقلق متوسط.
وفيما تعلق بالجانب النفسي، ذكرت أنها تشعر عموما بالنشاط، وأنها انفعالية نوعا ما؛ فإذا كانت تشعر بالضيق أو الضجر فإنها تبدي ذلك خاصة في المنزل مع زوجها، إلا أنها تسيطر على انفعالاتها عندما تكون خارج المنزل خصوصا في مكان العمل، وتحاول ضبط نفسها حتى لا تقع في الخطأ أو تأتي بتصرف قد تندم عليه فيما بعد، وهي عادة يكون لديها الاستعداد والرغبة للخروج سواء للذهاب إلى العمل أو للتنزه أو لزيارة الأهل، ولا تشعر حيال ذلك بالقلق أو التوتر.
أما عن الجانب الأسري، فإن عبير تشعر عموما بالارتياح في منزلها ومع زوجها؛ فهو يدعمها معنويا ولا يثقل عليها بطلباته، إلا أنها تذمرت من عدم مساعدتها في شؤون البيت، خاصة في فترة الامتحانات التي يزداد فيها ضغط العمل، مما يؤدي بها إلى التوتر والعصبية، وهذا الأمر يشعرها بالعجز والإرهاق من حين لآخر في أداء واجبها المهني على أكمل وجه.
أما مهنيا، فقد صرحت أن علاقتها مع باقي المدرسين والإداريين لا تتعدى حدود الزمالة؛ فالعلاقة معهم مهنية بالدرجة الأولى، ولا تطمح في تكوين صداقات معهم لأنها –حسب رأيها- لا تحتاج إلى ذلك (كما قالت: "يكفيني زوجي وعائلتي فهم عندي أعز الأصدقاء"). وعن علاقتها بتلاميذها، فهي علاقة طيبة خاصة أن لديها خبرة في التدريس، ولا تجد صعوبة في التعامل معهم إذ أنهم في مستوى الرابعة ابتدائي ولديهم الرغبة في التعلم، وهي بدورها تحاول جذب أكبر عدد منهم أثناء الدرس، ولا تجد صعوبة في ضبط الهدوء داخل القسم؛ فهي لا تترك ثغرات لحدوث ذلك إذ أنها تشغل التلاميذ بنشاطات متنوعة وتسعى دائما لتطوير أسلوبها في التدريس بما تتيح لها إمكانيات المؤسسة (وفي بعض الأحيان بإمكانياتها الخاصة؛ مثلا شراء قصص باللغة الفرنسية وأقلام التلوين ومفكرات، تستخدمها كمحفزات ومكافآت لتلاميذها)، ورغم أنها تتعب أثناء أداء عملها؛ فهي تحاول أن تبقى دائما متيقظة وفي حالة تركيز مع تلاميذها (وهذا ما يسبب لها الصداع من حين لآخر)، إلا أنها سعيدة بذلك وتحب مهنتها، وذكرت أنها لو لم تكن معلمة لكانت باحثة في القضايا التربوية خاصة في تطوير المناهج الدراسية. وهي تستبعد تماما فكرة تخليها عن عملها، وترى أن الضغوط والمشاكل تحدث حتى للنساء الماكثات في البيت؛ فلا دخل لعمل المرأة بما يواجهها من ظروف صعبة، وهي ترى أن ذلك يحدث لانعدام الحوار والتفاهم بين الزوجين وربما كذلك أسلوب النقاش يؤدي إلى الصراعات داخل الأسرة. فبالنسبة لها كان شرطها قبل زواجها أن تحافظ على وظيفتها، وهذا بدعم من عائلتها (قالت: "الحمد لله زوجي متفهم لعملي وهو واع بمدى أهمية الوظيفة بالنسبة لي ولم يفرض علي يوما أن أتخلى عنها").
3.2. الحالة (03)
نسرين، تبلغ من العمر 29 سنة، متزوجة منذ حوالي ثلاث سنوات وأم لطفلة عمرها 17 شهرا، مقيمة مع أسرة زوجها بمسكن فردي، والداها على قيد الحياة، عدد الإخوة الذكور واحد والإناث أربعة وهي الرابعة في ترتيبها بين إخوتها، لا تعاني من مرض مزمن أو عاهة جسدية أو خلقية، من أسرة متوسطة ماديا.
مسارها الدراسي كان عاديا دون تأخر إلا أنها أعادت السنة الثالثة ثانوي لمرة واحدة، تحصلت على شهادة البكالوريا شعبة تسيير واقتصاد، التحقت بعدها بجامعة بومرداس لتتخصص في المالية والمحاسبة (ليسانس وماستر) وتخرجت في 2014، عملت في إطار عقود ما قبل التشغيل بمقر ولاية بومرداس ثم انتقلت للعمل بإحدى الثانويات على مستوى مدينة الرغاية بعد زواجها.
توظفت منذ جانفي 2018. يبدو على نسرين الهدوء وكثرة الشرود، مندمجة مع زملائها وزميلاتها في المدرسة، كما لاحظنا أنها تعامل تلاميذها بنوع من الحزم والشدة.
تحصلت في مقياس تايلر للقلق الصريح على الدرجة 30 (استغرقت مدة 9 دقائق للإجابة على بنوده) والتي صنفت بقلق مرتفع.
وفيما تعلق بالجانب النفسي، ذكرت أنها أصبحت بعد إنجابها تشعر غالبا بالتعب والإرهاق وترجع سبب ذلك إلى قلة النوم ومسؤولية تربية ابنتها، وذكرت أنها أصبحت تنفعل بسرعة لكنها تحاول التحكم في ذلك؛ فهي واعية بأن أي تصرف صادر عن حالة انفعالية (خاصة في حالة الغضب) قد يؤدي إلى الندم سواء في وسط العائلة أو في العمل، وذكرت أنها لم تعد كما كانت قبل الزواج؛ فهي الآن لا ترغب في الخروج إلا لسبب قوي أو للذهاب إلى العمل، وخاصة منذ إنجابها حيث أصبحت تمر عليها فترات من الحزن والاكتئاب لثقل المسؤولية التي تشعر بها، خاصة أن الزوج من النوع العصبي ولا يقدم لها المساعدة إلا نادرا.
وعن معاشها الأسري، فعلى العموم هي مرتاحة؛ إذ أنها تجد الدعم من عائلة زوجها وكذلك المساعدة في الاعتناء بابنتها، وهي على علاقة جيدة مع حماتها وتعاملها كأنها ابنتها، إلا أنها اشتكت من زوجها فهو لا يساندها كثيرا؛ إذ لا يشجعها على العمل خارج المنزل بحجة أنها لا تقوم بواجباتها الأسرية كما ينبغي.
وفي الجانب المهني، ذكرت أنها منسجمة مع زملائها ولم تجد صعوبة في التأقلم معهم؛ خاصة وأنها عملت من قبل في الإدارة. أما عن تلاميذها فهي مكلفة بتدريس قسم الرابعة ابتدائي وتتعامل معهم بحزم وشدة، مبررة ذلك بوجوب ذلك حتى تضمن الهدوء والانتباه داخل القسم، إلا أنها اشتكت من عملها في مهنة التدريس معتبرة أنها مهنة المتاعب وتسبب لها الإرهاق والقلق الدائمين، فعملها لا ينتهي بمجرد خروجها من المؤسسة بل يلاحقها إلى منزلها؛ إذ عليها تحضير الدروس وتصحيح الواجبات مما يجعل انتباهها مشتتا وتسرح كثيرا خاصة في البيت، وهذا الأمر يفقدها التركيز والانتباه لما تقوم به. إلا أنها في الوقت ذاته، ترفض فكرة التخلي عن العمل على الأقل في الوقت الراهن؛ خاصة أنه ليس من السهل الحصول على وظيفة، لكن إذا توفر لها منصب عمل يتناسب مع تخصصها فإنها في هذه الحالة قد تتخلى عن مهنة التدريس لأنها تجدها مهنة متعبة جدا ومسؤولية كبيرة تأخذ منها الكثير من الوقت.
خاتمة
يعتبر التدريس مهنة شاقة ومتعبة، وتزداد هذه المتاعب عندما تكون المعلمة زوجة وأما؛ فهي بذلك تتعدد أدوارها وتصبح مطالبة بالتوفيق بينها، حتى لا تنعت بالفشل في حياتها، وبالتقصير في القيام بواجباتها الملزمة بها.
وبناء على نتائج الحالات التي تم دراستها، يمكن استخلاص ما يلي:
-
الحالة الأولى: نجد أن الجانب المهني يسبب لها القلق لقلة خبرتها في مجال التدريس، ويعتبر ذلك أمرا صحيا؛ فالقلق بالنسبة لها في مستوياته الضعيفة وهو في هذه الحالة يكون محفزا لها على العمل بصورة أفضل والبحث عن خطط بديلة لوضعيات التدريس.
وهذا ما يتفق مع وجهة نظر هوكستشايلد (1994)؛ في أن معظم النساء الآن ترغبن في العمل، سواء كن في حاجة إليه أم لا؛ وهذا مبعثه شعور المرأة بأن عملها حيوي ومهم وممتع، ويمنحها الاحترام في عيون الآخرين بما فيهم زوجها، وهذا الإحساس نجده أيضًا بين النساء اللائي يعملن في وظائف منخفضة المستوى.
نجد أيضا من الآثار الإيجابية لعمل المرأة، إحساسها بقيمتها وقدرتها؛ وهذا ما أثبتته نتائج الدراسة التي قامت بها كاميليا عبد الفتاح (1972) عن دوافع خروج المرأة إلى العمل ونتائجه، حيث أظهرت الاختبارات السوسيومترية والاسقاطية في هذه الدراسة صورة إيجابية للمرأة في جماعة العمل، فهي متفاعلة في الجماعة بينها وبين زميلاتها وزملائها وأن جماعة العمل قد حققت للمرأة الإحساس بالانتماء الاجتماعي والإحساس بالقيمة والقدرة على تحمل المسؤولية. -
الحالة الثانية: نجد أن الجانب النفسي هو مصدر قلقها وإن كان ذلك بدرجة ضعيفة، كما أن مسؤوليتها كزوجة مارست عليها ضغطا إضافيا لكن هذا الأمر يحدث لديها في فترات متقطعة خاصة في فترة الامتحانات، ومن جهة أخرى نجد أن الحالة تتمتع بخبرة في التدريس ولديها القدرة في التعامل مع التلاميذ وجذبهم إلى التعلم، ويعود ذلك إلى رغبتها في القيام بوظيفتها على أكمل صورة.
وفي هذا الصدد، ترى هوكستشايلد (1994) أن الخروج الجماعي للمرأة إلى مجال العمل والكسب، لم يصاحبه فهم حضاري لمعنى الزواج والعمل، بحيث يكون كفيلا بجعل هذا التحول يتم بهدوء. لقد تغيرت قوى العمل وتغيرت المرأة ولكن ظلت ظروف العمل تفتقر إلى المرونة اللازمة لمواجهة المتطلبات الأسرية للعاملين، وظل الرجل في البيت غير قادر على التأقلم مع التغييرات التي طرأت على زوجته.
كما أن خروج المرأة للعمل يعتبر سببًا في نشأة مشكلة عدم التمكن من الحصول على درجة مناسبة من التماسك والاتساق في التوقعات والمتطلبات التي يتوخاها كلا الزوجين، فأصبحت هي لا تقدم لزوجها ولأطفالها الرعاية التي يتوقعها منها، وقد لا تجد هي الدعم الذي توقعته من زوجها. (الخولي، 1999، ص103)
كما أوضحت نتائج دراسة خفاجي (1405هـ الموافق لـ1984) أن المرأة العاملة أكثر ميلا إلى التصلب وعدم المرونة الذي يتمثل في عدم تحمل الغموض واللجوء إلى الاستجابات المتطرفة وعدم التصرف بمرونة إزاء المواقف المتغيرة.
ويذكر آدم (1980) بأن المرأة العاملة حينما تكون متقبلة لذاتها وللآخرين ولديها ثقة بنفسها، تستطيع أن تتغلب على الصعوبات التي تواجهها في أداء أدوارها، وتكون المواجهة سلبية حينما لا يتوافر للمرأة العاملة مفهوم إيجابي عن ذاتها، أو تضعف ثقتها بنفسها. -
الحالة الثالثة: تعتبر الجوانب الثلاثة مسببة للقلق لديها، فقد بلغت درجة القلق عندها المستوى المرتفع على مقياس تايلر، وهي بذلك نجدها مشتتة التفكير وفي حالة شرود وإرهاق مستمرين، فقد تذمرت من وضعها كزوجة وأم إضافة إلى شعورها بضغط الوظيفة عليها.
ويعتبر شلبي أن سعي المرأة العربية لزيادة هذا الدور، جعلها تضر بنفسها ضررًا بالغًا، حيث ضحت براحتها الشخصية التي كانت تتمتع بها في المنزل، وكذلك أضرت بأسرتها، لأن وقتها أصبح مقسمًا بين العمل والبيت فلا هي أتقنت عملها التي حلت محل الرجل فيه، ولا هي راعت أسرتها حق رعايتها باعتباره دورها الأساسي. وكانت بعض الآراء تنادي أيضًا بخطورة التوسع في توظيف المرأة، ومن مبررات ذلك أن مزاحمة المرأة للرجل في ميدان العمل تقلل من فرص العمل السانحة أمامه. ويشير بعض الخبراء أيضًا إلى نقطة هامة مؤداها أن مشاركة المرأة في العمل بين الرجال وتحملها مسؤوليات مشابهة يؤدي إلى اكتسابها لصفات الرجال السلوكية.
وأظهرت نتائج دراسة خانا وشيرالي (1989) Khanna & Siraliحول توتر الحياة والقلق والاكتئاب لدى النساء العاملات، أن العاملات سواء كن متزوجات أو غير متزوجات، هن الأكثر تعرضًا لتوتر الحياة والقلق من غير العاملات.
وذكر آدم (1980) في بحثه عن صراع الدور لدى المرأة العاملة، أن الإرهاق الجسمي والنفسي الناتج عن كثرة الأعباء التي تقوم بها المرأة وتعارض المطالب المتوقعة منها أحيانًا كعاملة وكزوجة وكأم، يؤدي بها إلى عدم القدرة على أداء أدوارها بكفاءة، بما في ذلك دورها كعاملة. كما ينعكس على أداء وظائفها كزوجة وكأم، فالأزواج يتهمون الزوجات بالعنف وبالعصبية الزائدة، سواء في علاقتها بزوجها أوفي تربية الأولاد نتيجة لحالة التعب والإرهاق الذي تعاني منه بسبب الجمع بين مسؤوليات العمل داخل المنزل وخارجه.
وبذلك، يمكن اقتراح توجيهات للمعلمات، تساهم في التخفيف من القلق والتوتر لديهن، والمتمثلة في ما يلي:
-
تحضير الدروس بشكل جيد، وفهم المادة التي ستقدم للتلاميذ.
-
مناقشة مشاكل العمل مع الزملاء واستغلال الاجتماعات لطرح الانشغالات والصعوبات التي يمكن تلقيها.
-
تجنب تضخيم المشاكل في العمل وعدم إحضارها إلى البيت، والعكس صحيح.
-
الاسترخاء بعد العمل والتمتع بالحياة العائلية.
-
القدرة على قول "لا" بالنسبة للالتزامات التي تسبب التوتر والضغوط النفسية.
-
إحترام الذات وتقديرها والكشف عن قدراتها وكفاءاتها.
-
تجنب ردود الفعل الحادة والتحكم في الأعصاب.
-
التركيز على الأولويات سواء في البيت أو في العمل.
-
تعلم الاسترخاء وممارسة الرياضة إن أمكن (يعتبر المشي من أبسط الرياضات وأنفعها للصحة الجسدية والنفسية).
أما إذا أصبح القلق حالة مرضية، فيشير عبد الرحمن (2000، ص262) إلى أن العلاج الطبي يعد أكثر طرق العلاج شيوعًا لذلك، كما يعد العلاج السلوكي المعرفي المقترن بالتدريب على الاسترخاء، عامل فعال في اختزال التوتر مباشرة، حيث تساعد عملية البناء المعرفي المريض على تحديد واستبدال أفكاره المشوهة والمضطربة المؤدية لهذا الاضطراب إلى بناء معرفي جديد أكثر واقعية. والمزاوجة بين العلاج المعرفي والطبي غالبًا ما تكون أكثر فعالية من أيٍّ منهما بمفرده.
ومن أهم التوصيات العلاجية والتي ذكرها عكاشة (1992)، مايلي:
-
العلاج النفسي، ويقصد به الجلسات النفسية والإيحاء والتوجيه.
-
العلاج البيئي والاجتماعي، وذلك بإبعاد المريض عن المجالات التي تسبب له الصراع النفسي.
-
العلاج الكيمائي، ويتمثل ذلك في إعطاء المريض بعض المنومات والمهدئات وعقاقير خاصة بتقليل التوتر العصبي.
-
العلاج السلوكي، ويوجه للفئة ذات القلق المرتبط بالخوف المرضي من الناس والحيوانات أو الأماكن العامة أو الضيقة أو الشاهقة؛ وذلك بإعطاء المريض جلسات استرخاء وتعلم شرطي.
-
قد يلجأ في الحالات المستعصية لأسلوب العلاج الكهربائي أو الجراحي.