مقدمة
تمثل الصورة وجودا حيويا في تواصلنا اليومي مع الغير، ولها من المكانة في جميع المجالات ما جعل وضع تعريف بعينه وموحد غير صائب، باعتبار أن لكل توجه علمي نظرته الخاصة، التي ينطلق منها، والتي تحددها أدوار الصورة وكيفية استغلالها، فإذا تناولنا مفهوم الصورة من الناحية السيميائية نجد رولاند بارت (R. Barthes) يعتبرها رسالة تتمكن في ثلاثة نماذج هي : إما أن تكون رسالة لغوية أو رسالة أيقونية مشفرة تحتاج إلى تفسير محتواها، أو رسالة أيقونية غير مشفرة قادرة على إيصال المعاني بوضوح، نجمل المعنى لنقول أن الصورة هي إيحاء غير مباشر للمعاني، وتحتمل قراءات مختلفة بحسب المقام والسياق والمتلقي1.
بالموازاة نجد اهتماما بمصطلح الصورة في مجالي التربية والتعليم، فقد قدمت دراسات أكاديمية وبحثية عديدة حول كيفية استخدام الصورة ووظائفها التعليمية والتربوية، وتعدى التعريف بالصورة على عدها وسيلة من الوسائل التربوية والتعليمية المساعدة على الإيضاح، والمعتمدة للتبليغ و الإفهام، وتبيان الجزئيات والتفاصيل المعقدة بشكل محسوس ومشخص خاصة، إلى اعتبار الصورة مهارة يجب الاهتمام بها، وتدريسها مثلها مثل القراءة والكتابة، حيث يقول سيلفي أردون(Sylvie.A) أنه :« يجب أن نعتبر الصورة إحدى المهارات كالقراءة والكتابة والتعبير الشفاهي، لا نقتصر على اعتبارها سندا أو وسيلة للتوضيح، ولكن نموذجا للتحليل انطلاقا من الملاحظات والفرضيات، إنها تكوين للمعاني. »2فحسن توظيف الصورة في الممارسة التعليمية يحفز المتعلم إلى استخدام حواسه في دراسة واستيعاب محتويات الصورة، والتفكير في حل تركيباتها، كما يدفع المعلمين إلى الدقة في الملاحظة والتركيز مما يساهم في تنمية قدراتهم الإدراكية، وبالتالي تصبح الصورة التربوية صورة إدراكية ذهنية من جهة وانفعالية وجدانية من جهة ثانية، وصورة حركية توحي بالفعل والأداء والانجاز من جهة ثالثة، وفي تعريف بسيط لسرايا عادل قدمه للصورة التعليمية، قال فيه : « الصورة التعليمية عبارة عن تسجيل دقيق للشكل الظاهري للجسم فيبرز شكله ولونه ويمكن أن نستدل منها على صلابته أو ليونته أو ملمسه من خلال خبرتنا الحسية. »3 ، وعلى الرغم من بساطة التعريف السابق إلا أنه يحدد بعض المواصفات والمعايير التي ينبغي أن تتسم بها الصورة المستغلة في العمل التربوي، من أهمها الدقة العلمية والموضوعاتية المناسبتين في تحقيق الكفاءات المنشودة، فالمتعارف عليه أن الصورة أبلغ وضوحا وإبانة عن المقاصد، فكثير من الدراسات الأكاديمية تؤكد على أن الفرد يدرك الأشياء التي يراها عبر الصور إدراكا « أفضل وأوضح مما لو قرأ عنها أو سمه شخصا يتحدث عنها فالصورة كفيلة بتطوير كافة عناصر العملية التعليمية التعلمية، وجعلها أكثر فاعلية وكفاية. »4ومنه، فالصورة التربوية هي صورة إدراكية ذهنية من جهة، وانفعالية وجدانية من جهة أخرى، وصورة حركية تثبت بالفعل والآداء، لذلك يمكن أن نميز عدة وظائف للصورة البيداغوجية زيادة إلى الوظيفة التربوية والوظيفة الديداكتيكية، كالوظائف التالية : التعبيرية، الجمالية،التأثيرية، الحفاظية، المرجعية، الأيقونية، الثقافية، الوظيفة السيميائية.
إن الصورة التربوية التعليمية تحقق عدة أهداف من أهمها :
-
للصورة دور مهم في عمليتي التبليغ والتواصل.
-
يمكن استخدام المعلم للصورة على جعل المتعلمين قادرين على التعبير والتخيل، وينمي لغتهم الشفاهية.
-
4.يدعم العمل بالصورة كوسيلة تعليمية القدرات الحفظية وتدعيم المرجعية لدى التلاميذ.
-
5.الاختيار الأنسب والأمثل للصور التعليمية يشجع من ترسيخ القيم الجمالية والثقافية عند المتعلم، وإكسابه تعلمات جديدة، إذا اعتبرنا الصورة أيقونة رمزية تلخص السمات الثقافية والاجتماعية للمجتمعات، كما يؤكد على ذلك فيجوتسكي(Vygotski) وبروسارد(Brossard). وهي(أي الصورة التعليمية) بتعبير علي الخولي :« تخلق الصورة جوا جديدا في الصف وتصبح مصدرا للتنويع والتشويق »5
إن ما تقدمت به من حديث –سابقا- ما هو إلا مدخل للتأكيد على أن أي ممارسة تعليمية ناجحة تعتمد على الاختيار الأمثل للوسائل التعليمية، ومنها اختيار الصور المرافقة للنصوص التعليمية، وعليه من الضروري أن تتميز الصورة الموجهة للعملية التعليمية التعلمية على صفات أهمها الاختيار المناسب والملبي للفكرة العلمية أو التعليمية، وغير المتعددة القراءات، فكل ما كانت الصورة بسيطة واضحة المعالم والأفكار كانت رسائلها سهلة التناول والفهم، ومن الجوانب المهمة في صفات الصورة التعليمية حسب عدد كبير من أهل الاختصاص من تربويين ومفكرين ،كما نجده عند شمي نادر سعيد، الذي يؤكد على ضرورة وضع الصورة في مقام وسياق مناسبين، وفي مساحة كافية تسمح لمعالم الصورة من الوضوح6، ولها فيما بعد القدرة على التأثير وجلب اهتمام الطلاب، فوضوح تناسق جزئياتها بما تحمله من أبعاد لونية وهندسية ومعالم بسيطة الاستيعاب، كذلك مناسبتها للأعراف وقيم المجتمع وثقافات الأسر، كل هذه العوامل من شأنها أن تميز الصورة التعليمية عن غيرها من النماذج البصرية والوسائل التعليمية الأخرى، ولكن يجب التنويه والتأكيد على أن هذه المواصفات قد لا تكون مهمة إذا لم تحقق الإثارة والمناسبة للمستوى العمري للمتعلمين.
فإذا كانت للصورة التعليمية أهمية بالغة في الممارسة التعليمية كوسيلة إيضاح وتحقيق التعلمات، فكيف يمكن توظيفها ضمنيا في الكتاب المدرسي الذي يمثل بحد ذاته ركنا مهما في العملية التعليمية التعلمية، بل وأكثر، حيث خصص له جانب مهم من المناقشة والبحث كونه يترجم البيداغوجيات والإصلاحات المنتهجة في وزارة التربية ويحقق أبعاد المنهاج وغيرها من الوثائق التربوية، لكن في هذا المقال لن يكون الحديث عن الكتاب المدرسي وتأليفه بل عن استغلال الصورة التربوية وتوزيعها وتوظيفها داخل صفحات الكتاب، فالمتصفح للكتب المدرسية لاسيما في المرحلة التعليمية الابتدائية يجد زخما كبيرا من الصور، وهذا ما جعلني أخوض في البحث عن إجابات لأسئلة منها : كيف وظفت الصور في الكتب المدرسية الموجهة لتلاميذ الطور الأول من التعليم الابتدائي؟ وما هي طبيعة الصور وأدوارها في الكتب المدرسية الجزائرية؟، تعد هذه التساؤلات أهم أبعاد الإشكالية التي سيعالجها المقال في طياته، وتتمثل الإشكالية في الطرح التالي : كيف وظفت الصور في نشاطي فهم المنطوق والمكتوب المدمجين في الكتب المدرسية الموجهة لتلاميذ الطور الأول من التعليم الابتدائي؟.
للإجابة عن الإشكالية السابقة اعتمدت وصف الصور المدمجة داخل الكتب المدرسية الرسمية للغة العربية، والخاصة بتلاميذ السنوات الأولى والثانية والثالثة من التعليم الابتدائي، كمادة عينية للدراسة والتحليل، اعتمدت في دراستي المتواضعة إلى تصنيف الصور بحسب طبيعتها وتوظيفها في نشاطي فهم المنطوق والمكتوب.
يمكن تحديد أنواع مختلفة للصور التعليمية المعتمدة في الممارسة التعليمية، وكذلك الموجودة داخل المؤلفات المدرسية، وذلك بحسب طبيعة الصور، وكيفية استعمالها، إلى أنواع منها : الصورة الخيالية، الصورة الحقيقية، الصورة التوضيحية، والصورة الوصفية، والصورة التفسيرية، ولكل نوع من الأنواع السابقة الذكر وظائف وخصائص تتميز بها، وتؤثر طريقة وضع الصور وانتقائها في نقل المعلومة وتوضيحها، وتبسيطها، وهذا ما نلمسه عند مراجعة كتب المدونة حيث يضم كل كتاب ثمانية محاور، ويشمل كل محور ثلاثة نصوص مرفقة بصور موحية لأفكار كل نص، يمكن تمييز نموذجين من توظيف الصور، الأول يرتبط بطبيعة الصور، والثاني بطريقة توظيفها.
1. أنواع الصور بحسب طبيعتها
تختلف التصنيفات بين المتخصصين، فنجد بول ماسي يقدم خطاطة تصنيفية للصور، محددة في صنفين : الصنف الأول يدخل تحته الصورة السينمائية والتي تندرج تحتها كل من السينما والتلفزيون والفيديو، والصنف الثاني تندرج تحته الصورة الجمالية والصورة النفعية7 . كما نجد تصنيفا آخر تحدده طبيعة الصورة
« وبهذا فإن للصورة أشكال وتجليات، فثمة صورة فوتوغرافية تطابق الأصل مطابقة تامة، وصور شعرية أداتها اللغة والكلمة، وصورة الرسم القائم على إبداع لوحات تعبر عن إدراك جديد للعالم بحيث تعيد انتاجه وخلقه وأشكال النحت...وهناك الصور الفنية المتحركة والناطقة والتي تحولت من خلالها القصص والروايات إلى مشاهد سردية، وهناك الصور الرقمية التي ينتجها الكمبيوتر من خلال فن الجرافيك. »8
ومن التصنيفات أيضا ما نجده عند كل من أحمد خيري كاظم وجابر عبد الجابر، حيث يميزان أنواعا من الصور، ومنها أربعة أنواع تعنى بها الصورة التعليمية، وتتمثل في الصور الفوتوغرافية والصور الواقعية غير الفوتوغرافية، والمقصود منها الصور المرسومة باليد والملونة، من النماذج أيضا الصور الثابتة وهي الصور المجسمة، والأفلام9 .
بناء على التصنيفات السابقة يمكن تمييز ثلاثة أنواع رئيسية من التصوير الموظف في كتاب اللغة العربية الخاص بتلاميذ السنة الثانية من التعليم الابتدائي، وتتمثل في : التصوير الواقعي، والتصوير الإيحائي عبر الرسومات، والتصوير الخطي، والملاحظ أن هذه الأنواع الثلاثة وظفت في مجالي فهم المنطوق والمكتوب على حد سواء، وسنفصل ذلك فيما سيلي من عرض.
1.1. التصوير الواقعي
يقصد بالتصوير الواقعي هو نوع من الصور المتسمة بالتجريد الحقيقي، والتي تساهم في تقريب شروحات النصوص، وفهم المنطوق ، ويكثر الاعتماد على هذا النوع من الصور في كتب العينة، عند الحديث عن دروس فهم المنطوق مقارنة بدروس فهم المكتوب، حيث توظيف الصور الحقيقية في نصوص القراءة لم يكن معتمدا بطريقة مرتفعة أو بنسبة كبيرة، ويمكن ارجاع هذا التباين في توزيع واستخدام التصوير الواقعي في الكتاب المدرسي على هذا المنوال إلى طبيعة النشاط، فغالبا ما يكون استعداد الأطفال إلى التعبير على الأشياء العينية المجردة والأكثر واقعية أسهل بكثير من ايحاءات الرسومات التي قد تحيل إلى تصورات مختلفة، إضافة أن أغلب الصور الحقيقية المعتمدة في الكتاب اتسمت بالبساطة، والايحاء المباشر للأشياء والمعاني على نحو تصوير بعض نماذج الموروث الثقافي، وعرضها في فهم المنطوق، ومثالنا على ذلك الصورة الموالية المأخوذة من كتاب اللغة العربية لسنة الثالثة ابتدائي :
تبرز الصورة أعلاه نماذج من الألبسة التقليدية، والموحية إلى ثقافة المجتمع الجزائري، وهي صور قريبة من ثقافة الأسر الجزائرية، والمفترض بالتالي أنها محاكية ومعايشة ليوميات الأطفال، ومن السهولة أن يتعرف عليها، بل أكثر من ذلك بإمكان الأطفال تمييزها عن الألبسة المعتادة ومعرفة دواعي ارتدائها ووصف جمالها مقارنة بباقي الملابس المعتادة.
2.1. التصوير الإيحائي عبر الرسومات
بخلاف النمط الأول يمكن ملاحظة التوظيف الواسع للتصوير الإيحائي عبر الرسومات لاسيما في نشاط القراءة، أو فهم المكتوب، بالموازاة، وعلى الرغم من اعتماد هذا النوع من التصوير في مجال فهم المنطوق إلا أنه يظل متواضعا.
3.1. التصوير الخطي
يرتبط التصوير الخطي بنشاطات فهم المكتوب، وتعلم الكتابة بكل مهاراتها، وتلعب الألوان دورا مهما في توضيح المجالات المعرفية، وتقريبها للمتعلمين، من خلال جلب صنع الفوارق والمميزات الجوهرية بين التعلمات والمكتسبات القبلية التي تأكد سابقا رسوخها أو تنبيه المتعلمين لها. وللتصوير الخطي نموذج واحد موظف في كل الكتاب على نحو النموذج الموالي :
يوضح النموذج السابق أهمية التمييز اللوني، ووضوح الصورة الخطية في ابراز التعلمات، التي من شأنها أن تنجح الممارسة التعليمية للنشاطات الكتابية.
2. أنواع الصور بحسب توظيفها
يمكن تمييز ثلاثة أنواع من الصور في الكتب المدرسية محل الدراسة، وذلك انطلاقا من وصف وظيفية الصور في الكتاب، إلى صور رئيسية وأخرى تمهيدية، تضم الصور الرئيسية صورا كلية، وأخرى جزئية.
1.2. الصور الرئيسية
ترافق الصور الرئيسية المقاطع أو محاور النصوص وتكون مركبة من جزئيات، وموحية لأفكار النصوص المكونة للمحور، على نحو ما نجده في الصورة الموالية :
يقابل المقطع مفهوم المحور، الذي يضم مجموعة من النصوص تتصل فيما بينها بعلاقة موضوعاتية، تمثل صورة المقطع صورة موحية لأفكار النص المسموع، وشبكة تصويرية تجمل النصوص المبنية للمقطع، حيث يعالج كل نص جزئية معينة من المحور، فعلى سبيل التوضيح الصورة الموالية تبرز محتوى النص الأول والمعنون بـ :« مرحبا بكم »، حيث تقدم الصورة الشخصية الرئيسة في نصوص المقطع الأول، كما توحي إلى تشكيل منحى تفاعلي بين الشخصية الافتراضية والتلميذ، عبر إبراز السمات الوصفية لحركة اليد المرحبة، وطريقة عرض الشخصية في الصورة، كما يساعد النص المسموع على بناء الصورة التعريفية عند المتعلم فيما بعد.
لكن في نفس الوقت لا تقدم الصورة إلا جزءا من الصورة الرئيسة أو صورة المقطع ، وهذا ما عبرنا عنه بالصور الجزئية ، ويعتمد هذا النوع من الصور كسندات لفهم النصوص المسموعة أو فهم المنطوق.
أما بالنسبة لفهم المكتوب، تساهم الصور على الوصول بالمتعلم لايجاد المقابلات الوصول إلى الاستنتاج، وللتوضيح أكثر أقترح النموذج الموالي المأخوذ من كتاب السنة الأولى من التعليم الابتدائي :
فلاكتشاف صوت حرف الزاي، نستند إلى معرفة المتعلم للصور المعروضة عليه، وبمقابلة التكرار الصوتي لنفس الحرف يتم اكتشاف الصوت موضوع الدراسة في أوجهه النطقية المختلفة، وذلك قبل اكتشاف رسمها الفعلي، ومواقعها المختلفة في الكلمات.
2.2. الصور التمهيدية
تستغل الصور التمهيدية في الكتب المدرسية على ربط معارف التلميذ السابقة وتجنيدها لاكتساب معارف جديدة، على نحو الصورة الموالية، تدخل في إطار نشاط التعبير، وهي مناسبة لجعل التلميذ يعبر عن الشخصية في بعدها الاجتماعي، غير الغريب عن عالمه الخاص، بالموازاة، تساعد بنية الصورة على تأكيد العلاقة بين موضوع الصورة وموضوع المحور المتمثل في العائلة، على الرغم أن النص يدور حول التعريف بشخصية الطفل « أحمد » :
تحرر الصورة مخيلة التلاميذ في اسقاطهم التجربة التعليمية على مقتنياتهم المعرفية ومدخراتهم من حياته الخاصة وما اكتسبوه من ثقافة مجتمعهم، ولعل هذا ما يجعلنا نشاطر رأي الكاتب عندما يقول :
« الصورة في مفهومها الكلي ليست إلا تعبيرا بصريا وإبداعا يسلك سبيل التخيل والحكي، وترجمة لأفكار ومعان مستمدة من البيئة الثقافية التي يتحرك فيها خطاب الصورة والذي يختلف باختلاف الصورة واختلاف العلاقة التواصلية التي تحصل مع الصورة التي هي دائما متعددة سمعية تخزن أشياء كثيرة ومن ثم دلالات كثيرة والتجذر الثقافي يجعل منها إطارا قابلا لتأويلات مختلفة. »16
خاتمة
إن ما يمكن التأكيد عليه في خاتمة المقال أن الصورة عامل مهم في تحفيز المتعلم على الملاحظة، ودفعه إلى الاكتشاف، والبحث عن آليات للوصول إلى نتائج وبالتالي إلى تعلمات جديدة. كما أن توظيف وتوزيع الصور في المقطع الواحد مبني على الطريقة التركيبية، حيث يعتمد على تقديم الصورة المركبة ثم تجزئتها إلى مركبات جزئية، تستغل هذه الطريقة في جعل التلميذ قادرا في النهاية على تحصيل وإدراك أهداف المقطع المدرس، وهذا ما يتفق مع مفهوم الصورة الديداكتيكية والمرتبطة أساسا بالمقاطع الثلاثة التالية : « المقطع الابتدائي، المقطع التكويني، المقطع النهائي، ويستعمل المدرس الصورة المثبتة في الكتاب المدرسي لبناء الدرس شرحا وتوضيحا واستثمارا واستكشافا واستنتاجا وتقويما. »17
كما تسمح الطريقة التركيبية في عرض الصور على فهم ومجاراة النصوص المدروسة سواء في بعدها المسموع أو المكتوب، بمعنى أن تتبع عناصر الصورة تحفز على استحضار أفكار النص.
ومن النتائج المحصلة أيضا في ختام هذا المقال، التأكيد على أن للصورة أهمية في فهم النصوص وتحصيل المعارف قبل التعرض لها، لكن يجب تقديمها بكيفيات سهلة وبسيطة وغير معقدة بالنسبة للمتعلم، واعطائها المقام الملائم والعرض الجيد، لاسيما عند تأليف الكتب، فلا يكفي ارفاق النصوص بالصور دون ضابط ومقاييس، وللأسف الشديد هذا ما لمسناه في تأليف الكتب المدرسية للسنوات الأولى من التعليم الابتدائي، حيث لا توجد مساحات فاصلة بين النص والصورة بل قد يكون النص في أغلب الحالات كاسحا لفضاء الصفحة ومعتما لوضوح الصورة، مما يضبب ويصعب قراءة مكونات الصورة من ملامح للشخصيات وألوان وخطوط، وينتفي معها بذلك الرسائل التبليغية والتعليمية والتوضيحية والجمالية المرتبطة بها.
ما يمكن ذكره أيضا كنتائج للدراسة أن الكتب المدرسية للغة العربية، والمعدة لتلاميذ الطور الأول من التعليم الابتدائي، يغلب عليها الصور المباشرة، أكثر من الصور المشهدية أو المركبة التي تحيل إلى قراءات عديدة ومختلفة، غير أنه من السلبيات الملاحظة أيضا،انتفاء مطالب الصورة التعليمية، بحيث لا نجد علائق بين الصورة والعنوان أو مضمونه وهذا متجل بوضوح في بعض نصوص القراءة والتعبير، مما يصعب على التلاميذ الملاحظة والتعليق على الصور بسهولة.
إن الاهتمام بتوظيف وتفعيل الصورة في الكتاب المدرسي بأسلوب علمي وممنهج، أصبح لازما، وضروريا، فاليوم تتجه البيداغوجيات الحديثة إلى جعل الصورة ممارسة تعليمية تعلمية مثلها مثل الكتابة والتعبير الشفاهي تستدعي القراءة والإنتاج، يقول هيباتارنHebaterne :« يجب أن نعتبر الصورة احدى المهارات كالقراءة والكتابة والتعبير الشفاهي، ولا نقتصر على اعتبارها وسيلة إيضاح، ولكن كنموذج للتحليل انطلاقا من الملاحظات والفرضيات، إنها تكوين للمعاني. »18 ويبقى الحديث عن الممارسة وطريقة توظيف الصور من قبل المعلمين تحتاج إلى بحث مستقل.
إن الصورة التربوية التعليمية كفيلة وقادرة على أن تكون أكثر من وسيلة، بل هي طريقة تعليمية ناجعة لاسيما في المراحل الأولى من التعليم، وعليه لابد من إدماجها في العملية التعليمية التعلمية.