دور الجماعات المحلية في تحقيق التنمية المحلية : دراسة ميدانية على نموذج البلدية

Développement local et rôle des collectivités : étude de cas municipale

Local Development and the Role of Communities : A Municipal Case Study

عائشة ماتوس

عائشة ماتوس, « دور الجماعات المحلية في تحقيق التنمية المحلية : دراسة ميدانية على نموذج البلدية », Aleph [], 29 September 2025, 23 October 2025. URL : https://aleph.edinum.org/14906

تُعَدّ الإدارة المحلية إحدى صور اللامركزية الإدارية ونظام الجماعات المحلية، وتشغل موقعًا مهمًا في بنية الحكم الداخلي. غير أن التحولات العالمية فرضت عليها القيام بإصلاحات متعدّدة لتفعيل دورها في دفع التنمية ومواكبة المتغيرات الراهنة. وتواجه هذه الإدارة تحديات متنوّعة تحدّ من فعاليتها، مما يستلزم تبني برامج وسياسات إصلاحية، خاصة تلك التي تركّز على المورد البشري باعتباره جوهر التنمية، مع التأكيد على مبادئ الترشيد والعقلنة لتقليص مظاهر الخلل الوظيفي.
اعتمدت الدراسة على المنهج الكيفي، باستخدام المقابلة المعمقة التي طُبّقت على عينة تضم 33 مسؤولًا بلديًا. وبعد جمع البيانات وتحليلها، أظهرت النتائج وجود مؤشرات دالة على عقلنة الإدارة محل الدراسة، خاصة فيما يتعلّق بآليات تحقيق الأهداف وإجراءات التنمية المحلية. ومع ذلك، ما زال الأداء يخضع لمعايير ذاتية وعاطفية متجذّرة في القيم الاجتماعية التقليدية، الأمر الذي يحدّ من بلوغ عقلنة تنظيمية شاملة.

L’administration locale constitue une forme de décentralisation administrative et occupe une place centrale dans l’organisation de la gouvernance interne. Toutefois, les mutations actuelles exigent la mise en œuvre de réformes destinées à renforcer son rôle dans la promotion du développement et l’adaptation aux exigences contemporaines. Confrontées à divers défis qui limitent leur efficacité, les collectivités locales doivent adopter des politiques et des programmes orientés notamment vers la valorisation des ressources humaines, considérées comme le moteur essentiel du développement, afin de réduire le déséquilibre fonctionnel.
Cette recherche repose sur une approche qualitative, mobilisant la technique de l’entretien approfondi auprès d’un échantillon de 33 responsables municipaux. L’analyse des données a mis en évidence plusieurs aspects traduisant une rationalisation de l’administration étudiée, en particulier dans les modalités de réalisation des objectifs et les procédures de mise en œuvre du développement local. Cependant, les résultats montrent que ce processus demeure influencé par des critères subjectifs et émotionnels issus des valeurs sociales traditionnelles, ce qui freine l’atteinte d’une rationalisation organisationnelle globale.

Local administration represents a form of administrative decentralization and plays a key role in the governance system. Current transformations require the implementation of reforms to strengthen its contribution to development and to adapt to contemporary demands. However, local communities still face multiple challenges that limit their effectiveness. Addressing these issues necessitates policies and programs focusing primarily on human resources, which are considered the core of development, particularly with regard to rationalization and optimization, in order to mitigate functional imbalance.
The study employed a qualitative approach, using in-depth interviews conducted with 33 municipal officials. Data analysis revealed several indicators of rationalization in the administration under study, especially concerning the mechanisms for achieving objectives and the procedures for implementing local development. Nevertheless, the findings also show that the process continues to rely on subjective and emotional criteria rooted in traditional social values, which constrain the attainment of comprehensive organizational rationalization.

المقدمة

تتجلى فعالية وكفاءة الجماعات المحلية من خلال قدرة أجهزتها على تحويل الموارد المتاحة إلى برامج ومشاريع تستجيب لحاجات المواطنين وتعكس طموحاتهم وأولوياتهم. وأمام التغيرات المستمرة في التنظيم الإداري لمواكبة التحديات والصعوبات في ظل التطور والعصرنة، تبرز ضرورة إعادة النظر في التقسيم الإداري وتقييم مدى مشاركة المواطنين في تسيير شؤونهم وتحقيق آمالهم. كما أن كثرة النصوص التشريعية وعدم ملاءمتها جعلت من الضروري الإسراع في وضع منظومة تشريعية متكاملة تكيّف التنظيم الإداري المحلي ليتماشى مع الخصوصيات المحلية ومتطلبات التنمية.

لقد سعت الجزائر منذ الاستقلال إلى

« إرساء قواعد اللامركزية، حيث أنشأت الجماعات المحلية المتمثلة في الولاية والبلدية لتسيير المرافق والأملاك العمومية، والسهر على توفير الأمن للمواطنين وتلبية حاجاتهم الأساسية » (لمير، 2013/2014).

وتُعد الجماعات المحلية جزءًا لا يتجزأ من الدولة، فهي خاضعة لها رغم كونها صورة من صور اللامركزية الإدارية، وتعمل ضمن الإمكانيات المتوفرة لمباشرة اختصاصاتها محليًا.

إن دعم وتطوير نظام الإدارة المحلية في أيامنا هذه

« ضرورة من ضرورات الديمقراطية والمشاركة الشعبية في أي دولة عصرية، لما لها من علاقة مباشرة بحياة المواطن » (ياسر، 2018).

ويتجسد هذا التطوير في انتهاج استراتيجيات خاصة لرفع مستوى أداء الموارد البشرية وتحسينه، بغية الوصول إلى إدارة عصرية تمتلك الكفاءات والمهارات اللازمة لتحقيق أهدافها. ولهذا يُوصف المجتمع الحديث بأنه مجتمع التنظيم الرشيد والعقلاني، لاعتماده على أسس تتماشى مع العصر مثل الدقة، الوضوح، العقلانية، الترشيد والكفاءة.

كما أن الأهداف التي يسعى إليها التنظيم المحلي لا يمكن تحقيقها بالجهود الفردية وحدها، بل تتطلب تكاتف الجهود الجماعية والاعتماد على عمليات تنظيمية متكاملة. وتُعد إدارة الموارد البشرية جزءًا أساسيًا من هذه العمليات، إذ تؤثر في فعالية الجماعات المحلية من خلال التخطيط الاستراتيجي للعاملين، إدارة مسارهم المهني، تطوير مهاراتهم، وتوفير ظروف عمل مناسبة تشبع حاجاتهم ودوافعهم.

إن فعالية التنظيم تكمن في قدرة هذه العمليات على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على المستوى المحلي. غير أن عدم تنفيذها وفق ما حدده التنظيم البيروقراطي يؤدي إلى الهشاشة والخلل الوظيفي وضعف الفعالية. وهذه

« المعوقات العكسية غالبًا ما تحد من فعالية التنظيم وتحقيق الأهداف التنموية المرجوة، إذ أن ضعف أداء الإدارة المحلية يرجع إلى محدودية الكفاءات البشرية، وإلى القرارات الارتجالية غير المبنية على التخطيط أو الترشيد » (رابحي، 2021).

ويضاف إلى ذلك تغليب المصلحة الخاصة على العامة، انعدام المرونة، سيادة القيم الثقافية السلبية، وعدم الاستغلال الأمثل للموارد البشرية. كل ذلك أدى إلى إهمال المورد البشري داخل الإدارة المحلية، الأمر الذي يهدد بفشل الخطط التنموية. ومن هنا نطرح التساؤل العام : ما هي السبل الرشيدة للقضاء على الخلل الوظيفي بالإدارة محل الدراسة؟ وما هي متطلبات التنمية اللازمة لتحقيق التنمية المحلية؟

وانطلاقًا من هذا التساؤل العام يمكن صياغة الأسئلة الفرعية التالية :

  • كيف تسعى البلدية لتحقيق متطلبات التنمية على الصعيدين المادي والمعنوي؟

  • هل تؤكد البلدية على ضرورة تعزيز المشاركة والثقة كمنطلق لتحقيق التنمية؟

كما تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق الأهداف الآتية  :

  • التعرف على جهود البلدية في تحقيق التنمية ومدى اتسام الطرق المعتمدة بالرشد والعقلنة.

  • إبراز مظاهر الخلل الوظيفي الذي تعاني منه أغلب الجماعات المحلية جراء إهمال الموارد البشرية.

1. الإطار النظري

خصص هذا الجزء لتناول الجانب النظري للدراسة، مما دفعنا إلى التركيز على تحديد المقصود بالمفاهيم، ثم التعريج على الإطار النظري والمقاربة المعتمدة في تفسير وبناء هذه الدراسة، وذلك كما يلي :

1.1. مفاهيم الدراسة

تقوم أي دراسة علمية على تحديد المفاهيم الأساسية التي تشكّل إطارها النظري، إذ إن وضوح المفاهيم يسهم في بناء تحليل متماسك وفهم أدق لنتائج البحث. وانطلاقًا من ذلك، سيتم التوقف عند أهم المفاهيم المرتبطة بموضوع الدراسة، وهي : الجماعات المحلية، الإدارة المحلية، التنمية، والخلل الوظيفي، وذلك على النحو الآتي :

  • الجماعات المحلية :هي هياكل تتصف إدارتها بالشخصية المعنوية العمومية والاستقلال المالي، وتشرف على إدارتها وحسن سيرها مجالس منتخبة وأخرى معينة على شكل هيئات تنفيذية. وهي أشخاص عمومية محلية تنشأ وتخضع في تسييرها للقانون والتنظيم. وتشمل الجماعات المحلية في الجزائر : الولايات، الدوائر، البلديات. أما المقصود بالشخصية المعنوية العمومية فهو :

« مجموعة من الأشخاص الطبيعيين والأموال، يتم إنشاؤها بموجب نظام ولها هدف مشروع ذي طابع عمومي. ومن أهم الميزات التي تنتج عن الاعتراف بالشخصية المعنوية الاستقلالية الإدارية، أي توزيع الوظائف الإدارية بين الحكومة المركزية والهيئات المحلية المستقلة، بحيث تتمتع أجهزتها بالسلطة اللازمة، وفقًا لنظام رقابي مركزي يؤسس بقانون. وتضمن الاستقلالية الإدارية عدة مزايا، أهمها » (عادل محمود حمدي، 1973) :

  1. تخفيف العبء عن الإدارة المركزية من خلال استيعاب السلطات المحلية لبعض وظائف الدولة.

  2. تفهم أكبر وتكفل أفضل بمطالب المواطنين لدى الإدارة المركزية عبر مبدأ تقريب الإدارة من المواطن.

  3. إمكانية اتخاذ قرارات على المستوى المحلي في آجال قصيرة، مما يضمن تفادي التأخير.

  4. تحقيق مبدأ الديمقراطية من خلال إشراك المواطنين في تسيير الشؤون العمومية المحلية (الجندي، 1987).

  • الإدارة المحلية :تعددت التعريفات التي تشرح مفهوم الإدارة المحلية تبعًا لاختلاف الباحثين وزوايا النظر. فقد عرفها الفقيه الفرنسي Waline بأنها : « نقل سلطة إصدار قرارات إدارية إلى مجالس منتخبة بحرية من المعنيين ». وعرفها John Cherke بأنها : « ذلك الجزء من الدولة الذي يتولى المسائل التي تهم سكان منطقة معينة، إضافة إلى الأمور التي يرى البرلمان أنه من الملائم أن تديرها سلطات محلية منتخبة تكمل عمل الحكومة المركزية ». كما عُرّفت بأنها : « المناطق المحددة التي تمارس نشاطها المحلي بواسطة هيئات منتخبة من سكانها المحليين تحت رقابة وإشراف الحكومة المركزية » (الشيخي، 2001). كما تم تعريفها بأنها : « فرع من فروع الإدارة العامة للدولة، يهتم بالمشاركة في إدارة الشؤون العامة في كل إقليم بواسطة ممثلين عن المجتمع المحلي » (Byrnt, 1999).

  • التنمية :التنمية عملية واعية ومخططة تستهدف تطوير مختلف مناحي الحياة بغرض الارتقاء بمستوى معيشة المواطنين، وتحقيق تطلعاتهم، ومسايرة متغيرات العصر وتحدياته. وتنطلق مشاريع التنمية من المستوى المحلي لتشمل ربوع الوطن كافة. ولنجاحها على المستوى الوطني، لابد أولًا من تحقيق التنمية على المستوى المحلي. وعليه يمكن تعريف التنمية بأنها : « العملية التي يتم من خلالها توجيه كافة الجهود لجميع أفراد المجتمع بهدف خلق ظروف اجتماعية واقتصادية ملائمة في المجتمعات المحلية، ومساعدتها على الاندماج في حياة المجتمع والإسهام في تقدمه بأقصى ما يمكن » (قنوص صبحي، 1998).

  • الخلل الوظيفي :يعرفه رونو سانسوليو (Renaud Sainsaulieu) بأنه : « مجموعة من النتائج الثانوية التي ترافق تنفيذ مخططات التسيير العقلاني، وتعرقل أو تحول دون تحقيق الأهداف المحددة من طرف المسيرين » (شابر، 2008/2009). كما يعرفه جان ماري بيريتي (Jean Marie Peretti) بأنه : « التكاليف الناتجة عن إهدار موارد المنظمة والأعباء المادية الكامنة » (شابر، 2008/2009). وبذلك يمكن القول إن الخلل الوظيفي في التنظيمات هو مجموعة من المشكلات التي تشكل عائقًا أمام حسن التسيير، كما يمثل كل النتائج المترتبة عن الأفعال والسلوكيات غير العقلانية التي يقوم بها الفاعلون في التنظيم، والتي تعرقل أو تحول دون تحقيق الأهداف المخططة، وتتمثل أساسًا في التكاليف الناتجة عن إهدار الموارد والأعباء المادية المصاحبة.

2.1.المقاربة النظرية

بالنسبة لموضوع هذه الدراسة، تعد المقاربة البنائية-الوظيفية الأنسب، إذ ينطلق هذا المدخل من دراسة التنظيمات باعتبارها تؤدي وظائف داخل النسق الأكبر، أي المجتمع، حيث تؤدي أنساقها الفرعية وظائف متساندة في النسق التنظيمي الداخلي. ومن ثم فإن تفسير السلوك الإنساني في نطاق التنظيم لا يخرج عن هذا التصور النظري، خاصة التصورات التي جاء بها ماكس فيبر حول البيروقراطية والعقلنة والفعل الاجتماعي.

1.2.1. التنظيم عند ماكس فيبر

لا يختلف مفهوم التنظيم في جوهره عن مفهوم البيروقراطية، بل يمكن القول إن البيروقراطية أداة ملازمة للتنظيم، فلا تنظيم بلا بيروقراطية ولا بيروقراطية بلا تنظيم. ويرى بعض الباحثين أن الكلمتين مترادفتان. فالبيروقراطية بمفهومها الفيبري هي :

« الوسيلة أو القاعدة التي يقوم عليها التنظيم، حيث يتفق معظم الباحثين على أن نموذج السلطة البيروقراطية عند ماكس فيبر يمثل نقطة الانطلاق في الدراسة السوسيولوجية للتنظيمات ».

وقد ميز فيبر بين ثلاثة أنواع من السلطة أو الشرعية داخل التنظيمات :

  • الشرعية التقليدية : سلطة تستند إلى الأعراف الاجتماعية، وتكرّس المحاباة والملكية الشخصية والجهوية أكثر من العقلانية. وهي تنفع في المجتمعات التقليدية، لكنها لا تحقق أهداف المؤسسات الحديثة.

  • الشرعية القانونية ــ البيروقراطية (أو العقلانية) : تميز المجتمع الصناعي الحديث، وتستند إلى الجدارة، والقانون، والاختصاص، ومراعاة الحقوق.

  • الشرعية الكاريزمية : تعبر عن المواهب والصفات القيادية لشخصية فردية، وقد توجد في المجتمعات التقليدية كما في المجتمعات الجماهيرية (بومخلوف، 2001).

2.2.1.ماكس فيبر ونظرية الفعل الاجتماعي

ترتكز هذه النظرية على مبدأ أساسي في تفسير السلوك الإنساني والتنظيمي، وهو أن

« كل سلوك هو سلوك هادف؛ أي أن الفعل الاجتماعي لبلوغ هدف ما يختار وسائل وأنماط سلوك متعارفًا عليها اجتماعيًا للوصول إلى غايته. ويتضمن الفعل اختيار الفاعل لعدد محدود من الوسائل التي تحقق هدفه دون غيرها، وبذلك يحصل التمايز بين الوسائل والغايات. ولكل فاعل اجتماعي طريقته الخاصة في معرفة أساليب السلوك وسياقاتها الاجتماعية » (بومخلوف، 2001).

تعتبر البيروقراطية، وفقًا لفيبر، وصفًا لتنظيم الجهاز الإداري للمنظمة وتأثيره على أداء العاملين وسلوكهم. فهي سلطة المكتب المستمدة من اللوائح والأوامر والإجراءات الرسمية. وتُعد البيروقراطية النموذج المثالي للتنظيم، إذ تقوم على مبدأ التقسيم الإداري والعمل المكتبي، وتهدف إلى :

« إلغاء الطابع الشخصي في توزيع الأعمال، أو وسائل أداء العمل، أو تقييم الأداء. ولتحقيق ذلك لابد من وجود لوائح ونظم وقواعد تضبط عملية التقسيم الإداري، وبذلك يمكن الحد من التأثيرات الشخصية على سير الوظيفة » (رتيمي ورتيمي، 2008).

ويُظهر النموذج العقلاني والمشكّل أن البيروقراطية تنظيم يتمتع بالاستقرار والأمن والفعالية، عبر أنشطة تتسم بالدقة والسرعة والضبط والدوام والمردودية. فهي تحد من تأثير العلاقات الشخصية والاعتبارات غير العقلانية الناتجة عن القلق أو العدوانية أو السلوكيات العاطفية. غير أن هذا النموذج الذي صاغه فيبر يتعلق أكثر بالنتائج (الفعالية، المردودية، الدقة، الانتظام) منه بالمشكلات المرتبطة بالأنشطة اليومية للتنظيم. وقد أصبح من الواضح أن الفجوة بين الأهداف والنتائج، أو بين العقلانية والواقع، أو بين التنظيم المُمشكل والتنظيم غير المُمشكل، تمثل أحد أبرز مظاهر الخلل الوظيفي في الأداء اليومي.

ويحدث هذا الخلل لأن « الشكلنة التي يفرضها البناء العقلاني للتنظيم تصبح في نهاية المطاف عائقًا أمام الفعالية التي تُعد ضرورية لكل التنظيمات » (معمري، 2009).

2. إجراءات وطرق الدراسة

نتناول في هذا الجزء الإجراءات المتبعة في البحث، بما في ذلك طبيعة المنهج وأدوات جمع البيانات، والتعريف بمجتمع البحث وكيفية اختيار العينة، وذلك وفق العناصر التالية :

1.2. المنهج وأدوات جمع البيانات

بما أن منهجية البحث تعكس قيمته العلمية، فإن تحديد المنهج المعتمد في أي دراسة يرتبط بطبيعة المجتمع المدروس والأهداف المرجوة. ولهذا كان من الضروري الالتزام بالدقة، ومراعاة الأهداف المسطّرة وطبيعة البحث ومجتمع الدراسة. وقد اعتمدنا في هذه الدراسة المنهج الكيفي، كونه من أهم المناهج في البحث العلمي وأكثرها شيوعًا.

ويحرص الباحث عادة عند اختيار تقنيات جمع البيانات على استنطاق أفراد مجتمع محدد ضمن إطار إحصائي. وتُعد أدوات جمع البيانات خطوة أساسية للتوصل إلى نتائج الدراسة. ولهذا الغرض تم الاعتماد على المقابلة المعمقة، وهي التي يجريها الباحث عادة مع أفراد محددين للوصول إلى معلومات عميقة ومعقدة، مثل سياسي أو عالم أو رئيس حزب. وتشبه هذه المقابلة في طبيعتها الاستجواب الطبي الذي يطبقه الطبيب على المريض. وتُعد المقابلة المعمقة أداة أساسية في الأبحاث الكيفية، خاصة وأن دراستنا ركزت على استجواب إطارات هامة في البلدية (رؤساء مصالح ومكاتب).

وقد قُسّمت المقابلة المعمقة المعتمدة إلى ثلاثة أجزاء :

  • الجزء الأول : الأسئلة الأساسية التي تمهّد للموضوع (الجنس، السن، الأقدمية، الحالة العائلية، الانحدار الجغرافي).

  • الجزء الثاني : الأسئلة التي تتناول أبعاد الموضوع المختلفة، وخاصة ما يتعلق بكيفية تحقيق الأهداف، وتوظيف الموارد، ومحاولة سد الخلل الوظيفي.

  • الجزء الثالث : أسئلة موسّعة للحصول على معلومات إضافية حول الإجراءات والأساليب المعتمدة في تنمية الموارد البشرية، وخاصة ما يتعلق بالمشاركة، وبناء الثقة، ومحاولة تحسين الأوضاع.

كما تم الاعتماد على الملاحظة بالمشاركة، وتعني اندماج الباحث في المجتمع المدروس وتصرفه كأنه أحد أفراده من دون التصريح بهويته كباحث. وقد تحقق ذلك لكون الباحثة موظفة في مجتمع البحث، مما أتاح لها جمع معظم المعلومات عبر الملاحظة بالمشاركة، وبناء الثقة، والحصول على معطيات تساعد على التحليل مع تقليص هامش الخطأ والتخوّف.

2.2. مجتمع وعينة الدراسة

أُنجزت هذه الدراسة داخل بلدية باعتبارها جماعة محلية ذات حدود إقليمية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، يسيرها مجلس منتخب وفقًا لقانون البلدية رقم 11/10 المؤرخ في 03/07/2011. وقد وقع الاختيار تحديدًا على بلدية المعالمة بالعاصمة الجزائرية. ويبلغ عدد الموظفين والعمال داخل هذه البلدية 453 موظفًا.

وبسبب طبيعة الموضوع المتعلق بتسيير الموارد البشرية، ركزنا على فئة الإطارات والمسؤولين من رؤساء المصالح والمكاتب، باعتبارهم الأكثر اطلاعًا على العمليات الإدارية وكيفية تسيير شؤون البلدية. ولذلك تم استجواب 33 حالة فقط.

الجدول 1 : توزيع مجتمع البحث حسب متغير الفئة الوظيفية

المجموع

بقية الموظفين والعمال

رؤساء المكاتب

رؤساء مصالح

الفئة

453

420

24

09

عدد الموظفين

يتكون مجتمع الدراسة من 453 موظفًا موزعين حسب الوظائف والرتب على 09 مصالح مختلفة. ومع العلم أن كل مصلحة تتفرع إلى مجموعة من المكاتب تبعًا للأهداف والمهام، فقد وجدنا أن التركيز على المسؤولين وحدهم يخدم طبيعة الموضوع أكثر من إدراج بقية الموظفين.

وبالفعل تمكّنا من إجراء مقابلات معمقة مع جميع المسؤولين (رؤساء مصالح ورؤساء مكاتب). وبلغت عينة الدراسة 33 مشاركًا، كما يوضحه الجدول التالي :

الجدول 2 : يبيّن حجم عينة البحث

العينة

رؤساء المصالح

رؤساء المكاتب

المجموع

العدد

09

24

33

3. الجانب الميداني – الخصائص العامة

يتناول الجانب الميداني الخصائص العامة للمبحوثين، إلى جانب عرض نتائج السؤالين الفرعيين للدراسة اللذين يجيبان عن التساؤل العام والغرض من البحث.

1.3. تحليل البيانات العامة

سنقدم الخصائص الاجتماعية لعينة البحث من خلال المتغيرات التي تساعد على التعرف أكثر على هذه الفئة وشرحها إحصائيًا، وذلك عبر متغيرات الجنس والسن والأقدمية.

الجدول 3 : يبين توزيع المبحوثين حسب متغير الجنس

الجنس

التكرار

النسبة %

ذكر

32

96.97 %

أنثى

01

03.03 %

المجموع

33

100 %

يبين الجدول أعلاه أن الذكور يهيمنون بشكل شبه مطلق على المناصب القيادية ذات السلطة والمسؤولية بنسبة 96.97 %، مقابل مشاركة أنثى واحدة فقط بنسبة 03.03 %. ويأتي ذلك رغم جهود الدولة الجزائرية في مجال التعليم وتعزيز المساواة بين الجنسين. وقد أظهرت الملاحظة أن النساء أكثر حضورًا في القطاعات الإدارية، غير أن مساهمتهن في الوظائف ذات المسؤولية تبقى ضعيفة لأسباب اجتماعية تقليدية لا تزال المؤسسات الجزائرية خاضعة لها، رغم ما تحقق من تقدم ووعي. وهو ما يعكس استمرار تأثير الثقافة المجتمعية والأعراف السائدة على عقلنة التنظيم ورشده.

الجدول 4 : يبين توزيع المبحوثين حسب متغير السن

السن

التكرار

النسبة %

31 – 40 سنة

02

06.06 %

41 – 50 سنة

12

36.36 %

51 – 60 سنة

11

33.33 %

أكثر من 60 سنة

05

15.15 %

المجموع

33

100 %

يتضح من الجدول أعلاه أن غالبية المبحوثين من رؤساء المصالح والمكاتب تجاوزت أعمارهم الخمسين سنة بنسبة 48.48 %، في حين بلغت نسبة من تتراوح أعمارهم بين 41 و50 سنة 36.36 %. أما الفئة الشابة (31–40 سنة) التي تتولى مناصب هامة داخل الإدارة فهي شبه منعدمة بنسبة 06.06 % فقط.

وهذا يشير إلى غياب الترقية والتجديد العقلاني في التنظيم محل الدراسة. فالإدارات التي تطمح إلى تحقيق التنمية يفترض أن تركز، حسب تصور ماكس فيبر، على التعيين العقلاني واستغلال الطاقات الشابة لكسر الروتين ودفع عجلة النمو. غير أن الدراسة أظهرت أن الترقية في المؤسسة تخضع غالبًا لعامل السن السائد اجتماعيًا، ولا تستند إلى معايير موضوعية ورشيدة ومدروسة.

الجدول 5 : يبين توزيع المبحوثين حسب متغير الأقدمية في نفس المنصب

النسبة %

التكرار

الأقدمية في المنصب

12.12 %

04

أقل من 5 سنوات

48.48 %

16

5 إلى 10 سنوات

15.15 %

05

11 إلى 16 سنة

15.15 %

05

أكثر من 16 سنة

100 %

33

المجموع

يبين الجدول أعلاه أن أغلبية المبحوثين يتمتعون بأقدمية تتراوح بين 5 و10 سنوات بنسبة 48.48 %، يليهم من تجاوزت أقدميتهم 11 سنة بنسبة 30.30 %. بينما الأقل هم من تقل أقدميتهم عن 5 سنوات بنسبة 12.12 %.

ويُظهر ذلك غياب التسيير العقلاني في توزيع المناصب والمسؤوليات، مما يؤدي إلى ركود في التوظيف والترقية. فكثير من المسؤولين يسعون إلى الاحتفاظ بمناصبهم وعدم ترك المجال لطاقات أخرى، الأمر الذي يترتب عنه ارتفاع البطالة وجمود الحركة داخل الإدارة. وإذا كان الهدف المعلن للبلدية هو تحقيق التنمية على المستويين الداخلي والخارجي، فإن سوء توزيع المناصب وسوء تسيير الموارد البشرية يقود إلى نتائج سلبية أبرزها الروتين، الفساد، البيروقراطية والتعطيل، وهو ما يعرقل بلوغ الأهداف الأساسية، بل يؤدي إلى خلل لا يمكن تجاوزه إلا عبر تسيير عقلاني ورشيد.

2.3. تحليل نتائج التساؤلين الفرعيين

1.2.3. تحليل وتفسير بيانات السؤال الفرعي الأول

يتمحور هذا السؤال حول سعي البلدية إلى تحقيق متطلبات التنمية على الصعيدين المادي والمعنوي. وفي هذا الإطار، نستعرض من خلال السلسلة الإحصائية للجداول التالية آراء المبحوثين من رؤساء المصالح والمكاتب بشأن الأدوار الرئيسة التي تضطلع بها البلدية محلّ الدراسة في مجال التنمية المحلية، ومدى الجهود المبذولة عبر مختلف الوسائل الممكنة لبلوغ هذه الأهداف.

الجدول 6 : يبين وجود لجنة متخصصة لمتابعة مشاريع تسيير الإدارة المحلية

النسبة %

التكرار

لجان مختصة في متابعة المشاريع

100 %

33

توجد

لا توجد

100 %

33

المجموع

يبيّن الجدول أعلاه توافر لجنة متخصصة بصفة مطلقة (100 %). وتخضع مداولات المجلس الشعبي البلدي لرقابة إدارية وقضائية؛ إذ تتجسّد الرقابة الإدارية في رقابة والي الولاية الذي يملك سلطات واسعة (المصادقة الضمنية أو الصريحة، البطلان المطلق أو النسبي) ضمن الحدود التي رسمتها المواد 41–46 من قانون البلدية. أما الرقابة على الهيئة (المجلس) فتكون بإنهاء حياتها القانونية عبر الحلّ وتجريد الأعضاء من الصفة طبقًا للمادة 34 من قانون البلدية، كحالة فقدان الأغلبية بعد تطبيق أحكام الاستخلاف. وفي هذه الحالة يرفع الوالي تقريرًا إلى وزير الداخلية، الذي يحيله بدوره إلى مجلس الوزراء لاستصدار مرسوم الحلّ.

أما الرقابة على البلدية مقارنةً بالولاية فتبقى أكثر إشكالية لكون الجهاز المسير في البلدية منتخبًا (الرئيس، النواب، الأعضاء)، بخلاف الوالي المعيّن على مستوى الولاية، ما يصعّب ممارسة الرقابة رغم بقاء البلدية خاضعة لها.

وعليه، يتّضح أن البلدية توفّر لجانًا متخصصة وفق التشريعات المعمول بها لضمان الرقابة وحسن التسيير على الصعيدين المادي والمعنوي.

الجدول 7 : إشراك المواطنين وأعيان البلدية في مراقبة وتنفيذ المشاريع

النسبة %

التكرار

شكل الإشراك

39.39 %

13

افتراضي (شكلي)

39.39 %

13

ظرفي

21.21 %

7

لا يوجد

100 %

33

المجموع

يفيد الجدول بأن الإشراك شكلي أو ظرفي لدى أغلب الحالات (39.39 % لكل منهما)، مع نسبة 21.21 % ترى عدم وجود إشراك. ورغم مركزية المشاركة في تحسين الفعالية التنظيمية وتذليل الصعوبات الاجتماعية، إلا أن غياب التفعيل الحقيقي للمشاركة يدل على ضعف اعتماد معايير عقلانية في المؤسسة. وتتجسّد الديمقراطية التشاركية محليًا عبر : ضمان الإعلام الإداري؛ الحق في الاطلاع على الوثائق؛ آليات الاستشارة؛ حضور الجلسات؛ ومشاركة المواطنين عبر اللجان. وتبقى عوائقها : قصور الإطار القانوني، عزوف المواطنين، وضعف المجتمع المدني. النتيجة : المشاركة غير مفعّلة فعليًا إلا شكليًا وفي ظروف استثنائية.

الجدول 8 : سعي الإدارة المحلية لتحقيق أهداف التنمية المحلية

تسعى الإدارة لتحقيق الأهداف

التكرار

النسبة %

نعم

33

100 %

لا

المجموع

33

100 %

تدل النتائج على وجود سعي كامل لتحقيق الأهداف المسطّرة قانونيًا وتنظيميًا. وتضطلع الأجهزة الثلاثة (التقريرية، التنفيذية، الرقابية) بأدوار تنموية وسياسية (تلبية الاحتياجات، التخطيط المستقبلي، تعزيز الدور الديمقراطي للمجتمع المحلي). وبقدر ما تبدو الإدارة المحلية جهازًا قريبًا من حياة المواطن وقادرًا على التأثير في معيشه وبيئته، يُلاحظ أنّ الجهود تركّز أساسًا على المشاريع وتلبية الحاجات أكثر من الاهتمام المنهجي بالموارد والكفاءات البشرية المنتمية إليها، كما عكسته الجداول (3) و(4) و(7).

الجدول 9 : قدرة الموارد الطبيعية المتاحة محليًا على تلبية متطلبات التنمية

تقدير القدرة

التكرار

النسبة %

قادرة

15

45.45 %

غير قادرة

9

27.27 %

قادرة نسبيًا

9

27.27 %

المجموع

33

100 %

تفيد النتائج بأن 45.45 % يرون الموارد قادرة على تلبية المتطلبات، مقابل 27.27 % « غير قادرة »، و27.27 % « قادرة نسبيًا ». رغم الاعتمادات والميزانيات المرصودة للتنمية المحلية، يظلّ نقص الموارد عاملًا مقيّدًا للأداء. ولذلك، يُستحسن تبنّي ممارسات داعمة للاستدامة، من قبيل :

  • استهلاك الموارد باعتدال وكفاءة، ومراعاة الأسعار والأطر الزمنية لاستبدال غير المتجدد منها، والنظر في الاستخدامات البديلة.

  • عدم استهلاك الموارد المتجددة بوتيرة تفوق قدرتها على التجدد أو على نحو يضر بالإنسان أو بأنظمة دعم الحياة.

  • التوسع في الطاقة النظيفة المتجددة (الشمسية، المائية، الرياح).

  • استخدام الفضلات كموارد ما أمكن، والتخلّص منها دون أذى للإنسان والبيئة.

  • التقليل من المبيدات والمخصّبات الضارّة بالبيئة.

2.2.3. تحليل وتفسير بيانات السؤال الفرعي الثاني

يتمحور هذا السؤال حول تأكيد البلدية على تعزيز مسألتي المشاركة والثقة. ومن هذا المنطلق، فإن التركيز على الموارد المادية والمالية وحده لا يكفي لتحقيق التنمية؛ إذ يكمن الفارق الحقيقي في فهم ديناميات المورد البشري (الأفعال، الحاجات، القيم، ردود الفعل). لذلك يُفترض عدم إغفال هذا العامل بوصفه جوهر العملية التنموية، والعمل على بناء الثقة واستثمارها. وتكشف النتائج الآتية:

الجدول 10 : وجود مبدأ المشاركة الشعبية في المشاريع التنموية

مستوى المشاركة

التكرار

النسبة %

توجد المشاركة

10

30.30 %

توجد أحيانًا

15

45.45 %

لا توجد

8

24.24 %

المجموع

33

100 %

تبيّن النتائج ضعف المشاركة الشعبية؛ إذ يغلب خيار « توجد أحيانًا » (45.45 %)، ثم « توجد » (30.30 %)، وأخيرًا « لا توجد » (24.24 %). ما يعني أن الإشراك يحدث غالبًا في ظروف استثنائية، بما يعزّز فجوة الثقة ويُضعف الاعتداد برأي الفاعلين.

الجدول 11 : المشاركة الداخلية للموظفين في القرارات المهمة

كيفية اتخاذ القرار

التكرار

النسبة %

بين أغلبية المسؤولين

15

45.45 %

مشاركة جماعية

12

36.36 %

إشراك جميع الموظفين في مسائل استثنائية فقط

13

39.39 %

المجموع

33

100 %

تفيد النتائج بتباين واضح بين المسؤولين في منهج إشراك الموارد البشرية : فالأغلبية تحصر القرار في المسؤولين (45.45 %)، ونسبة معتبرة لا تُشرك جميع الموظفين إلا في مسائل استثنائية (39.39 %)، بينما يعتمد 36.36 % المشاركة الجماعية. هذا التباين يؤكد غياب نمط تسيير موحّد ومعايير عمل مشتركة، ما يفضي إلى تشتت القيم والإجراءات، ويغذّي الاحتقان الداخلي. في المقابل، تفلح الإدارات الناجحة حين تضع نظامًا موحّدًا للحوكمة، ومعايير متفقًا عليها، وتمنح المشاركة مكانة لتحفيز التقدير والرضا الوظيفي، إذ تبدأ التنمية الحقيقية من استثارة المورد البشري وتمكينه.

الجدول 12 : وجود الترقية والحوافز للموارد البشرية

وجود الترقية والحوافز

التكرار

النسبة %

توجد

12

36.36 %

لا توجد

21

63.64 %

المجموع

33

100 %

تفيد المعطيات بضعف الحوافز والترقية (63.64 % يرونها غير متوافرة على نحو كافٍ). وعلى الرغم من اعتناء القطاع بموارد ومشاريع التنمية، فإن ضعف العناية بالأجور والحوافز وبمسارات الترقية يقوّض الاستقرار والرضا المهني.

الجدول 13 : دعم التقاليد التنظيمية للانتقال نحو إدارة بالمشاركة

التقاليد التنظيمية تدعم الانتقال

التكرار

النسبة %

تدعم

22

66.67 %

لا تدعم

11

33.33 %

المجموع

33

100 %

تُظهر النتائج أن التقاليد التنظيمية في الإدارة المحلية تميل إلى دعم التحول من الإدارة التقليدية إلى إدارة بالمشاركة، لا سيما مع الأدوات الرقمية والشفافية والحوكمة. وتخطّط البلدية لاستثمار نقاط القوة لتحقيق الفعالية والتنمية الشاملة، مع إتاحة فرص المشاركة لمختلف المستويات الوظيفية، وتعزيز العمل الجماعي القائم على المساءلة والشفافية. وتُعدّ الاستراتيجية التشاركية رافعةً للاستقرار وتحقيق الأهداف، بالحفاظ على الموارد البشرية وتحقيق التنمية المحلية.

4. نتائج الدراسة في ضوء المقاربة النظرية

1.4. تحليل نتائج السؤال الفرعي الأول

تشير نتائج الدراسة إلى أن المجتمع الجزائري، بما في ذلك مؤسساته الحساسة كالجماعات المحلية والإدارات العمومية، استطاع إلى حدّ بعيد التكيّف مع التحولات الراهنة التي تفرضها متطلبات الترشيد والعقلنة. وقد تبنّت هذه المؤسسات أهدافًا وطرائق وإجراءات تدعم التنمية المحلية وفعالية تحقيق الأهداف المسطّرة. ووفق بيانات الجدول (06)، سعت الإدارة المحلية إلى توفير لجان متخصصة وفق التشريعات والنصوص المعمول بها، بما يعزّز الرقابة والرشد والنزاهة في التسيير.

غير أن هذا الرشد لم يكتمل على الصعيد المعنوي، خاصة فيما يتعلّق بإشراك المواطنين وأعيان البلدية في مراقبة وتنفيذ بعض المشاريع. فرغم السعي المعلن، يبقى التنفيذ غالبًا فرديًّا أو محصورًا في المستويات العليا دون إشراك واسع للمعنيين، حسب نتائج الجدول (07). وهذا ما يؤكد أن الإدارة المحلية لا تحقّق شروط العقلنة على نحو شامل، إذ تظل بعض العمليات الإدارية محكومة بقيم تقليدية لم تتحرر بعد من منطق العاطفة وضعف الترشيد.

وتُظهر نتائج الجدول (08) وجود سعي كامل لتحقيق أهداف التنمية المحلية (100 %). غير أنّ الجدول (09) يبيّن أن القيود المرتبطة بالموارد الطبيعية المتاحة في المحيط المحلي لا تساعد دائمًا على تحقيق الأهداف كاملة، ما يجعل من عوامل البيئة المحيطة محدِّدًا يؤثر في إمكانات الرشد والعقلنة عبر سلسلة الإجراءات المعتمدة.

2.4. تحليل نتائج السؤال الفرعي الثاني

ركّز هذا التساؤل على اختبار مدى إهمال المورد البشري أو العناية به في تحقيق التنمية، رغم ما يُتاح من إمكانات مادية ومالية. وبحسب الجدول (10)، لا تزال المشاركة الشعبية في المشاريع التنموية غير مفعّلة كما ينبغي؛ فهي لا تقترب بما يكفي من فهم المشكلات والرغبات الحقيقية للفاعلين، ما يعيق بلوغ التنمية بصورة مكتملة على المستوى المحلي.

وتكشف نتائج الجدول (11) أن ضعف المشاركة لا يقتصر على العلاقة بين الإدارة والمواطنين، بل يمتدّ إلى داخل الجهاز نفسه؛ إذ تتباين أساليب إشراك الموظفين في القرارات المهمة، ويُحتفظ غالبًا بالقرار في دائرة المسؤولين، مع إشراكٍ ظرفيّ في الحالات الاستثنائية. وهذا التباين أفضى إلى غياب توحيد القيم والإجراءات، وازدياد احتمالات اهتزاز الثقة. ويُعزى ذلك —كما تدلّ عليه معطيات الجداول (03) و(04)— إلى هيمنة اعتقادات اجتماعية تقليدية تجعل الاحترام للأقدم سنًّا معيارًا غير مكتوب، فتغلب الاعتبارات العاطفية على المنطق القانوني المثالي.

ويؤكد الجدول (12) أن الإدارة المحلية تركّز بصورة أوضح على الأهداف والإمكانات المادية، بينما يتعرّض المورد البشري للإهمال نسبيًّا من حيث الترقية والحوافز. وترتبط هذه النتيجة، وفق الجدول (05)، بعدم تجديد الدماء وترك الأكبر سنًّا في المناصب لسنوات طويلة دون تناوب مؤسسي أو مسارات ترقية واضحة.

وأخيرًا، يُظهر الجدول (13) أن الإدارة المحلية تسعى جديًّا إلى بلوغ مستويات أعلى من الفعالية والتنمية ومعالجة الاختلالات، وذلك عبر الانتقال التدريجي إلى أساليب إدارة راشدة وتشاركية مدعومة بالرقمنة والشفافية.

3.4. تحليل نتائج التساؤل العام

ما هي الطرق الرشيدة المنتِجة للقضاء على الخلل الوظيفي بالإدارة محلّ الدراسة؟ وما متطلبات التنمية اللازمة لتحقيق التنمية المحلية؟

تعتمد الإدارة المحلية عددًا من الطرائق الرشيدة التي يوافقها النموذج العقلاني عند ماكس فيبر؛ وقد ظهرت ملامح الرشد في : السعي إلى التنمية، ووضوح الأهداف، والتخطيط لمواجهة قيود الموارد، والعقلنة في توزيع الأدوار محليًّا مع تخصيص الموارد اللازمة. وفي المقابل، تبدّت مواطن خلل في توزيع السلطة والمسؤوليات، وفي المشاركة وبناء الثقة والترقية؛ إذ أُهملت بدرجة ملحوظة العوامل الثقافية للمحيط واحتياجات الموارد البشرية، لصالح التركيز على الأبعاد المادية والمالية أكثر من الاجتماعية والثقافية — وهما مصدران جوهريان للخلل الوظيفي.

ومع ذلك، توضح النتائج أن المؤسسة —بحكم وجودها في مجتمع انتقالي لم يبلغ بعد مرحلة العقلنة الكاملة— تسعى بجدية إلى الانتقال نحو الإدارة الرشيدة. وتحدّ القيود الخارجية المتصلة بموارد المجتمع وثقافته وتوقّعات مواطنيه من سرعة هذا الانتقال؛ ما يستلزم تخطيطًا أدقّ وعملًا مستمرًّا، واحترامًا لدرجة تطور المجتمع وثقافته، مع التوعية والتحفيز، لبلوغ أهداف واقعية على المدى المتوسط والبعيد.

الخاتمة

تُعدّ الإدارة المحلية من أهم الأنظمة التي تُمكّن المواطنين في المجتمع المحلي من المشاركة الفعّالة والحقيقية في إدارة الشؤون المحلية عبر ممثليهم في المجالس المنتخبة. كما أن التطبيق السليم للتنمية المحلية لا يتحقق إلا بتظافر جميع الجهود بين مختلف الفاعلين، خاصة في ظل عجز الإدارة المحلية — لا سيما في دول العالم النامي — عن تلبية كافة احتياجات المجتمع، نتيجةً لعدد من المشكلات التي تعيق تحقيق التنمية، مثل : تزايد عدد السكان، تسارع وتيرة التحضر، سوء تسيير واستغلال الإمكانات المحلية، إضافة إلى ضعف استثمار الموارد البشرية داخل المنظمة نفسها.

ويستدعي ذلك إدخال إصلاحات متعددة على الإدارة المحلية تشمل الجوانب المادية والمعنوية والقانونية. وفيما يلي أبرز الاقتراحات التي توصّلت إليها هذه الدراسة :

الاقتراحات والتوصيات

  • الاستغلال الأمثل والفعلي للثروات والموارد المتاحة للدولة، مع تهيئة المناخ المناسب لتسيير الاستثمارات المحلية.

  • توفير مجالات متنوّعة وملائمة للشباب، مع تأهيلهم وتوفير فرص عمل تتناسب مع متطلباتهم وتخصّصاتهم المهنية.

  • تخطيط وتسيير الموارد البشرية بأسلوب علمي يمكّنها من مواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة.

  • التأكيد على أهمية المشاركة الفعلية للمواطنين في جميع المشاريع التنموية.

  • صيانة ودعم السلوك الحضاري والديني الذي يميز الوطن العربي عامةً والجزائر خاصةً، واستثماره في خدمة التنمية المحلية.

  • القضاء على إعادة إنتاج القيم والأعراف الاجتماعية داخل المنظمة التي تعيق عقلنة التنظيم، مثل : احترام الأقدمية على حساب الكفاءة، حرمان النساء من المناصب القيادية، واستمرار توزيع المسؤوليات وفق العلاقات والأعراف بدلًا من المعايير الموضوعية.

  • السعي لتجاوز الروتين وجمود التوظيف من خلال تجديد الدماء في الجهاز الإداري وإتاحة الفرص للجميع.

  • تكريس مبدأ الرشد في عمليات الاختيار، التوظيف والترقية.

  • تعميم المشاركة والشفافية والحوكمة وتدعيمها على نطاق واسع داخل البلدية وخارجها.

  • إيلاء أهمية خاصة للمورد البشري، لا سيما ما يتعلق بتحسين أوضاعه المهنية والمادية مثل الأجور والحوافز الضرورية.

الجندي، مصطفى. (1987). الإدارة المحلية وإستراتيجيتها. الإسكندرية، مصر : منشأة الإسكندرية.

رابحي، سهام. (2021، سبتمبر). واقع الإدارة المحلية – المعوقات والحلول. مجلة الباحث الأكاديمي في العلوم القانونية والسياسية، 7، 270-285. الجزائر : المركز الجامعي بأفلو/الأغواط.

رتيمي، الفضيل، ورتيمي، أسماء. (2008، جوان). عقلنة المنظمة ونظريات التنظيمات. الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية. الجزائر : قسم العلوم الاجتماعية.

الشيخي، عبد الرزاق. (2001). الإدارة المحلية. عمّان، الأردن : دار المسيرة.

عادل، محمود حمدي. (1973). الاتجاهات المعاصرة في نظم الإدارة المحلية : دراسة مقارنة. القاهرة، مصر : دار الفكر العربي.

ع، لمير. (2013/2014). الضرائب المحلية ودورها في تمويل ميزانية الجماعات المحلية : دراسة تطبيقية لميزانية بلدية أدرار (رسالة ماجستير). كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التجارة والتسيير، جامعة وهران.

قنوص، صبحي محمد. (1998). أزمة التنمية : دراسة تحليلية للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لبلدان العالم الثالث (المجلد 3). القاهرة، مصر : دار الفجر للنشر والتوزيع.

معمري، لحبيب. (2009). التنظيم في النظرية السوسيولوجية. الجزائر : منشورات ما بعد الحداثة، جامعة سيدي محمد بن عبد الله.

بومخلوف، محمد. (2001، ماي). التنظيم الصناعي والبيئة (المجلد 1). الجزائر : دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع.

ياسر، عبد الوهاب. (2018، يناير). مبادئ وآليات الحوكمة ودورها في دعم وتطوير نظام الإدارة المحلية المصري. مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 19(74)، 200-220.

شابر. (2008/2009). محاولات التغيير الثقافي في أنماط إدارة الموارد البشرية : دراسة ميدانية بالشركة الجزائرية للكهرباء والغاز سونلغاز(رسالة ماجستير في علم الاجتماع الثقافي). جامعة الجزائر.

Byrnt, T. (1999). Local governments in Britain. Penguin Books, Ltd, UK.

عائشة ماتوس

جامعة الجزائر 2 Alger

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article