مقدمة
أخال نفسي صائبا إن قلت: إن المصطلح اللّساني العربي يشهد في وقتنا الحاضر فوضى وشذوذا كبيرا في ترجمته من اللُّغات الأجنبية إلى اللُّغة العربيَّة بسبب تظافر مجموعة من العوامل والأسباب. ومن منطلق أن اللّسانيين العرب قد تلقوا تكوينهم في النظريات اللّسانية الحديثة على يد علماء غرب، فإن كل نظرية لسانية تتميز بمجموعة من الخصوصيات الثقافية والفكرية واللُّغوية التي تجعلها تتميز عن غيرها، وهو ما فرض على المترجم العربي إدراك هذه الخصوصية والمرجعية في بيئتها الأصلية.
من هنا، فإن التباين في التكوين بين مدرسة لسانية وأخرى، جعل اللسانيون العرب ينتصر كل واحد منهم إلى المدرسة اللّسانية التي يتنمي إليها، مما خلق فوضى لغوية في ترجمة المصطلحات اللّسانية إلى اللُّغة العربيَّة، وتعدد المصطلحات للمفهوم الواحد وتضاربها. ثم نزيد على ما تقدم، فنقول: إن المصطلح اللّساني في اللّسانيات العربيَّة يتصف بالتَّعدد والاختلاف والفوضى المصطلحية بسبب التوجه الكبير نحو الترجمة والتَّعريب بدلاً من الاعتماد على آليات الوضع المختلفة التي تستند إلى نواميس اللُّغة العربيَّة وقواعدها.
مما يجدر التنويه به –ههنا- أن الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح ساهم مساهمة فعالة في توحيد المصطلح اللساني العربي من خلال التجربة التي اكتسبها في ميدان المصطلحية؛إذ عمل على معالجة الشذوذ والفوضى المصطلحية التي يعرفها المصطلح اللساني العربي، وكان متشددا ودقيقا في وضع المصطلحات اللسانية العربية، وعمل على إحياء بعض المصطلحات اللُّغوية التراثية التي أقر بأهميتها للتعبير عن مفاهيم المصطلحات المترجمة، وأيضا لكونه لم يجد في اللسانيات العربية الحديثة ما يعبر بها عن هذه المفاهيم.
بين هذا وذاك يروم مقالنا الإجابة عن مجموعة من التساؤلات نجملها في النقاط الآتية: ما هي أهم أسباب شذوذ المصطلح اللّساني العربي؟ ماهي أهم جهود عبد الرحمان الحاج صالح اللسانية في توحيد المصطلح اللّساني؟ وماهي القواعد التي كان يستند إليها عبد الرحمان الحاج صالح في وضع المصطلح اللّساني؟ هل كان موضوعيًا ودقيقًا في وضع المصطلحات اللّسانية العربية وبعيدًا كل البعد عن التحيز والأحكام المسبقة؟ هل أسهمت مصطلحاته اللسانية المستحدثة في الثراء المعجمي للغة العربيَّة؟ ماهي أهم الحلول التي اقترحها للخروج من شذوذ المصطلح اللساني العربي؟ تلكم أهم التَّساؤلات التي نسعى للإجابة عنها في هذا المقال معتمدين في ذلك على المنهج الوصفي التحليلي الأنسب لمثل هذه الدراسة.
1. تعريف الشذوذ المصطلحي
تجدر الإشارة -في بداية هذا المقال- أنه قبل التطرق إلى عوامل شذوذ المصطلح اللّساني العربي وأسبابه، ووصولاً إلى جهود المرحوم الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح في معالجة شذوذ المصطلح اللّساني العربي، وجب علينا أولاً الحديث- ولو بإقتضاب موجز- عن تعريف مصطلح الشذوذ من الناحية اللُّغوية والاصطلاحية.
-
لغة: ورد في معجم لسان العرب لابن منظور أن مصطلح الشذوذ هو:« ما فارق عليه بقية بابه وانفرد على ذلك إلى غيره. وشذَ الرَّجل إذا انفرد عن أصحابه، وكذلك كل شيء منفرد فهو شاذ...» (ابن منظور: مادة ش ذ ذ). ومن خلال التدقيق في تعريف ابن منظور، نرى أن مصطلح الشذوذ من الناحية اللُّغوية يعني الاختلاف والانفراد عن الجمهور، وعن كل ما هو مألوف عند الجمهور. وبالتالي يكون الانفراد والاختلاف عن الآخرين عبارة عن شذوذ.
-
اصطلاحا: تجدر الإشارة –ههنا- أن مصطلح الشذوذ من الناحية الاصطلاحية ليس ببعيد عن معناه اللُّغوي ويقابله النادر في العرف الاصطلاحي، والنادر هو: «ما قلَّ وجوده، وإن لم يكن بخلاف القياس كـ(خزعال). ومن استعمالات العلماء في هذا الشان النادرة. وهي بمعنى الشوارد» (أبو الباقي.1993: 64). وقد قال السيوطي عن الشوارد: «والشوارد جمع شاردة، وأصل التشريد التفريق، فهو من أصل باب الشذوذ». كما نقل عن ابن هشام في تقسيمه للاستعمال: «والنادر أقل من القليل» (عبد السلام.1984: 72).
لاغرو في أن المتتبع لمصطلح «الشواذ» في الدراسات اللُّغوية العربيَّة- شأنه في ذلك شأن المصطلحات اللغوية الأخرى- يرى أنه قد ورد بمصطلحات عدة نذكر منها: «النادر، الشوارد، والقليل، والضعيف...» وهذا يدل على عدم اكتمال هذه المصطلحات في أذهان علماء اللُّغة.
من هذا المنطلق يتجلى لنا اختلاط معاني هذه المصطلحات مع بعضها البعض؛ فالشاذ يختلط بالنادر والنادر يختلط بالقليل... ولاريب في أن هذا الاختلاط –حسب تصورنا ونظرتنا المتواضعة- يعود أساسا إلى عدم التدقيق والضبط الجيد لعلماء اللُّغة لهذه المصطلحات. ما يجعلنا نؤكد على حقيقة مفادها أن اللُّغة تبقى ناقصة عند الإنسان رغم ما يصل إليها من شواهد.
2. أسباب شذوذ المصطلح اللّساني العربي
إن المتتبع لواقع المصطلح اللساني العربي يلحظ أنه يعيش الفوضى والغموض والشذوذ؛ أي الخروج عما هو مألوف عن نواميس اللُّغة العربيَّة وقواعدها. ثم نزيد على ما تقدم، فنقول: إن ما يعيشه المصطلح اللساني العربي اليوم ظاهرة غير صحية- طبعا إن لم نكن مبالغين في ذلك- الأمر الذي يتطلب منا الأمر تكثيف الجهود والتنسيق بين المجامع اللغوية العربية لمعالجة أسباب عدم استقراره وشذوذه. ومن منطلق عدم صحية هذه الظاهرة ودورها الكبير في إحداث البلبلة والارتباك لدى الباحثين، نرى أنه حري بنا البحث عن أسباب ظاهرة شذوذ المصطلح اللساني في الدراسات اللسانية العربية الحديثة والمعاصرة. ونذكر من هذه الأسباب:
1.2. اختلاف منابع الترجمة
يجدر بنا التنويه –ههنا- أن اختلاف التكوين العلمي للسانيين العرب باختلاف المدارس اللسانية التي ينتمون إليها قد أثر كثيرا على توحيد المصطلح اللساني العربي، وجعله يعيش نوعا من الشذوذ والخروج عن المألوف. ومرد كل هذه الفوضى المصطلحية يعود بالأساس إلى بعض اللسانيين العرب الذين يعتمدون على الترجمة تارة من اللُّغة الفرنسية، وتارة أخرى من اللُّغة الإنجليزية، وهو الأمر الذي أفضى إلى وجود مصطلحيين لسانيين عربيين لمفهوم واحد. وقد بين عبد السلام المسدي هذا الأمر وأوضحه في قوله:
«اختلاف الينابيع التي ينهل منها علماء العرب اليوم بين لاتيني وسكسون وجرماني وسلافي... وما ينشأ عنه من توليد مطرد للمصطلح الفني بحسب توالي المدارس اللسانية وتكاثر المناهج التي يتوسل بها كل حزب من المنصرين للنظرية الواحدة أحيانا، كل ذلك قد تضافر فعقد واقع المصطلح اللساني العربي. فجعله إلى الاستعصاء والتخالف أقرب منه إلى التسوية والتماثل » (المسدي.1984: 72).
2.2. الاجتهادات الفردية
غني عن البيان أن ما جعل المصطلح اللساني العربي يقبع في الشذوذ والفوضى المصطلحية هو اقتصار ترجمة المصطلحات اللسانية من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية على الجهود الفردية الأحادية للسانيين العرب، وعدم تفعيل نشاط الهيئات والمجامع اللغوية في ترجمة المصطلحات اللسانية ونشرها. وبالتالي، اقتصرت الجهود على الجهود الفردية، وهو الأمر الذي سهل على اللسانيين العرب الانطلاق من اجتهاداتهم الذاتية في ترجمة المصطلحات اللسانية معتمدين في ذلك على خلفياتهم المعرفية للمدارس اللسانية التي ينتمون إليها، وانطباعاتهم الذاتية في تفضيل مصطلح على آخر متناسين في ذلك في بعض الأحيان نواميس اللُّغة العربية وقواعده.
بناء على كل ما سبق ذكره، كان من الأفضل «تظافر الجهود في خدمة المصطلح، نجد التناحر والتباعد وسيادة النزعة الفردية، وتغليب الأنا في العلوم المختلفة، ومن ضمنها المصطلح» (مصطفى.2003: 59). وما من شك أن هذه المجهودات الفردية في ترجمة المصطلحات الأجنبية إلى اللغة العربية تجعل - بشكل خاص- الدارس اللساني العربي أمام فوضى مصطلحية لا يعرف منها الصحيح والشاذ.
3.2. حداثة المصطلح اللّساني في الدّراسات اللّسانية العربيَّة الحديثة
يعود أيضا سبب الشذوذ المصطلحي في الدراسات اللسانية العربية إلى حداثة المصطلحات اللسانية في الثقافة اللسانية العربية، إذا ما قارنا المصطلح اللساني العربي بالمصطلح اللساني الغربي الذي ثبت واستقر في بيئته اللغوية التي نشأ فيها؛ إذ إن النظريات والمدارس اللسانية على اختلاف توجهاتها ومناهجها لا تثبت ولا تستقر في البيئة المستقبلة؛ أي البيئة المترجم إليها دفعة واحدة، بل الأمر أبعد من ذلك، فالعملية تمر بعدة مراحل بدءا في ذلك بالنقل ومرورا بالاحتكاك ووصولا إلى التمثل. وفي الأخير تترسخ المصطلحات ومفاهيمها، فتصبح عادة تجري على أقلام المؤلفين وتستوعبها عقولهم بتلقائية من دون تكلف (مسعود.2017: 106).
4.2. تعدد مؤسسات وضع المصطلح
ما تلام عليه أغلب المؤسسات والهيئات والمجامع اللغوية هو غياب التنسيق والتشاور والتحاور بين هذه المؤسسات لتوحيد المصطلح اللساني. ورغم أنه في هذا السياق أقيمت الكثير من التظاهرات العلمية والمؤتمرات للتوحيد بين جهود هذه المؤسسات العلمية في وضع مصطلح لساني جامع بين مختلف أقطار الدول العربية ممثلة في مجامعها اللغوية، إلا أن هذه الجهود كللت بالفشل لغياب الإرادة الحقيقية في توحيد المصطلح اللساني، وانعدام التنسيق بين المجامع اللغوية العربية، وهو ما أدى بتعدد المقابل اللساني العربي للمصطلح اللساني الغربي المترجم؛ الأمر الذي تجلى في شذوذ مصطلحي خارج عن المألوف، فظهر لبس كبير لدى المشتغلين بهذا العلم.
5.2. تعدد آليات وضع المصطلح اللّساني
نظرا لأن المصطلح يستند إلى مجموعة من الآليات في وضعه، فإن تعدد هذه الآليات (الاشتقاق، التعريب، النحت...) قد عمل على خلق مجموعة من الصعوبات في توليد المصطلح اللساني، إذ حدث خلط بين آليات الوضع وتقنيات ترجمتها. فلم يتم وضع ضوابط دقيقة وعلمية وموضوعية منذ البدايات الأولى لعملية ترجمة المصطلحات اللسانية من اللغات الأجنبية إلى اللُّغة العربيَّة، وترك الأمر للمترجمين اللسانيين كل حسب ثقافته وانطباعاته الشخصية، وبعيدًا كل البعد عن استخدام آليات الوضع المصطلحي، وللعفوية الذاتية التي كانت سببا في عدم تناسق المقابلات.
6.2. عدم استخدام التقنيات الحديثة في وضع المصطلح
كانت ولاتزال أغلبية المؤسسات والمجامع اللغوية تعتمد في توليد المصطلح اللساني على الآلية القديمة التي تنطلق من الاقتراض والنحت والاشتقاق والمجاز. ففي الوقت الذي قطعت فيه المؤسسات العالمية أشواطا كبرى من مثل اعتماد التعبير والتنميط، وهذا ما لم تدركه المؤسسات العربية باستثناء مشروع راب الذي أشرف عليه الأستاذ رشاد الحمزاوي، وهو مشروع قديم، إلا أنه هام جدا، وهي تجربة فريدة لأنها تبرز لنا وتظهر أهمية استثمار التقنيات الحديثة والمعاصرة في وضع المصطلح ونشره (صالح.2018: 24).
3. مظاهر شذوذ المصطلح اللّساني وتجلياته
1.3. فوضى المصطلح اللّساني
الصورة الجلية التي نلحظها في فوضى المصطلح اللساني العربي وتعدده هو ترجمة مصطلح (Linguistique) إلى اللُّغة العربيَّة، فنجد في هذا السياق اختلاف وتباين بين اللسانيين العرب حول ترجمة هذا المصطلح، وبذلك أصبح هذا المصطلح محل صراع وتجاذب بينهم، وهم بذلك لم يستقروا على ترجمة واحدة فيما بينهم. ومن هذا المنطلق، فقد بلغت المصطلحات المترجمة لمصطلح (Linguistique) على وفق ما ذكره عبد السلام المسدي في قاموس اللسانيات «ثلاثا وعشرين (23) مصطلحا منها: الألسنية، علم اللغة، اللغويات، الدراسات اللغوية الحديثة، علم اللغة العام، علم اللسان، اللانغويستيك، علم اللغويات الحديث، الألسنيات، اللسانيات، علم اللسان البشري...» (عبد السلام.1984: 72).
في هذا المسار، يجب أن ننوه بجهود المختصين المشاركين في ندوة الألسنية المنعقدة بتونس1978، وفي ندوة اللسانيات المنعقدة بدمشق1981. فقد أجمعوا على استعمال مصطلح «اللسانيات» بناء على توصية أهل الاختصاص التي تدعو الى استعماله على النطاق العربي كله (أحمد.2001: 14). ورغم الجهود النيرة المبذولة في هذا السياق، إلا أن المصطلح اللساني مازال يتخبط في البوتقة التي انغلق فيها، ولم يخرج من الفوضى والشذوذ المصطلحي. وظلت المصطلحات اللسانية التي ذكرها عبد السلام المسدى في قاموس اللسانيات تتجاذب في الاستخدام بين عالم لغوي وآخر، وكلهم غرقوا في انطباعاتهم الذاتية وتوجهاتهم المدرسية.
2.3. عدم وضوح دلالة المصطلح اللساني
إذا كانت دلالة المصطلح الغاية القصوى التي نشدها من وراء وضع المصطلح اللساني، إلا أن دلالته يجب أن تكون دقيقة ومضبوطة من جوانب اختلال دلالته وما يأتيه من تعميم وغموض. والسبب في ذلك هو عدم تدقيقنا في معرفة دلالة المصطلح بين القديم والحديث، فالمصطلح الذي استخدم في دراساتنا اللغوية القديمة يحمل دلالة مختلفة عما هو موجود في الدراسات اللغوية الحديثة؛ إذ يثير في بعض الأحيان مشكلة ليس من اليسير حلها. ومن أبرز الأمثلة على ذلك مصطلح «فقه اللغة» والمجالات التي يتناولها، ومدى ارتباط هذا المصطلح بمصطلح «علم اللغة» من جهة، والمصطلح الأجنبي «الفيلولوجيا(Philologie)» من جهة أخرى. إذ يلحظ عدم اتفاق اللسانيين العرب على معنى كل مصطلح من هذه المصطلحات الثلاثة، وعدم اتفاقهم على ما يدخل في تعريف كل منها وما لا يدخل(جلالي.2017: 170).
في هذا السياق أيضا يبرز الخلط الذي حدث عند اللسانيين العرب في ضبط مصطلحي لغة(Le langage) ولسان(La langue)، إذ يتجلى في هذا الإطار العجز والقصور في التعاطي مع المصطلح الأجنبي. ومثال ذلك ترجم بعض اللسانيين العرب المصطلح الأول اللغة(Le langage) وهي رصيد مستودع موجودة في كل الأدمغة البشرية؛ فهي ظاهرة إنسانية عامة، ويطلق المصطلح أيضا على لغة الحيوان ولغة الإشارة، ولغة العيون... في حين يحمل مصطلح اللسان(La langue) معنى اللسان البشري، وهو نظام اجتماعي موجود عند فئة اجتماعية محددة تستخدمه للتواصل والتفاهم فيما بينها.
3.3. بروز اللُّغة العربيَّة كلغة ضعيفة لا تستجيب للتكنولوجيا الحديثة
إن عدم اتفاق اللسانيين العرب على توحيد المصطلحات المقابلة للمصطلح الأجنبي المترجم يؤدي بالضرورة إلى فوضى مصطلحية، وتضارب في المصطلحات المعبرة عن مفهوم المصطلح الأجنبي. الأمر الذي أخذه البعض من اللسانيين مطية في استخدام المصطلحات الأجنبية كما هي بحجة أن اللغة العربية لغة ضعيفة ولا تستجيب للمصطلحات التكنولوجية الحديثة.
أضف إلى كل ما سبق ذكره، فالإنسان العربي لطالما استهان ولا يزان يستهين ويستخفف بلغته ويعتبرها قاصرة على استيعاب المعاني الجديدة المعاصرة، وذلك بسبب انبهاره وتعلقه الشديد بقدرات اللغات الغربية على ذلك. وينسى ما للغة العربية من طاقة معجمية لا تنفذ في توليد ما لا يعد ولايحصى من المصطلحات (جلالي.2017: 177) 3– 4 – اختلاف التعريب في اللُّغة المنقول عنها:
من المتعارف عليه أن الاختلاف في اللغة المنقول عنها يؤدي بالضرورة إلى اختلاف المصطلح وتعدده في التعريب، كما نجد ذلك في الترجمة، ومرد ذلك إلى اختلاف النطق بين اللغتين الإنجليزية والفرنسية، باعتبارهما أكثر اللغات التي تنقل عنهما اللغة العربية المصطلح اللساني. وفي هذا السياق لنا أن نسوق مجموعة من الأمثلة، فالمصطلح الإنجليزي (Phonem) يعرب إلى اللُّغة العربيَّة بـ(فونيم) يعرب المصطلح الفرنسي (Phonèm) بـ(فونام). وهو أيضا ما ينطبق على مصطلح (Morphem) الإنجليزي الذي يعرب بـ(مورفيم) بينما يعرب المصطلح الفرنسي (Morphème) بـ(مورفام). والمصطلح الإنجليزي (Monem) يعرب بـ(مونيم) ويعرب مقابله الفرنسي (Monème) بـ(مونام)؛ ويعود السبب في كل هذا إلى وجود اختلاف بين نطق(e) الإنجليزية التي تنطق ياء المد(يـ) ونطق(è) الفرنسية التي تنطق قريبة من ألف المد(ا) في العربية ( أحمد الهادي.2018: 95)..
4. جهود عبد الرحمان الحاج صالح اللسانية في توحيد المصطلح اللساني
إن المتتبع والقارئ لأعمال وكتابات عبد الرحمان الحاج صالح يلحظ تعلق الرجل الشديد بالتراث اللغوي العربي تعلقا لا نلحظه عند غيره من اللسانيين العرب، وهذا لا يلغي عدم إطلاع الرجل وتشبعه بالمعارف اللسانية الغربية الحديثة، وهو الذي تكون في أعرق الجامعات الغربية. وفي إحدى المحاضرات في الجامعات الجزائرية طرح عليه أحد الأساتذة هذا السؤال: هل أنت من المحافظين أو من المجددين؟ فقال: لست محافظا ولست مجددا، بحثت في التراث فوجدت مجموعة من المعارف لم أجدها في الدراسات اللسانية الحديثة، ولو وجدتها في هذه الدراسات لتمسكت بها. وقد برزت جهوده اللسانية في توحيد المصطلح اللساني فيما يلي:
1.4. في التأصيل للمصطلح اللساني
مما يجدر التنويه به- ههنا- أن الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح لم يعمد إلى التأصيل للمصطلحات اللسانية كمقابل ونظير للحداثة، بل الأمر أبعد من ذلك يتجاوزه إلى التقليد، ومهما كان زمان ومكان ذلك المقلد. إذ تمعن كثيرا في المصطلحات اللسانية العربية المتداولة وتفحصها، ولاحظ أن التراث اللُّغوي العربي الأصيل يزخر بالكثير من المصطلحات العربية الأصيلة، وهي لاتقل قيمة ولا جودة عما جاءت به الحداثة أو المعاصرة، إذ يقول في هذا السياق:
«تقابل في الحقيقة التقليد أيا كان المقلد المحتذى به سواء كان العلماء العرب القدامى أو العلماء الغربيين، إذ الأصيل هو الذي لا يكون نسخة لغيره(...) والأصالة في زماننا هذا، وعلى هذا الأساس هي الامتناع من تقليد الغربيين خاصة» (عبد الرحمان.2007: 11).
غني عن البيان أن عبد الرحمان الحاج صالح في تأصيله للمصطلح التراثي لم يكن قاسيا وجلادا بل تحرى الموضوعية في كل كتاباته اللسانية، بذلك نجد أن أغلب أو جل كتاباته خلت من كل تحيز أو أحكام مسبقة، فهو لم يكن منبهرا بالكتابات اللّسانية الغربية الحديثة، ولم يكن أيضا متحجرا ومنغلقا على التراث اللُّغوي العربي الأول الأصيل؛ بل عمل على الجمع بين الأصالة والحداثة. ويسعى عبد الرحمان الحاج صالح من خلال منهجه التأصيلي «الكشف عن جوانب من التفكير اللغوي عند العرب تتفق وعلم اللغة الحديث سعيا وراء تأصيل هذا التراث وفق نظريات علم اللغة تمهيدا للكشف عن نظريته الأصيلة» (حسن.2001: 241 - 242). والهدف الذي يتوخاه عبد الرحمان الحاج صالح من وراءه تأصيله للمصطلحات التراثية هو مسعى نبيل يتمثل في إثبات أصالة المصطلحات اللغوية العربية التراثية.
لاغرو من التأكيد أن عبد الرحمان الحاج صالح قد توخى الدقة العلمية في دراسة المصطلحات التراثية، وتعمد العمق في دراسة هذه المصطلحات، ويكون بذلك قد تجاوز مرحلة الترجمة إلى مرحلة التفكير العربي الأصيل. وهو بالتالي استطاع أن يحدث عملية موازنة بين المصطلحات العربية التراثية والمصطلحات الغربية الحديثة ويختبر نتائجها.
2.4. في إحياء التراث اللغوي
ما تجدر الإشارة إليه –ههنا- أن عبد الرحمان الحاج صالح من خلال النظرية الخليلية الحديثة التي وضع قواعدها الأولى استطاع أن يبرز أهمية الرجوع إلى التراث اللغوي العربي الأصيل، وإعادة قراءة هذا التراث اللغوي للعلماء العرب الذين عاشوا في الزمن الأول للفصاحة اللغوية التي تقترن أساسا بالصدر الأول للإسلام حتى القرن الرابع هجري. ومن هذا المنطلق، يرى ضرورة إحياء التراث اللغوي عن طريق فهم والتفحص والتعمق فيما قاله الأولون ومقارنته باللسانيات الغربية الحديثة.
بناء على ما سبق ذكره، عمد الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح إلى استعمال المصطلحات اللغوية العربية الأصيلة بما يقابلها من المصطلحات اللسانية الغربية الحديثة. وقد تحرى في ذلك إحياء بعض المصطلحات التراثية، لأنه يرى أنها تعبر أكثر من غيرها من المصطلحات اللغوية العربية المعاصرة عن المفهوم للمصطلحات اللسانية الغربية الحديثة، أو لأنه أيضا لم يجد في الدراسات اللغوية العربية الحديثة ما يعبر به عن هذه المفاهيم. ومن المصطلحات اللغوية التراثية التي عمد الحاج صالح إلى إحيائها نذكر: وضع واستعمال، الموضع والعلامة العدمية، الأصل والفرع، الانغماس اللغوي، بنوية، مقام، مخرج، الحركة والسكون، الإطالة، منشأ لغوي، قسمة التراكيب، الصوت الحنجري، التقطيع الأولي، الاستغراقية، القياس...
3.4. في الترجمة
يحضر كثيرا النص المترجم في كتابات الحاج صالح من خلال النصوص المترجمة من اللغات الثانية (الفرنسية والإنجليزية)، إذ يحرص على اختيار المصطلحات التي تحمل دلالة دقيقة في التعبير عن مفهوم المصطلحات اللسانية المترجمة. وتجدر الإشارة إلى أن الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح يرى أن مشكلة ترجمة المصطلح اللساني ووضعه تظهر
« في أمور ثلاثة:
- اعتباطية العمل عند الكثير من اللغويين، أي عدم خضوعه لضوابط علمية، وذلك بعدم مراعاته لمعطيات العلوم اللسانية الحديثة بصفة خاصة، ومنهجية العلوم الاجتماعية بصفة عامة.
- حرفيته، أي اقتصاره على البحوث الفردية التي هي أشبه شيء بالصناعات التقليدية يعتمد فيه على المعالجة اليدوية كالنظر الجزئي في القواميس والاقتصار على جرد العديد من المعلومات بالأيدي العزلاء.
- عدم شموليته بعدم الرجوع إلى كل المصادر العربية التي يمكن الاستقاء منها. - وخاصة المخطوط منها – وجميع المراجع الأجنبية التي يمكن استغلالها لتحديد المفاهيم الحديثة» (عبد الرحمان.2005: 25 -26).
غني عن البيان، أن الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح عمل على تجسيد مشروع متكامل ومتناسق يسعى إلى تكوين متخصصين في علم المصطلح والترجمة المتخصصة، وهذا سعيا منه لوضع المصطلحات اللسانية والعلمية وفق أسس علمية مضبوطة وتقنين الترجمة بطريقة علمية. وتظهر سمات هذا المشروع الطموح فيما يلي(عبد الرحمان.2007: 372 - 373):
-
تكوين مختصين في الترجمة، لنقل العلوم والتكنولوجيا، ويكون ذلك بالإعداد على نطاق واسع لعدد كبير من المترجمين في نقل العلوم، ومن المعروف أن العدد الذي تتوفر عليه البلدان العربية من الاختصاصيين في ميدان الترجمة عدد قليل جدا.
-
سد النزاع اللغوي الكبير في الوطن العربي.
-
توفير الكتاب العلمي، مما يؤدي إلى استرجاع اللغة العربية لمكانتها الأصلية – الطبيعية- وبه تتكاثف الجهود عن هذه الثقافات العربية التي تقوم على غفوة أنها في درجة الكمال أحيانا.
ما يجدر التنويه به أنَّ الذي يقصده عبد الرحمان الحاج صالح بالتكوين لا يخص
«تكوين تراجمة فقط بل اختصاصيين في علم المصطلح، ومن ثم اختصاصيين في علم من علوم اللسانيات التطبيقية ألا وهو علم اللغة المطبق على المصطلحات العلمية والتقنية، وهم في نفس الوقت مترجمون متخصصون؛ أي خبراء في علم معين تخصصوا في ترجمة النصوص المتعلقة إلى هذا العلم» (عبد الرحمان.2007: 373 - 374).
4.4. ضبط المصطلحات اللسانية
ما يجدر التنويه به في هذا السياق أن الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح من أشد اللسانيين تشددا في وضع المصطلح اللساني وترجمته، وقد قدم لنا الكثير من الجهود التي يجب الإشادة بها في وضع المصطلحات اللسانية عن طريق الاشتقاق أو النحت أو الترجمة... ونذكر هذه الجهود فيما يلي:
-
ترجمة مصطلح (Linguistique) بـ اللسانيات أو علم اللسان بدلا من اللغويات أو علم اللغة أو الألسنية: يقر عبد الرحمان الحاج صالح في هذا السياق، أن بعض من المترجمين العرب قد عملوا على ترجمة مصطلح (Linguistique) بعلم اللغة، وإن كان مصطلح علم اللغة يحمل معنى مفهوم علم اللسان، إلا أنه يدل على معان أخرى مشتركة، ومنها: «المفهوم الناتج عند مقابلتها لكلمة(نحو) مقابلة الشيء لقسميه، وكذا مقابلتها للعربية(علم اللسان العربي) مقابلة الخاص للعام. المفهوم الناتج من مقابلتها لكلمة اصطلاح، وهذا التقابل يجري استعماله بكثرة في التحديدات اللغوية خصوصا تحديد معاني المصطلحات» (عبد الرحمان.2007 أ: 36 - 37).
بالنظر إلى ما آنف ذكره، يرى عبد الرحمان الحاج صالح أن مصطلح علم اللسان يدل على معنى محدد ومضبوط، ولا يتجاوزه إلى المعاني المشتركة (علم اللغة). وفي سياق آخر، يرى أنه هناك من الباحثين العرب من يستخدم «علم اللسانيات»- وهذا حسب التصور الخاص به- فيه الكثير من الحشو والغلو والتكلف لأن الألف والتاء في اللُّغة العربيَّة تدل على العلم، فإما أن نقول» اللسانيات «قياسًا على البصريات والرياضيات أو«علم اللسان» . بينما هناك من عمد إلى توظيف مصطلح «الألسنية» وهذا الوزن في اللُّغة العربيَّة في الأغلب الأعم يدل على المذهب الديني نقول: » الشافعية، الحنبلية... -
اعتماد مصطلح الانغماس اللُّغوي في ترجمة مصطلح (Bain linguistique) بدلاً من الحمام اللغوي: أو ما يعرف عند علمائنا العرب القدامى بالملكة اللُّغوية، وهي مهارة تنمو وتتطور في بيئتها الطبيعية التي لا يسمع فيها أي ضجيج أو لغو، وخارج هذه البيئة الطبيعية فمن الصعب جدا أن تتطور هذه الملكة اللغوية. إذ يقول عبد الرحمان الحاج صالح في هذا السياق:« إن الملكة اللغوية لا تنمو ولا تتطور إلا في بيئتها الطبيعية، وهي البيئة التي لا يسمع فيها صوت أو لغو إلا بتلك اللُّغة التي يراد اكتسابها، أما خارج هذا الجو الذي يسمع فيه غير هذه اللُّغة فصعب جدا أن تنمو فيه الملكة اللغوية، فمن أراد أن يتعلم لغة من اللغات فلابد أن يعيشها وأن يعيشها هي وحدها لمدة زمنية معينة، فلا يسمغ غيرها ولا ينطق بغيرها وأن ينغمس في بحر أصواتها كما يقولون لمدة كافية لتظهر فيه هذه الملكة » (عبد الرحمان. 2007: 193).
-
استعمال لغة المنشأ بدلاً من لغة الأم: كثيرا ما تعرف لغة الأم على أنها اللغة التي عادة ما يكتسبها الطفل ويتلقاها من الأسرة والمحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه، ويكون هذا في سنوات عمره الأولى بطريقة لا شعورية لا إرادية، فالأم ليست ملزمة أن تتخصص في التعليم حتى تعلم ابنها اللغة، فهو بالتالي يكتسبها تلقائيا من محاكاته للآخرين وتقليده لأسرته، وتنتهي في الأخير بالاكتساب. وفي هذا الإطار، يرفض الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح تسمية أول لغة يتلقاها الطفل في محيطه الأسري والمجتمع بلغة الأم؛ لأن ذلك -حسب تصوره الخاص- توهم القارئ بأن هناك لغة الأب، لغة الأخت، لغة الأخ... ويفضل تسمية لغة المنشأ؛ أي لغة المحيط الذي نشأ فيه الطفل ويكتسب من خلاله لغته المنشأ بشكل عفوي عن طريق الاحتكاك مع أفراد أسرته ومحيطه الاجتماعي بشكل عام (عبد الرحمان.2009 . مدونتي) .
-
استعماله لمصطلح البنوية بدلا من البنيوية: إن المذهب البنوي هو المذهب اللغوي العلمي الذي ظهر في أوروبا وأمريكا في بداية القرن العشرين ميلادي؛ إذ يدعو هذا الاتجاه العلمي إلى دراسة اللغة كنظام لها وجود سابق لوجود أجزائها ومكوناتها. فالبنية كما يتصورها البنيويون تتدرج في نظام تمايزي على أساس التقاطع والتمايز. وما يجدر التنويه به في هذا السياق، أن عبد الرحمان الحاج صالح قد وظف مصطلح البنوية كترجمة للمصطلح الأجنبي(structuralisme)؛ إذ شاع عند البعض من الدارسين العرب استعمال مصطلح «البنيوية »، وهو مصطلح غير صحيح في الوضع، لهذا قام الدكتور الحاج صالح بتصحيحه قياسا على أصل اشتقاقه، ويوضح الحاج صالح ذلك في قوله: « اتبعنا في هذه النسبة رأي يونس بن حبيب النحوي الذي يقول في ظبية: ظبوي وهو أخف من ظبي ووجهه الخليل. أما المقصود منه فهو الوصف الذي تتصف به الآن مناهج المدارس الملقبة (Structuraliste)» (عبد الرحمان.2007 أ: 63).
-
استعمال مصطلح الاستغراقية في ترجمة مصطلح (Distributionnalisme) بدلاً من مصطلح التوزيعية: ويقر عبد الرحمان الحاج صالح أن مصطلح الاستغراق أكثر دلالة وتعبيرا عن مفهوم التوزيع، والذي يرتبط أساسا باستغراق جميع القرائن اللغوية والسياقات التي تظهر فيه الوحدة اللغوية. ويبين ذلك بقوله: «إن هذه الطريقة قد بنيت على مفهوم الاستغراق (Distribution) كما يفهمه علماء اللسانيات الحديثة ويسميه النحاة العرب قديما بـ» قسمة المواقع« أو المواقع(شرح الرماني للكتاب) وهو عند العرب أوضح وأبين، لأن المفهوم النظري المحدث يعني به المحدثون استفراغ جميع ما يمكن أن يحيط بوحدة لغوية في الخطاب أو كل ما تحتمله من سياق لفظي ذي دلالة » (عبد الرحمان.2012: 17).
-
استعمال ثنائية الوضع والاستعمال بدلا من ثنائية اللغة والكلام: ويقر عبد الرحمان الحاج صالح في هذا السياق بحقيقة مفادها أن العلماء العرب القدامى الذي عاشوا زمن الفصاحة اللغوية الأولى هم الأشد حرصا على الاستعمال الحقيقي للغة في مختلف الأغراض والمواقف التواصلية. إذ يعرف الوضع بقوله:« أن اللغة مجموعة منسجمة من الدوال والمدلولات ذات بنية عامة ثم بنى جزئية تندرج فيها، وهذا هو الوضع، وما يسمى بالقياس هو المعقول من هذا الوضع، أي ما يثبته العقل من انسجام وتناسب بين هذه العناصر اللغوية والعلاقات التي تربطها، ومن جهة أخرى ما يثبته من تناسب بين العمليات المحدثة لتلك العناصر على شكل تفريعي أو توليدي( من الأصول إلى الفروع) »(عبد الرحمان.2007 أ: 195) . ويعرف الاستعمال بأنه: «هو كيفية إجراء الناطقين لهذا الوضع في واقع الخطاب. وليس كل ما هو موجود في الوضع يخرج إلى الوجود في الاستعمال كما أنه ليس ما يقتضيه القياس يحصل في الكلام، فالقياس كعملية عقلية قد يؤدي إلى ما لا يقبله الاستعمال، لأن هناك مقتضيات أخرى غير ما يحتمله الوضع والحد اللغوي »(عبد الرحمان.2007: 195)
5. مشروع الذخيرة اللُّغوية
رأى عبد الرحمان الحاج صالح أنه من الضروة القصوى في ظل ما يشهده العالم من تدفق معرفي وعلمي، وما يشهده من تطور في الوسائل والتقنيات وضع مشروع يحفظ التراث اللغوي العربي الأصيل في زمن الفصاحة العربية بالاستعانة بالوسائل التكنولوجية الحديثة. وفي هذا السياق يعرف مشروع الذخيرة اللغوية بقوله: « بنك آلي من النصوص، وهي ليست مجرد مدونة أدخلت في ذاكرة الحاسوب، وهي ليستcdrom كما يقولون، بل مجموعة من النصوص أدمجت على الطريقة الحاسوبية، حتى يتمكن الحاسوب مسحها كاملة، أو جزئيا، ولهذا عدد من البرامج الحاسوبية وضعت خصيصا لإلقاء أنواع خاصة وكثيرة من الأسئلة على الدخيرة »(عبد الرحمان.2005: 288).
جدير بالذكر، أن مشروع الدخيرة اللغوية هو مشروع عام وشامل ومتكامل اشتمل على الكثير من التخصصات العلمية، ويستهدف جمع كل منجزات الفكر العربي والفكر العالمي في مختلف التخصصات العلمية، وجعلها في خدمة الباحث العربي في أي وقت. ومن هنا، فالمشروع اللغوي يمثل وثبة علمية جيدة إذا ما تم تجسيده على أرض الواقع، وهو ما سيحقق بالفعل إنجاز بنك آلي للغة العربية.
الخاتمة
وصفوة القول في الأخير: إن إشكالية فوضى المصطلح اللساني وشذوذه قد وجدت صداه الكبير من الرعاية والاهتمام عند الدكتور عبد الرحمان الحاج صالح؛ فقد عمل من خلال مقالاته المنشورة في مختلف المجالات العربية والدولية والملتقيات التي شارك فيها نحو السعي لإيجاد حلول فعالة لمشكل المصطلح اللساني العربي الذي تتخبط فيه اللغة العربية. وإن ما آل إليه المصطلح اللساني من شذوذ في النقل ينم عن خلل في التوظيف الجيد لآليات توليد المصطلح اللّساني في اللُّغة العربيَّة. من هنا حرص على التأكيد بوجوب الاستثمار في كل ما تكتنزه اللُّغة العربيَّة من آليات توليد المصطلح واستغلال الإمكانات المتوفرة في هذه اللغة، وبالاعتماد أيضا على الترجمة من لغات أخرى، وخاصة من اللُّغة الفرنسية والإنجليزية.
من هذا المنطلق، فكثيرا ما أكد عبد الرحمان الحاج صالح- من خلال التجارب التي خاضها في وضع المصطلح اللساني- أنه لا يمكن لأي جاحد أن ينكر الجهود التي قدمها مجموعة من اللسانيين العرب في المصطلح اللساني، وحتى المجامع اللغوية المختلفة من المجمع اللغوي الجزائري ومجمع القاهرة ومجمع دمشق... ؛ إذقدمت هذه المجامع جهودا كبيرة تشكر عليها، إلا هذه الجهود تبقى غير كافية أمام التدفق الكبير الذي يشهده العالم في المعارف، وعدد المصطلحات التي يتم توليدها. وعليه يدعو عبد الرحمان الحاج صالح إلى أن تقوم المجامع اللغوية العربية بدورها الذي اضطلعت به، من خلال السعي نحو رصد المصطلحات اللسانية المتعددة للمفهوم الواحد، وحسن اختيار أنسبها وأقربها عن المفهوم.